السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

السيرة النبوية الشريفة

تقديم : د. محمد الرمادى
فيينا / 2024

147.شهادة الْحُصَيْن بن سلام بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-

أحداث جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ..
العهد:المدني؛المكان:المدينة المنورة
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
.. في هذه السنة..وفي أوّل قدومه -صلّى الله عليه وآله وسلم- مهاجراً بأمر ربه -تعالىٰ في سماءه وتقدست اسماؤه- ومن بعد إذنه -وهو العليم الخبير-من مكة إلىٰ -يثرب- المدينة المصطفوية.. أسلم ابن سلام. .ويكنى أبا يوسف.. وكان اسمه فى الجاهلية الْحُصَيْنُ.. وهو من ذرية يوسف الصديق أصغر أولاد يعقوب [(إسرائيل)] من نسل إسحاق الولد الثاني لـ إبراهيم الخليل من زوجه سارة -عليهم جميعا الصلاة والسلام-
كان عبدُالله (الْحُصَيْنُ) بن سَلاَم بن الحارث سيدًا من أَسْيَّاد اليهود في -يثرب-المدينة، وكبيرًا من كُبرائهم، وعالمًا من علمائهم، وحَبرًا من أحبارهم، مُطَّلعًا على كتبِ اليهود وعارفًا بما جاء فيها من البِشارات.. وصِفة النبي المُنتظَر..فـ يَعلَمُ مِن التَّوراةِ صِفاتِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ.الإمام الحَبر، عالم التوراة، أبو الحارث الإسرائيلي..
[ شهادة عبدالله بن سلام -رضي الله عنه- بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-]
ابن سلام كان عالمًا يهوديًّا من يهود بني قَيْنُقَاع يُسمَّى حُصَيْناً فلمَّا بلَغه مَقدَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أتاه يسأله عن أشياء، فقال:„إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنَّ إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟؛ وما أول طعامٍ يأكله أهل الجنة؟؛ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟“؛فـ
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «„أخبرَني به جبريل آنفًا“ » ؛
قال ابن سلام:„ذاك عدو اليهود مِن الملائكة“؛
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «„أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تَحشُرُهم من المَشرِق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادةُ كبدِ الحوت، وأما الولد، فإذا سبَق ماء الرجل ماء المرأة نزَع الولد، وإذا سبَق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد“ » ؛
قال ابن سلام:„أشهد أن لا إله إلا الله وأنكَ رسولُ الله“..
[كَيْفَ أَسْلَمَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَابن سلام:„لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الَّذِي كُنَّا نَتَوَكَّفُ - نترقب وننتظر - لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وَعَمَّتِي خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَبَّرْتُ؛ فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي:„خَيَّبَكَ اللَّهُ، وَاَللَّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْتَ“.. فَقُلْتُ لَهَا:„أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاَللَّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعَلَى دِينِهِ، بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ“..فَقَالَتْ:„أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السَّاعَةِ؟“.. فَقُلْتُ لَهَا:„نَعَمْ“.. فَقَالَتْ:„فَذَاكَ إذًا“.. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا..
فلما أسلم سمَّاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:„عبدالله“.. فقال:„أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله“؛.. الصحابي الجليل المشهود له بالجنة.. حليف الخزرج الإسرائيلي.. ثم الأنصاري حليف الأنصار.. من خواصِّ أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
-*/*-
ما ينبغي إلقاء ضوء عليه أن المرحلة (العهد) المكية كان يوجد خلالها صراع هادئ نسبة للمنعة عند بعض أوائل المؤمنين أحياناً.. وحاد دموييصل إلى حد زهق الأرواح أحياناً كثيرةبين افراد دعوة التوحيد وبين صناديد صانعي الآلهة وكفار ناحتي الأوثان : عبَّاد الأصنام.. ثلةٌ من أهل مكة قبلت بالتوحيد والتزمت عبادة رب الأرباب وحده.. خالق الكائنات ومنشأ الإنسان ومبدع الأكوان.. لا تشرك به شيئاً.. وتوحيدهم يعني نبذ الأصنام..وكانت تلك القلة التي أمنت بآله واحد لا والد له ولا ولد ولا شبيه له ولا سند ولا معين له ولا وزير : خالق رازق محيي مميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.. هذه القلة في حالة ضعف.. فالصراع وجد بين مشركين.. عبدة أصنام وصناع بأيديهم أوثان..دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت بهدم الشرك بكلّ صوره وهو في مكة ثلاث عشرة سنة!.. وظل الصراع داخل مكة فلم يظهر بوضوح صراع بين الدين الخاتم وبين أتباع كتاب سماويسابق في البداية.. هذا جانب..
