.

آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدبكتــــبالديـنالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة

الألـم
ظاهرة مازالت محيرة

 
الألم ظاهرة بشرية بالغة التعقيد ، لا تكاد تخلو الحياة منها ، ومع ذلك تبقى لغزا محيرا للطب والأطباء ، ومن جاراهم في حقل التعامل مع الأحياء من العلماء .

لأول وهلة تبدو كلمة " الألم " كلمة بديهية من بديهيات الحياة ، ولكن ماإن تطلب من إنسان أن يصف لك الألم الذي يشعر به ، حتى ينظر إليك في حيرة ودهشة واستغراب ، وقد يمتزج مع نظرة الحيرة والارتباك اتهام ضمني للسائل بالبلاهة والغباء وخمول الذهن .

حيرة الإنسان أمام فهم هذه الظاهرة أدت إلى ولادة حيرة أكبر في مداواتها ، ومحاملة علاج الألم أو التخفيف منه ، ولهذا كان تاريخ الإنسان حافلا بآلاف التجارب والمحاولات في هذا المضمار وتعددت بذلك النتائج والأساليب المتبعة في علاج الآلام وتسكينها تبعا لنوعها وشدتها والطبيعة العضوية للمنطقة المصابة من الجسم البشري ، ولاتزال محاولات وأساليب علاج الألم مستمرة

 تعريف الألم
الألم في الطب هو منبه فطري أو طبيعي يظهر للدلالة على وجود حالة غير سوية في الجسم ، أو للتنبيه إلى خطر يتهدد الجسم .

إلا أن هذا التعريف على صحته وبساطته يبقى ناقصا وغير مرض لجميع الأطراف ، من أطباء وعلماء نفس وفلاسفة ولغويين ، بيان ذلك أن الألم إحساس فردي يختلف شدة  أو ضعفا من إنسان لآخر ، حتى عند الإنسان الواحد ، ومن وقت لآخر ؛ فضلا عن أن مايسبب ألما لإنسان قد لايسبب ألما لإنسان آخر ، مثال ذلك (المسامير المعدنية أو مايشبهها من الآلات المعدنية المدببة الطرف التي يعمد بعض الناس إلى غرزها في أجسادهم ، كنوع من إظهار القوة أو القدرة على الاحتمال ، أو من قبيل الطرافة والتسلية عن الناس أو غير ذلك من الدوافع .
هذا العمل لايسبب ألماً يذكر لهؤلاء القوم ، بل على النقيض من ذلك تماماً قد يكون مصدر مسرة لهم ، وقس على ذلك الآلام الموضعية التي تجعل بعض المرضى يئن ويتوجع ، بينما لاتسبب لبعضهم الآخر أي شعور عكسي واضح ! .

هذا التناقض يجعل تعريف الألم صعباً بل ويوقع من يتصدى لظاهرة الألم في حيرة أكبر من مجرد حيرة التعريف ؛ فإذا أضفنا إلى ذلك أن الألم قد يكون نفسياً( أو عاطفياً ) ، أو ذهنياً أو جسدياً ، أدركنا صعوبة الوصول إلى تعريف يرضي جميع الأطراف , إذ أين تنتهي حدود الألم النفسي ، وأين تبدأ حدود الألم الجسماني ؟!! .

وحتى لا نستطرد إلى أبعد من ذلك في موضوع مثير للجدل ، فإننا نقنع بالقول : إن الألم ظاهرة معقدة جداً تشترك عدة عوامل في إثارتها ، والإحساس بها ، والاستجابة لها ، ويبقى الهدف الطبيعي من هذه الظاهرة هو التنبيه إلى خطر داخلي أو خارجي يهدد الجسم .

 العلاج التقليدي للألم
فيما يتعلق بالألم الجسماني ، وهو موضوع كلامنا هنا ، تقوم الأعصاب الطرفية بنقل الإحساس بوجود مؤثر مؤلم إلى المخ . والأعصاب الطرفية ( نسبة إلى الطرف ) ، هي التي تصل أو تمتد من سطح الجسم ، ومن مختلف أعضائه إلى المخ ، وسميت كذلك تمييزا لها من الأعصاب المركزية Central Nerves التي لاتصل إلى سطح الجسم .

على أن الأعصاب الطرفية لاتنقل إلى المخ الإحساس العام بالألم ( أو بالدقة بوجود مؤثر مؤلم ) فحسب ، بل تنقل كذلك الأحاسيس المختلفة كافة ، التي تمكن الإنسان من إدراك ماحوله في بيئته والتعايش معه ، مثل الإحساس بالبرودة والسخونة ، واللمس الخفيف ، واللمس القوي ، والاحتكاك ، وغير ذلك من الأحاسيس ، وتسمى الأعصاب الطرفية التي تنقل الأحاسيس إلى المخ " أعصاب الحس " Sensory Nerves تمييزاً لها من الأعصاب الطرفية التي تنقل أوامر المخ إلى العضلات والمفاصل للحركة ، والتي تسمى " أعصاب الحركة " Motor Nerves .

تعرف الأقدمون إلى حقيقة أن أعصاب الحس تنقل أحاسيس متباينة إلى المخ ، فعمدوا إلى إثارة أعصاب الحسأو تنبيهها بمنبه قوي ، بحيث يطغى أثره أو قوة إثارة الأعصاب على أثر المنبه ، أو المؤثرالمؤلم ، وبذلك ينشغل المخ باستقبال المنبه أو المؤثر الأقوى ، فلا يعود الإنسان يشعر بالألم، وهذا مايسمى طبياً بــ " الإثارة المضادة " Counter Irritation .

من أمثلة الإثارة المضادة المستخدمة في علاج الأقدمين للألم " الوخز بالإبر " Acupuncture ، وقد نشأت تلك الطريقة في الصين منذ أكثر من خمسة ألاف عام . وكذلك استخدم الأيرلنديون القدماء للطمي الساخن لعلاج آلام المفاصل الروماتيزمية ، كذلك استعمال كمادات الثلج لعلاج آلام الحروق .

 نظرية البوابة
وضع كل من عالم النفس الكندي " رونالد ميلزاك " ، وعالم الفيزيولوجيا ( وظائف الأعضاء ) الانكليزي " باتريك وول " ، معاً نظرية حديثة لتفسير ظاهرة الألم ، وأسمياها "نظرية البوابة " The Gate Theory ، والتي مضمونها أن الحبل الشوكي للجسم يشتمل على مايمكن أن يكون بوابة ، تفتح بواسطة الأحاسيس التي تنقلها أعصاب الحس ، وكذلك بواسطة أوامر من المخ .
والحبل الشوكي Spinal Cord جزء من الجهاز العصبي المركزي ، ويقع داخل تجويف الفقرات العظمية ، التي يتكون من مجموعها العمود الفقري ( أو سلسلة الظهر ) ، ويتصل بقاعدة المخ .
وتتصل جميع الأعصاب الطرفية بالحبل الشوكي ، أي أن أي إحساس تنقله الأعصاب الطرفية لابد وأن يمر بالحبل الشوكي قبل وصوله إلى المخ .

وفقا لـ نظرية البوابة يمكن تفسير بعض الأمور الغامضة المرتبطة بظاهرة الألم ، فمثلاً : في حالة لاعب السيرك ( أو الحاوي ) الذي يغرز في جسمه قطعا من الزجاج أو المسامير المعدنية دون الشعور بالألم ، تكون حالة الزهو أو الرضا عن النفس نتيجة عمل خارق ، سببا في أن يصدر المخ أوامره بإغلاق البوابة في الحبل الشوكي ، فلا يمر الإحساس بالوخز الذي تنقله الأعصاب الطرفية ، ولايصل إلى المخ ، وبذلك لايشعر ذلك الإنسان بالألم .

(( إن استيعاب وجود مؤثر مؤلم ، وإدراك طبيعة المؤثر ، والإحساس بالألم , كل ذلك يحدث في المخ ، وليس معنى ذلك أن المخ يتألم؛ فالحقيقة العلمية تقول أن نسيج المخ غيرحساس للألم ، ومعنى ذلك أن المخ هو الذي يترجم الرسالة العصبية الواصلة إليه إلى إحساس بالألم في الموضع من الجسم المتعرض للمؤثر المؤلم )) .

ووفقا للنظرية نفسها ، فإن الأحاسيس المتباينة ، التي تنقلها الأعصاب الطرفية يمكن أن تكون سبباً في إغلاق البوابة في الحبل الشوكي ، أو فتحها . وعلى ذلك يمكن القول : إن الوخز بالإبر الصينية ، والطمي الساخن ، وكمادات الثلج تكون سبباً في إغلاق بوابة الألم في الحبل الشوكي .

كذلك تفيد نظرية البوابة في تفسير نوع من الألم ، حار الطب والعلماء في تفسيره ، وهو مايسمى " ألم الشبح " Phantom Pain ( ألم العضو المبتور) ؛ فبعض المرضى الذين يتطلب إسعافهم بتر جزء من الجسم ، مثل ساق أو ذراع ، يشعر أحيانا بآلام مبرحة في موضع الجزء المبتور ، وليس في الجزء الباقي منه ! ؛ فإذا تم اعتبار أن حسرة المصاب على فقدان ذلك الجزء من الطرف المبتور من الجسم تكون سبباً في فتح بوابة الألم ، أمكن بذلك تفسير حدوث الألم لديه ( هذا التفسير لايقل غرابة عن الألم نفسه ).


المرجع : مجلة ضاد >>