.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب

حزب الله
 السياسة والدين

 
 حزب الله : السياسة والدين 
حزب الله اللبناني من زاوية الفكر والأيديولوجيا والهوية الإسلامية وعلاقة ذلك بالممارسة السياسية العملية للحزب. فهو يغطي بعدا يكاد يكون مختلفا عن الجوانب التي ينصب حولها الاهتمام الإعلامي والبحثي الراهن ألا وهو البعد التنظيمي والتعبوي والأداء العسكري والحركي للحزب. ويمكن القول بشكل ما إن الكتاب يدرس نظرية الحزب وتطور هذه النظرية وتفاعلاتها مع الواقع السياسي.
والكاتبة هي بريطانية إنجليزية المولد لأبوين لبنانيين، وكان دافعها لإعداد هذه الدراسة ما رأته من سطحية وسهولة إقدام الصحافيين والساسة الغربيين على إطلاق التعميمات والاتهامات للحزب حول علاقته بالإرهاب.
وفي مقدمة الكتاب الذي يتكون من ثمانية فصول تعرض الكاتبة لجذور الحزب وترى أن هذه الجذور تعود لحركة التسيس الشيعية اللبنانية منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي مشيرة لتأثر النشاط الشيعي في لبنان بنفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وخاصة حركة الهجرة من البقاع إلى بيروت والشعور بالحرمان.
وترصد المؤلفة تأسيس الإمام الصدر لحركة المحرومين عام 1974 التي برزت إلى جانب التنظيمات الفلسطينية أيضا، لكن تراجع دورها مع بداية الحرب الأهلية، وتلحظ أنه عند اندلاع تلك الحرب بين المليشيات المارونية والحكومية من جهة، والفلسطينيين وحلفائهم التقدميين (الحركة الوطنية اللبنانية) من جهة أخرى كان المقاتلون الشيعة هم في مقدمة مقاتلي الطرف الثاني.

” في حالة لبنان يرتبط الاستكبار بتسلط طائفي وبالغزو الإسرائيلي وبذلك فإن المستضعفين يكونون من يحاربون الصهيونية والتمييز، وانطلاقا من هذه الفكرة يظهر الحزب احترامه لمناضلين غير مسلمين في مناطق مختلفة من العالم مثل نيلسون مانديلا وغيره ”

وفي مرحلة لاحقة لعب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 دورا بارزا في بروز جماعات شيعية راديكالية مختلفة عادت لتؤلف حزب الله. وترى الكاتبة أنه رغم ما قد يكون للثورة الإيرانية من أثر على الحياة السياسية الشيعية في لبنان فإنه من الصعب تخيل تطور مسار حزب الله بالشكل الذي حصل لولا الغزو الإسرائيلي. فذلك الغزو دمر 80% من قرى الجنوب، وأدى لـ19 ألف حالة وفاة، و32 ألف إصابة هذا عدا التهجير والمعاناة الاقتصادية المترتبة. فعلى سبيل المثال أصبحت المخيمات الفلسطينية تعج باللاجئين الشيعة ووصل الأمر أن غالبية سكان أحد المخيمات صارت شيعية. وكان من ضمن الممارسات الإسرائيلية ضد الشيعة منع الاحتفال بذكرى عاشوراء عام 1983، واغتيال أئمة شيعة واعتقال الآلاف من اللبنانيين.
 الاستكبار والمستضعفين
في الفصول الثلاثة الأولى تتعرض الكاتبة لعلاقة الحزب مع القوى السياسية المختلفة في الدولة الإسلامية وغير الإسلامية، مبتدئة بالفكرة الشيعية لانقسام العالم إلى مستكبرين ومستضعفين وهذا التقسيم مختلف عن التقسيم السني السائد للعالم كدار حرب ودار إسلام، والاستكبار والاستضعاف فكرة ذات بعد إنساني، وعلى أساس تقسيم طبقي من منظور إسلامي، ففكرة المستكبرين والمستضعفين لا ترتبط بدين دون آخر، وليس الفقر ما يحدد إذا ما كان الإنسان مستضعفا أم لا، بل هناك الحرمان والاستغلال والتمييز من فئة أو دولة ضد فئة أو جماعة ضد أخرى.
وفي حالة لبنان يرتبط الاستكبار بتسلط طائفي وبالغزو الإسرائيلي وبذلك فإن المستضعفين يكونون من يحاربون الصهيونية والتمييز، وانطلاقا من هذه الفكرة يظهر الحزب احترامه لمناضلين غير مسلمين في مناطق مختلفة من العالم مثل نيلسون مانديلا وغيره. ويرفض الحزب التحالف مع قوى مستكبرة لإزالة استكبار أو احتلال ما كرفض تحالف مجاهدي أفغانستان مع الولايات المتحدة ضد الغزو الروسي.