وأما الجانب الثاني فـ حين انتهى العهد(المرحلة) المكي بالمؤامرة على خاتم الأنبياء والتخلص منه بتصفيته جسدياً.. بـ قتله.. -وقد نشرتُ أحداثها على هذا الموقع- بدأت أحداث الهجرة النبوية الشريفة ووصوله الميمون إلى (يثرب) المدينة.. هنابدأت على الفور مرحلة صراع جديدة آخرى مع زيادة أطراف كارهة لهذا الدين منها خارجية وآخرى داخلية.. منهم : أهل كتاب سماوي.. مع وجود في نصوص كتابهم ما يثبت نبوة الخاتم محمد بن عبدالله.. فانحاز إلى طرف المشركين أطراف أهل الكتابين: أتباع كتابيالتوراة والأناجيل.. ومن طرف المسلمين فئة من المنافقين.. فتشكل معسكر يعاند ويعارض الإسلام الخاتم.. وهذا يعود لمجموعة عناصر تجتمع في سبب وحيد ألا وهو : خشية ضياع النفوذ والسيطرة والجاه وضياع المُلك..ويرافق هذا : غياب المصالح وانقطاع المنافع يبنى على هذا ضعف الوجاهة الإجتماعية بل وتلاشيها مع ضمور السيادة والرئاسة.. وإنتقالها إلى آخرين من دونهم.. وكل فريق له عنصر أو أكثر -من تلك- مقنع من وجهة نظرهوحسب توجهاته وتمسكه بعقيدة فاسدة أو إيمان باطل واقتناعه بمبادئ واهية في الدين اخترعوها وتشبثوا بها.. ورغبة الإنسان في إيجاد آله ملموس محسوس مرئي..
والإسلام الخاتم يضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج ويوضح المقياس الصحيح السليم وفي كل مسألة أمام الرأي الفاسد أو الإيمان الباطل.. والقرآن الكريم يذكر مواقف هؤلاء فيكشف عن هذا الضلال المبين.. وإسلام خاتم المرسلين ودعوة متمم المبتعثين ورسالة آخر الأنبياء محمد بن عبدالله من ذرية جده الأكبر إسماعيل وجده الأول إبراهيم الخليل من الجارية التي جاءت بها السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم إلى أرض كنعان، بعد رحلتها المشهورة إلى أرض مِصر في صحبة زوجها، عندما خرج من بلاده مهاجرا بدينه.. هاجر المصرية «أم العرب العدنانيين».. هذا الإسلام يكشف بأدلة ساطعةزيف رغبة الإنسان وميله في آله ملموس..بل هو سبحانه:﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾..ورغبته بجهله في آله محسوس وهو الذي﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾..فيرغب هذا الإنسان في آله مرئي.. وكيف ذاك وهوالذي ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾..
لذا فالإسلام الخاتم وضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج ليبين الصواب من الخطأ ويبين الفاسد من الصالح والطالح من النافع والصحيح من السقيم فاثبت القرآن بعض النماذج الخاطئة الفاسدة الباطلة.. أسمع لقول قوم قالوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾.. وناس ﴿ .. أَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون﴾..فقد طلبوا من موسى -عليه السلام- أن يجعل لهم صنماً يتقربون بعبادته إلى الله كما اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها.. فقال ابن الجوزي: " وهذا إخبار عن عظيم جهلهم حيث توهموا جواز عبادة غير الله، بعد ما رأوا الآيات".. فـ .: " يظهر من جواب موسى -عليه السلام- أنه وإن أنكر عليهم جهلهم: لم يجعل طلبهم ارتدادا عن الدين، ويشهد لذلك أنهم لم يؤاخذوا هنا، كما أوخذوا به عند اتخاذهم العجل، فكأنهم هنا - والله أعلم - عذروا بقرب عهدهم".. واسمع لقوم قالوا : ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾.. هذا.. لأننا: ﴿نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا﴾..﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾.. ﴿وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا﴾.. ﴿ وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾.. وقوم : ﴿أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾..فجاء الرد السريع من باب تصحيح العقائد وتصويب الإيمان بالقول الساطع : ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾.. ثم تأتي كرامات بقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾..
وجاء حديثٌ يحتاج إلى تخريج ودراسة فــ في حديث يُونس: «لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، خَرَجَ بِنَا مَعَهُ قِبَلَ هَوَازِنَ، حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى سِدْرَةِ الْكُفَّارِ: سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا، وَيَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ..»..وفي حديث إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ فَمَرَرْنَا عَلَى شَجَرَةٍ يَضَعُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ..».. وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».. والاستشهاد الأخير.. هذا.. متعلق بالمسلمين الجدد أو من أخذوا الإسلام وراثة عن الأجداد.. أو بحكم شهادة الميلاد.. فهم معذورون بجهلهم..لكن لغلبة الجهل، وقلّة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يخالفه.. ولقد اجهد ذهنه د. خالد الحايك في تخريجه..
قلت(الرَّمَادِيُّ): هناك استشكال في الحديث السابق يحتاج لتحقيق سابحثه من بعد تكرمه -سبحانه- وتعطفه ورضاه في نهاية البحوث في ملحق قادم.. إذ " لا يُعرف أنه كان للمشركين في الحجاز مثل الشجرة التي جاء ذكرها في هذا الحديث!! فالمعروف أن أهل الجاهلية من قريش والقبائل في الحجاز كانوا يعبدون الأصنام فقط، ولا يُذكر أنهم كانوا يعبدون الأشجار أو يتبركون بها ونحو ذلك."..
كما هناك ضرورة لتحقيق ترجمة الصحابي الجليل عبدالله بن سلام وكذلك مُخَيْرِيقِ النَّضْرِيِّ الْإِسْرَائِيلِيِّ.. سأبحثهما من بعد توفيقه في ملحق شخصيات محورية في السيرة المحمدية النبوية؛ وكذلك بحث مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-وأنه من العشرة المبشرين بالجنة على لسان الصادق المصدوق...
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الأحد: ٥ شوال ١٤٤٥ هـ ~ 14 أبريل 2024 م

