الطلاق في النمسا بین الحقوق والواجبات
(المقال الأول)
الطلاق, تسریح بإحسان أم تجریح وبهتان
لا شك أن الكیان الأسري هو الكیان الأهم والأقدس في المجتمع والذي یتوجب علینا أن نحافظ علیه وأن نُصلحهُ بكل ما أوتینا من علم وقوة, وأن نبث التوعیة بشكل دائم عن مخاطر ما قد یزعزع هذا البناء, ومن هذه المخاطر وأسوأها " الطلاق ", والذي لا یصح أن یحدث بین لیلة وضحاها بل أن یسبقه محاولات لتقریب وجهات النظر والتوفیق بین الشریكین.
واضح وجلى أن ظاهرة الطلاق بین الذین یحملون أصول عربیة في النمسا أصبحت منذ فترة ليست بالقصيرة .. ظاهرة تستحق الدراسة - بل والتحذیر من مخاطرها, وبالبحث في أسباب ظاهرة الطلاق في المجتمع العربي والإسلامي في النمسا يتبین للعيان أن منها :
ما هو مادي من خلال امتناع أحد الزوجین عن نفقة الأسرة أو البخل الشدید, والعنف البدنى والنفسى , وكذلك النزاع على المساعدات المادیة التي یحصل علیها الأطفال من الدولة النمساویة والاعتقاد بأنها حق مكتسب واستغلالها في إنشاء مجتمعات متوازیة داخل أو خارج النمسا.
و من ضمن الأسباب الغیر معلنة للطلاق (انبهار وافتتان الزوجین بالحضارة الأوروبیة - والأفكار التحرریة ومحاولة إقناع النفس بضرورة التحرر من القیود الموجودة في المجتمعات الشرقیة والعربیة والجدل حول حقوق ومكانة المرأة).
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن قانون الزواج النمساوي لسنة 1938 یعرف نوعین من الطلاق أحدهما وارد في المادة رقم 55 أ
الطلاق بالتراضي - أو الطلاق الهادئ - لما یحتویه من اتفاق الزوجین فیما بینهما للانفصال عن رغبة مشتركة ودون اللجوء إلى منصات القضاء. وتتم إجراءات هذا النوع من الطلاق أمام المحكمة عن طریق تقدیم الطرفین عریضة التراضي موقعة من كلیهم
ویتفق فیها الطرفان على كل ما یترتب على الطلاق من نتائج - منها :
تقسیم الممتلكات النقدیة والعینیة وكذلك كل ما یخص الأولاد من حضانة ونفقة وحقوق الرؤیة والرعایة.
عملیة الصلح والإصلاح بین الزوجین
استحدثت النمسا سنة 2013 المادة رقم 95 فيما یعرف بـ (Ausstreitgesetz) عملیة الصلح والإصلاح بین الزوجین قبل قیام الدعوى أمام القضاء.
حیث اشترط القانون أنه یتعین على الزوجین أن یتلقیا من معاهد متخصصة للنصح والإرشاد شرح واف عن أخطار الطلاق المادیة والمعنویة والاجتماعیة على الأسرة وبخاصة الأطفال. وهذا شرط أساسي لقبول دعوى التطلیق أمام القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء له أساس مشابه في القرآن الكریم في سورة النساء "َالاية 35"
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا.)
ومن المهم بمكان أن نشیر إلى أن هذه المؤسسات تؤدي عملها في إطار القانون -والهدف المحدد لها - ولكن على الزوجین أن یدركا أن هذه المؤسسات تؤدي عملها على خلفیة الثقافة والعادات والتقالید - في المجتمع النمساوي - وهذا محدد بالقانون - والسؤال الذي یطرح نفسه -
هل تتوافق هذه النصائح والإرشادات مع المتخاصمین الذین یحملون أفكار وعادات وتقالید وثقافات شرقیة أو بالأحرى عربیة ؟
وهل ستثمر طروحاتهم اجتهاداتهم في حل المشكلات مع ما تنتظره المرأة الشرقیة أو الرجل الشرقي ؟
الإجابة متروكة للقارئ الكریم!!!!!
علینا أن نختار دائما بین الحسن والأحسن في إطار الحفاظ على الكیان الأسري ومستقبل الأجیال القادمة.
فالبیوت تدار بالتفاهم لا بالتناحر - والتعاون والمودة والرحمة لا بالشدة والغلظة.
هذا قبس من فیض وللحدیث بقیة ما دام من العمر بقیة. |