السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ
ج3

تقديم : د. محمد الرمادى
فيينا / 2024

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

58 أنارتْ بـ ابتسامَتِهَا ليلَهُ

بل -حقيقةً- أنارتْ بضحڪتِهَا ليلَ الإسڪندريةڪلها
لم يدرِ ڪيف أقدمَ علىٰ تلك الفعلة الشنيعة.. ولعل من حسن حظه ڪـ إنسان أنه لا يذڪر تفاصيل مقدمات تلك الحادثة المستنڪرة..
وصدق مَن قال: „ما سميت إنسانا إلا لنسياني“..
ڪل ما يذڪره أنه تجرأ واقتحم مڪتب أبيه المحامي بالنقض بوسط عاصمة الثغر الإسڪندرية ليريه وزملائه تلك الفتاة ذات البشرة البيضاء وذات الشعر الأشقر.. ثم دعاها لرؤية فيلم أجنبي بسينما رويال.. ثم سحبها لمنزله لترقد فوق فراشه في غرفته.. فقد ڪان يعلم تماماً أن أمه في زيارة لخالته وغالبا سوف تعود علىٰمغارب هذا اليوم..
.. حدثٌ مخزيٌبڪل المقاييس يتألمٌ منه..ڪلما تذڪره.. وذاڪرة„ رفيقي “تملؤها أحداث ڪثيرة مفرحة وسعيدة وآخرىٰ مؤلمة غالباً ومخزية أحياناً بل تعتصره من الألم.. فتقهره من الخزي وتذله ڪلما تذڪرها.. ويا ويله من هذا العار.. فتظهر عليه علامات الحزن..ڪأنه يريد أن يقدم اعتذاراً يعلن فيه من خلاله بصوت مسموع آسفه لمن اساء إليهم أو إليهنَّ..
وهي.. تلك الشقراء البيضاء لم تتفاعل معه ڪـ أنثىٰبل ڪانت صامتة طوال الوقت..فلم تتجاوب معه بل ظلت باردة متخشبة.. و„ رفيقي “لم يرغمها علىٰ شئ.. بل أتت معه راغبة.. وهو أراد أن يحرك مشاعرها نحوه.. أو بتعبير أدق أراد أن يثبت لنفسه قدرات ذڪورية.. ولا يدري„ رفيقي “ ما الدافع عندها ليقترب منها هكذا أو تسلم نفسها له هكذا.. وهي لم تڪن لحظتها حبيبته.. بل -فقط- صديقة(!) حبيبته!..
والمؤلم حقاً والمخزي صدقاً أنها -تلك الفتاة الشقراءالبيضاء.. أو هڪذا ڪان يراها-ليست صاحبة هذه القصة..حين رواها لي.. بل القصة الحقيقة: هي حڪاية صاحبة الابتسامة ذات البريقالرائع الذي يرى من بُعد أميال من ثغرها البَسَّام الذي سيضئ ظلام حياته -هڪذا ظن- في مطلع شبابه.. بل -بالفعل-يضئ ليل مدينة الإسڪندرية.. مدينته الجميلة.. والرجل يرغب دائمأً في امرأة من طراز خاص ذات مواصفات بعينها تحمل مميزات خاصة نادرة الوجود ويسعد ذلك الرجل إذا وجد ڪل هذا في امرأة أمامه.. بغض الطرف عن درجة جمالها أو وصف الناس لها.. قصةُ فتاةٍ ملئت قلبه بحنان نادر و„ رفيقي “يرغب -بل ڪل رجل- في مثل تلك المرأة.. فتعلق عقله بحسنها المِصري الأصيل.. فهي بالقطع مِصرية المواصفات حتى النخاع جاء أجدادها من جنوب القطر المِصري حين بنىٰالأجداد الفراعنة اصحاب البشرة السمراء ومُلَاك الشعر الأجعد.. بنوا أعاجيب الدنيا فثلث أثارالعالم -أو أڪثر- تجدها مجتمعة علىٰ أرض مِصر..
إذافـ „ رفيقي “ يرغب في هذه الأمسية أن يسرد روايتين حدثتا معه في قصة واحدة.. تألم مرة لترك الأولىٰ واصابه الخزي ولحقه العار لما فعله مع صاحبة الرواية الثانية.. صاحبة الرواية الأولىٰ مڪث معها عدة شهور ينعم فيها بدفء قلبها ورجاحة عقلها وإكتمال إنوثتها.. أما الثانية.. فروايتها معه لا تستغرق سوىٰ سويعات تعيسة في نهار أسودتشمسه أمام عينه.. فأمطرت الدنيا بغزارة أمطارا سوداء قاتمة حملتها مزنڪاحلة.. لا تروي عطشاً ولا تسقي زرعاً وڪأن هذا اليوم لم تبزغ فيه شمس ولم يڪن في الدنيا بأسرها قمر يضئ ليل..وغارت النجوم فلم يهتدي السائر بضوء وتعطل منارة الإسڪندرية عن الإضاءة ثم هاجت الأمواج واصطدمت بجدار الميناء فتحطمت البضائع وغرقت السفن..
.. حدثَڪل هذا ڪما أخبرني.. فـ علاقته بتلك البيضاء الشقراء أنه رأها عدة مرات فقط وهي تصاحب صاحبة القصة الأصلية وتحدثا قليلاً جداً..
ثم توقف : „ رفيقي “عن الحديث معي..
وقال بصوت مجروح من الألم ينزف صديداً من الخزي بدلا من الدم: „ألا تذڪر أنه ورد عن ابن عباس،-رضي اللَّه عنهما-، أَنه قال..“
فقاطعته مباشرة : „حيلك.. حيلك.. يا سي عباس.. اتستشهد بحَبر هذه الأمة وانت تتحدث عن معصية.. هڪذا أنتَ تصفها“!؟..
فقال : „ طيب “..
وارتشف من فنجان قهوته رشفةً بلت أطراف فمهثم أڪمل القول: „خليني أڪمل حديثي.. الله يخليك.. وسوف تفهم“..
فقلت له : „قُول يا سيدي.. واطربني.. لا فض الله فاك!.“
فقال متأثماً: „إِنما سُمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ“
فقلت له : „ يا عم دي لُغة.. وفعلتك باشتم منها أنها معصية وجريرة لا تغتفر إلا باستغفار بندم وتوبةنصوح “..
ثم اعتدل في جلسته فقال: „أزيدك من المسألة معلومة قرآنية أنت بالقطع تعلمها.. ثم استعاذ من الشيطان اللعين الرجيم والمبعد من رجمة الله وافتتح قوله بالبسملة فالحمدلة ثم قال وهو جالساً متربعاً فوق مقعده :„ويؤكد هذا القول قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾..وڪأنه أراد أن يستدل بأن -النسيان وضعف العزم-صفتانآدميتانورثناهما عن أبينا الأول وجدنا الأوحد سيدنا آدم -عليه وعلىٰ نبينا الصلاة والسلام-..
ثم نظر إليَّ وأڪمل: „.. أو سُمي إنساناً منالإيناس.. وهو الإبصار.. لأنه يبصُر أو يُرى.. أو منالأنس.. لأنه يأنس ويؤنس به.. أو منالنوس، وهو التحرك.. لأنه متحرك“..
والظاهر لي -والله أعلم- أن „ رفيقي “في شبابه المبڪر أرتڪب عدة حماقات.. ولڪن بداية تلك الحماقات ڪانت في بداية تلك العلاقة -ولعلها حماقة ميسورة- إذ أنه غيَّر اسمه.. وأظن أن„رفيقي“ غيَّر اسمه إما إلىٰ„مراد“أو إلىٰ„وجدي“.. ولم يخبرني لماذا اختار هذا الاسم أو ذاك بالذات.. ولا استطيع أن أخمن.. ففي فلتة لسان له ذڪر منطق آحدهما أو مخرج ڪل منهما علىٰ حدة ولعله اختار مرة مع ضحية له اسم „مراد “ومع آخرى بدَّله بـ „وجدي “.. ولم يتبين لي ولا أدري ما سبب ذلك التغيير ولعل الباعث طيش شباب.. أو أنه ڪان يتفرج على آحد الأفلام المِصرية فأراد أن يتقمص شخصية بطل الرواية.. أقصد الفيلم..
إذاً تذوق „رفيقي“طعم الخيانة.. وهو لم يدرك مرارتها إلا بعد إنتهاء وطره منها.. أقصد ليست صاحبة هذه القصة.. والعجب أنه غضب من نفسه أو هڪذا يبدو لي فعاقب نفسه أولاً ثم عاقب نورا..
-*/*-
.. فـ من هي نورا إذاً!؟..
وما علاقتها بتلك الخيانة.. التي يُسميها عظمىٰ.. ! ويتألم عند ذڪرها ويصيبه الخزي عند الحديث عنها..
.. تبدء القصة وهي من قصصه الشيقة.. جداً!
فقد قال „رفيقي“لي : „عند قُرب غروب شمس نهار دافئ مِن أيام نهاية عام دراسي..“..
ويغلب علىٰ ظني أن „رفيقي“ڪان في نهاية المرحلة الثانوية في مدرسة المرقسية المشهورة بالقرب من محطة ترام الرمل..
يڪمل „رفيقي“ القول: „ انتبهتُ لوجودها بالقرب مني “ ..
ثم أخذ في وصفها بدقته المعهودة فقال „ رفيقي “: „وهي ترتدي بدلةًمدرسية رصاصية اللون..محزأة على جسمها الممتلئ.. تحتها قميص أبيض مفتوح الصدر قليلا.. يظهر -ڪما يدعي- أنه غير مڪوي بشڪل جيد.. أو مر عليه أسبوع دراسي ڪامل دون تبديله بآخر وهو نظيف لا يشتم منها رائحة عرق“..
ثم يحلل أمراً ما بقوله „ومَن يدقق في فتحة القميص ويبدو أنها تعمدت هڪذا ترڪه مفتوحاً يتمڪن من النظر إلىٰ لون حمالة الصدر.. وهي ذات شعر قصير أسود ڪـ ليل بهيم.. دائمة الابتسامة مع صويحيباتها“..
إذاً.. لفت انتباهه صوت ضحڪتها ذات الرنة الساحرة -بوصفه-وهي تتحدث مع زميلاتها بصوت عالٍ جلب سمعه إليها فاراد أن يقترب منها.. وانتبه لمصدر الصوت إذ هي تتوسط بنات مدرستها ولا يعلم ما سبب وجودهنَّ في هذا المڪان وحاول اصطناع موقف.. وسار خلفها برهة من زمن وهي لاحظت أن إنساناً يسير منذ زمن خلفهنَّ خاصة خلفها هي بالذات ولڪن بشڪل يجعلها تلاحظ أن بالفعل هناك إنسان ما يسير خلفها.. في البداية ڪانت متضايقة لهذا القرب -ڪما وصف لي- في السير وخاصةً وأن ميدان محطة الرمل يمتلئ بالناس.. فـ منهممَن يريد الذهاب لحفلة السينما المسائية مع شراء مسليات مشاهدة الفيلم ڪـ اللب الأسمر أو الفشار..
قليلا.. قليلا بدأت تنظر خلفها لتستوضح ماذا يريد.. أهو صدفة في طريقه يسير هڪذا ڪما هنَّ يسيرنَّ..أم يريد أمراً ما.. ولفت انتباهه بريق ينبعث من ثغرها.. يلمع حين تتحدث وهي تنظر-أحياناً- إلىٰ الخلف.. تنظر إليه.. بريق لمعان اسنانها وهي ڪانت تميل إلىٰ السُمرة.. وكانت ممتلئة الجسم قصيرة لحد ما ڪـ غالب النساء..
ثم ذهب الجميع -وهو معهم- إلىٰ محطة النقل العام أمام تمثال زعيم الأمة „ سعد زغلول “ورڪبن جميعهنَّ أوتوبيس-لم ينتبه „ رفيقي “ لرقمه أو خط سيره - فرڪب معهن.. واقترب خصيصا منها ليواجهها.. وينظر إلىٰ وجهها وهي ڪانت دائمة الإبتسام تمتلئ حيوية الأنثىٰ التي منذ حين أنتقلت إلىٰ مبلغ النساء.. وبالقطع-من وجهة نظره- هي من تلك النسوة اللائي يجلبن السعادة والراحة للرجل.. وڪانت تتحدث مع زميلة لها..
.. هڪذا أخبرني بالتفصيل..
ثم بدأ الأوتوبيس في الازدحام برڪابه قبل مغادرة بداية موقفه الأصلي بمحطة رمل الإسڪندرية.. وبتحرك وسيلة النقل العام هذه صارت فرصة آخرىٰ سانحة له ڪي يقترب منها أڪثر.. وأڪثر.. ثم اعتذر بأدب جم أنه يلامسها بصدره نتيجة زحام أتوبيس غالب الرڪاب في طريق عودتهم إلىٰ بيوتهم.. وبهذا الأدب الجم في الإعتذار بدأ الحديث بينهما.. ثم من ڪثرة الزحام انفصلت تماما عن رفيقاتها نتيجة زحمة الأوتوبيس وهو -وڪأنه حاول- عمدا أن يبعدها عن مَن ڪنَّ معها بل اراد أن يبعدها عن الناس جميعا ڪي يتمڪن من الحديث معها علىٰ إنفراد وإن ڪان المرڪبة العمومية مزدحمة ولعل ڪل راڪب يفڪر في حاله او في ليلته وعشائه.. وإن ڪان طالبا يفڪر في دروسه ووجباته المدرسية.. وبالتأڪيد ڪان هناك مَن يراقبهما..ثم بدءا يتبادلان الإبتسامة نتيجة هذا الإلتزاق المفروض عليهما..ومن هنا بدأ الحديث..
قال لها:„موش إنت -برضه- طالبة في المدرسة الثانوية للبنات خلف محطة الترام!.“
فضحڪت بصوت مسموع له مڪتوم عن الآخرين وقالت:„. ده ما فيش مدرسة ثانوية للبنات خلف محطة الترام.. باين عليك إنك موش من هنا خالص! “.. فما ڪان منه إلا أنه قال مسرعاً : „لأ.. أنا من هناك!!.“
فضحڪت مرة ثانية وقالت: „ من هناك.. يعني منين! “
وڪانت في ڪل ضحڪة إثناء سير الأوتوبيس تنشل قلبه من صدره ليصل إلىٰ حلقومه فيتوقف عن التنفس بشڪل طبيعي.. „ رفيقي “نسي تماما أنه برفقة رڪاب أذانهم ملتصقة بمخرج ڪلماته لا يسمعون فقط ما يقول بل يتلصصون ڪلماته ويتحسسون أنفاسه.. فقد ظهر للجميع ان هذا الشاب لا يعرف هذه الفتاة وأنه يحاول أن يغازلها أو يجلب انتباهها لحديثه !
ڪان „رفيقي“ يخشى سرعة المرڪبة العمومية وهو لا يدري متىٰ سوف تنزل في محطتها بالقرب من منزلها.. وهي بالفعل إذا نزلت فسوف يڪون منزلها بالقرب من محطة الأوتوبيس..
فڪان يسرع في الحديث معها.. ثم تجرأ وقال لها : „أريد أن اراك مرةً ثانية.. وهذا ضروري.. ارجوك“..
فضحڪت مرة ثانية وفي ڪل ضحڪة منها يريد أن يلثم فاها أو يريد أن يقبل شفتاها.. لڪن غير معقول الناس الغرباء من حولهم..
وقد تبرع آحدهم بالاقتراب منهما وسألها: „إنتِ نازلة فين.. يابنتي“
فردت مسرعة: „أنا رايحة عند بيت عمي.. وده ابن عمي-واشارت إليه- حـ يوصلني “!.. فـ سكت الرجل المتبرع..
فاطمئن „رفيقي“ أنها ترغب في مصاحبته إلىٰ نهاية رحلة الأوتوبيس أي إلىٰمحطة نزولها!
لم تخبر السائل بمحطة النزول.. لڪن „رفيقي“علم أنها لا تريد تدخل أحد لحمايتها.. فهذا ليست معاڪسة فتى مراهق ولڪن هي ابنة عمه يرافقها في زيارة العم..
ابتسم „ رفيقي “ابتسامة المنتصر واطمئن ڪما يقول الصائد الماهر بأن „السنارة غمزت“..
للأسف بدء الأوتوبيس في أن يفضىٰ من رڪابه.. وهذا معناه قرب محطة نهاية الخط.. فالغالبية وصلوا إلىٰ محطة نزولهم.. فضىٰ الأوتوبيس أو ڪاد من الرڪاب وصارت بعض المقاعد فارغة مِن مَن جلس عليها.. فقال لها : „تحبين الجلوس.. أم تفضلين الوقوف بجوار النافذة“..
فردت بصورة لم يتوقعها قالت له : „ أريد أن اراك ! “.
فقال لها : „لو جلسنا سوف تريني !؟“..
فقالت: „سأرى جانبا من وجهك.. أريد أن اراك ڪاملاً.. وأنت واقف أمامي “
... تبعثرت الڪلمات عنده في الرد عليها.. وتبعثرت الأفڪار في الإجابة..
بيد أنه قال لها مسرعاً : „إنها أسعد لحظة في حياتي أنني وجدتك.. “.. ولم يڪمل أين..
أقتربت المرڪبة العامة من محطة النهاية.. إذ أن المحطة القادمة هي آخر الخط.. ڪما أعلن مراراً الڪُمسري.. محصل ثمن التذڪرة..
فقالت له: „سوف أنزل.. محطتي جاءت“ ..
فقال مسرعاً : „متى اراك مرة ثانية“..
قالت له بعد لحظات تفڪير .. ڪأنها أعوام : „ الاسبوع القادم “..
فقد نسىٰ تماما „رفيقي“ أن اليوم هو الخميس نهاية الاسبوع المدرسي وغدا الجمعة عطلة رسمية في الديار المِصرية.. نزل معها..
قالت بهدوء حذر: „لا تسير معي أو خلفي.. الناس هنا يعرفونني.. راح يڪسروا عظامك لو شافوك ماشي ورايا“..
لم يبالِ بما قالت من تحذيره وشفقتها عليه..
فرد مسرعا: „ ياه.. اسبوع ڪامل لا اراك فيه.. يعني -آيه- الخميس القادم.. طيب الساعة ڪام.. وفين“..
فقالت: „زي النهاردة.. أمشي بقى.. روح بسرعة علىٰ الرصيف التاني.. آَحِّهْ.. الناس راح تشوفك.. راح يبهدلوك وبعدين يضربوك!“ ..
„رفيقي“ڪان يحمل علىٰ عنقه فوق صدره سلسلة ذهبية يتعمد إظهارها.. وهي علىٰ شڪل قلب منقوش بوسطها أول حرف من اسم ابيه يعانق أول حرف من اسم أمه.. حرفان متعانقان.. واخذها من أمه ولبسها.. وعليه يظهر من ملابسه ومن طريقة حديثه بل ومشيته أنه ابن ناس بمفهوم ولاد البلد الجدعان.. وبالعامية يعني أنه ابن أمه.. وبالفعل بدأت تتوجه أنظار المارة إليهوبنظرات مستفسرة إن لم تڪن مريبة..
ثم سمع من جانبه الأيسر مَن يقول: „ إلأفندي رايح علىٰ فين!؟..
و„ رفيقي “ لم يظن أن الڪلام موجه إليه..
فطبطب علىٰڪتفه المتحدث سائلا بصوت عالٍ : „إنتَ رايح فين يا أخينا!؟“..
فقال بصوت يرتجف : „ آِه.. أنا رايح ارڪب الأوتوبيس!.“ ..
فقال المتڪلم : „يا أفندي أحنا في نهاية الخط والأوتوبيس وراك موش قدامك!.. سلامة الشوف.. العتب ع النظر!“ ..
فقال„رفيقي “: „لا مؤاخذه..ده صحيح.. “ ..
وإذا به يسمع صوت من شرفة تطل علىٰ الحارة التي دخلها يقول : „ يا بت.. يانوره. أتخرتي ليه.. أطلعي علىٰ طول ده ابوك لو عرف راح يقطع رقبتك!“..
لم يسمع رداً منها.. علىٰڪلام تلك المرأة ولم يعرف دقة جواب منها.. فــ رجع بهدوء تام..
في تلك الليلة أخذ „ رفيقي “ڪراسة من دفاتر المدرسة المرقسية فارغة وأخذ يكتب لها..
ومن هنا جاءت منه فڪرة ڪتابة:„صفحات من ڪراسة إسڪندريات“
وهذه وفق حديثه معي أنها المرة الأولىٰ التي يبدء في ڪتابة أوراق غرامية لمحبوبته.. فهو لا يدري بالفعل أهل السيدة التي تحدثت من الشرفة ڪانت تقصد راڪبة الأوتوبيس معه..
إذا فــ اسمها „ نورا “.. أم فتاة آخرىٰڪانت تسير في نفس الحارة.. لذا لم يتمڪن من ڪتابة اسمها وڪان يترك نقاط بعدد حروف „نورا“ في رسائله علىٰ صفحات ڪراسته المدرسية الإسڪندرانية..
تقريبا ڪان يڪتب ڪل ليلة عدة ڪلمات لها يعبر فيها عن مشاعره الغامضة تجاهها وينتظر بفارغ الصبر مجئ يوم الخميس..
لڪنه انتبه بعد حين أنه لم يتمڪن من تحديد الساعة التي قابلها فيها يوم الخميس الماضي.. والتعبير قبل غروب يوم ما تعبير فضفاض لا يحدد ساعة زمنية بعينها فڪانت حيرة ما بعدها حيرة.. فاصابه قلق فقد تحضر مبڪرا ويأتي متأخرا أو العڪس يأتي مبڪرا وتحضر متأخرة..
أخذ يڪتب.. ويڪتب خواطر تأتي علىٰ خاطره تعبيرا عن شئ ما غامض تجاه فتاة ما زالت بالنسبة إليه غامضة!
لا يدري ڪيف مرت الأيام أو عدد الساعات..وأخيراً.. جاء يوم الخميس الموعود.. وذهب في انتظارها مبڪرا.. -هڪذا يظن- وميدان محطة الرمل ليس ڪبيرا جداً فيتمڪن المرء من رؤية مَن سيأتي من أي زاوية ڪانت.. إذا وقف الإنسان عند نهايته.. مرت دقائق.. ڪأنها أزمان ومرت ساعة ڪأنها دهر.. وهو في مڪانه ينتظر قدومها إليه.. وڪأنه يتساءل مصبرا نفسه : لعله جاء مبڪرا قليلا أو ڪثيراً.. وهڪذا وهو في حيرة من أمره منشغل الفڪر إذ به يسمع صوتاً رقيقاً من خلفه يقول له:„هي موش راح تيجي.. بتعتذر!..“ ..
فإذ به تقف أمامه ثلاث فتيات بنفس زي مَن ينتظرها.. البدلة الرصاصي والقميص الأبيض مفتوح الصدر..
فسارع بالقول مستغربا: „هي مين إللي راح موش راح تيجي“..
فقالت آحداهنَّ : „موش راح تيجي.. وخلاص.. بقىٰ“..
فقال: „هيَّ مين.. إنتِ تقصدِ مين“..
فقالت آخرىٰ : „إللي ڪنت راڪب معاه الأتوبيس.. يا خويّا.. يوم الخميس إللي فات!“..
فعرف مَن تقصد وظهر عليه علامات الحزن.. ثم قال رافعاً الرأس قليلا : „طيب لو سمحتِ أعطِ هذه الڪراسة لها علشان تقرأها“..
فقالت آحداهنَّ له :„لأ.. لأ.. أحنا منعرفهاش.. ما شفنهاش“..
فقال متوسلا :„ارجوڪم.. بس اعطوا الڪراسة دي لها.. بس.. موش أڪثر.. وأنا راح أنتظرها الخميس القادم الساعة الخامسة هنا.. شڪرا.. أنا متشڪر خالص“..
فترددنَّ في أخذ الڪراسة منه.. ثم تجرأت آحداهنَّ.. بل وتعطفت.. وقالت له: „ راح نعمل معروف فيك وفيها ونأخذ الڪراسة بس موش أڪثر..“
فقال لها وهو ممسڪا الڪراسة بطريقة معينة : „ارجوكِ.. خلي بالك.. الڪراسة دي.. في الصفحة الثالثة بها شئ عزيز عليَّ قوي“..
فردت آحداهنَّ : „يبقىٰ آيه ده إن شاء الله!“..
ففتح „رفيقي“لهنَّڪراسته علىٰ تلك الصفحة التي رقمها وقال: „ شوفوا.. بصوا.. انظروا !“..
فإذا بـ وردة بيضاءاقتربت من أن تجف أوراقها بداخل الڪراسة..
و.. هڪذا.. أنتهىٰ المشهد الثانيبعد المشهد الأول في الأتوبيس من قصةٍ لم تدم طويلاً.. وأنتهت بخيانة عظمىٰ..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
﴿رُوَايَّةُ: « „الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“ ».﴾
[(٣)] اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ: «القصة بدأت».. فصل رقم: [ 58 ]الخيانة العظمىٰ.. الجزء الأول
«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ».. كُتبتْ في «فيينا
Vienne - لحظة إطلالها علىٰالدانوب الأزرق»..
‏الخميس‏، 17‏ شوال‏، 1445هــ ~ 24 أبريل2024م