أعلى الصفحةـ

146تَلَقِّي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-

خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ : عَنِ الْبَرَاءِ : « „ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ “ ».
الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ نَسَبٌ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْدَادُهُ وَأَخْوَالُهُ مِنْ جِهَةِ جَدِّ أَبِيهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛ فَإِنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَىٰ بِنْتُ عَمْرٍو؛ وَفِي إِطْلَاقِ أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتِهِمْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ ثَانٍ .. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَة.. وإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ وَهُوَ أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَيْسَا وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا مِنْ أَخْوَالِهِ وَلَا أَجْدَادِهِ، وَإِنَّمَا أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَقَدْ مَرَّ بِهِمْ وَنَزَلَ عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَخِي عَدِيٍّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَجَوُّزًا لِعَادَةِ الْعَرَبِ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِ أَوْ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ دَارَيْهِمَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ أَجْدَادُهُ أَوْ أَخْوَالُهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ مَجَازًا لِأَنَّ هَاشِمًا تَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ..
فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا أَنَّ :„ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ ‟،وَظَاهِرُهُيَدُلُّعَلَىٰأَنَّهُنَزَلَعَلَىٰبَنِيالنَّجَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَرَاءُ جِنْسَ الْأَنْصَارِ دُونَ خُصُوصِ بَنِي النَّجَّارِ.
[خُرُوجُهُـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَىٰ الْمَدِينَةِ]
وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:„ فَنَزَلَ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.. “.
أثبتُ ما خرجه البخاري في صحيحه: فقد قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.. زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ ثُمَّ
مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ الزُّبَيْرُ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ(*) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ..
ـــــــــــــــــــــ
(*) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَلَا أَهْلُ السِّيَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا ارْتَحَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِجَازِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَٰى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ مِنَ الْغَدِ، جَائِيًا مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَبْطَؤُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَجَّحَ الدِّمْيَاطِيُّ الَّذِي فِي السِّيَرِ عَلَىٰ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ،وَالْأَوْلَىٰ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَهْدَىٰ لَهُمَا مِنَ الثِّيَابِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
وَ.. سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَىٰ الْحَرَّةِ ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّىٰ يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ،
فَــ
انْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ،
فَــ
لَمَّا أَوَوْا إِلَىٰ بُيُوتِهِمْ
أَوْفَىٰ رَجُلٌ[أَيِ اطَّلَعَ إِلَىٰ مَكَانٍ عَالٍ فَأَشْرَفَ مِنْهُ] مِنْ يَهُودَ عَلَىٰ أُطُمٍ[وَهُوَ الْحِصْنُ، وَيُقَالُ: بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ كَالْقَصْرِ] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ،
فَــ
بَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ(*) يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ،
ـــــــــــــــــ
(*) أَيْ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ الَّتِي كَسَاهُمْ إِيَّاهَا الزُّبَيْرُ، أَوْ طَلْحَةُ أَوْ كِلَاهُمَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُسْتَعْجِلِينَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ فَارِسٍ يُقَالُ: بَائِضٌ أَيْ مُسْتَعْجِلٌ.
ـــــــــــــ
فَــ
لَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ : „ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ(*)، هَذَا جَدُّكُمُ(**) الَّذِي تَنْتَظِرُونَ “
ــــــــــــــــــــــ
(*) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرٍ: يَا بَنِي قَيْلَةَ، وَهِيَ الْجَدَّةُ الْكُبْرَىٰ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالِدَةُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عَدِيٍّ
(**) "هَذَا جَدُّكُمْ " أَيْ حَظُّكُمْ وَصَاحِبُ دَوْلَتِكُمُ الَّذِي تَتَوَقَّعُونَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: " هَذَا صَاحِبُكُمْ ".
ــــــــــــــــــــــــ
فَــ
ثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامِتًا ،
فَــ
طَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَــ
أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً،
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–ثُمَّ
رَكِبَ رَاحِلَتَهُ،
فَــ
سَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا[الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ] لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ :غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: « „ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ “ »؛
ثُمَّ
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ،
فَــ
قَالَا : „ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ “ ؛
فَــ
أَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ [اشْتَرَاهُ] مِنْهُمَا ،
ثُمَّ
بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ : وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبْرَأُ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ “ »؛
.. قَالَ الْحَاكِمُ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُخُولَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى الْخَوَارِزْمِيَّ قَالَ : إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ . ".
[تفصيل المواقف والاحداث] :
[اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا]
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ[وَعَبَّاسُ بْنُ عُبادة بْنِ نَضْلَةَ] فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ [مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى] فَقَالُوا :„ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ [الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ] “.. [وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ نَاقَتِهِ]،
[نُصرة أفكار ومفاهيم ومبادئ وقيم وقناعات ومقاييس الدين الجديد من خلال: الْعَدَدِ.. وَالْعُدَدِ.. وَالْمَنَعَةِ.. والْعِزِّ.. وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ ]
[دعوا سبيل الناقة]
فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “ - لِنَاقَتِهِ - فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا[فَانْطَلَقَتْ] حَتَّى إِذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ فَتَلَقَّاهُ قَوْمٌ[فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا حَتَّى مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ [فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ: [يا رسول الله هَلُمَّ إلينا في العدد وَالْمَنَعَةِ]، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.. ثُمَّ دَارَ بِبَنِي الْحَٰرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَكَذَلِكَ[اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فقالوا:„ يا رسول هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ “]،
[اعتراض أخوال النبي الناقة]
ثُمَّ دَارَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُهُ.. فَــ[اعْتَرَضَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: قَالُوا:„ أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا]: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى أَخْوَالِكَ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ “، فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ[(فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حيث أنزلني الله “)]، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا
[بروك الناقة ببني مالك بن النجار]
فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بَرَكَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ [مَسْجِدِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْيَوْمَ] وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرْبَدٌ، فَلَمَّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ، فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبَرَكَتْ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا، [فَفَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا، وَاطْمَأَنَّتْ حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَدْ أُمِرَتْ] فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
09 شعبان 1445هـ~20 فبراير2024م

