.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب

أوروبا .. الحلم & الخيارات

(ملخص كتاب لـ رومانو برودي)

" إذا كنا متحدين، فباستطاعتنا أن نطرح مشروعا سياسيا قويا، وأن نمنح الإيمان لأولئك الذين تقلقهم التغيرات الكبيرة في عصرنا، وأن نعزز الأعمال الإنسانية الدولية. إذا اتحدنا، سيكون بإمكاننا تقديم إجابات جديدة لأزمة السياسة والديمقراطية "

باختصار، هذه هي الرسالة التي يحملها الإعلان الذي عرضه رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي على أوروبا، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2003, والذي أريد له أن يمهد الطريق لتوسعة الاتحاد الأوروبي التاريخية التي حدثت في مايو/أيار 2004.

وبهذا الاقتباس الوارد أعلاه اختار رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي أن يستهل كتابه " أوروبا الحلم والخيارات". وقد جاءت هذه العبارات في مطلع الصفحة الأولى من الكتاب وبعد العنوان مباشرة.

وهذا الكتاب ليس بالمجلد الكبير، بل هو أقرب إلى وثيقة موجزة ومكثفة في أفكارها وتلخيصها, يعرض فيها رئيس المفوضية أفكاره بشأن المستقبل الأوروبي.

 تحديات جديدة
يتناول برودي في حوالي ستين صفحة التحديات الكبيرة التي تواجه أوروبا في القرن الحادي والعشرين، والقيم التي تجمع بين الأوروبيين، بالإضافة إلى الخيارات التي ستحدد مستقبل الاتحاد الأوروبي.

"هناك لحظات في التاريخ تجد فيها الشعوب نفسها مطالبة باتخاذ قرارات مهمة، وبالنسبة للأوروبيين، يعتبر مطلع القرن الحادي والعشرين إحدى تلك اللحظات، ذلك لأن أحداثا ذات أهمية عالمية قد سببت تغييرات في العالم، وهكذا أصبحت أوروبا الآن تواجه تحديات جديدة."

أما هذه التحديات الجديدة فيدرجها برودي على النحو التالي: العولمة، والابتكارات التقنية، و انخفاض معدلات الولادة في أوروبا، وتلوث البيئة، و الديمقراطيات الأوروبية المرتبطة بالمنافع الاقتصادية للقلة، و الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين البلدان الفقيرة والغنية في العالم.

وكما يبدو فإنه لا توجد مشكلة واحدة بين هذه المشكلات سهلة الحل أو من الممكن حلها في وقت صغير. إلا أن رئيس المفوضية الأوروبية يرى أنه من واجب الاتحاد الأوروبي -في جميع الأحوال- المشاركة في هذه القضايا العالمية استنادا إلى المبادئ المشتركة بين الأوروبيين، ألا وهي السلام والعدل والحرية والديمقراطية والمساواة بين الناس.

إن إعلان برودي مكرس في صميمه للخيارات المستقبلية التي يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مطالبا باتخاذ موقف منها.

 الديمقراطية
تواجه الديمقراطيات الأوروبية أياما عصيبة، ذلك لأن مشاركة المواطنين في الخيارات السياسية التي تتخذها دولهم آخذة في الانكماش شيئا فشيئا، في حين نلمس نوعا من الإحساس بالفتور بين المواطنين والمؤسسات السياسية في كثير من دول الاتحاد. ووفقا لما يراه رئيس المفوضية الأوروبية فإن النفوذ الذي تحظى به وسائل الإعلام وتغلغلها في حياة الأوروبيين اليومية هو المسؤول جزئيا عن الأزمة التي تواجهها الديمقراطيات الأوروبية في الوقت الحاضر. حيث أصبحت وسائل الإعلام -وعلى الأخص التلفزة- الأداة الرئيسية للتثقيف والتنظيم السياسي.

