حسين عون
(كلاغنفورت/كيرنتن)
وصف السياسي النمساوي يورغ هايدر،
حاكم مقاطعة كيرنتن الجنوبية
ورئيس حزب (التحالف من أجل مستقبل
النمسا) المشارك في الحكومة
النمساوية، العدوان الإسرائيلي
الأخير على لبنان، على خلفية قيام
(حزب الله) باختطاف جنديين
إسرائيليين بـ"جرائم حرب".
وفي
حديث شامل أدلى به إلى وفد من
الصحافيين العرب في مدينة كلاغنفورت مساء الجمعة الماضي،
طالب هايدر بـ"إحالة جميع
المسؤولين الإسرائيليين من
سياسيين وعسكريين إلى محكمة جرائم
الحرب الدولية، ومحاكمتهم على ما
ارتكبوه من جرائم خطيرة ضد
المدنيين، وانتهاكهم للقانون
الدولي وميثاق الأمم المتحدة
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
واتفاقية جنيف الرابعة".
وعبّر يورغ هايدر عن "الاستعداد
لاستقبال مجموعة من الأطفال
اللبنانيين الجرحى، وخصوصاً من
الذين أصيبوا بجروح وحروق خطيرة
خلال عمليات القصف الإسرائيلي على
مناطق وأحياء سكنية في جنوب لبنان
والضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة
البقاع، من أجل معالجتهم في عدد
من المستشفيات المتخصصة في مقاطعة
كيرنتن". وتمنى هايدر أن "تقوم
السلطات اللبنانية في وزارتي
الخارجية والصحة بإرسال لائحة
بأسماء 15 طفلاً لبنانياً جريحاً،
مع التقارير الطبية الخاصة بهم
تمهيداً لاتخاذ التدابير اللازمة
من أجل نقلهم إلى مدينة كلاغنفورت
ومنها إلى المستشفيات ومراكز
العلاج المتخصصة، في أقرب وقت
ممكن".
وبعد أن وعد بزيارة لبنان بعد
انتهاء الحرب، حمّل يورغ هايدر
إسرائيل مسؤولية شن ما وصفها بـ
"حرب التدمير الشامل التي مارستها
إسرائل ضد لبنان منذ 12
يوليو/تموز الماضي، تحت ذريعة
إنقاذ حياة الجنديين المخطوفين،
تضمنت قصف منهجي لعدد كبير من
المناطق والأحياء السكنية في
بيروت وبقية المدن والقرى
اللبنانية مما أدى إلى مقتل أكثر
من 1140 لبنانياً غالبيتهم من
الاطفال والنساء والشيوخ،
بالإضافة إلى تهجير أكثر من مليون
لبناني عن ديارهم وممتلكاتهم.
وقال "إن إسرائيل كانت تبحث عن
فرصة مناسبة من أجل تصفية
المقاومة اللبنانية، ولجأت إلى
ممارسة أعلى درجات الانتقام من
السكان المدنيين وقصف البنية
التحتية من طرق مواصلات واتصالات
سلكية ولاسلكية وجسور ومطارات
ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية
من الجنوب إلى أقصى الشمال ومن
الغرب إلى أقصى الشرق على طول
الحدود اللبنانية/السورية".
وأشار يورغ هايدر إلى أن من بين
أبرز أهداف إسرائيل من وراء
تصعيدها لحرب التدمير ضد لبنان،
والتي استخدمت فيها اعتى الأسلحة
والقذائف والقنابل المحظورة
دولياً، هو إرسال رسالة واضحة إلى
الدول العربية بشكل عام وإلى
الدول العربية المجاورة لها بشكل
خاص، كي تدرك تماماً بأنها ستلقى
نفس المصير في حال فكرت بشن أي
حرب جديدة ضد الجيش الإسرائيلي في
أي وقت في المستقبل. ورأى الزعيم
النمساوي أنه "ما كان بإمكان
الساسة او القادة العسكريين
الإسرائيليين أن يشنوا الحرب ضد
البشر و الشجر والحجر في لبنان
لولا الدعم السياسي والعسكري
اللامحدود للإدارة الأميركية
بقيادة الرئيس جورج بوش". وأعرب
يورغ هايدر عن اعتقاده بأن
"اللجوء إلى استخدام القوة
العسكرية وبشكل مفرط للغاية،
واستغلال العدوان أو الاحتلال
مهما كانت الذرائع هو عمل غير
مشروع، ولن يساهم بأي حال من
الأحوال إلى تسوية النزاع في
الشرق الأوسط، بل سيساهم بزيادة
تعقيد الحل، وبالتالي سقوط العديد
من الضحايا في صفوف المدنيين
وتعميق مظاهر الأحقاد والضغائن
والكراهية وتأجيج مشاعر الثأر
والانتقام".
ورداً على سؤال حول
تقييمه لموقف الاتحاد الأوروبي،
عبّر يورغ هايدر عن أسفه البالغ
لهذا الموقف ووصفه بالموقف الضعيف
والخجول، وعاب على الاتحاد عدم
تحمل مسؤولياته في دعم السلام
وقال "إن الاتحاد الأوروبي لم يقم
بالدور المطلوب منه على صعيد
ممارسة كافة الضغوط السياسية
والاقتصادية وحتى العسكرية من أجل
وقف إطلاق النار والحرب بين
إسرائيل وحزب الله، ودعم الجهود
الإقليمية والدولية من أجل تحريك
عملية التسوية السلمية في الشرق
الأوسط وتطبيق قرارات الشرعية
الدولية ولا سيما قرارات مجلس
الأمن ذات الصلة بفلسطين ولبنان،
حيث أنه يشارك في اللجنة الرباعية
الدولية جنباً إلى جنب مع الأمم
المتحدة والولايات المتحدة
وروسيا". ورأى هايدر ان "الموقف
الأوروبي بشكل عام كان موقفاً
هامشياً، وهذا يعود إلى عدة أسباب
من بينها أن غالبية دول الاتحاد
الأوروبي تخاف من محاذير الوقوع
في مطبات وعقبات ومشاكل مع
الولايات المتحدة، ولذلك فضّلت
عدم التحرك واتخاذ موقف واضح
وصريح وشجاع ضد الحرب على لبنان".
كما انتقد الزعيم النمساوي موقف
الحكومة النمساوية برئاسة
المستشار فولفغانغ شوسيل وقال
"يبدو أن المستشار شوسيل رأى أنه
من الافضل له دعم موقف الرئيس
الأميركي جورج بوش، وذلك بحكم
المصالح السياسية ومعركة
الانتخابات البرلمانية التي أصبحت
على الأبواب في النمسا".
وأضاف هايدر قوله "ولكن ينبغي
علينا أن نأخذ في الحسبان بأن
أوروبا والاتحاد الاوروبي بشكل
عام والنمسا بشكل خاص ترتبط
بعلاقات صداقة وتعاون تقليدية
وتاريخية مع العالم العربي والشرق
الأوسط. ولذلك كان يجب علينا أن
نضع نصب أعيننا بأن النمسا سبق
لها أن تعرضت قبل أكثر من ستين
عاماً لعدوان خارجي –الحلفاء- أدت
إلى احتلال واقتسام أجزاء كبيرة
من أراضيها بما فيها العاصمة
النمساوية فيينا، بالإضافة إلى
سلخ أجزاء من الأراضي النمساوية
عن الخريطة النمساوية". وأكد
هايدر أنه "ولذلك، واستناداً إلى
الماضي، نحن بأمس الحاجة لممارسة
كافة الضغوط السياسية والاقتصادية
والعسكرية على إسرائيل لإرغام
قواتها على الانسحاب من لبنان
فوراً والانصياع لقرارات الشرعية
الدولية". وفي هذا السياق، شدد
على القول "لا توجد معايير مزدوجة
في ميثاق الأمم المتحدة، وتعمد
تجاهل بعض الدول هذه القرارات
لأهداف سياسية أو اقتصادية او
توسعية يشكل بحد ذاته انتهاكاً
لمبادئ الشرعية الدولية لا يمكن
السكوت عنه". واتهم الولايات
المتحدة وإسرائيل بمواصلة تجاهل
قرارات الأمم المتحدة والجمعية
العامة ومجلس الأمن ذات الصلة
بالقضية الفلسطينية، وتعمد
تفسيرها بشكل خاطئ من أجل تحقيق
اهدافها".
وحول مسألة
استخدام مرشحي حزبه (التحالف من
أجل مستقبل النمسا) لشعارات
مناهضة للاجانب وبخاصة أبناء
الجالية الإسلامية في النمسا خلال
الحملة الانتخابية الراهنة، اوضح
هايدر بأن موضوع الجاليات والوجود
الاجنبي في النمسا وبقية الدول
الاوروبية سيظل موضوعا انتخابيا
أساسيا لمختلف الاحزاب وذلك
لاسباب موضوعية.
واعتبر
هايدر ان موقفه بشأن الأجانب قد
أسيء فهمه بشكل متعمد، وأكد أنه
يؤيد اندماج الأجانب المقيمين في
النمسا بطريقة مشروعة، وبشكل
إيجابي وبما يضمن لهم حقوقهم من
جهة ويكفل احترامهم لقوانين
البلاد وطابعها الثقافي والتاريخي.
وأضاف قوله "في نفس الوقت، ينبغي
اعتماد إجراءات وخطوات حاسمة
وصريحة فيما يتعلق بوقف تدفق
المهاجرين إلى النمسا، وهو ما
تفرضه الظروف الاقتصادية
والمعيشية المرتبطة بالاوضاع
الراهنة في النمسا وليس لاسباب
عنصرية".
وبعدما ادان اعتماد بعض المرشحين
النمساويين لشعارات انتخابية قد
تُفسر على أنها تحمل في طياتها
هجوماً ضد طرف وثقافة معينة، خلص
يورغ هايدر إلى الاعراب عن
اعتقاده بان على المسلمين الذين
يثيرون مخاوف تتعلق بأوضاعهم
وحرياتهم في الدول الأوروبية ان
يتذكروا بأن حرية ممارسة العبادة
الدينية مضمونة للجميع في النمسا،
كما أن ارتداء الحجاب الإسلامي
ليس مشكلة كبيرة، ولكن ينبغي
عليهم أن يدركوا أن هناك بعض
الدول العربية والإسلامية مثل
تونس وتركيا تحظر ارتداء الحجاب".
وجدير بالذكر أن يورغ هايدر هو من
بين الزعماء السياسيين النمساويين
البارزين القلائل إن لم نقل من
الساسة النمساويين النادرين الذين
يتصفون بالشجاعة في قول الحق دون
أن يخشى لومة لائم، كما يرتبط
بعلاقات صداقة مع عدد من الزعماء
العرب. والدكتور هايدر الذي يرفض
ما أطلقه عليه بعض خصومه بأنه
"سياسي نمساوي مثير للجدل"، سبق
له عندما كان زعيماً لحزب الأحرار
أن حقق مفاجأة غير مسبوقة تمثلت
بنصر ساحق في الانتخابات
البرلمانية التي جرت في عموم
النمسا بأواخر 1999، حيث فاز
بالمرتبة الثانية بعد الحزب
الاشتراكي الديمقراطي وحصل على 53
مقعداً في البرلمان الاتحادي
النمساوي المؤلف من 183 نائباً،
متقدماً بذلك على حزب الشعب
النمساوي الذي يتزعم الائتلاف
الحاكم حالياً بفارق الأصوات.
وبنظر المراقبين، فقد أدى فوز حزب
يورغ هايدر (الأحرار) آنذاك إلى
أزمة عارمة افتعلها اللوبي
اليهودي في النمسا وأوروبا، حيث
بادر زعماؤه على شن حملة شعواء ضد
هايدر ومواقفه السياسية، حيث
اتهموه بـالتطرف و "معاداة
السامية وكراهية الأجانب". وبعد
تشكيل حكومة نمساوية جديدة من
تحالف حزبي الشعب والأحرار، انسحب
السفير الإسرائيلي لدى فيينا
احتجاجاً، وتحت وطأة ضغوط اللوبي
اليهودي بادر الاتحاد الأوروبي
على فرض مقاطعة سياسية ودبلوماسية
واقتصادية ضد النمسا استغرقت تسعة
أشهر، لم ترفع إلا بعد حل
البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة
عام 2002، اسفرت عن خسارة حزب
الأحرار وسقوطه إلى المركز الثالث
بعد حزب الشعب (المركز الأول)
والحزب الاشتراكي (المركز
الثاني). وبعد بضعة سنوات، وبسبب
خلافات سياسية أدت إلى استقالة
عدد من كبار المسؤولين من قيادة
حزب الأحرار كان أبرزهم السيدة
ريس باسر نائبة رئيس الحزب ونائبة
المستشار النمساوي، استقال هايدر
من قيادة حزب الأحرار وبادر إلى
إنشاء حزب جديد أطلق عليه حزب
التحالف من أجل مستقبل النمسا،
الذي يشارك بالائتلاف الحاكم
الآن.