أعلى الصفحةـ

 145 خُطْبَةُ النَّبِيِّ فِي بني سَالم

مُقَدَّمَاتُ أحداثٍ دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ المنورة - مَدِينَةِ الْسَلَامِ..
أوائل العام الهجري الأول : [( الجمعة: ١٦ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ).. هذا علىٰ قولٍ؛ وهناك مَن أثبت قول آخر ] : محرم ١ هـ ~ يوليو/تموز 622 م
خُطْبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْڪَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بني سَالم بن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة:
فَمِنْ ذَلِكَ تَجْمِيعُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ مِنْ قُبَاءٍ فِي بَنِي سَالِمٍ فِي بَطْنِ وَادٍ لَهُمْ، وَهِيَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ جَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْإِسْلَامِ وَخَطَبَهُمْ، وَهِيَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ[(*)]..
وهي رواية عند القرطبي في تفسيره الجامع.. وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري.. حيث أنهما نصا علىٰ أنه-عليه السلام- خطب خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة:
فـ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خُطْبَةِ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بني سَالم بن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-: أنه قال:
« „ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَلَا أَڪْفُرُهُ، وَأُعَادِي مَنْ يَڪْفُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ وَالنُّورِ وَالْمَوْعِظَةِ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَضَلَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ: وَدُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقُرْبٍ مِنَ الْأَجَلِ. مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَىٰ وَفَرَّطَ وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَأُوصِيڪُمْ بِتَقْوَىٰ اللَّهِ، فَإِنَّهُ خَيْرُ مَا أَوْصَىٰ بِهِ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَحُضَّهُ عَلَىٰ الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَقْوَىٰ اللَّهِ. فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَڪُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيحَةً وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ذِڪْرَىٰ، وَإِنَّهُ تَقْوَىٰ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ علىٰ وَجلٍ ومخافةٍ، وَعونَ صدقٍ علىٰ مَا تَبْتَغُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَمَنْ يُصْلِحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ أَمْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَا يَنْوِي بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ يَڪُنْ لَهُ ذِڪْرًا فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ وَذُخْرًا فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَىٰ مَا قَدَّمَ، وَمَا ڪَانَ مِنْ سِوَىٰ ذَلِكَ يَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، ويحذرڪم اللهُ نَفسه وَالله رءوف بِالْعِبَادِ. وَالَّذِي صَدَقَ قَوْلُهُ، وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، لَا خُلْفَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ -تَعَالَىٰ-:﴿مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [ق:29]
وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي عَاجِلِ أَمْرِڪُمْ وَآجِلِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهُ ﴿مَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ [الطلاق:5] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا وَإِنَّ تَقْوَىٰ اللَّهِ تُوقِّي مَقْتَهُ، وَتُوقِّي عُقُوبَتَهُ، وَتُوقِّي سَخَطَهُ، وَإِنَّ تَقْوَىٰ اللَّهِ تُبَيِّضُ الْوَجْهَ، وَتُرْضِي الرَّبَّ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَةَ. خُذُوا بِحَظِّڪُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَڪُمُ اللَّهُ ڪِتَابَهُ، وَنَهَجَ لَڪُمْ سَبِيلَهُ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلِيَعْلَمَ الْڪَاذِبِينَ، فَأَحْسِنُوا ڪَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْڪُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاڪُمْ وَسَمَّاڪُمُ الْمُسْلِمِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَأَڪْثِرُوا ذِڪْرَ اللَّهِ، وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَڪْفِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَلَىٰ النَّاسِ وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَمْلِڪُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَڪْبَرُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ” » ؛
...
هَڪَذَا أَوْرَدَهَا ابْنُ جَرِيرٍ.. وَفِي السَّنَدِ إِرْسَالٌ.
وَقَالَ ابن هشام والْبَيْهَقِيُّ: بَابٌ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ:
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: ڪَانَتْ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ أَن قَامَ فيهم فَــ :
« „ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَىٰ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ” » ؛
ثُمَّ قَالَ:
« „ أَمَّا بَعْدُ!.. أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِڪُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُڪُمْ ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ، لَيْسَ لَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ:
« „ أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ، فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ ” » ..
فَــ
يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَىٰ شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَىٰ غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِڪَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَىٰ الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَاَلِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَڪَاتُهُ ” » ؛
ثُمَّ
خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَىٰ فَـ
قَالَ :
« „ إِنَّ الْحَمْدَ لله أَحْمَده وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ، إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ڪِتَابُ اللَّهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ.. وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْڪُفْرِ.. وَاخْتَارَهُ عَلَىٰ مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ، أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ ڪُلِّ قُلُوبِڪُمْ وَلَا تَمَلُّوا ڪَلَامَ اللَّهِ.. وَذڪرَه.. وَلَا تقسىٰ عَنهُ قُلُوبڪُمْ فَإِنَّهُ من ڪل مَا يخلق الله يَخْتَارُ اللَّهُ وَيَصْطَفِي، فَقَدْ سَمَّاهُ خِيَرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَخِيَرَتَهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ ڪُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِڪُوا بِهِ شَيْئًا وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِڪُمْ، وَتَحَابُّوا بِرَوْحِ اللَّهِ بَيْنَڪُمْ، إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْڪَثَ عَهْدُهُ. وَالسَّلَامُ عَلَيْڪُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَڪَاتُهُ ” » ؛
وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا مُقَوِّيَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الالفاظ..
يقول الدڪتور مصطفىٰ الشڪعة في ڪتابه : „ البيان المحمدي ”: إنه مثلما أثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث خطب يوم أوحي إليه بأن أنذر عشيرتك الأقربين فقد أثر عنه -صلى الله عليه وسلم- ثلاث خطب يوم الجمعة الذي وصل فيه إلىٰ المدينة المنورة .

ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
أبحاث : دَارِ الْهِجْرَةِ.. دَارِ السُّنَّةِ « يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
الإصدار الأول مِن منشورات «آستروعرب نيوز»
[(*)] قلتُ (مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُّ) : مجموع خطب حضرة الرسول المبتعث والنبي المرسل.. أمين وحي ربه تعالىٰ-.. أفضل البشر.. وسيد ولد آدم.. وأفضل الخلق.. هذه الخُطب النبوية.. الجزء الأول منها في العهد المڪي والجزء الثاني في العهد المدني.. تحتاج إلىٰ إعادة تضبيب.. أي إمساك بها بشدة حتىٰ لا ينفلت منها شئ؛ وقد اشرَفت علىٰ أن أظْفَرَ بجمعها من مظانها؛ وسوف تنشر في ملحق خاص بها في نهاية الأبحاث مِن بعد إذنه -تعالىٰ- وبمعونته وبرضاه وتوفيقه.. إن شاء الله -سبحانه وتعالىٰ شأنه- ..
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
العام الهلالي الْهِجْرِيَّ : ١٤٤٥؛ يوم الخميس١٣ رجب الفرد~ الموافق: 25 يناير 2024 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-.

أعلى الصفحةـ

144 مبدأ صَلّاة الجمعة
تاريخ التشريع لصلاة الجمعة

الجمعة : 16(*) ربيع الأول من العام الهجري الأول ~ 23 أيلول / سبتمبر 622 م
تمهيد:
.. جاء في “الروْض الأنُف” للسهيلي علىٰ سيرة ابن هشام، أن ڪعب بن لؤي ـ أحد أجداد النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هو أول من جمَع يوم العَروبة.. ولم تُسم العَروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم.. وقيل: هو أول مَن سمَّاها الجمعة، عن أبي سلمة قال: أول من قال: أما بعد كعب بن لؤي، وڪان أول من سمىٰ الجمعة الجمعة وڪان يقال للجمعة: العَروبة، وقيل: أوّل من سماها جمعة الأنصار.
فڪانت قريش تجتمع إليه [اي: ڪعب بن لؤي ]في هذا اليوم، فيخطبهم ويُذَڪِّرهم بمبعث النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ويُعْلِمهُم أنه من ولده، ويأمرهم باتِّباعه والإيمان به، وقد ذڪر الماوردي هذا الخبر عن ڪعب في ڪتاب الأحكام السلطانية. وأميلُ إلىٰ القول بأن : الجمعة اسم إسلامي خالص، وڪانت العرب تقول: العَروبة قبل الإسلام، ثم سماه الله-تعالىٰ- بيوم الجمعة. لذا فـ قد اختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أڪمل فيه الخليقة ڪما جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة-رضي الله تعالىٰ عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « „ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارىٰ بعد غد ” »؛ نحن الآخرون يعنى الآخرون وجودًا وخلقًا بين الأمم، الأخرون زمنًا من ناحية الوجود، والسابقون بالفضل ودخول الجنة.
صلاة الجمعة فُرِضَتْ بمڪة قبل الهجرة ڪما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس -رضى الله عنهما- ، ولم يتمڪن النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من إقامتها بها، وذلك لقلة عدد المسلمين، أو لضعف شوڪتهم أمام قوة المشرڪين.. وأن الذي منع من أدائها أن شعارها الإظهار، والإظهار لم يڪن ممڪنًا بمڪة لبطش الڪفار، وڪان - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بمڪة مستخفين في غالب أحوالهم. .. فلما هاجر من هاجر من الصحابة إلىٰ المدينة ڪتب إلىٰ مُصعب بن عُمَير - وهو أول من أوفده النبى - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [سفير الإسلام الأول] من مڪة مع المسلمين من الأنصار ليُعَلِّمهم، ثم قدم بعده عبداللّه بن أم مڪثوم: « „ أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءڪم وأبناءڪم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقرَّبوا إلىٰ الله برڪعتين ” » .وعلىٰ هذا يڪون مُصعب أول من صلىٰ بهم الجمعة فى المدينة، وڪان عددهم اثنىٰ عشر رجلا، ڪما فى حديث الطبراني عن أبى مسعود الأنصاري، وهذا الحديث ضعيف .
وهناك قول آخر بأن أول من جمع بهم هو أبو أمامة أسعد بن زُرَارَة الذى نزل عليه مصعب بن عمير، فقد قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عَنْ أبِيهِ قالَ: حَدَّثَنِي عبدالرحمن بن كعب بن مالك، قالَ: „ كُنْتُ قائِدَ أبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإذا خَرَجْتُ بِهِ إلىٰ الجُمُعَةِ فَسَمِعَ الأذانَ بِها اسْتَغْفَرَ لِأبِي أُمامَةَ أسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ، فَمَكَثَ حِينًا عَلى ذَلِكَ فَقُلْتُ: إنَّ هَذا لَعَجْزٌ ألا أسْألَهُ عَنْ هَذا، فَخَرَجْتُ بِهِ كَما كُنْتُ أخْرُجُ، فَلَمّا سَمِعَ الأذانَ لِلْجُمُعَةِ، اسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقُلْتُ: يا أبَتاهُ! أرَأيْتَ اسْتِغْفارَكَ لِأسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ كُلَّما سَمِعْتَ الأذانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ؟ ”؛ قالَ: „ أيْ بُنَيَّ! كانَ أسعد أوَّلَ مَن جَمَّعَ بِنا بِالمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هَزْمِ النَّبِيتِ مِن حَرَّةِ بَنِي بَياضَةَ في نَقِيعٍ يُقالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضَماتِ ” ؛ قُلْتُ: „ فَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ ” ؛ قالَ: „ أرْبَعُونَ رَجُلًا ” . قالَ البيهقي: „ ومحمد بن إسحاق إذا ذُكِرَ سَماعُهُ مِنَ الرّاوِي، وكانَ الرّاوِي ثِقَةً، اسْتَقامَ الإسْنادُ، وهَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ الإسْنادِ ” .
قال ابن القيم: „ وهَذا كانَ مَبْدَأ الجُمُعَةِ. ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ، فَأقامَ بِقُباءٍ في بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَما قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، ويَوْمَ الثُّلاثاءِ، ويَوْمَ الأرْبِعاءِ ويَوْمَ الخَمِيسِ وأسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، فلما كان اليوم الخامس (يوم الجمعة) ركب رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الناقة بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى أخواله (بني النجار)، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَأدْرَكَتْهُ الجُمُعَةُ في بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فجمع بهم في المسجد فَصَلّاها في المَسْجِدِ الَّذِي في بَطْنِ الوادِي[وادي رانوناء ] وكانوا مائة : "١٠٠".رجل وكانَتْ أوَّلَ جُمُعَةٍ صَلّاها بِالمَدِينَةِ، وذَلِكَ قَبْلَ تَأْسِيسِ مَسْجِدِهِ ” .. والهزم المكان المطمس من الأرض، والنبيت أبو حشمن اليمن اسمه عمرو بن مالك، وحرة بنى بياضة قرية على ميل من المدينة، أي ما يعادل : (1,60934 كيلومترا). وبنو بياضة بطن من الأنصار والنَّقيع: بطنٌ من الأرض، يستنفع به الماء مدَّةً، فإذا نضب الماء أنبت الكلأَ.. وقد جمع بين الحديثين -على فرض صحة الأول -بأن مُصعبا يقال : إنه أول من جمع باعتباره كان إماما للمصلين وبأن أسعد هو أول من جمع لأنه الأمير للقوم، وكان مُصعب فى ضيافته فنسب الأمر إليه وبخاصة أنه أطعم المصلين غداء وعشاء كما فى رواية أخرىٰ.. واجتماع المسلمين فى يوم من أيام الأسبوع قيل: كان باجتهادهم قبل أن تفرض عليهم صلاة الجمعة، فقد جاء فى حديث مرسل عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلى ونشكره، فجعلوه يوم العَروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها، وذلك لقلتهم فأنزل اللّه -تعالى- فى ذلك ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، قال ابن حجر: رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، أى سقط منه الصحابي..