ويؤكد برودي أن ما يتوجب على الأوروبيين القيام به هو خلق مجالات جديدة للحوار كي تشمل المناقشات السياسية تلك القطاعات من المواطنين الذين لا تتوفر لديهم -في الوقت الحاضر- الموارد اللازمة للمشاركة في المنتديات الشعبية الأوسع مجالا.

وبإيجاز، فإن رئيس المفوضية الأوروبية يرى أن خير وسيلة لكسر احتكار وسائل الإعلام للسيطرة على الرأي العام هي إيجاد منافذ أخرى للتعبير عن آراء المواطنين وصياغة تلك الآراء.

أي أنه يرى أن الدفاع عن إعلام تعددي هو الطريقة الواجب اتباعها، كما أن واقع الحال لا يشير إلى كون أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي تعتقد أن النظام التعددي في الإعلام هو جوهر الديمقراطية.

إن المساواة والنمو الاقتصادي مرتبطان ببعضهما بشكل وثيق في أي تحليل اجتماعي يتناول أوروبا، ومع أن النمو الاقتصادي لا يقلل من التفاوت في المعاملة مع الناس، غير أنه قد لوحظ وجود سياسة ممتدة انطوت على معاملة عادلة للموظفين في فترات الانتعاش الاقتصادي (مثلا الفترة بين 1960 و1980) تقابلها سياسات لم تكن على نفس المستوى من العدالة الاجتماعية عرفتها فترات الأزمات الاقتصادية عندما ترتفع نسبة العاطلين عن العمل (مثلا الفترة بين 1980 و2000).

ويمثل الاتحاد الأوروبي مؤسسة اقتصادية متينة، إلا أن النمو الاقتصادي الذي يتوقع أن يأتي مع الألفية الجديدة لم يصل بعد، وهذا النمو يشكل الأولوية الاقتصادية الأكثر أهمية بالنسبة لرومانو برودي.

واستنادا لإعلانه، لا بد من تنفيذ القوانين وإقامة المؤسسات التي من شأنها تطوير سوق حرة داخل الاتحاد الأوروبي، هذا مع التقليل من المعوقات.

فمثلا من الضروري تحسين شبكات الطرق والقطارات. فالفرص الجديدة التي أصبحت متاحة للمزارع والصناعات نتيجة لتوسيع الاتحاد وانضمام بلدان أوروبا الشرقية إليه لن تتحقق فائدتها بالنسبة للاتحاد الأوروبي دون تحسين أنظمة النقل.

إن الابتكارات العلمية والتقنية هي مصدر مهم آخر لابد من أخذه بعين الاعتبار، إذ توجد علاقة وثيقة بين البحوث والنمو الاقتصادي. في حقول التقنيات البيولوجية والأشكال المبتكرة للطاقة، مثلا، هناك من الإمكانيات ما يكفي لتحويل مراكز البحوث الأوروبية إلى موارد مالية.

ومن أجل الوصول لمثل هذه الحالة والكثير غيرها، يؤكد رومانو برودي أنه يتحتم على أوروبا الرجوع إلى مؤسساتها الجامعية والعمل على دعم العاملين فيها من الباحثين والعلماء، فالتعليم والبحث والإبداع هي ثلاثة مفاتيح رئيسية لمستقبل أوروبا.

 النمو والرفاهية
لقد كانت أوروبا المهد الذي تمت فيه صياغة مفهوم الرفاهية أو الضمان الاجتماعي لأول مرة، وهذا الأمر يعتبر مدعاة فخر لكل أوروبي ويشكل الأساس الذي تقوم عليه الطريقة الأوروبية في التفكير الخاص بالعلاقة بين الفرد والمجتمع.

أما اليوم، فلا بد من مواءمة مفهوم الرفاهية للحاجات الجديدة الخاصة بالمجتمع العصري، إذ أن أوروبا تعيش اليوم في مجتمع يتميز بتزايد عدد المسنين فيه، بالإضافة إلى وجود عائلات تختلف عن تلك التي عهدها مجتمع ما بعد الحرب.

فغالبية العائلات الأوروبية المعاصرة تتكون من أبوين وطفل أو طفلين. كما أن عدد الآباء أو الأمهات المنفردين آخذ في الازدياد.

كذلك فإن مستوى التعليم الذي كانت تتطلبه سوق العمل في نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد ينسجم مع متطلبات الشركات الجديدة. وحتى في مجال النظام الصحي، نجد أن نوع الخدمات المطلوبة اليوم يختلف تماما عما كان مطلوبا قبل أربعين سنة.

غير أن رئيس المفوضية الأوروبية يعتبر فكرة إنشاء نظام صحي أوروبي لكافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خطأ جسيما. إذ سيكون من باب المستحيل الجمع بين السياسات المختلفة التي اتبعتها كل واحدة من الدول الأعضاء لغرض العناية بشعبها والاهتمام بمساعدته.

ومن المعلوم أنه استنادا إلى التقاليد الديمقراطية السارية في تاريخ البلدان الأوروبية يحق لكل دولة عضو في الاتحاد اختيار مجموعة التوجيهات والإرشادات الأنسب لتلبية احتياجات شعبها.

ولكن الاتحاد الأوروبي يستطيع أن يلعب دورا مهما ضمن نظام الرفاهية المتعلق بأوروبا، وهو دور الإشراف على خطة الضمان الاجتماعي في كل دولة والتأكد من أنها لن تؤدي إلى أزمة مالية.

 الهجرة
ينبغي النظر إلى الهجرة من خارج حدود الاتحاد الأوروبي على أنها شكل من أشكال الفرص المتاحة بدلا من كونها مصدرا للخوف.

فالواقع يشير إلى أن جزءا من الاقتصاد الأوروبي يعتمد على عمل المهاجرين الوافدين من داخل أو خارج حدود الاتحاد.

وإذا نظرنا إلى الهجرة الأوروبية، فقد آن الأوان كي نعطي معنى للمواطنة الأوروبية ينبع من صميم الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي. حيث ينبغي إعطاء جميع المواطنين الأوروبيين حق التعبير عن اختيارهم في الانتخابات السياسية والمحلية للبلد الذي يقيمون فيه، حتى إذا كان بلد الإقامة يختلف عن البلد الذي ولدوا فيه. غير أن الحال يختلف بالنسبة للمهاجرين القادمين من خارج حدود الاتحاد الأوروبي، خصوصا إذا كانت هجرتهم قد تمت بطريقة غير قانونية، فالهجرة غير القانونية ظاهرة لابد من إخضاعها للسيطرة.

إن من الواضح لكل واحدة من الدول الأعضاء أن ثمة حاجة تدعو إلى وضع سياسة أوروبية للهجرة وإلى الحد من الأشكال الكثيرة للهجرة غير القانونية من جهة، وإلى تعزيز سياسة تعمل لصالح طالبي اللجوء والعمال المنتظمين الذين يحملون إذن عمل، من جهة أخرى. وفي كلتا الحالتين، لا بد من تفعيل الحوار مع البلدان التي تتدفق منها الموجات الكبيرة للمهاجرين.

والخلاصة، إن كتاب "أوروبا.. الحلم والخيارات" لرومانو برودي يرسم ملامح السياسة المستقبلية للاتحاد الأوروبي كما يراها رئيس المفوضية الأوروبية الحالي.

ويأخذ هذا الإعلان بعين الاعتبار الاختلافات العديدة التي تميز كل واحدة من الدول الأعضاء في الاتحاد، ولكنه يتوصل إلى أن أسس هذا المستقبل تنبت من فكرة الديمقراطية والحرية والعدالة وهي نفسها التي تكون الأرضية المشتركة التي يقوم عليها تاريخ كل دولة من الدول الأعضاء، أي "الوحدة مع التنوع" وهذا ما يميز الاتحاد الأوروبي.


 
  • اسم الكتاب: أوروبا.. الحلم والخيارات
  • المؤلف: رومانو برودي
  • عرض : كامبردج بوك ريفيوز
  • عدد الصفحات: 60
  • الطبعة: الأولى 2003
  • الناشر: غوفرنير، مانتوفا