”الحزب لا يعتبر نفسه محتكرا أو حاصرا لصفة كونه حزب الله، بل يعتبر أن حزب الله مفهوم قرآني وأن أي مسلم هو تلقائيا عضو في هذا الحزب، وهذا ينطبق على الشيعة والسنة ”

الحزب بطرحه أن الدولة المهدية تنشر العدل في الأرض، وبالتزامه بمرجعية ولاية الفقيه، ومركزية الارتباط بالمسلمين عموما. والحزب لا يعتبر نفسه محتكرا أو حاصرا لصفة كونه حزب الله، بل يعتبر أن حزب الله مفهوم قرآني وأن أي مسلم هو تلقائيا عضو في هذا الحزب، وهذا ينطبق على الشيعة والسنة.
وإذا كان ما قد يبدو متناقضا في هذا الحديث باعتبار الإقرار بولاية الفقيه مفهوما شيعيا، فهذا قد يفسر بأن المرتبطين والمقرين بولاية الفقيه هم في مركز الأمة أما البقية ففي الأطراف. وإذا كانت ولاية الفقيه هي التي تصنع الرابط مع إيران وإذا كانت إيران تشكل نموذجا للحزب يبرر استيراد العديد من الرموز منها من مثل وضع صورة الخميني بصورة دائمة على صدر صحيفة الحزب (العهد)، أو رفع صور الخميني وخليفته خامنئي في المناطق الشيعية فإن قيادة الحزب تؤكد أن هذه الصور تشير لمرجعية دينية لا بصفتها صورة لقادة إيرانيين، بالمثل يرى الحزب أن اللباس الإسلامي الشادور لا يعكس ثقافة إيرانية بل هوية إسلامية موجودة في عدد من الدول العربية.
النضال ضد الغرب
حاول بعض الباحثين تأكيد أن عداء الحزب للغرب مرده ليس الاختلافات الثقافية أو الصراع الحضاري بل بسبب سياسات الغرب المعادية في المنطقة. ولكن قيادة حزب الله ترى أن هناك صراعا ثقافيا مع الغرب وفي أن الحزب يرى الإسلام بديلا لكل الثقافات.
ويركز الحزب على الدور الغربي في الحرب الأهلية ومحاولة إخضاع لبنان ثقافيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا، وأن هذا يعود لمواجهة تاريخية منذ فجر الإسلام. ولكن الحزب يميز الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بصفتها القوى الاستعمارية الرئيسية بما يجعلها في مقدمة قوى الاستكبار حيث تجسد الولايات المتحدة الشيطان الأكبر في حين تجسد بريطانيا وفرنسا شرا، والحزب يرى في الأخيرتين أقل شرا من الأولى وبالتالي يرى مكانا للخطاب السياسي معهما أكثر من الأولى.
والولايات المتحدة لا تصمم سياساتها في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها بل بما يتلاءم والمصلحة الإسرائيلية وذلك نتيجة لالتزام أيديولوجي وتكامل مصالح الدولتين بما يجعل الواحدة منهما تبدو أحيانا أداة للأخرى. أما الدول الغربية الأخرى فتصوغ سياساتها بما يخدم مصالحها الذاتية، ولكنها مسؤولة أيضا عن وجود إسرائيل واستمرارها.
 إسرائيل، الصهيونية واليهودية
في الفصول من السادس وحتى الثامن تتناول الكاتبة قضايا مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية واليهودية. فمقاومة الاحتلال هي العماد الفكري للحزب الذي لا يحتمل المساومة، والحزب يعرف ذاته على أنه بالدرجة الأولى حركة جهادية أو حزب مقاوم يعمل لتحرير أرضه بالمقاومة المسلحة. فيما السياسة الداخلية تعتبر هدفا ثانويا مقارنة بالتحرير.
والمقاومة في فكر الحزب جزء من الالتزام بالواجب الشرعي لمقاومة الاستكبار الذي له الأولوية على مواجهة الأنظمة السياسية العربية الراهنة. وإذا ما كانت المقاومة والمفاوضات كلاهما قد يؤدي لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان فالحزب يختار الأولى لأن القبول بشروط للانسحاب هو إعطاء مكافأة للمعتدي، وتتحدث الكاتبة عن مركزية أفكار ومفاهيم كالشهادة والجهاد في الإسلام وترى أن التاريخ الشيعي جعل التركيز على الجهاد الدفاعي (جهاد الفرض عين) أكثر محورية في الفكر الشيعي مشيرة لغياب الجماعات السنية في لبنان عن الساحة الجهادية.
ويعتبر الحزب وجود إسرائيل شرا مطلقا لا يمكن قبوله كأمر شرعي مهما طال الزمن، وتشير الكاتبة لمجموعة صور نمطية عند الحزب حول إسرائيل باعتبارها تجسيدا للاستكبار والغرور الهادف لاستعباد العرب والمسلمين عبر أسوأ أنواع الإرهاب والمجازر، ومن أن إسرائيل نفسها في بعض الأحيان تستهدف مصالح خاصة بها
–كالسفارة الإسرائيلية في بيونس أيرس عام 1992- بغرض تشويه حزب الله وجماعات إسلامية أخرى. ومن أن الجندي الإسرائيلي جبان لا يقاتل إلى من وراء تحصينات، ويرفض الحزب التمييز بين القوى الإسرائيلية لا سيما بين الليكود والعمل. ولكن الحزب وإن كان يبرر شرعيا الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين فهو يؤكد رغم ذلك أنه عندما كانت صواريخه تستهدف أماكن مدنية إسرائيلية فذلك لردع إسرائيل من استهداف المدنيين في لبنان.
وتقول المؤلفة إن الحزب يعلن التزامه بضرورة تحرير القدس وكل فلسطين ويرى المعركة مع إسرائيل معركة وجود لا حدود، وانسحاب إسرائيل من الجنوب لا يعني انتهاء المعركة التي هي قضية الأمة العربية والإسلامية بأسرها فإن الحزب يرى أنه لا يمكن أن يكون بديلا للفلسطينيين، فالحزب يمكن أن يكون جزءا من المعركة لا أن يحمل الراية بدلا عن الفلسطينيين، فتحرير القدس واجب شرعي للأمة ولكن القدس مدينة فلسطينية أولا وإسلامية ثانيا، هذا عدا عن عدة اعتبارات وتوازنات إقليمية ودولية تمنع حزب الله من لعب دور القيادة.
أما بالنسبة للموقف من اليهودية فيميز الحزب على السطح بين اليهودية والصهيونية، ويرى أن اليهودي له الالتزام بدينه وشعائره طالما لم يكن في ذلك مضمونا سياسيا يقوم على السيطرة على الآخرين. على أن هذا التمييز يفقد أهميته لأن الحزب يؤمن بأن الأغلبية الكاسحة من اليهود تؤمن بالصهيونية، بل إن أدبيات الحزب في كثير من الأحيان تشير لليهودية لتعني الصهيونية.

”يركز الحزب على الدور الغربي في الحرب الأهلية ومحاولة إخضاع لبنان ثقافيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا، وأن هذا يعود لمواجهة تاريخية منذ فجر الإسلام. ولكن الحزب يميز الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بصفتها القوى الاستعمارية الرئيسية بما يجعلها في مقدمة قوى الاستكبار

وفي خلاصة الكتاب ترى الكاتبة أن حزب الله تحول من منظمة عسكرية إلى حركة عسكرية- مجتمعية– سياسية ذات بنية فكرية تتفاعل مع الواقع وتجري أحيانا مراجعات فكرية في بعض أفكارها ومواقفها تبعا لذلك الواقع مع الحفاظ على مجموعة من الثوابت الرئيسية. ومن هذه الثوابت المقاومة لإسرائيل التي لم تنته بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، فلا زال هناك مزارع شبعا المحتلة ولا زال هناك أسرى في السجون الإسرائيلية ولا يزال هناك دعم الانتفاضة الفلسطينية، ولغرض الاستمرار في هذه المقاومة لا يمانع الحزب من إبداء مرونة في ما يتعلق بقضايا تخص السياسة الداخلية اللبنانية.
وبالمحصلة كما ترى الكاتبة سيكون برنامج حزب الله السياسي ذا صبغة علمانية أقرب لأحزاب وطنية أخرى ولكن على المستوى الفكري سيبقى إسلاميا، مع محاولة الموازنة بين الجانبين ولكن الحزب قد يضطر تحت ظرف ما للاختيار، وسيكون الخيار غالبا القبول بموقع ثانوي نسبيا في السياسة المحلية مقارنة بالالتزام بالهوية الإسلامية والدور الثوري في سبيل الأمة.

 
  • اسم الكتاب: حزب الله: السياسة والدين
  • المؤلف: أمل سعد غوريب
  • عدد الصفحات: 254
  • الطبعة:الأولى 2002
  • الناشر: London: Pluto Press, 2002)
  • كامبردج بوك ريفيوز