[(يلاحظ أن هذا الحديث يبين قلة عدد المصلين للجمعة فى أول مرة بحيث تڪفيهم الشاة غداء وعشاء، أما الحديث الذى فيه استغفار ڪعب بن مالك لأسعد بن زرارة فيذڪر أن عددهم أربعون[٤٠]، وهؤلاء لا تڪفيهم الشاة غداء وعشاء، فالظاهر أن رواية حديث ابن سيرين ڪانت عن أول صلاة، وحديث ڪعب ڪان بعد اشتهار صلاة الجمعة وڪثرة الحاضرين)] .
وقيل ڪان اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة بأمر النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪما يدل عليه ڪتابه إلىٰ مصعب بن عمير الذى أخرجه الدارقطني عن ابن عباس .
ولما هاجر النبى - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونزل "قباء" عند بني عمرو بن عوف، ثم توجه إلىٰ المدينة يوم جمعة فأدرڪته صلاتها فى بني سالم بن عوف، فصلاها فى المسجد الذي فى بطن الوادي وسمى مسجد الجمعة وهي أول جمعة صلاها بأصحابه وڪانوا مائة[١٠٠] وقيل أربعون[٤٠]. .ولعل ڪل جماعة أسلمت قبل هجرة النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إليهم ڪانت تتخذ لها مسجدا خاصا..
وأول جمعة جمعت في مسجد من مساجد بلاد الإسلام بعد المدينة، يعني خارج المدينة النبوية أي .. أول جمعة في غير المدينة ڪانت في جواثىٰ؛ قرية في مجمع البحرين؛ فـ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: „ إنَّ أوَّلَ جمعةٍ جمِّعت في الإسلامِ بعدَ جمعةٍ جمِّعت في مسجدِ رسولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالمدينةِ لجمعةٌ جمِّعت بجواثاءَ ”؛ قريةٍ من قرىٰ البحرين. وهي قريةٌ من قرىٰ عبدِ القيس.. وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ عبدُالله بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ أوَّلَ صَلاةِ جُمعةٍ صُلِّيتْ بِشُروطِها مِنَ الخُطبةِ والاجتماعِ، بعْدَ الجُمعةِ الَّتي صَلَّاها الصَّحابةُ لأوَّلِ مرَّةٍ في المسجِدِ النَّبَويِّ بالمدينةِ: هي الجُمعةُ الَّتي أُقيمَتْ في مَسجِدَ عَبدِ القَيسِ، وهي قَبيلةٌ بِـ جُواثَىٰ مِن البَحرين، و«جُواثَىٰ» قَريةٌ أو اسمُ حِصنٍ، و«البَحرين» ڪانتْ في القَديمِ تُطلقُ علىٰ ما يشمَلُ حاليًّا ڪلًّا مِن: البَحرينِ، والأحساءِ والقَطيفِ شَرْقِ الملڪيَّةِ السعوديَّةِ، ويقَعُ مسجِدُ عبدِ القَيسِ حاليًّا في مُحافظةِ الأحساءِ.. هذا قول.. ولعل من الدقة الجغرافية أن أقول (الرمادي) :" وبلاد البحرين تطلق علىٰ الموضع الذي هو ما بين البصرة وعمان، فـ البحرين قديمًا، وفي العهد النبوي من البصرة إلىٰ عمان، هذه ڪلها البحرين، فليست البحرين جزيرة، ولا الأحساء فقط، ولا المنطقة الشرقية فقط، البحرين من البصرة إلىٰ عمان. ".. وبعض ألفاظ الروايات قد توحي أن أول جمعة في المدينة وثاني جمعة في جواثىٰ، وليس -الأمر- ڪذلك لڪن ثاني مڪان خارج المدينة صار فيه جمعة هو جواثى، لڪن بعد مدة من الزمن..
والذي عليه جمهور العلماء أن-صلاة الجمعة فرضت في المدينة؛ لأن سورة الجمعة مدنية.
.. هذا فى تاريخ التشريع لصلاة الجمعة ..
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
(*) وفي تفسير الثعلبي جاء:" قال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله ﷺ‎ مهاجرا حتى نزل قباء على بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين أشتد الضحى فأقام ﷺ‎ بقباء يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة " . أي صباح يوم الجمعة الموافق 16 من شهر ربيع أول من العام الأول من الهجرة.
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
أحداث جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ....
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
144 مبدأ صَلّاة الجمعة
٤ رجب الحرام(ويسمىٰ: الفرد/مُضر) ١٤٤٥ هـ~ 16 يناير 2024م

أعلى الصفحةـ

 

١٤٣ مسجد « قُباء »
أول مسجد في الإسلام
 [ 1 هـ ~ 622 م ]
أحداثٌ جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ..
أوائل العام الهجري الأول
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
السيرة النبوية : بدايات العهد المدني

قد يُثار تَّساؤُل عند المتابع العادي لـ أحداث السيرة المحمدية.. والمراقب للـ منهجية النبوية.. والدارس للطريقة العملية المصطفوية الرسولية.. وڪل ذلك وحي مِن مَن رفع السموات بغير عمدٍ نراها..
يُثار تَّساؤُل عند قرب إنتهاء هجرة خير البرية ورسول الإنسانية ونبي الرحمة المهداة للعالمين المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- برفقه صديقه الصحابي الأول الصديق أبي بڪر -رضوان الله تعالى عليه- من مڪة المڪرمة إلىٰ يثرب/مدينته المنورة..
وقد يتبادر سؤال عند المستشرق ذي الأصول النصرانية أو دارس الڪهنوت المسيحي أو عند مستشرق باحث في الأديان ينتمي إلىٰ الديانة اليهودية.. في بلاد الغرب..
يتساءل الجميع!..
ولهم الحق الڪامل في الاستفسار في السؤال!..
ويجب علىٰ أهل العلم تحت الخيمة الخضراء الإسلامية والفسطاط الإسلامي.. تجب الإجابة..
وإن لم يتم الإقناع وجب الحوار بـ التي هي أحسن!
فــ محور السؤال يدور حول :
لماذا بنىٰ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المهاجر مع رفيقه -رضي الله عنه- في بلدة « قُباء » مسجداً!؟..
أليس ڪان من الأولىٰ أن يشيد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مسڪناً أو يبني بيتاً.. أو يسقف له -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- غرفة تأوية من حرارة شمس النهار.. وتحميه من برودة الليل.. إذ أنه ترك مسقط رأسه وهاجر فترك موطنه وغادر مسڪنه.. فترك عشيرته وقبيلته وترك أترابه..!؟..
وســ أسعىٰ جاهدا-بإذن الله تعالىٰ- للإجابة عن هذا السؤال !
..
.. « مَسْجِدُ قُبَاءٍ » أول مسجد بني في الإسلام، وأول مسجد بُني في المدينة النبوية..
ومن حيث الأولية فإن المسجد الحرام بمڪة المڪرمة أول بيت وضع للناس..
أما مسجد قُباء فهو أول مسجد بناه النبي المصطفىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
فقد بُني المسجد من قِبل النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وذلك حينما هاجر من مڪة متوجهاً إلىٰ مدينة؛ فوضع النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أساس المسجد، وقام بالمشاركة الشخصية في بنائه، وسارع الصحابة المهاجرون منهم والأنصار-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- في إعماره، حتىٰ قامت بنيته وعلا ڪعبه..
يقع مسجد قباء في البقعة التاريخية المقدسة لدىٰ المسلمين حيث بنىٰ الرسول محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الأيام الأولىٰ لهجرته إلىٰ المدينة أول مسجد في تاريخ الإسلام ويقع في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، هو أيضًا أڪبر مساجد المدينة بعد المسجد النبوي..
...
فقد نزل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بــ « قباء » علىٰ ڪلثوم بن الهدم، وأقام رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بــ قباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.
وأسس مسجد قباء وصلىٰ فيه.
وهو أول مسجد أسس علىٰ التقوىٰ، وهو المسجد الذي وصفه الله تعالىٰ بقوله: ﴿لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ﴾ [آية: (١٠٨)؛ من سورة: التوبة].

التفصيل:
" جاء عند الطبري : وفي [مستهل] السّنة [الأولىٰ من الهجرة وقبيل وصوله إلىٰ يثرب/ المدينة المنورة] بُنِي مسجد قُباء [1]..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الذهبي :" فَــ
عَمَدَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَڪَانَهُ مَسْجِدًا فَڪَانَ يصلّي فيه،
ثم
بناه عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَىٰ التَّقْوَىٰ وَالرِّضْوَانِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر الطبري تأريخ بناء مسجد قباء هكذا، وتطرق إلى بنائه عابرًا كذلك في مواضع سابقة ولم يذكر بالتفصيل ما ذكره أئمة الحديث والمغازي والسير في بناء مسجد قباء. (٢: ٣٩٧)
(2) التوفيقية
وأكتفي بهذا القدر من الحديث عن أول مسجد وسأكمل في الملحق بإذنه تعالى وإن شاء سأتكلم عن بقية العهود في توسعة مسجد قباء!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الأحد : 26 جمادى الثانية1445 هــ~ 07 يناير 2024 م

أعلى الصفحةـ

كتاب & مراسلون

أوسترو عرب نيوز

 


اضغط هنا .. لمشاهدة الحوار
اضغط هنا .. لقراءة الحوار
اضغط هنا .. لسماع الحوار
اضغط هنا .. لقراءة الحوار

 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا