قال الله تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ
بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
وعن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و
سلم : { من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه
}
[متفق عليه].
وكن واصل الأرحام حتى لكاشح |
توفر
في عمر ورزق وتسعد |
ولا تقطع الأرحام إن قطيعة |
لذي رحم كبرى من الله تبعد |
الأرحام هم
الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم
المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة
الأنفال والأحزاب:
وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ
[الأنفال:75]، وأقربهم الآباء والأمهات
والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا،
ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم،
والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال
والخالات وأولادهم، وقد صحّ عن النبي صلي
الله عليه و سلم أنه قال لما سأله سائل
قائلاً: من أبر يا
رسول الله صلي الله عليه و سلم؟ قال: {
أمك } قال: ثم من؟ قال: { أمك } قال: ثم
من؟ قال: { أمك } قال: ثم من؟ قال: {
أباك، ثم الأقرب فالأقرب }
[أخرجه الإمام مسلم في صحيحه]،
والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما أقارب
الزوجة فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم
يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده
منها.
صلة الرحم
تكون بأمور متعددة، فتكون بزياراتهم،
والإهداء إليهم، والسؤال عنهم، وتفقد
أحوالهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع
غنيهم، واحترام كبيرهم، وتكون كذلك
باستضافتهم وحسن استقبالهم، ومشاركتهم في
أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم، كما تكون
بالدعاء لهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة
دعوتهم، وعيادة مرضاهم، كما تكون بدعوتهم
إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن
المنكر، يقول ابن أبي حمزة: (تكون صلة
الرحم بالمال،
وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة
الوجه، وبالدعاء ).
وقال
النووي: ( صلة الرحم هي الإحسان إلى
الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة
تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة
تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك ).
صلة الرحم واجبة وإن قطعوك
عن أبي
هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله صلي
الله عليه و سلم، إن لي قرابة أصلهم
ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ،
وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال النبي صلي
الله عليه و سلم : {
إن كنت كما قلت
فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله
ظهير ما دمت على ذلك }
[رواه مسلم].
صلة
الرحم سبب لمغفرة الذنوب
عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلي الله
عليه و سلم رجل فقال: إني أذنبت ذنباً
عظيماً، فهل لي توبة؟ فقال النبي صلي الله
عليه و سلم : { هل لك من أم؟ } قال: لا.
قال: { فهل لك من خالة؟ } قال: نعم. قال:
{ فبرّها } [رواه الترمذي والحاكم].
صلة
الرحم سبب لزيادة الرزق وطول العمر
عن علي ابن
أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلي الله
عليه و سلم قال: { من سره أن يمد له في
عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة
السوء، فليتق الله، وليصل رحمه } [رواه
الحاكم والبزار بسند جيد].
وعن أنس أن
رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: { من
أحب أن يبسط له في رزقه، ينشأ له في أثره،
فليصل رحمه } [رواه البخاري ومسلم].
صلة
الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى
عن رجل من
خشعم قال: أتيت النبي صلي الله عليه و سلم
وهو في نفر من أصحابه فقلت: أنت تزعم أنك
رسول الله صلي الله عليه و سلم؟ قال: {
نعم }. قال: قلت: يا رسول الله صلي الله
عليه و سلم، أي الأعمال أحب إلى الله؟
قال: { الإيمان بالله }. قال: قلت يا رسول
الله صلي الله عليه و سلم، ثم مه؟ قال: {
صلة الرحم }. قال: قلت يا رسول الله صلي
الله عليه و سلم، أي الأعمال أبغض إلى
الله؟ قال: { الإشراك بالله }. قال: قلت
يا رسول الله صلي الله عليه و سلم، ثم مه؟
قال: { ثم قطيعة الرحم } الحديث [رواه أبو
يعلى بسند جيد].
صلة
الأرحام سبب لدخول الجنة والنجاة من
النار
عن أبي أيوب
أن أعرابياً عرض لرسول الله صلي الله عليه
و سلم وهو في سفر، فأخذ بحطام ناقته أو
بزمامها ثم قال: يا رسول الله صلي الله
عليه و سلم - أو يا محمد - أخبرني بما
يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ قال:
فكف النبي صلي الله عليه و سلم ثم نظر في
أصحابه، ثم قال: { لقد وفق أو لقد هدي }
قال: كيف قلت؟ قال: فأعادها، فقال النبي
صلي الله عليه و سلم : { تعبد الله ولا
تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي
الزكاة، وتصل الرحم، دع الناقة } وفي
رواية: { وتصل ذا رحمك } فلما أدبر قال
رسول الله صلي الله عليه و سلم : { إن
تمسك بما أمرته به دخل الجنة } [رواه
البخاري].
صلة
الرحم ليست من باب المكافأة
من الناس من
يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه،
وهذا في الحقيقة ليس بواصل، وإنما هو
مكافئ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب
وغيره، فإن المكفأة لا تختص بالقريب وحده.
والواصل حقيقة هو الذي يصل قرابته لله
سواءً وصلوه أم قطعوه ولهذا قال : { ليس
الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا
قطعت رحمه وصلها } [رواه البخاري ومسلم].
قاطع
الرحم لا يدخل الجنة
عن جبير بن
مطعم أنه سمع النبي صلي الله عليه و سلم
يقول: { لا يدخل الجنة قاطع } قال سفيان:
( يعني قاطع رحم ) [رواه البخاري ومسلم].
عن أبي موسى
أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: {
ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع
الرحم، ومصدق بالسحر } [رواه أحمد وابن
حبان].
قاطع
الرحم لا يقبل عمله
عن أبي
هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه
و سلم قال: { إن أعمال بني آدم تعرض كل
خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم
} [رواه أحمد].
صلة الرحم
واجبة، و لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته
منها ؛ لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب،
و لا يجوز للزوجة أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل تصل
رحمها من مالها
الخاص، وتراسله وتزوره؛ إلا إذا
ترتب على الزيارة مفسدة في حق الزوج، بأن
يخشى أن قريبها يفسدها عليه؛ فله أن
يمنعها من زيارته، لكن تصله بغير الزيارة
مما لا مفسدة فيه.