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

57اَلْــرُجُولَةُ

توجهت إلى„ رفيقي “بسؤالٍ مفتتحاً به تناول العشاء العُزابي.. طبيخ „ قرديحي “ على مائدة طعام لا أدري كيف حُضر..فقد كنا على عجلةٍ من أمرِنا.. وأمرُنا كلُه في سرعة غير متناسقة وعلى استعجال أحيانا يكون فضوي.. ولا ندري ما طيب مذاقه ولكنه -على كل حال- طعام يسد جوعة المعدة وطبيخ يسد المرء به رمقه.. إذ كان مزيجَ من خضار ولحم دجاج..وعليه لم يصبح „ ارديحي “بيد أن اللحم إنهرىفلم تتبقى منه سوى أنسجة وذكرى أن كانت بداخل هذه الحلة دجاجة..التي.. قيل أنها ذُبحَت على الطريقة الإسلامية والعهدة على„ القاتل “أقصد الجزاروكنا نصحح له:"هل ذُبح على الشريعة الإسلامية"..فيرد بـ هزةِ رأسٍ للأمام والخلف..لا يفهم منها شيئ ما.. سوى خلصنا وراك زبائن.. وقد حلَّ لنا هذا الإشكال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي -الله يرحمه- في زيارته لفيينا في مصلى إتحاد الطلبة المسلمين -قبل التغيير وتبديل الاسم ثم الإغلاق- التابع لجماعة الإخوان المسلمين بالحي السابع الفييناوي حيث قال فضيلته :„ دُول أهل كِتاب “.. وسكت -رحمه الله- برهةً ثم اردف قائلاً: „ وأكل ذبائحهم جائز دون سؤال أو استفسار.. سموا.. وكلوا “.. ثم علق مستغربا مستعجبا: „إنتم -كنا شباب عزابية- غالبية أسئلتكم تدور حول اللحم الأبيض واللحم الأحمر“وقصد فضيلته : „معاشرة نساء بني الأصفر“دون زواج أو عقد شرعي.. والعمل في مطاعم تقدم لحم خنزير..والمهم أن البعض منا قَبَلَ فتواه والبعض الآخر تردد!.. هذا الحدث تم في بداية الثمانينات من القرن الماضي..
المقصود أنهفي بداية وجبة عشاء عُزابية اُرْديحي بطريقة السلق السريع بماء مغلي لدرجة الذوبان: لحم دجاج وأرز معجن مع خضار لم يتبق منه سوى لونه.. توجهت إلى „ رفيقي “بالسؤال:
„ما مقياس الرجولة عندك!؟“..
ولم أدرِ ما الذي جعلني اسأله مثل ذلك السؤال في هذا اليوم.. وقبل التسمية على الطعام..
ثم سرحتُ بفكري قبل سماع إجابته.. إذ المعلوم أن الإنسان-دوماً- لديه أزمات في حياته أو مصاعب تقابله في فترات عمره أو مشاكل نفسية أو صحية أو إشكال في التعامل مع الآخر الذي مثلك أو غريب عنك.. وتبدء هذه المشاكل والصعوبات مبكراً عند : „هذا الإنسان“سواء البكري في العائلة أو آخر العنقود وكما يقولون سكر معقود أو بين عدة أولاد أو ما يطلق عليه الطفل الساندويتش أو طفل وحيد: „بتاع أمه“.. الكل لديه مسائل مستعصية أو سهلة وعُقد نفسيه..
ولخبرتي به.. فـ بالقطع „ رفيقي “ يحمل بين جنبيه -وإن أخفاها- مجموعة مثقلة من العُقَد النفسية -كبقية الناس- نتيجة ما مر به من مواقف مخجلة في زمن الطفولة الواعية -إن تذكرها- وإن كانت تصلح أن نسميها الطفولة البريئة أو أزمات وقت صباه قبل بلوغه مبلغ الرجال أو عبث ما فعله في باكورة شبابه سيحمل وزره إن لم يقلع عنه أو خبطات موجعة من سقوطات في تجاربما أو مؤلمة من فشلفي علاقاتإنسانية اراد له التوفيق.. فأخفق..أو إرهاق وتعب وتأخر في دراسة حين كان شابا أو تعثر في بناء مستقبل زمن قوة الشباب وفتوة الإنسان أوما مر به كرجل حتى الأن من صعاب في عمله واستمراره فيه وترقيته في درجاته أومشاكل في مسكنه.. أو أزمات لا دخل له ولا يد فيها أو مع المرأة أو نساء.. خاصةً إنتقال: „ رفيقي“المفاجئ دون مقدمات تمهيدية أو تهيئة نفسية وإعداد ذهني أو إحسان لغة القوم الذي سوف يمكث معهم زمنا قد يطول.. إما بقصد العمل وجمع المال وإدخاره على حساب صحته أو على حسابالآخرين أو بقصد الدراسة والتحصيل العلمي.. انتقاله المفاجئمن بيئة مسلمة بحكم المولد وشهادة الميلاد وتواجده داخل مجتمع متدين من حيث العادات والتقاليد والعرف العام السائد والاحتفال بـ مواسم تأتي والفرح لـ قدوم مناسبات تمر والتنشأة التقليدية داخل أسرة محافظة.. خاصةً: „الحاجة“والدة أبيه.. واقتراب أنفه وهو ممسك من خلفها بملايتها اللف „الْإِسْكَنْدَرَانِيّةِ“ ».. ذات العبق المكي والمسك المديني ثم التواجد في مدارس منذ الروضة يغلب عليها الطابع المسيحي -وإن لم تظهر له علامات-كـ مدرس الإبتدائي الأستاذ فؤاد في مدرسة سيد درويش أو المدرسة الإعدادية: مدرسة الأمريكان الخاصة بالعطارين أو مدرسة النيل بحي غيط العنب الذي يغلب على قانطيه النصرانية أو مدرسة المرقسية..ومن اسمها يعلم تابعيتها وإن لم يظهر بوضوح تأثير مسيحي على الطلاب أو في الحياة العامة من خلال أي ممارسات أو ضغوطات أو إظهار أي رموز.. ثم تواجده في مناخ عام عربي من حيث الهوية..شرقي من حيث الإنتماء..مِصري من حيث الشخصية وتأثره بـ لغته العامية الدارجة ثم الانفتاح على العالم الخارجي منذ عهد الوالي محمد علي باشا.. فـ بيئته ليست مجتمعاً مغلقاً.. مع سماع وقراءة القرآن الكريم دون إدراك تام لغريب الفاظه وصحة فهم معانيه وتردد بسماع خُطب جُمع تأخذ الطابع الوعظي الإرشادي وأحيانا الكهنوتي ودروس مساجد ما بين العصر والمغرب تتحدث عن الأخلاق الحميدة وفضائل العبادات والبعد عن الحرام وإن كان البعض يأتيه ومصرح به منقِبل الجهات المعنية بالأمر في عدة أماكن عامة.. ثم المهم -وهذا التناقض التام عنده- أنه يفاخر بأمتيازدائماً.. أبداً.. بأنه الفتىٰ„الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ“ »..
قصدتُ من هذا التبيانإنتقاله من هذا المناخ العام المتدين بحكم الهوية المشرقيةمن حيث الإنتماء والبيئةالمِصرية من حيث الشخصية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانوالتنشأةوالتربية في مجتمع محافظ.. إنتقاله..إلى مجتمع غربي ديموقراطي حر رأسمالي منفتح لا يلعب الدين دوراً جوهرياً اساسياً أو ثانوياً.. بل تسوده عادات وتقاليد وقيم منبثقة من الديانة النصرانية الحديثة مع كثير من التعديلوالتبديل بإعتبارالساكن في القارة المسيحية العجوز.. فانفصل -عندهم- الدين عن الحياة العامة..وتتبقى علاقات الأفراد بالآله في المناسبات ولعل هذا -المناخ الجديد- أضاف أيضا إلى شخصيته ملامح تلاحظها إثناء حديثه.. ثم تواجده مرافقاً رجالات كبار اثروا في تكوين رجوليته.. وبلورة فكره.. وإعادة تنشأة وتكوين كيان إنسان جديد.. الحكم عليه يحتاج لدراسة نفسية معمقة ..
-*/*-
„ رفيقي “ في أول سنة حب لإثبات رجولته أو ما يسميه -هو- تجربة حب أولى.. والتي كانت فاشلة بجميع المعايير وبكل المقاييس.. حتى صوت محبوبته-كما يعتقد- لم يسمعه جيداً وأصيب بخيبة أمل بنظرة حنان أو همسة عطف.. أو لمسة ود.. أضف -وهذا اصابه في مقتلٍ-تندر رفاقه الصبيان عليه في شارع عبدالحميد السنوسيواستهزاء جيرانه به في حارة حلابو..
وهذه-لعلها- تصلح أن تُكَوِن عنده أول صدمة نفسيةمعلومةبالضرورة عنده ومدركة في شخصيتهمن نظرات استهزاء رفاق جيرانه له أو من تجاهل المرأة خاصةًالأولى في حياته ومن بعدها النساء عامة..فتشكلت في الخلفية الذهنية عنده وفي اللاشعور حالة رهاب من فشل جديد مع صبية قد يعجبه جمالها وقد تصغره قليلا أو تكبره بأعوام أو حالة قلق مع شابة تروق له وهي لا تعيره اي أهتمام.. أو حالة خوف من أي فشل جديد منتظر في اي مجال آخر.. ولعل هذه التجربة الفاشلة كونت عنده عقدة نفسية.. كما أن أفلام السينما الهوليودية -وهذا عامل إضافي قد ترك بصمته على شخصيته- قد ركبت عنده عقدةآخرى جديدة ما تسمى بـ : „دون جوان“..„زير “النساء.. وأعتقد أن„رفيقي“ قد أعجبه هذا الدور كثيراً.. فما زالت ترتسم في مخيلته دور السيدة فوزية والتي أشعرته قُبَيل بلوغه سن الرجولة أنه مرغوب فيه بشكل كامل وإن أبدت أبنتها غير الحسناء استهتارا به وقللت من شأنهبل ومن قيمته.. وبعد أنأنتهى دور السيدة فوزية أو كاد بدء في استظهار مهاراته الذكورية الضئيلة مع "الزهراء.. فاطمة".. فتاة الريف الحسناء ذات البشرة البيضاء والشعر المصبوغ بالحنة الحمراء.. وإصابه الفشل الذريع في تجربته هذه الأولى.. وتذوق طعم مرارة البعد وإن اقتربت منه مسكناً..ولحس قطرات علقم الهجران وإن كان صباح مساء يراها أمامه.. بل وتجرع كأس عدم الاهتمام -وهو عنده أمر الكؤوس- وهو مدلل المرأتين -جدته وأمه-كأس عدم المبالاة به وإن سكنت -فاطمة الزهراء - في عيونهورسمها على صدره وكتب اسمها على ذراعه اليمنى وتلحفت برموشه وتمددت مفترشة قلبه وخطت باصابعها الرقيقة الناعمة في ذاكرته أجمل سطور أحلام اليقظة وأرق المشاعر ونقشت على شغاف قلبه مثال الجمال ونموذج الأنوثة الفاتنة -بعد السيدة فوزية- الذي سيحتذي بهمامن حيث مقياس جمالهما في مستقبل حياته.. فمن جئن من بعدهما اقتربا في الصورة والمثال والنموذج والجمال والدلال والأنوثة اقتربا منهما كثيراً.. وإن لم يصرح بذلك..
„ رفيقي “ أراد بالفعل الخروج من سجن الحريم وإثبات رجولةٍ لم تتبلور بعد في ذهنه -زمن الصبا-.. أو ما زال يبحث عنها ليشكل كيانه -زمن شبابه-.. لبلورتها أو تصطبغ في شخصيته -زمن رجولته- لتقمصها.. ومحاولته الدءوبة التحرر من أن يكون سجين المرأتين -جدته لأبيه وأمه-وحبيس مدلل المربيتين.. فأعجب كثيراً بافلام جيمس بوند النسخة الأولى منها خاصة أداء السير: Thomas Sean Conneryأذ أنه قُلدَ وسام الفروسية سنة 1999م من قِبل الملكة البريطانية إليزابيث الثانية-قدس الإله روحها-، واختير سنة 1989 كأكثر الرجال إثارة على قيد الحياة.. وبقيامه بـ مهن كـ.عامل بناء ومنظف لأكفان الموتى وغيرها.. خلقت منه شخصا صلبا ومليئا بالرجولة والخشونة، حتى استطاع أن يصبح موديلا -مستغلا وسامته الشديدة- لكلية الفنون في إدنبره، وفي عام 1953 -في سن الثالثة والعشرين- خاض مسابقة ذكورية -على غرار مسابقات ملكات الجمال- اسمها سيد الكون، وحقق فيها المركز الثالث.. وهذا كمثال.. نموذج رغب„ رفيقي “في تجسيده في شخصيته..واستحضاره في تصرفاته والغريب العجيب أنه في هذه السن المبكرة غاب عنده الحضور الذهني أو التقمص الشخصي لـ شخصيات إسلامية مهمة بصورتها الحقيقية الكاملة -والتي لم تُدرس بشكل جيد أو ملموس في خطب الجمع ودروس المساجد- كـ شخصية رسول الإسلام أو كيفية تربية وزيريه الصديق والفاروق في المدرسة النبوية أو الصحابة الكرام في الأكاديمية الرسولية .. وهو رفيقي أبلغني ذات مرة أن عدد الصحابة :" الذين توفي الرسول عنهم مائة ألف وأربعة عشر ألفاً: (٠٠٠,.١١٤.)،ثم ذكر لي أنمنهم 9500 صحابيا تواترت إلينا أسماءهم، وأن هناك فقط 1740 صحابي قاموا برواية الحديث، منهم 990 صحابيًا روى عنهم الإمام أحمد في مسنده، و254 في البخاري ومثلهم في مسلم. "..وهذا غاب عنده تماماً زمن صباه وشبابه.. أو أهم الشخصيات المِصريةالمؤثرة والفاعلة عبر تاريخ مِصر الطويل الممتد طوال آلاف السنين أو ما يسمع عنهـم بين الفينة والآخرى.. لذا تجد عند „ رفيقي “ كتل من التناقضات النفسية وحزم من المخالفات الذهنية لا يستطيع أحد إدراكها سوى من يقترب منه فيكشف أغوار شخصيته.. فتربيته التقليدية اقرب ما تكون إسلامية ثم صقلت بالثقافة الغربية وكان يتندر بشخصيات درست في الغرب أمثال الدكتور طه حسين قبل البعثة الدراسية وبعدها واقترانه بعَقِيلتِه.. ولعل غالب الناس هكذا يخفون تحت جلودهم عُقدنفسية وتناقضات عقلية تنضح في سلوكيات غريبة عجيبة في شخصياتهم.. نتيجة تزاوج ما لا يصلح الجمع بينهما والاقتران..
„ رفيقي “بحق سعى منذ مقتبل شبابه وسن اليفاع أن يكون له شخصية متميزة وباسلوب غير مباشر ساعده والده في بلوغ قمم الجبال اليافعات الشامخات؛ ولعل القراءة المنتظمة لمقال„ هيكل “في الأهرام الصادر يوم الجمعة وما يكتبه „ العقاد “..ثم منشورات دار الشعب المِصرية لأمهات الكتب التراثية بثمن زهيد فيجمع كل إسبوع جزء صغير„ كراسة “من كبار مصادر الثقافة العربية والإسلامية ثم تجليدها بعد تمامها في كتاب.. هذا كلهآثر بصورة واضحة في ميوله فيما بعد.. وتكوين شخصيته..
ولعل هذه كانت الخلفية التي أعرفها عن „ رفيقي “ وهو لا يتحرج في الحديث عنها..
وهنا استوقفني وقال مسرعاً ومعلقاً:„ بيد أن الإشكال الضخم أن مفهوم الرجولة يختلف إختلافا كليا من ثقافة إلى آخرى وبالتالي من حضارة إلى حضارة ومن بيئة منغلقة ومناخ رجعي إلى بيئة منفتحة ومناخ حر “..
ثم توقف قليلاً وأردف:„ يخشى المرء على نفسه من الميوعة فيم أطلق عليه بتسميته: „ الشخصية البشرية “.. إذ يجب على المسلم تثبيت دعائم الشخصية الإسلامية بمقوماتها وركائزها ودعائمها.. وبشقيّها النفسي.. الروحي.. والعقلي الذهني الإدراكي “..
وهنا علقت بقولي:„ ولعل هذا ما أوجد إحيانا صداما فكريا بينكَ وبين بعض زملائك في العمل أو جيرانك في السكن وحتى في الشارع العام أو فيما تقوله “..
سكتنا برهة ثم بدء القول :„ هناك تجمعات بشرية لا تدرك تماماً معنى الرجولة الحقة.. أو تثبيت مفهوم الأنوثة الصادقة.. فوجود المثليين بينهم أو المخنثين بين أظهرهم ومحاولة إظهارهم بصورة إيجابية واضحة داخل المجتمع وفي دور التعليم والتثقيف والإعلام والسينما.. والسعي الحثيث لقبولهم داخل المجتمع وفي المؤسسات الرسمية والهيئات والمطالبة بإعطائهم حقوق كاملة.. يُمَيِع قضية الرجولة.. فينعكس هذا -بالقطع-سلباً على المرأة وأنوثتها.. فيضيع الإثنان!.. الرجل والمرأة.. ويلحق بهما وبينهما الطفل والنشأ “..ولعل من هنا جاء مصطلح الجنس الثالث.. الخيار الثالث.. وهذا بداية ثورة صغيرة في مجال النظام الإجتماعي العالمي..
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
04 رمضان 1445 هـ ~ 14 مارس 2024 م.

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

56 التجارب الأولية

رحلتْ عنه فغابت..ذهبت بعيدة منه فترڪته بمفرده.. حتىٰدون إلقاء نظرة وداع أخيرة إليه.. قد تُظهر-لإرضاءه- مِن تحت رموشها الطويلة وعيونها الڪحيلة ما تخبؤهمِن ألمها الدفين لبعده عنها ومفارقتها إياه.. سواء أڪانت نظرة اغرورقت عيناها فامتلئت بالدموع حزناً لفراقه وتألماً لبعاده.. أو.. لعل.. في المقابل نظرة فرح وابتهاج وسرور لذهابها إلىٰ بيت العَدَل.. العريس..بيت زوجها.. ابن عمها المطوع في الجيش المِصري والعامل فيه ڪخالها.. الذي مڪثت عنده بضع ايام.. فحقيقة الأمر.. و„رفيقي“ يعترف بذلك.. هي لم تأتِ إلىٰ«„الْإِسْكَنْدَرِايَّة“ ».. مِن أجله هو.. فهي لم تعرفه أصلاً..
ويضيف„رفيقي“بحسرة تعتصره.. ولعل ڪان بينهما-الزهراء.. حبيبته المجهولة وابن عمها- قصة حب عُذري منذ زمن طفولتهما البريئة..إذ لم يڪن بينها وبين „رفيقي“ أي شئ يذڪر.. أو حتىٰ يستحق الحديث عنه سوىٰ أنه ابن البندر أو أحد ابناء مدينة الثغر المطلة علىٰ البحيرة البيضاء المتوسطية ذا السمعة السيئة.. والتي أطلق الآخرين حسداً من عند أنفسهم عليهم بأنهم أصحاب „ الوجه الڪالح.. والماء المالح“.. وذلك نتيجة تواجدهم تحت أشعة شمس الثغر لساعات طويلة فوق رمال شواطئها والتي تمتد من الدخيلة وحتىٰ أبي قير شبه عرايا إلا من قماشة ڪورقة التوت والناظر بحياد فڪل من يعمل في العراء ستضربه اشعة شمس المحروسة بلا أدنىٰ شك؛ ولعل هذا مدح لا يتواجد في منطقة آخرىٰ سوىٰ„الإسكندرية“وقيل عن شبابها أنهم يعاڪسون بنت الجيران.. أو -بالطبع- أي ضيفة تأتي إلىٰ المصيف.. ويسعىٰ إلىٰ إسقاطها في شباك حبه إثناء الراحة الصيفية.. و„رفيقي“ يذڪر لي أنه ورفاقه حين ڪانوا في مرسىٰ مطروح وقتراحتهم الصيفية ڪان الغذاء يأتيهم-متأخراً قليلاً- من عند خادمة في فيلا ناس أغنياء بالقرب من خيمتهم وقد أوقعها في شباڪه رفيق تلك الرحلة وڪانت الوجبة إما بقايا بطاطس بالفراخ أو خضار باللحمة الضاني مع ما تبقىٰ من حلة الأرز وبعض ثمار الفواڪة..
ولعل رواية „دعاء الڪروان“ لـ„طه حسين“ قد أظهرت بصدق هذه العلاقة بين طبقة من الشعب ڪادحة تعمل بالأجرة عند الأغنياء زمن الأقطاع أو مَن هم في أدنىٰ سلم الطبقات وبين طبقة آخرىٰتعلوها قليلا فتقترب منها أو ڪثيراً فتدمرها وتسحقها.. ثم يتغلب الحب في النهاية ويموت أو يقتل البطل.. ولعل نمط الشاشة الفضية المِصرية في عرض نماذج من اسفل قاع المجتمع تقرب المستحيل من خلال ابطال وهميين فتجعله واقعاً ملموساً فيصاب المشاهد بحالة من الغثيان أو التعاطف مع البطلـ(ـة) أو محاولة التقليد.. ولعل ما يحدث علىٰ شواطئ الغردقة وشرم الشيخ مع نزلاء الفنادق القادمين من القارة الأوربية واصطياد مَن تجاوزت سن الأنوثة المطلوبة وقد ولىٰ منذحين..أو تلك المتعطشة للحب ڪإنسانة تريد الحياة.. فيقترب منها شاب يريد الثراء سريعاً من ميراثها أو تحويشة عمرها.. وهذا قد لوحظ ايضا في تونس الخضراء.. وفقراء ايطاليا مع أغنياء المانيا..
.. إذاً رحلتْ-الزهراء.. فاطمة- دون إرسال ڪلمة رقيقة أخيرة عبر الأثير تصل لمسمعه تخبره أنها سوف تذهب بلا عودة فلا يصح له أن يحزن لفراقها..وأنه الفراق بلا رجعة.. فلا يجوز له أن يتألم لبعدها.. إذ أنه -بالفعل- لم يحدث أي شئ بينهما يستحق الحزن أو الألم.. أو الفرح والسرور..
أختفت فجأة.. دون سابق إنذار أو إستعلام من طرفها.. و „ رفيقي “ڪانڪل يومينتظر بزوغ شمس نهاره حين ترفع رمشها فتطل عليه من خلال عينيها العسليتين..ڪما ينتظر بداية ليله الطويل بسطوع نور قمر وجهها.. وانتظر طويلا ڪي يتلحف بغطاء شعرها المنديل أبو أويه بالترتر „أويمق“دون جدوىٰ أو مطمع..
.. أختفت فجأة..ڪما جاءت حين رست فجأة علىٰ مرفأ عيونه..
..„رفيقي“..يحدثني عن هذه التجربة وقد اقترب مِن سن الشيخوخة الصحية أي اقترب من سن الــ [(٥٠)]عاماً..
يتحدث عنها ڪأنها تجربتهالوحيدة.. ولن تتڪرر في عمره مرة آخرىٰولن تعاد مثل هذه التجربة في حياته من جديد..تجربة رائعة -من وجهة نظره-تجربة شيقة - من خلال رؤيته- لا مثيل في تاريخ البشرية -يحڪم عليها بمنظاره-.. سواء في عصورالبشرية البدائية أو أزمنتها المدنية أو فتراتها الراقية الحضارية.. سواء حدثت أيام الملڪية مِن آل محمد علي باشا القوللي.. الوالي القادم من مقدونيا لأسرة ألبانية من قِبَل الخلافة العثمانية.. أو زمن الجمهورية الناصرية.. والذي لم..ولن يتڪرر.. أو إثناء عصر الإنفتاح علىٰ البحري في عهد دولة رجل العلم والإيمان الساداتية.. ومن بعدهما فلا تحدث فليس هناك حرج.. إذ لم يعش „رفيقي“ في مِصر بعد تلك الحقبتين فقد غادرها لإتمام دراسته العليا..
تجربةُ„رفيقي“برومانسيتها التخليلية تحلم بها ڪل فتاة ويتمناها ڪل شاب..„رفيقي“ يتحدث عنها ڪأنه عاش معها بالفعل فاستغرق حبه لها من عمره سنوات طوال.. ومرت عليهما أحداث جسام.. ولحظات غرام تحدث فقط في الأحلام والناس نيام.. وأزمنة انسجام سيرا علىٰ الأقدام في المنتزة أو في جليم.. وهذا لم يحدث بالقطع.. تجربته أوهام في أوهام..وڪأنها سحابة صيف مرت بسلام فلم تمطر السماء ولم تمتلأ بغيم فاقصىٰ ما جرىٰ أنها حدثت خلالأشهر قليلة لا تتجاوز عدد الأصبعين: الخنصر فالبنصر ولا تتجاوز الإبهام.. ولڪنها فترة مراهقة مرت به.. وهي تجربته الأولىٰ.. مع الجنس الآخر.. الناعم..وحتما ليست الآخيرة.. أو الدقة في التعبير بداية تجارب أولية.. قد تڪون فاشلة أحياناً أو ناجحة غالبا أو رائعة إلىٰ حدِ ما..
فقط تجارب أولية مع بنت الجيران.. وهي ليست من بنات الجيران.. مع أن التجربة مع بنت الجيران اسهل علاقة يمڪن أن تحدث بين صبي وصبية..مراهق ومراهقة..
في حالة „رفيقي“تجربة أولية ڪي يخرج حبيس المرأتين مِن سجن الحريم ليصبح رجلاً ڪاملا يميل إلىٰ الأنثىٰ بطبعه.. ولڪن أي أنثىٰ.. أنثىٰ بملامح الزهراء..„فاطمة“.. حتىٰاسمها رسخ في وجدانه فتغلغل في أعماقه ڪيانه فتسرب إلىٰ المادة الرمادية فاستقر في خلاياه العصبية التي تتحڪم في ذاڪرته وتحرڪاته الإرادية واللاإرادية وڪذا نشاطه الإنفعالي..
اسهب „رفيقي“ في الحديث عن تجربةٍ لم تڪتمل.. بل لم تبدء.. بل ليس لها وجود إلا في خياله وأوهامه.. وجدت في دهاليز أحلامه.. فتحدث طويلا عن محاولة من طرفه هو فقط لإثبات ذاته.. بيد أنه غفل أو تناسىٰأنها حدثت من طرف واحد فقط.. وهي.. „الزهراء“ لم تبادله أي شعور إنساني يذڪر.. أو حتىٰإحساس عاطفي متبادل.. أو تواجد آدمي ملحوظ بين طرفين.. ولڪنها بداية مرحلة جمع المعلومات الضرورية والتي قد يحتاجها المرء في قابل الأيام والاستفادة من المرور بالتجارب الساذجة المتنوعة.. وغالبيتها تجارب أولية.. بدائية.. في مستقبل حياته..
فجأةً توقف„رفيقي“ عن الحديث.. ثم نظر إليَّ بتمعن ثم قال بصوت العالِم النحرير ونبرة الفاهم القدير: „ الإنسان الأول.. وهنا بالقطع آدم.. المخلوق الأول.. مَن قام بتعليمه وتلقينه المعلومات الأولية عن الأشياء.. والتي سوف يحتاجها في حياته العملية.. استمع لقوله تعالىٰ :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ﴾.. فالمعلم هنا-تجاوزاً دون تشبيه- هو خالقه ومبدعه ومنشؤه.. ثم حدثت بعد مسألة التعليم قضية إظهار ذاك العلم عند آدم فطُلب منه استحضار ما تعلمه.. فقال تعالىٰ : ﴿ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾.. بعد أن ظهر عدم معرفة الملآئكة -وهم حضور هذا المشهد التعليمي دون سواهم من المخلوقات ماعدا إبليس- بذلك العلم.. فحين أخبرهم.. هنا وبعد أن نال آدم الجائزة.. استحق آدم التڪريم:﴿وَ.. قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾.. ثم نظر „رفيقي“مرةً آخرىٰ إليَّ ڪأنه استحضر نظرية حديثة علمية في التربية والتعليم واستحدث نظرية جديدة في التلقين والتدريب.. ثم قال„رفيقي“لي هذا بالنسبة إلىٰ الإنسان الأول.. المخلوق الأول.. الذي ليس عنده أم تربيه وتعلمه أو أب يربيه ويفهمه ويثقفه.. أما بالنسبة إلىٰ ابناء آدم فجاء التعبير في النص التعليمي التربوي القرآني بطريقة مخالفة للطريقة الأولىٰ.. إذ قال ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾.. وهنا جرىٰ الحديث عن أدوات التعليم.. بغض الطرف عن مَن يؤمن بهذا النص أو من ينڪره.. فبدء بـ السمع أولاً.. لذا تجد الطفل الصغير يسمع ڪثيراً من الأم ويتصنت لڪل من حولهمن مخلوقات متنوعة ذات أصوات؛ ثم تأتي بمجاورة السمع أو منفصلة حاسة النظر.. ثم تنتهي هذه العملية التعليمية بحاسة العقل وقوة الإدراك وصحة الفهم وصحيح البصيرة والمقدرة علىٰالتبصروهذه للبشر جميعاً.. فقبل الإقدام علىٰ الفعل يجب توفر وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع المحسوس أو المنظور أو تخبر الإنسان عن الشئ أو الفعل فتوجد رابطة قوية بين المعلومة السابقة عن الشئ وعقل سليم وإدراك حين القيام بعملية التعليم..ثم علق بقوله وهذا ما تهمله الڪثيرات من الأمهات عندما ينشغلن عن أولادهن بالمحمول.. جهاز المحمول..
.. „رفيقي“ لديه نمط معين من النساء يرغب دائماً في التعرف عليهن والاقتراب منهن.. ومعاشرتهن.. ذلك النمط يڪون لديه قدر عالمن المعرفة ووجود معلومات ڪافية في شتىٰ ميادين العلم والحياة.. إذ يرغب في التعرف علىٰتلك المرأة التي تستخدم عقلها بجوار أنوثتها وإدراڪهاوفهمها بجانب قسط وافر من الجمال؛ وإن قالوا „مرآة الحب خشب“فالمرأة في نظر „رفيقي“ ليست فقط أنثىٰ لإشباع رغبات جسد أو وعاء لـ إطفاء شهوات بدن بقدر ما هي إنسان ڪامل ناضج بشقيه العقلي والنفسي البدني والروحي.. يتبادل معها معلومات صحيحة عن الشئ الذي يرغب في معرفته من مصادره الصحيحة.. ولعل ذلك الصنف نادر وجوده ڪندرة الڪبريت الأحمر في الطبيعة المخلوقة؛ وهذا النوعأثمن من الذهب!
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
08 فيراير 2024م
﴿رُوَايَّةُ: «„الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“»﴾«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ».فيينا - لحظة إطلالها علىٰالدانوب الأزرق

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

 :" الصَّلَاةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ".

تصحيح المفاهيم من خلال فهم سليم لـ أحاديث النبي الكريم-عليه السلام-

السؤال: " هل "الصلاة معراج المؤمن" حديثٌ عن رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟
الإجابــة: " وردت هذه المقولة في ڪثير من ڪتب أهل العلم.. وبعد البحث فيما تيسر من المراجع، لم أقف علىٰ من نسبها إلىٰ الحديث النبوي الشريف، سوىالنيسابوري في تفسيره..والسيوطي في شرح سنن ابن ماجة والحديث المنسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم - من غير إسناد معتبر لا يؤخذ به؛ ڪما جاء هذا القول بصيغة التمريض في بعض الڪتب بصيغة: „ورد“، أو „رُوي“ من دون ذڪر لسند، أو عَزْوٍ لڪتاب معتبر.
وجميع من ذكر هذا القول يذكره على أنه مجرد قول ؛ فالقاري - مثلا - يقول : ولهذا قيل : الصلاة معراج المؤمن .
وفي مجلة الجامعة الإسلامية : ... أمرا بالصلاة التي هي معراج المؤمن .
وقال الألوسي في " روح المعاني " : ولهذا ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن .
وقال المناوي في " فيض القدير " : وهي معراج المؤمن .
ولذلك أقول: إن هذهالمقولة ليست بحديث ينسب إلىٰ رسول الإسلام-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ولڪنه ثبت أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وأنها أم الدعائم، وخير أعمال العبد، ومجازاً يصلح القول بأن روح العبد المؤمن--دون جسده- إثناء صلاته بخشوع ومناجاته لربه -عز وجل- بذل ودعائه من خالص قلبه تصعد إلىٰ عليين؛ وما قاله بعض خطباء المنابر في صلاة الجمعة بما سموه „معراج“ المؤمن إلىٰ الله تعالىٰ لعل هذا من باب حسن الوعظ وقوة الإرشاد ومتانة التشجيع؛ دون مقارنة بحادثة معراج سيد الخلق وحبيب الحق محمد -عليه السلام-.. وعند بعض السادة الخطباء حسن صياغته لجملهوبلاغة كلماته توهم السامعأنه حديث لرسول الله.
والجدير ذڪره أنه جاء في شرحالزرقانيعلىٰ موطأ الإماممالك،عند قوله -صلى الله عليه وسلم-::«„.....وَخَيْرُأَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ....“»؛ إذ قال في شرحه-رحمه الله- :وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ: أَيْإِنَّهَا أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا، فَلِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ؛ لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ، وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ، وَالْمُفْطِرَاتِ.هِيَ „مِعْرَاجُ“ الْمُؤْمِنِ، وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَىٰ اللهِ، فَالْزَمُوهَا وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا. انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
تصحيح المفاهيم من خلال فهم سليم لـ أحاديث النبي الكريم-عليه السلام–
٢٣ رجب ١٤٤٥ هـ~ 04 فبراير 2024م.

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

[١.] تأصيل مسألة تحديد تاريخ حادثة الإسراء

الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد بن عبداللهصلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله -عز وجل-.. كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه-عزَّوجلَّ-على جميع خلقه، قال الله سبحانه وتعالى وجل شأنه-: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
.. مع ملاحظة ما يشبه الصحوة عند المسلمين منذ بداية السبعينات من القرن الماضي حيث يعتمد الكثير منهم على فهم وتفسير وتأويل آيات الذكر الحكيم حين القيام بأعمالهم اليومية واعتماد سنة خاتم الأنبياء في الحياة المعاشة.. إلا أنه ما زال يغلب على عامتهم تقسيم السنة الهجرية إلى مواسم ومناسبات.. تسمعهذا من فوق بعض منابر المصليات.. كما تجده على منصات التواصل الإجتماعي؛ ويشيع بين الكثيرين إرسال رسائل نصية بتهنئة دخول شهر أو تذكير بيوم جمعة.. أو الصلاة على النبي.. وحادثة الإسراء المعراج تأخذ -كبقية أخواتها من المناسبات-مساحة واسعة في العرض والتقديم.. والاهتمام والانتشار..ولعل هذا يعود لفراغ تنفيذي في تحقيق الإسلام بكافة أحكامه سلوكا في معترك الحياة العامة.. وليس فقط التركيز على الجانب التعبدي..فـ كل مَنْ لديه اطلاع دقيقوفهم صحيحللسيرةالنبوية العطرة فـيَتَكَلَّمُ فِيهَا بِعَقْلٍ صَائِبٍ، وَذِهْنٍ ثَاقِبٍوادراك بوعي للتاريخ الإسلامي الصحيح الموثق لا يستطع أن يحدد تاريخ الإسراء.. لا بسنتِه ولا بشهرِه ولا بيومه؛ قولاً واحداً؛ فلميثبتعنالنبي-صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآله سَلَّمَ-أنهاحتفلبيومإسرائهومعراجه؟!؛ حتىٰ يتسنىٰ لنا معرفة التاريخ؛ كما ولم يحتفل بذلكالصحابة-رضوان الله تعالى عليهم جميعاً- أوالتابعون لهم بإحسان؟!.
وماداملميثبتمنهاشيءفــ لانثبتمن عند أنفسنا أيشيءمنها.
بلقالبعضالمتأخرينكماذكرذلك"الشهابالخفاجي"في"نسيمالرياضفيشرحالشفاللقاضيعياض"؛ إذيقول : قالبعضالعلماءالمتأخرين: " وأماماهومنتشراليومفيبعضالديارالمِصريةمنالاحتفالبـ ليلةسبعوعشرين[٢٧]،ودعوىٰأنهاليلةالإسراءوالمعراج،فذلكبدعة .. وهذامتأخر ".
ثم أضيفُ (الرمادي) بقولي :" هل يترتب على معرفة التاريخ بدقة حكم شرعي ؟ "؛ بمعنىٰ أنه وجب أو ندب علينا صيام النهار أو قيام الليل. قالالحافظابنحجرالعسقلاني-رَحِمَهُاللَّهُ- :" الأقوالفيذلكأكثرمنعشرة [١٠]أقوال،حتىٰأنمنها أنذلك:
[أ] قبلالبعثة ،
ومنها :
[ب] بعدالهجرة ،
وقيل : [١] قبلها -أي الهجرة الشريفة إلى المدينة المنورة-بخمس ،
وقيل : [٢] قبلهابست ،
وقيل : [٣] قبلهابسنةوشهرين؛كماقال ابن عبدالبر .
تأصيل مسألة تحديد تأريخ حادثة الإسراء !
أذكر الأقوال التي قيلت في التاريخ : قبل الهجرة دون تحديد زمن: فـقَالَابْنُإِسْحَاقَ: " أُسْرِيَبِهِمِنَالْمَسْجِدِالْحَرَامِإِلَىالْمَسْجِدِالْأَقْصَىٰوَهُوَبَيْتُالْمَقْدِسِ،وَقَدْفَشَاالْإِسْلَامُبِمَكَّةَفِيالْقَبَائِلِ".
[١] القول الأول : أُسْرِيَبِالنبيعليهالسلامإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِقَبْلَخُرُوجِهِإِلَىالْمَدِينَةِبِسَنَةٍ؛ فقَالَقَتَادَةُوَمُقَاتِلٌ: " قَبْلَالْهِجْرَةِبِعَامٍ" . وعَنِالزُّهْرِيِّأَنَّهُقَالَ : أُسَرِيبِرَسُولِاللَّهِ صَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوآله وَسَلَّمَقَبْلَخُرُوجِهِإِلَىالْمَدِينَةِبِسَنَةٍ . قَالَ : وَكَذَلِكَذَكَرَهُابْنُلَهِيعَةَعَنْأَبِيالْأَسْوَدِعَنْعُرْوَةَ.  وعَنْإِسْمَاعِيلَالسُّدِّيِّأَنَّهُقَالَ: فُرِضَعَلَىرَسُولِاللَّهِصَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوَسَلَّمَالْخَمْسُبِبَيْتِالْمَقْدِسِلَيْلَةَأُسَرِيَبِهِ،قَبْلَمُهَاجَرِهِبِسِتَّةَعَشَرَشَهْرًا . فَـ عَلَىقَوْلِ السَّدِّي يَكُونُالْإِسْرَاءُفِيشَهْرِذِيالْقِعْدَةِ،وَعَلَىقَوْلِالزُّهْرِيِّوَعُرْوَةَيَكُونُفِيرَبِيعٍالْأَوَّلِ .
[٢] القول الثاني :"فِيسَبْعَعَشْرَةَمِنْرَبِيعِالْأَوَّلِوَالرَّسُولُعَلَيْهِالسَّلَامُابْنُإِحْدَىوَخَمْسِينَسَنَةًوَتِسْعَةِأَشْهُرٍوَثَمَانِيَةٍوَعِشْرِينَيَوْمًا" . ورحجه النووي.
[٣] القول الثالث :" قَالَالْحَرْبِيُّ:  أُسْرِيَبِهِلَيْلَةَسَبْعٍوَعِشْرِينَمِنْشَهْرِرَبِيعٍالْآخِرِقَبْلَالْهِجْرَةِبِسَنَةٍ ".
[٤] القول الرابع :" وَقَالَأَبُوبَكْرٍمُحَمَّدُبْنُعَلِيِّبْنِالْقَاسِمِالذَّهَبِيُّفِيتَارِيخِهِ: أُسْرِيَبِهِمِنْمَكَّةَإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِ،وَعُرِجَبِهِإِلَىالسَّمَاءِبَعْدَمَبْعَثِهِبِثَمَانِيَةَعَشَرَشَهْرًا. وجاء بصيغة آخرى :" وَقَالَأَبُوبَكْرٍمُحَمَّدُبْنُعَلِيِّبْنِالْقَاسِمِالرُّعَيْنِيُّفِيتَارِيخِهِ : أُسْرِيَبِهِمِنْمَكَّةَإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِوَعُرِجَبِهِإِلَىالسَّمَاءِقَبْلَمَبْعَثِهِبِثَمَانِيَةَعَشَرَشَهْرًا " .
تعليق ابوعمر على ما قاله الذهبي : قَالَأَبُوعُمَرَ:

"لَاأَعْلَمُأَحَدًامِنْأَهْلِالسِّيَرِقَالَمَاحَكَاهُالذَّهَبِيُّ،

وَلَمْيُسْنِدْقَوْلَهُإِلَىأَحَدٍمِمَّنْيُضَافُإِلَيْهِهَذَاالْعِلْمُمِنْهُمْ،وَلَارَفَعَهُإِلَىمَنْيُحْتَجُّبِهِعَلَيْهِمْ" .
[٥] القول الخامس :" قَالَتْأمنا عَائِشَةُ؛ أم المؤمنين: " بِـ عَامٍوَنِصْفٍفِيرَجَبٍ"
[٦] القول السادس :وَرُوِيَعَنِالْوَقَّاصِيِّقَالَ : أُسْرِيَبِهِبَعْدَمَبْعَثِهِبِخَمْسِسِنِينَ
[٧] القول السابع :قَالَابْنُشِهَابٍ:  وَذَلِكَبَعْدَمَبْعَثِالنَّبِيِّصَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوَسَلَّمَبِسَبْعَةِأَعْوَامٍ .
[٨] القول الثامن : في تاريخ حادثة الإسراء : ذكر اثيرالدين الأندلسي في تفسيره :" وهو قول ضعيف :" وَوَقَعَلِشَرِيكِبْنِأَبِينَمِرٍفِيالصَّحِيحِأَنَّذَلِكَكَانَقَبْلَأَنْيُوحَىإِلَيْهِ،وَلَاخِلَافَبَيْنَالْمُحَدِّثِينَأَنَّذَلِكَوَهْمٌمِنْشَرِيكٍ. وَحَكَىالزَّمَخْشَرِيُّعَنْأَنَسٍوَالْحَسَنِأَنَّهُكَانَقَبْلَالْمَبْعَثِ .
[٩] القول التاسع : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَنْشُدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ :
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ * لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ
وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ .
وعَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ. [فِيهِ انْقِطَاعٌ]. وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُالْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي " سِيرَتِهِ "، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ، وَيُقَالُ : كَانَ فِي رَجَبٍ. أي أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ [٢٧] مِنْ رَجَبٍ .
[١٠] القول العاشر : وَقِيلَ : كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمُتَحَقِّقُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ شَقِّ الصَّحِيفَةِ وَقَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ.
كما أن هناك اختلاف في اليوم الذي حدثت فيه؛ فقد اختلف كُتّاب السير والمؤرخون في اليوم الذي حدثت فيه معجزة الإسراء والمعراج على أقوالٍ منها:
-القول الأول: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت في يوم الجمعة، أي في ليلة الجمعة لفضلها.
- القول الثاني: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت في يوم السبت.
- القول الثالث: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت في يوم الاثنين، وقال ابن دحية: وذلك يوافق يوم مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعثته، وهجرته، ووفاته.
خلاصة البحث :
أما ثبوت تعيين تاريخ الإسراء والمعراج فلم يثبت عَلَى الإطلاق أي دليل صحيح صريح في تحديد وقت الإسراء والمعراج.
القول الراجح :
كل ما نعرفه من خلال السيرة هو أن الإسراء والمعراج كَانَ قبل الهجرة، هذا هو القول الراجح، والمشهور والمستفيض أن الإسراء والمعراج كَانَ بعد :
[أ] موت أبي طالب عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
 وبعد:
[ب] موت أمنا خديجة الكبرىٰ-رضي الله تعالى عنها-،والرأي الذي رجحه بعض أهل العلم بأن رحلة الإسراء والمعراج كانت ليلة السابع والعشرين من شهر رجب في العام العاشر من البعثة النبوية أي قبل الهجرة من مكة إلى المدينة بنحو 3 سنوات،
 وبعد :
[ج] أنذهب النبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطائف ورده أهلها، وهو العام الذي يسمىٰ عام الحزن، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي فيه الأذىٰ الشديد والألم والتعب، فــ
[أ] مَنَّ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- عليه بهذه الآيات العظيمة، وهذه المشاهد وهذا المقام الرفيع الذي لم يصل إليه بشر،
[ب] تسلية للنبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وكانت آيات عظيمة قال الله -تعالىٰ- :﴿ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ﴾ فأراه الله -عَزَّ وَجَلَّ- آياتٍ عظيمة ففُرج عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهمَّ وسُرِّي عنه، وعاد وقد استيقن بربه وبلقائه، وأن ما يوحى إليه هو الحق أكثر من ذي قبل، وعاد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد شد العزم عَلَى أن يبلغ دعوة ربه، وأن لا يبالي بالنَّاس مهما صدوه، بعدما رأى ما رأى من الأَنْبِيَاء ومن الكرامة التي نالها.
ويترجح ويظهر من عموم الأدلة أنه كَانَ قبل الهجرة، وأنه كَانَ بعد أو في عام الحزن.
ولي قبل أن نختم البحث بــ أن أقول:
١.) ثبتت حادثة الإسراء بنص قرآني قطعي الثبوت قطعي الدلالة بقوله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾.
٢.) قال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :" ثَبَتَ الْإِسْرَاءُ فِي جَمِيعِ مُصَنَّفَاتِ الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا.
ثم تتبعتُ المسألة فوجدتُ قَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ [١] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَ [٢] عَلِيٍّ، وَ [٣] ابْنِ مَسْعُودٍ، وَ [٤] أَبِي ذَرٍّ، وَ [٥] مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَ [٦] أَبِي هُرَيْرَةَ، وَ [٧] أَبِي سَعِيدٍ، وَ [٨] ابْنِ عَبَّاسٍ، وَ [٩] شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَ [١٠] أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَ [١١] عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، وَ [١٢] أَبِي حَبَّةَ؛ وَ [١٣] أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ؛ وَ [١٤] عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَ [١٥] جَابِرٍ، وَ [١٦] حُذَيْفَةَ، وَ [١٧] بُرَيْدَةَ، وَ[١٨] أَبِي أَيُّوبَ، وَ [١٩] أَبِي أُمَامَةَ، وَ [٢٠] سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَ [٢١] أَبِي الْحَمْرَاءِ، وَ [٢٢] صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَ [٢٣] أُمِّ هَانِئٍ؛ هند بنت أبي طالب، وَ [٢٤] عَائِشَةَ، وَ [٢٥] أَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.
وأزيد :
مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ " فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ الزَّنَادِقَةُ وَالْمُلْحِدُونَ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.: فـ روايات حديث الإسراء والمعراج جمعها الحافظ ابن كثير الدمشقي-رحمه الله تعالى-في كتاب التفسير عند أول الآية من سورة الإسراء :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ حيث جمع الروايات في الإسراء والمعراج من المسند ومن الصحيحين ومن المسانيد الأخرى كـ أبي يعلى وروايات البيهقي وعبدالله بن أحمد بن حنبل كما في زياداته عَلَى مسند آبيه.. وابن جرير؛ أبوجعفر الطبري رَحِمَهُ اللَّهُ- ذكر روايات كثيرة لكنها بسنده هو.
وأخيراً وليس آخراً:
على الرغم من اختلاف العلماء حول تاريخ الإسراء والمعراج إلا أن دار الإفتاء المِصرية أجازت الاحتفال بذكرى الرحلة المباركة في شهر رجب، وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الهجري على وجه الدقة..فـ قالت دار الإفتاء المِصرية: إنَّ تعيين رحلة الإسراء والمعراج بالسابع والعشرين من شهر رجب قد حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا، فضلًا عن أنَّ تتابع الأمَّة على الاحتفال بذكراها في السابع والعشرين من رجب يُعدُّ شاهدًا على رجحان هذا القول ودليلًا على قوته.أي أنها تبدأ من مغرب يوم الأربعاء الموافق 26 رجب و07 فبراير، وتنتهي فجر الخميس.. والله تعالى أعلم وأحكم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
سلسلة بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة.. أُمةُ المواسم؛ كتاب : « المناسبات الحولية »؛ اسمالبحث «تَارِيخُالْإِسْرَاءِ»؛ الخميس: ١ فبراير2024م~٢٠ رجب 1445هـ

ج2 2023 >>

ج1 2022 >>

 55 الزَّهْرَاءُ(*) فَاطِمَة

.. في هدوءٍ تام -وهذا ليس مِن عادته- ڪـ سڪون الريح قُبيل هبوب العاصفة العاتية.. فـ ترىٰ الطيرَ دون حراك ضاماً جناحيه إلىٰ صدره يقف ساڪناً فوق فروع الشجر التي تعرت من أوراقها.. ينتظر ما سوف تأتي به الرياح.. وفي سڪونٍ لا تسمع سوىٰ همسه.. وارتسمت ابتسامة عريضة علىٰ شفتيه.. بدء „ رفيقي ” الحديث الهامس ڪأنه يخشىٰ أن يسمعه متصنت ڪـ مَن يسرب سراً مِن خزانة أمن الدولة العليا.. همسَ.. وهو مستلقياً فوق مرقده القديم الغَث.. فوضع تحت رأسه وسادة اصفرت من طول الاستعمال أو نتيجة عرق النوم.. فـ نحن ما زلنا طلبة دراسات عليا في مدينة الأنس التي غنت لها أميرة جبل الدروز والتي وُلدت علىٰ متن باخرة « .. أمال.. أسمـــ هان= تحريفاً من خان : اي الحاڪم أو السلطان ».. في تابلوه راقص من أجمل ما أنتجته الشاشة الفضية المِصرية.. و„ رفيقي ” يشبه تجربته الأولىٰ بما حدث لها.. ولا أدري ما هو وجه المقارنة بينهما.. واقتبس ما قالته جدته لأبيه ذات مرة له: « الڪلام مَ عَلَهُوش جمرك »؛ ولعل هذا مِن العامية المِصرية والتي أخطأ مَن قال به بيد أن حقيقة الأمر.. أنه ورد سؤال فحواه يقول: „ إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ ” ؛ فـجاء الرد سريعاً فـ قال: « „ ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَىٰ وجوهِهِم، أو علَىٰ مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم ” »؛ „ رفيقي ”.. رأيته محلقاً في سماء الغرفة الوحيدة التي نسڪنها في الشقة الصغيرة والتي لا تتجاوز 35 متراً مربعاً وتقع في الدور الرابع.. والمطلة علىٰ الحوش الداخلي.. ونقطن في الدور الآخير في عمارة قديمة بُنيت علىٰ حرف „ U ” وهي من مبان ما قبل الحرب العالمية الأولىٰ -هڪذا ظن „ رفيقي ”-. وهو لا يملك ما يؤڪد به زعمه.. بـ هذا الهدوء التام.. وسڪون من سڪن الجدث إلىٰ حين قيامته.. بدء „ رفيقي ” يسترسل في حديثه.. وليس له موضوعاً واحداً بعينه.. فيبدء به لينهيه بل عنده موضوعات متعددة شتىٰ.. في تلك الليلة بدء ڪلامه بالقول: „ تسرب إلىٰ داخلي شعورٌ غريب وانتابني إحساسٌ مبهم.. هڪذا فجاةً دون سابق إنذار أو تمهيد.. إذ بدأتُ أهتم بالجلوس أمام نافذة غرفة المعيشة مدة أطول عن المعتاد.. محدَّقاً للشقة التي تقابل شقة والدي والقاطنة في بيت جدتي لأبي.. وأطيل النظر.. وڪأني انتظر خروج أحد ليفعل أي شئ في بلڪونة جيراننا.. وقد يطول الانتظار.. وأعتقد أن والدتي قد لاحظت أمراً ما ولڪنها لم تخبرني أو تمنعني أو تزجرني بأن لا ابحلق ملياً في بلڪونة شقة جيراننا.. إذ أنني لم افعل أي شئ يستحق الملامة أو العتاب أو الزجر.. ڪل ما في الأمر أنني أنظر.. أو انتظر”.. ثم سڪت قليلاً ڪأنه يريد أن يسترجع بذاڪرته أحداثا بعينها.. وإشڪالية „ رفيقي ” معي.. أنه يخبرني بالقدر الذي يرغب أن يحدثني عنه -فقط- وباقي الحدث أو استڪمال الموضوع استنتجه بنفسي أو أترڪه لمرة قادمة فأربط اللاحق بالسابق ڪي تڪتمل الرواية للحدث الواحد عندي ولو بعد حين.. „ رفيقي ” يخبرني.. „ أنها الفتاة الأولىٰ في حياته الغرامية ”.. إن صح هذا التعبير منه.. وهو بالقطع في هذه السنين من عمره لا يعلم معنىٰ الحب.. ولا يدرك معنىٰ الميل الفطري للأنثىٰ.. إذ أنه ما زال في نهاية مرحلة طفولته.. والتي تحدث أحياناً عنها „ أنها طالت ڪثيراً عما ينبغي ”.. وهو يبتسم قليلا وتعلو إمارات وجهه علامات استنڪار أو تعجب.. حين يتذڪر السيدة « فوزية » صاحبة هذا الدور الغامض والذي لعبته معه.. وهو يحلل ذلك الدور.. „ العاشقة ” بأنه تم بموافقة الوالد مع أستاذه « أدولف فرج » المحامي.. أمين مڪتبة الحقانية في إخراجه من سجن الحريم.. إذ ظنا أنه سجين المرأتين.. „ الأم والجدة ”.. وهي.. السيدة « فوزية » لعلها أرادت.. أو هما معا -الوالد وسڪرتير مڪتبة المحڪمة- ارادا أيقاظ آحدىٰ مظاهر غريزة النوع.. وإلا ما هو الداع الحقيقي.. والسبب المباشر والباعث أن تقترب « فوزية » -أنثىٰ ڪاملة- منه.. وهي أقرب ما تڪون إلىٰ سن أمه وهو „ رفيقي ” ما زال في مرحلة الطفولة.. وهو ابن وحيد لأبيه وأمه.. وتدلله جدته لأبيه ڪثيراً.. فهو ناعم الطرف غض الملمس لين العريڪة وڪأنه تجرح خدوده نسائم الفجر العليل.. أو تخيفه بشائر قرب قدوم الليل البهيم الظليم ويقلق من غياب قمر ينير تحت قدميه الطريق.. فيخاف من صرصور يتنزه بين جوانب حيطان بيت قضاء الحاجة علىٰ الطريقة العربية قبل دخول طريقة الإمبريالية الصحية بالمسح بالورق.. ويرتعش من رؤية [Tarentola] برص طائر يتسلق الحائط.. أو رجليه تسبق الريح أمام فأر خرج للتو من بالوعة مجاري حارة « حلابو ».. „ رفيقي ” تعلق بفتاة الجيران مع أن فتيات جيرانه ڪُثر.. فـ لم تعجبه أي واحدة منهنَّ.. لڪنها هي.. وهي الوحيدة التي تعلق بها قلبه.. ويريد أن يراها دائماً حين يطل من نافذة غرفة معيشة شقته علىٰ بلڪونتها.. وحين ينظر إليها يرغب في سماع صوتها.. يتمنىٰ أن يقترب منها.. يقول „ رفيقي ”: „ احساس غريب تملڪني لم اتمڪن من فهمه.. وشعور مبهم تسرب إليَّ لا استطيع أن افسره ”.. ثم يڪمل: „ ڪنت انتظر خروجها لتفعل أي شئ في البلڪونة مع صغيرات يسڪن معها.. هي ليست من سڪان هذه الشقة إنها وافدة عليهم.. فـ مَن هي!؟.. مَن تڪون!؟.. ڪنتُ انتظر بزوغ فجري حين يشرق من لِّحاظ عينها اليسرىٰ.. وانتظر سدول ليلي من خلال أن تغطيني بآحدىٰ جدائل شعرها.. وإن لم يڪن شعرها أسود كَسْتَنَائِيٌّ: أَسْمَرُ قَاتِمٌ.. بل ڪان يميل إلىٰ الحمرة أو اللون البني.. ولعلها ڪانت تطليه بالحناء فيڪتسب هذا اللون.. الرائع الفذ.. والحناء لها فوائد عديدة لجلد فروة الرأس أو لحية الرجال ڪمن يسڪن في الهند أو اليمن أو لعلاج مشاڪل بشرة جلد القدمين.. وأن تغذيني بأنامل أصابعها وتسقيني من عصير ريقها العذب الفرات.. هي ڪانت جميلة.. بل رائعة الجمال.. بل باهرة الحسن.. وذات صباح مشرق سمعت صوتها تتحدث مع صغيرات في شقتها.. فإذ هي صاحبة لُكْنَة؛ أي في لِسانها عُجْمَةٍ ”.. يتوقف „ رفيقي ” عن الحديث شارحاً هذه الإشڪالية: „ وهذه آحدىٰ إشڪاليات سڪان المدن ذوي احتڪاك بالثقافة الغربية من خلال افلام هوليوود مثلاً.. وهي نعرة..إذ هي ڪِبْر وخُيلاء وعصبيَّة يمقتها الآخرون ”.. بيد أن „ رفيقي ” تربىٰ عليها دون أن يشعر وتأصلت فيه دون أن يدري.. و „ قد أيقظها بعد القضاء علىٰ الملڪية الفاسدة وأشعلها في ظل الجمهورية الأولىٰ صاحب الڪريزما الطاغية علىٰ قلوب محبيه الزعيم الخالد « ناصر العروبة »؛ فيتم التندر حين يأتي أحدٌ من قاطني الأقاليم.. فــ « الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ » القُح.. مثلي.. غير مُخَلط بلهجة عامية آخرىٰ فـ يلاحظ سريعاً مخارج حروف إنسان عنده صعوبة في نطق الڪلمات ڪما تعودتُ أن اسمع في مدينة الثغر وڪما يتحدث أهلها الأصليون! ”..
يڪمل „ رَفيقِي ” حديثه: „ بدأتُ في محاولة الاقتراب منها.. أو بتعبير أدق لفت انتباهها.. تارة بالمشاورة بأصابع اليد.. وتارة بحرڪات الشفايف.. وفي البداية لم تڪن تبالي بما افعل أو ما أقوم به من حرڪات صبيانية.. وڪانت تبتسم أو تفتعل الضحك أو إن شئت الاستهزاء بما افعل.. ولا تبالي بما اصنعه.. وقد لاحظتُ أن النجار وهو المحل الذي يقع مباشرة اسفل شقة جارتنا الجديدة مع صغار الصبية في الحارة بدءوا ينتبهوا لمحاولاتي.. وبدؤوا في التضيق عليَّ بل واستجلاب أصوات منڪرة حين تطل تلك الفتاة أو يظنوا أنني أريد منها أن احدثها ”.. „ إنها المحاولة الأولىٰ في سن التجرية.. ولعل عُمر الإنسان ڪله تجارب إما ناجحة أو فاشلة.. محاولة إثبات رجولة في منطقة أسڪنها.. وڪنتُ اشعر بفارق بيني وبين اقراني.. فمنذ البداية منعتني أمي من اللعب في الشارع لذا فإنني لا أحسن لعبة ڪرة الشراب ولذا فإنني أڪرهها.. وعليه اتجهتُ لممارسة رياضة ڪمال الأجسام.. ولما قيل لي أنني لا اصلح لضيق صدري اتجهت لممارسة لعبة الجودو وتفوقت فيها.. ولعل ڪل جيران منطقتي لاحظوا اهتمامي بتلك الفتاة.. وهي لم تعرني أي اهتمام يذڪر.. أرسلتُ لها ذات مرة.. وڪانت جُرأةً مني منقطعة النظير.. أني أرسلت لها ورقة صغيرة ملفوفة ووضعت في مشبك الغسيل؛ وهي قطعة الألمنيوم والتي تمسك بطرفي المشبك الخشبي.. وقد لففتها وأدخلتها بعد عدة محاولات لتڪون علىٰ قدر فتحة ممسك المشبك.. ولا أدري إن قرآتها أم لا.. ولعلها لم تقرأها أو قرأها آحدٌ لها.. وهي لم تبادلني أي شعور عاطفي بالمرة بل إنها لم تبادلني أدنىٰ درجات الود.. أو تعرني أقل درجات الاحترام الإنساني أو نوع ما من الشفقة الآدمية.. بل إنها انزعجت من تصرفاتي.. ولعلها ذات مرة بصقت في وجهي أو سبتني.. فـ مَن هي!؟.. صدفةً سمعتُ أمي تتحدث مع جارتنا.. وهي تمتهن الخياطة مِن منازلهم.. فقالت لها إنهم لديهم ضيفة ستمڪث قليلا وهي أبنة أخت زوجها.. ثم علمتُ أنها أتت مِن قريتها أو من النَّجع.. ثم جاءت الطامة الڪبرىٰ.. إذ قالتْ -جارتنا صاحبة الشقة- أن هذه الفتاة تعدها للزفاف علىٰ ابن عمها.. متطوع في الجيش المِصري.. وزوجة خالها تخيط لها فساتين العرس.. لذا فقد جئتُ متأخرا للغاية ”.. يتوقف „ رفيقي ” عن الحديث تماماً.. ثم يقول بمرارة أشد من العلقم.. كَالْحَنْظَلِ: „ وبعد مرور سنوات طوال.. عدة علىٰ هذه الحادثة إلا أنها ترڪت بصماتها علىٰ شغاف قلبي.. فصار اسمها أيقونة عُلقت داخل فؤادي وصار ملامح وجهها ذخيرة ڪذخائر القدِّيسين أعلقها في رقبتي وصار جمالها المقياس عندي لمن تأتي بعدها من الفتيات.. فـ بياض وجهها ولون -حنة- شعرها صارا النموذج عندي للأنثىٰ القادمة بقدر الإمڪان.. والأسوء من ذلك أنني تعلمت أن أترك الفتاة قبل أن تترڪني ”.. وهنا وڪأنني لمحت دمعة تريد أن تنحدر من مقلته.. بل إنني رأيت بالفعل احْمِرَاراً فِي مُقْلَتِهِ.. ولعلي الأن بعد عدة سنوات من زمالتي له أدرڪت سبب ميله للمرأة الهَيْفَاءِ البيضاء ذات العيون الزرقاء! تلك مَنْ دَقَّ خِصْرُهَا وَضَمُرَ بَطْنُهَا.. هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً.. عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
﴿ رُوَايَّةُ : « „ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ ” ».﴾.. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
« وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ »..ڪُتبتْ في فيينا Vienne - لحظة إطلالها علىٰ الدانوب الأزرق!
[(٣)]„. اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ “: « القصة بدأت »..„ فَاطِمَةُ.. الزَّهْرَاءُ “
[ * ] للمحب أو العاشق أن يغدق على محبوبته بالأوصاف التي يريدها.. فمرآة الحب خشب!.. ومن الأمثلة المِصرية الشعبية الرائجة : “خنفسة شافت ولادها على الحيط، قالت ده لولي ملضوم في خيط”.
السبت: ١ رجب ١٤٤٥ هــ ~ 13 يناير 2024م


شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا