السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 2015

«„ تعانق الْمُبَشِّر مع الْبَشِيرِ ‟»

تتعايش الشعوب الأفراد خلال حياتها مناسبات تسعدها وتأتي بالفرحة والسرور عليها ؛ كما وأن الأمم والمجتمعات تتذكر أحداثاً تؤلمها ؛ فتأرخ لتلك وتعتبر من دروس الآخرى .
العالم بأجمعه يقفُ أمام مناسبتين غيرتا مجرىٰ التاريخ ومصير البشرية ؛ وبعد أيام قلائل ستتعانق المناسبتان ؛ ويتقابل الزمنان ؛ فقد تعطرت الأزمان وما تزال بتلك المناسبتين؛ وترنم كل المكان . 
المناسبة الأولىٰ: ميلاد السيد المسيح المعجز ابن مريم العذراء البتول؛ التي كفلها زكريا النبي ؛ وهما -مريم العابدة وأبنها من دون مس بشر: المسيح عيسى كلمة الله وروح منه- من آل عمران ؛ هذا الميلاد العجيب المعجز يدل بـدلالة حسية عقلية ثم نقلية علىٰ أنه -تعالىٰ في علاه وتقدست اسماه- المبدع ؛ المنشئ ؛ الخالق ؛ الصانع ؛ المصور الذي أمره بين الكاف والنون ؛  والمناسبة الثانية: ميلاد الهدىٰ ونور الدجىٰ سيد ولد آدم ولا فخر ؛ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين وأول الشفعاء محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب العدناني القرشي المكي ثم المدني من آل إبراهيم .
فقد تقابل مولد السيد المسيح عيسى ابن مريم العذراء البتول: ٢٤ ديسمبر وفق الكنيسة الغربية التي يرعاها الـفاتيكان ، أو ٧ من يناير وفق الكنيسة الشرقية التي تقوم برعاياتها الكنيسة المرقسية بالإسكندرية -ثغر البحيرة المتوسطية- مع مولد السيد الجليل محمد بن عبدالله في ٢٣ ديسمبر... ولعلها مناسبة تستحق منا جميعاً إستثمارها إستثماراً إنسانياً ودينياً وعقائدياً وتقارباً بين الشعوب وتلاقياً مع الأمم.
كاتب هذه السطور يدعو السادة والسيدات أصحاب الفعاليات ورؤساء التجمعات جعل عام 2016 هو عام :
" «„ تعانق الْمُبَشِّر مع الْبَشِيرِ

 الأمية الفقهية/الفهمية
٨ . « „ خارج السيطرة ‟ »

العاملُ التركي المسلم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أخفقَ في التواجد الحي المؤثر في الحياة الإجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية في الغرب بصفة عامة وفي النمسا أو المانيا بصفة خاصة؛ العربي المسلم الباحث عن لقمة العيش ومنذ بداية الستينات رافق زميله التركي في نفس الإخفاق؛ إذ أن الجيل الأول من الأتراك في الغرب جاء يحمل صفتين متلازمتين: الأولى منهما القوة الجسدية؛ القادرة على تعلية البناء وإعادة التعمير، والثانية عدم القدرة على الكتابة والقراءة؛ بتعبير آخر ليس لديه ثقافة واعية بل تربية الأجداد وميراث القدماء، زميله العربي لم يهتم كثيراً بنوعية تواجده الإجتماعي أو السياسي أو الإقتصادي في الغرب؛ البعض منهم أكتفى بزيجة من امرأة أوروبية لإشباع حاجة ذكورية، ومن ثم الإستفادة من وراءها، وكان همهمها -التركي والعربي- الأوحد جمع حفنة من الشلنات وقتذاك ثم الأيرو؛ ثم العودة إلى وطنه الأم لبدء مشروع يدر عليه ربحاً ما؛ أو إظهار بناء في قريته أو نجعه، فقط ثلة جاءت في بداية الخمسينات للدراسة العلمية ومنهم مَن لم يغادر القارة الأوروبية لعدة أسباب؛ قد نفصلها لاحقاً؛ وكاتب هذه السطور يلح على توثيق هذه المرحلة من الحياة في الغرب وتأريخها بشكل علمي؛ إذ أن افراد هذا الجيل الأول يتوارون تحت تراب القبور الواحد خلف الآخر؛ دون إثبات شهادته على عصره بحلوها أو مرها كدروس يستفاد منها في المستقبل؛ وتعامل كمرجع، كما ينبغي أن نضيف مجموعة جاءت نتيجة الترحيل القصري أو الحروب كـ عرب الأرض التي بارك الله حولها؛ ثم من بعدهم أهل الرافدين؛ وأخيراً ولعله ليس أخراً شعب الأسد؛ كما لا ينبغي أن لا نغفل أصحاب اللجوء السياسي صدقاً أم إدعاءً؛ نكمل الصورة بأبناء القارة الأسيوية أو الأفريقية.. وكما ترى فهم مجموعات مختلفة تكاد تكون متعارضة من حيث سبب القدوم للغرب؛ والمستوى الإجتماعي والوعي السياسي ودرجة الثقافة العامة وبالتالي بما يحملون من أفكار ذات وزن أو قناعات ذات وجاهة ووجهات نظر في الحياة تلزم صاحبها بالعيش وفق طراز خاص من الحياة؛ وما يترتب على هذا من تفاعل أو تاثير داخل المجتمع الغربي أو تأثر؛ وهذه المجموعات بما تحمل من مبدأ إيديولوجي -إن وجد- وقدرات إستراتيجية -إذا تم بالفعل تفعيلها- تحتاج لمزيد دراسة علمية لنحسن فهم الجذور العميقة لهذه الأفكار؛ ورصد الواقع الحالي ووضع معالجة ناجعة، وكيف تم الخروج من مبدأ إيديولوجي مشرقي ومزواجة قصرية بمبدأ ايديولوجي غربي ديموقراطي ليبرالي.
العاملُ التركي؛ ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ووفقاً لمشروع "مارشال" الأمريكي لإعادة بناء أوروبا وتعميرها، ومن بعده العربي يمارسا الأعمال الدنيا في المجتمع الغربي، القادم من يوغوسلافيا السابقة ليس لنا معه حديث اليوم لإختلافات ظاهرة بين الفريقين؛ وإن تزامن قدومه مع العامل التركي؛ ولكن الملفت للإنتباه ويحتاج دراسة هم أهل البوسنة والهرسك لاحقاً؛ يشاركهم أهل الشيشان.
موضوع هذا المقال ليس أهل التخصص وأصحاب العلم؛ أو مَن تلقوا قدراً جيداً من التعليم أو مستوى راق من التأهيل، إذ أن ثلة من أبناء الجيل الثاني و الثالث في الغرب مَن يعمل ومنذ حين بالمحاماة أو التطبيب أو التدريس أو الهندسة أو الصيدلة أو تجار وأصحاب محلات...؛ ومنهم مَن لم يتمكن من تحصيل علمي محترم أو مهني يحتاجه السوق؛ وهذا ليس له موضع قدم في المجتمع الغربي وليس له دور في فضاء الإتحاد الأوروبي؛ فأصابته حالة اضطراب نفسي وعدم قدرة على التوازن والتوفيق بين مجتمع غربي حر منفتح؛ وسوق عمل يحتاج لمتأهل؛ وقد ترعرع في بيئة إثناء فترة طفولته وصباه وشبابه، تخالف بل تعارض مجتمع مغلق تربى وقتاً بين جوانبه وعاش زمنا بين جدران تتسم بالرجعية ولا توافق العصر بناها الأب، وقامت الأم بدور الحافظة وفق الثقافة التي تربت عليها ردحاً من الزمان دون أن تعي أن أقدامها غرزت في بيئة مخالفة لما ترتبت عليه أو نشأت فيه.
بدء الحال يتغير منذ نهايات السبعينات من القرن المنصرم وأوائل الثمانيات؛ تحت مسمى قانون لَمْ/جمع شمل العائلة. فالشاب المنفرد الذي يعمل نهاراً بكد وتعب؛ ويمضي بعض ليله بين كؤوس الشاي وفنجان قهوة ثم ينقلب في مرقده يحتاج لأمرأة؛ ومن خلال ممارسة طبيعية بدأت تأتي ذرية -يغلب على ظن الكاتب- أن هذا الشاب -رب الأسرة- لم يتمكن من الحصول على قدر معقول من المعلومات الكافية عن مستقبل ومصير هذه الذرية؛ يمكننا القول أنه قدمت له خدمات إجتماعية ولأسرته؛ أستفاد منها، وتعليمية تربوية تثقيفية استفاد منها البعض، وبناءً على الدراسات الميدانية الغربية التي تقدم للجهات المعنية وتطرح ورقات عمل وبرامج عملية لرعاية شؤون أفراد المجتمع تعالت أصوات تطالب بإندماج هذه الفئة في المجتمع الغربي؛ دون مشاركة حقيقية مِن عقلاء وأصحاب فكر لهذه الفئة التي يراد إندماجها .
وجدت في العديد من مناطق العالم المسكون بؤر توتر عالية السخونة نجم منها إنشطار في الأفكار والرؤى؛ وبالتالي في التصور الذهني لفهمها وفق المعطيات الجديدة؛ ودراستها لإيجاد مخرج وفق ما يوجد من مبادئ راسخة وقيم أصيلة وقناعات لها جذور في الإدراك؛ والمحزن والمؤلم فإنه تحت عامل الضغط الزمني وتسارع الخطى وتوالي الأحداث فقد الموجه بوصلة الطريق فصار كل فريق يبحث بين أكوام القش عن منافع له يحصلها ومصالح يجنيها فغابت الإيديولوجية الحقة عن الأنظار وتعطلت الإستراتيجية المنبثقة من تلك الإيديولوجية فلم توجد معالجات ناجعة للمشاكل التي طرأت بشكل متواتر؛ وتجرع البعض علقم الظلم من جهات سيادسة؛ كما تذوق البعض الآخر طعم الفشل في تطبيق شعارات مثل الإسلام هو الحل؛ فتحول أتباع الإسلام رغماً عن أنوف الكثير وأصبحوا جزءً من المشكلة سواء على مستوى الجماعة التي ينتمي لها أو الدولة التي يعيش فيها أو الأسرة التي تربى بين جوانبها، ينظر كمثال واضح ما يجري على أرض هبة النيل الفضي مصر الخضراء؛ أو تونس الفيحاء؛ أو إقليم الشام ثم ننتقل سريعا للقارة الأوربية : باريس أو بروكسل؛ ومن قبل مانهاتن قلب أمريكا.. مما يدل على فوضى فكرية وفوضى في إتخاذ القرار ومساندة دولية لبعض الجماعات لتحقيق مأرب... كما ينبغي أن لا ننسى أن هناك مسائل ومشاكل مزمنة ومصائب في تلك المناطق ومرت عليها أعصار ودهور دون حل أو حللة مرضية لعقود؛ فتولد يأس من رحم المأساة يعتريه تشويه فطاشت اليد في تحديد الهدف وتعالت أصوات بشعارات جوفاء وجدت لها صدى عند الجهلة والدهماء فوصلنا إلى مانحن عليه في نهاية عام 2015 من الميلاد العجيب.
نعترف بأن هناك دعوات مخلصة ونداءات خجولة لتغيير وضع لا يرضى عنه أحد؛ الغائب هو الكيفية العملية المناسبة والمنبثقة من الإيديولوجية المبدئية لإخراج هذه الدعوات إلى الوجود؛ والقدرة الفعلية لتحقيق هذه النداءات على أرض الواقع؛ إذ لا يكفي القول بأن هناك دعوة مخلصة أو نداء أو مناشدة من مسؤول ما في جهاز تنفيذي لدولة ما أو كيان ما؛ بل الواجب أن يصاحب هذه الدعوة ويرافق هذا النداء الكيفية العملية المناسبة للعصر والزمان لتخريج الفكرة النظرية وإيجادها كواقع ملموس مع المراقبة والمراجعة والمحاسبة لخطوات التفصيل؛ ويدعي كاتب هذه السطور غياب هذه الجزئية؛ أقصد التحقيق فيما نقول مبدئياً والتدقيق فيما نفعل أيديولوجياً ليوافق التطبيق النظرية؛ بدلا من الخروج عنهما .
لعل نهاية عام لطخت أوراق أيامه بدماء بريئة لا ذنب لها يدعو الجميع لإعادة النظر بشكل جدي فيما حدث، وإيجاد تصور ذهني حقيقي للخروج من المأزق "الشبابي" الذي اربك المجتمعات والساسة، ولعل التخبط في سياسة العديد من التجمعات والأحزاب بل بعض الدول يدعو الجميع لتعمق النظر فيما جرى ومما يحدث على أرض الواقع لإعادة بلورة فكرة يراد منها صالح البشرية ورفاهيتها؛ إذ ليس من المعقول أو المفهوم أن نتخذ حالة إشباع حاجات البعض وتمكينهم على حساب البعض الآخر، أو نتخذ حالة إفناء الــ"غير" طريقة لتحصيل أمر غير مدرك في الذهن.
د . الْفَخْرُ؛ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ؛ مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ ؛ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ؛ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ

الخميس: الموافق ١٣ صفر ١٤٣٧ ~ ٢٦ نوفمبر 2015
(يُتْبَعُ)
**
سلسلة
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة ذات حضارة ؛ زاهرة ‟

الأمية الفقهية/الفهمية :
7. 8. ] العورة والسوأة

مرةٌ آخرىٰ تتعرىٰ عورةُ العرب والغرب -معاً-؛ ومرةٌ تلو الآخرىٰ تنكشف سوأةُ المنظمات الدولية والإقليمية؛ يرافقها المؤسسات الحقوقية ويشاركها التجمعات الإنسانية ويستفيد من الكشف و التعري مرتزقة الإغاثة؛ في الزمن القريب ظن البعض أنه حدث مفصلي وتغيير محوري وقت قُتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة وهو يحتمي بصدر أبيه بـ بندقية جندي محتل؛ قد يعيد الأمور إلى نصابها ويكشف أسطورة ديموقراطية دولة عنصرية طائفية ثم نسي الموضوع؛ والأن مسألة اللاجئين العرب علىٰ أبواب القارة الأوروبية يهتم بها الإعلام كـ حدث يستحق النشر في الصفحات الأولىٰ؛ ويتكلم الساسة ورجال الدولة لـ غرق الطفل السوري قبالة الشاطئ التركي عند المنتجع السياحي؛ فيظن البعض أنه حدث مفصلي ومحوري سيتغير العالم من أجل طفل غرق بدلا من قتله علىٰ يد نظام يتحكم في العباد ويملك البلاد.
اللجوءُ لمكان أمن مع اعتبار الحافز لترك الوطن والدافع لهجر الأهل قُرر في الأعراف والمعاهدات الدولية؛ والتاريخ يروي لنا قصة »مجيرة الضعفاء« ابنة عم النبي أبي طالب؛ أم هانئ فـ ذات يوم طرق بابها رجلان مشركان من مكة تعرفهما وطلبا منها الإجارة فأجارتهما وعلم أخوها علي فجاء ليقتل الرجلان لكنها أمسكت به فلم يستطع الحركة وهو يصيح بها :"اطلقيني!"؛ حتى حضر النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالأمر فتبسم وقال: »قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ؛ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ«. فـ أسلم الرجلان. واللجوء عارض لمشكلة لم تحل؛ أو واحدة من نتائج مشاكل لم يسع أحد بالفعل لـ حلها؛ اللجوء -ذاته- ينشأ مشاكل جديدة؛ فهو ليس لا لمشكلة ما.
المسألة التي نحن بصددها تجرع كأسها المر من قبل فلسطينيو الشتات؛ فـ وجد من يسترزق بـ اسمهم أو يتسول على حسابهم، ثم أهل دجلة والفرات؛ وهي تجارة رابحة رائجة عند تجار لحوم البشر؛ فـ يُنفس العرب عن مشاعرهم من خلال الـ فيسبوك؛ والتغريدات.
حل القضية لا ينبغي بل لا يصح أن يلقىٰ علىٰ عاتق ساسة الإتحاد الأوروبي أو أن يوضع علىٰ أكتاف القارة الأوروبية، والذي يجب أن يكون مشاركة فاعلة أيضاً من الجامعة العربية وتحت سقفها 22 دولة "عربية(!)"؛ مع خجل كاتب هذه السطور الشديد لـ تصريح أدلىٰ به أمينها العام يوم الخميس 3/9/2015 حين :" أعرب عن أسفه الشديد"، مقراً بـ عجز الأمانة العامة للـ جامعة في معالجة تلك المشكلة بـ القول :" إن معالجة موضوع اللاجئين أكبر من أن تقوم به الجامعة العربية "، ولعل الرجل صادق؛ ونتساءل: لماذا يصرف مال من خزائن دول عربية لا تملك قرارها ولا أمرها بيدها علىٰ رواتب موظفين وتكاليف إجتماعات أصحاب الجلالة والسمو والمعالي والرفعة. وأيضاً منظمة التعاون الإسلامي التي يجلس علىٰ مقاعدها الوفيرة 58 دولة إسلامية(!) أو هكذا يطلق عليها وتسمىٰ وتنعت ولم نسمع لهم صوتاً أو حراكاً؛ أضف لهما منظمة التعاون الخليجي الـست (+2)؛ أو بعد إضافة الملكية الأردنية أو الملكية المغربية؛ كما ينبغي حضور فاعل لمنظمات ومؤسسات ذات الطابع خدمي جماهيري؛ كـ رابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة المكرمة؛ ومشيخة الأزهر ومقرها القاهرة والكنيسة المرقسية ومقرها الإسكندرية أو مشاركة أول جامعة نشأت في العالم الإسلامي؛ وأول جامعة في العالم، فقد انتظمت دروسها عام 737 م (120هـ)، بـ جامع الزيتونة بـ مدينة تونس" أقصد جامعة الزيتونة (Université Zitouna)؛ وما يشبه تلك المؤسسات، وهذا في نظر الكاتب لعدة أمور؛ منها :
1.] المهاجرون هم سكان : إما المنطقة العربية؛ أو مناطق إسلامية؛
2.] الأزمات ويتبعها تجزئة وفق مخطط إتفاقية سايكس/بيكو (إنجليزي/فرنسي)؛ أو مخطط تقسيم الشرق الأوسط الجديد (أمريكي)؛ أو الفوضى الخلاقة (أمريكي) تركز على المنطقة العربية أو مَن يسكنها غالبية إسلامية (مما أدى لساسة في الإتحاد الأوروبي التصريح بالقول أنهم يخشون مِن التغيير الديموغرافي لبلادهم؛ مِن تزايد هجرة المسلمين)؛
3.] أيدي داخلية تعبث بالمنطقة كـ كل.
وهذا يؤدي إلى تصدير العقول المستنيرة ، ويرافق هذا التصدير بقية المشاكل كما نسمع ونرى.

إذاً فـ هي قضية دولية أممية عالمية؛ وليست حالة خاصة لـ مدينة أو قرية أو إقليم بـ عينه، فـ علىٰ الجميع العمل لـ حلها بـ حلول ناجعة تبدء من المنطقة؛ ومشاكل آخرىٰ تنتظر المعالجة تبدء قبالة سواحل القارة الأوروبية المطلة علىٰ البحيرة المتوسطية؛ المثال الواضح : ما قامت به دول التحالف بـ قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إسقاط نظام صدام حسين؛ ثم تسريح الجيش وتدمير الدولة وتفكيك الشعب لـ طوائف، وحالة بقاء سوريا في مربعها لم تغادره منذ سنوات بـ مساندة عسكرية من دول خارجياً هذا دولياً، أما شعبياً فـ كما حدث في مصر بـ إسقاط نظام حكم مبارك ثم إسقاط نظام حكم إخوان، أو ماحدث في تونس بـ إسقاط نظام بن علي.
وعليه يجب تفعيل « الدبلوماسية الشعبية يجاورها القوى الناعمة » بـ جوار ما تقوم به دوائر صنع القرار في الغرب؛ فـ لا ينبغي أن يترك لـ ساسة الغرب تخليق واقع جديد في المنطقة العربية/ الإسلامية ثم تحضير القضية وفق ما يُعد في المطبخ الغربي، والعرب ينتظرون ما يقدم لهم من وجبات سريعة جاهزة.
**

الأمية الفقهية/الفهمية
7. 7. 1. ] تمهيد لقضية إنسانية:

۱. ] يتراجع المرء حين يتخلىٰ عن إنسانيته مقابل تحصيل مصالحه الشخصية؛ واستحواذه علىٰ منافع فردية تخصه؛ ويهبط بـ بشريته لحظة إشباع غرائزه أو مظاهرها المتعددة دون مراعاة شعور وأحاسيس غيره؛ وينحط وقت أن يتحصل علىٰ حاجاته دون الإنتباه إلىٰ مراعاة حاجات الآخرين، ويُنحي -عن عمد- مِن المشهد الإنساني ويُلغي مَن أمامه حين يفرض رأيه بـ سلطته المنفردة أو بتغليب قوة السلطة التي تملكها، فـ يتصارع -لا يتحاور؛ ولا يناقش؛ ولا يجادل- لـ هزيمة الآخر معنوياً؛ أو لـ إنهاءه فكرياً ثم لـ تصفيته جسدياً لـ يسمع ما يقول؛ أو يحيىٰ ما يرىٰ أو يبقىٰ ويدوم فكره هو .
ولـ نأتي بـ أمثلة من واقع الحياة:
۱. ] الموظف العام في مؤسسة حكومية يحصل رشوة مقابل تسهيل معاملة للمواطن؛ أو تعطيل مصلحة لآخر.
۲. ] عضو حزب سياسي ليس عنده إلا أن يطيع، وليس لديه عقل إلا أن يسمع الأمر؛ فقد اصابته رعشة فكرية وتوتر ذهني بعد أن حلت الدهشة حين الصدمة؛ إذ ليس له وجود فاعل مؤثر في الشارع، فقد غابت عن رجال الحزب الأيديولوجية -الفكر الأساسي- التي بُنيَّ عليها كيان الحزب؛ وتتراجع الخطط -الإستراتيجية- عند الأعضاء مقابل مايتوهمون أنه صحيح.
۳. ] متحرش بـ أنثىٰ في الطريق أو المواصلات العامة.
۲. ] الآخر سواء أكان ينتمي لـ عِرقٍ؛ أو يتبع ديناً؛ أو يملك فكراً يحق له أن يبقىٰ؛ ويتعايش معه الآخرين، ويصح بل يجب علىٰ صاحب هذا الفكر أن يعمل علىٰ بلورته والدعوة إليه؛ أو حامل ذاك الدين أن يعمل علىٰ تطبيقه وتفعيله في المجتمع ويمارسه في الحياة ثم ينشره؛ وينبغي أن يتحاورا -صاحب الفكر وحامل الدعوة- مع غيرهما –وإن خالفاه في الفكر والعقيدة- دون أدنىٰ حرج من لون بشرة أو أصول عرق لاسيما وهما يستخدمان الطرق المشروعة والوسائل المتاحة.
۳. ] مَن يعمىٰ عن إدراك حقائق الكون ومدارك الحياة بـ أنها بُنيت علىٰ التباين والإختلاف والتضاد؛ فـ بعد نهارٍ مشمس ليل بهيم؛ وبعد شتاء يطل ربيع؛ وهذه امرأة تحيض وتحمل وتضع وترضع وتربي؛ وتعمل، وذاك رجل يجد ويبني بسواعده ويعلم؛ وهذا عسل مصفىٰ؛ وذاك "مِش" مالح وهكذا.. والجميع يتكاملون دون صراع. مَن لم يدرك هذا.. فـلـ يعلم أن إنسانيته تحتاج إلىٰ صقل ثقافي؛ إذ تكاد تغيب عنده!
٤. ] فـ ثقف الشيء أي ادركه وحذقه ومهر فيه، والثقيف هو الفطين؛ وثقف الكلام فهمه بسرعة، ويوصف المرء بـ الذكي -رجل؛ امرأة- بأنه "ثقف". فـ الثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع، إذ أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع، و هي عبارة عن مجموعة من السلوكيات والضوابط المتبعة لتقويم السلوك للفرد والمجتمع معاً، عن طريق تلقي المعارف وغربلتها والخوض في العقائد وتصحيحها وتنقيتها من شوائب قد تعلق بها؛ وممارسة الفنون والإطلاع بوعي علىٰ الثقافات المختلفة، والتي تهدف بـ مجملها إلىٰ تقويم السلوك. وتعديل التعامل لـ تحسنه؛ فـ تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم وكيفية التصرف مع العالم مِن حولهم وقبول ومعايشة الآخر، فـ الثقافة تحدد لهم ما يحبون ويكرهون وما يرغبون فيه وعنه: كـ نوع الطعام الذي يأكلون، ونوع الملابس التي يرتدون، والطريقة التي بها يتكلمون؛ والألعاب الرياضية التي يمارسونها؛ والأبطال التاريخيين الذين خلدوا في ضمائرهم، وتصنيع أبطال اليوم ليتكلم عنهم رجال الغد؛ والرموز التي يتخذونها للإفصاح عن مكنونات أنفسهم وما إلىٰ ذلك.
٤. ۱. ] يصح لنا أن نقول بـ أن الثقافة هي النمو التراكمي لأفكار علىٰ المدى الطويل، أو بـ معنىٰ آخر أنّ الثقافة ليست علوماً أو معارف جاهزة يمكن للمجتمع أن يحصل عليها ويستوعبها ويتمثلها في زمن قصير، وإنّما تتراكم عبر مراحل طويلة من الزمن، تنتقل من جيل إلىٰ جيل عبر التنشئة الاجتماعية: والتربية الجمعية؛ والممارسة اليومية بوسائط جيدة صالحة للنقل وتجارب قابلة للتفعيل.
٤. ۲. ] إذن الثقافة ممارسة لـ مجموعة من القيم وتفعيل لـ حزمة من المبادئ وإنزال كتلة الأفكار الخاصة في المجتمع؛ بـ مؤسساته المختلفة: البيت؛ الأسرة؛ المدرسة؛ المصنع؛ المتجر؛ جهاز الأمن الوطني أو القومي؛ الشارع؛ النادي؛ بيت العبادة.. فـ ثقافة المجتمع تنتقل إلىٰ أفراده الجدد عبر التنشئة الاجتماعية، حيث يكتسب الأطفال خلال مراحل نموهم الذوق العام للمجتمع. ويظهر المعنىٰ الحقيقي للثقافة في السلوكيات اليومية الحياتية لحظة التعامل ووقت الممارسة، عن طريق الاعتقادات المتّبعة والصحيحة والتي بلورتها رجال الأصول، والأفكار المدروسة البناءة والتي صقلتها عقول رجال الفقه الدستوري والتشريعي والقانوني والمدني، والتذوق العالي لمختلف الفنون والثقافات والتي يبرزها أحاسيس رجال يشعرون بنبض الشارع العام والخاص، وسرعة البديهة في اتخاذ القرارات الصائبة في اللحظة الحرجة بإتاحة المعلومات الصادقة، وحسن التعبير ورقة الكلمات من خلال إظهار المشاعر الإنسانية تجاه الآخر؛ وحب المشاركة والحياة الجمعية الإجتماعية من خلال منظومة التعارف والتواصل؛ واحترام الرأي واحترام الآخر بغض النظر عن رأيه، حينها نطلق عليها « ثقافة عالية المستوى ».
هذا المفهوم يسعىٰ لـ تحسين مستوىٰ الأفراد والعمل علىٰ إصلاحهم، ثم يهدف إلىٰ تطوير وتحسين وتعديل المهارات الإيجابية للإنسان، من خلال التربية و التعليم .
٤. ۲. ١. ] توماس ستيرنز إليوت~Thomas" Stearns Eliot من أجل إدراك الثقافة وضع شروطاً ثلاثة إذا ما تحققت، تم بها تحقيق الثقافة وهي:
أولاً: البناء العضوي، ويرىٰ أنه يساعد علىٰ الانتقال الوراثي للثقافة داخل ثقافة ومجتمع معينين.
ثانياً: القابلية للتحليل: ويرىٰ وجوب أن تكون الثقافة -من وجهة النظر الجغرافية- قابلة للتحليل إلىٰ ثقافات محلية -البعد الإقليمي للثقافة-.
ثالثاً: التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين. ويرىٰ أن هذا الشرط مهم لأنه في الكثير من الثقافات لا يمكن إغفال أو تهميش عامل الدين. وفي هذا السياق أضاف آخرين إلىٰ أن الثقافة "سياسة" و"تربية".
وهذا المفهوم هو المبدأ الأساسي في علم « الأنتربولوجيا »، لـ يحوي في معناه تفسيرين رئيسيين هما :
1- تطور القدرة الإنسانيّة ونبوغها، والتعبير ملخص تجاربها في هذا المجال بطريقةٍ رمزيّة، والتصرف بعدها بطرق إبداعيّة وخلاّقة .
2- تفسير التباين البشري، كلٌ حسب خبرته وتجاربه، وفقاً للبقعة الجغرافيّة التي يسكنها، وردود الفعل الإيجابية في مواجهة الكوارث والحروب، كـ العمل علىٰ التنمية والبناء، وابتكار علوم جديدة، وهذا ما حدث إبّان الحرب العالميّة الثانية، فـ قد تعزز مفهوم الثقافة في خلق وتطوير عدد من التخصصات والعلوم ، كـ علم النفس التنظيمي، وعلم الإجتماع، والإدارة والأبحاث الثقافيّة؛ علم الإجتماع السياسي .
٤. ۲. ۲. ] قام ماثيو أرنولد~ Matthew Arnold -من أنصار الحركة الإنسانيّة الكلاسيكيّة - بوضع تعريف آخر وإضافات إخرىٰ لـ مصطلح الثقافة، حيث استخدم هذا المصطلح للإشارةِ إلىٰ «دماثة الخلق» ، وظهر مفهوم « Bildung » الألماني والذي يعني بأن أهم أهداف الثقافة هي الوصول إلىٰ غاية الكمال من خلال التعرف علىٰ أفضل وآخر ما توصّل إليه العالم من أفكارٍ وأقوال تهدف إلىٰ تنمية و سعة الإطلاع للفرد .
فـ الثقافة بشكل عام تهدف إلىٰ الوصول لعدة نقاط ، هي :
١ . ] التنميّة الفكريّة والروحيّة و الجماليّة للإنسان .
۲ . ] اتخاذ هذا الأمر كـ سلوك معيشي في حياة الجماعات.
۳ . ] أن تكون جميع سلوكيات الفرد و الجماعة مبنية علىٰ أساسِ فكرٍ وفنٍ راقٍ؛ وهذا جوهر الثقافة للفرد ومن ثم المجتمع.
من هنا ظهر التناقض، فقد تباينت ثقافات الشعوب، وظهرت مجتمعات متمدنة وأخرىٰ عكسها، وهذا ما جعل بعض الشعوب أكثر تحضراً من غيرها، وبعض الأفراد أكثر تقافةً مِن مَن عداهم، وهذ السبب الذي جعل بعض العلماء كـ هربرت سبنسر~Herbert‟ Spencer„؛ ولويس هنري مورغان~ „ Lewis Henry ‟Morgan ؛ وضع «نظرية التطور الثقافي»، ويعود هذا التناقض الثقافي إلىٰ الصراعات بين الشعوب والأفراد، والطبقات الإجتماعيّة المختلفة فيما بينها . وتفوح رائحة تزكم الأنوف لـ هذا التناقض في مجتمع واحد يحوي ثقافات متعددة تكاد تكون متعارضة من مناطق مختلفة -الهجرة الحالية من الجنوب بما عنده من سلبيات إلىٰ الشمال بما يملك من وسائل وأدوات- دون وجود خطة كاملة من الدولة الراعية والمستضيفة ليس لدمجهم وإذابتهم في المجتمع الجديد؛ وإن كان هذا قد يظهر في الأجيال القادمة؛ لغياب الضمانة الذاتية، أقول: خطة لـ إعادة تأهيلهم في محيطهم الجديد؛ كي يحسنوا التعايش والممارسة، وليس مجتمعهم الجديد؛ ندلل على صحة قولنا هذا بالتجمعات ذات التوجه السياسي الواحد أو اللغة الواحدة أو العرق أو دولة المنشأ الواحدة؛ الخطير هو ما يصاحب هذا من غلق الفكر وإغلاق الذهن من التحاور أو التعايش مع الآخر المخالف له سياسياً أو فكرياً؛ صحيح تتم لقاءات موسمية روتينية من باب ما نتعارف عليه بـ "آداء الواجب" .
٤. ۲. ۳. ] أعاد إدوارد بيرنت تايلور~“Edward Burnett Tylor„ صياغة مفهوم الثقافة علىٰ أنها مجموعة من الأنشطة المتميزة لـ كافة المجتمعات البشريّة علىٰ اختلافها. و هذا التعريف مهّد الطريق إلىٰ مفهوم الثقافة الحديثة .
٤. ۲. ٤. ] إيمانويل كانت~”Immanuel Kant“ -يكتب عمانوئل كانط- فكان له تعريفه الخاص تحت مبدأ مفهوم «التنوير» حيث قال بـ أنها خروج الإنسان من مرحلة عدم النضج والتي تكبده الكثير من العناء. وأكّد بأن هذا النضوج لا يأتي من حالة الجهل؛ وعدم الفهم؛ والسعي إلىٰ المعرفة، ولكن العناء يأتي من الجهل وعدم الشجاعة في سبر أغوار اأ مور، والعمل علىٰ التفكير بمنطق وبشكل مستقل، بدون الاعتماد علىٰ ما تمّ تلقينه للفرد من مبادئ في الصغر، قد تكون خاطئة، وهي على الأغلب كذلك.
قد أميل إلىٰ رأي الألماني Kant في تعريفه المبسط للتنوير، والثقافة، وإشكالي -وأمثالي- عشنا لردحة من الزمان في عالم يخلو نوعاً ما مِن المراجعة والتحقيق والتدقيق والتصحيح والمحاسبة لما يعرض أو يقدم، وما زالت هناك العديد من الأفكار/المفاهيم/القيم المتوارثة بدون جدية عمل على تغييرها أو التدقيق مع التطوير أو حتىٰ المراجعة الموضوعية العلمية لـ تعديلها، و الأهم، و برغم التطوّر الكبير لهذا المفهوم، إلا أننا مازلنا نطبّق تلك المبادئ التي تبلغ من العمر عشرات بل مئات الأعوام، ولهذا مازالت الصراعات الثقافيّة في مجتمعاتنا تمزقها علىٰ مستوى الأفراد و الجماعات، زد عليها التقاتل والتناحر في عدة أقطار من الوطن العربي والعالم الإسلامية؛ مع دخول كتل مسلحة و تجمعات معسكرة في حلبة الصراع...
فهل تنقصنا الإرادة لمراجعة الموروث الثقافي -الحضاري والفقهي-.!؟؛
أم تنقصنا روح الشجاعة علىٰ تطوير أنفسنا وتثقيفها!؟؛ بإعادة النظر بما يطلق عليه خطاب التجديد، وهنا
نتساءل: كيف نجدد؛ والقائمون على عملية التجديد هم مَن تربوا على فكر رجال وعلماء الماضي وتأدبوا علىٰ مائدة الموروث القديم دون إحساس أو شعور بأنه لا يصح سحب الماضي بما له وفيه علىٰ واقع جديد مغاير معايش اليوم.
أم أننا يسهل علينا العيش في ذكريات الماضي دون جدية النظر لمستقبل زاهر كما كان مَن سبقنا؛ فنتغنىٰ تارة بـ فرعونية؛ تبعد عنا ستة آلاف سنة أو يزيد لا نعلم عنها إلا الظاهر؛ أضعنا آثارها في عواصم الغرب؛ وتارة آخرىٰ بـ مجد إسلامي عتيد نقرأه بفعل "كان"؛ ثم نقرأه مبتسرا من كتب التراث؛ ثم نسمع أصوات خجولة من منظمة التعاون الإسلامي؛ أو تارة ثالثة بـ عرب وقومية عروبية؛ حالها يظهر كشمس النهار خلال إجتماعات جامعة الدول العربية !؟ .

لعل الإشكال الحقيقي أن الذين يتصدرون المشهد الثقافي أو السياسي ليسوا من أهل الثقافة ولا رجال السياسة!.

الرَّمَادِيُّ؛ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ؛ الأحد 9 ذو القعدة 1436~23 أغسطس 2015
(يُتْبَعُ)
7. 7. 2. ] بدأ منذ يوم الخميس السادس من أغسطس ۲٠۱٥ احتفالات الكنائس الأرثوذكسية بمولد مريم العذراء بجبل درنكة ، في رحلة العائلة المقدسة الشهيرة والذي يستمر لمدة 15 يوما؛ يقيم الدير احتفالاته الدينية سنويا ابتداء من يوم 7 أغسطس حتى 21 منه كل عام.

* * *

أشكرك صديقى الفاضل !
سوف أقوم بتنقيح المقال بما وصيت به !

الحبيب الغالي أيمن !

بارك الله فيك وعليك

وكل عام أنتم وأسرتكم الكريمة واسرة تحرير الموقع والأمة الإسلاميةخاصة في القارة الأوربية والغرب خاصة والعالم أجمع عوماً بخير ؛ ومبارك العيد السعيد

[1.] لا يوجد في التاريخ؛ أو مكان ما في مكة موضع اسمه :"حِجر إسماعيل" فقط إما «الحجر» أو «الحطيم» .

[2.] شرط الطهارة من الحدث لصحة الطواف قول للإمام : [أ] مالك بن أنس ؛ والإمام [ب] أحمد بن حنبل؛ والإمام [ج] محمد بن إدريس الشافعي؛ هذا ماكتبته على الموقع؛ ولعل هذا ماتتبناه أنتَ كـ حكم شرعي في المسألة، وجزاكم الله تعالى خيراً ، وهذا الرأي الفقهي معتبر ويحترم ويؤخذ به، لكن الأحكام الشرعية العملية التفصيلية لا تحجر على إمام بعينه؛ والمواقع العامة لا ينبغي أن تميل لرأي على حساب آخر؛ إذ أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف عند  الإمام [أ] أبي حنيفة النعمان؛ و عند ابن تيمية؛ خاصةً أنه من كبار علماء الحنابلة؛ ومرجع معتبر هام عند السلفية الحديثة سواء العلمية أو الدعوية.

[3.] عنون في الموقع :"

العمرة (وأسفل العنوان العريض تقرأ)

(طواف القدوم & الإفاضة & الوداع)؛

فهل تقصد القول بأن أعمال العمرة هذه لثلاثة المذكورة أم شئ آخر . لم أفهم .. منكم نستفيد.

[4] الخط البني اللون والذي يحدد بداية الطواف المحاذي للحجر الأسود رُفعَ منذ سنوات وغير موجود في صحن الكعبة.

والله تعالى من وراء القصد؛ وأعتذر  لتدخلي.

تقبل خالص ودي وكامل احترامي .

الأمية الفقهية/الفهمية
7. 6. ] مشروع.. قطار توقف أو يكاد


1. ] الاختلاف بين الناس في الشكل واللون والقدرات الجسدية/العقلية/النفسية، وتنوع الأجناس والأعراق وتعدد اللغات؛ بل وفي الأفكار والمفاهيم ووجهة النظر والقيم والمبادئ وأيضاً في التصورات لنمط الحياة؛ وطريقة العيش: فهذا الاختلاف والتنوع والتعدد حقيقة لا يمكن القفز فوقها، وهذا كله مصدر ثراء في المجتمعات التي تقوم علىٰ العدل، والإشكال يأتي حين يستخدم هذا الاختلاف في تأسيس مفاهيم الصراع وأفكار التطاحن، دون تفعيل قوىٰ الإنسان العاقلة .
2. ] "الأقليات(!)" سواء العرقية أو الدينية أو المذهبية  أو اللغوية؛ والتي استوطنت في الغرب تسعىٰ -بحذر يشوبه قلق- أن تكون نبتاً أصيلاً ضمن مكونات الوطن البديل، وتجتهد في تحصيل كافة حقوقها في التمتع بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وفي المجتمع -وهذا هو الأصعب- ينبغي أن تُقبل في كافة مستوياته وطبقاته دون أدنى عنصرية أو وجهة نظر مسبقة أو إتهام جماعي لفساد سلوك فرد.
2. 1. ] المتجنسون ينبغي أن يُنظر لهم بعتبارهم مكون أصلي؛ أما بشأن مصطلح "الأقليات" المستخدم، فيرىٰ المؤرخ العراقي علي النشمي أن تسمية هذه المجموعات بـ"الأقليات" تسمية خاطئة واستفزازية، ولا تنطبق علىٰ الواقع لأنهم يمثلون سكان البلاد الأساسيين؛ وإن لم يكونوا أصليين؛ ويصلح تسميتهم بـ"المكونات الأصلية"؛ بيد أن كاتب هذه السطور ينزعج من المصطلح الأخير فهو تقسيم جديد بألفاظ أقل حدة؛ وإن قبلنا سلفاً بمصطلح "فئات" الشعب والأمة؛ كـالفلاحين والعمال والمهندسين والأكاديميين والساسة.
2. 2. ] مفهوم "أقلية(!)" له مدلول سياسي وثقافي وإجتماعي ونفسي ينعكس علىٰ الممارسات الحياتية اليومية، فيطفو علىٰ السطح مفهوم "الإندماج" و "التأقلم"  و "إذابة الفوارق"، فتعلو في سماء المجتمع أصوات التضيق على الممارسات الحياتية لعرق ما أو دين ما أو مذهب ما؛ فيضيق صدر مواطن "أصلي" من تصرفات وأفعال مواطن "أساسي" أقرها الدستور وتسعىٰ لتفعيلها القوانين؛ فيصبح -مع نداءات الشجب والتنديد والرفض- مواطن درجة أولىٰ وآخر درجة ثانية، فتغيب التعددية الثقافية؛ وعوامل ثراء المجتمع.
2. 2. 1.] اشتق لفظ "أقلية(!)" من مادة "قلل"؛ وهى عند صاحب لسان العرب "القلة  ضد الكثرة"، وعند الزمخشري "القلة والقل؛ كالذل والذلة"، وإذا أخذنا تعريف اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن تعريف الأقلية هو "جماعات متوطنة في مجتمع؛ تتجمع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة؛ تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدىٰ بقية السكان في مجتمع ما، وترغب في دوام المحافظة عليها"، وتتضمن الأقليات في العالم الغربي العديد منها، وفي العالم كله توجد ثمانية آلاف أقلية إثنية "عرقية"؛ و 7600 لغة. ويُعرٍف الباحث صلاح سعد الأقلية بأنها "جماعة من الناس تشكل عدديا أقلية بالمقارنة مع جماعة أخرى تعيش معها في وطن مشترك تشكل الأغلبية" . ولزيادة هذا التواجد والهجرة المنظمة أو غير الشرعية؛ ولعوامل آخرى خُلق في الشارع الغربي سلوكيات وأنماط معيشية لم يعتاد عليها الغربي، فصارت "فزاعة"عند بعض الحركات السياسية ذات التوجهات اليمينية. إن الحساسية التي تصاحب إثارة موضوع الأقليات ليست مقصورة علىٰ المنطقة العربية -العراق سوريا- أو الدولة التركية، فهناك الكثير من الحساسية تصاحب إثارة الموضوع عند الحديث عن الأقليات في إقليم الباسك بإسبانيا؛ وجزيرة كورسك في فرنسا.
3 .] سمحت الإدارة السياسية في الغرب بـ إنشاء وتشكيل وتكوين مؤسسات رعوية وتجمعات ثقافية، تربوية، إجتماعية تمارس أنشطة؛ لتفريغ مخزون أفراد الأقليات دون وجود مشروع "أيديولوجي" واضح المعالم ينفذ علىٰ مراحل بـ"إستراتجية" مدروسة، تجنىٰ ثماره بعد حين، لا أقصد هنا المفهوم والنطاق الضيق لتعبير "مشروع" كـ فتح مدرسة لـ عرق بعينه أو إنشاء روضة أطفال لأبناء لغة بعينها، وهذا المثالان وجدا: عندما زادت أعداد أفراد الأقليات يرافق هذه الزيادة المطردة إخفاق دور المصلىٰ، وأغفلت عن عمد التمثيل السياسي؛ والحوار المجتمعي؛ والتوعية الإعلامية بـ كافة أجهزتها. فتوقف قطار المشروع الحضاري لمواطن أساسي عند مكاسب وقتية؛ وتمكنت أفراد من تثبيت قدم أكاديمي أو تجاري في الوطن البديل، وينزعج الكاتب لـ عدم إحسان تأصيل علم الاجتماع السياسي الإسلامي تماماً كما أُصل علم الاجتماع السياسي الغربي.
3 . 1.] المسلمون وإشكالية : "المسجد" أم "الوطن"؛ أو بـ تعبير أخر إشكالية "الإنتماء" وإزدواجية "الهوية":
أهم متغير/فاعل فيما نرىٰ هو الطرف الثالث -الطرف الأول: مواطن أساسي؛ تخلى برغبته عن جنسيته أو أحتفظ بها وفق القانون أو سراً؛ أما الثاني حكومته- في المعادلة المتمثل في تنشيط وتحقيق مخططات/برامج دول خارج القارة الأوربية كان ينتمي إليها هؤلاء الأفراد ضد/مع مصالح دولته، فيوجد دعم مالي من حكومة تركيا لأتراك سابقين [من خلال تكتلات و أئمة مساجد]؛ وأيضاً حكومة مصر لرعاياها السابقين [يوجد تجمع؛ كما توجد لجنة  استشارية بالمكتب الثقافى المصرى بـ فيينا~جمهورية النمسا مكونة من عشر شخصيات: من بينهم رئيس الجالية القبطية؛ ورئيس اتحاد الجالية المصرية]؛ أضف حكومة عاهل المملكة العربية [يلاحظ تواجدها من خلال المراكز والمدارس]؛ مع ملاحظة عدم وجود رعايا لها في الغرب. الإشكال سيأتي من هذا التواجد الحي والمؤثر  حين تختلف وجهة نظر تلك الدول الثلاث -كـ مثال- ؛ ومصالحها والرؤى السياسية مع أتفاقهم في الدين وإختلافهم في الحضارة والثقافة، وهذا بالطبع لا يقلل من دور البعثات الدبلوماسية الرسمية ونشاط ملحقاتها كـ المكتب الثقافي أو التجاري أو العسكري.
المتجنسون؛ خدموا في العسكرية الغربية أو يتبؤون مراكز حساسة علمية وثقافية هم جزء من النسيج الغربي، وفي نفس الوقت ينتمون -بدرجات متفاوتة- إلىٰ الثقافة والحضارة العربية الإسلامية. الكاتب يؤكد علىٰ أنه " من حق الناس أن تعبر عن خصوصياتها الثقافية واللغوية بل والعرقية بما لا يتعارض مع أمن المجتمع، ولا يهدد قيمه أو يبدل تقاليده، وفي إطار المرجعية العليا للمجتمع -الدستور أو القانون-، وليس بمعنىٰ التطابق معها أو الذوبان، ولكن بمعنىٰ عدم ضرب الأسس التي تقوم عليها، فإن ذلك وغيره يحل الكثير من المشكلات في المجتمع المعاصر، هناك بالطبع مشاكل عرقية، ودينية ومذهبية، بل وثقافية أيضاً، كيفية علاجها الناجع يأتي بـ حوار راق مؤسساتي بكافة أجهزته مع فئات الشعب/الأمة؛ يلاحظ الكاتب أنه ضعيف إن لم يكن غائب؛ أو محدود الفاعلية، إذ يجب تثبيت مقاعد النخبة وأهل الفكر وأصحاب الرأي وليس رجال التجارة وملاك الحوانيت؛ وتوسعته وإنتشاره بين فئات القاعدة العريضة من الشعب/الأمة.
وينبغي هنا أن ندرك مجموعة من الحقائق : 
1.] المجتمع الذي تكون مرجعيته العليا هي الدستور مع إحسان تطبيق القانون تحت سقف توعية شاملة لكافة مناحي الحياة فإن مشكلة الأقليات العرقية والجنسية لن يكن له أي وجود يذكر، فلا يفرق بين أحد علىٰ أساس الجنس أو العرق أو اللون أو حتى اللغة والدين وكذلك لا يظلم علىٰ أي أساس؛ ولا يشعر أحد بظلال ظلم، أي أن العدل يسود حتىٰ مع من تكرههم. والملاحظة الجديرة بالتسجيل هنا أن عدداً كبيراً من العرقيات والجنسيات والشعوب والقبائل ساهمت في البناء الحضاري الإنساني، ونبغ أشخاص كقواد عسكريين، وعلماء دين وأكاديمين دنيا من الأقليات.
2.] أن نشأة المشاكل المرتبطة بالأقليات العرقية مرتبطة بأجندة حزبية أو كرد فعل علىٰ ظهور قوميات عرقية فـ عندما تحولت الفكرة القومية إلىٰ فكرة شوفينية، وأصبحت ذات طابع علماني -يلفظ الآخر بل ينكر وجوده- فإنها جرت مشاكل لا حصر لها، ومن البديهي أن العربي أو التركي لا يجد حساسية في الانتماء إلى الأسرة الغربية بل من هذه العرقيات من حمل لواء التشيد والبناء والعلم؛ ومازال. وحالنا اليوم: المنحنىٰ التواجدي أخذ اتجاها أكثر راديكالية وتحقيق المصالح الأنية والمنافع الضيقة بدلاً من الأبعاد الإنسانية اللائقة واللغوية والثقافية.
3.] في الإطار الأيديولوجي والإستراتيجي فان مفهوم الإنسانية يَحل مشكلة العرقية، ولكن طالما كان الأمر لا يزال بعيد المنال، وما دامت هناك -الآن- دولة/كيان ترعىٰ الإرهاب والتقسيم العرقي، فإنه يجب الاعتراف بالحقوق الثقافية للأقليات العرقية مع زيادة جرعة التعليم العام والتثقيف الذي يؤكد على الوحدة البشرية وعدم التفريق بينهم على أسس عرقية أو لونية أو جنسية؛ أو دينية مذهبية.
4.] ربما يبدو للوهلة الأولى .. أن المشكلة ستكون كبيرة بخصوص الأقليات الدينية والطائفية: وفي الحقيقة فان فكرة المفهوم الإنساني العام، والثقافة الحاضنة والحاوية لمفهوم الفرد الآدمي، والهوية الحضارية الجامعة.. هذه مجتمعة قادرة علىٰ حل تلك المشكلة، فـ الزعيم الوطني القبطي=المصري "مكرم عبيد" قال „ أنا مسيحي دينا؛ مسلم وطناً‟، وهذا التيار الذي عبر عنه مكرم عبيد كان هو التيار الرئيسي في الكنيسة المرقسية المصرية حتى عهد البابا كيرلس السادس المتوفى عام 1976 م، ويمكن لهذا الخط أن يعود وليصبح التيار الرئيسي فهذا مثال لهذا الخط الوطني، أما المثال الثاني: فـ لا تزال رموز هذا التيار موجودة مثل الأستاذ جمال أسعد الذي دخل انتخابات مجلس الشعب المصري علىٰ قوائم التحالف الإسلامي . 
السياسة الصحيحة لحل مشاكل الأقليات أو التقليل من آثارها السلبية هي العودة إلى المرجعية الإنسانية التي تملك مبادئ وقيم؛ وإعلاء قيمة الانتماء الحضاري، والانخراط في مشروع أيديولوجي وتفعيله، وأخيراً ضرورة ممارسة العدل وتحقيق الأنصاف وسياسية التعارف بين الشعوب والقبائل وليس الإقصاء والتهميش لأي عرق أو طائفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجعة : الأمية الفقهية/الفهمية
تحت عنوان  "حوار(*) الكبار & تلعذم الصغار"
 
سلسلة :7. 4. ] : في مكالمة تليفونية مسجلة لعدم قدرتي على رفع سماعة المحمول؛ تساءل الصديق الحبيب أيمن وهدان عن بعض الرموز التي أكثر من إستخدامها إثناء كتابة مقال لي من باب التقسيم والتبويب الداخلي عن كلمة :" تلعذم "؛ وقد نسيت -والخطأ مني- أن أذكر معناها؛ لذا وجب عليَّ التبيه مع الإعتذار .
والكلمة المذكورة في المقال 7. 4. ] لها معنيان؛ الأول هو :" تلعذم : عن الكلام : تردد حيرةً. " ؛ أما الثاني فهو : « ما تلعذم شيئاً » : أي ما أكل "، أما :" التَّلَعْثُمُ في الكَلامِ : فهو : التَّلَكُّؤُ ، والتَّأَنِّي . وهي مرادفة للتأتأة ، يقال : سأله المدرسُ فتلعثم في الإجابة . "
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
 
سلسلة بحوث
„  تمهيدية لمستقبل أمة غائبة  ‟
د .الْفَخْرُ؛ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ؛ مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ؛ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ؛ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
(يُتْبَعُ)
حُرِّرَ في يوم الأحد ١ من شهر ذي القعدة ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ۱٦ من شهر أغسطس عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
**

رؤيةٌ سياسيةٌ واعية & إرادةُ شعبٍ قوية
مثالاً: قناة السويس 2015؛ وتنمية محورها

عبقرية الإنسان؛ وخصوصية المكان؛ ومراجعة التاريخ

 

[ 1.] " إنه لمن دواعي السرور والبهجة أن يحتفل العالم بأسره مع مصر : رئاسة؛ وحكومة؛ وشعبا ؛ إذ سيحضر حفل الإفتتاح؛ غدا الخميس 6 أغسطس وفود رسمية من   102 دولة ".

[2.] تذكر دائماً ان العالم كله وطنك ؛ ولكن مصر هي حبك » ؛

[3.] قناة السويس لها أربعة أبعاد:

[ 1.] بعدٌ إنساني؛

[ 2.] بعدٌ زماني : تاريخي؛

[ 3.] بُعدٌ مكاني : جغرافيا.

[4.] البعد الإستراتيجي؛ المحوري.

البعد الأول: العنصر الإنساني/البشري؛ يصلح لنا أن نسميه :" مشروع القرن: تحدي التحدي"؛ وهو يعد إنجاز يرافقه إعجاز؛ وهذا ماتتميز به العبقرية المصرية؛ فالجين المصري؛ أو العنصر الوراثي لشعب تمتد حضارته لجذور 7 آلف سنة أو يزيد،  يشع القدرة على إنجاز غير محدودة عند المصري. فعظمة الإنجاز أدت إلى تحقيق الإعجاز من خلال :

[1.] منظور الفكر الهندسي المصري الخالص؛

[ 2.] تمويل بأموال مصرية خالصة خلال 8 أيام؛ (أربعة بنوك مصرية كان لها دور تاريخى فى جمع 64 مليار جنيه من أموال الشعب المصرى لإتمام مشروع حفر قناة السويس الجديدة، الملفت للنظر لمن تابع مشهد طرح شهادات قناة السويس بالبنوك، يجد أن أغلبية المودعين من المواطنين من كبار السن، ومنهم من لا يقوى على الحركة واستعان بأحد الأبناء والجيران ليحضر بنفسه ويضع «تحويشة العمر» فى مشروع قومى.)؛

[ 3.] وأيدي مصرية خالصة ؛

[4.] فتحقق المشروع في عامل زمني قياسي (عام واحد)

عبقرية المكان : تعني نقطة تلاقي مركزية بين ثلاث قارات هي أفريقيا واسيا أوروبا.

نتحدث بإيجاز عن البعد التاريخي

[ 1.]  قبل 3865 سنة في العصر الفرعوني؛ فكر المصري في عهد سنوسرت (الثالث ) عام 1850 ق. م، فـ انشأ أول قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق النيل سميت هذه القناة باسم قناة " سيزوستريس"  وهي تسمية  "إغريقية " لسنوسرت؛ أدى ذلك إلى ازدياد حركة التجارة مع مصر وبلاد بونت، وبين مصر وجزر البحر المتوسط مثل كريت وقبرص .

 [2. ] ثم في سنة 3334؛ جاء "سيتْي الأول" ملكا على مصر خلفاً لأبيه "رمسيس الأول" مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد اختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، ولكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 ـ 1300 ق.م.

[3.] الملك "نخاو" هو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، فكر في حفر قناة تصل بين النيل والبحر الأحمر؛ وحول هذا الموضوع يقول "هيرودوت" (القرن الخامس ق.م): "أنجب أبسماتيك نبكوس (نخاو) الذي حكم مصر وهو أول من شرع في حفر القناة التي تؤدي إلى بحر أروتوري (البحر الأحمر).

[4. ] العصر الفارسي: في عهد الاحتلال الفارسي لمصر، ظهرت أهمية برزخ السويس، حيث ازدهرت خطوط المواصلات البحرية بين مصر وبلاد فارس عبر البحر الأحمـر، وإبان حكـم "شاهنشاه داریوش" الکبیر مـلك الفرس من عام 522 ـ 485 ق.م الذي أعاد الملاحة في القناة، وتوصيل النيل بالبحيرات المرة، وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر. أي قبل 2537 سنة.

[5.] أما في العصر اليوناني والروماني؛ أي قبل 2347: قناة الإسكندر الأكبر (335 ق.م) عندما فتح الإسكندر الأكبر مصر عام 332 ق.م أشرف على تخطيط مشروع القناة لنقل سفنه الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر الدلتا والبحيرات المرة، كما بدأ تنفيذ مشروع قناة الشمال، إلا أن المشروعين توقفا لوفاته.

[5. 1. ] :" وفي القرن الثالث قبل الميلاد قام بطليموس الثاني " فيلادلفوس 285 ق.م" باستكمال هذه القناة وأصبحت ممتدة من النيل حتى "أرسناو" (السويس حالياً) ولكن البيزنطيين أهملوها فطمرتها الرمال.

[5. 2. ] وأثناء الحكم الروماني لمصر، وفي عهد الإمبراطور الروماني "تراجان ـTrajan عام 117 ق.م أعاد الملاحة للقناة، وأنشأ فرع جديد للنيل يبدأ من "فم الخليج" بالقاهرة، وينتهي في "العباسة" بمحافظة الشرقية، متصلاً مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة. واستمرت هذه القناة في أداء دورها لمدة 300 عام، ثم أهملت وأصبحت غير صالحة لمرور السفن.

[6. ] وقبل 1373 سنة في " العهد الإسلامي": عندما فتح المسلمون مصر في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" على يد "عمرو بن العاص" عام 640م أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد حفر القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس)؛ وأطلق عليها قناة أمير المؤمنين؛ وكان المشروع في واقع الأمر ترميماً وإصلاحاً للقناة القديمة؛ كان ذلك في عام 642م واستمرت هذه القناة تؤدي رسالتها ما بين 100 إلى 150 عاماً؛ إلى أن أمر الخليفة "أبو جعفر المنصور" بردم القناة تماماً، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي. ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل وأغلقت القناة حتى عام 1820. ثم حفرت بعد ذلك ولكن تغير مجراها وتغير اسمها إلى قناة السويس "".

البعد الزماني التاريخي يحتاج من أهل التخصص مراجعة ويتبنى هذه البحوث وزارات مصرية معنية وذات صلة بتاريخ مصر القديم والحديث وخاصةً ونحن نتحدث عن إنجاز وإعجاز حفر القناة 2015؛ وهذا التاريخ يربو على  3865 سنة؛ نحتاج إلى توثيق هذه المراحل .

البحث القادم «علاقة طبق مكرونة بحفر قناة السويس عام 1856»

الأمية الفقهية/ الفهمية
7. 5. ] القضية المصيرية & المسألة الفرعية الثانوية العارضة
 

يكاد يتفوه بها الجميع؛ دون إدراك مدلولها؛ أو إستيعاب مفهومها: رجال دولة/الوسط السياسي؛ أو مَن يقتعد كرسي وزارة؛ ورؤساء أحزاب؛ ومديرو مؤسسات حكومية وأهلية؛ أو ربة البيت؛ وعامل المقهى؛ ومنظمات حكومية وشعبية؛ أو رجل الشارع.. حين يتحدثون عن :"القضية المصيرية".
فـ في حياة الإنسان ملايين المسائل وآلاف القضايا، وهي على كثرتها يمكن أن تصنف في بابين اثنين:
مسائل عارضة فرعية ثانوية، وقضايا مصيرية. أو: موضوعات دنيوية، وموضوعات أخروية.
حادثة تعبر عن الباب الأول: مسألة تأبير النخل، فـ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه :« أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مَرّ بِقَوْم يُلَقِّحُونَ، فقال: لو لم تفعلوا لَصَلُحَ، قال: فخرج شِيصاً. قال: فمرَك بهم، فقال: ما لِنَخْلِكم؟ فقالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم »(1) [أخرجه مسلم].
فهذه مسألة دنيوية؛ فرعية ثانوية ترتب عليها خسارة مادية؛ إذ أن الرسول الأعظم ليس من أهل الزراعة؛ وهم من أهل الفلاحة والتخصص؛ وهي ليست قضية مصيرية؛ أما المثال الثاني :" قَدْ ثَبَتَ فِي السِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ :« أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْمَنْزِلِ (موقع عسكري). فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ؟؛ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلَا نَتَأَخَّرَهُ؛ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" بَلْ؛ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ"، قَالَ :" فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ؛ انْطَلِقْ بِنَا إلَى أَدْنَى مَاءِ الْقَوْمِ ». وهنا يأتي دور القادة العسكريين المحنكين؛ أهل المعرفة الخبرة. (2)
أما المثال الواضح في القضية المصيرية؛ فهو طَلَبُ أَبِي طَالِبٍ إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَفَّ عَنْ الدَّعْوَةِ (الإسلامية في مرحلة مكة) وَجَوَابُهُ لَهُ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ؛ قَالَ : فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ ، مَا تَرَكْتُهُ، قَالَ : ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ : أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ، فَوَاَللَّهِ لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا.(3).
الحادثة الثانية والمتعلقة بالقضية المصيرية: الرَّسُولُ وَبِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ؛ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش فوالله، لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة» ثم قال: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟».
فالشاهد في الرواية الأولى قوله عليه السلام :"أَهْلِكَ فِيهِ"؛ والشاهد في الرواية الثانية :" تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ "؛ وأشار إلى صفحة عنقه، الرواية التالية تكشف الرواية الأولى وتبين الثانية :" مَشْيُ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ ثَالِثَةً بِـ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ؛ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا حِينَ عَرَفُوا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامَهُ، وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتِهِمْ، مَشَوْا إلَيْهِ بِـ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا لَهُ - فِيمَا بَلَغَنِي - يَا أَبَا طَالِبٍ، هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَنْهَدُ فَتًى فِي قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ فَلَكَ عَقْلُهُ وَنَصْرُهُ، وَاِتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ، وَأَسْلِمْ إلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا، الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ، وَسَفَّهُ أَحْلَامَهُمْ، فَنَقْتُلَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلِ؛ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي؛ أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ، وَأُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ هَذَا وَاَللَّهِ مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ : فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ: وَاَللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ، وَجَهَدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُهُ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا؛ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ: وَاَللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي، وَلَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عَلَيَّ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، أَوْ كَمَا قَالَ . فَحَقَبَ الْأَمْرُ ، وَحَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، وَبَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا . "(3)
والشاهد الواضح هنا من الرواية الأخيرة قول عم الرسول :" أُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ ". وهذه أمثلة عن القضية المصيرية التي يجب أن يتخذ حيالها إجراء الحياة او الموت؛ كما قال رسول الإسلام وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين.
الموضوع الذي في الدنيا، إذا امتد أثره إلى ما بعد الموت فهذا موضوع أخروي، وبالتعبير المعاصر: موضوع مصيري. أما الموضوع الذي ينقضي بانقضاء الدنيا، فهذا موضوع عرضي، ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا.
ولغياب تصوّر ذهني واضح؛ أو إدراك عقلي لمفهوم المسألة الفرعية الثانوية العارضة، أو تعريف القضية المصيرية يتم الخلط بينهما؛ فمدير المؤسسة التي أوشكت على الإفلاس، أو عامل المطعم الذي يشترى مواد غذائية منتهية الصلاحية لزيادة الربح؛ أو الوزير الذي يعلم بفساد إدارة وزارته؛ هذه وما شابهها ليست قضايا مصيرية بل مسائل عارضة؛ مع ملاحظة عدم إختزال المسألة في شخص فاسد؛ أو جهاز، فهذا كالخلية السرطانية سرعان ماتنتشر في جسد الأمة ومفاصل وأعضاء الشعب، وتحتاج إلى تصحيح، هؤلاء بخلاف رجل الدولة؛ وزعيم أمة الذي يعلم بقرب فناء موارد الدولة لإعاشِت أفراد شعبه أو عدم قدرته على إدارة شؤون رعيته لجلب المصالح ودرء المفاسد.
نعرّف القضية المصيرية بـ "أنها أمر يستلزم إجراء الحياة أو الموت تجاهها". والمسألة الثانوية الفرعية العارضة تستلزم حكمة وتعقل في معالجتها؛ وقوانين ولوائح؛ ومراجعة ومتابعة وتحقيق وتدقيق.
من يعتدي على نفسك/عرضك/شرفك أو يأخذ مالك، فتحمي جسدك أو تحافظ على شرفك وتصون عرضك وتبقي على مالك فقتلت؛ فأنت قمت بإجراء الحياة أو الموت تجاه قضية.(4)
فالمسائل الخلافية/المذهبية/السياسية أو بعض من المسائل العلمية لا تندرج تحت القضايا المصيرية بل توضع تحت المسائل الفرعية الثانوية.
فالزوجة التي اكتشفت خيانة -دون الزنا- زوجها لها لا يصح لها تقطيع أوصاله ودسها في أكياس نايلون سوداء وتوزيعها على أنحاء المدينة، هناك عدة أسباب وتوجد عدة معالجات لخيانته. الوزير الذي عرف بفساد أحد موظفي إدارته لا يحق له أن يقطع رقبته ويعلقها في ميدان التحرير؛ كما لا يكتفي بقطع رزقه؛ ليشرد أسرته بل يبحث عن دوافعه ويعالج قصور الدولة في تحسين معيشة أفرادها.
القضية المصيرية لشعب ما؛ أو أمة هي فناء هذا الشعب وانقراضه من فوق البسيطة، لسوء الإدارة السياسية في كافة مفاصل الحياة؛ إذ أن العلاقة وثيقة وعضوية وقديمة بين السياسة والإقتصاد فمعظم الحروب والمشاكل السياسية بين الدول تقع بسبب النزاعات الإقتصادية على الأرض والحدود أو بسبب الماء/البترول/الثروات الطبيعية المختلفة؛ والتي تنتج عنها المشاكل والقضايا الإجتماعية كالفقر والبطالة والهجرة والنزوح والأزمات المالية؛ فهذه الثلاثية: (1)القضايا الإقتصادية التي تؤثر على (2)القضايا السياسية فتتبع الإثنين (3)القضايا الإجتماعية.
انتهى عصر الايديولوجيات بسقوط دولة الخلافة العثمانية تلتها سقوط الإتحاد السوفيتي؛ وبروز واستنفار تيارات(5) العنف كـالقاعدة التي كانت مدعومة من امريكا اثناء التدخل السوفيتي في افغانستان؛ ومَن شابهها أو سار على منوالها، ثم بدء في القرن الحالي عصر هيمنة القطب الواحد -امريكا- ثم بدء يتراجع لظهور لاعبين جدد في العالم كالصين مع غياب تام لدور العرب على الخريطة السياسية او الجغرافية؛ والتجربة "الصفرية:(0)" لجماعة الإخوان في مصر؛ فهذه الحالة أزمت المسألة، فاختلط عند الكثير مسألة فرعية سياسية كسقوط جماعة أرادت أن تحكم شعباً على طريقتها؛ فرفضها الشعب ووقف بجواره مصدر قوة (الجيش) وبين قضية مصيرية كـ القضاء على الهوية الإسلامية لشعب، والعقيدة الإيمانية لأمة؛ ولعل الإدارة السياسية المصرية الجديدة -2015- قد تعيد دورا مصريا إقليميا وعالميا إذ تؤشر بعض المقدمات لهذا التحرك، والذي يصحح المعادلة ما سطره د. الببلاوي في كتابه الأخير :"المراجعة الشعبية".
«الاسـتراتيجية مصطلح عسـكري بالأساس وتعني الخطة الحربية، أو هي خطـط توضع لتحقـيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على التخطيطات والإجراءات في استخدام المصادر المتوفرة في المدى القصير». وكلمة تكتيك يونانية، وتعني فن تنظيم الجيش أو فن استخدام الأسلحة والوحدات العسكرية لتحقيق الاسـتراتيجية بأفـضل طريقة. فإن الاسـتراتيجية هي الخطة الشـاملة للوصول إلى الهـدف الأكبر، والـتكتـيك هـو الخطـط المرحلية في تنفيذ تلـك الخطة. وهكذا تكون الاسـتراتيجية خطة لما نسـميه «القضايا المصيرية» المرتبطة أو المنبثقة من الإيديولوجيا، والتكتيك خطة لتحـقـيق القضايا المرحلية أو المؤقتة. ونتسـاءل: هـل لدى العرب اسـتراتيجيات أو قضايا مصيرية؟، أو حقا لديهم أيديولوجيا!؟، إذا كان الجواب «لا» فياأسفاه، وإذا كان «نعم» فإن الخطط المرحلـية يجب أن تكون كلها في خدمة هذه الاستراتيجية؛ لتفعيل تلك الأيديولوجيا؛ أو مانسميه "المبادئ الأساسية لكيان أمة".
خلال العقود الماضية من خلال سماع/متابعة خطابات/لقاءات/احاديث سواء ما كان منها صدقاً او تضليلا، كان يستعمل مصطلح المعركة المصيرية عند الحديث عن القضية الفلسطينية -مثلاً- والصراع العربي الصهيوني؛ ودائماً كانت هذه القضية توصف بأنها القضية المركزية حتى عندما كانت هذه القضية تتلقى الهزائم من اهمال أو انشغال بالخطابات دون استعدادات أو أي أسباب أخرى. لكننا اليوم نجد أمامنا خارطة من المعارك المصيرية ليس من بينها معركة لتحرير القدس؛ والبداية فلسطينية حيث معركة «الدولتين» مع بعضهما البعض؛ ولو كانت المعركة المصيرية مع الاحتلال لكان جهد «السلطتين» موجهاً من كل سلطة لاختها، ولما كان الاتفاق مع اسرائيل ممكناً اكثر من اتفاق بين فتح وحماس. اليوم المعركة المصيرية في سوريا مع المعارضة والتنظيمات المتطرفة ودول اخرى داعمة لها؛ والمعركة المصيرية لدول الخليج هي سوريا واسقاط نظامها، أو ضد الحوثيين في اليمن، وايضاً معركة قوى اليمن ضد السعودية وحلفاءها، والمعركة المصيرية لمصر الارهاب والاخوان، ولبنان معركة الدولة الحفاظ على امنها ومعركة حزب الله على الارض السورية، وفي العراق هناك معركة مصيرية لكل طرف، فالسُنّة لهم معاركهم، والشيعة لهم معاركهم وكذلك الاكراد. وفي ليبيا مجموعة من المعارك المصيرية للدولة ولكل مجموعة من (البكبات) المدججة بالأسلحة معركة، ولتونس معارك ضد الارهاب، وفي السودان معارك مصيرية مع الجنوب... وقبل وبعد الإتفاق النووي معارك مصيرية بين إيران والعرب؛ سلسلة لا تنتهي من المعارك المصيرية التي ليس من بينها معركة مصيرية ضد الاحتلال؛ أو الفقر أو الجهل أو الأمية الفقهية/الفهمية والطرف الوحيد الذي له معركة مصيرية حول فلسطين والقدس هو الكيان الصهيوني الذي يعمل بجدية ويمارس التهويد والاستيطان، ويعمل باحتراف على افشال كل المحاولات الخجولة لايجاد حالة تفاوض. وحتى مصطلح القضية المركزية فقد اصبح لا قيمة له فلكل منا قضيته المركزية حتى القوى الفلسطينية التي تحكم ولها وزراء وعلى سياراتها لوحات ارقام رسمية، واحياناً نجد القضية المركزية لزعيم ثوري مهما كان لونه السياسي حماية استثماراته سواء كانت في عاصمة عربية أو اجنبية.
أم القضايا المصيرية : قضية المرأة: أشغل الغربُ صاحب المبدأ الرأسمالي العربَ ويجاورهم العالم الثالث بقضية المرأة: تعليماً وتثقيفا وتحريرا وفق الحريات الأربع؛ والتي هي أسس النظام الديموقراطي. فقد طرح الرئيس الامريكي جورج بوش مبادرة الشرق الاوسط الكبير لاول مرة اثناء مباحثاته مع المستشار الالماني جيرارد شرويدر ومن ثم عرضه على قمة الدول الصناعية الثمانية التي انعقدت في شهر حزيران في Sea Island بجورجيا. تتضمن مبادرة الشرق الاوسط الكبير القيام بالاصلاحات الاساسية في برامج التعليم، وعقد ورشات عمل حول المرأة والقيادة.
ثم تـأتي قضية كونية: تهم كل دول العالم وهاجسا للعلماء والسياسيين، وقلقاً لافراد الشعب، بل انها اصبحت من القضايا المصيرية ذات الصلة المباشرة بمستقبل الحياة على الكرة الارضية: التغيرات المناخية كالتلوث المناخي والبيئي؛ قضية تلوث الغلاف الجوي، وتلوث الهواء من أجل تخفيض انبعاثات سيارات المواطنين وبالتالى يقلل من عوادم السيارات وتقليل تلوث الماء أو الغذاء بالعبث الجيني، أو إرهاب دولة –سوريا؛ ومنذ خمس سنوات- أو جماعة –ما تسمى بـ الدولة الإسلامية؛ ومَن يتعاون معها أو يساندها؛ ويحاربها دول التحالف- أو حزب -يميني-؛ والإرهاب يصح لي أن اقسمه إلى إرهاب فكري أو إرهاب إقصائي أو إرهاب تصفية.. وهذه قضايا مصيرية.. وليست مسائل فرعية ثانوية.
منذ بداية زمن -الخمسينات من القرن المنصرم- زمن استقلال الدولة العربية فقدنا القدرة على الحوار بيننا أو صياغته، أو فنه؛ ناهيك عن ثقافته؛ فنشأ في داخل جيل قديم إما يسيطر على الآخر مع إذلاله؛ أو ينبطح أمام الآخر القوي؛ مع شعوره بالنقص، وبينهما وجد رويبضة يسعى لإشغال مكان -ما وبأي ثمن- تحت الشمس.
الفريضة المصيرية الغائبة في التراث : غياب الدراية عن عالم التراث كان هو القضية المصيرية التي واجهت الأمة الإسلامية منذ بدء فيها الحواشي/التراجع/التخلف/الإنحطاط.؛ إذ أن التراث؛ لا أعني الإنتماء الحضاري إلى الماضي وحده من غير أن يكون له ارتباط مباشر بالحاضر والمستقبل؛ فالمجموع الفكري والثقافي –الإمتداد الحضاري– ليس أمراً مضى وانقضى بل هو كذلك مادة للحاضر والمستقبل على حد سواء فصار البعض غرباء -لإلتصاقهم بالماضي (السلف) دون إعمال عقل أو تفعيل إدراك في الموروث الثقافي/الفقهي/العلمي- عن وقائع حياتهم المتغيرة؛ فقد عبر الأديب العربي الكبير عبدالله بن المقفع الذي عاش في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي عن ظاهرة (تقديس التراث) في كتابه "الأدب الكبير"؛ ورفض التقليد الأعمى وتقديس التراث، وهذا لا يعني أن يتخذ ذلك ذريعة للتحلل من المرجعية الإسلامية في الضبط والربط الفكري لدى المسلمين عامة، فالإسلام بإطاره القيمي وثوابته القاطعة هو الأساس؛ والمرجع الذي لا يجوز أن يتقدم عليه أي مرجع آخر.
وأخيراً: وسائل الإعلام العربي لا تتناول القضايا المصيرية بموضوعية وحياد الى حد بعيد، ذلك أن لديها أجندة خاصة تتوافق مع من يمولها أو من يدير سياستها، فـ الإعلام المصري قد أسهم في دعم التغيير في مصر، لكنه لم يكن منصفًا للجميع، إذ أن انتشار الأفكار المتطرفة في البلدان العربية مرتبط بالفقر وقلة الوعي وغياب الأمن وسياسة الراعي والقطيع، و »ثورات الربيع العربي« قد كبدت دولها خسائر فادحة تزيد على تريليون دولار منذ 2011 وحتى الآن، مما أثر سلبا ليس على الدول المعنية فقط، بل على دول الجوار أيضا التي تحملت أعباء اللجوء تارة، أو الهجرة والبحث عن فرص عمل أفضل تارة أخرى، ولديَّ قلق من تحول الإعلام العربي لدور طائفي خطير..
معظم أعلامنا العربي وإعلاميينا العرب يُديرون منظمة العمل الإعلامي بمنظور إعلامنا في الستينيات والسبعينيات والحرب الباردة وتوخي المؤامرات، والخوف من نشر الحقائق، ناهيك عن ظهور عدم الاكتراث بحق الجمهور في المعرفة، كأنه يمن على المشاهد/المستمع/القارئ بما تعطيه زمرة الصحفيين من معلومات، لا بما يبحث هو عن حقائق. الإعلام العربي أيضا تحول لدور طائفي خطير، حين أصبح يتحدث بأسم طوائف وعقائد وأصبح يوجه كل برامجه حتى أخباره نحو هذا المنحىٰ، وهو ما يهدم ويفرق شعوب المنطقة -صرة العالم- ويمزق أبناء الدين والثقافة الواحدة. نعترف أن الفكر المتطرف صنيعة الفقر وقلة الوعي وديكتاتورية السلطة أو الرأي (الفكر). فـ« الثورات العربية» جاءت بالإرهاب -ليس قصداً ولكن كردة فعل عدم تحقيق ما طمحت إليه الشعوب- الى المنطقة حيث باتوا -الإرهابيون- يفرضون اجنداتهم الفكرية المتطرفة بالقوة على المناطق التي تخضع لسيطرتهم.. فضلا عن استهدافهم للممتلكات الآثارية التاريخية والثقافية بشكل فعلي كما حدث مؤخرا في العراق وسوريا وعلى مرآى ومسمع من اليونسكو؟.
وما عند القاعدة -التي بدأت تتلاشى- ووريثتها "داعش" الآن، لا يمكن وصفه بفكر أو نظريات أو نهج ديني، بل هو مجرد حركة قرصنة ممنهجة لديها مصالح؛ وتحركها مصالح دول، وتخدم أغراض بعينها، وأينما وجدت تلك الأغراض والمصالح تشكلت أفكارهم وفقا لها. فأصحاب الفكر دائما مقتنعون بفكرهم وثابتون على مبادئه، لكن هؤلاء مبادئهم الأساسية مصلحتهم السياسية بغض النظر عن الفكر أو التنظير. فالداعشي أولى به محاربة نظام بشار، لكنه تعاون معه في إسقاط المعارضة الحقيقية، نظير حصوله على سلاح ودعم لوجيستي ومادي. وكانوا أقرب إلى إسرائيل والجولان لمحاربة عدو عربي وإسلامي لا يختلف عليه عاقل، لكنهم توجهوا شمالا لغزو بلد مسلم وقتل أبنائه، فأي فكر في هذا!!، غير الإرهاب والدم وتفريق الأمة الواحدة والإسلام منهم براء.
ويحق لنا أن نتساءل :" الى أي مدىٰ يمكن أن يسهم ذلك في تراجع المشهد الثقافي في تلك البلدان؟"؛ وكيف يمكننا أن نشرح لأجيال قادمة مثل هذه الأفعال القذرة؟؛ وماهي الضرورة الأيديولوجية/الميدانية/الإستراتيجية التي تخول لهؤلاء مثل هذه الأفعال؟. فكل زمان/مكان وجدت قراصنة؛ وقراصنة اليوم مَن يملكون التكنولوجيا الحديثة وأدواتها.
كل تلك العوامل لا تسهم فقط في تراجع المشهد الثقافي والتاريخي، بل تسهم في تشويه صورة المسلم -وليس الدين الإسلامي- أكثر عن ذي قبل، ويُظهر أنه يذبح تحت راية « لا اله ألا الله» .
المنطقة العربية اليوم إزاء هجمة عنيفة لفكر متطرف مدعوما بقوة السلاح!، فيجب توعية الناس والشباب -ببرنامج يوضع من كافة مؤسسات الدولة- بأن مثل تلك الحركات ليست دينية أو فكرية، بل هي حركات سياسية -لا فكر لها- تبحث عن مكاسب ولا تنوي أي خير للإسلام أو العروبة أو الإنسانية.
والأكثر تأثيرا اليوم بالطبع التلفزيون حيث تجذب الشاشة كافة أنواع الجماهير مع اختلاف مستواهم التعليمي والثقافي والمهني.
قضايا مجالها اجتماعي/عالمي. يوجد ما لا يقل عن ثلاثة أبعاد فطرية أساسية بين البشر؛ سكان هذه المعمورة: وهي "المعارف الفطرية" و"الأحاسيس الفطرية" و"الاتجاهات الفطرية" حيث إن من بعض مزايا مجال حقوق الإنسان شموليتها لتلك الأبعاد الفطرية الثلاثة: (1) المعرفية و(2) الأحاسيس و(3) الاتجاهات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع :
(1) :" بَاب وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعَايِشِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الرَّأْيِ: قَالَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ :" مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ "؛ فَقَالُوا:" يُلَقِّحُونَهُ؛ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى، فَيَلْقَحُ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :ط مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا "؛ قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ:" إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ". [صحيح مسلم]. وجاء في شرح النووي على مسلم : وَفِي رِوَايَةٍ : إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ ِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ "، وَفِي رِوَايَةٍ :" أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ "؛ قَالَ الْعُلَمَاءُ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مِنْ رَأْيِي " : أَيْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَمَعَايِشِهَا لَا عَلَى التَّشْرِيعِ ".
(2) :" أحكام القرآن؛ محمد بن عبدالله الأندلسي؛ ابن العربي؛ المسألة الثالثة من مسائل : وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "، دار الكتب العلمية؛ دون ذكر سنة النشر".
(3):" السيرة النبوية؛ ابن هشام؛ عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري؛ مؤسسة علوم القرآن؛ دون ذكر سنة النشر"
(4) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟؛ قَالَ:" فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ "؛ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ ؛ قَالَ :" قَاتِلْهُ " . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ :" فَأَنْتَ شَهِيدٌ " . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ :" هُوَ فِي النَّارِ" [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] . "
حماية العرض :" عَنْ أبي هريرة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ. [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] "
وأوضح المسألة فقال :" عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ عَيْنَيْكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ". [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] "
[1.] حماية الجتمع :" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَضَعَهَا وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] "؛
:" وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا :" مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ قَدْ وَجَبَ دَمُهُ".
[2.] حماية المجتمع :" عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَزَادَ : " وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ".
:" وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ:" بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ] . "
ثم جاء التفصيل :" عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ] "
توضيح للحديث السابق:" وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ :" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمِنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" [ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَالضِّيَاءُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِلَفْظٍ جَامِعٍ ، وَهُوَ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ] . "
(5) يستخدم الكثير من كتبة الصحافة تعبير التيارات "الاصولية" ويقصد بها تلك الجماعات التي تستخدم العنف لتحقيق أهدافها؛ وهذا خطأ أو تقليد للصحافة في الغرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يُتْبَعُ)

الأمية الفقهية / الفهمية
7. 4. ] "حوار(*) الكبار & تلعذم الصغار"

[ ۱. ] مفارقةٌ فاضحةٌ كاشفةٌ في عدم التناسبِ الشديد بين ما يتجلىٰ في القرآنِ الكريم -وحي رب العالمين؛ المحفوظ من لدن خبير عليم- من عناية فائقة بمسألة الحوار، وبين انخفاض وتقلص مستويات الحوار بين المسلمين، المفارقة تكشف عن خللٍ فكري وثقافي وتربوي أصاب العقل الإسلامي بشلل؛ وتبَلَّدِ الإدراك الشعوري العام لما يزيد علىٰ مليار ونصف المليار؛ فصاروا كأنهم يعيشون في جزر متناثرة في محيط هائج، فأحدث -هذا الخلل والتبلد- مثل هذه المفارقة التي هي بحاجة إلىٰ معالجة فكرية تأصيلة؛ وثقافية تأسيسة؛ يرافقهما عملية تعليمية للكبار وتربوية للصغار .
[ ۱. ٢. ] المفارقة اللافتة الثانية المخزية هي ضعف قدرات فتح مجالات متعددة ووسائل حوار مع الآخر، سواء أكان الآخر يعتنق عقيدة تخالف عقيدة الإسلام أو يتبع منهجا يعارض شريعة المسلمين .
[ ۱. ٣. ] قرعت أذاننا مسميات جوفاء مثل : "حوار الحضارات"؛ "حوار الأديان"؛ "حوار الشمال والجنوب"؛ "الحوار الأورُبي"، "الحوار العربي"؛ "الحوار المجتمعي"، وما نراه اليوم؛ من نزف لا يتوقف؛ وسيل هادر من المؤتمرات والندوات والاجتماعات في نواحي العالم يبرز أهمية الحوار، بيد أنه لا ترىٰ ثمرة له ـ
[ ٢. ] إنّ التدبّر في كتاب الله تعالىٰ يكشف لكل ذي لبّ أن الحوار هو الحقيقة الظاهرة في آيات الله تعالىٰ، وهذا الحوار يتكشّف في الخطاب الإلهي مع جميع الكائنات؛ فالله تعالىٰ هو الخالق وهو المدبّر، وهو الهادي، كما قال الله تعالىٰ: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ [آيَةُ :"٥٠"؛ سُورَةُ „طه ‟؛ رقمها : "٢٠"]؛ وممّا لا شكّ فيه أن إعطاء الخلق يستتبع إعطاء الهدىٰ لعلمه سبحانه وتعالىٰ بما خلق وقدرته عليه، وإحاطته به. وانطلاقاً من ذلك، نرىٰ أن الحوار في القرآن هو مما تقتضيه حقيقة الخلق والهداية وخاصة مع الإنسان، الذي هو خليفة الله في أرضه، والذي استحق أن يكون موضوعاً لخطاب ربّه، وقد خوطب هذا الإنسان بما هو عبد لله وخليفته في الأرض، كما قال الذي سما في علاه وتقدست اسماه : ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ [آيَةُ :"۳٠" ؛ سُورَةُ „البقرة ‟؛ رقمها : "٢"] .
[ ٣. ] تعريف الحوار: "حَورَ" له معاني عدة : أحدها: لون : يعني: الحور في العين وغيرها. والآخَر: الرُّجوع عن الشيء وإلى الشيء؛ والثالث: أن يدور الشيء دَوْراً. فأصل كلمة حوار الرجوع ، ومنه قول الله تعالى ذكره ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [آيَةُ :"۱٤" ؛ سُورَةُ „الإنشقاق ‟؛ رقمها : "٨٤"]. ومنه حديث: «وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ ، أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ » (الإمام مسلم، في صحيحه؛ كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، ج 1 ص 80) . ويقال حار إلى الشيء وعنه حورا ومحارا ومحارة رجع عنه وإليه. وكُلّ شيء تغير من حال إلى حال فقد حار. وحاورته: راجعته الكلام، وهو حسن الحوار، كلمته فما رد عَلَيَّ مَحُورَةً (ابن منظور: لسان العرب؛ جار الله الزمخشري: أساس البلاغة ج 1 ص 221.) . وقد ذهب آخرون إلى أن المعنى اللغوي لكلمة حوار هو : المجاوبة والمجَادَلة والمرَاجَعَة (يحيى بن محمد زمزمي، الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة ص 32.) .
[ ٣. ۱. ] اصطلاحا: الحوار هو أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين، وقد يصلان إلىٰ نتيجة وقد لا يقنع أحدهما الآخر ولكن السامع يأخذ العبرة ويُكَوِّنُ لنفسه موقفا. (عبدالرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية وأساليبها: ص 206.)
[ ٣. ٢. ] قيل هو محادثة بين شخصين أو فريقين، حول موضوع محدد لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلىٰ الحقيقة أو إلىٰ أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر بعيدا عن الخصومة أو التعصب، بطريقة تعتمد علىٰ العقل والعلم، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت علىٰ يد الطرف الآخر (بسام عجك: الحوار الإسلامي المسيحي؛ ص 20.)،
[ ٣. ۳. ] قيل الحوار هو أدب تجاذب الحديث بشكل عام. (ديماس محمد راشد، فنون الحوار والإقناع ص 11.)
ونرىٰ أن الحوار هو عملية نقاش بين طرفين بصورة عقليةفيحاول كل منهما تسويق حديثه من زاوية علم ما يراه واقتنع به، محاولا دعم موقفه بأدلة استدلالية يقينية أو ظنية؛ ومراجعا لخصمه في منطقه وفكره بتبيان ضعف حجته، قاصدا كشف الحقائق وتقريرها من وجهة نظره.
[ ٤. ] وتحددت هذه الصور النقاشية ونماذج المحادثة في أربعة حوارات رئيسة:
[ ٤. ۱. ] الأول حوار الله سبحانه مع الملائكة بوصفه أول حوار شرحه لنا القرآن ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [آيَةُ :"٣٠" ؛ سُورَةُ „البقرة‟؛ رقمها : "٢"].
[ ٤. ٢. ] حوار الله جل شأنه مع إبليس اللعين؛ وهو الحوار الثاني في الكتاب المجيد، ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [آيَةُ :"١٢" ؛ سُورَةُ „الأعراف ‟؛ رقمها : "٧"] .
[ ٤. ۳. ] الثالث حوار الله جلت قدرته مع آدم بوصفه أول حوار بين الله والإنسان،
[ ٤. ٤. ] الرابع حوار الأنبياء مع أقوامهم.
وتحدد ثلاثة نماذج:
[ ٤. ٤. ۱. ]. حوار الرسل مع أقوامهم؛ وهذا كثير جداً؛ كحوار نبي الله نوح مع قومه بوصفه أول حوار أشار إليه القرآن بين نبي وقومه،
[ ٤. ٤. ٢. ] وحوار نبي الله إبراهيم مع قومه بوصفه أبي الأنبياء، وفي ذريته وضعت النبوة،
[ ٤. ٤. ٢. ١. ] حوار الأنبياء مع أهليهم ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [آيَةُ :"٤٣" ؛ سُورَةُ „هود‟؛ رقمها : "۱۱"].
[ ٤. ٤. ۳. ] وحوار نبي الله موسى مع قومه بوصفه أوسع حوار أشار إليه الكتاب المجيد.
ونستقرأ القواعد والمبادئ المستنبطة من القرآن الكريم والناظمة لمنهج الحوار بين الناس على تعدد وتنوع دياناتهم ومذاهبهم؛ لغاتهم وألسنتهم؛ قومياتهم وأعراقهم. وتفرد القرآن الكريم بحوارات ذات دلالة منها :
[ ٤. ٥. ]حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه.
[ ٤. ٥. ۱. ] حوار خليل الرحمن مع ربه؛
[ ٤. ٥. ٢. ] حوار كليم الله مع ربه (العصا)؛
[ ٤. ٥. ٤. ] حوار عيسى عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [آيَةُ :"١١٦" ؛ سُورَةُ „المائدة‟؛ رقمها : "٥"].
[ ٤. ٥. ٥. ] حوار كلمة الله وروحه مع ربه لـ إنزال مائدة من السماء على الحواريين؛
[ ٤. ٥. ٦. ] حوار زكريا مع ربه
[ ٤. ٦. ] حوار العبد الصالح مع الكليم عليه السلام؛
[ ٤. ٧. ] حوار الإنسان مع غير الإنسان (المخلوقات الأخرى): كحوار نبي الله سليمان مع الحيوان (الهدهد) ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ﴾ [آيَةُ :"٢٢ " ؛ سُورَةُ „النمل‟؛ رقمها : "٢٧"] .
[ ٤ .٧. ۱. ] حوار نبي الله سليمان مع العفريت؛
[ ٤. ٨. ] حوار إبليس مع آدم؛
[ ٤. ٩. ] حوار الشيطان مع من اتبعه من بني الإنسان.
[ ٤. ۱٠. ] حوار بعض البشر مع مالك (جهنم).
[ ٤. ١١. ] حوار الأنبياء مع الملوك والحكام الطغاة والجبابرة وهذا أيضا في عشرات المواضع كما في قصة موسى عليه السلام مع فرعون.
[ ٤. ١٢. ] حوار الله مع الإنسان كإنسان،
[ ٤. ۱۳٠. ] حوار الإنسان مع الإنسان: كحوار أهل الجنة والنار، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [آيَةُ :"٥٠" ؛ سُورَةُ „الأعراف‟؛ رقمها : "٧"].
[ ٤. ١٤. ] حتى ذكر الله حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [آيَةُ :"٢١" ؛ سُورَةُ „فصلت‟؛ رقمها : "٤۱"].
إن هذا التنوع الخلاق في القرآن الكريم والسنة النبوية في موضوعات الحوار ومضامينه وأطرافه، وزمانه: ما بين الدنيا وعالم الآخرة، وفي أماكنه المتعددة، يغني المواقف ويثيرها، ويعمق الدلالات، ويعرضها في لقطات فنية متعددة تغني طرق الأداء القرآنية. وفي القرآن الكريم نصوص كثيرة متشابهة كلفظ الجدال؛ والمخاصمة؛ والمحاجة . لكن لفظ الحوار له خصوصية ومزية، وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الحوار، وإنما ورد الفعل حاور والمصدر التحاور وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم في الآيات التالية:
[ ۱. ] ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [آيَةُ :"۳٤" ؛ سُورَةُ „الكهف‟؛ رقمها : "١٨"] .
[ ٢. ] ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [آيَةُ :"۳٧" ؛ سُورَةُ „الكهف‟؛ رقمها : "١٨"] .
[ ۳. ] ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [آيَةُ :"۳٤ ١ " ؛ سُورَةُ „المجادلة‟؛ رقمها : "٥٨"]، ولفظ الحوار في القرآن غير مقيّد، والله عز وجل سمى فعل المرأة "مجادلة" وهي تذكر زوجها وأطفالها، ولما اشترك معها النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفعل "محاورة". ومن ألصق معاني الحوار أو الحَوْرِ هو التردد والرجوع، وذلك يكون بالذات أو بالفكر ومنه «اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَور »(صحيح مسلم)؛ أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو النقص في الحال بعد الزيادة. والمحاورة، والحوار هي المراددة في الكلام ومنه التحاور. فالحوار فيه معنى ترداد الفكر في العقل؛ والأخذ والرد، وفيه معنى الاستعداد لدى الإنسان للرجوع إلى الحق إن استبان له. وهذا معنى شريف في لفظ الحوار، ولا يستلزم ذلك الرجوع من قول لآخر، لكن يحدث الإنسان نوعاً من التحوير أو التعديل أو ينظر في دقة وتحرير ما قاله. إذن الحوار فيه نوع من الرجوع؛ وعدم الاستئثار بالرأي دون الطرف الآخر، وفيه نوع من الملاينة في الكلام، والملاطفة، بخلاف المجادلة والمحاجة. وفيه نوع من رفع سقف آدب المناقشة قدر الطاقة بين المتحاورين. فالحوار ليس جدالاً ولا مقارعة ولا منابذة في ميدان قتال تراق فيه دماء المتحاربين بسيوف الألفاظ النابية والفكر المعقد والمسلك المتشنج. فهناك تلازم بين الحوار والأدب، بين الحوار واللطف، بين الحوار واللغة الراقية!؛ وهذا كله من شأنه أن يجعل الحوار يؤتي أُكله، ويصل إلى أهدافه من بيان الحق، وإقناع الآخر به.
[ ٥. ] المشاهد في الواقع؛ وفي وسائل الإعلام كالفضائيات؛ والإذاعات؛ والشبكة العنكبوتية وغيرها؛ يختلف تماماً عما يجب من لوازم أدب الحوار. فـ هناك
[ ٥. ۱. ] الاستئثار؛ والصراخ؛ والعصبية؛ والتنابز؛ والازدراء؛ والنظرة الدونية؛ حتى يتخيل لك في بعض البرامج الحوارية أنك في حلبة مصارعة؛ أيهما يطرح الآخر أرضا بضربة قاضية!! فنحن بحق
[ ٥. ٢. ] نعاني أزمة في الحوار، ترتبط بـأزمات كثيرة في الفهم والتلقي والنقل والأخلاق. وعلام يدل ذلك!؟ هذا يدل على أهمية
[ ٥. ٢. ۱. ] الرجوع إلى ما يجب أن يكون عليه الحوار من وضوح في الهدف على كافة المستويات، والهدف واضح وهو: الحق؛ فيجب البحث عنه، والرجوع إليه متى استبان على لسان من جاء به أيا كان، بلا تسلط، أو إحراج، أو استعراض للقدرة العقلية، أو الذهنية!! ويدل أيضا على أن الحوار من
[ ٥. ٢. ٢. ] أفضل وسائل الإقناع، وتغيير الفكر الذي يعدل سلوك المحاور إلى الأفضل، وفيه ترويض للنفوس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين ... وتتجلى أهميته في
[ ٥. ٢. ۳. ] دعم النمو النفسي، والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق، فأهميته تكمن في أنه وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل كثير من المشكلات. ومن أعجب الكلمات التي ينبغي أن يوقف عندها؛ كلمة الإمام الفذ الشافعي رحمه الله؛ وهو من كبار أساتذة التاريخ الإسلامي, في فنون الجدل؛ والمناظرة؛ وتأصيلها فقد كان يقول :« ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه». فهل لنا نصيب من هذه العبارة الحكيمة، وهل يوجد اليوم أحد من الناس يقول مقالة الإمام الشافعي رحمه الله قولاً وفعلاً؟ الإمام رحمه الله قال هذه الكلمة؛ لأنه واثق أنه سيقبل الحق إن ظهر له سواء عند نفسه أو الآخر، والمشكلة هي في الطرف الآخر الذي لا يقبل الحق إلا إذا قاله هو، ولن يقبله إذا خرج من الشافعي؛ لذا تمنى أن يظهر الله الحق على لسان محاوره حتى يقبله الجميع، هنا تلاحظ:
( ۱ . ) صفاء نفس الإمام الشافعي؛
( ٢ . ) محبته لظهور الحق على لسان أي طرف خاصة لو كان المحاور.
( ٣. ) محبته لقبول هذا الحق الذي ينبغي أن يكون هدفا.
( ٤. ) عدم قصد الإمام الشافعي لإحراج مَن أمامه؛ سواء بإظهار تناقضه أو ادعاء ما ليس له أو غير ذلك.
( ٥. ) فكرة العلو في الأرض أو التسلط على عباده غير واردة في جدول أعمال الإمام.
( ٦. ) كان من أقواله أيضاً :" والله لقد تمنيت أن الخلق كلهم تعلموا هذا، وأنه لم ينسب إلي منه حرف واحد".
ثمت تساؤل مهم يلح على البعض هل يمكن الحوار والجدال في الأمورالقطعية في الإسلام، وما مجالات الجدال والمحاورة؟.
الحوار والجدال لا يجوز أبداً أن يكون في القطعيات المسلم بها في الإسلام؛ كالقرآن الكريم أو أركان الإيمان؛ والإسلام؛ أو الدين الجامع؛ والعصمه والنبوة؛ ومسائل الإجماع، وبموجبها صارت أمة واحدة؛ كما قال الله تعالى ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [آيَةُ :"٩٢" ؛ سُورَةُ „الأنبياء‟؛ رقمها : "٢١"] .
[ ٦. ] فلم تكن أمة واحدة إلا بمسلمات وقطعيات اجتمعت عليها لا تقبل الأخذ والرد. وإنما يكون الأخذ والرد؛ والاجتهاد؛ والحوار: في القضايا النظرية الفرعية، سواء في الفقه أو التاريخ أو مستجدات الواقع أو مجريات السياسة أو غير ذلك. فمن حق كل طرف أن يكون مقتنعاً بما لديه، مما قامت عليه البراهين عنده على صحته. لكن لا يمنع هذا أن يسمع الآخرين، وأن يكون مستعداً للنظر فيما عنده من مسائل، وهذا معنى كلام الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ". وجاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله بكتاب وقال له: هذا كتاب ألفته، وسميته كتاب "الخلاف" فقال له الإمام أحمد: هذا حسن لكن سمِّهِ كتاب "السعة". وفي نفس الباب كلمة الإمام مالك المشهورة " ما منا إلا رادٌّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ". وكذلك الإمام أبوحنيفة كان يقول :"حرام على من لم يعلم دليلي أن يفتي بكلامي؛ فإننا بشر، نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً"، وتلامذته غيروا من بعده نحو ثلث المذهب، وهو تغيير قائم على الاجتهاد، والنظر والمحاجة، والبحث عن الحق لا بمحض التشهي. فمثل هذه المسائل والنواحي التي ذكرت هي التي يجوز فيها التحاور والنقاش الذي يدور على الأخذ والرد العلمي القائم على الدليل والبرهان وليس على الهوى، والتعنت، واللجاج، وعلو الصوت، والصراخ، والإطاحة بالآخر، وإقصائه بالحق وبالباطل. في الحوار تبرز قضية أساس، وهي اقتران الرحمة مع المحاورة.
[ ٦. ۱. ] ما منهج المناظرة والمحاورة لدى الأنبياء؟.
الرحمة قضية أساس في كل شيء حتى في ذبح الحيوان «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الاِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ثُمَّ ليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». وهي أساس في أي مبدأ، أو محاورة، بين عالم ومتعلم، أو كبير وصغير، مع كل الأطراف وعلى كل المستويات. وقد جمع الله عز وجل بين المحاورة والرحمة في صفة أنبيائه. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [آيَةُ :"١٠٧" ؛ سُورَةُ „الأنبياء‟؛ رقمها : "٢١"]، ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ [آيَةُ :"٦٥" ؛ سُورَةُ „الكهف‟؛ رقمها : "١٨"] ، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [آيَةُ :"٢٨ " ؛ سُورَةُ „هود‟؛ رقمها : "١١"] ؛ ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آيَةُ :"١٥٩" ؛ سُورَةُ „آل عمران‟؛ رقمها : "٣"]؛ وهذه الحوارات بين الأنبياء وأقوامهم مفعمة بالرحمة وروح الود؛ كما هو ظاهر. وفي الحديث الذي رواه أهل السنن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله: «مَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ فِي الحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ قَالَ: يَقُولونَ: رَبَّنَا إخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ قَالَ: فَيَقُولُ: ٱذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ قَالَ: فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ ......» وهذه مجادلة فيها إشفاق ورحمة ورغبة في إنقاذهم من النار؛ كما كانوا في الدنيا يجادلون برحمة وبلطف وأدب. قال أحمد بن حنبل : " قلما أغضبت أحداً فقبل منك ". إن المناظرة والحوار في منهج الأنبياء تمثل مبادئ حقيقية سامية ثابتة لا خلاف عليها ولا جدل فيها. وما نقل عن بعض الأئمة من النهي عن الجدال والمناظرة والحوار؛ فهذا اجتهاد خاص؛ لظروف معينة؛ يوجهها الوقت, وطبيعة الأحداث في عصرهم؛ لكن الأصل أن الرسل عليهم السلام جاؤا بأصل لا خلاف عليه وهو المحاورة لإظهار الحق . ومن تأمل القرآن وجد كلمة ( يا قوم ) جاءت عشرات المرات على لسان الأنبياء؛ جاءت في معرض بيان الحجة وإزالة الشُبَه من أذهان المدعوين إلى الله. بل من تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه في مكة وهم كفار، ومع المنافقين في المدينة، وعلى رأسهم عبدالله ابن أبي سلول، وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاحقه بقوله: يا أبا الحباب! يا أبا الحباب! من تأمل ذلك وغيره من المواضع التي لا تحصى؛ علم الأصل جيداً. وليس هذا مرتبطاً بمرحلة استضعاف، ولا غيره، وإلا فقد تلطف مع خصومه في المدينة وهي مرحلة قوة كما تلطف في معهم في مكة. بل تلطف مع اليهود في الرد وهم يسألون عن أوَّلُ أشراط الساعة ؟ وما أولُ طعامٍ يأكلهُ أهل الجنةِ ؟ ومِن أيِّ شيءٍ يَنزعُ الولَدُ إِلى أبيهِ، ومن أيِّ شيءٍ يَنزِعُ إِلى أخوالهِ ؟ حتى أغلظ له بعضهم لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ»، قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَـيَّ، ومع ذلك حدثه النبي صلى الله عليه وسلم.
[ ٦. ٢. ] أين الحوار اليوم من هذه المعاني . إن بعضهم قد يقصيك أو يصنفك لأدنى حركة، وليس فكرة تعبر عنها مرتبطة بالدليل وهذا ناتج عن فقدان الحوار لأصل فيه وهو الرحمة مع المخالف. من صفات المحاور:
[ ٦. ٢. ۱. ] سلاسة العبارة وجودة الإلقاء وحسن العرض.
[ ٦. ٢. ٢. ] حسن التصور عند المحاور؛ فلا تكون الأفكار متضاربة أو مشوشة.
[ ٦. ٢. ٣. ] القدرة على ترتيب الأفكار وعدم التداخل.
[ ٦. ٢. ٤. ] العلم؛ فالبعض قد يخذل الحق في شخصه؛ لضعف علمه، وهذا يحدث كثيراً خاصة في وسائل الإعلام عندما يتحدث باسم الإسلام شخص ضعيف العلم والفهم.
[ ٦. ٢. ٥. ] الفهم مع العلم.
[ ٦. ٢. ٦. ] الإخلاص والتجرد في طلب الحق فلا يكون همه الانتصار وإنما طلب الحق كما مر معنا في الإمام الشافعي رحمه الله. و
[ ٦. ٣. ] نوجز آداب الحوار الصحيح :
[ ٦. ٣. ١. ] حسن المقصد؛ وليس العلو في الأرض ولا الفساد.
[ ٦. ٣. ٢. ] التواضع في القول والعمل، وتجنب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء.
[ ٦. ٣. ٣. ] حسن الاستماع والإصغاء.
[ ٦. ٣. ٤. ] الإنصاف.
[ ٦. ٣. ٥. ] البدء بمواضع الاتفاق والإجماع والمسلمات والبديهيات إذا ليس من المصلحة أن نهجم على مسائل مختلف فيها.
[ ٦. ٣. ٦. ] ترك التعصب لغير الحق.
[ ٦. ٣. ٧. ] احترام الطرف الآخر.
[ ٦. ٣. ٨. ] الموضوعية :وهو رعاية الموضوع وعدم الخروج منه إلى بنيات الطريق ومن الموضوعية التوثيق العلمي أيضا .
[ ٦. ٣. ٩. ] عدم الإلزام بما لا يلزم، أو المؤاخذة بالإلزام.
[ ٦. ٣. ١٠. ] الاعتدال في كل شيء؛ في الصوت وفي الجلسة، وفي الحركات وفي سياق الحجج وفي الوقت من أول المحاورة إلى آخرها.
[ ٧. ] هل هناك تعارض بين مفهوم الولاء والبراء في الإسلام؛ وبين الحوار أو التعامل المصلحي .
هناك نقاط مهمة في هذا الجانب منها:
[ ٧. ١. ] لا تعارض مطلقاً بين الولاء والبراء؛ وبين الحوار.
[ ٧. ٢. ] أعظم سورة ذكرت الولاء والبراء هي سورة الممتحنة وهي مدنية: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة:8) هذا من حيث الأصل إجماع. لكن حتى الكفار المحاربون يقول فيهم : ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الممتحنة:7) فلا يعتقد أن أحداً لن يهتدي فالله قدير، وكثير ممن حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وغيرها تحولوا إلى أنصار وأعوان وحملة لهذا الدين ودعوته. ومن يتأمل تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صناديد قريش في مكة واليهود في المدينة؛يدرك أن لا تعارض أبداً بين الحوار والمجادلة والتعامل المادي المصلحي من جهة؛ وبين البراء مما عليه الكفار والمشركون من أنواع الضلالات والانحرافات والمخالفات .
[ ٧. ٣. ] انظر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل قريشاً وأشياخ الوثنية بمكة؟ واليهود وأهل الشرك بالمدينة؟ وهل يمكن أن تقوم دعوة إلا على الخلق الحسن والتواصل مع الآخرين؟! هل الحوار يعني الذوبان والتمهيد إلى التحول كلية عن الحق؟ يتصور البعض أن الحوار يعني ذوباناً أو تحولاً، والصحيح هو العكس تماماً فالحوار لغة الأقوياء؛ وهو علامة قوة وثقة بالنفس بما لدى الإنسان من ثوابت ومسلمات، والحوار دلالة أكيدة على أن المحاور على بصيرة من أمره فهو :
[ ٧. ٣. ١. ] من أقوى رسائل الدعوة والتبشير بهذا الدين.
[ ٧. ٣. ٢. ] الحوار يزيل الصورة الضبابية للأمور ويجليها ويحولها من الغموض والتعقيد إلى الوضوح والسهوله والفهم والدقة. وفي معرض ذكر الاختلاف والتنوع بين الناس يقول تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات:13) قال سبحانه "لتعارفوا" ولم يقل لتعاركوا؛ فالأصل التعارف في كل شيء اسماً وشخصاً وثقافة وتاريخاً وعملاً وموقفا وكتاباً ودراسات بحيث يكون الحديث عن وعي وبصيرة.
[ ٧. ٣. ٣. ] كثيراً ما يوقف الحوار أنواعاً من الصدامات التي لا حاجة لها ولا داعي إليها.
[ ٧. ٣. ٤. ] الحوار يوصل إلى المصالح المشتركة؛ فقد تجد قسمة مشتركة بينك وبين الآخر كالدين الجامع ومواطن الإجماع والاتفاق والمحكمات من الكتاب والسنة وأصول الإسلام والإيمان والأخلاق وغير ذلك. فهذه قسمة مشتركة بين المسلمين جميعاً يجب أن ينطلقوا منها ويصدروا عنها. ومن القواسم المشتركة "المصلحة الجامعة" وهي المصلحة العامة التي أجمع عليها العلماء، كما يقول ابن تيمية؛ والغزالي؛ والشافعي وغيرهم. وهي أن الدين جاء لتحصيل المصالح ودفع المفاسد. وقد رهن النبي الله عليه وسلم درعه عند يهودي لطعام اشتراه والحديث في البخاري .. والبيع والشراء فيه مصلحة لليهودي ولم يغب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالسعي يكون لما فيه مصلحة لك ولو تعلق بمصلحة للآخرين، فليس الرشاد هو السعي في حرمان الآخرين من مصالحهم، بل الحكمة أن نسعى في مصالحنا ولو ترتب عليها مصالح لغيرنا، والله أعلم.
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
(يُتْبَعُ)
**

 الأمية الفقهية / الفهمية
7. 3.] اختلاف .. لا قطيعة

نتفق من البداية أن طبيعة الحياة الاختلاف والتضاد؛ فبعد صيف قائظ؛ يأتي خريف منعش؛ يتلوه صقيع شتاء؛ ثم تزدهر الدنيا بزهرات البساتين وورود الجنان وأصناف من الثمار في ربيع أخضر مزدهر؛ ويوجد بعد نهار مضئ ليل مظلم بهيم؛ فنرى أشعة شمس ذهبية تكاد تكون أحيانا حارقة للبشرة؛ يعقبها قمر بأوتار فضية يوحي للشعراء بأجمل الكلمات، ويساعد العشاق على التعبير؛ وهناك بحر مالح أجاج يجاوره نهر عذب فرات؛ يعلوهما سماء زرقاء تمطر قطرات تسقي أرض رمادية جرداء فتنبت من ماء واحد نباتا وفاكهة من كل الألوان والطعومات والأصناف؛ وتوجد شقراء يفضلها البعض؛ وقد تسير بحذائها امرأة سمراء فلا ينتبه لها؛ فيعشق الغربي السمراء؛ ويعجب المشرقي بالشقراء، إذ بين الرجال أذواق ومشاعر، مثل ما للنساء وجهات نظر في الرجل وانطباعات، كما توجد مأكولات يفضلها البعض ويأنف البعض من رائحتها دون تذوقها... وهكذا ..
وما يهمنا هنا اختلاف الأفهام وتعارض العقول.
وإن اختلفت مفردات الكون وتعارضت مكونات الحياة غير أن الحياة تستمر؛ مع الوضوح التام في تعارض أفراد الحياة وإدراك تناقض مكونات الكون بيد أنه لم تصطدم مع بعضها البعض؛ أما الإنسان فإذا ما اختلف مع آخر يتخاصم؛ فإذا تخاصم : عتا وفجر ؛ وإذا فجر : يتناحر ويتقاتل!!
وصف هذا الإنسان ونعته :
هو مَن يفتقد القدرة على بدء حوار ؛ مع عجزه عن إدارته؛ ومن لا يملك أدوات حسن الإستماع -مِن ملكات الفهم والإستيعاب والإدراك والتعقل- وإن ملك آله السمع؛ وخلايا مخية ذات صلة بالعملية الإدراكية الفهمية، و هو مَن لا يملك ملكات التمييز بين فكر بناء فرد وأمة وبين نعرات ومعاول هدم شعوب وأمم، فيلجأ إلى التقوقع والإنغلاق؛ فتسهل عليه مقاطعة مَن يعارضه، فيعيش في جزيرة نائية وإن كان يعيش بين الأحياء وإن سار في مناخ مكتظ بالمبادئ والمفاهيم والقيم.. إذ أنه لا يُفعل القوى العاقلة التي يملكها، فهو لا يفهم الفكر إلا في مرآة عقل جاهل؛ وتنعكس نفسيته المريضة على فهمه، أو أنه لا يفهم تركيبات الجمل ومدلولات الألفاظ، ولا ينزل الأفكار على واقع لمعالجته..فيجمع حوله مَن هم مثله؛ فتغيب ثقافة المراجعة والمتابعة والتدقيق والتنقيب والتصحيح والتحقيق؛ فيتبنى سياسة الراعي والقطيع؛ فتتولد : دكتاتورية السلطة أو دكتاتورية الفكر، فيتلوها عصبية الرأي، فيتبعها إما إهمال فكر الآخر أو إقصاء فهم المغاير ،أو التصفية المعنوية بالسب والشتم ولاذع الأقوال؛ أو الجسدية.
هنا تبدأ بذور الخلاف في تعميق اصولها في عقلية الإنسان وتقوية جذورها في نفسيته؛ فـ الخلاف والاختلاف بمعنى واحد إذ يشير إلى عدم الاتفاق على مسألة ما؛ يقول الفيروز أبادي في تعريف الاختلاف: أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله. [بصائر ذوي التمييز 2/562].
أسباب وقوع الخلاف:
لسائل أن يسأل: لماذا يختلف المسلمون والعلماء منهم، وهم جميعاً يصدرون من الكتاب والسنة؟ .
وفي الإجابة نقول: للخلاف بين المسلمين أسباب أهمها:
1.] اختلاف العلماء في حجية بعض المصادر الفقهية؛ أو اختلافهم في رتبة الاحتجاج بها، كما في خلاف الفقهاء في حجية القراءات الشاذة؛ والحديث المرسل؛ والاستحسان؛ وشرع من قبلنا؛ وإجماع أهل المدينة.
2.] اختلافهم في فهم النصوص. كما في قوله :« أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً » [المائدة:6]. فـ فسرها الجمهور بأنها الجماع، ولم يجعلوا لمس المرأة مما ينقض الوضوء، فيما أخذ الشافعي بظاهرها فجعل مجرد لمس المرأة ناقضاً للوضوء.
3.] الاختلاف في فهم علة الحكم كما في الخلاف في مشروعية القيام للجنازة هل هو للمؤمن أم للكافر؟ .
وهل يقام تعظيماً للملائكة أم لهول الموت؟ .
أم أنه خاص بالكافر حتى لا تعلو جنازة الكافر رأس المسلم؟.
4.] الجهل بالدليل لعدم بلوغه، مثاله: خفي على عمر حكم دخول أرض الطاعون، بل وعلى كثير من الصحابة، فاختلفوا حتى أخبرهم عبدالرحمن بن عوف بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
5.] عدم الوثوق بصحة الدليل الذي عند الآخرين، فقد يضعف العالم المخالف الحديث في حين يصححه الآخرون، لاختلاف العلماء في تعديل أحد الرواة، أو لعلة يراها في السند أو المتن تجعل الرواية شاذة ، أو لغير ذلك من أسباب رد الرواية مما هو مسطر في كتب علم الحديث. ومن ذلك قصة عمر مع فاطمة بنت قيس حين رد حديثها بقوله :" لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت ". [مسلم ح1480].
6.] الاختلاف في دلالات الألفاظ والنصوص لكون اللفظ مشتركاً ؛ أو مجملاً كقوله صلى الله عليه وسلم :" لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". [أحمد؛ ح25828، أبو داود؛ح2193 وابن ماجه؛ ح2046]. فقد اختلفوا في تفسير الإغلاق: فـ فسره بعضهم بالإكراه، وآخرون بالغضب، وآخرون بغياب العقل بثورة الغضب. وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء في بعض أحكام الطلاق.
ومثله قد وقع من الصحابة عام الخندق كما في الصحيحين عندما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه :" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " [البخاري؛ ح946، ومسلم؛ ح1770]. فتمسك بعضهم بظاهر النص ففاتتهم الصلاة، وتمسك الآخرون بمفهوم النص والمراد منه، وهو الإسراع فصلوا وهم في الطريق، قال ابن عمر :" ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً منهم ".
التفريق بين الخلاف السائغ وغيره:
ثمة أمور يفترق فيها الخلاف الذي سوغه العلماء عن الخلاف الذي قبحه العلماء وذموه غاية الذم، ومنها:
1.] أنه (أي السائغ) لا يكون في المسائل الأصولية في الدين، العقدية منها والفقهية، كالوحدانية وأصول الإيمان، وحجية السنة، وفرضية الصلاة أو فرضية الوضوء للصلاة. مثل هذه المسائل تضافرت الأدلة الصريحة على إثباتها. يبين الشاطبي الفرق بين الخلاف المسوغ وغيره :" وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف " [الاعتصام: 2/168]
2.] أن الخلاف السائغ لا يكون في المسائل التي انعقد الإجماع فيها كعلو الله وكلامه جل وعلا، فإن وقع خلاف من مجتهد في مثل هذا فهو اجتهاد يعذر فيه لكنا لا نسوغه، يقول ابن تيمية :" وقوع الغلط في مثل هذا –يعني علو الله على خلقه– يوجب ما نقوله دائماً: إن المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه .. نوع تقصير فهو ذنب .. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل (الذي طلب من أهله إحراقه إذا مات) فيغفر خطأه أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه" [الاستقامة: 1/163]. ويقول ابن تيمية : " من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع" [الفتاوى: 4/172–173]. ويقول الذهبي : " ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور" [سير أعلام النبلاء 19/322]. ويقول محمد بن عبدالوهاب: " إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد " . [الدرر السنية 1/43]. قال ابن تيمية :" وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك هو من هذا الباب فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغياً، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر) [الاستقامة: 1 /73].
3.] أن يكون هذا القول صادراً عن الاجتهاد والنظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله ورسوله، وعليه فلا كرامة لمن صدر في رأيه عن العقل المجانب للشرع أو عن الرؤى المنامية ولا لمن صدر عن الهوى أو العصبية، قال الشاطبي :" الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان:
أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه".
والثاني : غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي .. فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق الذي أنزله..." [الموافقات:4/167]
هل يكون الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد سائغاً؟.
الخلاف في مسائل الاعتقاد كالخلاف في مسائل الفقه منه ما يسوغ، وهو ما يتعلق بفروع المسائل التي لم يرد دليل قطعي الدلالة على وجه من وجوهها.
ومنه مالا يسوغ، وهو ما يتعلق بالمسائل الأصولية التي دلت عليها الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة. فالخلاف في بعض المسائل الفرعية لا يجيز الحكم بهلكة الآخرين وبطلان أعمالهم. قال شيخ الإسلام :" فمن كان من المؤمنين مجتهداً فى طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية "، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام. وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها. فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول (أي العقيدة) وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع (أي الفقه) فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع. وهو تفريق متناقض فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطىء فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل قيل له: فتنازع الناس في محمد هل رأى ربه أم لا؟ وفى أن عثمان أفضل من علي أم على أفضل؟ وفى كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق" [مجموع الفتاوى 23/346]. ويقول: "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته أو اعتقد أن الله لا يُرى لقوله: {لا تدركه الابصار} ولقوله »وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ« [الشورى:51]. نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ » [القيامة:22-23]. بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح .. أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب، والله منزه عن الجهل. وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به .. وكالذي قال لأهله :" إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ". وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط" [مجموع الفتاوى 20/33-36]. ويقول عن خلاف الصحابة في بعض مسائل الاعتقاد الفرعية: "وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي وتعذيب الميت ببكاء أهله ورؤية محمد ربه قبل الموت مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا،ً ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطىء؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم فى نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ " [مجموع الفتاوى 19/122].
ثمة آداب ينبغي على علماء المسلمين وعامتهم مراعاتها والقيام بحق المخالف فيها، ومنها:
1.] إحسان الظن بالعلماء وأن لا يعتقد أنهم تعمدوا ترك الحق الذي بان له -وقد يكون هو المخطئ-، وعليه فلا يعتقد هلكتهم في خلافهم له، بل يلتمس لهم العذر في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم :" إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر ". [البخاري؛ ح7352، ومسلم؛ ح1716]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله :« رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »[البقرة:286]. وفي الصحيح قال :" قد فعلت ". [مسلم؛ ح126] [الفتاوى: 19286]. ومنه قول علي رضي الله عنه لعمر بن طلحة بن عبيد الله، وكان بينه وبين طلحة خلاف يوم الجمل :" إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك في الذين قال الله عز وجل فيهم :« وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَـابِلِينَ «[الحجر:47]. [رواه الحاكم؛ ح5613، والبيهقي في السنن؛ ح16491]. قال يحيى بن سعيد الأنصاري "ما برح أولو الفتوى يختلفون، فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه" [جامع بيان العلم 2/80]. ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي :" كان يرى القدر نسأل الله العفو .. ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه .. إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ". [سير أعلام 7/271]. وفي المتأولين في خلاف شاذ (من أحل نكاح المتعة أو ربا الفضل) يقول ابن تيمية في تحقق النصوص الشرعية التي جاءت بالوعيد لمن صنع ذلك، "فلا يجوز أن يقال: إن هؤلاء مندرجون تحت الوعيد، لما كان لهم العذر الذي تأولوا به، أو لموانع أخرى.." [رفع الملام عن الأئمة الأعلام؛ ص66].
أن لا يؤدي الخلاف إلى جفوة وفتنة بين المختلفين، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام :" كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة " . [الفتاوى: 4/172–173]. ويقول :" فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ " [الاستقامة 1/31]. ويقول يونس الصدفي :“ ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ، ثم قال :" يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ”. قال الذهبي :" هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون ". [سير أعلام النبلاء 10/16-17]. وقال محمد بن أحمد الفنجار :" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفهما في المذهب " .[سير أعلام النبلاء؛ 10 /630].
وصدق الشاعر حين قال:
في الرأي تضطغن العقول ** وليس تضطغن الصدور
ـــــــــــــــــــــ
اضْطَغَنَ القومُ : انطوَوْا على الأَحقادِ
العَقْلُ : ما يقابل الغريزة التي لا اختيار لها ؛ فــ العَقْلُ : ما يكون به التفكيرُ والاستدلالُ وتركيبُ التصوُّرات والتصديقات؛ أي : ما به يتميز الحسَنُ من القبيح ، والخيرُ من الشر ، والحق من الباطل.
ـــــــــــــــــــ
أن لا يُنكر على المجتهد في اجتهاده وعمله بهذا الاجتهاد، ولا يمنع هذا من إقامة الحجة عليه أو المحاورة معه للخروج من الخلاف والوصول إلى الحق، بل هو الأولى، إذ مازال السلف يرد بعضهم على بعض في مسائل الفقه والفروع من المعتقد، وهذا من النصيحة للمسلمين.
وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ. يقول سفيان :" إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه ". [الفقيه والمتفقه 2/ 69].
وروى عنه الخطيب أيضاً أنه قال :" ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً عنه من إخواني أن يأخذ به " . [الفقيه المتفقه 2 /69]. ويقول أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح :" لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم". ويقول ابن مفلح :" لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع " .[الآداب الشرعية 1/186]. قال النووي :" ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً ". [شرح النووي على صحيح مسلم 2/24]. ويقول ابن تيمية :" مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه ". [مجموع الفتاوى20 /207]. وسئل القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به فقال :" إن قرأت فلك في رجال من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة ". [التمهيد، ابن عبد البر 11/54]. وعبر الفقهاء عن هذا بقاعدتهم التي تقول :" الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد " . [الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص105]. عن أنس قال : " إنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نسافر، فمنا الصائم ومنا المفطر، ومنا المتم ومنا المقصر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولا المقصر على المتم، ولا المتم على المقصر " . [البيهقي في السنن ؛ ح5225].
ووقع بين الصحابة الكرام خلاف أوقع بينهم قتلاً وقتالاً، لكنه لم يمنع من ورود بعض صور محمودة منها:
1- خلو قلوبهم من الغل، ومنه قول مروان بن الحكم :" ما رأيت أحداً أكرم غلبة من علي، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل وناد منادٍ: ولا يذفف (يجهز) على جريح ". [رواه البيهقي في السنن ح16523].
2- ونال أحدهم من عائشة رضي الله عنها يوم الجمل وسمعه عمار فقال :" اسكت مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ". [الترمذي؛ ح3888].
3- ولما قتل ابن خيري رجلاً وجده مع زوجته، رفع الأمر إلى معاوية فأشكل ذلك عليه فكتب إلى أبي موسى أن يسأل له علياً فكتب إليه علي بالجواب. [الموطأ؛ ح1447].
4- ولما وصف ضرار بن حمزة الكناني علياً بين يدي معاوية :" بكى معاوية وجعل ينشف دموعه بكمه، ويقول لمادح علي رضي الله عنه: كذا كان أبو الحسن رحمه الله " . [الاستيعاب؛ 4/1697]. ثم نذكر أمثلة آخرى
- رغم الخلاف الشديد بين أهل الرأي والحديث يقول شعبة عند وفاة أبي حنيفة :" لقد ذهب معه فقه الكوفة، تفضل الله عليه وعلينا برحمته ". ويقول الشافعي : " الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة " [سير أعلام النبلاء 6/403]
- وكذا قيل لأحمد:" إن كان الإمام خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يصلي خلفه؟"؛ قال:" كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب". [الفتاوى 20/364].
- صلى الشافعي الصبح في مسجد أبي حنيفة فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدباً مع أبي حنيفة رحمهما الله [طبقات الحنفية 1/433]. قال القرطبي :" كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرأون البسملة لا سراً ولا جهراً ، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد " [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 23/375].
- ويتحدث الذهبي عن ابن خزيمة وتأوله حديث الصورة فيقول :" فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا " [سير أعلام النبلاء 14/374].
- يقول الذهبي في ترجمة قتادة :"وكان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده ولا يسأل عما يفعل، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلـله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك " [سير أعلام النبلاء 5/271 ].
- يقول الإمام أحمد بن حنبل :" لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً " [سير أعلام النبلاء 11/371].
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة " [سير أعلام النبلاء 14/40].
ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام :" مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور " [سير أعلام 19/322]."
صور من اختلاف السلف تبرز أدبهم رحمة الله عليهم:
- قال النبي لأصحابه يوم بنى قريظة : " لا يصلين أحد العصر إلا فى بني قريظة ". فأدركتهم العصر فى الطريق فقال قوم :" لا نصلى إلا فى بنى قريظة وفاتتهم العصر ". وقال قوم :" لم يرد منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق ". فلم يعب واحداً من الطائفتين ، أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر. قال شيخ الإسلام :" وهذا وإن كان في الأحكام فما لم يكن من الأصول المهمة فهو ملحق بالأحكام " [مجموع الفتاوى 24/172].
- ابن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على كثرة التشابه بين منهجهما الفقهي أوصل ابن القيم المسائل التي اختلفوا فيها إلى مائة مسألة منها: ابن مسعود كان ينهى عن وضع اليدين على الركب في الركوع ويأمر بالإطباق وعكسه عمر. واختلفا في الرجل زنا بامرأة ثم تزوجها فيرى ابن مسعود أنهما لا زالا يزنيان حتى ينفصلا ويخالفه عمر. [إعلام الموقعين 2/237]. ومع ذلك انظر ثناءهما على بعضهما.يقول عمر عن ابن مسعود :" كنيف ملئ فقهاً أو علماً آثرت به أهل القادسية " [سير أعلام النبلاء 1/491]. ويقول ابن مسعود عن عمر :" كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل الناس فيه ولا يخرجون، فلما أصيب عمر انثلم الحصن " [المستدرك ح4522].
- واختلف الصحابة في توريث الإخوة مع وجود الجد، فكان زيد وعلي وابن مسعود لا يرونه، وأما ابن عباس فيخالفهم ويقول :" ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أب الأب أباً " وقال :" لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ". [مصنف عبد الرزاق ح19024].
ورغم هذه الثقة العارمة برأيه فإنه ذات يوم رأى زيداً على دابته فأخذ بخطامها وقال :" هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد :" أرني يدك"، فأخرج ابن عباس يده فقبلها زيد؛ وقال :" هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم [تقبيل اليد، أبو بكر المقري ص 95]. ولما دفن زيد قال ابن عباس :" هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كثير". [البيهقي في السنن 6/211، الحاكم ح5810].
العمل على رفع الخلاف بالوسائل الشرعية: الخلاف شر، وينبغي على المسلمين العمل على رفعه، طلباً للحق، وحفظاً لوحدة المسلمين، وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59]، فقولنا بأن الخلاف في المسألة سائغ لا يمنع من تحري الحق، والمحاورة والمناظرة بين أهل العلم للوصول إلى مراد الشرع في المسالة. ولأجل هذا دونت مئات الكتب التي تتحدث في مواطن الاختلاف وموارد النزاع. وفي الحوار ينبغي على المسلم أن يتواضع لإخوانه، وأن يلتزم طلب الحق في حواره معهم كما علمنا الله بقوله في مجادلتنا للكافرين {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ} [سبأ:24]. وينبغي أن يكون جداله معهم بالتي هي أحسن فقد قال الله في جدال أهل الكتاب {وَلاَ تُجَـادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وقال في حق غيرهم {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] قال القرطبي: "وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه. ثم قال: فيدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي" [الجامع لأحكام القرآن 2/16]. وكلام القرطبي لا يمنع ولا يرفع ما ذكره العلماء في هجر المبتدع أو الفاسق، فذلك أيضاً من وسائل الدعوة التي قد تردع عن الفسق والبدعة.
القارئــ(ــة) الكريــمــ(ــة) ... وهذا تم في مسائل شرعية؛ فما بال القوم اليوم يتفرقون ويتخاصمون ويقاتل بعضهم بعضاً في مسائل سياسية ظنية.
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟

[ 7. ] الأمية الفقهية / الفهمية
[7 . 2.. ] التعصُّب الديني والمذهبي

[1. ] حين نزل الوحي بشقيه القرآن الكريم وسنة رسول الإسلام عليه السلام في القرن السابع الميلادي كان التعصب هو أهم ما يميز علاقة المجتمعات بعضها البعض، فكان التعصب القبلي سمة العلاقات بين العرب، وكان التعصب الديني والجنسي سمة العلاقات السائدة خارج جزيرة العرب.
[2 . ] أصل التَّعصُّب في اللغة: أن يدعوَ الرجل إلىٰ نُصرة عَصَبَتِهِ؛ أي قَوْمه،والتألُّب معهم علىٰ من يُناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين، فمعناه: نُصْرَة القوم للرَّجل منهم، وعصبة الرجل: بنو قرابته لأبيه أو قومه الذين يتعصبون وينصرونه.[(1.)]
وربما امتدَّ التَّعصب واتَّسع ليندرج فيه تعصب كثير منَ النَّاس للملَّة (المذهب؛ الحزب؛ الجماعة) بغير حق؛ أو تعصب آخرين لأجناسهم وأعراقهم، وذلك في شريعة الإسلام باطلٌ.
[2 . 1.] ولا يَخرج المعنىٰ الاصطلاحيُّ المتعارَفُ عليه للتعصُّب في زماننا عن هذا الفَهْم؛ ذلك أن التعصب يَعود إلىٰ خَلَل فِكْرِيٍّ يدفع بعض الناس إلىٰ تَوَهُّم أَفْضَلِيَّتِهِ علىٰ غَيْره، أو تصور أنه وَحْدَهُ هو الذي يملك الحقيقة والصواب معاً، وأن غيره ينبغي أن يَتبعه.
والتعصُّب جُمود في العقل، وانهيارٌ للفِكْر؛ وتبلد في الشعور؛ وتجمد في المشاعر؛ وردم للوجدان في بئر النسيان، لأنه لا يَسمح بالتعدُّدِيَّة الفِكْرية، القائمة علىٰ مجموعة من المبادئ وحزمة من القيم وكتلة من المفاهيم الصحيحة التي تقبلها العقل فيطمئن لها القلب وتهدأ لها النفس يتم ذلك كله تحت ضوء من الوعي المستنير بالواقع والأحداث؛ وسُنَّةُ الفِكْر أن الآراء يَقدح بعضها بعضًا، ومن خلال التعدُّدِيَّة نصل إلىٰ الأفضل، ونقف علىٰ السلبيات وندرك العيوب في الآراء المعروضة.
أيضًا التعدُّدِيَّة في الفِكْر تُعَمِّق الفهم للمسائل؛ لأن المسألة حينئذ تُرَىٰ من زوايا ووجوهٍ متعددة، في حين أن الجمود علىٰ فكرة واحدة أو وجه واحد يقتل بقية الآراء والأفكار.
وقد وضع الإسلام الأساس التنظيري للمساواة بين البشر، فالأصل واحد قال تعالىٰ »يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [(2)]. «
[2. 2. ] واختلاف الألسنة والألوان من آيات الله الدالَّةِ علىٰ عَظَمَتِهِ وقُدرته» وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً« [(03)]، ولكن شاءت قُدرة الله أن تَتَعَدَّدَ الأجناسُ والألوانُ والألسُنُ، دون أن يكون هذا سببًا في تفضيل بعض الناس علىٰ بعض، إنما الميزان الذي به يتفاضل الناس هو: صحة الفكرة حيت توافق الواقع يرافقها حُسْن الخُلُق؛ فيتبعه رقي في السلوك وإرتفاع في المعاشرة فتتبلور التقوىٰ في اسمى معانيها، وهو ما قاله النبي صلىٰ الله عليه وسلم لواحد من خِيرَةِ الصحابة وهو سيدنا أبو ذَرٍّ الغفاريُّ رضوان الله عليهم فـ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له» انظُرْ فإنَّك لستَ بخيرٍ من أحمرَ ولا أسوْدَ إلَّا أن تَفْضُلَه بتقوًىٰ الله« [(4)]. فـ
[3. 2. ] التعصب جاهليةٌ مَقِيتَةٌ، حَسَمَهَا الإسلام وقضى عليها من جذورها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنَّ أنسابَكُم هذِهِ ليسَت بِمَسبَّةٍ علَى أحدِكم؛ كلُّكم بَنو آدمَ ليسَ لأحدٍ علَى أحَدٍ فضلٌ إلَّا بدينٍ أو تَقوى".[(5)]. وذم النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم العَصَبِيَّة والتعصُّب في كثير من أحاديثه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «ليس منَّا مَن دعا إلى عَصَبِيَّةٍ، وليس منا مَن قاتَلَ على عَصَبية، وليس منَّا مَن مات على عَصَبية»[(6)].
وقد أبطل الإسلام كلَّ دَوَافع التعصُّب وقضى عليها؛ فنهى عن التفاخُر بالآباء، أو التعالي بسبب الحَسَب والنَّسَب، أو تقديم العادات والتقاليد على الحق والعقل.
[3. ] وبعد هذه المُقدمة عن حقيقة التَّعصب، نعرض للحديث بشيء منَ التَّفصيل عن جملة وجوه أساسية منَ التَّعصب.إذ أن هناك العديد من الأسباب الأساسية والثانوية التي أدّت إلىٰ التعصب المذهبي؛ نذكر منها :[(7)]
[3 .1 . ] عدم الالتزام الصحيح والكامل بمنهجية الإسلام؛ والفهم العميق لشريعته علىٰ مستوىٰ الأفكار والمفاهيم والقيم والمبادئ والمشاعر والسلوكيات، لأن ديننا الحنيف يقوم علىٰ العدل والمساواة، والتوازن والاعتدال، ولا يقوم علىٰ التطرف والغلو والتعصب للباطل.
[3. 2. ] الدور السلبي الذي قام به العلماء المتعصبون، فهم الذين دعوا إلىٰ التعصب المذهبي ونشروه، وشجعوا عليه وشاركوا فيه، فكانت أفعالهم هذه مشاركة سلبية أججت التعصب ولم تحد فيه.
[3. 3. ] الموقف السلبي لكثير من الخلفاء والملوك وأعوانهم؛ ثم المؤسسة الدينية؛ وتراجع الحكام عند دورهم الرعوي في التعامل مع ظاهرة التعصب المذهبي، فلم يسعوا إلىٰ التخلص منها، فلم يحسنوا التعامل معها، فاتخذوا لأنفسهم مذاهب وتعصبوا لها، ونصروها علىٰ حساب المذاهب الأخرىٰ بالأقوال والأفعال؛ أو تم تفعيل استراتيجية غمض العين كي يضرب بعضهم بعضاً.
[3. 4. ] الأعمال السلبية التي قام بها فئة الوعُاظ المتعصبون، فاستغلوا وظيفتهم لنشر التعصب المذهبي والتشجيع علىٰ الفتن والمصادمات.
[ 3. 5. ] ردود أفعال الأتباع المتمذهبين في تفاعلهم مع مذاهبهم، فمن الطبيعي أنها تولد فيهم الرغبة للإنتصار لها والدفاع عنها.
[3. 6. ] تمذهب عوام الناس، فلما تمذهبوا تعصبوا لمذاهبهم عن جهل وطيش، وعصبية عمياء، وبتحريض من علمائهم وحكامهم المتعصبين مثلهم.
[3. 7. ] رواج الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين المتمذهبين المتعصبين.
[3. 8. ] بقاء كثير من المسائل -الأصولية والفقهية- المختلف فيها بين المذاهب علىٰ ما هي عليه، من دون تحقيق؛ وتدقيق علمي نزيه يرفع عنها الخلاف، حتى وإن كانت أدلتهم ضعيفة، فأدىٰ ذلك إلىٰ تكريس العصبية المذهبية والتشجيع عليها، والدفاع عنها، وإبقاء مسائل الخلاف قائمة.
[ 3. 9. ] الدور السلبي لجهاز القضاء خلال العصر الإسلامي في تعامله مع المذاهب الفقهية والتعصب لها، فعندما كان القضاء "الشرعي" أحادي المذهب، كان يحكم بالمذهب الذي تتبناه الدولة، وعلىٰ المذاهب الاخرى الخضوع لمذهب الدولة والأخذ به؛ أحبت أم كرهت، كما أن مذهب الدولة الرسمي مكّن لأتباعه من إستخدام نفوذهم في الدولة لنشره وتقويته، والتعصب على مخالفيه.
هذه بعض الأسباب التي كانت وراء التعصب المذهبي بين المسلمين.
وأما الأسباب الفكرية للتعصب؟
فـ من أهم الأسباب التي تؤدي إلىٰ التعصب هي:
[3. 10.] ادعاء الحق المطلق؛ و أن كل فئة أو متبعي مذهب أو دين يدعون أنهم يملكون الحق المطلق؛ ولا يستطيعون الايمان أن الحق واحد لكن له أوجه متعددة؛ ويمكن أن ترىٰ فئة جزءا من الحق مع أن فئة أخرىٰ ترىٰ جزءا آخر من نفس الحق. وذلك بسبب الجهل بحقيقة أن الحق واحد لكن الصواب متعدد، وقد يكون للحق الواحد أوجه عدة من الصواب. الأمر الذي يؤدي إلىٰ رفض سنة الاختلاف، والنزوع إلىٰ الإقصاء والعنف.
[3. 11. ] والانحراف عن معايير العدالة والتفكير العميق في المسائل والقضايا التي تهم الناس أو تشغلهم، فأغلب معتنقي الأديان، يؤمنون بالدين بشكل بعيد عن تحكيم العقل، مع تغيب القوى الإدراكية في الإنسان؛ وضعف البحث لإدراك مراد الشارع؛ فـ هناك أمثلة في جميع الديانات والمذاهب حتىٰ الاسلامية منها. وحتىٰ لو ظهر لهم الحق في دين او مذهب أخر فيبقىٰ المتعصب مصرا علىٰ رأيه و لا يزن الآراء بميزان العدالة ولا يُفعل الوعي المستنير في المسائل والقضايا.
[2. 12. ] غلبة مفهوم التعصب علىٰ مفهوم الإنتماء والهوية، وردمت المصالح العليا في حفرة التقوقع الحزبي أو الجمعي للكتلة الواحدة؛فأصبح كل فئة في المجتمع تدافع عن حقوق طائفتها أو دينها بغض النظر عن اشتراكهم في الانسانية أو الجنسية الواحدة، فترى ظهور الحكومات ذات التقسيمات الطائفية.
[3. 13.] التَّعصب للأهل والعشيرة؛ الجماعة أو الحزب:
وهذا الضَّرب منَ التَّعصب كريه ومقيت؛ لأنه يكشف عن خسَّة في اهتمام المرء وفي هواه، إذ يجنح لأهله وأقربائه، أو حزبه وجماعته في الحق أو الباطل، وينصرهم ظالمين ومظلومين، ويؤيدهم في عامة الأحوال والوقائع بالرَّغم من ضلالهم وتلبسهم بالشر والخطيئة، وذلك خُلُق ذميم وبغيض، تنفر منه قلوب المسلمين المخلصين الذين لا تملك أعصابهم ومشاعرهم صيحة الباطل، يرددها الأهل وأولوا القربى، وإنما يترفعون في أنفة واستعلاء علىٰ الظالمين والمعتدين، ولو كانوا أولي قربى.
يندد الرسول صلى الله عليه وسلم بالعصبية والداعين إليها؛ لأنها شر ومفسدة وانحدار بالطبائع والأذهان إلىٰ ديجور التَّخلف والانحطاط، فقال عليه الصلاة والسلام «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منَّا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية»[(8)]، وقوله «ليس منا» يعني: ليس علىٰ طريقتنا ومنهجنا الحق وهو الإسلام بقيمه وتعاليمه ومفاهيمه ومبادئه المنافية للهوى الظالم، أو التعصب للشر وأهله، أو مُناصرة المبطلين والظالمين في عامة الأحوال؛ وإنما المسلمون متناصحون مقسطون بررة، لا يشهدون الزُّور، ولا يقولون غير الحق والصدق مهما تكن الظروف، فلا يمنعهم أن يقولوا الحق والصواب مهابة الناس أو استحياء من عشيرة أو أولي قربىٰ. فتلك حميَّة جاهلية باطلة يندد بها الإسلام، ويحرض الناس علىٰ الاستعلاء عليها، والانعتاق من طغيانها علىٰ العقول والقلوب. وفي التَّحريض علىٰ العدل والاستقامة والصدق في الشهادة والقضاء، دون محاباة أو جنوح لأولي قربىٰ، يقول جل وعلا « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»[(9)]، وذلك تحريض منَ الله للمسلمين علىٰ قول الحق والصدق، والحكم بالعدل بين الناس، وألا يلووا في الحكم والشهادة سواء كان المحق قريبًا أو بعيدًا، مسلمًا أو غير مسلم، وهذه غاية في القسط والاستقامة، وذروة سامقة في الفضيلة، والصدق، ومجانبة الزور، أو التَّعصب للباطل.
وفي التَّحذير منَ الجاهليَّة وتصوراتها واهتماماتها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله عز وجل أذهب عنكم عُبية الجاهلية، وفخرها بالآباء؛ الناس بنو آدم وآدم من تراب، مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفتخرون برجال؛ إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها»[(10)]، والعُبية: بضم العين منَ التَّعبية؛ أي الكبر.
[3. 14.] في الترهيب من عصبية الجاهلية والتفاخر بالآباء والعشيرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديًا ينادي: ألا إني جعلت نسبًا، وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟»[(11)].
[3. 15.] التَّعصب للعرق واللون:
وهذا النَّوع منَ التَّعصب بغيض وممقوت، وهو إيغال في السَّفه والجهالة، وصفاقة في الحس والضمير، وهذه حقيقة لا تقبل المراء، ما دمنا نستيقن أن البشرية أصلها واحد وهو التراب، فكيف يليق إذًا بذي عقل وبصر، أو بذي وجدان وحس، أن يتعصب للدم أو اللون علىٰ اختلافه وتعدده ما دام ذلك يغني منَ الحق والسداد والمنطق شيئًا، فالناس جميعًا في ميزان الإسلام سواسية لا يميزهم إلا الفضيلة والاستقامة وصالح الأعمال.
ومن عجائب ما سقطت فيه الشعوب والأمم على مدار التاريخ والزمن، تلك الجهالات المُسِفَّة، والضلالات الصمَّاء الموغلة في التَّعسف والطغيان، والتي تلبس بها كثير منَ الأمم طيلة الأدهار؛ وعلى مر الأعصار، أولئك الذين غلبت عليهم قسوة القلوب الغُلف، وغاصت فيهم خصائص الإنسانية الشفيفة من رأفة، ورقة، ولين، فراحوا يعذبون البشر، ويضطهدونهم اضطهادًا، ويسومونهم ألوان الطغيان والإذلال والمهانة؛ لكونهم منَ السود أو الملونين!!. يا لله لهذا الهول الشَّنيع، وتلكمُ الحماقة المفحشة المسترذلة! هؤلاء العُتاة الجبابرة الأشقياء ينكلون بالأبرياء منَ الناس بغير حق، ويسفكون دماءهم لعبًا ولهوًا واستهتارًا، وبما تسوله لهم أمزجتهم المريضة، وطبائعهم الكزة الحافلة بالسقم والاعوجاج، ودون سبب إلاَّ أنهم سود البشرة والوجوه!. نعلم عن فظاعة الأفاعيل الرهيبة النكراء التي أنزلها الأوربيون المتعصبون بالهنود الحمر في أمريكا وبالأفارقة الذين سيقوا عبيدًا، إذ قتلوا منهم ما لا يقل عن مائتي مليون، لكونهم ملونين!! إن ذلكم لهو التَّعصب الشنيع المذهل، والفظاعة المريعة النكراء، وأولئك هم المتعصبون الأشقياء!!. وفي هذه الغمرة منَ التعصب المجنون، والحماقة البالغة المفحشة، يأتي دور المسلمين الذين جاؤوا إلىٰ الدنيا علىٰ قدر منَ الله؛ لكي يشيعوا العدل والرحمة في الأرض، وليعلموا البشرية منهج الحق والصَّواب، وليحملوا الناس على الصدق، والرحمة، والقسط. لا جَرَم أنَّ المسلمين -أصحاب المنهج الرباني؛ والطريقة المحمدية- صادقون مقسطون رحماء، وهم أبعد الخلق عن الجنوح للعدوان والجور، أو التعصب للضلال والباطل في سائر الأحوال والظروف. المسلمون -أتباع شريعة السماء- رحماء بالإنسانية كافة، بغض النظر عن ألوانهم، وأجناسهم، وأوطانهم، وأديانهم؛ بل إن المسلمين رحماء بالأحياء منَ الكائنات التي لا تعقل، وهم مأجورون في الرَّأفة بها، والحدب عليها.المسلمون أبر الناس بالخلق وأشدهم حرصًا علىٰ القضاء بالحق والقسط، فلا جنوح، ولا زيغ، ولا تعصب، ولا هوى، إلا الحكم بعدل ونصفة، وعلى القسطاس المستقيم. تلك هي حقيقة المسلمين في هذه المسألة، وهم في ذلك كله على الحق الظاهر وعلى جادة الصواب كما علَّمهم الإسلام؛ وكما أنشأهم القرآن بهديه وكمال شرعه وروعة مثله وتعاليمه؛ وكما أظهرت السنة والسيرة النبوية.
وفي التنديد بالتعصب للون أو الجنس أو الأعراق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم منبهًا محذرًا «انظر فإنك لست بخير من أحمر، ولا أسود، إلا أن تفضله بتقوى»[(12)]، قال ذلك مخاطبًا أبا ذر الغفاري، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق من خطبة الوداع فقال «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟»، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: » فليبلغ الشاهد الغائب»[(13)]؛ وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»[(13)].
[3. 16. ] التَّعصب للمِلَّة:
ليس من تعصُّبٍ لدىٰ المسلمين الملتزمين بالمنهج ألبتة، وليس في الإسلام أصلاً من تعصب، ذلك أن المنهجية الإسلامية تقوم علىٰ العدل والمساواة والموضوعية وبساطة العقيدة ويسر التَّشريع، فلا حاجة إذًا للتعصب الذي لا يتفق وطبيعة هذا الدين. علىٰ أن المسلمين وهم يلتزمون بعقيدة الإسلام وما تضمنه من أركان ومعانٍ وتعاليم ومفاهيم وقيم، ويلتزمون بشريعة الإسلام العظيم الواسع مع صادق انتمائهم الكامل لهذا الدين، وحماستهم المشبوبة للتمسك به، ولإشاعته ونشره في ربوع العالمين،فهم أكثر الناس التزامًا بقول الحق في ثبات وصدق ويقين، وهم بذلك أبعد الناس عن الجنوح للزَّيغ، والهوى، أو الميل عن جادة الحق والعدل في كل الأحيان. ذلك هو شأن المسلم إذا ما لزمه القضاء أو الشهادة؛ فإنما يقضي بالحق ولا يشهد إلاَّ بالحق؛ سواء كان المشهود له مسلمًا، أو يهوديًّا، أو نصرانيًّا.
هذه حقيقة جليَّة ليس لها في الأديان والملل والعقائد نظير، ليس كالإسلام في إحقاق الحق وإلزام الناس بشهادة الصدق بعيدًا عن الكذب والظلم والتَّحيز، وإنَّما يتحيَّز المسلم لدى القضاء أو الشهادة إلىٰ ذي الحق كائنًا ما كان، وبغض النظر عن ملته واعتقاده، أو لونه وجنسه وعرقه، وفي ذلك يقول سبحانه « وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» [(14)].
[3. 17.] وفي تكريم غير المسلمين من أهل الكتاب الذين يعيشون في كنف المسلمين وفي ظل الإسلام، وفي وجوب إنصافهم والذَّب عنهم ودرء الأذى والشر والعدوان عنهم، وفي التَّنديد بإيذائهم، أو الحيف عليهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم « من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسه، فأنا حجيجه يوم القيامة » [(15)].
[3. 17. 1. ] ومن وصية عمرَ بن الخطاب للخليفة من بعده «وأوصيه بذمة الله وذمَّة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من وراءهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم»، والمراد بذمَّة الله وذمَّة رسوله، أهل الذمَّة منَ اليهود والنَّصارى، فَهُم في ذمَّة المسلمين؛ أي أمانهم ورعايتهم، فقد استوصىٰ عمر خليفته من بعده بهم فلا يؤذون، ولا يكلفون ما لا يطيقون. ومِنْ روائع الحقائق عن عدل المسلمين ما ذكر عن الخليفة عمر لمَّا جيء إليه بالرَّجل العظيم سليل البيت الطهور، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلكمُ الفذ المِغْوار الهصور علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه وخصمه اليهودي، إذ اختلفا في درع فقضىٰ به عمر لليهودي؛ لانْعِدَام البينة التي تعزز قول علي، لا جَرَم أنَّ ذلكم غاية العدل الذي عزَّ نظيره في العالمين، عدل كامل تجلَّى في القضاء الإسلامي إبَّان مجد الإسلام وعزَّة المسلمين.[( 16)]؛ فحين دب الوهن في إيمان الإتباع؛ وشاع الضعف في أمة اقرأ نشاهد ونسمع ما يجري على ارض يسكنها الإنسان .
ـــــــــــــــــــــ
كلمة أخيرة :" والتعصب ليس نوع واحد، وإنما هناك تعصبات كثيرة منها:
التعصب الأسري، و
التعصب القبلي، و
التعصب العرقي، و
التعصب الجهوي، و
التعصب الحزبي، و
التعصب الديني، و
التعصب للطائفة، و
التعصب المذهبي قد تجلت مظاهره في مختلف جوانب الحياة عند المسلمين خلال العصر الإسلامي، علىٰ مستوىٰ المذاهب والطوائف.
***
أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
***
مُحَمَّدُ فَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ
بِـثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
بِـمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ -
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم السبت ٢٤ من شهر رمضان ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١١ من شهر يوليو عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
(يُتْبَعُ)
**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع
[(1)] المعجم الوسيط" ج 2، ص 604.
[(2)] الحجرات:13..
[(03)] هود: 118.
[(4)] انظر العراقي في: تخريج الإحياء: 3/216 ؛ الحديث : رجاله ثقات؛ كما انظر الألباني في غاية المرام: 308؛ وقال الحديث : حسن.
[(5)] رواه : عقبة بن عامر انظر الألباني في غاية المرام: 310؛ وقال الحديث : إسناده ضعيف. رواية آخرى لنفس الراوي:" أنسابُكُم هذِهِ لَيسَتْ بِمَسبَّةٍ علَى أحدٍ ، كلُّكم بنو آدمَ، طفُّ الصَّاعِ بالصَّاعِ لم تَملَأوها، ليسَ لأحدٍ علَى أحدٍ فضلٌ إلَّا بدينٍ وَتَقوى، كفى بالرَّجلِ أن يَكونَ بذيًّا فاحِشًا بخيلًا».
انظر الألباني في: تخريج مشكاة المصابيح : 4836؛ والحديث : صحيح.
[(6)] رواه جبير بن مطعم ؛ انظر أبو داود في سننه: 5121؛ الحديث : سكت عنه وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح.
[(7)] راجع د. خالد كبير علال: التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي، دار المحتسب ، 2008، ص166- 171. ومن يود من القراء الحصول علىٰ نسخة كاملة من الكتاب الرجاء الإتصال بالكاتب.
[(8)] رواه أحمد، وأبو داود عن جبير بن مطعم.
[(9)] سورة النساء الآية: 135.
[(10)] رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة.
[(11)] رواه الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة.
[(12)] رواه أحمد عن أبي ذر.
[(13)] روىٰ الأول البيهقي، والثاني الطبراني والبيهقي.
[(14)] المائدة : 42.
[(15)] رواه أبو داود عن صفوان بن سليم.
[(16)] عن سعيد بن المسيب أن مسلما ويهوديا اختصما إلى عمر ، فرأى [ أن ] الحق لليهودي ،فقضى له عمر به . فقال له اليهودي : والله لقد قضيت بالحق ، فضربه عمر بالدرة وقال : وما يدريك ؟ فقال اليهودي : والله إنا نجد في التوراة : ليس قاض يقضي بالحق ، إلا كان عن يمينه ملك ، وعن شماله ملك ، يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق ، فإذا ترك الحق عرجا وتركاه.
رواه الإمام مالك في الموطأ و صححه الألباني كذلك أنظر صحيح الترغيب رقم: 2197.
رواية ضعيفة :" وفيها الضعيف مثل مل روى أبو نعيم والبيهقي: أن أمير المؤمنين عليا اختصم ونصرانيا في درع، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للقاضي شريح: اقض بيني وبينه يا شريح، فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذب يا أمير المؤمنين الدرع درعي، فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده، فهل من بَيِّنة؟ فقال علي: صدق شريح، فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء وأمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه هي والله يا أمير المؤمنين درعك اتبعتك مع الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال علي: أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق) فهذا ضعيف جدا فيه حكيم بن خذام أبو سمير متروك الحديث ..وله طريق أخرىٰ ضعيفة أيضاً."

[7] الأمية الفقهية/الفهمية !
[7. 1.] « الخرافة »

«تخاذلت ثم تواطأت المؤسسة الرسمية الدينية بفرعيها -المرقسية&الأزهر؛ ولحقت بهما السلفية الدعوية والعلمية- والمؤسسات التعليمية والتربوية والإجتماعية والطبية والأمنية والإعلامية؛ وأخيراً مؤسسة الرئاسة.. تواطأت تلك المؤسسات منفردة أو مجتمعة في تفشي الخرافة في المجتمع؛ دون وجود خطة ناجعة للقضاء عليها»
1.] يدرك الجميع وجود أمية الحرف والرقم؛ اي عدم القدرة علىٰ القراءة والكتابة والحساب؛ ويعلم الكل أمية التكنولوجيا الحديثة عند فئات عدة من الشعب؛ أي عدم القدرة علىٰ استخدام الوسائل الحديثة في التواصل مع المعلومة؛ وتحصيلها والإستفادة منها، والطامة الكبرىٰ؛ ومنذ حين لم ينتبه أحد إلىٰ الأمية الفقهية عند المسلمين والأمية الفهمية عندنا وعند غيرنا.
2.] يتوارث المصريون منذ عقود طويلة عادات بالية وتقاليد خاطئة ومفاهيم فاسدة وقيم لا تتناسب مع أمة تدعي أنها صاحبة حضارة منذ فجر التاريخ المدون، بيد أن البعض يعتبرها مسلمات لا جدال في صحتها، لكنها في الحقيقة لا تعدو كونها مجرد "خرافات" أو مفاهيم وعادات خاطئة أعتنقها المصريون وأمنوا بها بسبب إنتشار الجهل والأمية في ربوع مصر. إذ تذخر كتب التاريخ؛ وكذلك جدران المعابد ولفائف البردىٰ بالكثير من الأساطير المصرية القديمة، كما يذخر الوجدان المصرى وإلىٰ اليوم بالكثير والكثير من الأساطير والخرافات المتوارثة علىٰ مر الأجيال والتى تنتقل من جيل إلى جيل، ورغم إنتشار التعليم وزيادة أعداد المثقفين تظل دائماً منطقة مغلقة فى العقل البشري تحوي الكثير من الخرافات والأساطير يصعب تغييرها ولكنه ليس مستحيل؛ وإن اثرت عليها ثقافة موروثة، ووجد تعليم هزيل، وتربية خاطئة، ومؤسسات رسمية متخاذلة أو متواطئة.... لكن مخطأ من يعتقد أننا نحن المصريون فقط من نؤمن بمثل هذه الخرافات، فأوروبا التى هى رمز العلم والتقدم والحضارة عاشت قروناً طويلة في "وحل" الخرافات و"مستنقع" الجهل، افرز خلاله المجتمع الاوربى العديد من الخرافات والأساطير التى تثير العجب والضحك والسخرية، خرافات تعلقت بكافة صورة الحياة والموت؛ الصحة والمرض؛ الزواج والعنوسة؛ السعادة والحزن؛ الفقر والغنى؛ ولها بقية ضئيلة في وجدان الناس حتى اليوم.
3.] توقفنا في مقال سابق عند الأمية الثالثة المصاحبة لأمة العرب منذ زمان؛ وأهل الإسلام منذ حين؛ ومازالوا -إلا من رحم ربي- يملكون قلة فهم وعلم، وكثرة جهل وظلم؛ والأمية الثالثة ألا وهي الأمية الفقهية/الفهمية؛ واستنبطها كاتب هذه السطور من قول الحكيم الخبير ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [آية رقم ٧٨؛ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ؛ ورقمها: ٤]
4.] بوابة الأهرام؛ بتاريخ تاريخ 28 ديسمبر 2011 نشرت : 247 خرافة.. مئتان سبعة واربعون هي إجمالي الخرافات التي تحكم عدد كبير من المصريين وتسيطر علي كل شئ في مصر.. نعم 274 خرافة يستيقظ عليها النائمون.. وينام عليها المستيقظون.. خرافات سيطرت علي الجهلاء والمثقفين.. الحكام والمحكومين..
الدراسة الميدانية التي أجراها فريق بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والتي شارك فيها الباحثان "نجيب إسكندر ورشدي منصور" فجرت العديد من المفاجآت حيث توصلت إلىٰ أن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات بينهم 11% من المثقفين والرياضيين والفنانين والسياسيين. وهي نفس النتيجة التي خرج بها الباحث محمد عبدالعظيم في دراسة علمية له حيث توصل إلىٰ أن 31% من المصريين بينهم من يحتل المناصب العليا يؤمنون بتقمص الأرواح وأن الاعتقاد بالجان والعفاريت أصبح من المعتقدات الأساسية في حياة المصريين الذين يعتقدون بسيطرة الجن علىٰ تصرفاتهم وهناك أكثر من مليون و 200 الف مواطن في مصر يعتقدون بتصنيف الجن الىٰ أزرق وأحمر كما يعتقدون أن الحذاء القديم الملقى بالشارع هو الدواء الوحيد الناجح للوقاية من الجن والعفاريت الذين يسكنون المقابر والمنازل المهجورة، وأن 75% من المصريين يتحاشون ضرب القطط والكلاب ليلاً لاعتقادهم أن العفاريت تتشكل في أشكال هذه الحيوانات كما يعتقدون ان الجان قادر علىٰ الزواج من النساء والعكس؛ بل والانجاب منهم.. وقالت الدراسة إن 60% من النساء يؤمن بضرورة وضع كف في شعر الطفل حتي لا يصاب بالحول وأن 47% من المصريين يؤمنون تماما بأن رش المياه وراء الشخص المتوفي يمنع موت أحد وراءه وأن المقص المفتوح يجلب النكد.. ووضع المقص تحت رأس النائم يمنع الكابوس، وهناك ماهو أطرف وأغرب من ذلك حيث يعتقد 60% من المصريين أن حرق الخنفسة في الشقة غير المسكونة يجلب لها السكان، وأن تعليق حذاء طفل علي جدران المنزل يجلب السعادة لسكانه..
قراءة الفنجان والكف: أيضا دراسة الباحث محمد عبدالعظيم أكدت علىٰ أن 30 الف شخص في مصر يدعون علم الغيب وقراءة الفنجان والكف كما يؤمن 70% من المصريين بقدراتهم الخارقة في معرفة ما يخبئه لهم القدر من أحداث فضلاً عن قدرات أخري منها علاج المرضي بالأرواح. .
الباحثة اكرام زايد أيضا، قالت في دراسة لها حول الخلفة (الإنجاب) إن 60%من النساء ترين أنه علىٰ المرأة التي يتأخر حملها أن تذهب الىٰ "الدحريجة" لتتدحرج سبع مرات لعلها تحقق أملها في الإنجاب فالمرأة التي لا تنجب في الشرقية مثلا تقوم بزيارة تمثالين لرجل وامرأة وتحتضنهما تحت ملاءة ثم تستحم وتكسر زيراً من أجل الانجاب..
أقول؛ الرمادي: بأن بالإٍسكندرية ضريح للسيدة نعيمة تذهب المرأة التي تريد الإنجاب سبعة أيام جمع متتاليات وتمر فوق أجنة محنطة ثم تغتسل في الضريح وتذهب لفورها إلى بيت الزوجية ليجامعها الزوج فتنجب. وهذا مقابل إكرامية لخادمة الضريح.
قرص ركبة العروس فى ليلة الدخلة: في واحة سيوة هناك ضرورة لان تستحم العروس في نبع من الماء ليلة عرسها اعتقاداً من الأهالي بوجود قوة تكسبها الخير والجمال وتبعد عنها الشر، كما يؤمن 93% من نساء الريف المصري بما يسمي بالمشاهرة وهو عدم دخول أي رجل حليق الذقن على المرأة بعد ولادتها بـ 40 يوما وكذلك عدم الدخول بلحم غير مطهي والا منع عنها اللبن أو تتأخر في حملها التالي.
أقول : بأن القطة كذلك تشهر المرأة؛ فتمنعها من الحبل ...
كما وأن 62% من البنات في مصر يؤمن بضرورة عدم التحديق في المرآة ليلا حتي لا يفوتهن قطار الزواج. وأن أكثر من "50%" منهن مازلن يعتقدن في صحة قرص ركبة العروس في ليلة دخلتها حتي تصيبهم العدوى ويتزوجن في وقت قريب بعدها، ومن تلحس بطن الضفدعة تستطيع الزغردة. وأن أي بنت تأكل سمكا أو لبنا يوم الأربعاء تتجنن فوراً .
أعمليلوا حجاب علشان يحبك: وأن "90%" من المصريين حسب ما أورده البحث يؤمنون أشد الايمان وحتي الآن بما يسمى: "الربط الجنسي" بين الأزواج. وهو ايمان لا يفرق بين أهل الريف وأهل المدينة، وأنه عليهم استخدام -الأحجبة- وبالفعل يستعملها "80%" من المصريين في أغراض كثيرة منها، الحماية من المرض، وابطال تأثير العفاريت واستمالة قلب المحب، والنجاح في العمل الخ.. ولا يخشي المصريون من شيء قدر خشيتهم من "القطة السوداء" حسبما اقر "50%" والذين ينظرون الي القطة السوداء باعتبارها رمزا للتشاؤم.
عين الحسود: أيضا يؤمن المصريون بأن الحجاب يقي من "عين الحسود" وايضا وضع قليل من الملح في كيس يعلق في رقبة الأطفال وكذلك ناب الذئب او ناب الضبع أو رأس الهدهد. وطرق الوقاية التي وضعها المصريون للوقاية من الحسد كثيرة. منها البخور "وخمسة وخميسة" والعروسة الورقية التي يتم ثقبها بإبرة الخياطة بأسماء من يريدون منع حسدهم، وذلك بقول من عين فلان وفلان الى أن تنتهي قائمة الاسماء. ثم يتم حرق هذه العروس الورقية والاحتفاظ بناتج احراقها. ورسمه على شكل صليب على جبهة الشخص المحسود.
أضيف : وهذا حدث في الغرب بأن الأم تلبس ابناءها الملابس الداخلية بـ "الشقلوب" لصد عين الحاسد .
ومن واقع الدراسات الميدانية يوضح أن الخرافة في مصر لم تعد خرافة أفراد وإنما تقف وراءها أيدي مجهولة تحترف تغييب الوعي ودفن عقل المصريين في ثلاجة التخريف.
4.] سببٌ من اسباب تخلف المسلمين وتراجعهم في قيادة الامم دينا ودنيا...بعدما كنا كذلك ...تفشي «الخرافة»!! في تلك مجتمعاتنا، فالخُرَافَةُ: هي الحديث المستَمْلَحُ المكذوبُ؛ وأخرفه: أفسد عقله؛ وكَلاَمُهُ كُلُّهُ تَخْرِيفٌ أي كَلاَمُهُ كُلُّهُ خُرَافَاتٌ وَاعْتِقَادَاتٌ فَاسِدَةٌ وكلام وهميّ غير منطقيّ يُنْكره العقل، وهي قضية ذات جانب خطير جداً في الإنسان؛ لو استطاعت أن تسيطر عليه فقد تدمره... وبالتالي تدمر أمة، فهي سر من أسرار تحطيم الإنسان وتحطيم الأمم .فهي داء وبيل ما أصعب علاجه! إذ هي علة تصيب العقول لا الأجسام .فـ الفكر الخرافي هو مجموعة من قصص وحكايات وآراء سخيفة، تستبدل الحق بالكذب. وهي معتقدات وأفكار لا تتفق مع الواقع الموضوعي بل تتعارض معه. فـ قضية الخرافة قضية كبيرة تجتاح مجتمعنا بشتى الأنواع ....والعقل هو أعظم ما وهب الله للعبد؛ به يرتقي أناس، وينحط به آخرون، ميّز به الإنسان عن بقية المخلوقات، به يسود الفرد، وينال الصدارة، ويميز الخير من الشر، ويعمل النفع ويبتعد عن الضر. والخرافة تقوم على أساس أساطير وهمية، فالخرافة أساطير وروايات لا محل لها من التصديق. فالخرافة تعطيل العقل عن دوره المنوط به، أو انحطاط في التفكير مما يفقد الإنسان إنسانيته . تنتشر الخرافات في كل المجتمعات العالمية وتعتبر كموروث ثقافي يتنقل من جيل لأخر، فأغلب قصص وروايات الطفولة نسجت بناء على هذه الخرافات..إلا أن العالم العربي يعد بيئة خصبة للحكايات والخرافات والتي تختلف بشكل بسيط بين الأقاليم العربية المختلفة.
ففي :
4. 1.] بلاد الشام تنتشر عدة خرافات تختلف طبيعتها حسب الوضع المادي أو الجغرافي للمكان القائمة فيه، وفي
4. 1. 1. ] سوريا وعند الانتقال إلى منزل جديد، يحضر الساكن الجديد نبتة خضراء ومقص ومصحف ويدخل بالرجل اليمين أملا بجلب الخير والبركة. أما في
4. 1. 2. ] لبنان، وعند الشعور بالحكة باليد اليمين فهناك اعتقاد بأن صاحبها سوف يتلقى مبلغا ماليا، على عكس اليد اليسار فعند شعور صاحبها بالحكة فإنه سيقوم بدفع مبلغ مالي.
أما في
4. 2. ] الأردن، فعلى من يأكل "المنسف"، أشهر طبق أردني، أن يضع قدمه اليسار بمستوى المعدة بشكل ضاغط قليلا كي لا يتعرض للنبذ، مع العلم أن السبب هو تكوين ضغط على المعدة حتى لا يسترسل الضيف بالأكل ويصل لمستوى التخمة.
وفي
4. 3. ] فلسطين، يرمى الأرز بعد الانتهاء من مراسم الزواج. كما يقوم الضيوف برش الأرز على كلٍ من العريس والعروس كرمز للسعادة والحياة الأبدية وتمني الذرية الصالحة للعروسين. كما يحدث أن يرش الأرز على جنازات الشهداء، وذلك تعبيرا عن مشاعر الفخر والاعتزاز بما قدمه للوطن.
لكن في
4. 4. ] مصر تنتشر خرافة طريفة فطبخ الملوخية يرتبط "بالشهقة" وعند سكب الثوم على الملوخية يجب على ربة المنزل أن تشهق (أقول : وتتلفظ الطابخة بلفظة قبيحة!) وإلا تعرض طبختها للخراب ولم يعرف السبب وراء ذلك الى هذا الحين.
وفي
4. 5. ] العراق، يكسر الناس بيضة على كل مقتنى جديد، للحماية من العين والحسد. كما تنتشر في معظم دول الخليج خرافة "الجاثوم" كائن من الجن يجثم على صدر الإنسان ويخنقه أثناء نومه على ظهره، بينما يرى الباحثون أنه ليس جناً ولكنه كابوس بسبب الإفراط في تناول الطعام قبل النوم. وفي بلاد الشام يسمى هذا الكابوس "كابوس أبو رابوس".
وفي
4. 6. ] المغرب العربي، تنتشر خرافة مشابهة لخرافة النبات والبيت الجديد كانتشار النار في الهشيم، إذ لا يمكن دخول سكن جديد أو تدشين محل تجاري دون سكب الحليب أو ماء الزهر، وبالنسبة للميسورين ذبح ثور أو بقرة، فالحدث يقتضي إكرام المكان وحيطانه حتى ترضى على ساكنه الجديد. ويؤمن الكثير من المغاربة بالذبيحة قبل أن تطأ أرجلهم سكنا جديدا، أو مقر عمل، أما بالنسبة إلى المعدمين والفقراء فنصف لتر حليب وقارورة من ماء الزهر كافية لطرد النحس وجلب اليمن والبركات.
وتبقى هذه الخرافات غير محصورة وواسعة الانتشار من مجتمع لآخر، وبالرغم من تيقن الأغلبية بمدى عدم واقعية هذه السلوكيات، الا أن الإجماع عليها قائم من باب احياء التراث وابقاء ما كان يفعله الأجداد.
5.] إذن فـ الخرافات على أنواع :
5. 1.] الخرافات العامة: ويدخل فيها الدجل والشعوذة وقراءة الكف والفنجان والأبراج .....والمؤسسة الإعلامية تروج لها إذ هي إعلانات مدفوعة الثمن؛ وبقية المؤسسات تتخاذل وتتوطأ ولا تفعل شيئا؛
5. 2.] الخرافات الدينية: وسأذكر لها أمثلة كثيرة بعد قليل.
ونتساءل مرة ثانية : هل في المسلمين اليوم من يهلل لأخبار الخرافات ؟؛
ونتساءل : لماذا تقاعست المؤسسات الرسمية كــ الدينية (المرقسية؛الأزهر؛ وجيش يطلق عليهم "دعاة") عن القيام بدورها التنويري؛ أم أنهم جميعا يستفيدون من حالة الجهل هذه لتثبيت الأقدام في المجتمع "الجاهلي؛ الأمي"!؟؛
ونتساءل : لماذا لا تقوم بقية المؤسسات الرسمية بدورها المنوط بها لمكافحة الخرافة؛ كما يدعون أنهم يكافحون أمية الحرف والفقر والبطالة؟
للأسف هناك نسبة غير قليلة ممن أصابهم الخرف، وهناك أعداد غير يسيرة ممن باعوا عقولهم وعطلوا ملكاتهم وانساقوا وراء السراب والخداع والكذب واستسلموا لمن يضحك عليهم ويسرق أموالهم ويدمر عقولهم .
وإذا أردت الدليل على انتشار الفكر الخرافي فما عليك إلا أن تلقي نظرة على برامج القنوات الفضائية والإذاعات المحلية لترى كم عدد البرامج الذي يستضيف العرافين وقارئي الأبراج والسحرة والمشعوذين وطاردي الجن والذين يتواصلون مع المشاهدين والمستمعين عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ورسائل الهاتف المحمول .
النوع الثاني من الخرافات : الخرافات الدينية، وهي قصص وهمية وأكاذيب يخترعها بعض الناس إما بحسن نية يقصدون من ذلك دعوة الناس للإيمان، وإما أنها مدسوسة عليهم لابتزاز أموالهم والضحك عليهم والأمثلة على ذلك كثيرة:.[رجاء : انظر الملحق]
وصدق من قال :
لكل داءٍ دواء يستطب به ** إلا الحماقة أعيت من يداويها
ابو الطيب المتنبي
الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر، في كل يوم تنتشر عشرات الخرافات عبر بريد شبكة المعلومات وعبر الهواتف المحمولة. من المستفيد؟
هؤلاء الناس النقلة لهذه الخرافات إن أحسن الظن فيهم قلنا : إنهم يحبون إسلامهم، ولكن هل الإسلام دين المغفلين ؟ هل الإسلام دين الحمقى ؟
ما رفع دين قيمة العقل كما رفعها الإسلام، ويكفي أن لا تكليف بلا عقل : (رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يفيق).
وقد أجمع علماء المسلمين على أن العقل هو إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها ولذا حرم الله الخمر والمخدرات، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: ( إن الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل والمال ) كم مرة خاطب الله في القرآن الكريم أصحاب العقول والألباب؟
«أفلا تعقلون»[البقرة:44] – «أفلا يتدبرون»[النساء:82]- «أفلا تتفكرون»[الأنعام:50]- «أفلا تتذكرون»[الأنعام:80]- «أفلا تذكرون»[يونس:3]- «أفلا تسمعون»[القصص:71]- «أفلا تبصرون»[الزُّخرُف:51]؛ قال تعالى « لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (164) البقرة. وقال تعالى: « لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» (190) آل عمران. وقال تعالى: « لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (3) الرعد .
أليس معيباً أن يوجد مسلم واحد يؤمن بالخرافات ويتناقلها بعد كل هذه التوجيهات القرآنية ؟!
أقول : القضية تصل في بعض المسائل إلى الشرك -والعياذ بالله-
أليس معيباً أن يوجد مسلم واحد وقد أكرمه الله بالعقل ألا يميز الخبيث من الطيب؟!
أليس معيباً أن يوجد مسلم واحد ساذج في فكره تافه في مناقشته؟!
أليس معيباً أن يوجد مسلم واحد ألعوبة بيد الآخرين ؟!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، الدين الإسلامي لم ينتشر في عصوره الزاهية بالخرافات بل بالعدل والعقل والعمل الصالح، الإسلام يخاطب العقل مباشرة وليس بحاجة إلى أساطير وخرافات لترسيخه أو نشره، فالخرافات لا تخدم الدين بل تهدمه وتجعل المسلمين موضع سخرية الآخرين.
هل يحتاج الله لمثل هذه الخرافات لكي يثبت وجوده؟!
إلى متى يا أمة محمد إلى متى؟؛ إلى متى سوف نظل نصدق كل ما يقال لنا كأننا خراف يقودها راعي مخبول؟
يقول الدكتور مصطفى محمود: " الإيمان وعدمه ليس رهناً بالمعجزات .. "
يقول ألبرت آينشتاين : " هناك أمران لا نهائيان؛ آحدهما : الغباء البشري "
عندما يكتشف الغرب حقيقة علمية ما نذهب ونقول لهم " إنها عندنا في القرآن " ما هذا التكاسل ؟
متى سنحدثهم عن الأشياء الموجودة عندنا قبل أن يكتشفوها؟!
الإسلام دين يحارب الخرافة كلها ولا يلتقي معها في شيء.
ومن الأفكار الشائعة في مصر وهذا كان قبل الفتح الإسلامي أن نهر النيل لا بد أن يلقى فيه فتاة حسناء حتى لا يفيض فلما جاء الفتح الإسلامي وجاء عمرو بن العاص رضي الله عنه أرسل رسالة إلى عمر بن الخطاب وأخبره بالأمر فأرسل عمر رسالة كتب فيها : من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر إن كنت تجري من عندك فلا حاجة لنا بك وإن كنت تجري من عند الله فبارك الله فيك وأمر عمرو بن العاص أن يرميها في النيل. [هذه القصة أخرجها ابن عبدالحكم في فتوح مصر (ص 104 صبيح)؛ وكذلك الواقدي وغيرهم، والمنتظم :ذكر زوال السنة السيئة التي كانت في نيل مصر ، ابن الجوزي؛ وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية . قصة نيل مصر اسنادها لا يصح. قلتُ :" السير والتواريخ يتساهل فيها مالايتساهل في غيرها القصص والأحداث التاريخية فالقصة مجرد قصة و ليس نص تشريعي . "]
لقد أراد رضي الله عنه أن يبين أن هذه سنن كونية من فيضان وانتشار وارتفاع البحار سنن كونية لا علاقة لها بإلقاء فتاة حسناء أو إلقاء شاب لأن هذه سنن كونية ولقد أراد أن يبني العقلية العلمية وأن يدحض الشعوذة والكهانة.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنه : لا تشهد إلاَّ بما رأته عيناك ، وسمعته أذناك ، ووعاهُ قلبك .
بقيت في الموضوع كلمة : نحن في الإسلام نؤمن بالغيب ، والإيمان بالغيب شرط أساسي للإيمان لكن أي غيب هذا الذي نؤمن به؟ إنه الغيب الذي جاءنا عبر الخبر الصادق . نحن في هذا العالم لدينا عالم الشهادة (عالم الغيب والشهادة) وهو كل ما ندركه بحواسنا من سمع وبصر وشم ورائحة وإحساس وإدراك. وهناك عالم غيب والغيب قسمان : قسم ندركه بعقولنا ، نستدل عليه بآثاره ، البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، نهار ساج وليل داج وسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أفلا يدل على الصانع الخبير؟!
نحن ندرك وجود الله بعقولنا قال الله تعالى: ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) [الأنعام:103]
وهناك قسم آخر من عالم الغيب لا ندركه بعقولنا كالملائكة والجن والجنة والنار والقيامة والرسل السابقين، طريق الإيمان بذلك هو الخبر الصادق الوارد في القرآن الكريم أو في الأحاديث الصحيحة.
تتبقى قضية : وهي جرائم السحر والشعوذة : أثبتت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن المصريين ينفقون 10 مليارات جنيه سنوياً على الدجالين والمشعوذين والنصابين الذين يدعون ـكذباًـ قدرتهم على تسخير الجان وعلاج الأمراض والمشاكل الصحية والاجتماعية، كما أوضحت الدراسة أن هناك ما يقارب من 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر، فضلاً عن أن هناك مليون مصري على الأقل يعتقدون أنهم ممسوسون من تحت الأرض، وكشفت الدراسة عن أن 50% من النساء المصريات يعتقدن اعتقاداً جازماً بتأثير السحر على جوانب الحياة؛ خاصة الجانب الاجتماعي منها [جريدة الوفد ـ 30/7/2003.]، وتنتشر أعمال الدجل والشعوذة في صورة متعددة مثل قراءة الفنجان أو إعداد الأحجبة أو طرد الأرواح الشريرة، إضافة إلى جلسات "فتح المندل"، التي يدعي المشعوذون أنهم قادرون بواسطتها على كشف أمور تحدث في أماكن أخرى. أوضحت الدراسة أن زيادة أعداد الدجالين مرتبطة بتزايد الاعتقاد في الخرافات. ويأتي المتعلمون وأصحاب المستويات الثقافية الرفيعة ضمن الفئات الأكثر ترددا على هؤلاء الدجالين، حتى أصبح المعدل دجالا واحدا لكل 283 مواطنا، باعتبار عدد السكان في البلاد وصل إلى 97 مليون نسمة.
يفسر لنا د. منتصر هذه الظاهرة وخلفياتها بقوله: " الخرافة في مصر هي بنت شرعية للعجز وقلة الحيلة، وعندما يفشل مجتمع في تفسير ظواهر التغير وعوامل الخلل و"اللخبطة" و"اللخفنة" فيه فإن أبناءه يدقون بشدة على أبواب الخرافة والدجل لعلهم يجدون السبيل والحل والضوء في نهاية النفق المعتم، ولأننا بلد يزدري العلم ويحتقر الإحصائيات ويمقت التحليل ويبالغ فى التواكل والفهلوة وقول ياباسط، فقد أعطينا العقل أجازة مفتوحة وأقمنا له سرادقاً باتساع حدود هذا الوطن لنستقبل العزاء فيه، وعندما تسللت الخرافة وخرجت من رحم الطبقات الشعبية لتفض بكارة أهم مؤسساتنا الاجتماعية لم نحرك ساكناً واكتفينا بالفرجة، لم نندهش عندما صدر حكم محكمة الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية بالطلاق لزوجه أدعت أن زوجها متزوج من "جنية" أو عفريتة دأبت على إزعاجها هي وأولادها وخاصة بعد أن حملت الجنية وخلفت من الزوج!، كده بسهولة برغم أن زوجات معدمات تحفى أقدامهن للحصول على حكم طلاق مماثل بدون وجود منافسة من الجنيات ولكن بلا فائدة، ولم نندهش أيضاً حين عرفنا أن زيارة أضرحة الأولياء أصبحت واجباً مقدساً لكبار القوم من الوزراء والسياسيين بل ورؤساء الجامعات!، ولم نفاجأ حين قرأنا أن أحد وزراء الداخلية كان يستعين بشخص "أهطل" من الرجال البركة لكي يساعده في اتخاذ قراراته المصيرية التي يتعلق بها مستقبل ومصير البلد، وأن هناك مسئولين كباراً كانوا يحضرون روح زعيم سياسي لإستشارته وأخذ رأيه .... الخ، أي أننا ببساطة تبلدنا في استقبال مثل هذه الأمور لأنها صارت عادية بل ومحتفى بها لأنها دخلت في النسيج الإجتماعى لمصر ملتصقة بكرات دمها الحمراء.
[ د. خالد منتصر ـ الخرافة تحكم مصر - مصر تنفق عشرة مليار جنيه سنوياً على الدجل والخرافة ـ 10/7/2004]
ملحق الخرافة
:" والأمثلة على هذه الخرافات ما أكثرها مثل
1.] هل وصلتك رسالة الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية وُطلِب منك أن تطبعها خمساً وعشرين مرة، مع التحذير من إنكارها وإتلافها؟.
2.] هل وصلتك حادثة الفتاة التي ألقت القرآن فتحولت إلى حيوان غريب!!!! وبعد ذلك يكتشف الناس أنها مجسم فني لفنان فرنسي!!
3.] هل وصلك شريط فيديو الشاب الذي يعذب في قبره .
4.] هل وصلتك قصّة المرأة الحامل التي فتحوا قبرها فوجدوا ابنها المولود يرضع من ثديها.
5.] هل وصلتك صورة العناكب العملاقة التي قامت بنصرة المجاهدين في العراق ؟
6.] هل وصلتك صورة صدام التي ظهرت على القمر؟
7.] هل وصلك موضوع جهنم التي اكتشف العباقرة أنها في سيبيريا وتتعالى من هناك أصوات المعذبين؟....
8.] هل تعلم أن الصليب الأحمر الدولي الذي كلف بتجميع الجثث ودفنها في مزار شريف لاحظ عدم تعفن جثث مقاتلي طالبان، وحاول الخبراء أن يعزو ذلك للجو البارد، ولكن صدمهم أن جثث جنود تحالف الشمال تنتفخ، وتخرج منها رائحة كريهة، وما يزال ( الخبراء ) يبحثون عن لغز طعام جنود طالبان، وهل هناك علاقة بين أكلهم والتركيبة الدموية، وهل يمكن استخدام أكلهم لعلم التحنيط، خصوصا أن بعضهم دمائهم تبقى حارة وهم ميتون ؟!!!؛ يختم الخبر بكلمة : سبحان الله.
9.] شركة مايكروسوفت إكسل تكشف عن إعجاز قرآني جديد !!.
10.] مايكل جاكسون أعلن إسلامه.
11.] يوري جاجارين أول رائد فضاء سوفيتي يسمع الأذان في الفضاء.
12.] نيل أرمسترونغ أول رائد فضاء أمريكي يسمع الأذان في الفضاء وعندما كان في زيارة إلى مصر سمع الصوت نفسه فأسلم مباشرة وقد طرد من عمله بسبب إسلامه.
13.] صورة البطيخة التي قسمت فوجد مكتوباً في داخلها لا إله إلا الله محمد رسول الله.
14.] صورة الغابة التي في ألمانيا والتي تكتب الأشجار على الجهة اليمنى لا إله إلا الله وتكتب الأشجار على الجهة اليسرى محمد رسول الله.
15.] المصارع باتيستا يسلم بعد أن يجد عروقه تكتب على يده اليمين كلمة "الله" وعلى يده اليسرى كلمة "الإسلام".
16.] هل وصلتك رسالة تقول، إن صاحب الصور المشينة للرسوم...وجد محروقا بعد يومين من تاريخ نشره للصور...
17.] لبناني نصراني اسمه يوسف معلوف سمع صوت الأذان في أعماق البحر وأعلن إسلامه في دولة الإمارات العربية وقد اصطحب معه إيطاليان إلى نفس الأعماق فسمعا الأذان فأسلما.
18.] هل وصلتك صورة السحابة التي تكتب اسم الله.
19.] هل وصلتك صورة السحابة التي تبدي عيوناً تدمع.
20.] هل تعلم أن معنى كلمة " PEPSI ": pay every pens save Israel ادفع كل قرش لإنقاذ إسرائيل.
21.] هل تعلم أنك لو قرأت كلمة "كوكا كولا" مقلوبة وهي مواجهة للمرآة لوجدتها: لا مكة لا محمد.
22.] في حي الميدان بدمشق: امرأة تدعو على أولادها في ليلة القدر فتيبست أعضاؤهم وقد أحضروا لها كبار العلماء ليحلوا لها مشكلتها وتبين أنها لابد أن تنتظر حتى ليلة القدر القادمة لكي تدعو الله لهم لا عليهم ليتحرروا من يبسهم.
23.] أحدث الخرافات : أحد المحلات التجارية مسكون بالجن وقد ضرب الجن صاحب المحل وعامله ومنعوهما من الدخول.
24.] محفور على الكف اليمنى رقم "١٨" ومحفور على باطن الكف اليسرى "٨١" فيكون المجموع ٩٩ = اسماء الله الحسنى.
25.] اللي يأكل سمك ولبن يوم الأربع يتجنن!،
26.] إذا حد خطي من فوق واحد يقوم الواحد ده يقرع (يتساقط شعره)،
27.] اللي يحلف بالطلاق مع أنه مش متجوز تتطلق منه حوريات من الجنة،
28.] اللي تقرص العروسة ليلة دخلتها تحصلها في جمعتها،
29.] البنت اللي تبص في مراية بالليل تبور(تصيبها العنوسة)،
30.] عروسة الاثنين يزورها الحسن والحسين،
31.] اللي يشوف عربية إسعاف لازم يهرش في رأسه علشان يبعد عنه الحوادث والشر،
32.] حط طوبة على طوبة خلي العاركة منصوبة،
33.] العياط (البكاء) في دورة المياه يجيب العفاريت اللي تاخد الواحد تحت الأرض!،
34.] اللي يسيب العيل بوساخته من غير ما ينضفه أو يحميه يمنع عنه الحسد والعين.
والحق أن بعض هذه الخرافات من شأنها أن تفتح بابًا من الدراسات الثرية لدارسي الفلكلور والأنثروبولوجيا؛ فهي عبارة عن ترسبات واضحة وبقايا من الحضارة الفرعونية تثبت عمق صلة المصريين بتراثهم القديم رغم تعاقب العهود والغزوات والأجناس التي حكمت مصر، على أنه من غير المناسب ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نستمرئ هذه الخرافات التي تحيل حياتنا إلى ركام من الأساطير وتقيد حركتنا في العمل والانطلاق وتزيد من حدة ما نعيشه من هواجس هي إلى المرض النفسي أقرب منها إلى الطبيعة السوية."
"
(يُتْبَعُ)
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ
-حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى –
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم الأحد ١٨ شهر رمضان ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٥ من شهر يوليو عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

[6] استراتيجية «التجهيل»

۱.] علىٰ الرغم من أن الإنسان العادي من جبلته أن يسأل؛ وأن فضولية الطفل تدعوه دائما أن يستفسر لأنه يريد أن يعرف، إلا أن هنالك استراتيجية عامة اُتبعت منذ بداية كتابة التاريخ الإنساني لتجهيل الناس؛ والمحافظة الدؤبة علىٰ إعطاءهم قدراً ضئيلا من المعلومات؛ وكماً متواضعاً من المعارف، فتعلو في سماء تلك المجتمعات وتظللها العقائد البالية والمفاهيم المغلوطة والقيم الفاسدة والأفكار الرجعية والأوهام الكاذبة والخرافات ويسيطر عليهم أهل الشعوذة والدجل فيغيب العقل عمداً؛ فيترتب علىٰ ذلك أن تستسهل فئات معينة تسير الناس كما تريد؛ وتوجهها في الطريق التي تبغيه، فما يقال لها تصدقه؛ وما يبث لها في وسائل المعرفة المتعددة تقبله؛ فيتجذر الجهل -بعدغياب العقل- ويتعمق تسطيح الذهن البشري. وعليه تسعىٰ فئات في المجتمع وطوائف في الدولة إلىٰ تجهيل عموم الشعب لمأرب عدة.
٢.] الدولة التي تحترم شعبها وتقوم برعاية شؤونه رعاية كاملة تعمل علىٰ توعية الأفراد في كافة مجالات المعرفة وكل نواحي الحياة؛ وهذا يعني بالضرورة تحسين الخدمة التعليمية وإرتفاع العملية التربوية والرقي بالذوق الثقافي فـبتالي يرفع مستوىٰ التلقي ، ثم متابعة هذه العمليات مجتمعة ومراقبة الأداء الوظيفي والتقني مع قياس مؤشر الإجادة داخل المجتمع من خلال مؤسسات استطلاعية رسمية أو أهلية؛ ومراجعة دورية لتقييم الوضع الراهن ووضع خطط بديلة إذا استلزم الأمر.
٣.] ارتفاع نسبة الأمية وتضخم درجة الجهل بالحرف والرقم وتدني مستوىٰ القدرة في التعامل مع الوسائل المعرفية الحديثة -التكنولوجيا: إذ يطلق مصطلح الأمية الحديثة علىٰ من لا يجيد استخدام الحاسب في القرن الواحد والعشرون- وهذا يعني تراجع دور المؤسسة الرسمية المعنية، وينبغي أن تحاسب، ليس فقط هذا بل يعني أيضاً تراجع الدولة كراعية وحيدة لكافة شؤون الأفراد وكافة مسائل المجتمع عن دورها المنوط بها .
٤.] حين تتباطأ العملية التربوية بالتوازي مع تراجع العملية التعليمية؛ وتعم الثقافة الرديئة في ارجاء الدولة يسود المجتمع حالة من الجهل ونمط من التسطيح، فينحط؛ فيهتم الإنسان بإشباع مظاهر غرائزه دون قيد خُلقي أو وازع ديني أو مرعاة لموروث ثقافي أو مجتمعي .
٥.] يقص لنا التاريخ الإنساني بأن مؤسسات؛ منها الكهنوتية -والإنسان متدين بفطرته- عملت علىٰ تجهيل الناس مروراً بحقبة فرعون موسىٰ أو إخفاء/تعطيل/تبديل موضع ما من المصادر الأصلية للكتب السماوية أو عدم وجود طبعة تصلح للتداول بين الناس لقراءتها ومن ثم فهمها ثم يأتي زمن الحواشي والشروحات ثم يليه عهد المختصرات ثم يفتح باب غلق الإجتهاد؛ فالسعي لوجود الدولة الدينية التي تحكم باسم الرب؛ وفي حقيقتها تحكم باسم ديكتاتور، أو يعلن الجهاد المقدس ويمارس القتل والترهيب والترعيب باسم الآله، يرافق هذا صكوك الغفران ووعود وعهود في الدار الآخرة فيستقعد الإنسان نفسه علىٰ كرسي الرب الرحمن .
٦.] الفوضىٰ الذهنية/الفكرية/العقلية التي تسود العالم اليوم تعود إلىٰ الأمية الفقهية/الفهمية وإن كان صاحبها يملك أدوات القراءة ولديه قلم وكراسة ليكتب: فكاتب هذه السطور لا يتحدث عن تعريف الأمم المتحدة للأمية البسيطة بأنها :" عدم القدرة على قراءة وكتابة جملة في أي لغة. وهي أساسيات القراءة والكتابة وليست للمستويات المتطورة منها كالشعر والرواية. لذا فالأمية تنقسم إلى أمية القراءة والكتابة ونضيف أمية التكنولوجيا؛ هذا أولاً، وثانيةً الأمية الذهنية أو الفكرية؛ أو مايسميها الكاتب الأمية الفهمية؛ أو الجدب الفكري/الفهمي فلنجعل المدخل لأداة التنفيذ البشرية الجزء الأساسي من الأمية؛ وأقصد الإنسان:
٧.] الأمية كصفة: فيقال عن شخص أنه أُمي إذا لم يكن يستطيع القراءة والكتابة. وبموجب تقرير «تحديات التنمية في الدول العربية لعام 2011» تبلغ نسبة الأمية في البلاد العربية 27.1% من البالغين، 60% منهم إناث. وهي الحاضنة الأولىٰ لرجل الغد وأم المستقبل، فـمن العوامل التي ساعدت علىٰ انتشار الامية:
1- الفقر الذي تعاني منه بعض دول العالم؛
2- واقع المجتمع الرعوي و الريفي؛
3- جهل بعض اولياء الامور باهمية التعليم؛ فالأميــ(ـة) معمل تفريخ لمثلهــ(ـــا)؛
4- سيطرة بعض العادات والتقاليد التي تحد من التعليم المرأة؛ فيقول أحد فرسان المنابر بأن :" الأنثىٰ تخرج ثلاث مرات في حياتها، الأولى من رحم أمها، والثانية إلىٰ بيت زوجها، والثالثة تخرج محمولة لقبرها".
5- الانشغال بالحروب.
٧ . ۱. ] في عام 2003:" دعا مدير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو: التي تتخذ من تونس مقرا دائما لها هي هيئة متخصصة في الجامعة العربية، وقد احتفلت العام 2002 بالذكرى الثانية والثلاثين لتأسيسها.) آنذاك؛ دعا منجي بوسنينة البلدان العربية إلىٰ إعطاء مشكلة الأمية والقضاء عليها الأولوية في برامجها التربوية والاجتماعية. وذكرت المنظمة في بيان بمناسبة الاحتفال باليوم العربي لمحو الأمية :" أن الأعداد الكبيرة للأميين في البلاد العربية تبعث علىٰ القلق". وأضافت أنه "يتعين علىٰ البلدان العربية أن تواصل العمل لاستئصال الأمية والتي تقدر بما بين ستين وسبعين مليونا (إحصاية:2003)، ووضع الخطط الكفيلة بالقضاء عليها وتعزيز حق التعليم للجميع، وإرساء نظم لتعليم الكبار لتمكن المواطن العربي من المشاركة الفعلية في المعرفة".
وأكدت ألكسو أن "محو الأمية يجب أن ينظر إليه علىٰ أنه أولوية في المسار التنموي، داعية المنظمات الإقليمية والدولية إضافة إلىٰ الصناديق وبنوك الاستثمارات إلىٰ دعم برامج الصندوق العربي لمحو الأمية".
وفي عام 2009 " ناقش خبراء من عدة بلدان عربية في العاصمة التونسية كيفية معالجة "معضلة تدني تعليم اللغة العربية"، في إطار خطط عربية مشتركة للنهوض بلغة الضاد. وأعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) أن الاجتماع يندرج في سياق تنفيذ مشروع النهوض باللغة العربية لدخول مجتمع المعرفة الذي أقرته القمة العربية بدمشق العام 2008.
ومن المقرر أن يشارك في الاجتماع الذي يستمر ثلاثة أيام خبراء من تسع دول عربية هي مصر والسودان وسوريا والأردن وتونس والسعودية والجزائر وليبيا والمغرب. وسيعكف المشاركون علىٰ مناقشة خطة الارتقاء باللغة العربية ودراسة كيفية الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية.ويهدف مشروع النهوض باللغة العربية إلىٰ حماية مكانتها بين اللغات العالمية الحية وتداولها في الأنشطة الإعلامية والوسائط المتعددة وتعميم تدريسها في المواد العلمية كالفيزياء والرياضيات. ومن المنتظر أن ينتهي اجتماع ألكسو بإصدار وثيقة تضم التوجهات المستقبلية الرئيسية للنهوض باللغة العربية وتدريسها، إلىٰ جانب خطة للتعاون بين الدول العربية في مجال تبادل الخبرات التدريسية في تخصصات اللغة العربية.
وأوضحت الألكسو في بيان وزعته بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية في الثامن من يناير 2013 " أن تقرير تحديات التنمية في الدول العربية للعام 2011 أشار إلىٰ أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في الدول العربية وصل إلىٰ 72.9% أي أن نسبة الأمية تصل إلىٰ 27.1 في المائة. وأضافت في بيانها أن 60% من الأميين في الوطن العربي هم من الإناث، ونقلت عن تقرير الرصد العالمي للتعليم للجميع للعام 2011، أن هناك 6.188 ملايين طفل وطفلة في الدول العربية غير ملتحقين بالتعليم ممن هم في سن الالتحاق بالتعليم. واعتبرت أن هذا العدد يمثل رافدا دائما للأميين العرب، يضاف إلىٰ ذلك ظاهرة التسرب من التعليم في مرحلته الأولىٰ التي تبلغ ما بين 7% و20% في معظم الدول العربية، حيث تصل في بعضها إلىٰ 30%. وحذرت منظمة الألكسو من أن هذه الأرقام سوف تشكل واحدة من أهم الأخطار التي تعترض التنمية البشرية والاقتصادية والإنسانية في الوطن العربي.
وتحدثت المنظمة العربية للتربية "بأن أكثر من ربع سكان الدول العربية أميون فهم مازالوا محرومين من التعليم ومواصلة التعلم". فبلغت نسبة الأمية في مجمل العالم العربي في عام الفين وثلاثة عشر : سبعة ً وعشرين فاصلة تسعة بالمئة من إجمالي عدد السكان. وبلغ عدد الأميين نحو سبعين [إذا اعتمدنا هذا الرقم فيكون ما يشكل خمسة وعشرين بالمئة من عدد السكان، وثلثا هؤلاء الأميين من النساء أي الأمهات اللواتي يصنعن المستقبل. وأكثر بلدٍ يضم أميين في العالم العربي هو مصر، إذ يبلغ عدد الأميين فيها نحو سبعة عشر مليون نسمة، تليها السودان فالجزائر فالمغرب فاليمن، وبالإجمال تضمُّ هذه الدول الخمسة 78% من الأميّين في البلاد العربية.] تكمل المنظمة قولها : فيبلغ عدد الأميين نحو سبعين إلى مائة مليون نسمة، بحسب إحصائيات حديثة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أليكسو. يُمثلون ما نسبته خمسة ً وثلاثين 35 إلىٰ45%  من سكان المنطقة، وتبلغ نسبة الإناث من الأميين حوالي60  إلى 80%. . لطالما عانىٰ الوطن العربي من الأمية علىٰ مدىٰ سنوات طويلة كما لا تزال نسبة الأمية عند الإناث ضعفها عند الذكور، وقد بلغت نسبة الأمية في عام الفين وخمسة حوالي خمسة وثلاثين بالمئة من إجماليّ السكان .
٧. ٢ .] وفي قراءة آخرىٰ نتساءل :" لماذا تنتشر الأمية في العالم العربي؟ ". فـ:" قالت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم –الألسكو- إن عدد الأميين في المنطقة العربية في عام 2013 بلغ 97.2 مليون شخص من أصل حوالي 340 مليون نسمة، أي نسبة 27.9 في المئة من مجموع السكان. ودقت المنظمة ناقوس الخطر في بيان أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، الذي وافق الثامن من سبتمبر2013، مشيرة الىٰ أن الدول العربية لم تحقق تقدما حقيقيا علىٰ طريق محو الأمية علىٰ مدىٰ سنة 2012. وأضافت الألسكو " أن نسبة النساء من الأميين العرب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما، تبلغ 60 في المئة. وبذلت العديد من الدول العربية جهودا كبيرة في مجال مكافحة الأمية خلال العقد الماضي، وقدمت تعليما قويا ونوعيا ومتميزا ما أدىٰ الىٰ انخفاض نسبة الأميين من إجمالي عدد سكان الوطن العربي من 73 في المئة عام 1970 إلىٰ 28 في المئة العام 2013. لكن ورغم تلك الجهود ظلت أعداد الأميين تتزايد بشكل مضطرد بفعل الزيادة السريعة في عدد السكان. فقد ارتفع عددهم من 50 مليوناً عام 1970 إلىٰ 61 مليوناً عام 1990 ثم 75 مليوناً بحلول عام 2008 ليستقر عددهم عند 97 مليونا العام 2013. وتصنف منظمة اليونسكو العالمية، التابعة للأمم المتحدة، المنطقة العربية كأضعف مناطق العالم في مكافحة الأمية. ويتوقع أن تصبح نسبة الأمية في العالم العربي -طبقا لدراسة وضعتها منظمة الألسكو- الأولىٰ في العالم خلال السنة 2013 بعدما كانت الثانية بعد افريقيا. واستنتج تقرير الألسكو، أنه في حال استمرار النسق التعليمي الحالي في مكافحة الامية فإن العالم العربي لن يكون قادرا علىٰ تحقيق المساواة(!) بين الجنسين قبل عام 2020 أو تحقيق التعليم الأساسي للجميع قبل عام 2050. وطبقا لإحصائيات الألسكو فإن مصر تحتل المرتبة الأولىٰ من حيث عدد الأميين، بحكم حجمها السكاني في الوطن العربي، تليها السودان فالجزائر والمغرب ثم اليمن. أما الدول الأوفر حظاً، من الدول العربية الأعضاء في الألكسو، والتي تسجل نسبا متدنية من الأمية فهي "البلدان الصغيرة" الخليجية ذات الموارد النفطية، تقودها الإمارات العربية المتحدة وتليها كل من قطر والبحرين والكويت، إضافة إلىٰ الفلسطينيين. تأتي بعدها وبدرجةٍ أقل كل من الأردن وسوريا وليبيا وتونس والتي تبلغ نسبة الأمية فيها مجتمعة نسبة 13%. وإذا ما استمرَّت المعدلات علىٰ حالها، تشير الإحصاءات إلىٰ أن سبع دولٍ عربية قد تتخلَّص تماماً من الأمية بحلول عام 2015 وهي الإمارات وقطر والبحرين والكويت والأردن وفلسطين ولبنان. وتسير بعدها في الاتجاه نفسه، ولكن بوتيرة أبطأ، كل من عُمان والسعودية وسوريا ومصر وتونس. وتبقى السودان واليمن أكثر الدول العربية معاناة من الأمية. ويعزو العديد من المحللين استمرار ظاهرة الأمية في الدول العربية لمعوقات كثيرة بينها: غياب إرادة سياسية حقيقية في مكافحتها، وتخصيص ميزانية محدودة لقطاع التعليم، وعدم تدريب القائمين عليه أو تجديد المناهج الدراسية حتىٰ تتماشىٰ ومتطلبات سوق العمل، وتدني الرغبة في التعلم؛ وانتشار الفقر خصوصا في المناطق الريفية من بين اسباب كثيرة ومتعددة. "
٨.] " الأمية في مصر :
الفراعنةُ أقدم من كتبوا ونقشوا كتاباتهم علىٰ الجدران التي مازلت شامخة حتي الأن، ومع ذلك وصل أحفادهم(!!!) إلىٰ أن يحتلوا المراكز المتقدمة في الامية دولياً. إذ تعتبر الأمية في مصر من المشاكل التي تعوق برامج الدولة للتنمية والإصلاح. بلغت نسبة المتعلمين في مصر (حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2006) 71.4% للبالغين (15 عام فأكثر) و 84.9% للشباب (من 15 إلى 24 عام) حسب إحصائيات 2004. النسبة المقدّرة في 2005 لمن يسطيع القراءة والكتابة 83% من الذكور و 59.4% من الإناث طبقا لكتاب حقائق العالم. ووفقا للإحصائيات الرسمية فإن عدد الأميين في مصر هو 17 مليون إنسان لعام 2006 حوالي (20%) إلا أن بعض المثقفين في مصر يرجح أن نسبة الأمية قد تصل إلىٰ 50% من السكان. وفي إحصائية صادرة عن موسوعة الدول قدرت نسبة الأمية في مصر بحوالي 45% من السكان لعام 2000، إحصائيات أخرى صادرة من اليونيسكو لعام 2003 أظهرت أن نسبة الأمية بين الذكور الذين يزيد عمرهم عن 15 عام في مصر هو 42% من السكان الذكور و 53% للأناث فوق سن 15 عام. وفي عهد فساد دولة الــ "مبارك" لم يحدث تغيير يستحق الذكر؛ وعام "غياب" الدولة لم تر شيئا ملموسا علىٰ أرض الواقع؛ ونتابع بدقة حكم المارشال.
لمحة تاريخية : يعود تاريخ محو الأمية في مصر إلىٰ نهايات القرن التاسع عشر في محاولات بدأت عام 1886م. ولكنها لم تأخذ الشكل القانوني كما أنها لم تنفذ علىٰ نطاق قومي واسع. واستمرت هذه الجهود علىٰ يد قادة النضال الوطني في بداية القرن العشرين إلىٰ أن صدر أول قانون لمحو الأمية في العام 1944، وأوكل أمر تنفيذ لوزارة الشئون الاجتماعية. أقرت مصر قانون التعليم الإجباري للأطفال ما بين سن 6 إلىٰ 12 عام سنة 1953 وتبنت مصر سياسة مكافحة الأمية عام 1976، وقد استطاع البرنامج محو أمية 4.5 مليون شخص، إلا أنه بالرغم من تناقص نسبة الأمية بين السكان، فإن أعداد الأميين بازدياد وذلك لمعدلات النمو السكاني الكبيرة في مصر؛ فبحسب التقارير الرسمية فإن عدد المصريين الذين كانوا يجهلون القراءة والكتابة كان 14 مليون مواطن في عام 1976 ووصل إلىٰ 17 مليون أمي عام 2006.
أماكن انتشار الأمية: نسبة الأمية بين الإناث أعلىٰ من الذكور، وتنتشر في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية بوجه عام وترتفع نسبة الأمية بصورة عامة في محافظات الصعيد ومحافظة البحيرة وتعتبر محافظة الفيوم هي أكبر محافظة بها أكبر عدد من الأميين علىٰ نطاق جمهورية مصر العربية بحسب الإحصائات الرسمية وتقدر بحوالي 595 ألف أمي أي ما يعادل 42% من عدد سكان المحافظة، فيما بلغت في محافظة المنيا 37% ومحافظة أسيوط 37% وأخيراً محافظة البحيرة 35% إلا أنه وبالرغم من انخفاض نسب الأمية في محافظات الوجه البحري والمحافظات الحضرية إلا أن أعداد الأميين تتركز فيها حيث تتضمن أكبر 5 محافظات في أعداد الأميين وهي محافظة القاهرة ومحافظة البحيرة ومحافظة الدقهلية ومحافظة الجيزة ومحافظة الشرقية التي تبلغ نسبة الامية فيها بحوالي 28%.
٩.] الملاحظة اللافتة للنظر وللمقارنة فـ:" حسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن الدولة الوحيدة التي نسبة الأمية فيها صفر% هي جورجيا، ومن ثم تأتي كوباً بنسبة 0.2% فقط. وتتقدم الدول المنتمية إلىٰ المعسكر الشرقي في هذه النسب لكونها عاشت فترة من التعليم الإلزامي الإجباري في بلادها أثناء وجود الاتحاد السوفييتي والذي كان عدم الذهاب إلىٰ المدرسة يعرض أهالي الطلاب لأشد أنواع العقوبات. المقارنة .... فارقة تسجل بين أمة طبقت عليها الشيوعية وبين أمة ".اقْرَأْ "﴿العلق: ٣﴾ .
ونرجو أن يشارك القارئــ(ــة) فنتساءل :
برأيكِ من المسؤول عن استمرار ظاهرة الأمية في العالم العربي؟ : الحكومات؟ أم : الأسر؟ أم : الانفجار السكاني؟ .
هل الفقر؛ والحروب؛ والتهميش عوامل تساهم في تفاقم ظاهرة الامية؟.
هل ترى دورا للمنظمات الأهلية والقطاع الاقتصادي في محو الأمية؟ .
في رأيك لماذا ترتفع نسبة الأمية بين النساء في العالم العربي؟"

 

سلسلة

„  أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة  ‟
مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ
-حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى –
***
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم الإثنين ١٠ شهر رمضان ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢٧ من شهر يونيه عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
(يُتْبَعُ)

[5] افساد „» الوجدان «‟
في شهر القرآن

[ ١ . ] خلف الإنتاج الدرامي للمسلسلات التركية عقل مدبر يوظفها من أجل تحقيق الترويج السياحي؛ والسينما والتلفزيون الهندي يركز على مفهوم التنوع ويلمح للوحدة الوطنية؛ أما هوليود فتسعى لإظهار البطل المنقذ؛ كمنوذج أمريكي يقدم للعالم بأسره؛ والذي يحمل مجموعة من القيم وحزمة من المبادئ، يظهر من هذا أن الدراما يقودها عقل عام مفكر يحمل إستراتيجية واضحة .
[ ٢ . ] الدراما المصرية ومنذ أكثر مما يزيد عن عشر سنوات تقدم البلطجة والراقصة الساقطة ومدمن المخدرات والخمر والمغني الفاشل.. فبحبكة درامية يائسة وإسفاف في العرض والمشاهد يريد المُنتج التلفزيوني/السينمائي تعطيل العقل المصري وبالتالي العربي مع إفساد الوجدان ويضاف إلى ذلك تخريب الضمير.
[ ٣ . ] بدايةً من ليلةِ اليوم سيبدء سيل(1) من المسلسلات على القنوات الفضائية لـ "تسلية(2) الصائم"؛ منذ سنوات غابت المسلسلات الدينية أو التاريخية.
[ ٣ . ١. ] الفن مُنْتَج بشري يقدم للإستهلاك كأي منتج؛ وينبغي أن يكون له مواصفات علمية لحماية الصحة النفسية والعقلية للفرد والمجتمع؛ كي تتم المحافظة عليه، فالمصنع الفاسد -تحت"بير"السلم- والطبيب الفاشل والموظف المرتشي والفن الهابط يفسد كل منهم المجتمع في جانب من جوانبه. فبجوار شيوع البذاءة يتدنى مستوى الذوق وتشيع الفاحشة فيتعطل العقل العام في الشارع والمؤسسات. ففكرة الترويح لها ضوابطها وشروطها.
[ ٤ . ] الدراما لها جهات تمولها ومصالح تريد تحقيقها ورؤى وقناعات تريد بثها في ارجاء المجتمع/الأمة؛ وهي تقوم اولاً بالتعبير عن الواقع؛ فتنقل عنف الطرقات والحواري المحدود إلى البيت؛ كي تمنعه لا لتروجه، وهي تُظهر زنا المحارم في العشوائيات وأماكن آخرى؛ فيشيع بين الناس، فمثلاً في مسلسل "ابن حلال" يُقتل الأب على يد الإبن في معالجة سيكولوجيا بعد ثورة شعب ضد الفساد لإزاحة القديم والكبار والرموز، فحركة الواقع الفاسد وموضوعاته تشاهد بحبكة درامية.. فتنقله الدراما إلى الشاشة الصغيرة داخل البيوت؛ والمخرج "نور الدمرداش" كان يُلزم الممثل بالنص المكتوب لأنه يقول الخروج عن النص يصلح في السينما والمسرح؛ لأن مَن يريد يذهب بنفسه أما التلفزيون فيدخل البيوت؛ اليوم تغير الحال فالشاشة الفضية الكبيرة تدخل البيوت من خلال الشاشة الصغيرة.
[ ٤ . ١. ] نظرية "السوق(ء)" يتغنى البعض بقوله : الجمهور "عاوز كده"؛ والمقصود شرائح متطرفة معينة في المجتمع؛ وشركات الإعلان ذات المصالح تستحوذ على 40% من سوق الإعلان خلال شهر واحد -رمضان- في العام.
أما نظرية السوء فتضخ فسادها من خلال إنعدام الرؤى وغياب هدف قومي تلتف حوله صُنَّاع الدراما. فيغيب مشروع بناء الإنسان الجديد بعد ثورة شعب؛ إذ أن المُنتج يستثمر ماله فيما يعود عليه بالنفع وإن أفسد الشباب ويحث على هتك شرف العفيفات بما يقدمه.
[ ٥ . ] الأصل في الدراما؛ وهذا ثانياً : أنها تعالج الواقع السئ حين تريد أن تعبر عنه؛ فالصوت والصورة والموسيقى التصويرية والمشاهد تساعد على تثبيت سلوك حسن أو لتنفير من سلوك سئ.
[ ٥ . ١. ] في وسط الثمانيات من القرن الماضي وبحضور السيدة الدكتورة الوالدة "معتزة خاطر" المشرفة على طلبة الإشراف العلمي والمبتعثين، وفي المكتب الثقافي للبعثة المصرية وفي شهر رمضان كان الأزهر الشريف يرسل قارئا وواعظا؛ فجرى حوار ساخن بين الطلاب أظهر آحدهم عدم قبوله لطالب مصري أرسل على نفقة الدولة المصرية ومن مال دافعي الضرائب لتعلم فن الإخراج المسرحي؛ فقال آخر التمثيل نوع من الكذب؛ ونبي الإسلام عليه السلام حرم الكذب على المسلم واستشهد بحديث(3) رواه الترمذي وحسنه؛ والحديث يحتاج لبحث فقهي ليس موضعه هنا؛ الشاهد من الإستدلال بالحديث حصر الكذب في حالات؛ والتمثيل ليس منها؛ والواعظ الأزهري رد على الطالب بتوبيخه؛ حين عبر ان التمثيل لا يحل المشاكل بل يعرضها فقط فتستفحل.
[ ٦ . ] في رمضان : الدراما المصرية تبدء تقريباً في السابعة مساءً وتتوالى دواليك حتى الثانية قبيل السحور؛ ثم تعاد خلال نهار الصيام، ويتميز رمضان 2015 (4) بتقديم مسلسلين لكل من هيفاء وهبي وفيفي عبده؛ ولمَن نجح في الموسم الماضي؛ فسبع ساعات متتاليات بعد نهار حار.. تعرض مسلسلات لتغسل دماغ الصائم فطول فترة العرض تعطل العقل من كثرة التسابق فيما بين القنوات؛ فلا يتم تعليم شئ نافع أو جديد؛ بتوقف العقل عن إدراك شيئا ما أو تعليم شيئا ما والمشاهد الفاسدة وكثرتها تعمل في الشعور الوجداني على إفساده وتخريب الضمير. فنطق القرآن بوحي رب السموات والأرض فقال :" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ "؛ ثم يقول " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " [البقرة:185]. ثم حصر الخبير العليم آيات الصيام بين قوله للمؤمنين :" لَعَلَّكُمْ َتتَّقُون" [البقرة:183] وبين قوله للناس كافة:" يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون" [البقرة:187] فينبغي أن تتحقق التقوى؛ وهذا لن يتم بالفرجة على ما تقدمه تلك القنوات.
[ ٦ . ١. ] الدولة المصرية في مرحلة إعادة بناء في أجهزتها الإدارية وتشكيلاتها الوزارية وإدارتها الحكومية والبرلمانية؛ والنظر في العديد من القوانين التي أكل عليها الدهر وشرب، والأمة المصرية في حالة تحدي داخلياً وخارجياً؛ إعادة بناء الإنسان المصري منذ لحظة الولادة إلى أن يوضع في حفرته، ثم سياقة صُنع الوجدان العام؛ وإعادة توضيب الضمير الفردي والجمعي؛ وإعادة صُنع الشخصية المصرية بشقيها النفسية والعقلية؛ وإعادة إستيقاظ العقل الجماعي؛ إذ أن الدراما المصرية التي تقدم عملت بجدارة على إفساد الذوق العام وعملت بجدية على إفساد الأخلاق.
[ ٦ . ٢. ] المستثمر يرى -على الشاشة- شعباً بما وُصفَ فهل يُقدم على أستثمار أمواله أو يقدم خبراته في تربة فاسدة؛ المستثمر يلاحظ شعبا لا يعالج مشاكل بل يتعايش معها ثم يألفها فيقبلها. السياحة كمدخل مالي قومي ستتوقف لأنها مرهونة بما يقدم للعالم أجمع عن صورة المصريـ(ــة)؛ وشارع الهرم وأمثاله معروف عند طالبي المتعة الحرام.
[ ٧ . ] مسألة تجديد الخطاب الديني: التطرف الديني موجود؛ والأخطر منه وأكثر تطرفا الخطاب الثقافي؛ لذا فيجب تنوير الخطاب التعليمي والتربوي وتجديده؛ تماما كما ينادي البعض بتجديد الخطاب الديني.
[ ٨ . ] الدولة -وليست الجمعيات الخيرية أو الأهلية- هي الراعية الأولى لكافة افراد شعبها بأجهزتها ذات العلاقة تحافظ على قيم المجتمع فينبغي عليها أن تتدخل لتوعية الفنان فيرتقي بفنه فيرتقي معه الجمهور؛ إذ هناك فارق بين حرية الفن وبين الإبداع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قدم في رمضان 2014 خمسون مسلسلاً تلفزيونيا هابط المستوى الفني؛ والمشاهد المصورة بمجموعها تتوزع بين خمر ومخدرات وعري ورقص وعنف وكلمات لا تليق بأمة ذات حضارة.
(2) منذ بداية الستينات من القرن المنصرم تقدم طوال شهر رمضان دور السينما المصرية عرضاً مستمراً ببثمن تذكرة دخول واحدة؛ ينقطع العرض فقط إثناء ساعة الإفطار.
(3) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ : الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ؛ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ لِلْمَرْأَةِ لِيُرْضِيَهَا بِذَاكَ ". راجع: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني؛ الآداب الشرعية؛ غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب؛ مؤسسة قرطبة؛ 1414هـ/ 1993م؛ رقم الطبعة: ط2؛ وتجد الحديث أيضاً عند : سنن الترمذي: البر والصلة؛ ومسند الإمام أحمد: مسند القبائل؛ وفتح الباري شرح صحيح البخاري: الجهاد والسير؛ والمعجم الكبير: مسند النساء؛ والمصنف: الأدب . وانظر بَاب لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ: حديث رقم2546 :" عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا " . رواه البخاري ؛ كتاب الصلح. "
(4) تتعمد القنوات الفضائية المصرية أن تعرض على شاشاتها فتكتب إما جهلاً -وهذا مستبعد- أو عمداً –وهذا مااظنه – كتابة رمضان 2015؛ بدلا من رمضان 1436.
**
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ
-حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى -
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم الأربعاء المتمم لشهر شعبان ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١٧ من شهر يونيه عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
**

[4] عقل حيوان ناطق

[ 1. ] الإنسانُ ليس فقط مجموعة من الخلايا العصبية الإدراكية والحسية؛ بها أدرك الكثير من الحقائق وغمضت عنه ثوابت؛ يسعى لفهمها.
[1. 1.] وهو ليس فقط كتلة من المشاعر والأحاسيس؛ التي تكاد تكون غامضة أحياناً أو متناقضة أحياناً آخرىٰ، فـيحمل بين جوانبه أضداد المشاعر ومعاكسات الأحاسيس يتربىٰ زمناً كي يروضها. أضف لذلك :
[ 1. 3. ] حزمة من مظاهر الغرائز تمتلكه فيهبط إلىٰ قاع الرذائل؛ أو يتملكها الإنسان فيرتقي، معضلته توجد بين جوانبه : حين يفاضل بين غرائزه -فيغيب عقله ويفعل مشاعره- وبين "الروح"؛ فـقد حجبت معرفة كنهها عنه؛ فهي ليست مادة خاضعة للبحث العلمي؛ كبقية أعضاء جسده ومكوناته، أو توضع في مختبر لكشفها؛ ومنذ بدء الخليقة هناك محاولات يائسة لمعرفتها؛ فشلت كلها، وشطَّ من أدعىٰ :" أن مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلمين "، ثم أنار الوحي الطريق للسالكين فأسكت الأفواه وأغلق ملف البحث حين سُئل خاتم الأنبياء :" عَنِ الرُّوحِ " فقرأ :" الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي "؛ ثم حثهم علىٰ التدبر والتفكر. فنطق القرآن :" وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا "﴿الإسراء: ٨٥﴾؛ فصدرُ الآية سؤال تعجيزي؛ ووسط الآية رد آلهي؛ وعجز الآية دعوة مفتوحة لإستخدام القوىٰ العاقلة عند الإنسان.
لذا فينبغي أن يكون المحرك الأساسي عند الإنسان هو عقله وقدراته الذهنية ومداركه الفقهية -إذ أن الفقه هو الفهم- ليفهم الواقع ليدرك حقائق الأمور، ويخضع المشاعر والأحاسيس لقدر مناسب من التعقل؛ ويلزم مظاهر الغرائز بالتحكيم للعقل؛ فما غاب عن عقله يستحيل إدراكه أو فهمه، ومضيعة للوقت البحث فيما لا يقع عليه حسه؛ بيد أنه توجد مسائل يدرك وجودها من آثرها كما :" أن العوام وأجلاف العرب يعلمون الأدلة إجمالا، كما أجاب به الأعرابي الأصمعي عن دليل سؤاله : بم عرفت ربك ؟؛ فقال :" البعرة تدل علىٰ البعير، وآثر الأقدام يدل علىٰ المسير، فسماء ذات أبراج؛ وأرض ذات فجاج، ألا تدل علىٰ اللطيف الخبير ". وماشابه مثل هذه المسائل والأقضية، وهذه الإجابة أعلىٰ درجات الفهم واسمىٰ درجات التفقه والإستنباط. وهذه الذهنية هي التي توصله إلىٰ أعلىٰ مراتب التفكر والإدراك يتبعها فخر وإفتخار. فالعقل البشري أنتج علماً نافعاً علىٰ مدار العصور والأزمان، استفادت منه الناس جميعاً؛ واللافت للملاحظة أنه بعقله يتزعم عصابة للإفساد ... كما أن ارقىٰ الصناعات والإبداعات أوجدها عقل إنسان، كما أن نفس العقل البشري هو الذي أوجد أسفل طبقات المجتمعات فصدر تجارة البشر وأنشأ صالونات الدعارة وعصابات المافيا وترويج الممنوعات.
[ 2. ] العقل البشري -ابتداءً؛ وليس مظهر من مظاهر الغريزة- أخترع المسكر(*) فستلذه الإنسان وداوم علىٰ تعاطيه، والعقل البشري بملاحظاته الكثيرة أوجد المخدرات، فبإدراكه أوجد الفساد وقنن الإفساد، لذا ففي القوانين -الوضعية التي تسن في البرلمان أو الشرعية عند كافة الأنبياء- جُرمت أفعال وتصرفات أو أقوال؛ ثم تراجعت أقوام عن إنسانيتها فحسنت بعقلها ما قبحته الأجداد عقلاً، وبقيت شريعة الأنبياء خلف جدران المعابد وتحت أسقف الصوامع. وفي نطاق مايسمى التفكير خارج الصندوق " في أبريل 2015 طالبت رابطة تجار السجائر بالقاهرة والجيزة، المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، بتقنين زراعة وتجارة وتعاطي الحشيش وفرض ضرائب عليه، ووضع ضوابط لتداوله. وقال أسامة سلامة رئيس رابطة تجار السجائر بالقاهرة والجيزة "يأتي ذلك، لما يسهم به من تعزيز إيرادات الدولة وسد عجز الموازنة"، مؤكدًا أن الممنوع مرغوب وأن إتاحة الحشيش تدفع نحو هبوط الطلب عليه. وأضاف سلامة، في بيان أصدره عبر صفحته علىٰ موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أن حجم تجارة الحشيش سنويا تتراوح بين 40 - 42 مليار جنيه، وتنفق الدولة أكثر من مليار جنيه لمكافحتها وتفشل في ذلك بنسبة 85%، مشيرًا إلىٰ أن قيمة ما يضبط لا يتجاوز سوى 15% لما يدخل السوق المحلي أو ينتج محليًا. وأوضح أنه بتقنين زراعة وتجارة وتعاطي الحشيش يمكن للدولة أن تجمع 4.2 مليار جنيه، بحساب قيمة ضريبة تبلغ 10% حتىٰ يمكن جمعها، مضيفًا "من ثم وعلىٰ مدار 10 سنوات تتم زيادتها بشكل تدريجي لتصل إلىٰ 50%، بضوابط إستراتيجية بعيدة المدىٰ حتىٰ لا نواجه ما نواجهه الآن مع السجائر المهربة الرخيصة بسبب ارتفاع قيمة الضرائب علىٰ نظائرها المحلية الرسمية". وتابع "فضلا عن توفير تجارته لنحو مليار جنيه مخصصة سنويا لمكافحته من قبل الأجهزة الأمنية والرقابية، ما يوفر طاقتها للتفرغ لحماية الأمن القومي"، مؤكدًا أن أعداد مدخني السجائر يصل لقرابة نصف الشعب المصري، وبدقة يتراوح العدد بين 40 & 45 مليون متعاطٍ، بخلاف أعداد العرب والأجانب الموجودين على الأراضي المصرية. وشكك رئيس رابطة تجار السجائر، في صحة التقرير السنوي للمخدرات العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، وقال إنه تجاهل حقيقة أن قدماء المصريون(**) أول من اكتشفوا المخدرات واستخدموها في الطب مثل الأفيون والذي مازال يستخدم في محافظات وقرى الصعيد حتى الآن، كأحد أنواع الطب البديل لتسكين الآلام، فكيف تسمح الدولة لنفسها الاتجار في الحشيش والأفيون وتمنعه لعامة التجار. وقال "موافقة وزارة الصحة والداخلية والتموين علىٰ استيراد مصانع الأدوية له لازمة في استخدامه كمواد خام، ويزيد إنتاج مصر من الحشيش ويمثل أحد موارد الدخل القومي من خلال فرض ضرائب جديدة، ويتيح لمصر كسر احتكار المغرب وأفغانستان ولبنان للسوق العالمي لصادرات الحشيش ومنتجاته مثل "زيت الحشيش"، زاعماً قدرة الحشيش والزيت علىٰ معالجة عدد كبير من أنواع السرطان. يضاف لذلك :" وفق آخر الإحصائيات الصادرة عن "الجمعية المصرية لمكافحة الإدمان"، فإن نسبة مدمني المخدرات في مصر بلغت 19 مليون مدمن للحشيش بصورة أساسية، وغيره من المكيفات، منهم 8 مليون فتاة وسيدة، وبما إن وحدة قياس الحشيش هي الصباع "5سم طولX 1سم عرض" تتكلف 25 جنيها، وتكفي لعمل سيجارتين يومياً، فإن في حال التقنين وتحلل المواطن من القيود الأمنية، فإن المواطن سيتناول 3 سجائر يوميا، بتكلفة 37 جنيها يومياً، بحسب استشاري العلاج النفسي، تخصص علاج الإدمان، د. أحمد هارون". " وبما أن عدد المدمنين للحشيش وغيره من المكيفات، من الشعب يمثلون 19 مليون مواطن، فبالتالي فإن هذه التجارة ستحقق يوميا 703 ملايين جنيه، أي ما يعادل 2.1 مليار جنيه شهريا، ستذهب لمنافذ توزيع الحشيش والتي ستشرف الحكومة عليها، وستحقق هذه الأموال فرص عمل أمام الشباب ببناء مصانع واستثمارت جديدة، وهو ما يعود علىٰ خزينة الدولة بالانتعاش، جراء فرض ضريبة علىٰ هذه الأنواع ورسم وارد وجمارك علىٰ الكميات القادمة من الخارج، بالإضافة إلىٰ ضرائب الدمغة والمبيعات. وسبقت مصر لفكرة تقنين المخدرات، ومنها الحشيش الحكومة الكوبية، عندما عانت من عجز في موازنتها العامة، وشارفت علىٰ الإفلاس، وبمقتضىٰ القانون الكوبي يحق للمواطنين التجارة في المخدرات بجميع أنواعها وفق قوانين ينظمها الدستور الكوبي، لكنها بعد أن عدلت من وضعها الاقتصادي بدأت تحارب تلك التجارة بدافع أنها تضر بصح الشباب وتساعد علىٰ انتشار الأمراض، لكنها تعاني صعوبات بالغة لمنع هذه التجارة التي انتشرت بشكل يفوق الخيال حتىٰ أصبحت كوبا مركزاً لتجارة المخدرات.".
المستغرب أن السياسي البارز: أسامة الغزالي حرب في مداخلة له علق علىٰ الإقتراح بـ :" أنه حل له منطق؛ موافقاً علىٰ تقنين بيع الحشيش مثل الدعارة؛ فقد كان مسموحاً بها بـ مصر في فترة؛ وأضاف أن :" بيع الخمور مباح في مصر ".
هذا مثال في كيفية حل مشاكل أمة؛ من جانب؛ دون إدراك مخاطر جوانب آخرىٰ، وبيان زيف مادة من مواد الدستور... فالمطبخ الإجتماعي والمطبخ السياسي بعيدا كل البعد عن حل المشاكل جذرياً.
[ 3. ] الملاحظة الإدراكية :"أن كافة المخلوقات جُبلت علىٰ الطاعة -لايصح استخدام تعبير عمياء هنا- ماعدا مخلوق واحد فقط؛ جميع الأمم والأجناس من بدائع الصانع أتت طائعة لخالقها ماعدا أمة الإنسان والجنس البشري"، وهذا لتميزه بالعقل والفهم والإدراك... مما يظهر أن العقل البشري بقدرته العالية أو العادية هو الذي يحدد العلاقة بينه كإنسان وبين الآله... المصيبة تقع حين يتدخل الوجدان -عند غياب العقل- فيضفي علىٰ الآله صفات ونعوت ويحدد له أشكال وتصاوير ... هنا تتجلى بوضوح مانطق به القرآن :" وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ  "﴿البلد: ١٠﴾.
الإنسان سواء في العصر البدائي أو الحجري أو مايسمى ما قبل التاريخ أو في عصر التقدم العلمي استخدم عقله بقدر المستطاع حين ربط المعلومات المتوفرة والمكتسبة أو السابقة بالواقع الجديد فأنتج فكراً. والحكم علىٰ بدائيته أو رقيه حكم نسبي فساكن وسط القارة -الشابة- السمراء بالنسبة لساكن الإتحاد الأوروبي -القارة العجوز- يحكم عليه بنعت ما.
[4. ] نخلص من هذا العرض السريع الموجز بأن العقل هو حجر الزاوية والعمود القائم علية بنيان كائن؛ فحضانة الوليد تشكل العمود الأساسي لكيان إنسان المستقبل؛ وكيفية التربية والتعليم الأولىٰ داخل الأسرة تشكل العمود الثاني؛ أما العمود الثالث فالمجتمع بمؤسساته المتعددة والمختلفة؛ فمؤسسة التربية والتعليم والتثقيف تعددت فروعها فلم تقتصر علىٰ المدرسة أو المعهد؛ بل وجدت وسائل آخرىٰ للتعليم، فقُبيل القدرة علىٰ القراءة والكتابة وجدت وسيلة الإستماع والمشاهدة الموجهة : ابتداءً من الحارة؛ وإنتهاءً بأجهزة الدولة، وشاركتها وسائل ربحية إما إفساداً وإما رقياً، وبُعيد القدرة علىٰ القراءة والكتابة وجد الكتاب والصحيفة، ومنذ حين تراجعت القراءة فانخفض قدر المعلومات المفيدة المتاحة لإعمال العقل؛ فانصرف المرء لشغل هذا القدر من العقل بافراغه من قدرته وبالتالي وظيفته. أما العمود الرابع في بناء كيان الإنسان فهو ذاته.
(يُتْبَعُ)
ـــــــــــــــــــــــــــ
التخريج :
(*) كشف عالم المصريات د. وسيم السيسي أن "المصريين القدماء عرفوا مخدر الأفيون، وكانوا يلقبونه بثمرة أبو النوم، ويعطونه للأطفال قبل النوم لينعموا بنوم هادئ، مؤكدا أن مخدر الأفيون إذا تناوله شخص يعاني الألم فإنه يكون بمثابة مسكن له، أما إذا تناوله شخص سوي فهذا هو الإدمان". ومن جانبه قال د. علاء الدين شاهين، عميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة، إن "المصريين القدماء عرفوا أنواع الخمر من تلك المعروفة بـ"جعة البوظة"، التي استخدمها كثير من المصريين في الريف حتى وقت قريب، وهناك عدد من البرديات تحمل النصائح لشاربي الخمر بعدم الإسراف فيها، حتى لا يذهب عقله ويضحك عليه الأصدقاء".
(**) أسماء الخمر من حين تعصر إلىٰ أن تشرب الخمر فإذا عصر فاسم ما يسيل منه قبل أن تطأه الرجل: السلاف، وأصله من السلف؛ وهو المتقدم من كل شيء، وهو في مثل ذلك الخرطوم أيضاً. ويقال للذي يعصر بالأقدام: العصير، والموضع الذي يعصر فيه: المعصرة. والنطل: ما عصر فيه السلاف، ويقال للعاصر: الناطل، ثم يترك العصير حتى يغلي فإذا غلا فهو خمر، وقيل: سميت خمراً لأنها تخامر العقول فتخلطها. وقالوا: لأنها تخمر في الإناء، أي تغطى وهي مؤنثة. ويقال لها: القهوة، لأنها تقهىٰ عن الطعام والشراب، يقال: أقهى عن الطعام وأقهم عنه إذا لم يشتهه. ومن أسمائها: الشمول، سميت بذلك لأن لها عصفة كعصفة الشمال، وقيل: لأنها تشمل القوم بريحها. ومنها: القرقف لأن شاربها يقرقف إذا شربها، أي يرعد، يقال: قرقف وقفقف. وقال أبو عمرو: القرقف اسم للخمر غير صفة وأنكر قولهم سميت بها لأنها ترعد. ومنها: الراح لأنها تكسب صاحبها الأريحية أي خفة العطاء. ومنها: العقار لأنها عاقرت الدن، وقيل: لأنها تعقر شاربها من قول العرب: كلأ بني فلان عقار، أي يعقر الماشية. ومن أسمائها: المدامة والمدام لأنها داومت الظرف الذي انتبذت فيه. والرحيق ومعناه الخالص من الغش. وقيل: الصافي. وقيل: العتيق. والكميت سميت بذلك للونها إذ كانت تضرب إلىٰ السواد. والجريال وهو صبغ أحمر سميت بذلك للونها أيضاً. والسبيئة والسباء وهي المشتراة وأصلها مسبوءة، يقال: سبأت الخمر إذا اشتريتها. والمشعشعة وهي الممزوجة. والصهباء وهي التي عصرت من العنب الأبيض. والشموس شبهت بالدابة التي تجمح براكبها. والخندريس وهي القديمة. والحانية: منسوبة إلىٰ الحانة. والماذية: اللينة يقال: عسل ماذي إذا كان ليناً. والعانية: منسوبة إلىٰ عانة. والسخامية: اللينة من قولهم: قطن سخام أي لين وثوب سخام. قال الراجز:
كأنه بالصحصحان الأنجل ** قطن سخامي بأيدي غزل
والمزة والمزاء لطعمها. الإسفنط، قال الأصمعي: هو بالرومية. والغرب ومعناه الحد، وغرب كل شيء حده. ولعلها سميت بذلك لحدتها. والحميا، وحميا كل شيء سورته وحدته. والمصطار: الخلة ويقال: المضطار بالضاد أيضاً. والخمطة: المتغيرة الطعم. والمعتقة: التي قد طال مكثها. والإثم: اسم لها لعله وقع عليها لما في شربها من الإثم. والحمق كذلك. قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي** كذاك الإثم يفعل بالعقول
والمعرق: الممزوج قليلاً، يقال: عرق من ماء أي ليس بكثير. ومن أسمائها: القنديد والفيهج وأم زنبق والمقطب والطوس والسلسال والسلسل والزرجون والكلفاء والجرباء والعانسة والطابة والناجود والكأس والطلاء، قال عبيد بن الأبرص:
هي الخمر صرفاً تكنى الطلا** كالذئب يسمى أبا جعدة
والباذق والبختج: فارسيان. والجهوري. والمقدى منسوبة إلىٰ قرية من قرى الشام. والمزاء من قولك: هذا أمزى من هذا أي أفضل. والنبيذ. والبتع: نبيذ العسل والسكركة من الذرة. والجعة من الشعير. والفضيخ من البسر. والمزر من الحبوب.
قلتُ :" إذا أهتم القوم بشئ أكثروا من اسماءه".

حُرِّرَ في يوم الإثنين ٧ شهر شعبان ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢٥ من شهر مايو عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

العقر الفكري
 

[1] العقم حالة يتألم بسببها المرء نفسياً لعدم قدرته علىٰ إشباع مظهر من مظاهر غريزة البقاء -التناسل-؛ ويقلق عند ملاحظة علامات الشيخوجة تدب في أوصاله؛ وامارات الهرم تظهر علىٰ ملامح وجهه وتعاريج جسده بقرب إنتهاء دوره البيولوجي في الحياة وانقضاء دوره الإجتماعي بين الناس، فسينقطع نسله بين الأحياء؛ ويغيب ذكره في المجتمعات؛ ولذا قيل في المثل الشعبي :"مَنْ خلفَ لم يمت"؛ فإذا كان له نصيباً ملائماً من الإيمان بالقدر؛ وحظاً مناسباً من الإيمان بالقضاء رضىٰ بنصيبه ويقبل قدره ويطمئن لحكمة ربه: الخالق. بيد أن الطب الحديث والتقدم العلمي والاكتشافات البحثية عن جسد الإنسان تسعىٰ لحل مثل هذه المعضلة؛ فوجدت معاهد بحوث للتخصيب خارج الرحم وانشأت مؤسسات طبية للتلقيح الصناعي وزرع بويضة مخصبة في رحم امرأة.. وقد تفلح التجربة أحياناً.

[2] فالعقم يدل علىٰ غموض وضيق وشدة. من ذلك قولهم حرب عقام: لا يلوي فيها أحد علىٰ أحد لشدتها، وداء عقام: لا يبرأ منه؛ والريح العقيم: التي لا تلقح شجراً ولا سحاباً؛ فتعطل -بإذن ربها- ثمراً وتوقف -لحكمته- مطراً؛ قال الله تعالىٰ ذكره:" وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ" ﴿الذاريات: ٤١﴾؛ وقولهم: رجل عقام: وهو الضيق الخلق. وعقمت الرحم عقماً؛ فلا تقبل الولد. فـ كما يقال : عقمت المرأة؛ يقال: رجل عقيم، وفي الحديث :" تعقم أصلاب المنافقين"(*)؛ فلا يقدرون علىٰ السجود، والمعنىٰ يبس مفاصلهم.

قال الخليل:  عقل عقيم؛ للذي لا يجدي علىٰ صاحبه شيئا. فنحن ومنذ حين نعيش حالة إستعقام العقول.. واستعقار الأذهان والأفهام.

[3] وكما وجد عقم في الأرحام وعقر في الأصلاب؛ يوجد عقم العقول وعقر الأفكار؛ بيد أن العقم = العقـر الفكري ليس قدراً محتوماً أو قضاءً مبرماً لا مناص منه ولا فكاك من عواره، والعقر الفكري علىٰ العكس تماماً من العقم التناسلي عند المرأة أو الرجل؛ فهو له أسباب تعالج؛ ومداخل للعقل السليم تغلق... عمل أجدادنا وشاركنا نحن في إيجاد هذه الحالة؛ وثبت أطرافها مَن لا يريد لهذه الأمة خيراً ..

[4] العقم الفكري ضَرَبَ أَطْنَابَهُ في واقع وخيال ومعايش الأمة؛ تعطلت الحركة الفكرية؛ وتوقفت الكهرباء الدماغية بين المعلومات والواقع؛ فلم ينتج فكرا؛ ولم تتولد أفكار... وكأنه تجذر منذ عقود في عقول الرجال وتوطن في أذهان النساء؛ فعم البوار في تربة تنشئة الرجال وساد الخراب في بيئة تربية الأمهات وتغلغل العقم في أمشاج الأمة الإسلامية وزاملتها الأمة العربية. اللافت للإنتباه: إذا تغيرت البيئة المعاشة وعدل المناخ أبدع مَن كان عضوا من افراد هذه الأمة المنكوبة.

[5] أما في كل الشرق؛ ومَن تلحف برداءها واكتسىٰ بوشاحها في الغرب: فقد اكتفت الأمتان العربية~الإسلامية -ومنذ زمان- بجترار تاريخ مضىٰ وولىٰ؛ ولا توجد محطات صلة أو مفاصل إلتقاء بين واقع حالي بائس مرفوض وبين زمن غابر زاهر زاخر، وهما -الأمتان- معاً لعكتا مصطلحات لا يدرك لها تعريف إصطلاحي متفق عليه في أذهان قائليها؛ فذاع بين فريق مفهوم "سلفية(!) الأمة" دون ربط أسس وأخلاق ومفاهيم السلف الصالح مع واقع وحال الخلف الطالح؛ أو القدرة علىٰ تفعيل قيمهم وتنشيطها مع واقع معاش وحاضر يراد تغييره؛ ثم تغنىٰ قوم بمصطلح "خيرية الأمة" دون إدراك قواعد ومرتكزات وركائز الخيرية المقصودة ومبادئها لإستمرارية الخيرية المدعاة في بعض جوانب الحياة وليس كافة مناحيها؛ فنقتصر مثلاً علىٰ خيرية الأمة "الأخلاقية" -وقد انهارت منظومة الأخلاق- أو نكتفي بخيرية الأمة "الإجتماعية" -وتحت الأرصفة يعيش خمسة ملايين طفلـ(ـة) مشرد- دون الحديث عن خيريتها "العلمية" أو "الإنسانية" أو "الحكمية" أو "المبدئية"، كما دندن البعض الآخر بأمجاد من سبقهم من المفكرين الأعلام والقادة والسادة العلماء والساسة وأصحاب النظريات؛ وعزفت جماعة علىٰ أوتار علوم مَن باد وصار عظامه مكاحل؛ دون السير خلف خطاهم لمواكبة عصر التقدم العلمي ونتكعب مسراهم في أبحاث الفضاء ونحجز مقعداً في مراكز مكافحة السرطان والأيدز والأمراض الفتاكة؛ هذا كمن يفتخر بأنه يسكن في منطقة ذات حضارة تعود إلىٰ سبعة آلاف سنة؛ وفي نفس اللحظة لا يملك من تلك الحضارة فهما أو رسماً أو فكرا؛ كالشاب الذي يأتي من العالم الثالث ليوزع جريدة في الطرقات لا يحسن نطق اسمها ويبيع صحيفة لا يقرأها؛ ثم يفتخر أمام رفاقه في موطنه أنه يعمل في وزارة إعلام آحدىٰ دول الإتحاد الأوروبي.

أقول: لا يدرك البون الشاسع للفارق الزمني والحياتي والبيئي والإجتماعي والثقافي والسياسي والإقتصادي بين أمة -يدعي أنه ينتمي لها- بعد عشر سنوات من تأسيس كيانها في مدينة المصطفى فهزمت -معاً- أمبراطورية فارس في الشرق والإمبراطورية الرومانية في الغرب وبين ما تسمىٰ اليوم بمناطق -لا أقول دول- تركة الرجل المريض؛ نسبة لدولة الخلافة العثمانية... جاءت فكرة وكانت طامة كبرىٰ نادىٰ صاحبها بـ قفل باب الإجتهاد الشرعي.. عُطلت لغة الوحي وطمست لغة القرآن المجيد فصارت ألفاظه العزيزة طلاسم وآياته العظمىٰ أحجبة تعلق في أعناق الولدان خوفا من السحر وتهتز علىٰ ترائب الصبايا منعا للعنوسة.. تفشت لغة صبيان الحواري الضيقة؛ فتراجع علم التفسير والتأويل وأختفت علوم القرآن وتعطل منهاج التغيير؛ وذاعت حوارات رجال الشطارة في الأزقة؛ فتراجع الفقه وأصوله؛ وتوقفت علوم الحديث؛ وجدت عشوائيات اللغة بجوار عشوائيات المساكن وعشش الضواحي؛ فوجدت عشوائيات القنوات الفضائية؛ وعشش مَن يسمي نفسه "الداعية"؛ فغاب الحرف العربي وقدرته علىٰ التأثير والتوسع والإنتشار؛ أضف تعطل تأثيره المبدئي في فضاء العلوم وجوانب الحياة الإجتماعية والتربوية والتعليمية؛ ففصلت الطاقة العربية التي حملت نصوص الوحي والتشريع؛ فصلت عن الطاقة الإسلامية -بما تملك من القدرة على التأثير والتوسع والإنتشار- تبعثر المنهاج علىٰ أرفف الزوايا وعلاه تراب الدكاكين الطرقية وغبار مشيخة الموائد؛ وتعثر في اللحظة ذاتها على إنهاض الأمة؛ ومنهاج الأمة: هو طراز خاص من الحياة ونمط معين من العيش وكيفية خاصة بذاتها في الوجود... وتعالت تعابير السوقة في المنتديات؛ واكتسح العامة فضاء الأثير من خلال "المدونات"، وساد المجتمع حالة من فوضىٰ الكلام؛ واستحدثت لغة تجمع بين متناقضات اللغات.. فصعد المنابر وتمقعد كرسي الوعظ في الصوامع معمعم تقليدي بثياب كهنوتي ممزق: حفظ دون وعي؛ ونطق دون إنزال المعاني والمفاهيم والقيم علىٰ واقع معاش سئ يراد تغييره؛ فاكتفىٰ المتخرج من المعاهد الدينية الكهنوتية بإرث الأجداد وبورق صفرته وسطرته أياد فأغلق الدكان علىٰ المذاهب الأربعة؛ وأكتفى الآخر برموز لا يحلها إلا رجل الدين(!) نفسه دون مدلول لها في الأذهان ولا تعريف لها يدرك إلا فقط ساعة القداس؛ فقط مجرد كلمات صماء مرصوصة في الكراسة؛ وزدنا علىٰ المصنف حواشي ثم زدنا على الحواشي تعليقات ثم عدنا فاختصرنا الموسوعات؛ تمسكنا بالتراث -إرث الأباء المؤسسين- وأخذنا نقلب فيه تحقيقاً وتخريجاً؛ دون إضافة جديد أو تسطير أمر مفيد؛ ثم جد جديد واستحدثنا أخيراً؛ وهو قديم مسطور جرحاً وتعديلاً؛ سموه علم التجريد لعلماء من زمان غابر؛ نحكم عليهم بمقياس اليوم دون أن يمتلك المجرد أدوات الجرح والتعديل؛ فأخذ من يريد الشهرة أن يجرح هذا ويعدل في قول ذاك دون مقياس ويبهدل الأعلام من النبلاء؛ كي يرتفع المفلس فوق جراحاتهم؛ فكسر المقدس؛ وهو غير موجود، وهدم المعبد المتهالك أصلاً فوق رؤوس عبَّاده وأخذ المجرح رجال ماتوا من أزمان يعدلهم من عقله العاقر وفهمه القاصر وإدراكه العقيم ويجعله مقياس لمن سبقوه بقرون ولكل زمان رجاله وأعلامه. نادىٰ البعض بالتجديد فوقعوا في بئر التجريد؛ فقابلهم على قارعة الطريق مَن يدافع وينافح؛ تناسوا جميعاً ما هو المفيد أو ماذا نريد أن نقدم للناس !؟.

الصحيح أن مَن يملك أدوات العلم والإجتهاد له الحق الكامل في إيجاد فكر معاصر فيذهب إلى ما أداه فكره وفهمه إلى مذهب جديد يتناسب(!) مع زمن القرن الواحد والعشرين والمكان. وليس إذاء الأموات في قبور التاريخ؛ لا يملكون رداً أو جواباً.

[6] وفي الحقل السياسي اسست أحزاب تخالف عقيدتها المبدئية والسياسية والفكرية عقيدة الدولة الحاضنة لهذه الأحزاب؛ ورفعت شعارات دون مضمون؛ ولم توضح سياستها الحزبية لم تطرح برنامجها. تاريخياً تم تزاوج بين رجل الدين(!) -وليس الديانة- برجل الدولة -وليس الراعي لشؤون الرعية- ؛ زواجاً كاثوليكياً لا إنفصال فيه ولا طلاق منذ القيصر قسطنطين؛ وتكرر هذا الزواج في العصر الحديث في جزيرة العرب؛ وفي مصر تم تحيد المؤسسة الدينية بشُعْبَتيها؛ أو بضمها تحت عباءة الدولة؛ فتعطل الرأي الشرعي –الفتوى: من جانب؛ والوعظ من الجانب الآخر- مراعاةً لجناب السلطان.

الأحزاب السياسية المصرية-مثلا لا حصرا- بلا سياسة؛ بمعنىٰ آخر افتقادها لأيديولوجية يتقبلها العقل المستنير؛ ويتفهمها الذهن المنير فيطمئن لها القلب وتهدأ مع عرضها النفس؛ وبالتالي لا يجد المتابع إستراتيجية واضحة المعالم أو خطة عمل قابلة للتنفيذ... وهنا مربط الفرس ومحرك العجلة ودينامو التحريك؛ فلا يوجد مفكر حزبي؛ لا يوجد عقل إبداعي ينتمي إلى كتلة لها سند حقيقي شعبي: لا يوجد مفكر يبلور أفكار أتفقت عليها مجموعة من الناس ليخرجها في العلن يبين من خلالها طريقة الحزب وكيفية وصوله إلىٰ سدة الحكم -الراعي- وكرسي التشريع -ديموقراطيا- كرسي البرلمان وإسلامياً -مجلس الشورى؛ أو أهل الحل والعقد- . المحلل السياسي للمشهد الحالي يَدعي أن البيئة الصالحة لإنبات أو إستمرار حزب سياسي غير صحية؛ بل نذهب إلىٰ القول أنها غير موجودة أصلاً؛ لذا فالوضع الحالي يمنع من نمو أو تطور كيان الحزب كما يمنع ويعطل تطوير القدرات العقلية والذهنية لرجالات الحزب؛ بل إيجادها أصلا في واقع الوسط السياسي -أخيراً وليس آخراً أزمة حزب الوفد العريق وجلوس (أمس الأربعاء) رئيس الحزب مع رئيس الدولة- فمنذ أكثر من 60 عاماً؛ بُعيد إنقلاب الضباط الأحرار علىٰ نظام الحكم الملكي الفاسد؛ وجد الحزب الواحد وسمع قول الرجل الواحد؛ ثم -مرحلة آخرىٰ- بعد ما يقرب من أربع سنوات علىٰ ثورة الشعب المصري علىٰ حكم دولة جمهورية فساد؛ ثم بعد ما يزيد عن عام علىٰ سقوط حكم جماعة -لا أقول حزب- دينية -لا أقول إسلامية- يوجد الأن علىٰ الساحة السياسية المصرية وفوق أرصفة الشارع المصري السياسي ما يزيد عن 103 مجموعة متكتلة تحت مسمى حزب سياسي...

ونتساءل:" اين هم من أوجاع الشعب ومتاعبه!؟"؛

وماذا يقدمون من حلول ناجعة لمشاكل عويصة أغرقت أمة بأكملها في مستنقع الجهل والأمية؛ واسقطتها في بئر البطالة؛ وردمت عليها بتراب الفساد والتخلف والتبعية.

بعد إنقضاء فترة الحكم الملكي؛ وإنتهاء -علىٰ الورق- زمن الإستعمار العسكري؛ تم تبديله بإستعمار ثقافي/إجتماعي أو تبعية، غاب عن الأحزاب التراكمات الفكرية والتجارب العملية لبناء جسد الحزب السياسي الفاعل في كافة أوساط الشعب؛ وتعطل إكمال تشيد بناءه التكتلي؛ فمنذ منتصف السبعينات من القرن المنصرم وجدت أحزاب كرتونية لتجميل واجهة النظام السياسي القائم العبثي التسلطي؛ وشاركت أحزاب وتكتلات -ليبرالية ودينية وإشتراكية مع أحزاب وهمية- في عملية التزيين والتحلية : إما جهلا منها؛ وهذا يدل على غياب وعي سياسي ووجود غباء تكتلي وتمركز الفراغ الفكري في كيانها، وبالتالي لا يصح لها التواجد في الوسط السياسي العامل بين جماهير الشعب؛ فلفظها الشعب والقاها في سلة المهملات؛ أو شاركت -وهنا الطامة الكبرى والمصيبة العرجاء- في تحسين صورة النظام علماً منها ومعرفة بمجريات الأمور؛ وعقد صفقات مشبوهة مع نظام حكم فاسد... وهنا ينبغي أن تحاكم أمام محكمة الشعب... لأنها أي الأحزاب شاركت في تأخير عجلة نهوض الأمة المصرية بين الأمم والشعوب وساعدت علىٰ تثبيت أحجار التخلف ومكنت صخور الجهل والأمية في دولة محورية أفرادها يقتربون من 100 مليون إلا قليلا.

لتعطل الحياة السياسية عن قصد طوال سنوات عجاف؛ وغلق المجال العام نتيجة الصراع الموضوعي والذاتي داخل الأحزاب ؛ وخلق أحزاب ضعيفة وجدت ظاهرة جديدة؛ ألا وهي : "الإنقسامات".

انتهت الأحزاب شكلياً؛ فلم تقدر أن تحفر بأظافرها في جدران كيان دولة مترهلة لتوجد لنفسها كيان يحتضنه الشعب؛ وتتقبله الجماهير؛ وقام الجهاز الأمني -حين يغضب الحاكم- بتهديد مَن يخرج عن السياق العام لنظام الحكم أو سجنه إن لم يرض بالسكون والسكنىٰ في بيت الطاعة العمياء. صارت الدولة جهازا إداريا بدلا من أن تكون مؤسسة لرعاية شؤون الناس فتحمي المجتمع وتقوي دعائم الحكم لصالح الشعب.

فوجد مانسميه -زورا وبهتانا- الظهير الشعبي المنتفع والمستفيد من نظام حكم فاسد؛ أو بتعبير يروق للصوص وقطاع الطرق :" رجال الأعمال"..

ثم انفض الشعب عن تلك الأحزاب لظهور عوارها أمام أعين الناس وخواء الشعارات؛ وعدم وجود ايديولوجية؛ فتبعها في العدم غياب استراتيجية.

نعود لنتساءل :

لماذا صارت الأمة العربية تجاورها الإسلامية في عقم فكري تبعه عقم علمي!؟

العقر الفكري لعله يعود إلىٰ :

1.] فك الإرتباط بين قوىٰ اللغة العربية وطاقتها وبين قوىٰ وطاقة مبدأ الإسلام وعقائده وأفكاره وأسسه وقيمه ومفاهيمه ومعالجاته؛ وغياب المُثل العليا وتراجع القيم الراقية وجفاف في الأفكار السامية؛ يلازم السابق انحطاط في المستوىٰ الثقافي العام؛ ضعف المستوىٰ المعلوماتي عن الكون والحياة والإنسان؛ ووجود كم هائل من الخزعبلات والتراهات عششت في عقول الكثير؛ مع هزالة المحتوىٰ التعليمي الإلزامي.

2.] قدرات المعلم المتواضعة علىٰ تفهيم هذا المحتوىٰ التعليمي.

يضاف أن هناك فارق بين المدارسة لتفهم مسألة البحث؛ والدراسة لتحصيل درجات عليا يتمكن الطالب من خلالها دخول كليات محترمة -في تقدير الناس والمجتمع-

3.] غياب أهداف عليا للدولة؛ تعمل أجهزتها ومؤسساتها علىٰ تحقيقها؛ ضعف مستوىٰ الإهتمامات عند الناس؛ يرافق هذا مضيعة الوقت بين مدورة بلاستيكية؛ فلم تحصل دولة مصر على بطولة عالمية وبين ليال بجلسات سلطنة وسهرات مزاج؛ وقصورها علىٰ الفن الهابط بأنواعه وصوره؛ وزيادة النوعية الفاسدة والجرعة الحالقة للأخلاق والقيم لما يقدم من خلال الشاشة الفضية العريضة والشاشة المنزلية؛ ثم اعتماد ثقافة الإستهلاك الرخيص وتثبيت مفهوم : " الناس عاوزه كده"؛ انخفض المستوىٰ الترفيهي؛ فأصبحت الناحية الترفيهية تتأرجح بين الإسفاف المخاطب للغرائز والإستخفاف المباشر بعقول المتفرج وبين تقديم توافه الكلمات؛ ناهيك عن المعنى والقصد؛ ولعل في بداية الستينات كانت نهاية بداية المهزلة الإجتماعية التي يعيشها جيل اليوم بتقديم مسرحية "مدرسة المشاغبين" ولاقت رواجا وكأنها ناسبت ذوق الجمهور.

معرفة حقيقية للواقع الحالي البائس ومعرفة واقعية لحال الأمة ... بداية علاج ناجع لأزمة تمر!

(يُتْبَعُ)

ـــــــــــــــــــــــ

التخريج: "... فيقعون له سجدا ويجفو أصلاب المنافقين فلا يستطيعون شيئا فذلك قول الله عز وجل { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون". [ القلم : 42 ]. والحديث ليس بتمامه فله بقية. رواه : أبو هريرة؛ انظر : ابن منده؛ في كتابه : الإيمان: 301؛ الحديث : مقبول رواته مشاهير.

الرواية الثانية : "... فيكشفُ لهم عن ساقٍ فيقعونَ له سُجَّدًا ويجسُرُ أصلابُ المنافقينَ ولا يستطيعونَ سجودًا فذلك قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ".[ القلم : 42 ] ". التخريج: المصدر السابق.

الرواية الثالثة : ".إذا حُشِر الناسُ يومَ القيامةِ .... ويَبقى المؤمنونَ والمُنافِقونَ فيخِرُّ المؤمنونَ سُجَّدًا وتدمجُ أصلابُ المنافقينَ فتكونُ عظمًا واحدًا كأنَّها صياصيُّ البقرِ ويخِرُّونَ على أقفيتِهِم ". رواه : عبدالله بن مسعود؛ انظر : البوصيري؛ في : إتحاف الخيرة المهرة : 8/155 الحديث : سنده صحيح".

الراوية الرابعة :" - إنَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ حدَّثَ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ هذا الحديثَ فقال : إذا حُشِرَ النَّاسُ يومَ القيامةِ قاموا أربعينَ ، على رؤوسِهِم الشَّمسُ ، شاخصةً أبصارُهُم إلى السَّماءِ ، ينتظرونَ الفصلَ ، كلُّ برٍّ منهُم وفاجرٍ ، لا يتكلمُ منهُم بشرٌ ، ثمَّ يُنادي مُنادٍ : أليسَ عدلًا من ربِّكُم الَّذي خلقَكُم وصوَّرَكُم ورزقَكُم ثمَّ عبدتُم غيرَهُ أن يُولِّي كلَّ قَومٍ ما تولَّوْا ؟ فيقولونَ : بلَى . فيُنادي بذلكَ ملَكٌ ثلاثَ مرَّاتٍ ، ثمَّ يُمَثَّلُ لكلِّ قَومٍ آلهتُهُم الَّتي كانوا يعبدونَها ، فيتبِعونَها حتَّى تُوردَهم النَّارُ ، فيبقَى المؤمنونَ والمنافقونَ ، فيخرُّ المؤمنونَ سُجَّدًا ، وتُدْمَجُ أصلابُ المنافقينَ فتكونُ عظمًا واحدًا كأنَّها صَيَاصِيُّ البقرِ ، ويخرُّونَ على أقْفيتِهِم " والحديث له بقية تراجع من المصدر. الحديث رواه : قيس بن السكن وأبو عبيدة بن عبدالله؛ انظر : ابن حجر العسقلاني؛ في : المطالب العالية: 5/100؛ الحديث : إسناده صحيح... سَطرَ كاتبه :" لم أجد وفق ما بحثت لفظ الحديث الذي اعتمده في المتن دون التخريج؛ لذا فقد وجب التنبيه".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة  

سلسلة " التصفية والتربية "

الْمَحْمِيَّةِ

-حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى

مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ

حُرِّرَ في يوم الخميس ٢٥ شهر رجب ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١٤ من شهر مايو عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام

ضبابية الإستراتيجية

[1] المبدأُ مجموعةٌ من الأفكار الأساسية؛ والقواعد الذهنية الفكرية؛ والأسس الركنية البنائية في إيجاد كيان؛ أقربُ إلىٰ الكعبة المشرفة بمكة المكرمة لها قواعد وأسس وأركان؛ إذاً فالأيديولوجية حزمة متناسقة من افكار؛ ومجموعة متناغمة من قيم؛ وكتلة مترابطة من مفاهيم؛ لكنها تحتاج حين بلورتها وإخراجها لواقع الحياة من تبني إستراتيجية من نوعها؛ وإيجاد خطة من جنسها؛ فإذا حدثت شوشرة في ذهن صاحب المبدأ أو مَن يحمله حدث بالفعل تخبط في الإستراتيجية؛ وتعثر في كيفية إخراجها.

[2] مشروع القومية العربية والذي تبناه جمال عبدالناصر؛ ذو الكريزما الطاغية؛ هذا المشروع ردم في حفرته لحظة انفصال الإقليم الشمالي عن الجنوبي؛ لحقه مشروع دول عدم الإنحياز فأصبح من ذكريات الماضي؛ يرفقهما في الإخفاق؛ ويصاحبهما في الوصول إلىٰ نقطة الفشل: أطروحة دولة "العلم" و"الإيمان" في الحقبة الساداتية؛ مصطلح رنان لا يحمل مضمون ولا تصاحبه إستراتيجية تفعيلية لإيجاده في كيان الدولة وتطبيقية بين افراد المجتمع؛ فما وجد أساس علمي يبنى عليه ترسانة صناعية؛ قارن مصر مع دول النمور الأٍسيوية؛ وما وجدت قاعدة إيمانية تبنى عليها سلوكيات شعب وأخلاقيات أمه؛ فأصبحت دولة "المبارك" الفاسدة تستورد من الصين فوانيس شهر الصيام بـ ۳٥ مليون جنية... وأقامت راقصة "بطن" روسية دعوى قضائية ضد وزير دولة بحجة أنها تكافح البطالة إذ تشغل في فرقتها 25 عاملا ينفقون على 25 أسرة مصرية.. علىٰ الطرف الآخر تم تصفية قائد العبور بأيدي أبناءه؛ ثم بعد المراجعات.. القتلة اطلقوا عليه "الشهيد"، يرافق هذا بمرارة العلقم يتجرعها قبل أن يغرق في البحيرة المتوسطية؛ من يهرب إلى بلاد اليورو؛ يصاحب هذا : المشروع القومي لتعمير ارض الفيروز خلال ۳۳ عاماً تم -فقط- تنفيذ ۳۱% من المشروع بعد إنفاق ۱٠ مليارات من الجنيهات المصرية؛ مع الأخذ بعين الإعتبار أن سيناء: أمن قومي لمصر كلها؛ بيد أن واقعها اليوم أنها آحدىٰ ولايات تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً بـ -داعش-؛ قبل ٢٥ عاماً ومنذ حكومة الجنزوري وضعت خطة طموحة بـ ضخ مع تمكين ۳ ملايين مصري وتسكينهم بها؛ واليوم السكان كما كانوا مع تفاقم مشكلة الأمن القومي المصري من البوابة الشرقية لمصر؛ ووجود في إدراج الحكومة ثلاثة مشاريع تحمل نفس الإسم "المشروع القومي لتعمير سيناء" .

[3] السبب يعود لغياب إستراتيجية واضحة المعالم؛ الموجود كان وما زال طموحات.. أمال.. أوهام.. تطلعات.. أمنيات؛ حسابات إما خاطئة أو مرتجلة؛ أو لا توجد أصلاً دراسات جدوىٰ، القيادة السياسية -انذاك- إرادتها عطلت عن عمد؛ أو غفلت عن سهو؛ اليوم دمٌ جديد يجري في عروق الأمة بـ جوار جريان نيل الحياة؛ وعقلية مستنيرة تتلاطم -كـ أمواج المتوسط- مع صخر التخلف؛ وتفتك بأفراد الفساد بأنياب سمك قرش البحر الأحمر، قيادة تدير المشاكل لحلها؛ فهل تتمكن من القضاء على الموروث الفاسد الثقيل؛ وتقضي علىٰ بيروقراطية متعفنة؛ وتكسر تكلس في مفاصل دولة؛ مع قدرة صاحب القرار على تنفيذ ما يعد به.. سوف نرى!؟.

القيادة السياسية الواعية بمفردها لن تستطيع؛ الحكومة الرشيدة -إن وجودت- لن تستطيع؛ إذ أن كيان الدولة يبنىٰ بعقول وسواعد أبناءها.

[4] محلياً؛ وعلىٰ ارض القارة الأوروبية -فيينا تحديداً- في أوائل تسعينات القرن الماضي تبعثر علىٰ أسماع البعض بـ وجود ممول خليجي لبناء مشروع متكامل خدمي لرعاية شؤون مسلمي(*) ولاية فيينا ومقاطعتي بورجنلاند والنمسا السفلىٰ -يغلب علىٰ الفهم أبناء الدول العربية دون التركية-؛ وأن المال موجود مودع في بنك يتحصل عليه أعلىٰ نسبة فوائد؛ وحتىٰ كتابة هذه السطور لم نر المشروع. يرافقه –منذ بداية الألفية الثالثة للميلاد- فكرة طرحت علىٰ الوسط الإسلامي بإنشاء بيت للزوجات الغاضبات بجواره بيت للصغار الذين يعانون سوء معاملة من ذويهم؛ بيد أن هذه الفكرة رفضت من الكثير. الظاهر علىٰ الكف : وجود تجمعات لا تتفق علىٰ خطة عامة يعملون معاً علىٰ تحقيق أدنى ما يمكن الإتفاق عليه.. ولا تجمعها إستراتيجية عامة يعمل على إيجادها مع كثرة المشاكل وتشعب المسائل.. المخلصون، ولعل موقع "استروعرب نيوز" يتبنىٰ فكرة المحاورات الهادفة.

[5] الدولة تملك قدرات متنوعة ومتعددة؛ ومصادر دخل وتمويل؛ علىٰ الطرف الآخر: الأفراد والجماعات، فـ لغياب الإيديولوجية عند جماعات إسلامية تصدرت المشهد الدعوي؛ ومن ثَمَّ السياسي منذ سنوات؛ ولفقدانها فهم صحيح لمبدأ الإسلام -الإيديولوجية- أخفقت في الوصول الصائب للجماهير؛ والتلاحم مع الأمة؛ وليس كسب ود فصيل مع عدد محدود من الأتباع والرفقاء والمحبين والمنتفعين؛ وهذا ليس بنجاح يحسب لها، بل يضاف إلىٰ الأزمة الحالية.. كما فشلت -الجماعة- في الوصول إلىٰ سدة الحكم -مثال مصر وتونس حالياً؛ والسودان والجزائر، وإيران: الدولة الطائفية في نهايات القرن المنصرم- ما حدث يذكرنا بتلك الخطب المنبرية النارية منذ نهايات خمسينات وبدايات ستينات قرن مضى؛ خاصة حين ذاع وانتشر الكاست؛ والتي لا يتعدىٰ تأثيرها حنجرة قائلها. عقدت ندوات ولقاءات تنفض عن المضمون قبل أن تنفض بعد الإجتماع.

[6] ينزلق رجال الدعوة حين يتصدرون مشهد رعاية الشؤون الإجتماعية أو الرياضية أو الكشفية. وبالطبع يسيطر على أذهان رجالها الربحية التجارية، العبرة ليس مجرد تجمع من أجل التجميع بل العبرة التجمع من أجل هدف مشروع؛ أو نسميه شرعي.

تتوقف الدعوة حين يحركها الدولار؛ ويتكسر ترسها حين تدور مع اليورو في فلك الصفقات؛ وفضاء المناقصات، إذ أن إستراتيجية النشاط الإستثماري في مجال الشركات أو العقارات تتلاشىٰ معه رويداً رويداً إستراتيجية الدعوة، العلاقة التجارية والتزاوج بين افرادها تختلف عن العلاقة الفكرية أو الحزبية.

نتفق أن الدعوة تحتاج سند مالي ومعنوي؛ لكنها لا تقوم بالتكسب من أجل الصرف علىٰ مستلزمات أعمال الدعوة؛ ومصاريف رجالها؛ خاصة في حالة التفرغ.

نتفق أن الدعوة تحتاج لدعم معنوي؛ وسند جماهيري/شعبي لكن السند الحقيقي للدعوة لن يكون دولة تخالف أيديولوجية الجماعة أو كيان أجنبي عن المبدأ أو غريب عن الفكرة الإساسية للدعوة.

[ 7] عطبٌ أصاب الأمة الإسلامية منذ زمن بعيد؛ بـ إقفال باب الإجتهاد كما حدث منذ القرن الرابع الهجري. إذ حُصرت المذاهب الفقهية بـ الاربعة المعروفة مع عددٍ قليل غيرها، فقد نقل القاضي عياض (المتوفى سنة 544هـ) ان الناس اجمعوا علىٰ جواز تقليد المذاهب الاربعة؛ والسفيانية؛ والاوزاعية؛ والداودية -الظاهرية- دون غيرهم. لكن الىٰ زمانه لم يبق من المذاهب المذكورة غير المذاهب الاربعة ومذهب داود... وفي القرن الحادي عشر الميلادي بدأ إعراض المسلمين عن الابتكار العلمي.. تعطلت القدرة الفكرية في أمة "أقرأ"؛ فصرنا نجتر الموروث دون تجديد في الطرح، توقفت الحركة الذهنية في أمة "يتفكرون"؛ غاب مفهوم "أولي الألباب".. فتبع هذا التعطيل والتوقف والغياب توقف في حركة النشاط العلمي.. المؤسسات والهيئات الإسلامية وبقية التجمعات يغلب عليها أنها تقوم بملئ فراغ يتركه آخر خلفه؛ فغلب علىٰ المجموع شعائر كهنوتية وعلا في الأفق مشاعر غامضة: نسيج جديد من عقائد مزجت بـ جزعبلات فـ : صلوات الجمع يتجمع الناس لصيت وشهرة الخطيب دون مراعاة لما يقدمه من أفكار أو ما لديه من منهج؛ أو جديد أطروحات؛ أو تغيير فعلي في السلوك الجمعي اليومي؛ وليس السلوك الفردي لعضو الجماعة، نتابع -بسرور- تزايد توسعات الحرم المكي والمدني -حجة أو عمرة- دون زيادة توحيد الأمة علىٰ قلب رجل واحد.. المؤسسة الرسمية أو المؤسسات التابعة لها -أزهر: مصر؛ رابطة العالم الإسلامي: الملكية السعودية- يتساءل المرء عن السياسة المتبعة في أروقة الجامع الأزهري؛ وتزداد نبرة التساؤل حدة فيما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من وضع إستراتيجيات فاعلة؛ وننسىٰ ليس عمداً ما تقوم به تنسيقيات دولية -الجامعة العربية؛ مجلس التعاون الخليجي؛ منظمة التعاون الإسلامي- فقط لعدم قيامها بالدور المنوط بها؛ أو بتعبير أدق عجزها الكامل عن القيام بعمل... وهذا يعود لغياب إستراتيجية عمل.

[8] خَلقت منظمة حماس -حركة المقاومة الإسلامية؛ وزعت الحركة بيانها التأسيسي في 15 ديسمبر 1987- ذراعها السياسي لتغطي إخفاقها في تنفيذ إستراتيجيتها أو قدرتها علىٰ تنفيذ ما قامت من أجله...ونتابع عن كثب ما يقال أنه:" يشتد مؤخرا الشرخ بين القيادة السياسية وقادة الذراع العسكري."؛ تبعها الكثير من الجماعات -أو قبلها- بعد صراع فكري داخل التنظيمات -جماعة الإخوان المسلمين منذ عهد عمر التلمساني- لخلق ذراع سياسي بعد أخفاق الحركة الأم في الوصول إلىٰ ما تتحدث عنه دون إدراك كنهه؛ أو التحالفات المشبوهة مع آخر يخالفها في الفكر والطريقة. ثم توقفت الحركة العلمية للسلفية بعد إقامة الألباني في مساكن الأموات. السلفية الدعوية والجهادية في مأزق منذ سقوط الإتحاد السوفيتي الشيوعي؛ وتتضارب أقوال رئيس حزب النور مع أعضاء القيادة؛ والمثال الصارخ ما حدث بخصوص عيد القيامة في بداية أبريل الحالي فقد :" قال جمال متولي؛ القيادي بحزب النور، وعضو مجلس الشعب السابق عن الحزب، إن حزب النور ليس له أي علاقة بالفتاوى التي تصدر بتحريم شم النسيم، أو تهنئة الأقباط بأعياد ميلادهم، موضحًا أن "النور" حزب سياسي لا علاقة له بتلك الفتاوى. وأضاف متولىي أن الحزب لا يعلق على الأمور التى تتعلق بالأمور الدينية حيث مكانها المؤسسات الدينية؛ وهذا بتمامه الفصل بين الدين والدولة؛ أو بتعبير أدق الدين والسياسة؛ أو بعتبير القتيل الشهيد :" لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"؛ رافضًا لصق فتاوى تحريم تهنئة الأقباط بالحزب. الموقف هذا يدل على ضبابية في الأيديولوجية؛ أم ضبابية في الإستراتيجية فكـان المفاجأة حين أتت من د. يونس مخيون؛ في برنامج يقدمه عمرو خليل على قناة „CBC“ المصرية قبيل احتفال قيامة المسيح؛ وسأله الإعلامي :" هل سيهنئ حزب النور الأقباط !؟"؛ فقال رئيس حزب النور :"هذه مسألة عقدية!"؛ ثم أعاد خليل السؤال مرة ثانية فجزم مخيون بعدم التهنئة. المفاجأة -الضبابية- مصدرها دبلوماسية عضو قيادة حزب -متولي- وتعارضها مع إجابة واضحة صريحة من رئيس نفس الحزب د. يونس مخيون وفي نفس الإسبوع؛ فأيهما نعتمد!؟. السلفية ترى أن شم النسيم حرام.. فأصدرت الدعوة السلفية منشوراً يفتي بتحريم الاحتفال بأعياد شم النسيم، ووزعته فى عدة محافظات، منها الإسكندرية، والبحيرة، وكفر الشيخ، وبنى سويف، والفيوم، ومطروح، إضافة إلىٰ محافظات بالصعيد، وهو ما اعتبره علماء بالأزهر :"مضيعة للوقت، واستخفافاً بالعقول"، وقالوا إن مصير تلك الدعوات «صناديق القمامة». والضبابية تأتي من حيث استخدام تعبيرات غير لائقة؛ في زمن عسير؛ وحقيقة الشوشرة تأتي من تباين الرأي بين المؤسسة الرسمية الدينية؛ وبين أقوال حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية.. يترفع كما قال متولى عن الخوض في مسائل الفتوى؛ هذا أولا؛ أما ثانياً: فـ مشايخ الدعوة أفتوا بحرمة الاحتفال، استناداً إلىٰ فتوى قديمة للشيخ عطية صقر، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، أكد فيها أنه لا توجد حاجة للاحتفال بشم النسيم، لتجنب خلط الحق بالباطل، وقال ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة، إن شم النسيم ليس من أعياد أهل الإسلام، بل عيد موروث عن الفراعنة، ولا يجوز للمسلمين اتخاذه عيداً، خاصة أنه يعقب يوم عيد النصارى، المسمى بعيد القيامة. والشوشرة الثانية تعليق الأزهر بتصريحه حين قال هذه الفتوى "السلفية" مصيرها القمامة. وفى المقابل رفض الأزهر الشريف منشور الدعوة السلفية، وقال د. محمد مهنا، المشرف على رواق الأزهر، إن دعوات تحريم التهنئة والاحتفال بأعياد القيامة والربيع وشم النسيم، لا يجب الالتفات إليها، لأنها مضيعة للوقت، واستخفاف بالعقول، والأدلة علىٰ التعايش والمحبة كثيرة فى القرآن والسنة النبوية، مؤكداً أن مصير تلك الدعوات «صناديق القمامة»، وفتوى الشيخ عطية صقر، ربما(!) اقتُطعت من سياقها، أو قيلت فى ظروف(!) مختلفة. وفى سياق متصل، أعلن جهاديون سابقون مشاركتهم فى احتفالية الكنيسة الأرثوذكسية بعيد القيامة، وقال د. صبرة القاسمي، منسق الجبهة الوسطية، إن الجبهة تلقت دعوة لحضور قداس العيد، وكلفت عدداً من قياداتها، من بينهم مهندس ياسر سعد، رئيس اللجنة الدينية، وأحمد راشد، مسئول التدريب السابق بتنظيم القاعدة، بالإضافة إلىٰ القاسمي، بحضور الاحتفالية، وتهنئة البابا والأقباط بالعيد.

نذكر فتوى لجنة الفتوى بالأزهر في حكم الاحتفال بيوم شم النسيم، جاء فيها: "لا يجوز الاحتفال بشم النسيم لأنه ليس في الإسلام إلا عيدان"، مستندة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينهى الأنصار عن الاحتفال بأعيادهم في الجاهلية، قال: (كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى)". يأتي هذا في الوقت الذي أفتت فيه دار الإفتاء المصرية مؤخراً بجواز الاحتفال بشم النسيم، وكذلك الخروج إلى المتنزهات والأماكن العامة بشرط الالتزام بآداب الإسلام؛ وشم الزهور والورود التى تتفتح، أمر مباح.. والشوشرة تحوطها ضبابية تأتي من التوفيق بين فتوى سابقة في نفس المسألة وبين الفتوى الحديثة 2015، وأضافت في بيان لها -صدر سبت النور- أن هذه الأمور تأتى من باب العادة، ويجوز المشاركة فيها بشرط الالتزام بالضوابط والآداب العامة، مؤكدة أن أكل الفسيخ والرنجة حلال. وكأنه يفهم من الجملة الأخيرة أن هناك فتوى تحرم أكل السمك سواء المملح أو المدخن(!)؛ وعند مراجعة موقع سلفي تقرأ :" أكد برهامي أن أكل سمك الرنجة، وإقامة الحفلات في هذا اليوم من المحرمات، وأن أكل الرنجة قبل شم النسيم بيوم واحد هو اعتراف بعيد النصارى المسمى بعيد القيامة، ولا بد ألا يرتبط الاحتفال بتلك الأيام". ومن طرفه يحرم أبو إسحاق الحويني على أى بائع أن يبيع فى هذا اليوم أى طعام يقوم به فى هذا العيد، فلا يجوز بيع البيض أو الفسيخ والرنجة، قائلاً "ومن يفعل ذلك فهو آثم" .

[9] يصاب بحالة غثيان المتابع لما يجري في الشارع المصري حين يسمع أو يقرأ ما يصدر من مؤسسة رسمية تحمل صفة دينية(!) بخصوص هذه المسألة القديمة الجديدة وبخصوص مسألة ما يقال في برنامج "إسلام البحيري" على قناة مصرية؛ إذ لا يصح ان ينزلق رجال الأزهر في مطبات ألفاظ بذيئة. ويتعثر مشروع تجديد الخطاب الديني. فمساء جمعة أول أمس جرت مناظرة بين د. الأزهري وعلي الجفري وبين إسلام البحيري على الهواء مباشرة برعاية الإعلامي خيرت رمضان؛ فيما يقوله في برنامجه؛ ولعل هذا يحتاج لمقال طويل.

نقول : الفكر الإساسيى يحتاج لإستراتيجية لبلورتها من ثم تحقيقها أي إنزالها علىٰ أرض الواقع، وليس أطروحات موسمية معادة مكررة.

[10] القاعدة الركنية لقيام كيان عليها تحتاج لوعي صحيح كامل بها؛ فالأفكار الإساسية التي اعتمدها الكتاب -القرآن الكريم- قام رسول الإسلام -عليه الصلاة والسلام- ببلورتها؛ وبيانها؛ وترجمتها لواقع ملموس معقول يسهل إدراكه فيتقبله الناس عامة إلا مَن رفضه، دعا الإسلام إلىٰ الوحدانية- الربوبية؛ الآلهية؛ الحاكمية- كقاعدة ركنية في بناء الكيان الإسلامي فبلورها رسول الإسلام وفصلها؛ ثم أتخذ موقفا حيالها حين المحك مع الآخر وقت أن رفضها.. جاء في السيرة النبوية :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:  وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ؛ قَالَ : فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ «. (۱) قَالَ : ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ : أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ، فَوَاَللَّهِ لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا " فهذه قضية مصيرية –الإيمان؛ العقيدة؛ التوحيد- أتخذ المصطفى الهادي حيالها إجراء واحد. أما العبادة -علاقة المخلوق بالخالق- ؛ ذكرها القرآن الكريم؛ فـ فصلها نبي الإسلام بقوله :» صلوا كما رأيتموني أصلي «.(۲)؛ وبقية المشاعر والنسك بقوله :» خذوا عني مناسككم «.(٣)؛ فالصلاة فكرة بلورها وأخرجها نبي الإسلام بالسنة العملية تارة وبالسنة القولية تارة آخرى؛ وعلاقة المرء بنفسه -ما تسمى الأخلاق- سئلت زوج الرسول أمنا؛ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها؛ فوصفته فقالت :» كان خلقه -عليه السلام- القرآن «. (٤). فهو لا يدعو فقط إلى مكارمها -الجانب النظري- بل يزاولها ويمارسها ويوجدها في واقع الحياة وينزلها بين عناصر المجتمع فتحميها الدولة؛ وهكذا.. فكرة أساسية تقابلها من جنسها كيفية إخراجها؛ قاعدة ركنية في بناء الكيان يفعلها سلوك ظاهر واضح.. وهذا ما أزعم أنه غاب عن رجال الدعوة؛ لا أقول عن عمد ولكن لتغيير المناخ العام وحالة من الضعف في فهم الإسلام.

[11] فكم من أفكار جميلة ردمت تحت تراب النسيان لغياب كيفية إخراجها للنور؛ وأهملت تحت فقدان رؤية عميقة واعية لإيجادها.

فكم هو مؤلم حقاً للمسلمين؛ مؤسف للدعاة وحملة الدعوة ومن ينضوي تحت حزب مبدئه الإسلام؛ وكم هو مزعج للمتأسلمين أن فكرة الإسلام الفضفاض الواسع العام -كما فهمتها- جماعة المسلمين -أقصد جماعة الإخوان المسلمين- ذهبت أدراج الرياح خلال أيام معدودات -365-؛ سنة في عمر التمكين نسفت أحلام 80 عاما من الوهم والحلم لعدم وجود فكرة واضحة عميقة واعية تسعى الجماعة لتحقيقها.

فكم يتألم صاحب هذه الكلمات كلما تذكر لحظة الوصول؛ إذا أعقبتها مباشرة فيعتصره الألم من جديد ندماً: لحظة السقوط المدوي؛ وهذا لغياب إستراتيجية واعية صالحة بنيت علىٰ فكرة واعية صحيحة سليمة.

نفس الحال والمقال ينطبق على ما أطلق عليه تنظيم القاعدة وبما يسمى الأن تنظيم الدولة الإسلامية. الغريب أن مبدأ الإسلام محفوظ بين دفتي المصحف الشريف؛ والطريقة العملية أو ما يسمى بالسنة العملية محفوظ معه. فلا يقرأ المحفوظ ولا تراجع أقوال الشارح.

السلفية تتكلم عن تراث ليس لها مقدور في ترجمته لسلوك وأفكار وممارسة في الحياة اليومية العصرية لمسلم؛.فليست المسألة لباس وليست المسألة خصلات من الشعر تطول أو تقصر؛ وإن كان المظهر يخبر -أحيانا- عن المكنون؛ لكن المسألة هي الأساس الذي بني عليه اللباس أو القاعدة التي بنيت عليها حكم الخصلات والجدائل.

[12] الإخفاقات المتتالية منذ بداية خمسينات القرن المنصرم علىٰ كافة الأصعدة؛ والمشاكسات الصبيانية علىٰ ضفتي الوادي وعلىٰ أرض الفيروز ينبغي أن لا يتذوق مرارتها جيل الشباب الصاعد؛ وهذا يستدعي إرادة صلبة ووعي ناضج... نتمكن بهما من وضع إستراتيجية قابلة للتنفيذ وآخرىٰ إستراتيجية وقائية.

**

حُرِّرَ في يوم السبت ٦ من شهر رجب ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ۲٥ من شهر أبريل عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حاشية :

(*) الكاتب يتحرج من كتابة مصطلح :" جالية" ... عربية أو تركية أو جالية إسلامية.

التخريج :

(۱) السيرة النبوية ؛ ابن إسحاق :" رواه يعقوب بن عتبة بن المغيرة؛ قال الألباني في السلسلة الضعيفة : 909؛ الحديث : ضعيف. وقال : الألباني؛ في : فقه السيرة : 109؛ الحديث : ضعيف"

(۲) رواه مالك بن الحويرث؛ خرجه البخاري في صحيحه: 631 والحديث : صحيح.

(٣) رواه جابر بن عبدالله؛ خرجه مسلم في صحيحه : 1297؛ الحديث : صحيح.

(٤) عن أبي الدَّرداءِ قال سأَلْتُ عائشةَ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ، فقالت: كان خُلُقُه القُرآنَ، يغضَبُ لغضَبِه؛ ويَرضى لرضاه روته عائشة؛ ذكره الطبراني في المعجم الأوسط : 1/30 ؛ والحديث : لا يروىٰ عن أبي الدرداء عن عائشة إلا بهذا الإسناد تفرد به زيد بن واقد؛

المصدر الثاني: سُئِلَتْ عائشةُ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالت : كان خُلُقُهُ القرآنَ ذكره ابن حجر العسقلاني في إتحاف المهرة: 16/1065 ؛ وقال الحديث : منقطع فيما أظن.

المصدر الثالث: دخلنا علىٰ عائشةَ فقلنا : يا أمَّ المؤمنين ! ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؟ قالت : كان خُلُقُه القرآنُ؛ خرجه الألباني في صحيح الأدب المفرد: 234؛ وقال الحديث : صحيح لغيره.

المصدر الرابع: كان خلقُه القرآنَ؛ خرجه الألباني في صحيح الجامع: 4811؛ وقال الحديث : صحيح.

تراجع الأيديولوجيا لـ صالح التكنولوجيا

[ ١.] سقطت الخلافة العثمانية؛ بما تحمل من مبدأ، وبعد زمن سقطت الشيوعية؛ بما تحتوي علىٰ مبدأ.. وتفسخ النظام الديموقراطي واستبدل بـ رأسمالية، وتراجعت الأديان واقتصرت علىٰ علاقة غامضة روحية بين الإنسان وبين الآله؛ مع وجود مؤسسات ذات طابع "كهنوتي" تدعو إلىٰ حفنة من التعاليم وتأمر بـ حزمة من الشرائع؛ فـ توارىٰ المبدأ الذي عليه أسس الدين.

[ ٢. ] التكتلات الدولية بـ دورها أو الإقليمية فـ لا تحمل في طياتها -أصلاً- مبدأ؛ فـ الإتحاد الأوروبي بـ دوله الــ ٢٨، أو الإتحاد الأفريقي بـ دوله الـ ٥٢، أو مجلس التعاون لـ دول الخليج العربية؛ أو ما يعرف بـ مجلس التعاون الخليجي كـ منظمة إقليمية مكونة من ست دول؛ أيضاً التكتلات والتجمعات الكبرىٰ كـ الأمم المتحدة بـ منظماتها المتعددة؛ فـ منذ ١٤ يوليو ٢٠١١ بعد تقسيم السودان أصبح أعضاءها ١۹٣ دولة؛ أو الجامعة العربية بـ عدد أعضاءها الـ ٢٢، أو منظمة التعاون الإسلامي؛ سابقاً منظمة المؤتمر الإسلامي تجمع ٥٧ دولة؛ وتصف نفسها بـ أنها "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"... كل هذا التجمعات والتكتلات والمنظمات لا تحمل مبدأ تريد تطبيقه.. فـ هي أما مظلة إقتصادية/تجارية أو زراعية أو ثقافية أو تشاورية، أو أحلاف عسكرية تحمي مصالح ولا تحمل مبدأ، فـ تراجعت الأيديولوجيا تراجعاً ملحوظاً... وتقدمت التكنولوجيا تقدماً باهراً .

[ ٣.] الدول الفاعلة في الإقليم "المشتعل" العربي -جيرانه- : تعمل للسيطرة والهيمنة: فـ تركيا العلمانية تحلم؛ وإيران الجمهورية المذهبية الفارسية تسعىٰ.. وتكاد تنتهي اسطورة الحدود الأمنة: فـ غرباً مثال أمريكا وفرنسا؛ شرقاً مثال مصر وما يحيطها من الشرق والغرب والشمال؛ ثم العراق وسوريا ثم جنوبا اليمن.. ثم شمالا جنوب الشواطئ الإيطالية والفرنسية : ليبيا.. لا توجد حدود أمنة.

[ ٤. ] الفاعل الجديد في المجتمع المتعولم :"التكنولوجيا".. فـ التقدم التكنولوجي المتسارع والصاعد يخبرنا بـ أنه هو المهيمن والمسيطر علىٰ الشعوب والأمم وهو الذي يحرك الأفراد علىٰ كافة المستويات، يلازم هذا الفاعل الجديد في مقدرات الدول :"تكنولوجيا المعلومات"

[ ٥ ] الإشكال الحاصل: هو أن لسان الإنسان يسبق تفكيره؛ ونطقه يغلب علىٰ قواه العاقلة؛ وغرائزه تتحكم في ميوله؛ وهواه يسيطر علىٰ أفعاله، وهذا لـ غياب أيديولوجيا -أي فكر أساسي يُعتمد في طريقة التفكير وتُبنىٰ عليه التصرفات وتعتمده الأعمال؛ ومجموعة الأخلاق المنبثقة من هذا الأساس-؛ الإشكال الحاصل غياب أيديولوجيا يعتنقها الإنسان لأنه يرىٰ صلاحيتها؛ وأعتقدها لأنه أمن بـ أنها صحيحة؛ فـ يقوم بـ تحويل افكار المبدأ إلىٰ سلوك يومي يتحصل إثناء بلورته منهاج صالح للمجتمع؛ ولعله ما يسمىٰ عند المسلمين :"عصرنة الإسلام"، أو تحديث الخطاب الديني، ولعلنا نفهم -الأن- لماذا فشل تيار الإسلام "السياسي" -الإخواني والسلفيي؛ فهما اللذان تصدرا المشهد السياسي- في إقناع عموم الشعب بما سُطر علىٰ الورق -دون إدراكهما لأفكار سطرت ودون استيعاب لمعاني كلمات قيلت دون فهم أو قدرة علىٰ التطبيق كـ منهاج/شريعة -؛ وأخفق -هذا التيار- في تفعيل مشروع "النهضة" الإسلامية المزعوم -عملياً- حين غاب التصور الحقيقي بـ فقدان الوعي المنبثق عن مبدأ يدعي أهله الرغبة في إيجاده دون الإرادة.

[٦. ] استخدم الإخراج المسرحي الإستعراضي إثناء الثورات العربية بدءً من تونس الخضراء فـ أشعلت النيران في الجسد الطاهر؛ ثم علت علىٰ المنصات حناجر ترجو التغيير؛ دون إدراك ووعي، وزحزحت بعض الوجوه لـ تتصدر المشهد وجوه؛ وكان قمة الإخراج علىٰ منصة العدوية... ونجحت وسائل النقل الحي في أبراز مواقف وإخفاء مناظر.. المؤسف في النص المسرحي غياب الأفكار الأساسية كـ أيديولوجيا محورية تلتف حولها الجماهير الثائرة؛ المدهش في النص ذاته وجود مطالب أصلية للإنسان بصفته الإنسانية الأصلية: كـ الإطعام :"عيش"، وأن يفكر ويتكلم :"حرية"، وأن تحترم آدميته :"كرامة"؛ وأن الناس سواسية فـ أبن الخفير يتساوىٰ مع أبن الوزير :"عدالة إجتماعية".

المؤسف حقاً : أن تطالب بحق أصيل لكَ! دون القدرة علىٰ تفعيله عند التمكن من تحصيله!.

المؤسف حقاً : أن القوىٰ الفاعلة والعاملة في الشارع السياسي لم تتبن وجهة نظر في الحياة تترجم بـ مصطلح أجنبي اتفقنا أن نسميه "أيديولوجيا".. نسمع شعارات رنانة.. دون أن ندرك لها مضمون حقيقي لـ تفعيلها؛ تعلو تصريحات نارية دون بلورة لـ إيجادها في واقع الحياة .

المؤسف حقاً : أن الأحزاب السياسية علىٰ إختلاف مشاربها لم تتجرأ أن تعلن عن مبادئها صراحة؛ كـ الحزب الإشتراكي-الشيوعي، لوجود معارض شعبي؛ والحزب ذي المرجعية الدينية -مسيحي/إسلامي- لم تتجرأ هي الآخرىٰ أن تعلن عن مبدءها الأصيل لـ تعارض ذلك مع المناخ العام الدولي والإقليمي؛ وسمعنا في داخل إسرائيل وخارجها مَن ينادي بــ دولة "يهودية!!!".

[ ٧. ] الولايات المتحدة الأمريكية ومَن يسبح في فضاءها ويسير خلفها؛ تخلت هي الآخرىٰ عن مبدءها؛ وتبنت نظرية المصالح والمنافع -والكاتب لا يعارض الفكرة من حيث الأساس؛ إذ أن الدنيا بـ ناسها قائمة علىٰ جلب المنافع؛ ودرأ المفاسد-، فهذا ليس مبدأ بل هو فرع من مبدأ.

[ ٨. ] صارت الدول والتجمعات والأحزاب أقرب إلىٰ نظام الشركة وأدنىٰ إلىٰ مفهوم المؤسسة؛ فـ أمريكا تحكمها مجموعة من الشركات الكبرىٰ؛ وتغلف نفسها بـ ديموقراطية تصلح لها دون سواها؛ وهذا مِن حيث الأعلىٰ، أما حيث الأدنىٰ فـ تنظيم القاعدة -سواء أطلق عليه إرهابي أو جهادي- سـ يحل نفسه؛ بـ تعبير شديد اللهجة "أفلس" مادياً فـ لا مساعدات خليجية أو غربية؛ أفلس تنظيمياً فـ لا أعضاء جدد عرب كانوا أو عجم، ومنذ البداية لا يوجد لديه -كـ أمثاله علىٰ الساحة- فكر أساسي، وإفلاسه يعود لـ تقدم تنظيم الدولة عليه.

[ ۹. ] وهذا ما يقلق الإنسان الذي يعيش فوق البسيطة "المعمورة": حالة غياب لـ مبدأ صالح يعيش الإنسان تحت غطاء أفكاره وقيمه ومقايسه؛ وقد يعارضه مبدأ آخر ترىٰ مجموعة آخرى مِن الناس أنه الأصلح؛ فـ تعيش هذه المجموعة من البشر تحت غطاء أفكاره ومقايسة وقيمه؛ هذا جانب من القلق الإنساني المعاصر، أما الجانب الآخر من القلق البشري : هو التقدم التكنولوجي دون قيد أو شرط أو ما نسميه دون وازع أخلاقي أو رادع نفسي/ضميري ؛ بنيا الإثنان الأخلاقي والنفسي/الضميري علىٰ اساس مبدأ- .. إذ أن عقلية التاجر تبحث عن المكسب؛ أما نفسيته فـ تبتعد عن الخسارة، بـ غض النظر عن الوسائل والوسائط وبـ غض الطرف عن صلاحية السلعة للإستخدام الآدمي.

أو بـ تعبير آخر : ما يطلبه المستهلك! يقدم له وإن ترتب عليه أذىٰ؛ أو لحقه ضرر.!

أو بـ تعبير ثالث : ما يظنه المنتج لـ سلعة ما أنها سـ تجد رواجاً عند من هو قادر علىٰ الشراء!.

تحولت الناس إلىٰ معامل فئران وحقل تجارب أرانب!... ومجموعات مِن القردة تقلد ما يعرض بـ وسائط التقدم التكنولوجي: فـ تناقل الأخبار والمعلومات فيما بيننا نستخدم في عصرنا الحديث خمس وسائل وتزيد:

(1) ”Twitter”;

(2) “Facbook;

(3) “E-Mails”,

(4) “SMS” und

(5) “iMassage”.

مثال صارخ : شركة مطاعم ماكدونالد أصدرت تعميماً فقط في الولايات المتحدة الأمريكية تخبر عملائها الكرام؛ بعد تدني أسهم المبيعات لديها وإخبار من منظمات حماية المستهلك، بأن جميع الدواجن التي تقدمها في مطاعمها بـ أمريكا لا يتم حقنها بـ هرمونات .

[ ١٠ ] لا يفهم من السابق أن كاتب هذه السطور يعارض التقدم العلمي؛ أو إستخدام الوسائل/الوسائط الحديثة؛ إذ المقصود أن لا تتحكم الألة في الإنسان؛ بل صنعت الألة ليستفيد الإنسان وتخدمه وتسهل له حياته؛ فـ الهاتف المحمول -كـ مثال- تجده في يد الصغير قبل الكبير؛ وفي يد العاطل قبل مدير شركة؛ ثم اضيف الهاتف الذكي؛ ثم قدمت خدمات عالية الجودة ووسائط إتصال؛ فإنزلق اللسان في الحديث دون ضوابط؛ وتتم إتصالات مشبوة بين الأفراد؛ ولا يفهم من هذا تحريم أو تجريم الألة؛ لكن كيفية الإستخدام هي التي يرجىٰ إعادة النظر فيها، فـ شركات المحمول تسعى للمكسب؛ وربحها مِن جيوب العملاء..

وما وجب التنبيه عليه : هو كيفية إستخدام التكنولوجيا مع إعتماد الإيديولوجيا!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حُرِّرَ في يوم الأحد ١٦ شهر جمادىٰ آخر ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٥ من شهر أبريل عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

الداعشية .. منتصفها(*)!

حين ينحط الإنسان تنحصر اهتماماته في رغباته الدنيا؛ فيسعى إلى اشباع مظاهر غرائزه ويكتفي بتحصيل حاجاته العضوية.. ليس أكثر، فيسد جوعة المعدة بأي مواد يجدها، ويشبع ميله الجنسي مع أي مجسد يتمكن منه. فيحصره انحطاطه في جوعة المعدة وجوعه ميله الجنسي؛ فإذا هدأت معدته حين الإمتلاء؛ وافرغ مخزون طاقته بقطرات تخرج من صلبه أو الترائب فيعمل على إشباع بقية مظاهر غرائزه كـ التملك، فيسعى إلى الحصول على ما يتمول به، ولكي يحافظ على ما تملكه بغض النظر عن الكيفية والطريقة يعمل على حمايته فيتسلح بما يحميه من رجال القانون بالفساد والرشوة؛ ويقف به ضد العدالة، ثم يعمل على جذب الانتباه بحركات وأعمال وتصرفات تشد الناظر وتنبه الرائي ليظل في بؤرة الاهتمام.
حقاً التركيبة الأصلية للأنسان تحتاج لـ كمٍ هائل من الاشباعات فهناك جانب مادي يحتاج اشباع وآخر روحي وثالث معنوي ورابع إجتماعي وخامس مدني حضاري وسادس ثقافي فكري.. وهكذا.. المشاهد المحسوس أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ترقى من بدائيته إلى أن وصل لما هو عليه الأن من مدنية وحضارة.. لم يقف الإنسان عند بدايته البسيطة وإدراكاته الساذجة أو توقف عند بدائيته.. بقية المخلوقات ظلت كما هي!.. هذا لأنه حين ملك مظاهر غرائز وحاجات عضوية كـ بقية المخلوقات تملك بجوارها ومعها قوى عاقلة تدفعه دفعا حثيثا لهذا الإرتقاء وهذا السمو.
الرجل العربي -حسب علمي- هو الوحيد الذي حين اراد أن يتكلم عن علاقته بالمرأة وضع لهذا الشعور وذاك الإحساس أكثر من ستين مصطلحاً (**)؛ ثم نقرأ في اشتقاق هذه الأسماء ومعانيها.
بيد أن المرء يعجب إحياناً حين يرى في الغرب المتقدم صناعياً والحائز على منتج علمي راق بعض افراد المجتمعات يجتمعون كي يعيشوا يوما أو بعض يوم كما كان يعيش أسلافهم في القرون المظلمة؛ ثم يندهش المرء مع هذا التقدم العلمي أن ما زال البعض يعشعش في عقولهم خرافات من عصر الانحطاط العقائدي والتخلف الذهني.. ولعل العجب يزول لأن الإنسان قد يصيبه الملل والسأم من روتينية الحياة العصرية الحديثة فيغير المعتاد ويكسر نمطية حياة بالترويح ساعة؛ أو الخروج عن المألوف ساعات.
الذكر الداعشي؛ يصلح أن يكون نموذجاً لمن يفكر بعقلية القرون المظلمة مع أنه يملك أدوات القرن الواحد والعشرين. فهو -الداعشي- ليس حالة غريبة فريدة؛ بل هي حالة موجودة في المجتمعات، الجديد: أنها جمعت كـ أفراد في معسكرات تطلق على نفسها مجتمع أو دولة؛ ولكي تشد الإنتباه تسمي نفسها "إسلامية" أو "الخلافة(***) الإسلامية". الجديد -بغض النظر عن النشأة والرعاية والسهر والحفاظ علي التنظيم- إضافة عنصر أنثوي.
الداعشية انفصلت عن واقعها بفكرها وشعورها؛ وبغوصها في ماض لا تعلم عنه شيئاً سوى قراءات مختصرة مبتسرة -لن نبحث هنا عن الساند والداعم والمؤيد والراضي- بل الهام هنا البحث عن البيئة الحاضنة ومناخ التفريخ: فهما يوجدا أمثال هؤلاء وهم بكثرة في كل المجتمعات(****).
المافيا الإيطالية أو الأمريكية أو الروسية التشابه بينهما وبين الدواعش قريب؛ الذي تغير الرداء والهوية والإنتماء؛ فبيوت الدعارة لها مَن يحميها من ذكور؛ كما توجد عائلات بأكملها تمارس الجريمة والرذيلة دون إعادة نظر أو تأنيب ضمير؛ الغالب على أمثال هؤلاء الذكور تدني مستوى التعليم وفقدان ثقافة.
الأنثى الداعشية كـ-نموذج- فرغها ذكورية أب من أنوثتها؛ ثم فرغها المجتمع من إنسانيتها؛ فملأ الفراغ الأول ذكر يعلو منتصفها؛ وملأ الفراغ الثاني التعايش في تجمعات أشبه بما كانت تعيش فيه وسط عائلتها/أسرتها/أهلها. الداعشية كـ-نموذج عربي- ومن الناحية السياسية؛ وضع الحاكم/النظام أباها أو أخاها أو زوجها خلف القضبان؛ فأرادت أن تنتقم منه -فهو الفاعل- ومن المجتمع -لم يحميها- . مزارع التفريخ والحاضنات وجدت منذ القديم؛ إذ أن المشاهد المحسوس أن الداعشـيـ(ـــة)كـ-نموذج- حين يقرأ لا يفهم؛ وحين يجهل يتكلم؛ وحين يتصرف يخطئ؛ إقصاء فصيل من الحياة الإجتماعية؛ أو الوسط السياسي أو الحكم على جماعة بأكملها أنها غير مرغوب فيها أو نعتها/ختمها بـ إرهابية مناخ صالح وبيئة حاضنة لتفريخ الدواعش.
إشكالية المجتمعات الإسلامية ومنها المجتمع العربي منذ قرون تعيش حالة إنفصام شخصي بين تراث وماض مجيد وبين واقع وحاضر مرير؛ وحالة انفصال عن تاريخ مسطور لايمكن ربطه أو استحضاره بـ مستقبل مجهول.
دوافع "طائفية": تقف الدوافع الطائفية وراء إنضمام النساء للتنظيم الإرهابي، وتقول دراسة "في ظل الحرب الأهلية بالعراق وسوريا، تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع طائفي بالدرجة الأولى، وهو ما دفع بالعديد من النساء إلى القتال إلى جانب "داعش"، ليس من باب القناعة بفكر التنظيم بقدر ما هو من باب "الجهاد" من أجل الدفاع عن عقيدة "أهل السنة" ضد الروافض الشيعة الذين يمثلهم كلٌّ من النظام السوري والعراقي، وأنه يجب أن تكون لهن أدوار في الجهاد من أجل حماية العقيدة، فضلا عن قناعاتهن بأن "داعش" صار يمثل الطريق الوحيد إلى قيام دولة "إسلامية سنية".
الفكر "الداعشي": وحسب الدراسة، فإن "الدوافع الأيديولوجية، وتتمثل في الجاذبية الفكرية الموجودة في الفكر "الداعشي"، كما أن إعلان التنظيم "الخلافة الإسلامية" وتنصيب "خليفة" للمسلمين قد مسَّ وترًا حساسًا عند كل الإسلاميين بصفة عامة، والجهاديين بصفة خاصة. فقد أصبح الالتحاق بالدولة الإسلامية، والعيشُ في كنفها؛ أُمنيةَ العديدين من الإسلاميين، ومنهم النساء اللاتي يأتين إلى العراق وسوريا من أجل الانخراط في صفوف "داعش"، من أجل الجهاد في سبيل الله من ناحية، والعيش في ظل "الخلافة الإسلامية" من ناحية أخرى".
يندهش المراقب انضمام الأنثى الغربية لتنظيم داعش؛ المنفصل عن القاعدة(*****) وسرعان ما يزول الإندهاش لطبيعة الحياة الغربية المادية؛ هذا أولاً؛ وإختلاق بطل من وهم الخيال على الشاشة الفضية كـ الرجل الخارق:"سوبر مان„Superman“ بزغ نجمه في العام 1938؛ أو الرجل„Fledermann“ - „Fledermausmann“ الوطواط“ أو باتمان: Batman؛ شخصية خيالية كان أول ظهور لها في مايو 1939.“ أو „Spider Man :سبايدرمانim August 1962 :"العنكبوت" أو زورو (الأصل تسمى Señor ~ Zorro) هي شخصية خيالية تم إنشاؤها في عام 1919. عاشت الأنثى في وهم وخيال مع رجال لا حقيقة لهم في الحياة أو الوجود؛ فكما ذكر موقع استرو عرب نيوز في حلقته السابقة عن الداعشية في يومها العالمي 2015؛ حدثت مظاهرة في مدريد-اسبانيا من نساء يردن مناكحة الداعشي.
– مشاعر الحب والرومانسية: يعتقد العديد من الباحثين أن ما يدفع بنساء صغيرات للتوجه إلى سوريا هو الأمل والبحث عن مشاعر الحب والعواطف والرومانسية، والأمثلة كثيرة على ما يعرض في فيسبوك وغيرها من المواقع الشبكية من صور رجال بشكل وسيم إلى جانب نساء محجبات، وإحدى تلك النساء كتبت على فيسبوك أنها وجدت في “بلد الجهاد” حبيبها “المجاهد”. وكم هي كثيرة تلك الصور ونصوص القصص الغرامية المغرية، والتي تسعى إلى التأكيد على أن الجهاديات في سوريا حصلن على أزواج كما أراد الله لهن ذلك، وعدد كبير منهن يكتبن في مواقع الإنترنت نصوصًا سياسية طويلة تشير إلى اهتمامهن الكبير بالمصادر الدينية. فليس من العجب إذن أن يكون المستوى المعرفي للنساء الأجنبيات في تنظيم “داعش” عاليًا جدًا بحسب ”DW”، وبالتوازي مع ذلك لا يقل مستوى تطرفهن وقسوتهن عن موقف أزواجهن أيضًا، فهن يرحبن بإعدام الرهائن وبصلبهم ويدعون إلى القيام بهجمات على البلدان الغربية. إحدى الطالبات البريطانيات التي كانت تدرس الطب سابقًا وتطلق على نفسها اسم “مجاهدة بنت أسامة” ظهرت في إحدى الصور كممرضة وفي يدها اليسري رأس شخص مقطوع. واستقطاب نساء تنظيم “داعش” يتم أيضًا من خلفية بحثهن عن تصورات رومانسية وبهدف عيش تجربة حب فريدة من نوعها، ولكن في نفس الوقت يعتبرن أنفسهن جزءًا من مسار تاريخ عظيم وأنهن سيغيرن العالم بالكامل. ولكن ما العمل عندما تخيب الآمال وتنتهي الثقة في أهداف “داعش” وعندما يتضح لها أن زوجها لم يعد رجل حلمها بل أحد أفراد الميليشيات المتوحشة. وهؤلاء النساء يفقدن حريتهن عندما يسافرن إلى سوريا، حيث تطبق عليهن قواعد التنظيم، فلا يسمح لهن بالخروج من البيت دون إذن الزوج ولا يسمح لهن بالتواصل مع أسرهن، وعندما يأتي هذا التنظيم على نهايته ستبقى نساء “داعش” سجينات تنظيم همجي."
قد يكون الدافع لسيدة سورية أو عراقية، رغبة في الانتقام من قهر الحاكم أو الدفاع عن عقيدة، هذا السبب الذي يدفع سيدة من تونس أو مصر، أو الجزائر، لكن ما الذي يدفع حسناء فرنسية.. أن تنضم لـ"داعش". تبين الدراسة سببين لانضمام الأجنبيات للتنظيم، بعد أن وجدت أن 10% من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم المتطرف نساء، ينحدرن من عدة دول غربية وإسلامية.
وعن السبب الأول: ترى دراسة أن حالة الاغتراب التي تعاني منها سيدات في مجتمعاتهم الأوربية والحديثة، ورغبة منهن في تغيير نمط حياتهم دافعاً قوياُ للانضمام للتنظيم، ربما يكونوا مدفعين بالتأثر بالحالة الإنسانية المأساوية التي يعيشها الشعب السوري من قمع لشعبه، بينما يقف العالم عاجزاً.
وهناك سبب آخر كما تكشف الدراسة، أن النساء يتأثرن بالخطاب العاطفي لداعش واستخدامها الألفاظ البراقة في عودة الخلافة الإسلامية، أو تنصيب خليفة للمسلمين، قد يكون دافعا للانضمام. وتذهب الدراسة إلى حرص داعش على اجتذاب النساء لصفوفه، لأن الأمر لا يتعلق فقط بمجرد استخدامهن في "زواج النكاح" = "مناكحة الجهاد" الذي يحتاج إليه المقاتلون الذكور، والذين غالبيتهم في سن الشاب. وترى الدراسة أن الداعشيات يتدربن على حمل السلاح كما توكل إليهن الأعمال المنزلية ورعاية الأسر والأزواج المقاتلين والقيام بأعمال المساعدات الإنسانية، والتمريض، ورعاية الجرحى أو في العمل بالشرطة النسائية، وكذلك المساعدة في الدعاية والظهور في وسائل الإعلام، وتشر الدراسة إلى نقطة خطيرة في استخدام النساء من قبل داعش، وهي القيام بعملية توصيل المال من دولة أو أخرى، أو لمجموعات بعيدة عن التنظيم وربما استخدامهن في أعمال التجسس. وربما يكون الخطر القادم من داعش ليس من مجموعات الرجال المقاتلة، بل من السيدات، كما تنبه الدراسة، لأن "الداعشيات" سيحملن أفكار التنظيم وسيقمن بنقلها إلى أجيال أخرى عن طريق أطفالهن.
استمرارا للتقارير المتزايدة حول فضائح ممارسات التنظيمات الإرهابية في سورية وقيامها باستقطاب أعداد كبيرة من الأوروبيين والأوروبيات للانضمام إليها وجذب النساء الأوروبيات للقيام ببدعة ما سمي بـ جهاد النكاح كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مقال للكاتب راتشيل سومبتير أن التنظيمات الإرهابية تمتلك استراتيجية باستخدام النساء بطرق تقشعر لها الأبدان وذلك على نحو متزايد. وقالت الصحيفة إن ” غالباً ما يتم جذبهن من قبل نساء أخريات على مواقع التواصل الاجتماعي وترتفع نسبة النساء المجندات في تنظيم داعش في فرنسا” حيث تشير التقديرات إلى وجود نحو 63 امرأة من أصل 350 إرهابيا فرنسيا أي ما يقرب من نسبة 20 بالمئة. (تُعد فرنسا إحدى أهم الدول المُصدِّرة للمجاهدات إلى التنظيم؛ حيث يوجد ما يقرب من 100 إلى 150 امرأة فرنسية بالدولة الإسلامية (وفقًا لمصادر أجنبية آخرى) وأوضحت الصحيفة أن النساء ضمن تنظيم داعش يقمن بارتكاب العنف بحق نساء أخريات كما أن هناك نساء مجندات يقمن بإدارة نقاط التفتيش وتشاركن في عمليات المداهمة التي ينفذها التنظيم الإرهابي وتجندن انتحاريات وتشاركن في عمليات التمويل والدعاية.
وكانت كاثرين براون الباحثة في شؤون الإرهاب في كلية كينغ في لندن قدرت سابقاً عدد النساء الأوروبيات ممن انضممن إلى داعش بـ مئتي امرأة.
حالة اغتراب: وفيما يخص إنضمام النساء القادمات من دول أميركا وأوروبا إلى التنظيم، قالت دراسة، إن "العديد من النساء المسلمات في المجتمعات الغربية تواجهن غالبًا حالةَ اغتراب في مجتمعاتهن، فمعظم المنحدرات من أصولٍ غربيةٍ المنضمات لداعش -وفقًا لمصادر غربية- يأتين من أسر ملحدة، أو مسيحية كاثوليكية، ويهودية، يرفضن اعتناق أبنائهن الإسلام، على عكس الغربيات ممن ينحدرن من أصول إسلامية وأسر ممارسة لشعائر الإسلام، مما يدفعهن إلى السفر للالتحاق "بالدولة الإسلامية" من أجل العيش في دولة إسلامية لا يشعرن فيها بأي اغتراب". وتفترض الدراسة أن ثمة دوافع إنسانية وراء انضمام النساء إلى داعش، وتقول: إن العديد من السيدات الغربيات اللاتي هاجرن للعيش في دولة "داعش"، نشأن على القيم الغربية، كالعدالة، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، لذا فهن يرفضن بدافع تلك القيم، ترك الشعب السوري يُقتل بتلك الصورة البشعة في ظل تغاضي حكوماتهن الغربية عن ذلك. ولذا تأتي تلك السيدات إلى مناطق الدولة الإسلامية، إما بدافع الجهاد بمفهومه الديني، وإما من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والجرحى والأطفال الأيتام ممن فقدوا آباءهم في المعارك الدائرة بسوريا والعراق.
دغدغة مشاعر الشباب: "داعش" يستخدم النساء في دغدغة مشاعر الشباب، وجذبهم إلى التنظيم. أضف دورهن في الدعاية للتنظيم في دول أوروبا وجذب الفتيات، والنساء في داعش يلعبن أدوارا في تنظيم الشرطة النسائية، وتجارة السبايا، ونقل الأموال إلى التنظيم.
وتحذر الدراسة من أن تواجد الداعشيات الأجنبيات في دول العراق وسوريا، والزواج بينهن وبين المقاتلين الأجانب يؤدي إلى خلق واقع سكاني جديد في المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم يصعب تغييره في المستقبل. كما تحذر أيضاً مما وصفته بـ "مشكلة العائدات"؛ موضحة أن هؤلاء النساء بعد العيش في مجتمعٍ يؤصل لمبدأ العنف في التعامل مع الآخرين، عندما يرجعن إلى بلادهن -سواء عاجلا أم آجلا- سوف يحملن هذه المبادئ معهن، إضافةً إلى احتمال قيامهن بأعمال عنف من باب تأدية فريضة الجهاد، مما يمكن أن يؤدي إلى موجةٍ من العنف مستقبليًّا في تلك الدول، لاسيما أنه سيكون "من الصعب على أسرهن ومجتمعاتهن الغربية تقبلهن بعد أن أصبحن زوجات وأمهات لأطفال صغار، مما سيدفع بالعديد منهن إلى الاختفاء في دول غير دولهن، أو البقاء في المناطق المشتعلة بالصراع، سواء في الشرق الأوسط أو في غيره، مما يصبُّ في إمكانية خلق جيل جهادي جديد في المستقبل، مما سيجعل من الصعب التنبؤ بالمخاطر الحقيقية لتلك الظاهرة".
وأشارت صحيفة "إندبندنت" البريطانية إلى أنه وفقاً لما أوضحته الوثيقة -صدرت من 10 آلاف كلمة تكشف عن الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في التنظيم من خلال معيشتها اليومية، واعتبرت دستورا للمرأة الداعشية-، فإن قيام المجاهدات الغربيات بتصوير أنفسهن وهن يحملن السلاح يكشف محاولتهن لتصوير حياتهن وكأنها سعيدة، وذلك لجذب المزيد من النساء كي ينضموا للتنظيم حتى وإن كانت تلك الصورة مغايرة تماماً للواقع.
باحثة متخصصة في شؤون المرأة والعنف الجنسي؛ أوضحت:" إن هناك حاجة لفهم حقيقة دوافع النساء المنضمات لداعش من أجل القتال في صفوف التنظيم"، مؤكدة :" أن الأمر لا يتعلق بالنضال من أجل حقوق المرأة بل إقامة الخلافة الإسلامية، ما يعني أن مكافحة دعاية داعش النسائية بالطريقة التقليدية لن يُكتب له النجاح".
وقالت نيمي غوريناثان، الأستاذة في كلية "سيتي" بنيويورك وأخصائية شؤون المرأة والعنف الجنسي، ردا على سؤال حول أسباب وجود كتيبة "الخنساء" النسائية في صفوف داعش: " في الأصل لم يكن هناك نساء في التنظيم، كما هو الحال في الكثير من التنظيمات المشابهة، ولكنهم أحسوا لاحقا بأهمية وجود نساء في صفوفهم وشكلوا كتيبة نسائية بالكامل وهذه الكتيبة تقوم بالعديد من المهام وبعض عضواتها يشاركن في القتال على الخطوط الأمامية" . وتابعت بالقول:"الدعوة إلى القتال قادرة على اجتذاب المتطوعات، ففي فرنسا أظهرت الإحصائيات أن 45 في المائة من الذين يخططون للانضمام إلى داعش هن من النساء، كما أن هناك نساء يدرن هذه الكتيبة ويقمن بنشر مواد دعائية للترويج لها". وحول كيفية انجذاب النساء في الغرب إلى الخطاب الديني لداعش حول ضرورة بقائهن في البيوت وإطاعة الأزواج ردت غوريناثان بالقول:"المنضمات للتنظيم يدركن أن المعركة لا تتعلق بحقوق المرأة بل بقضية قيام الخلافة، وبالتالي فهن يدخلن من أجل الصراع السياسي، وهذا أمر لا يفهمه الكثيرون، والنساء اللواتي يذهبن إلى داعش يبحثن عن أمور بينها الأمان لأنهن يشعرن أن هويتهن السنية مهددة وطالما أن الخيار هو بين داعش والأسد فعليهن الوقوف مع داعش ضد الأسد حتى لو اضطرهن الأمر إلى ارتداء النقاب" . وحول إمكانية نجاح الجهود الأمريكية بمحاربة دعاية داعش عبر وسائل التواصل الاجتماعي ردت غوريناثان قائلة: "علينا أن نفهم أن الأمر أوسع من وسائل التواصل الاجتماعي بل يتعلق بحركة اجتماعية وسياسية أكبر بكثير تُظهر نفسها عبر تلك الوسائل فالتنظيم يعتمد على وسائل القرن الحادي والعشرين لنشر أيديولوجيا تعود إلى القرن السابع، والتنظيم عندما يحاول جذب النساء إلى صفوفه فهو يفعل ذلك مستخدما خيطا دعائيا يستند إلى إنجازات النساء المسلمات منذ قرون وهذا أمر يجب التنبه إليه."
صدر تقرير شديد اللهجة عن مجموعة من المشرعين البريطانيين يدفعون بأن جهود المملكة المتحدة في مكافحة المتشددين من تنظيم داعش كانت تتسم «بالتواضع الشديد». حيث قالت لجنة الدفاع البريطانية في التقرير قوي اللهجة إنهم «أصابهم الذهول واعتراهم القلق العميق، حيث إن المملكة المتحدة لا تقدم المزيد» في محاربة المتطرفين من تنظيم داعش، الذين قالوا إنهم يُعدون «التهديد الأكبر والأهم على الاستقرار الإقليمي، والأمن الدولي، الذي نشأ في الشرق الأوسط منذ عقود». منذ سبتمبر الماضي، عندما صوتت الحكومة البريطانية لصالح الغارات الجوية في العراق، نفذت المملكة المتحدة ما نسبته 6 في المائة من جملة غارات قوات التحالف الجوية هناك. كما أمدت القوات الكردية المقاتلة في شمال العراق بالأسلحة. تقول اللجنة المذكورة إنه حتى من دون نشر للقوات القتالية - التي ينخفض التوجه العام في لندن تجاه تأييدها - فإن المملكة المتحدة يمكنها فعل المزيد على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي لمحاربة المتطرفين والمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة. وأفاد التقرير بأنه «تستلزم مثل تلك الأنشطة نشر عدة مئات من القوات، وسوف تكون التكلفة متواضعة بصورة نسبية، ولن يتطلب الأمر الخوض في المخاطر الكامنة من نشر القوات البريطانية الكبيرة ذات الأدوار القتالية المؤثرة».
كما صرح خبراء أكاديميون ومراقبون، أن تنظيم داعش يمارس في الأماكن التي يسيطر عليها العبودية الجنسية على نطاق واسع، وتم التعرف على العشرات من الجهاديات البريطانيات، اللواتي يدرن بيوت دعارة لصالح مقاتلي الجبهات الأمامية لتنظيم "داعش" في سوريا. فقد أفادت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، في تقرير لها، أنه تم التعرف على ما لايقل عن 11 امرأة بريطانية، تربطهن علاقات مع إرهابيي داعش، ويقمن بإدارة بيوت دعارة لصالح مقاتلي التنظيم، وهن من بين العشرات من النساء الأوربيات اللواتي توافدن على المنطقة على أمل أن يصبحن زوجات للمقاتلين. وكشفت الصحيفة أن التنظيم اختطف مئات الفتيات والنساء المنتميات إلى الأقلية الكردية واليزيدية، وقام بتعذيبهن واغتصابهن، بإشراف هؤلاء النساء البريطانيات، اللواتي يقمن ببيعهن واستخدامهن في تجارة الرقيق الجنسي. وعلى الرغم من القصص المروعة لطريقة معاملة الدواعش، لهؤلاء النساء الكرديات واليزيديات، فإن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن النساء البريطانيات، اللواتي قدمن إلى سوريا والعراق، ما زلن يدعمن مقاتلي التنظيم. وأفادت الباحثة في المركز الدولي لدراسة التطرف في بريطانيا، ميلاني سميث، بوجود مئات الفتيات والنساء الأوروبيات، اللواتي يرغبن في السفر إلى سوريا، بعد قيام التنظيم بإخضاعهن لغسيل دماغ كل يوم، عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب قولها، " قابلت الكثير من الفتيات والنساء الأوروبيات، اللواتي يرغبن في السفر إلى سوريا"، وأشارت إلى أن نسبة الفتيات اللاتي ذهبن إلى هناك قليلة، ولكن نسبة من يردن الذهاب تعتبر نسبة كبيرة إلى حد ما. وأضافت سميث أنه بمجرد وصول هؤلاء النساء إلى سوريا، يصبح أمر زواجهن من أحد المقاتلين الأجانب أمراً سهلاً، مشيرةً إلى وجود خدمة تدعى "الخاطبة للمجاهدين" على موقع "تويتر"، حيث تنشر النساء صورهن، ليقوم مقاتلو داعش باختيار زوجة من بينهمن. وكشفت الصحيفة أنه من بين هؤلاء النساء البريطانيات، اللواتي سافرن إلى بريطانيا، التوأمان سلمى وزهرة هلاني، من مدينة مانشستر، البالغتان من العمر 16عاماً، حيث التحقتا بتنظيم داعش في سوريا، بعد فرارهما من منزلهما في بريطانيا، في منتصف شهر يونيو الماضي، وتزوجت المراهقتان من مقاتلين في التنظيم. وأيضاً هناك، خديجة دير (22عاماً)، التي خططت للزواج من إرهابي بتنظيم داعش عن طريق موقع فيسبوك، وسافرت إلى سوريا عام 2012، وحديثاً قامت بنشر صورة لابنها وهو يحمل بندقية . ويُعتقد أن من قائدات القوة البوليسية النسائية للتنظيم، الإسكتلندية أقصى محمود (20 عاماً)، التي انضمت إلى داعش، بعد هروبها من منزل عائلتها في مدينة غلاسكو العام الماضي. وبالرد على سؤال، لماذا يرغبن الفتيات بالانضمام إلى إرهابي داعش،
قالت الباحثة سميث، "إن الرغبة في الاستقلالية تمثل دافعاً كبيراً للفتيات وخاصة اللواتي يتعرضن ‏لضغوط عائلية للفرار... وتابعت، "إن إرهابيي التنظيم قد لا يتورعون عن قتل أي امرأة ترغب في العودة إلى ‏بلادها... وبمجرد وصولهن إلى هناك تختفي أي فرصة بالنجاة".
وأضافت: "تعيش هؤلاء الفتيات، حياة صعبة وخطيرة بعد زواجهن من مقاتلين في التنظيم، بالإضافة إلى أن الكثير منهن، يحاربن إلى جانب أزواجهن في ساحات المعركة"، وذكر أنه يتم جذب النساء للانضمام إلى التنظيم، والسفر إلى سوريا عبر تركيا، عن طريق أنشطة داعش على الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهم يعملون بجد لتقديم صورة رومانسية لجرائمهم وإراقتهم للدماء. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لعلاج هذه الظاهرة، فهنالك أدلة متزايدة، على توافد البريطانيات إلى مناطق تخضع لسيطرة تنظيم داعش لدعم المقاتلين المتشددين.
مراهقات غربيات يهربن من أوطانهن فيهجرن منازلهن في دول غربية للانضمام لمقاتلي داعش في العراق وسوريا، مسببين مزيداً من القلق لمحققين يعملون على مكافحة الإرهاب.
الجديد في التنظيم محاولة وصوله إلى العالمية باستقطاب عناصر من كافة الدول والقارات؛ في حين يستخدم وسائل غير مناسبة للقضاء عليه..
ملف مشتعل ساخن يوضع على مكتب المؤسسات الدينية التقليدية أو المؤسسة العسكرية أو المؤسسة التعليمية أو مؤسسات المجتمع المدني والإحزاب السياسية.. يبدو لي أنه لا يوجد حل في الأفق؛ وسيظل الحال كما هو لسنوات قادمة.. وهذا ما يدعو للقلق.!
ــــــــــــــــــ
(*) يختصر الكثيرُ من الناس الإنسانَ في منتصفه : أي معدته وفرجه.
(**) راجع ما كتبه أبو عبدالله شمس الدين محمد بن ابي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزُرعي الدمشقي؛ ابن القيم الجوزية في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين؛ الباب الأول؛ في أسماء المحبة: ص 16؛ طبعة دارالكتب العِملية؛ بيروت - لبنان؛ 1403~1983. أما اشتقاق الأسماء ومعانيها فذكرها ابن القيم الجوزية تلميذ ابن تيمية من ص:17 وحتى ص 53. كما نذكر كتاب طوق الجمامة في الألفة والألاف؛ ـاليف الإمام الفقيه أبي محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم.مطبعة الإستقامة بالقاهرة؛ 1383~1963.
(***) يخطئ مَن يظن أن الحديث هنا عن إقامة نظام حكم على منهاج النبوة.
(****) البيئة الحاضنة ومناخ التفريخ يتم إثناء رضاعة وليد من أم جاهلة تربت على عادات بالية وتقاليد مغلوطة ومفاهيم فاسدة؛ يرعاهما -الأم ووليدها- أب يمارس ذكوريته دون أن يرتقي إلى درجة الرجال.
(*****) لم يلاحظ المراقب بشكل واضح دورا للأنثى إيجابيا في تنظيم القاعدة أو طالبان أو تنظيم الجهاد؛ وإن كنتُ أزعم أن لها دوراً... اسمع لما يقوله :" نبيل نعيم، القيادي الجهادي السابق، أن النساء جزء لا يتجزأ من مجتمع الجماعات الإسلامية، مشيراً إلى أن النساء لهن أدوار مهمة في نشأة والحفاظ على تلك الجماعات. وأضاف " أن النساء كن يمارس أدواراً في السابق تتمثل في رعاية الأسر وتربية الأطفال، ولا يظهرن للعلن أبداً، ولفت إلى أنهن كن يقمن بنقل الرسائل من قيادات الجماعات في المعتقلات للأعضاء خارج السجون، أو تضميد الجرحى. ونبه إلى أن النساء صار لهن أدوار أكبر من ذي قبل الآن، لاسيما مع التطور التكنولوجي، مشيراً إلى أن النساء في جماعة الإخوان المسلمون هن من يقدن وينظمن المظاهرات حالياً، وتنقلن التعليمات والخطط من القيادات داخل السجون إلى القواعد خارجها."

[1] في يومها العالمي ..
«الداعشية». !

«في الرأسمالية المتأخرة ليس الاستغلال الطبقي هو الفضيحة، بل الفضيحة ما لا عدّ له من جماهير الناس الذين يولدون لا حتىٰ ليُستَغلوا، بل ليموتوا».
الفيلسوف الألماني نيكلاس لوهمان،
[1] المرأة رغماً عنها أو برضاها؛ ومنذ سنوات طوال (1977) تحتفل عالميًا بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في يومها العالمي: الثامن من مارس، بيد أنه ينبغي عام 2015 تغيير نمطية الإحتفال؛ فقد ظهرت «الداعشية».
[2] استحدث ملفاً خطيراً -يوضع على قمة بقية الملفات المشتعلة/الساخنة المتعلقة بالمرأة- استحدث برعاية إدارة أمريكية وبعين حارسة من تركيا وساهرة من قطر وراضية من إسرائيل؛ وغمضت بقية العيون لضعف دول المنطقة يرافق الجميع حالة من التراخي في مواجهته لدول العالم الأول والنافذ.
[3] داعش لا يعتمد على المرأة : من الأخطاء التى راجت عن طريقة عمل تنظيم الدولة الإسلامية أنه لا يعتمد على المرأة فى تنظيمه وصفوفه العسكرية واللوجستية، وعلى العكس من ذلك تشير التقارير الدولية كافة إلى أن نسبة النساء فى تنظيم داعش تجاوزت الـ10%، وهو رقم كبير للغاية إذا وضعنا فى الاعتبار نوعية العمليات العسكرية الإرهابية التى يقوم بها داعش واحتياجها إلى عنصر الرجل. واللافت فى تلك الظاهرة أن نساء داعش لَسْن مسلمات وعربيات فحسب، بل منهن الأوروبيات والآسيويات والأمريكيات، وهن غير مسلمات، كما أفصحت مظاهرة خرجت فى العاصمة الإسبانية مدريد عن رغبة فتيات إسبانيات، الزواج من رجال داعش.
[4] أثارت مواقف تنظيم داعش الإرهابي من المرأة حالة من الغضب العارم نتيجة عمليات الاستغلال الجنسي والعنف بشتى أنواعه التي تمارس بحق المرأة، ونشر تنظيم داعش الإرهابي ضوابط على زي المرأة. ورغم كل ذلك لم يغفل التنظيم دور المرأة كداعم ومساند له لوجستياً وعسكرياً. وتستر تنظيم داعش الإرهابي تحت غطاء الدين، فأدعى تطبيق الشريعة الاسلامية فى الأفعال التى يقدم عليها.
[5] لتنظيم "داعش" كتيبتان نسائيتان، تحملان اسمي "الخنساء" و "أم الريان"، لكن لا أعداد دقيقة عنهما، لتبقى علاقة "داعش" مع المرأة محل تناقض وغموض، تعمقها كثرة الشائعات تحت غطاء الدين. يشار إلى أنه فى أكتوبر 2014، تم اكتشاف وثيقة تتحدث عن النساء العربيات، وتتضمن نصائح تحدد كيف يجب أن تكون النساء "زوجات صالحات للجهاديين" وتدعم المقاتلين. ودعت إلى تعلم الطهو والإسعافات الأولية ووسائل أخرى للمساهمة عن طريق "العمل اليدوي النسائي". فكتبت بعض النسوة اللائي يؤيدن تنظيم "داعش"، واللاتي أطلقن على أنفسهن "كتائب الخنساء". وتهدف المقالة التي نشرتها العديد من المواقع التابعة للتنظيم لجذب فتيات من الدول العربية للانضمام إلى التنظيم الإرهابي، وتبرر الأفعال البشعة التي يقوم بها التنظيم الإرهابي، وتقول الوثيقة "إنه لأمر شرعي بالنسبة للبنت أن تتزوج فى سن التاسعة، معظم الفتيات الطاهرات، يتزوجن عند بلوغ سن 16 أو 17"، مطالبا الفتيات بدءً من سن البلوغ أن تبقى مختفية عن الأنظار، وأن تساند "الخلافة" من خلف الأبواب. وتضيف الوثيقة: "ينبغي على الفتيات ألا يتخلفن، بل يجب أن يتعلمن، خاصة كل ما يخص جميع جوانب الدين الإسلامى، لكن فيما بين السابعة والخامسة عشرة." وتقول إن النموذج الغربي لتحرر المرأة، وترك بيتها إلى العمل، قد فشل، مع عدم "حصول المرأة على أي شىء من وراء فكرة المساواة مع الرجل، إلا الأشواك"، واصفة محال الموضة وصالونات التجميل بأنها من عمل إبليس. وتوضح الوثيقة التى ترجمتها العديد من المواقع الإخبارية العالمية أن دور المرأة الرئيسي هو أن "يقرن" فى البيوت، ولا يقاتلن، ولكن يساندن المقاتلين من الرجال فى البيوت، ومن ذلك حمل الأولاد وتربيتهن، هذا حسب الوثيقة. كما ركزت الوثيقة على التأكيد على طبيعة حياة النساء فى ظل تنظيم الدولة، فتقول إن الدولة "لم تحرم شيئا"، وأنها لم تدخر جهدا فى الفصل بين الذكور والإناث من الطلاب فى الكليات، وتصف مدينة الرقة -التى تعد عاصمة الدولة الإسلامية بحسب الأمر الواقع- بأنها "جنة المهاجرين"، حيث تعيش الأسر "دون معاناة الجوع، أو البرد، أو الصقيع". وتهاجم الوثيقة المرأة التي تعمل إلى جانب الرجال في المحال، وتظهر صورهن على بطاقات الهوية، ويحصلن على منح دراسية غربية، أو يلتحقن "بجامعات الفساد" فى مدينة جدة/السعودية، وتصف التليفزيون السعودى بأنه "قنوات تليفزيونية للدعارة والفساد"، وتصنف الكاتبات على أنهن "نساء ساقطات". وتتضح الرسالة المهيمنة من وراء الوثيقة هى أن على النساء العرب سرعة الهروب من حياتهن التي يفترض أنها غير عادلة، والهجرة إلى المدينة الفاضلة فى الدولة الإسلامية.
[6] تنظيم داعش الإرهابي وضع معايير ادعى أنها "لحماية المرأة من أعين الناظرين"، فقد وصلت محرمات "داعش" وضوابطه للمرأة إلى حد فرض الختان على الفتيات، وقبل ذلك حادثة الرجم الشهيرة لامرأة فى سوريا على خلفية اتهامها بارتكاب "الزنا"، فضلاً عن حوادث الجلد، وأخيراً اتهم بسبي نساء من الطائفة الأيزيدية وبيعهن فى سوق النخاسة، بعد سيطرتِه على منطقة سنجار العراقية. واتخذت المرأة أدواراً مختلفة، لتكون شريكا فى التنظيم، كناشطات على الإنترنت.
[7] تسع دول رئيسية تنضم منها النساء إلى تنظيم داعش:
ظاهرة حقيقية فى صفوف الدولة الإسلامية؛ المنشق من القاعدة والمعروف إعلاميا بتنظيم داعش وهى ازيداد عدد النساء المنضمات إلى صفوف التنظيم فى الفترة الأخيرة التى أعقبت إعلان المجتمع الدولي إبرام تحالف للحرب ضد تنظيم الدولة داعش بمشاركات عربية وشرق أوسطية واسعة النطاق.
ظاهرة النساء الداعشيات:
أثارت ظاهرة النساء المقاتلات فى صفوف تنظيم داعش، ويطلق عليهن التنظيم اسم “المجاهدات”، الكثير من التساؤلات حول هؤلاء المقاتلات، خاصة بعد وجودهن الملفت للنظر فى صفوف “داعش”، إضافة إلى اكتشاف بعض الشبكات التي تعمل على تجنيد النساء والفتيات للانضمام إلى التنظيم من عدة دول، بما فيها بعض الدول الأوروبية والأسيوية فضلا عن الدول العربية.
[8] الدول المنتجة للداعشيات
وفقا للمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية فإن المجاهدات فى صفوف الدولة الإسلامية داعش يأتين من عدة دول فى العالم، ولا يقتصرن على دولة بعينها، فبالإضافة إلى السوريات والعراقيات، تُوجد القادمات من دول شمال إفريقيا، وعلى رأسها تونس، بالإضافة إلى مصر والسعودية، كما تأتي “الداعشيات” أيضًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول أوروبا الغربية، خاصةً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا، وهؤلاء غالبًا من أبناء المهاجرين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية. جاءوا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي إلى جانب دول أوروبية عديدة: وحسب موقع “Daily Paul” الأمريكي المتخصص في الشؤون الأمنية فإن المرتبة الثانية في أعداد المقاتلين غير السوريين والعراقيين في داعش خاصة بالتونسيين الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف شخص، ثم الأردن حوالي 2500 مقاتل، ويحتل المقاتلون من فلسطين المحتلة عام 1948 ذيل القائمة في حدود 20 مقاتلًا فقط. وجاء في الدراسة التي نشرتها مجلة «long war» عن الجنسيات التي يحتويها تنظيم داعش أن جنسيات التنظيم تغطي أفريقيا وآسيا وأوروبا وصولًا إلى أمريكا، فمن تونس ومصر وليبيا والسعودية والأردن وسوريا وإيران وباكستان والشيشان وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. وتبين النسب أن 65% سعوديون و20% ليبيون وتونسيون، و15% من جنسيات مختلفة، كما أن 44% من قتلى داعش من السعوديين.
[9] خطر على السلم الاجتماعي:
وتعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الرئيسية المُصدرة للنساء المنضمات إلى تنظيم داعش، وغالبًا ما تُعد الشريحة العمرية ما بين 18 – 21 عامًا، أبرز الشرائح العمرية التي تقبل على الانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على الامن والسلم الاجتماعيين فى بلدان العالم إلى جانب الضرر الكبير فى مجالات السياسة والأمن القومي للبلاد؛ فالمرأة هي الحاضنة الأولى والمربية الأساسية وهي التي تشكل وجدان ونفسية طفلها وتتدخل في تكوين المزاج العام لرجل المستقبل.
[10] المقاتلون الأوروبييون:
نشرت صحيفة “ديلي باول” خارطة جديدة حول عدد المقاتلين العرب والغربيين الذين توجهوا للقتال مع داعش، الخارطة التي كشفت أن بلدان الخليج العربي، والأردن، يأتون في المرتبة الأولى من حيث العدد، وأفريقيا في المرتبة الثانية، وبينت أن المرتبة الثالثة خاصة بالأوروبيين.
واستحوذت بريطانيا على المرتبة الأولى، أما الفتيات الالمانيات اللواتي يلتحقن بتنظيم داعش فتصل إلى 11%، السلطات الألمانية؛ من طرفها قامت بدراسة حول موضوع الشباب الذين غادروا ألمانيا إلى سوريا في السنتين الأخيرتين، وهم حوالي 378 شخصا، نسبة الفتيات بينهم 11%، وهي نسبة ضئيلة، كما تكون عادة نسبة الإناث في جميع التنظيمات المتطرفة التي يطغى عليها حضور الرجال".
والدراسة تبين المستوى التعليمي المتدني عند هؤلاء الشباب والفتيات، حيث حصل 2% منهم فقط على مستوى جامعي، و 6% على تدريب مهني، كما أن نسبة الذين يعملون داخل هذه الفئة تصل فقط إلى 12%، والبقية تعيش على المساعدات الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أن أكثر من 30% من هؤلاء لهم سجل عدلي حافل بالإجرام، ما يعني أن هذه الفئات تعتبر نفسها بشكل أو بآخر بعيدة عن المجتمع ومعرضة لسلوك الطريق المتطرف أكثر من غيرها".
ومحاربة ظاهرة انضمام الشابات والشباب الأوربي إلى داعش مرتبطة بالدرجة الأولى بالسبب الذي يجعل هؤلاء يختارون هذا الطريق. والسبب الأساسي كما بينت الدراسة، التي قامت بها السلطات الألمانية، هو الاحتكاك ببيئة سلفية متطرفة، وبالتالي من الضروري مواجهة هذه البيئة السلفية". وكشف وزير الداخلية الألماني، توماس دو ميزيير، أن حوالي 550 ألمانيا توجهوا للقتال في صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق، أي ما يفوق العدد المقدر حتى الآن.
وقال وزير الداخلية الألماني، في مقابلة الجمعة 22 نوفمبر 2014 مع شبكة "فونيكس" الألمانية: "تفيد التقديرات الأخيرة المتوافرة لدينا، أن العدد قد ازداد وبات 550. وقبل أيام قلنا أن العدد 450".
وأضاف دو ميزيير: "بالمقارنة مع السنوات الأخيرة، يعتبر هذا الازدياد كبيرا"، موضحا أنه إذا كان الرجال يشكلون أكثرية الذين توجهوا إلى تلك المناطق، فإن بعض النساء توجهن إليها أيضا.
وأوضح وزير الداخلية أن "هؤلاء الشبان قد انتقلوا إلى التطرف في ألمانيا، في إطار هذا المجتمع، لذلك يجب أن تترافق التدابير الوقائية مع تدابير القمع".
وأشار دو ميزيير إلى أن حوالي 230 شخصا على الأراضي الألمانية يعتبرون في الوقت الراهن تهديدا محتملا، "ولا نستطيع أن نستبعد، ومن المحتمل جدا في بعض الحالات، أنهم يعدون لاعتداء".
وكانت الحكومة الألمانية قد أعلنت في منتصف أكتوبر الماضي أنها ستتخذ في المستقبل تدابير تتيح سحب بطاقات الهوية من "متطرفين مفترضين"، لمنعهم من الذهاب للقتال في سوريا أو العراق.
قال هانز جورج ماسن، رئيس جهاز حماية الدستور -الاستخبارات الداخلية في المانيا- في حديث صحفي إن 60 مواطنا ألمانيا قتلوا حتى الآن بعد انضمامهم إلى صفوف متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف اعلاميا باسم داعش. يذكر أن هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الالمانية) حذرت في نهاية أكتوبر الماضي من تزايد سريع في أعداد المنتمين للأوساط السلفية المتطرفة.
وأكد رئيس الهيئة هانز- جيروج ماسن إن عدد المنتمين لهذه المجموعة يزيد حاليا على 6300 شخص. وكان عدد المنتمين لهذه المجموعة يبلغ قبل أعوام قليلة نحو 2800 سلفي.
وتلت بريطانيا فرنسا ثم بلجيكا ثم ألمانيا ثم هولندا، وكانت صحيفة “إندبندنت” البريطانية قد كشفت أن المقاتلين البريطانيين يشكلون ربع الجهاديين الأجانب في سوريا والعراق، موضحة أن البريطانيين يشكلون واحدا من أربعة من جميع المقاتلين الأوروبيين الذين يحاربون جنبًا إلى جنب مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وقدرت الصحيفة أعداد البريطانيين الذين يحاربون إلى جوار داعش بـ 500 مقاتلًا من بين 2000 مقاتلًا من مختلف أنحاء أوروبا.
[11] عدد النساء
بينما ترفض أجهزة الأمن الأمريكية تقديم أية معلومات أو أرقام عن الفتيات أو النساء الأمريكيات أو غيرهن من اللواتي انضممن لداعش، توضح المعلومات الواردة من أوروبا وكندا وأستراليا أن “النساء يشكلن نحو 10 % من مجموع المقاتلين الذين يلتحقون بالجهاديين، فيما ترتفع النسبة كثيرًا في فرنسا لتصل إلى 25% من مجموع المقاتلين الذين يتوجهون للقتال في سوريا والعراق”.
وتكشف صحيفة “الغارديان” في تحقيق موسع شارك فيه عدد من مراسليها حول ظاهرة اختفاء المئات من الفتيات المسلمات في الدول الغربية من منازلهن وظهورهن مجددًا في العراق وسوريا عن مدى القلق الذي ينتاب أجهزة الأمن في الدول الغربية.
فعلى سبيل المثال تؤكد مصادر أمنية بريطانية أن نحو 50 فتاة وامرأة من بريطانيا التحقن بصفوف داعش في سوريا كما نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية ألمانية أن “نحو 40 فتاة من ألمانيا التحقن بالجهاديين في سوريا والعراق”.
الداعشية النمساوية :" واحدة من مراهقتين نمساويتين التحقتا خفية في أبريل 2014 بتنظيم "داعش" بالشمال السوري، لقيت حتفها هناك، وأعلنت الوزيرة النمساوية „MIKL-LEITNER“عن مقتلها، من دون أن تذكر اسمها "لكنها أبلغت عائلتها"، طبقاً لما ورد بوسائل إعلام نمساوية وغيرها.
وكانت سامرا كيزونوفيتش وصديقتها سابينا سيلموفيتش، البالغتان 16 و15 سنة، اختفتا في فيينا من منزلي عائلتيهما البوسنيتين قبل 6 أشهر، وسافرتا إلى تركيا، ومنها عبرتا إلى الشمال السوري، والتحقتا بالتنظيم "الداعشي"، وبعدها اتضح أنهما ترددتا قبل اختفائهما إلى مسجد قريب من حيث تقيمان بالعاصمة النمساوية "حيث تم التغرير بهما واستدراجهما فيه للجهاد بسوريا"، فبدأ "داعش" يستخدمهما بالدعاية في مواقع التواصل الاجتماعي، كـ "طعم" يجذب المراهقين مثلهما للالتحاق بالتنظيم.
كما تركت المراهقتان رسالة مشتركة قالت فيها كل منهما لذويها: "نحن على الصراط المستقيم. سافرنا لنقاتل في سوريا من أجل الإسلام، ولا جدوى من البحث عنا. سنجاهد في سبيل الله ونموت من أجله.. نراكم في الجنة"، وهي عبارات تطالعها في صحيفة "تايمز" البريطانية بعددها الثلاثاء:16.09.2014، لكنها لم تذكر مصدرها.
مع ذلك، لم تصدق عائلة كل منهما عذرها في الاختفاء، فراح ذووهما يبحثون عنهما حيث يعتقدون، وكذلك الشرطة والإنتربول، فيما سافر والد إحداهما إلى تركيا بحثاً عن ابنته، لكنه عاد أدراجه وحيداً، إلى أن فوجئ الجميع بظهور صورهما في مواقع التواصل بالإنترنت، وهما في مكان غير معروف بسوريا، حيث اتضح أنهما انضمتا فعلاً للقتال مع "الدواعش" هناك.
"لن يعثر علينا أحد أبداً"
في الإنترنت بدت إحداهما بالنقاب في صورة، وبالحجاب في أخرى، كما أوضحت الصور استخدامهما للأسلحة، وأظهرتهما وهما محاطتان بعناصر من "داعش" في الرقة على الأرجح، فيما بدت الأخرى تحمل رشاش كلاشينكوف.
ثم بثتا معاً سلسلة تغريدات "تويترية" للأصدقاء عن حياتهما الجديدة في سوريا، جاء في إحداها "لن يعثر علينا أحد أبداً"، بحسب ما ورد عنهما في تقرير نشر بأبريل الماضي. كما ذكرتا في أخرى أنهما تخططان للزواج من "جهاديين" لتكونا "مقاتلتين مقدستين". كما أكدتا في تغريدة بائسة أن "الموت هو الهدف"، على حد تعبيرهما المشترك.
أما السلطات النمساوية التي عبرت عن اعتقادها بأنهما وقعتا ضحية لخداع وتأثير انتهيا بفرارهما إلى سوريا، فذكرت بناء على تحليل الصور المتوافرة، أن المراهقتين اللتين أبصرتا النور في فيينا لعائلتين من البوسنة استقرتا في النمسا بعد الحرب الإثنية التي نشبت هناك بتسعينيات القرن الماضي "ربما كانتا في معسكر تدريبي، وأنهما تقيمان بالفعل في منزل زوجيهما"، طبقاً لتقرير رسمي نمساوي.
إلا أن أحد الزوجين أصبح أرملا الآن بعد الإعلان عن مقتل زوجته في ظروف لم تذكر تفاصيلها وزيرة الداخلية النمساوية، ولا وجدت ما يلبي الفضول في ترجمة لخبرها بالصحف النمساوية أيضاً، فقد تكون قتلت أثناء التدريب، أو في قتال بين "داعش" وآخرين، وربما بقصف من جهة ما، أو بمرض أو حادث عشوائي، أو ربما انتحرت، وكله جائز.".
غيض من فيض:
وفي نفس الإطار، قال مدير المعهد النمساوي للسياسات الدولية، هينز جارتنر: "في النمسا، كانت قضية الصديقتين سامرا (16 عاماً)، وسابينا (15 عاماً) ممن هربن من أسرتيهما في فيينا من أجل الانضمام لجهاديين في سوريا، ما هي إلا غيض من فيض".
وتشير تقديرات وزارة الداخلية النمساوية إلى أن حوالي 14 امرأة ومراهقة قد غادرن النمسا، وتوجهن إلى الشرق الأوسط، وحلمهن الزواج من مقاتلين متشددين، بعد أن غرر بهن بواسطة خديعة الترويج الإعلامية تنظيم داعش الإرهابي.
وحقيقة الأمر أنهما ليسا بمفرديهما بل يشاركهما العديد من فتيات ونساء العالم الغربي والعربي؛ ومنطقة آسيا الوسطى!.
" حوالي 10% من الأجانب المنتمين إلى تنظيم “داعش” هن نساء وفتيات قاصرات. الخبيرة الألمانية البروفيسورة “سوزان شروتر” توضح من فرانكفورت صورة المرأة كما يراها تنظيم “داعش”. إذا كانت نسبة 10% صحيحة فيعني ذلك عند انعكاس الأرقام على ألمانيا وجود 60 امرأة جهادية من هذا البلد الأوروبي. في أواسط يناير 2015.
ملف مفتوح مشتعل فوق مكاتب الإدارة السياسية لدول العالم؛ وهو أيضاً ملف مشتعل موق مكاتب الهيئات والمنظمات والتجمعات والتي تعمل في الساحة الإسلامية؛ وهو قنبلة موقوتة في غرف البنات؛ واتجرأ حين اقول:"الملف لم يفتح بعد؛ لا على المستوى الفردي؛ أو الجمعي أو المؤسساتي"؛ فقط مؤتمرات لمحاربة الإرهاب؛ وبين أظهرنا من يصنعه؛ وأوراق بحثية وورش عمل لمحاربة الإرعاب؛ ونحن نمارسه!
موقع آستروعرب نيوز -والكاتب- يتابع مع حضراتكم بقية أوراق الملف...
24 فبراير 2015

قانون مجلس النواب
Schnapsidee“ (*)

اشترط أن يكون المصري بالخارج، الذى سيترشح للبرلمان: مقيمًا خارج مصر، فوضعت المادة 88 من الدستور؛وتنص على أن "تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع، وإسهامهم فى تنمية الوطن، وينظم القانون مشاركتهم فى الانتخابات والاستفتاءات، بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم، دون التقيد فى ذلك بأحكام الاقتراع والفرز وإعلان النتائج المقررة بهذا الدستور، وذلك كله مع توفير الضمانات التى تكفل نزاهة عملية الانتخاب أو الاستفتاء وحيادها". ويُعرف مشرع قانون انتخابات مجلس النواب المصري المقيم فى الخارج بأنه "مَنْ جعل إقامته العادية خارج جمهورية مصر العربية بصفة دائمة، بأن حصل على إذن بالإقامة الدائمة فى دولة أجنبية، أو أقام بالخارج مدة لا تقل عن عشر سنوات سابقة على تاريخ فتح باب الترشح، ولا يعتبر مقيماً فى الخارج فى تطبيق أحكام القانون الدارس أو المعار أو المنتدب فى الخارج، وتبين اللائحة الداخلية لمجلس النواب كيفية ممارسته لمهام العضوية(!)".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 „Schnapsidee“(*) مصطلح قديم أوروبي وجد من فوق مقاعد القهاوي الشعبية؛ وتم التعارف عليه حين تنشأ فكرة أو خطة في ذهن إنسان يصعب تحقيقها؛ إن لم يكن يستحيل تنفيذها  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتساؤل الذى يطرح نفسه هو كيف سيستطيع من الناحية العملية والواقعية حضور جلسات البرلمان التى تصل إلى نحو 3 جلسات أسبوعيًا، وكيف سيوفق بين طبيعة عمله بالخارج، التى تتطلب منه التواجد بالخارج دائمًا؛ وبين العمل البرلمانى، الذى يتطلب التفرغ له والتواجد داخل مصر؟، خاصةً إذا كان يعمل فى منطقة نائية بالدولة المتواجد بها!؟.
نحن أمام غاية سامية ونبيلة، ولكن هناك عراقيل أمام حضورهم الجلسات، وقد يتنافى ذلك مع طبيعة العمل البرلمانى، خاصة أن المصريين بالخارج يشكلون عددًا داخل مجلس النواب ولهم 8 مقاعد، وتخلفهم عن الحضور يؤثر على نتيجة التصويت على أى قرار مهم بالجلسات، ولا يصح أن يحضر جلسات محددة ويتغيب عن الأخرى. وبالتالى فالمناقشات التى ستجري داخل البرلمان تقتضي تواجدهم بصفة مستمرة، ويجب أن يكون هناك حل أمثل لهذه المشكلة.
مَن يترشح للبرلمان سواء داخل أو خارج مصر، يجب أن تتوافر فيه الشروط التى نص عليها القانون، ومنها حظر ازدواج الجنسية، مما يعنى أنه إذا كان المرشح يحمل جنسية أخرى فعليه التنازل عنها إذا رغب فى الترشح.
فهل نعتبر تمثيل المصريين(*) بالخارج؛ في برلمان 2015 لغزاً!؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
(*) وصل تعداد سكان مصر السبت 18/ 8/ 2014 إلى 95 مليون نسمة بزيادة مليون نسمة في أقل من ستة أشهر، حيث بلغ عدد المصريين بالداخل 87 مليونا، ووصل عدد المغتربين منهم بالخارج وفقا لإحصاءات وزارة الخارجية المصرية إلى ثمانية ملايين؛ولا ينبغي أن نغفل شريحة لم تسترد جنسيتها المصرية بعد حصولها على جنسية الدولة التي تقيم بها ؛ والتي تشترط أن يحمل المواطن جنسية واحدة فقط. هذا بينما أكدت "القوى العاملة" الجمعة، 10 أكتوبر 2014. أن 3 ملايين و 549 ألفا حجم العمالة المصرية بالخارج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمسألة تمثيل المصريين بالخارج فى البرلمان تثير عددا من التساؤلات الهامة التى تشكل "لغزا" حول تواجدهم وتمثيلهم لمرة أولى فى تاريخ البرلمان المصري، لعل أبرزها:
عقبة "ازدواج الجنسية" التى تمنع ترشح أى شخص لمجلس النواب. هذا أولاً؛
والتساؤل الثانى: فى حالة فوز 8 مرشحين عن المصريين بالخارج كيف ينظم القانون حضورهم وتواجدهم فى البرلمان وصرف بدلاتهم؟.
أما التساؤل الثالث: فيدور حول كيفية تصويت المصريين بالخارج فى الانتخابات البرلمانية وآلية انتخابهم لمن يمثلهم؟
والتساؤل الرابع: ما طريقة ترشح المصريين بالخارج وكيف سيتم التنسيق بينهم وبين الأحزاب السياسية والتحالفات لاختيارهم ضمن القوائم المطروحة؟
والتساؤل الخامس: يدور حول كيفية التغلب على العقبات أمام ترشح المصريين بالخارج.
وأوضح عدد من القانونين أن قانون مجلس النواب، نص على أنه فى أول انتخابات لمجلس النواب تُجرى بعد العمل بهذا القانون تكون هناك دائرتان انتخابيتان يُخصص لكل منهما "15" مقعدًا من مقاعد مجلس النواب، ويجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية مقدمة فى هاتين الدائرتين مترشح على الأقل من المصريين المقيمين فى الخارج، وأن تكون هناك دائرتان انتخابيتان يُخصص لكل منهما (45) مقعدًا من مقاعد مجلس النواب، ويجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية مقدمة فى هاتين الدائرتين ثلاثة مترشحين على الأقل من المصريين المقيمين فى الخارج.
[1.] يقول ولاء مرسى؛ ممثل المصريين بالخارج فى لجنة الخمسين لتعديل الدستور، وعضو اتحاد المصريين فى أوروبا، إن قانون انتخابات مجلس النواب ظالم للمصريين بالخارج، وبعض مواده تخالف الدستور الجديد، موضحا أن القانون حظر ازدواج الجنسية للمرشحين رغم أن الدستور أعطى المصريين حق الترشح لأى منصب سياسى لدرجة وزير، حتى لو كان المرشح يحمل جنسية أخرى غير المصرية، باستثناء منصبى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وأضاف "مرسى" أن الدستور لم ينص على حظر ازدواج الجنسية واشترط تمتع المرشح لمجلس النواب بالجنسية المصرية، وأن نص حظر ازدواج الجنسية بقانون مجلس النواب سيحرم آلاف المصريين فى الدول الأوروبية والأمريكية وأستراليا وكندا وغيرها من الدول الغربية، من الترشح للانتخابات البرلمانية على المقاعد الخاصة بالمصريين فى الخارج، والتى حددها القانون بثمانية مقاعد، مشيرا إلى أن المصريين فى هذه الدول يحملون جنسيتها بحكم ظروف عملهم، ما يحرم مصر من جهود ذوي كفاءات وخبرات علمية واقتصادية. وأوضح، أنه بذلك النص سيكون المرشحون لعضوية مجلس النواب عن المصريين بالخارج أغلبهم من المتواجدين فى الدول العربية كعمالة مؤقتة، وبالتالى ستكون النسبة الكبرى من نصيبهم، واصفا القانون بأنه غير دستورى، ومناشدا رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى بإعادة النظر فى القانون وتعديل النصوص محل اعتراضهم، والتى تحرمهم من مباشرة حقوقهم السياسية ـ وإنه فى حالة إجراء الانتخابات وفقا لهذا القانون سيرفضون الانتخابات التى تخص المصريين فى الخارج. بحسب قوله. وقال إن المصري الذى يحمل جنسية أخرى ليس خائنا لبلده كما أن ذلك لا يضر بالأمن القومى، مضيفا أن دستور 2014 هو أول دستور يراعى حقوق المصريين بالخارج ويميزهم إلا أن المشرع أعاد الأمور إلى المربع الأول، وأردف: "إذا كانت هناك أسباب تتعلق بالأمن القومى فليعلنوا ذلك ونحن سنتفهم الأمر". وأكد ممثل المصريين بالخارج بلجنة الخمسين أن حل هذه الإشكالية أن يكون تمثيل المصريين بالخارج فى البرلمان من خلال ضمهم لمجلس النواب بالتعيين وليس بالانتخاب وذلك لضمان وجود ممثلين للمصريين بالخارج داخل البرلمان يعبرون عنهم بالفعل وألا يكون هناك اختلاف عليهم، واصفا ترشحهم من خلال القائمة بأنه سيكون عبارة عن "حشو"، قائلا: "كل حزب أو تحالف سيدخل أحد المصريين بالخارج ممن يعرفهم ضمن قائمته، لكن لن يكون هناك تمثيل حقيقى كفء وعادل، مما ينعكس بالسلب على أهمية الدور التشريعى والرقابى الذى يجب أن يؤديه المصريون بالخارج داخل البرلمان". وأوضح أن الترشح من خلال القائمة لا يخضع لمعايير وأى مصري بالخارج لا يحمل جنسية أخرى يستطيع الترشح فى أى قائمة، مشيرا إلى أنهم يتواصلون مع بعض الجهات والشخصيات السياسية فى مصر لبحث الحل، قائلا: "مصر فى هذه المرحلة ليس من مصلحتها أن تحدث صراعات فئوية، ويهمنا فى المقام الأول أن تعبر مصر هذه المرحلة، لأننا مدركون للمخاطر التى تحاك ببلدنا ولن نعكر الصفو حتى لو لم نحصل على حقوقنا".
من جانبه، قال
[2.] د. محمد الجمل، رئيس الاتحاد الدولى للمصريين بالخارج، إن قانون مجلس النواب لا يعطى المصريين فى الخارج حقهم كاملا، وهناك بعض النصوص نعترض عليها تماما، إلا أننا متأكدون من أنه سيكون هناك تمثيل للمصريين بالخارج فى البرلمان، حيث يخصص لهم القانون 8 مقاعد، وهى خطوة أولى لكن ليست كافية، ولا نريد خلافات مع أحد. وأضاف "الجمل" أن العديد من المصريين بالخارج مستاءون من هذا القانون، وأنهم سيطالبون المسئولين بالدولة بتعديل القانون وإعادة النظر فيه، وأنهم فى حالة عدم الاستجابة لهم سيظلون أوفياء لمصر، مؤكدا أن الحل الأمثل أن تكون هناك دائرة خاصة بالمصريين بالخارج تضم مرشحين منهم يقومون بانتخابهم، وأضاف قائلا: "المرشح داخل مصر لا يعرفه المصريون بالخارج لكى يصوتوا له، وكذلك المرشح من المصريين بالخارج غير معروف فى الداخل، وذلك ليس من الإنصاف". وبالنسبة لكيفية حضور ممثلى المصريين بالخارج جلسات مجلس النواب قال رئيس الاتحاد الدولى للمصريين فى الخارج: يجب أن نفكر خارج الصندوق، فالنائب عن المصريين بالخارج يمكن أن يحضر الجلسات المهمة جدا، أما الجلسات العادية فيمكنه أن يتفاعل معها ويشترك فيها عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل "الفيديو كونفرانس"(!). وأكد "الجمل" أن المصريين بالخارج حتى الآن غير مستعدين للانتخابات البرلمانية، لأن الرؤية ليست واضحة، مشيرا إلى أن حظر ازدواج الجنسية للمرشح سيحرم مصر من القدرات والكفاءات وخبرات عديدة، وأن تواجد عدد قليل من النواب الذين يحملون جنسيات أخرى لا يؤثر على البرلمان الذى يصل عدد أعضائه إلى 560 عضوا، كما أن حظر ازدواج الجنسية يتعارض مع الدستور من الناحية الفنية. هذا مِن ممثلي المصريين في الخارج أما في الداخل فأجاب:
[3.] سامح عاشور، نقيب المحامين قائلا: "أعتقد أن المصريين بالخارج تمثيلهم يكون بالتعيين وليس بالانتخاب، وذلك سيؤدى إلى عدم الحاجة لقاعدة ازدواج الجنسية". واقترح "عاشور" أن يتم تعديل قانون مجلس النواب لينص على أن يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيين 5 من المصريين بالخارج فى مجلس النواب لمدة سنة، ويتم تغيير الخمسة المعينين كل سنة واختيار 5 غيرهم من المصريين بالخارج، وذلك يكون على مدار الخمس سنوات مدة عمل البرلمان تم تعيين 25 ممثلا للمصريين بالخارج، وبالتالى يتم التغلب على عقبة حضورهم جلسات البرلمان بانتظام، بحيث ينتظم المعينون فى الحضور لمدة سنة فقط، أفضل من تعطيل عملهم بالخارج لمدة 5 سنوات". وأكد نقيب المحامين أن إجراء انتخابات للمصريين بالخارج ضرورية فقط فى الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية، صعبة ومكلفة فى الانتخابات البرلمانية، مقترحا إلغاء الانتخابات للمصريين خارج مصر، وأن يدلوا بصوتهم داخل مصر، موضحا أنه فى حالة الانتخاب بالخارج سيدلون بصوتهم كل حسب دائرته التى تتبع محل إقامته فى مصر.
بدوره، قال
[4.] عصام الإسلامبولي، الفقيه القانوني والدستوري: "إن طريقة تمثيل المصريين فى الخارج فى البرلمان ينبغى أن تكون مستقلة، لأن الدستور نص على أن يتم هذا التمثيل وفقا لأوضاعهم الخاصة بهم، ولذلك كان ينبغى أن تكون لهم طريقة خاصة فى التمثيل بحسب منطقة تواجدهم فى الخارج، بأن تكون هناك دائرة للمصريين فى أوروبا وأخرى للمصريين فى أمريكا وآسيا ودول الخليج وأستراليا، ليجد المصريون المتواجدون فى كل منطقة من هذه المناطق من يمثلهم داخل البرلمان". وأضاف "الإسلامبولي" أن الطريقة التى نص عليها قانون انتخابات مجلس النواب لا تؤدي إلى تمثيل المصريين بالخارج بشكل صحيح وملموس، ولا تؤدي إلى وجود ممثلين لهم يعبرون عن مشاكلهم الخاصة بهم الاجتماعية والإنسانية، خاصة المقيمين بدول الخليج الذين يعانون من مشكلة "الكفيل" وما يتعرضون له من عقوبات وعراقيل بسببها، مشيرا إلى أن النهج المتبع فى تمثيلهم إذا طبق وفقا لقانون "النواب" لن يكون معبرا عنهم عمليا. وأوضح أنه وفقا لنصوص قانون انتخابات مجلس النواب فإن المصري المقيم فى أي دولة بالخارج عند إدلائه بصوته فى الانتخابات لن يصوت على القوائم الأربعة المحددة بالقانون والتى سيترشح من خلالها ممثلو المصريين فى الخارج، ولكنه سيصوت على قائمة واحدة وفقا لدائرته التابع لها داخل مصر، الموجودة فى الرقم القومي الخاص به، وكذلك سيختار المرشحين على المقاعد الفردية فى دائرته. وأوضح أن قانون "النواب" يحظر على المصريين بالخارج الذين يحملون جنسية أخرى بجانب الجنسية المصرية الترشح بانتخابات مجلس النواب المقبلة، حيث نص القانون على ضرورة أن يتمتع المرشح بالجنسية المصرية متفردة.
فيما قال
[5.] عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إنه يجب تمثيل المصريين فى الخارج تمثيلا مناسبا فى مجلس النواب، وفكرة وجود اثنين منهم فى كل قائمة عدد قليل خاصة أن قطاع المصريين فى الخارج له علاقاته واستثماراته الواسعة خارج مصر ويستطيعون أن يخدموا مصر لتستفيد منهم، ولذلك يجب تمثيلهم بعدد كاف. وأضاف "شكر" أن المصريين بالخارج عليهم أن يرفعوا اعتراضاتهم على قانون مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية ليطالبوا بإعادة النظر فيه، مشيرا إلى أن هناك دولا كثيرة تسمح بازدواج الجنسية للمرشحين على المناصب المهمة، ولكن مصر لديها "حساسية تاريخية" من موضوع ازدواج الجنسية، وهذا الموضوع قابل للنقاش. وتابع "شكر": "لا توجد وسيلة تنظم ترشح المصريين فى الخارج والاتفاق فيما بينهم على مرشحين بعينهم لتمثيلهم فى البرلمان لعدم وجود تجمع خاص بهم يجمعهم وينسق بينهم، وبالتالي طريقة ترشحهم ستكون من خلال القوائم كما حددها القانون، فكل حزب سيأتي بمصري بالخارج يرشحه على قائمته". وأشار "شكر" إلى أن العمالة المصرية المؤقتة فى الخارج هى التى سيكون لها التأثير فى تمثيل المصريين بالخارج فى البرلمان، قائلا: "هى تجربة وستظهر سلبياتها وإيجابياتها، وبالنسبة للحضور فى البرلمان، القانون لا يلزم المصري بالخارج بنسبة حضور معينة لكنها مسئولية شخصية على المرشح، والأفضل لمن يعرف أنه لا يستطيع الحضور إلى مصر ألا يرشح نفسه.
الصحة المصرية من طرفها تقول :" آخر موعد لإجراء الفحوص الأربعاء(أمس) 18 فبراير 2015؛ ود. حسام عبدالغفار؛ المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، قال : "إن عدد المرشحين للبرلمان الذين تم توقيع الكشف الطبى عليهم حتى الآن بالمستشفيات على مستوى الجمهورية، بلغ 8368 مرشحًا. وقال :" إن عدد المرشحين الذين سجلوا على موقع المجالس الطبية المتخصصة لإجراء الكشوف الطبية والتحاليل بلغ 8623 مرشحا. وأضاف المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، أن إجراءات الكشف فى المستشفيات تتم بشكلٍ مُنتظم، مشيرا إلى أن الخميس: 19 .02. 2015 (لحظة كتابة هذا التقرير) آخر موعد لإجراء الكشوف الطبية بالمستشفيات.
[6.] خبراء تقول: تخصيص 8 مقاعد للمصريين بالخارج دستوري؛ ونواب الخارج تمثيل رمزي للمغتربين، دولة واحدة قد تستحوذ على الـ"ثمانية" مقاعد؛ وهنا نبحث في عملية تنظيم ترشحهم. وفي هذا الاطار اكد
[7.] د. شوقي السيد، المستشار القانوني والفقيه الدستوري:" أن تخصيص 8 مقاعد للمصرين في الخارج هو اجراء طبيعي تنفيذا لما جاء بالدستور بناءً عليه سيتم فتح باب الترشح للجميع في الخارج. وأضاف "السيد" أن المرشحين سيتم تصنيفهم عن طريق بطاقتهم الانتخابية ومقرهم الانتخابي، لافتاً إلي انه بالنسبة لحضور العضو المقيم في الخارج ينظمه عمل البرلمان بشكل عام، فهناك عدد جلسات لابد وان يحضرها وان تغيب يتم انذاره للحضور. وتابع السيد :" أن النائب الذي سيتم انتخابه لابد وان يكون على علاقة بينه وبين المواطنين في دائرته، حتي يتطلع علي مشكلاتهم، وكافة هذة الأمور ستكون من مسئولية النائب نفسه.
وبشأن مشاركتهم فى جلسات المجلس وكيفية حضورهم قال مصدر بـ "وزارة العدالة الإنتقالية"، بأن اللائحة الجديده لمجلس النواب ستراعى هذا الأمر وسيكون لهم آلية محددة للمشاركة، وهذا لم يتم التوافق عليه حتى الآن خاصة أن اللائحة سيقرها المجلس فى أولى جلساته.كما أكد
[8.] د. رمضان بطيخ، الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة عين شمس، أن الـ 8 مقاعد التي تم تخصيصها للمصريين بالخارج ، ليس مِن الممكن أن يكون لهم ممثلون بجميع دول العالم، ولكن سيكون التمثيل رمزياً فقط، مؤكداً أن المرشحين من الممكن أن يكونوا من دولة واحدة. وأضاف "بطيخ" " أن هذا الأمر من أجل تمثيل المصريين العاملين بالخارج، مشيراً إلي أن هذا التمثيل فقط من أجل أن يكون لهم صوت داخل البرلمان، وليس ليكون هناك ممثل لكل دولة من دول العالم. وحول حضور النواب المصريين المقيمين بالخارج الذين من المفترض حضورهم للجلسات، قال الخبير الدستوري، إن حضورهم يمكن أن يكون علي قدر المستطاع وسوف يتم استدعاؤهم للحضور، وحضور بعضهم يكفي، ليس من الضروري حضور الـ 8 أعضاء كاملين. وكان قانون تقسيم الدوائر الجديد الذى انتهت منه اللجنة الاصلاح التشريعي وسلمته إلى مجلس الوزراء قد أثار غضب فى أوساط المصريين فى الخارج، لاسيما أن نصيبهم من مقاعد البرلمان المقبل تحدد بـ 8 مقاعد على مستوى الجمهورية.
"المصريين" بأوروبا يهدد بالطعن على قانون النواب لحظر ترشح مزدوجى الجنسية:
هدد اتحاد المصريين فى أوروبا بالطعن على قانون انتخابات مجلس النواب بعدم الدستورية، فى حالة الإصرار على عدم تعديل القانون وإلغاء نص حظر ازدواج الجنسية، الذى يحرم من يحمل جنسية أخرى غير المصرية من الترشح فى الانتخابات البرلمانية.  
من طرف آخر :
[9.] فكت شفرة مشاركة المصريين بالخارج بـ "النواب"؛ فقد كشف مصدر رفيع المستوى باللجنة العليا لانتخابات مجلس النواب القادم، عن آلية مشاركة المصريين بالخارج فى العملية الانتخابية المقرر لها أواخر مارس المقبل، سواء على مستوى الانتخابات والتصويت أو الترشح.  وأكد المصدر أن مشاركة المصريين فى الخارج مشاركة دستورية، ولا توجد أى شبهة بطلان للعملية الانتخابية بشأنها، خاصة أن الدستور المصري ينص على ذلك وأدرجها قانون مجلس النواب؛ وأيضا قانون تقسيم الدوائر الانتخابية. وأشار المصدر إلى أن مشاركة المصريين فى الخارج أول مرة في البرلمان، كـ"مرشحين"، هي ما أثارت الشبهات حول عدم الدستورية، ولكن الدستور والقانون حدد بأحقيتهم فى الترشح على القوائم الأربع، وعدم أحقيتهم في الترشح على مقاعد الفردي، وبالتالي هم من الفئات المميزة في إطار التميز الإيجابي مثل العمال والأقباط والمعاقين، وهم 8 مقاعد على الأقل موزعة على الأربع قوائم انتخابية. وذكر المصدر أن القانون حدد لهم 8 مقاعد على الأقل موزعة على الأربع قوائم معتمدا على المادة 88 من الدستور سالفة الذكر، مؤكدًا على أن هذه المادة ما أستند عليها المشرع فى تخصيص التميز الإيجابي لهم. وتابع المصدر مؤكدًا أن مشاركاتهم ستكون فى القوائم فقط، وبذلك ستكون دستورية، طبقًا لأحكام الدستور، أى سيترشح الـ 8 أعضاء داخل القوائم فقط واختيارهم يكون من قبل أصحاب هذه القوائم أو قيامهم أنفسهم بتشكيل قوائم خاصة بهم تتضمن تمثيلهم وفق القانون. وفيما يتعلق بعملية التصويت الخاصة بهم قال المصدر:" قامت اللجنة العليا بتحديد أيام خاصة بهم مثل الانتخابات الرئاسية، وإقامة أو تواجد المصري خارج جمهورية مصر العربية لا تغير دائرته الفردية أو للقوائم، لذا سيقوم باختيار المرشحين في الدوائر التي يتبعها طبقاً للمحافظة والقسم المسجلين ببطاقة الرقم القومي الخاصة داخل البلاد، مفسرًا ذلك بأن الناخب فى الخارج سيقوم باختيار مرشحه طبقًا لمحل إقامته داخل البلاد سواء فى الفردى أو القائمة". . ولفت المصدر النظرَ إلى أن شرط الترشح الخاص بأن يكون مصريا متمتعا بالجنسية المصرية منفردة،ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، هو أيضا ما آثار الهجوم على القانون، لأن معظم المصريين بالخارج يحملون جنسيات أخرى، ولكن هذه الجزئيه لا توجد بها أى شبهات دستورية لأن الدستور ينص عليها، والقانون منفذ للدستور، وبالتالى لا توجد أى تخوفات من مشاركاتهم على سلامة العملية الانتخابية، وكل هذه النقاط تضمنتها اللائحة التنفيذية للجنة العليا للانتخابات البرلمانية.
وكانت اللجنة العليا لانتخابات مجلس النواب قد أعلنت أن المرحلة الأولى بدوائر الانتخابات يومي السبت للناخبين خارج مصر والأحد 21 و22 مارس 2015، والإعادة يومي الثلاثاء والأربعاء الموافقين 31 مارس و1 أبريل 2015، فيما تكون المرحلة الثانية يومى السبت والأحد الموافقين 25 و26 أبريل، والإعادة يومي الثلاثاء والأربعاء 5 و6 مايو.
ومازالنا نتابع...

قال من خلق الإنسان:

﴿ « وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ » ﴿المائدة: ٨٢﴾

اللجنة الدينية

المنبثقة من:

الإتحاد العام للمصريين بالنمسا

يرفع

اسمى معاني التعازي القلبية لشعب مصر العظيم

وعظيم تبريكات الآله الواحد الأحد ؛ حين تقدست أرواح الشهداء

ويرجو كبير الصبر والسلوان

لأهالي وأبناء وزوجات ضحايا العدوان الغاشم البربري علىٰ

أبناء الوطن الواحد؛

ونثمن بروح الفداء الضربة القاصمة الأولىٰ

والقبضة الصاعقة القاضية قبل الأخيرة لبواسل الجيش المصري ؛ وخاصة نسوره

ونقدر بالغالي والثمين موقف الكنيسة المرقسية بوقوفها

الرائع بجوار القيادة الحكيمة لدولة مصر الأبية الحرة.

وهذا يدعونا جميعاً أن نقف صفاً واحدا

ضد الإرهاب والإرعاب ورموزهما

حفظ الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه-

مصر ؛ شعباً ودولة

وتحيا مصر حرة أبية

** ** ** ** **

أمين اللجنة الدينية

الإتحاد العام للمصريين ؛

بـ دولة النمسا ؛ عضو الإتحاد الأوربي.

د. مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ

-حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى -

 

فيينا؛ عاصمة جمهورية الألب ؛ يوم الإثنين: ٢۹ ربيع آخر ۱٤٣٦~۱٨ فبراير ٢۰۱٥

الجهاد !

[١.] الضعفُ الشديد الذي طرأ علىٰ أذهان المسلمين -خاصةً العلماء- في فهم مبدأ الإسلام؛ وأفكاره وأحكامه، وشريعته ومنهاجه، وتعطيل تطبيق جل آيات قرآنه، يرافق هذا كله التراجع المزري في التأسي بسنة الخاتم الصحيحة؛ وغياب جعله ﷺ هو القدوة والإسوة، مع سذاجة عرض الإسلام علىٰ العامة من الناس، وسطحية الأفكار التي تطرح في المحافل والتجمعات؛ وتخيَّر موضوعات وقضايا ومسائل لا ترتقي بـ عقلية الأمة الإسلامية ولا تسمو بـ نفسيتها.. بل تغيبها وتسلب منها القوىٰ العاقلة... هذا كله ومنذ عقود مضت وأزمان ولت... هذا الضعف نلاحظه: في تصرفات وأفعال وأقوال أفراد الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها؛ وعلاقاتهم فيما بينهم، مع ملاحظة: سطحية الأسئلة أو بُعدها عن الواقع المعاش والتي تطرح علىٰ مسامع دار الإفتاء في أزهر القاهرة؛ أو ترسل إلى الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء/ الملكية السعودية؛ أو غياب الدور التثقيفي والرئادي والإصلاحي لأمهات جامعاتنا كـ جامعة الزيتونة؛ إذ : " هي أول جامعة نشأت في العالم الإسلامي فقد انتظمت دروسها منذ 737 م~120ه " ولعلّ المفكر العربي الكبير شكيب ارسلان يوجز دور الزيتونة عندما اعتبره إلى جانب الأزهر والأموي والقرويين أكبر حصن للغة العربية والشريعة الإسلامية في القرون الأخيرة.
[٢.] نتيجة هذا الضعف الشديد في فهم الإسلام: حُصر الدين الحنيف بين جدران بيوت العبادة؛ واقتصر علىٰ العبادات -وإن كانت أساسه؛ فـ تم خطف ركعات الصلوات؛ وسمعنا: التأفف من الصيام في الحر؛ أو طول نهاره، وعلت الأصوات بـ قراءة النص القرآني دون إدراك لمعانيه؛ إذ أن الغالبية تتحدث بـ لهجات محلية؛ واقتصر علىٰ القيام بـ آداء المناسك؛ فـ وجد الحج السياحي؛ فـ لحقه الحج السريع؛ وأخيراً الحج النفاث (رئيس وزراء مصر؛ ووزير داخليتها: حج عام ١٤٣٥ه)... فـ اقتصر علىٰ العبادات؛ دون بقية الأحكام الشرعية العملية، أي اقتصرت على علاقة الإنسان بـ ربه؛ مع أن علاقة الإنسان بـ ربه تشمل أيضاً العقائد؛ ومنها الإيمان بـ الآخرة ويوم القيامة والحساب والعرض والجنة والنار ... وهذا بناءً علىٰ التقييد في الحياة الدنيا بـ المنهاج وتطبيق الشريعة في شتى مناحي علاقات الإنسان...
أقول: وإن لله وإن إليه راجعون؛ أهملت العلاقات الآخرىٰ؛ كـ علاقة الإنسان بـ غيره من بني الإنسان -سواء مسلم مثله أو مَن يؤمن بـ دين سماوي آخر أو وضعي، أو صاحب فلسفة ورؤية للوجود-؛ وأهملت علاقة الإنسان بـ نفسه وذاته؛ فـ اندثرت الأخلاق إلا مَن رحم ربي، وتم شُرب المحرم من باب الحرية الشخصية؛ وجلسات السمر؛ وهتكت الأعراض من باب حرية الأفراد؛ والتعري والفجور في الأماكن العامة تقليداً لما يتم رؤيته في مجلات أو افلام، وأهملت علاقة الإنسان بـ العلم والحياة، وعلاقة الإنسان المسلم بـ البيئة والبحار والمحيطات والأنهار؛ وعلاقته بـ الأرض والزرع والفلاحة، وعلاقته بـ المواد الخام في باطن وظاهر الأرض فصار يصدرها إلا تعدينها قليلاً؛ وعلاقته بـ الجماد وعلاقته بالحيوان.. واختصر مظهر الدين في قطعة قماش؛ إما توضع على رأس الإناث أو تقصر فوق كعب الرجال؛ تعطلت الحياة فـ جاع الناس ونفقت الأنعام، وأهمل التعليم، فـ ارتفعت نسبة الجهل بـ الحرف والرقم والتكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي؛ فـ صارت الأمة الإسلامية؛ ومنها العربية مستهلكة لما ينتجه غيرها؛ غير منتجة أو تضيف إلى رصيد الإكتشافات العلمية شيئاً يكاد يذكر؛ سوى بضعة افراد منها هجرت أرض المشرق وذهبت لبلاد الغرب تشاركها في العلم والإكتشافات... ترتب علىٰ السابق : إرتفاع نسبة البطالة لتعطل العلاقات السابقة؛ مع أن الإسلام طراز خاص من العيش وطريقة معينة في الحياة.
[٣.] عمداً وضعت الناس تحت ألوية؛ وقُسمت الناس إلى أحزاب وتجمعات وتكتلات فارغة المضمون تعتبر ظاهرة صوتية، تحمل شعارات وتصطبغ بلون للتميز... فـ هذا صوفي أخضر؛ وذاك مجاهد أسود الثياب؛وهذا أسير برتقالي الملبس، وهذا عربي بقبعة الفرنجة، وهذا ذراع سياسي لـ جماعة دينية مغلقة، وهذا خليجي يرتدي دشداشة (صناعة صينية أو يابانية) وغترة حمراء أو بيضاء وسوداء (صناعة بريطانية)؛ أو الشماغ بـ لونيه الأحمر والأبيض (صناعة غربية)؛ أو عمامة حسب المناطق والأقاليم؛ والعقال يتدلى منه حبلين أحياناً؛ وإرتداءً البشت(*)؛ فصار الزي والهندام علامة على قدر العلم وسعته؛ أو على سعة رأس المال؛ وليس العقل والإدراك في فهم الأحكام الشرعية؛ أو التفاعل مع الحياة الإجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية؛ أو العلمية واثرائها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) پُشت كلمه فارسيه الاصل تعني "خلف"، او ما يلبس من وراء الظهر، فهي. البشت أو بالفارسي: پُشت هو عباءة رجالية يرتديها الرجل فوق ثيابه واستخدم هذا الاسم محل الكلمة العربية الفصحى وهي "العباءة". وتم استيراد هذا النوع من العباءات من هناك.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[٤.] في هذا المناخ العام أخذ كل فريق يبحث عن ضالته؛ فـ اعتزل فريق الحياة وتصوَّف؛ فـ عاش مع نفسه لـ نفسه؛ يتحدث عن الشئ المعروف؛ ويتكلم بما هو عند الآخر مألوف؛ يخشى التصادم مع الآخر؛ فـ ليس لديه حجة أو برهان سوى قيل وقال؛ وكان يا ما كان في سالف العصر وغابر الأزمان... أحاديث تحكى عن رجال ونساء وعن الفتيان والشبان؛ فـ عاش ومات في أمان، وآخر ألقى روحه وجسده في بئر الشهوات؛ ومستنقع الملذات؛ كسب من الحرام وربح بالحرام.. فـ فاز بـ الحسرات وندم على ما فات؛ وحين أبيض شعر الرأس أو كاد حج أو اعتمر وسجد وركع؛ فـ هناك رب غفور ما لم يغرغر المرء المقبور.، وفريق لـ جهل القراءة الشرعية لـ نصوص الوحي تمسك بـ قشور دين وتعلق بـ حبال بالية ليست هي العهد الوثيق؛ فـ نجد المساجد ملئت في النهار بـ آداء الصلوات، والجوامع في أيام الجُمِع والأعياد، ولكن الجَمع الغفير حين ينتهي الخطيب وينزل على درجات المنبر العتيق لا يؤثر ما قاله في وجدان أو عقل أو سلوك المصلي؛ انتشرت القنوات الدينية والدعاة والأخوات؛ ولم تنتشر الفضيلة والأخلاق الحميدة؛ بل أنتشرت الخزعبلات وامتطاء الجن للإنسان -وشهدت حالات تزويج الجني بالإنسي؛ كما يزعمون- وشاعت الشعوذة وربحت صناعة العطارة والأعشاب والأبوال؛ كما وارتفعت نسبة حضور الدروس والمواعظ ومصمصة الشفاة؛ تعجباً بـ اقوال الشيوخ أو تحسراً على سوء الحال ونهاية المآل.. ولم تؤثر بشكل ملحوظ في السلوك اليومي العام؛ أو تحسين الذوق عند العامة؛ ارتفعت نسبة مبيعات الكتب الدينية(!) ولم تؤثر في الثقافة العامة... تناثرت المنتديات في فضاء الثريا فـ أخذ الجهال يسقون بعضهم بعضاً كأسا فارغا... وعلى الثرى نشأت الأحزاب وتكونت التكتلات .. وهذا كله جانب نظري من القضية.. البعض التجأ إلى جانب عملي.. : التغير المادي لواقع مرفوض. وحال ممقوت: إذاً : الحل السريع: التغيير بـ اليد؛ تغيير المنكر باليد؛ وتقسيم العالم إلى دار كفر وإلى فسطاط إيمان؛ بترت النصوص من سياقها ؛ وتم القفز فوق المراحل؛ لم تفهم السيرة النبوية فأخذوا منها ذيل صفحة وتركوا صفحات، واستصعبوا التغيير الجذري في نفوس وعقول الناس (كـ ما حدث مع عقول المهاجرين ونفسيات الأنصار في عهد النبوة) والتحول الحتمي لأفكار مجتمع وأفكار أمة (تسكن يثرب: مدينة محمد: المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام)؛ بما نزل به الوحي، فليس من المعقول على أرضية أفكار ناصرية إشتراكية، أو بعثية تقدمية: توضع أسس أفكار تخالفها بل وتعارضها؛ ومن الإنتحار السياسي أن تخلط بقايا نظام حكم دولة فساد نخر عظام شعبها طوال سنوات: تخلط مع أفكار جماعة حزبية؛ ولإحكام الخلط والتشوية استحدث ذراع سياسي لجماعة دينية نهلت أفكار دون وعي من مصادر بعيدة عنها في التمهيد والتقديم والعرض والإنشاء والبيان، وأنزلت كتابات قديمة (صلحت لزمانها) كما هي على واقع جديد؛ فـ لم يتم فهم القديم الصالح لـ زمانه؛ إذ هي افكار رجال ونساء فهموا النص وفق مصطلحات أزمانهم؛ ومقاييس عصورهم (وطبيعة الإسلام "النص" أنه متجدد صالح لكل زمان ومكان دون التقييد بـ افهام رجال؛ ولم يدرك الواقع الجديد. ولوعورة الطريق استسهل صبية ألعاب الكمبيوتر أمريكية الصنع فـ انزلتها على أرض الواقع... وجدت فكرة الجهاد (القتل) المسلح ضد السياح الكفار؛ وضد رموز دولة فساد، والحرب المعسكرة ضد الإمبريالية العالمية والإستعمار الجديد وضد مَن يقف أو مَن يتعامل معهم. .إذاً يجب الجهاد؛ وهو الفريضة الغائبة؛ قبل المراجعات؛ أما إثناء المراجعات وبعدها صارت عند مَن نادى بها (فرض كفاية؛ وليس فرض عين على كل إنسان؛ فـ إذا قام بها البعض سقط عن الآخرين: كـ تغسيل ميت أو صلاة جنازة) .
[٥.] مِلةُ(*) محمدٍ؛ أو دينُ الإسلام؛ أو مبدأ الإسلام؛ أو منهجية الإسلام وشريعته: متكاملة؛ وحدة واحدة؛ وكتلة عقلية وجدانية نفسية روحية جسدية واحدة، تعالج الإنسان بصفته الأصلية التي فطر عليها، والملة المحمدية نسيجٌ منفرد مستقل مكون من أفكارٍ مترابطة؛ ومفاهيمٍ متجانسة كـ أعضاء الجسد الواحد؛ وحزمةٍ من القيم المتشابكة في منظومةٍ فريدة من نوعها؛ ومقاييسٍ ثابتة؛ يجمع هذا الجانب النظري -من نصوص قرآنية؛ وآيات متشابهات وآخرى محكمات؛ وسنة نبوية مصطفوية محمدية: أحاديث وافعال وتقرير-؛ يجمعها كيفية معينة في التطبيق وطريقة معينة من الإخراج، وشكل خاص من التنفيذ؛ فـ الطريقةُ في الإيجاد لـ هذه الكتل والحزم من تلك القيم والأفكار والمقاييس والقناعات هي أفعال رسول مبعوث رحمة للعالمين؛ وهي سنته وسيرته العطرة: فـ تتحول إلى واقع ملموس بـ كيفية ثابتة غير متغيرة -وتسمى الطريقة الإسلامية أو الطريقة المحمدية؛ نسبة إلى النبي الخاتم محمد بن عبدالله رسول رب العباد إلى كافة العباد- أو توجد في واقع الفرد والمجتمع بـ كيفية متغيرة؛ وتسمى هنا الوسائل وفقا للحال والزمان وتغيير الأوضاع والمناسبات؛ وهنا تأتي قدرة الإسلام -كمنهاج حياة- في القدرة الفائقة على البقاء لسنوات وأعمار وأدهار(**) وأزمنة، صالح للبقاء كـ نموذجٍ حياتي من حيث النظرية والتطبيق، فـ الناتج: الدولة الإسلامية؛ -أو بتعبير حديث- كيان تنفيذي لمجموعة الإفكار وكتلة القيم وحزمة المقاييس والقناعات؛ إذ أن هذا الكيان يجمع الفكرة الإسلامية والطريقة المنبثقة منها -معاً- حين نتحدث عن الدولة الإسلامية.. أما الفصل بين الجانب النظري (شريعة الإسلام) والجانب العملي (المنهاج الإسلامي)؛ أو تطعيم الجانب النظري بجانب عملي مبدئي آخر يخالفه لا يتأتي منه وجود هذا الكيان التنفيذي المنشود. ومن هنا فشل التيار؛ الذي أطلق عليه تيار الإسلام السياسي في الوصول إلى سدة الحكم، وحين وصل أخفق في النظرية والتطبيق فلفظه الشعب، والعجب أن نسبة الشعب التي أوصله زادت حين أسقطته؛ مع أن فرصة التطبيق كانت متاحة بالكامل دون أدنى عائق؛ وهذا يجعلنا نعود إلى المربع الأول من البحث هذا؛ أي غياب أفكار إسلامية صالحة للألفية الثالثة بعد الميلاد العجيب والألفية الثانية من الهجرة الميمونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المِلَّةُ: الشريعةُ أو الدِّينُ (الشَّرِيعَة، العَقِيدَة)، كـ مِلَّةِ الإِسلام والنصرانية، وهي اسمٌ لما شَرَعَ اللهُ لعباده بوساطة أَنبيائه ليتوصلوا به إِلى السعادة في الدنيا والاَخرة.
(**) الدّهْرُ: مُدَّةُ الحَياةِ الدُّنْيا كُلُّها، وَتُطْلَقُ علىٰ أَلْفِ سَنَةٍ ﴿ وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنا الدُّنْيا نَموتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ ﴾
[٦.] الكيان الإسلامي ليس كياناً كهنوتياً أو كياناً بـ مفهوم الدولة الدينية „Theokratie“ والجهاد هو أحد الأحكام العملية الشرعية المتعددة من مجموع أحكام؛ متعلقة بالسياسية الخارجية لكيان دولة تقوم بتنفيذ مجموعة مفاهيم شرعية تشريعية وفق منهجية الإسلام؛ أو أحد الجوانب العملية في العلاقة مع الآخر؛ أو صورة من صور العلاقات الخارجية؛ بـ معنىٰ أنه يجب وجود الدولة أولاً بـ أجهزتها ومؤسساتها وإداراتها؛ وتقوي الجبهة الداخلية وتمكنها من تنفيذ النظرية -آيات الأحكام وأحاديث الأحكام(*)- وتظهر ثمار التطبيق في الحياة العامة، ثم -بعد كل هذا- تبدء العلاقات الخارجية مع بقية الدول والشعوب والقبائل والمناطق والأمم .إذ أن العلاقات الخارجية تبنىٰ علىٰ جلب مصالح والإتيان بـ منافع؛ وتركز علىٰ درء مفاسد وإبعاد مضار لكيان الدولة ولسعادة الأفراد... وحماية مصالحها بين دول الإقليم وبقية العالم، فـ هي -السياسية الخارجية- نظرة إلى واقع العلاقات الدولية (أو مايسمى بالمجتمع الدولي أو ما أتفق عليه بـ مصطلح: الأسرة الدولية) من منظور مجموعة القيم والمقاييس التي تبنتها الدولة، العلاقات الخارجية تبني جسور للإستفادة من خبرات الآخرين؛ في العديد من المجالات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انظر محمد بن عبدالله الأندلسي : أحكام القرآن، كما انظر عند كل من: أحمد بن علي محمد الكناني (العسقلاني): تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، وأيضاً : عبدالله بن محمد بن أبي شيبة: المصنف، وانظر عند جمال الدين عبدالله بن يوسف الزيلعي: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية؛ وحاشيته النفيسة "بغية الألمعي في تخريج الزيلعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ٧. ] الدولة الإسلامية الأولى في صدر الإسلام؛ لم يُترك إنشاؤها لـ صحابة كرام -عشرة آلاف صحابي- تخرجوا في ومن مدرسة النبوة؛ ولم تترك لـ جهابذة أئمة المسلمين أهل العلم والفقه؛ أمثال ترجمان القرآن؛ أو السيدة الحصان أم المؤمنين بنت أبي بكر أو باب مدينة العلم؛ أو صاحب الموافقات رضي الله تعالى عنهم أجمعين، بل أنشاءها النبي(*) الأمي بيده الشريفة وعلى عين بصيرة. إذاً الأحكام الشرعية المتعلقة بقيام كيان دولة إسلامية تؤخذ من سيرته ويتم تعلمها من أقواله وافعاله وتصرفاته؛ ونلتزم بتطبيق المراحل التي سار عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا ما أغصب يهود يثرب ومن حولها؛ بعد أن غضبت قريش على ابنها -محمد-؛ أولاً: لأنه عليه السلام: أضاع النبوة بالكلية عند يهود –فـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، وليس لنبي من بني إسرائيل اسمان إلا عيسى: المسيح، ويعقوب: إسرائيل- (صححه الحاكم في المستدرك، وعند البيهقي في شعب الإيمان والطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات). هذا السبب الأول.
أما السبب الثاني ويشترك فيه الإثنان –أعني: قريش ويهود- أنه عليه السلام أضاع من أيديهم الحكم والسلطة؛ فـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي ويكون خلفاء فيكثرون، قالوا : فما تأمرنا؟، قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم".( متفق عليه) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ٨. ] تهيئة الدولة الإسلامية داخلياً وخارجياً :
[ ٨. ١.] أول ما سعى الإمام الأعظم عليه السلام بفعله -بعد بناء المسجد: دار الحكم والقضاء- أنه كتب وثيقة المدينة بينه واتباعه؛ وبين الأوس والخزرج ويهود بني النضير وقينقاع وقريظة وأحلافهم؛ مِن هذه الوثيقة نقرأ بوضوح قبوله واعترافه الصريح بشيئين: التعددية الدينية (حرية التدين عند اليهود والنصارى) في الدولة الإسلامية الأولى؛ وثانياً بالتعددية السياسية.
[ ٨. ٢.] حين اطمأن الرسول للوضع العام في يثرب -مدينته المنورة- وهي تحت سلطانه؛ بدء الإتصال الخارجي بـ قريش وغيرها ممن هو خارج المدينة وحدودها،
[ ٨. ٣. ] وحين اطمأن لسلطانه في الحجاز؛ بدء الإتصال بمن هو خارج شبة الجزيرة العربية كـ الفرس والروم
إذاً تم خضوع الحجاز والجزيرة لسطانه ﷺ؛ وتهيئة المناخ السياسي؛ وتجهيز الرأي العام في شبه جزيرة العرب؛ لـ قبول كامل رسالته، فـ اطمأن ﷺ للوضع الداخلي ومَلكَ ﷺ القوةَ الكافية لسند السياسة الخارجية للدولة الإسلامية؛ فجاء دور إعلام بقية الدولة خارج شبة جزيرة العرب: فـ أرسل ﷺ الرسل إلى بقاع الأرض جميعاً: أرسل رسله إلى جميع الطوائف، فـ أرسل إلى النصارى: نصارى الشام ومصر، إذ أرسل إلى هرقل ملك الروم؛ وكان هرقل من أَجِل ملوك النصارى في ذلك الوقت؛ فـ بعثَ ﷺ بـ كتابٍ مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فـ أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن رسول الله ﷺ وكتب هرقل إلى صاحب له بـ رومية؛ وكان هرقل نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه، وأرسل النبي ﷺ رسولا أيضا إلى ملك مصر المقوقس القبطي- واسمه جريح بن مينا- ملك النصارى صاحب الإسكندرية في ذلك الوقت(*) ، وكان رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة؛ ثم بعث رسول الله ﷺ رسوله إلى المجوس، وكتب كتابا إلى كسرى ملك الفرس، فـ بعث رسول الله ﷺ عبدالله بن حذافة بن قيس السهمي بكتابه إلى كسرى بن هرمز ملك الفرس؛ فدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، إذاً كتب رسول الله ﷺ إلى الإمبراطوريتين العظمتين -وقتذاك- متمثلة في كسرى وقيصر، وقبل هذه الأحداث ممن بشر -وهذه مسألة تحتاج لشرح وتبيان- بالنبي ﷺ سيف بن ذي يزن قبل ظهوره، ثم كتب كسرى إلى باذان- وهو على اليمن- وبعث إلى الحارث الغساني ملك الحيرة (تخوم الشام)؛ والحارث الحميري ملك اليمن؛ وإلى نجاشي الحبشة؛ وإلى ملكي عمان؛ وإلى ملكي اليمامة؛ وإلى ملك البحرين؛ انطلق هؤلاء رسل رسول الله جميعاً كل إلى حيث أرسله الرسول ﷺ ؛ انطلقوا في وقت واحد .
ـــــــ
(*) قال المغيرة بن شعبة أقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد ﷺ وكان أسقف من القبط هو رأس كنيسة يوحنا كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم لم أر قط أشد اجتهادا منه، فأتيته فقلت : هل بقي أحد من الأنبياء ؟؛ قال : نعم، هو آخر الأنبياء؛ ليس بينه وبين عيسى ابن مريم أحد، وهو نبي مرسل وقد أمرنا عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربي اسمه أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ٨. ٤. ] امتدت الدولة الإسلامية منذ عهد النبوة إلى سقوطها على يد مصطفى كمال عام ١۹٢٤؛ وقد رثا أمير الشعراء أحمد شوقي الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية بأبيات من الشعر قال فيها:
ضجت عليك مآذن ومنابر ** وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة؛ ومصر حزينة ** تبكي عليك بمدمع سحَّاح والشام تسأل؛ والعراق؛ وفارس ** أمحا من الأرض الخلافة ماح؟!
فـ قامت عدة محاولات لإيجادها من جديد؛ فأخفق حزب التحرير في إقامة دولته في النصف الثاني من القرن الماضي؛ وإنه الوحيد من الحركات الإسلامية الحديثة الذي لديه مشروع مواد دستور للدولة أصدره في بداية خمسينات القرن الماضي؛ ثم الأسباب الموجبة له في ستيناتها؛ ويرجع سبب خفقانه وأن ملك دستوراً كاملاً لغياب السند الشعبي والظهير الجماهيري؛ وخوار قوة أهل المنعة والنصرة، ثم أخفقت حكومة الماودودي؛ ثم أوجد آيةالله خميني دولة مذهبية قومية؛ فضاع الأمل.. ثم تجدد حين سعت طالبان لإيجادها؛ ففشلت، ثم أوصلت الديموقراطية جماعة الإخوان المسلمون إلى مقعد رئاسة الجمهورية في مصر؛ تميزت هذه المحاولة بوجود ظهير شعبي وسند جماهيري -هكذا ظهر للبعض- وسرعان ماسقطت لغياب تصور ناضج لدولة إسلامية صالح للألفية الثالثة؛ السلفية بتشعباتها الثلاث ليس لديها ما نتحدث عنه، فشلت المحاولة تلو الآخرى؛ والمنظور بنظرة سطحية للأمور أنه على المدى القريب والمتوسط لن تقم قائمة للمسلمين تحت لواء واحد؛ فهم مشغولون بمالا يفيد ويطرقون على البارد من الحديد -قتل 19 شابا مشجعا بسبب مبارة كرة قدم- لهذا الفشل ولأسباب آخرى يأس جيل الشباب من إعادة مجد أمة غائبة؛ إذاً الطريق: الأعمال المادية؛ فوجد قتال أجهزة دولة ورموز لها؛ وبالتوازي وجد إعمال مادية تضيع وتصرف مخزون الطاقة عند الناس؛ كـ إطعام الفقراء؛ وإيواء البؤساء، وإن كان هذا من مسؤولية الدولة وليس الأفراد. فلبس القتال ثوب الجهاد.
[ ۹. ] متى فرض الجهاد!؟
ابحرنا معاً فـ دَسَرَت سَّفِينَةُ الْهدي المحمدي بنا إلى شاطئ رماله لؤلؤ وهوائه عنبر وريحان فلم نسترح إلا قليلاً إلا وسيسأل عاقل وآن له أن يسأل ويتساءل :" متى فرض الجهاد!؟
[۹. ١. ] استمرَّ ﷺ يدعو إلى الله، ويصبر على الأذى، ويَصْفَح عن الجاهل مدَّة ثلاث عشرة سنةً؛ لإقامة حُجة الله تعالى ووفاءً بوعدِه الذي امتن عليهم به في قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]. وآذَت قريشٌ رسولَ الله ﷺ وأصحابه وأتباعه؛ وحاصَروه في الشِّعْب. و
[۹. ١. ١. ] حاول عُقْبَة بن أبي مُعَيطٍ أن يَخنُقه ﷺ مرَّة، وما زال يشدُّ ثوبَه عليه حتى جَحَظت عيناه، وأسرع أبوبكر فخلَّصه، وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربي الله!. و
[۹. ١. ٢. ] حاول أبوجهلٍ قتلَ الرسول -وهو بالمسجد يصلِّي- فحَمَل حجرًا ضخمًا ليُلْقِيَه على رأسه وهو ساجد، ولَمَّا همَّ بإلقائِه رجع مذعورًا، وقال: "اعترضني دون محمدٍ فَحْلٌ هائلٌ من الإبلِ همَّ أن يأكلَني".
[ ١٠. ] فـ لما أراد الله إظهارَ دينِه، وإنجازَ وعدِه، ونصْرَ نبيِّه، أمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة -مسألة الهجرة؛تحتاج إلى تبيان- فـ استقرَّ صلوات الله وسلامه عليه بها، وأيَّده الله بنصره وبعباده المؤمنين، فـ منعته أنصارُ الله، وكتيبةُ الإسلامِ من الأسود والأحمر، فبَذَلوا نفوسَهم دونه، وقدَّموا محبتَه على محبة الآباء والأبناء والأزواج.
[ ١٠. ١. ] لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظورًا على المسلمين، بنصوص كثيرة في كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: «فاعف عَنْهُمْ واصفح» [المائدة: 13] وقوله: «ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ» [المؤمنون: 96] وقوله: «وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ» [آل عمران: 20] وقوله: «قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله» [الجاثية: 14] وقوله: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا» [الفرقان: 63] وهناك نص صريح بالكف عن القتال وهو قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاوة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس» [النساء: 77]. وهناك حكمة في الكف عن القتال؛ ليس هنا مجال بحثها.
[ ١٠. ٢. ] فلمَّا رَمَتهم العرب واليهود عن قوسٍ واحدة، وشمَّروا لهم عن ساقِ العداوةِ والمحاربة وصاحوا بهم من كل جانب؛ أذِن الله لهم حينئذٍ في القتال، ولم يَفْرِضه عليهم؛ فقال: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39 - 40].
[ ١٠. ٣. ] ثم فَرَض عليهم القتالَ بعد ذلك لمَن قاتلهم دون مَن لم يقاتلهم؛ فقال: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190] ،
فـ كان القتال :
(أ): ممنوعًا، ثم
(ب): مأذونًا به -لمَن بدأهم بالقتال- ثم
(ج): مأمورًا به لجميع المشركين، كما في سورة البقرة، وآل عمران، وبراءة، وغيرها من السور. وقد نص الإمام الشافعي- رضي الله عنه- على أن القتال كان قبل الهجرة ممنوعاً، ثم أبيح بعد الهجرة، ثم وجب بـ آيات الأمر،
[ ١٠. ٤. ] فـ لعل الإيجاب كان في آخر السنة الأولى، أو أول السنة الثانية وفيها كان مبدأ الغزوات، وذكر القاضي عياض أن فرض الجهاد العام كان عام الفتح سنة ثمان في براءة؛ وهذا يعني أن الجهاد بمفهومه الشرعي وجد في ظل كيان دولة تنفيذية لمجموعة القيم والمفاهيم الإسلامية؛ وليس قبلها؛ وليس هو الطريق لإقامتها. فـ القتال: مكروهًا للنفس بطبيعتها؛ لِمَا فيه من التعرُّض للقتل، والأَسْر، وتشويهِ البَدَن، وإتلاف المال، وتدمير المصانع، وتخريب البلاد، وإشاعة الرعب والفزع في النفوس، والإخراج من الأوطان. والحالة الأصلية للإنسان هي حالة السلم والأمان والإستقرار.
[ ١١.] وبتفحص الآيات الكريمات ذات العلاقة بـ المسألة؛ وإعادة النظر في سنته وسيرته عليه السلام؛ نرى أنه بعد إنتهاء الغزو السوفيتي لأفغانستان؛ وخروج آخر جندي شيوعي؛ انتهى دور المقاتلين؛ ثم بإنتقالهم عبر مطار فيينا ومَرافِئ آخرى إلى البوسنة والهرسك؛ وإنتهاء القتال هناك؛ انتهى دور المقاتلين، فكان على مقاتلي تنظيم "القاعدة" حلَّ نفسه والإنخراط في الحياة الإجتماعية أو السياسية أو الثقافية كما كان من قبل؛ ولكن قد يوجد لها بقعة من أرض لوجود إحتلال الأرض التي بارك الله تعالى حولها، فـ كان حري بهم أن ينتقلوا إلى إرض الإسراء والمعراج، لتحرير القدس والأقصى، وهذا لم يتم وما حصل -حتى كتابة هذه السطور-؛ وما سمعنا ولو خبرا كاذباً بتحرك تنظيم القاعدة على أرض الأنبياء؛ بل غربوا لمركز التجارة الدولية؛ وشدت الرحال إلى أدغال أفريقيا، وهنا نتساءل :" بعد تحرير ارض الأفغان؛ وإنتهاء الحرب في يوغسلافيا السابقة، ما هو العمل -ولو كان وحيداً- الذي قام به التنظيم وجر على المسلمين نفعا أو فائدة؛ إذاً فما دورهم الحقيقي الأن !؟ .
[ ١١. ١.] والسؤال السابق ينجر على التنظيم المنشق من السابق على أرض الشام والعراق؛ ونتساءل :" مِن أين أنطلق؛ ومَن يموله ويحتضنه؛ وما هدفه" .
[ ١١. ٢. ] ضاعت البوصلة من تنظيم جماعة أنصار بيت المقدس -وقد غيرت اسمها رسميا إلى «ولاية سيناء» منذ إعلانها مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية- ذاع صيتها في مصر عقب عزل مرسي من الحكم من خلال عمليات تفجير ومهاجمة أهداف ومنشآت عسكرية وشرطية. وهي جماعة مسلحة استوطنت في سيناء مؤخرا، وأعلنت أنها تحارب إسرائيل ولكن بعد سقوط نظام الإخوان أعلنت بوضوح أنها تحارب الجيش المصري وقوات الأمن؛ هذا ما يحدث على الأرض التي تجلى خالقنا عليها؛ وتجد هنا وهناك مواد مفرقعة بدائية الصنع.. وترى عبث يرتدي مسوح الإسلام في بقية ربوع المناطق العربية؛ ثم يرتحل غرباً -نيويورك؛ أسبانيا؛ بريطانيا؛ فرنسا- وهذا يجعلنا نتساءل :" ماذا يريدون بالفعل!" ؛ ايرغبون في تحرير الأرض!؟ أم يرغبون في نشر الإسلام!؟ أم يرغبون في إعادة حكم سقط خلال أيام سنة واحدة!؟؛ أم يسعون إلى إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
فهذه ليست الطريقة التي سار عليها الرسول الهادي ؛ فلنعد لفهم وإدراك سنته وسيرته.!.
أما إذا كان ما يحدث وفق سياسة ومخطط وبرنامج موضوع من دول؛ فهل يصح لأبناء المسلمين تنفيذ مخططات دول أعداء لسفك دماء أبرياء؛ والوصول إلى التقسيم والتجزئة لدول ليس له وجود تحت الشمس، لم يتبق إلا أهل الحل والعقد والعلماء فيجتمعون على كلمة صدق.. ولعل هذا نرجئه لحديث قادم..
**
بحث: „ الجهاد ‟ من سلسلة ابحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة!
حُرِّرَ في يوم الأحد ١۹ من شهر ربيع آخر ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٨ من شهر فبراير عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
**

„ دولــــــتــــــجي ‟

نتساءَل : كيف نوقف انهيار «الشرق» العربي؟.

[١.] إذا كانت الحرب علىٰ «داعش» تحتاج إلىٰ عشر سنوات -كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر الأمن والسلام بالعاصمة الفرنسية في سبتمبر الماضي- فكم ستحتاج إعادة بناء العالم العربي المتداعي من جديد؟.
[١. ١. ] هل نتحدث عن دولة بـ عينها؛ فـ يقتصر الحديث عن «مصر»؛ قاطرة العرب؛ وهي التي تتلقىٰ طعنات في خاصرتها اليمنىٰ؛ فـ تنزف دماً بريئاً علىٰ أرضٍ تجلىٰ الرحمن عليها، فـ إذا سكن الألم خداعاً، طُعنت من جديد في خاصرتها اليسرىٰ؛ فيتجدد ألم الخاصرتين. الطاعنُ بـ حربته؛ إما قريب جاهل أو بعيد حاقد أو متأمر مدفوع له الثمن،
[١. ٢. ] أم الحديث عن عالم يطلق عليه «العالم» العربي زوراً -فـ المسمىٰ تاريخ مضىٰ؛ سواء بعثي أو ناصري-؛ ويغفل كاتب هذه السطور عن عمد الحديث عن العالم «الإسلامي» -فـ عالمية المسلمين (وليس الإسلام) كلمة لا واقع لها في العصر الحديث-، كما نتغافل عن عمد الحديث عن «مسلمي الغرب» -فـ هم أشبه بـ مسلمي الشرق مع إضافة ضعف الإنتماء؛ فهل يعيشون في العالم الأول المتمدن المتحضرّ؟؛ أم مازالوا في جلباب عصور التخلف والقهر النفسي، مع غياب الهوية؛ فـ غالبيتهم يحمل جنسية دول يعيش علىٰ أرضها منفصل عن مكوناتها الثقافية والعلمية؛ فالمسلمون في الغرب يتعدون 50 مليوناً؛ فقط على اصابع اليد الواحدة تجد عالماً، والمشرقي يريد أن يغرق في الطريق إلىٰ أخيه في الغرب-، أقول الأن : العالم الإسلامي ١٬٥ مليار؛ والعالم العربي في يناير 2007، بلغ عدد السكان نحو 314 مليون نسمة، وفي هذه الاوقات يبدو انه قد قارب أو تخطّى الـ370 مليون نسمة؛ العالمان -المسلم والعربي- لا دور لهما سوىٰ الفرجة علىٰ الأحداث بـ واسطة القنوات الفضائية وإستحضارهما -فقط- في نهاية المشهد؛ كـ خروجهما في مظاهرة تندد أو وقوفهما تحت المطر لتشجب.
الحيلولة دون انهيار «الشرق» العربي مسؤولية الساسة؛ أم رجال العلم والقلم؛ أم فئة المثقفين ونخبة المجتمع؛ بالقطع ليس مسؤولية جماعية، فـ نظرة سريعة لتجمعات المصريين أو العرب في الغرب: تجدهم في قهاوي؛ منتديات، ثم استرق السمع :" عن ماذا يتحدثون !" . وكيف يقضون سهرة نهاية الإسبوع!.
[١. ٣. ] ونتساءَل: ما عمق الانقسام بين مكونات «الكتلة العربية»(!)؟ في الشرق والغرب، وما عمّق الانقسام والاستقطاب في كل دولة علىٰ حدة، ومتى سنتحدث عن جعل المصالحة الوطنية المنشودة -تحدث دون حرج عن العربية: حماس/غزة وعلاقتها بشعب مصر؛ كتائب عز الدين القسام أصبحت في مصر منظمة إرهابية؛ جزيرة قطر ودورها الإعلامي أم دورها الإقليمي العربي- أقول : متى سنضع شروط المصالحة علىٰ طاولة البحث؛ أم الوضع الحالي أصعب وأبعد؛ لإراقة دماء على أرض الوطن الواحد وتعارض مصالح أطراف في القطر الواحد : فلسطين مثال؛ اليمن مثال آخر سوريا مثال ثالث ليبيا مثال رابع، أم نتحدث عن لاعب فاعل في الأحداث؛ يختفي تارة -انتشر تعبير الطرف الخفي- ويظهر تارة آخرىٰ ، مع مراقبة دور دولة «السعودية» الملكية، وظهور فاضح/مخزي لدور الولايات المتحدة «الأميركية» الليبرالية الإستعمارية، وتعطل سفينة الإتحاد الأوروبي في بحر تجمد، أو اللاعب القادم من عمق الماضي الإمبراطوري(!) تركيا الغارق إلىٰ أنفه في الدولة المدنية العلمانية علىٰ نهج أتاتوركي؛ الذي قطع أوصال العلاقات التركية/الكردية/العربية، وسعىٰ لشغل مقعد في الإتحاد الأوروبي بتقديم تنازلات عدة فـ كُسرت قوائم المقعد، لاعب تركي يستحضر التاريخ الذي لن تعود عقارب ساعته، كما ويستحلب مشاعر الكتلة الإسلامية -أحداث غزة مثلاً- وهي -الكتلة الإسلامية- بدورها غارقة في كهنوتية تعفنت بمرور الزمن -منذ الإمام محمد عبده (اتفقنا معه أو خالفنا فكره) والمناداة بتجديد الخطاب الديني- كهنوتية فرضت عليها؛ ومشاعر غامضة تجمعها أحياناً، ومناسك متجذرة في النفسية تجمعها أحياناً آخرىٰ، وهناك لاعب بـ الوكالة يجمع الكرات الضائعة خارج الملعب السياسي للكبار : إمارة «قطر». وهناك أيضا دور إيراني شيعي مسكوت عنه أو يراد استئناسه؛ والدب الروسي بدأت تدب أقدامه في الساحة العربية.
[ ٢. ] سعت القوىٰ الكبرىٰ -متوشحة بثوب ديموقراطي إنتهازي جديد؛ بعد أن ترقيع الثوب الإستعماري- الفاعلة في المشهد السياسي إلىٰ تحييد مؤسسات كما سعت إلىٰ تفعيل/احتواء جماعات، إما مباشرة بيدها أو أيدي رجالها في المنطقة، فـ عُطل دور الأزهر؛ -شاركته الكنيسة المرقسية- واقتصر دوره علىٰ أبحاث تعبدية؛ أي علاقة العبد بالرب؛ وقدمت الفتوىٰ من مكتب رئاسة الجمهورية لتمهر بخاتمه؛ وخرجت أجيال أزهرية تتحدث عن أحكام الطهارة والحيض والنفاس فوق المنابر؛ فغاب دوره الرائد في أيقاظ الناس من غفوتهم؛ وأسكن الأمةَ كهف الإعتزال، فلضمت سلفية الحداثة الخيط معه وأكملت الدور في الحديث عن غياهب القبور وعذاب الآخرة فاكتملت الدائرة فغاب وعي الناس؛ وتعطلت الحياة؛ فازدهرت تجارة إستخراج الجن والعطور والبخور، فـ هذا جانب التعطيل، أما التفعيل: فقد رفض بعض الأتباع المكوث في حوانيت الطاعة ودكاكين الإستماع؛ ونادوا بتفعيل الفريضة الغائبة؛ فازدهرت تجارة الحور العين، وتم علىٰ بصيرة غربية -لا أقول مسيحية- تخليق صناعة «الجهاد»(!) -سُميَّ إرهابا؛ كي تكتمل الدوائر- منفصلة عن الكيان الإسلامي الذي ينطلق منه؛ فـ دولة المدينة الأولىٰ أوجدت كيان إسلامي مبني علىٰ فكرة كلية اساسية كمبدأ صالح للحياة؛ أفكاره قادرة على الإستمرار، هذا الكيان السياسي يحوي جميع مَن في «يثرب» -مِن قبائل الأوس والخزرج -كانوا يعبدون الأصنام-؛ يجاورهم عرب تهودت ويهود عبرانيون وقبائل بني قريظة وقينقاع والنضير والأحلاف؛ والنصارى- يثرب ومَن حولها كـ أمة واحدة من دون الناس، أقول: غاب هذا الكيان؛ وكيفية إيجاده في فكر المسلم المعاصر فـ خلق الغرب «القاعدة» خارج المنطقة العربية، وساعدته العرب ليسهل دخول أفراد -لا نبحث النوايا- المنطقة العربية فتم تخليق بؤر توتر كي يظل العالم العربي في حالة إضطراب تلحقها حالة فوضىٰ(*) -أعلنتها وزيرة الخارجية السمراء" Condoleezza Rice"- تصل إلىٰ وجود الدولة الفاشلة؛ مع تثبيت الوضع الراهن لينعدم قيام كيان عربي سليم يرعى الشئوون وفق ما يناسبه.
[ ٢. ١. ] وجدت بذرةُ الجهاد ضد الشيوعية السوفيتية تربةً خصبة منذ ديسمبر 1979؛ ونبتت شجيرة في فبراير 1989 بعد اعلان الاتحاد السوفيتي انسحاب كافّة قواته بشكل رسمي من أفغانستان في 15 فبراير 1989، تبعثرت القاعدة علىٰ الخارطة؛ ووجد مَن يمولها؛ ومَن يحتضنها، والأمة الإسلامية ومنها العربية بـ مجموعها لم تتخذ موقفاً واضحاً تماماً تجاهها، فـ وجد من يبارك خطاها، ووجد مَن يلعن الليلة الظلماء التي ولدت فيها، ووجد مَن أغمض العين طالما أنها خارج حدود دولته، ونظر الكثير علىٰ أنها مسألة أمنية تتولاها أجهزة دولة من عناصر شرطية؛ ثم -بـ تعذر الحل الأمني- تدخلت وحدات عسكرية... إذاً تاهت القضية -وهذا ما يراد- بين أنظمة حكم راعتها، وبين آخرىٰ تقاومها؛ وغاب تماماً دور السياسي؛ خاصة السياسي الحزبي، -وهذا تشخيص لحالة راهنة لن تطول- وأقصد هنا السياسي صاحب مبدأ يعمل علىٰ إيجاده في واقع الحياة والدولة والمجتمع.
[ ٣. ] وجد سياسي حزبي علىٰ درجة „ دولــــــتــــــجي ‟ أي مَن يتعاطىٰ السياسة كـ مهنة يرتزق منها، وليس كفاعل وناشط ومغيِّر لواقع لا يريده ليوجد واقع مشرق لأمة تريد الحياة تحت الشمس الساطعة.
[ ٣. ١. ] السياسي هو إنسان -رجل/امرأة- يؤمن بـ مبدأ يعمل علىٰ تحقيقه بـ أدوات متاحة في طريق وعر؛ يرفضه فريق فـ يحاربه بوسائل مشروعة أو غير مشروعة، ويقبله آخر فيعمل معه.
[ ٣. ٢. ] مبدأ السياسي يجب أن يكون فكراً أساسياً يشكل وجهة نظر معينة في الحياة؛ ولا يصح بـ حال أن يكون فكراً فرعياً؛ أو فكرة منبثقة عن فكرة أصلية. -فـ الجهاد بكافة أنواعه- فكرة منبثقة عن فكرة أساسية؛ فلا يحق له أن يتصدر الأفكار بل يأتي حسب مرحلته؛ كما أن الدولة تأتي بعد تثبيت أركانها وأعمدتها؛ وتتقدمها خطوات أو أدوار في طريق الإيجاد.. ولهذا فشل التيار الجهادي في إيجاد شئ نستحسنه؛ إذ ليس هو الهدف الأعلىٰ كي يمكن تحقيقه؛ فـ إرهاب الآخر أو قتله ليس في حد ذاته هدف صالح؛ بل يصلح علىٰ أقصىٰ تقدير أن يكون وسيلة وقتية متغيرة للوصول للهدف المقصود الأسمى: كـ منع قيام العدو بفعل خلال طريق البناء؛ وزمن الإعداد، فتوقفه عن أفعال تخوفاً منك ورهبةً من رد الفعل؛ إذ أن الحالة الأصلية للإنسان هي الأمان والطمأنينة والسلام وليس الحرب والرهبة والخوف.. فـ كما فشل التيار الجهادي أخفق تيار الإسلام السياسي؛ وهذا ما يسمىٰ بـ حرق المراحل أو إغفال ترتيب أدوار البناء.
[ ٣. ٣. ] تيار الإسلام السياسي –يرى الكاتب عدم صحة التسمية ولا أعتبرها مصطلح يستخدم في الحياة السياسية؛ فهو ترجمة عربية لمصطلح نحت في الصحافة الغربية؛ ردده صحفي عربي يجهل السياسة والإسلام- هذا التيار فشل مرة ثانية إذ أنه زاوج بين مبدأين: مبدأ الديموقراطية الليبرالية؛ ومبدأ الشورىٰ الإسلامية- إذ كل منهما يحمل وجهة نظر مخالفة لـلـ آخر- للوصول لتطبيق المبدأ.
يعتمد السياسي الحزبي علىٰ قطاع عريض من الناس أمن بفكرته؛ وهذا القطاع العريض هو الركيزة الثانية والأساسية في إيجاد الفكر الأساسي؛ باعتبار هذا الفكر المستنير أنه الركيزة الأولى والأساسية؛ ولن تصلح هذه الركيزة الثانية للوقوف بجانب الفكرة إن لم يتم بلورة كاملة وكافية في أذهان الناس؛ الذين أمنوا بها فيصبحوا هم بالفعل أصحاب الفكر؛ وليس فقط السياسي.
يعتمد السياسي طريقة معينة محددة في إيجاد فكرته الأساسية في معترك الحياة؛ فيعتمد علىٰ وسط سياسي واع يرتقي بالناس في فهم الأفكار المنبثقة والفرعية، ويستخدم أدوات متاحة؛ فاعلة في الوسط السياسي، والأمة معاً فالسياسة هي فن ممارسة الممكن في الواقع الحياتي اليومي للناس؛ وليس إيجاد مستحيل .
[ ٤. ] أخفقت الحركات السياسية علىٰ الساحة -سواء العربية أو الإسلامية- لقيام قادتها بدور „ دولــــــتــــــجي ‟ أي غياب فكر أساسي تسعىٰ إلىٰ إيجاده في واقع الحياة؛
[ ٤. ١. ] مع ضبابية رؤية في إيجاد الفكرة؛ يرافقها ضعف الرؤية في بلورتها بين مَن وافق عليها. فاعتمد الإسلوب الجمعي؛ فعرضت أفكار قديمة على ألسنة أشخاص لم يتم تأهليهم بفكر مستنير.
[ ٤. ٢. ] أما القاتلة فهي تزاوج بين مبدأ يسعىٰ لإيجاده وبين مبدأ يرفض التعامل معه أو وجوده.
[ ٥. ] الساحة المصرية السياسية امتلئت بـ 96 حزباً ينطبق عليهم مصطلح „ دولــــــتــــــجي ‟ سواء الأحزاب العتيقة أو التي استحدثت بعد ثورة 25 يناير؛ إذ لم يستطع العتيق منهم أو الحديث أو يملك القدرة على مخاطبة الشارع المصري أو تقديم معالجات نافعة ولم يقم أحد منهم بدور بارز مؤثر بجوار دولة الإخوان التي سرعان ما إنهارت؛ كم لم تسمع لهم صوتاً الأن بجوار المشير صاحب الأغلبية الشعبية.. فـ الدولة بمؤسساتها في واد والشعب في واد آخر والأحزاب فاقدة لبوصلة تقترب من خلالها للدولة أو تحقق مصالح شعب من خلال تمثيله؛
ونتساءَل :" المصري في الخارج كيف سيمثل الــ 11 مليون مصري المغتربين في برلمان يغيب عنه السياسي الحزبي؛ صاحب وجهة نظر يريد إيصالها للحكم ويملك وضوح طريق لتطبيق هذه الفكرة؛ الكاتب يميل إلى ضرورة وجود تعددية حزبية؛ والمشكلة أن الموجود في الداخل والخارج „ دولــــــتـــــ ـجي ‟.
[ ٥. ١. ] وما يخشى حقاً منه : تسرب بقايا نظام حكم فشل لأكثر من ثلاثين عاماً في حكم دولة مصر ورفاهية شعبها إلى برلمان ٢٠١٥، أو تسرب بقايا جماعات لا تملك رؤية لدولة في حجم مصر؛ بل يملكون رؤية لا تتعدى جدران المعابد، أو تسرب رجال الأموال!؟.
يا مصر لكِ الله .. ولكِ شعبك الوفي الواعي !
**
الرمادي؛ استروعرب نيوز، فيينا : الإتحاد الأوروبي

ـــــــــــــــــــــــــــ
(*) الفوضى الخلاقة : „Creative Chaos” هو مصطلح سياسي / عقدي يقصد به تكوين حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث تقوم بها أشخاص بعينهم دون الكشف عن هويتهم، وذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم، أو إنشاء حاله إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفة من أجل مساعدة الآخرين فى الاعتماد على نفسهم. في التاسع من أبريل عام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس " (ومستشارة الامن القومي سابقاً للرئيس جورج دبليو بوش) بحديث صحفي مع جريدة واشنطن بوست الأميركية، اذاعت حينها وزيرة الخارجية عن نية الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدء بتشكيل ما يُعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد "، كل ذلك عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة -بروتوكولات حكماء صهيون- حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان براون إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وحيث انتشرت بعض فرق الموت والأعمال التخريبية التي اتهمت بأنها مسيسة من قبل الجيش الأمريكي وبعض المليشيات المسلحة التي تؤمن بأن الخلاص سيكون لدى ظهور المهدي المنتظر والذي سوف يظهر بعد حالة من انعدام الأمن والنظام.

حُرِّرَ في يوم الإثنين ١٣ربيع آخرم ١٤٣٦ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢ من شهر فبراير عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
**

 الخطر الأخضر

[١.] " التفكير النمطي الاتباعي، والركون إلىٰ القوالب الفكرية الجاهزة أو المعلبة، والإعتماد علىٰ تصورات خاطئة لا يثبتها الواقع أو يؤكدها، بدافع كتابة رأي يشد إنتباه القارئ -فرقعة إعلامية- وعدم الرغبة في التفكر والاجتهاد وإدراك الحقيقة، وراء بروز خرافة „ الخطر الإسلامي(*) ‟ بديلاً عن الخطر الشيوعي السابق". فـكما تفككت الإمبراطورية السوفياتية السابقة في أوائل التسعينات تفكك حلف وارسو. فبرز حلف الناتو أو حلف الأطلسي كأقوى حلف في العالم له استراتيجيته ومخططاته وميزانيته ومشاريعه وسياساته الخاصة ".

ــــــــــــــــــــــــــ
(*) " الغرب يسمي الإسلام الخطر الأخضر ويعتبره عدوه اللدود: فقد كان الغرب يتحدث عن الخطر الأحمر أي الشيوعية، فابتكر الآن تعبير الخطر الأخضر إشارة إلى خطر الإسلام. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزواله، بدء البحث عن عدو جديد، قيل: إنه الإسلام، ونؤكد أن الإسلام خارج المعركة والحلبة، هو فقط كبش فداء مؤقت، أما العدو الحقيقي الفعال فسيظهر من بين صفوف المعسكر المنتصر بالغرب، وسيكون الصراع الرهيب بين أمريكا وأوربا الغربية أو اليابان أو...." . " المستشرق اليهودي برنارد لويس، أو "بطريرك الإسلام" صرّح لصحيفة "دي فيلت" الألمانية بأنّ "أوروبا ستكون جزءاً من المغرب العربي"، وليس العكس. لماذا؟ لأنّ "التوجهات الحالية تظهر أنّ أوروبا ستشهد أغلبية مسلمة في نهاية القرن الواحد والعشرين على أقصي تقدير"، إذْ فضلاً عن الأعداد المتزايدة من المهاجرين العرب والمسلمين، فإنّ الأوروبيين يتأخرون في سنّ الزواج ولا ينجبون سوى عدد قليل من الأطفال، بعكس مسلمي أوروبا الذين يتزوجون في سنّ مبكرة وينجبون عدداً أكبر من الأطفال" . فـ " البروفيسور العالِم الباحث المستشرق المؤرّخ برنارد لويس يذهب بأنه يردّ البغض العربي والإسلامي للولايات المتحدة إلى عنصر "الحسد" من قوّة عظمى ثرية لم تخسر أيّة حرب منذ تأسيسها! ". كما " صرّح رئيس الوزراء -سابقاً- الإسرائيلي أرييل شارون بـ ضرورة "توحيد العالم الإنساني الحرّ" ضدّ "خطر الإرهاب الذي لا يعرف حدوداً". ونقلت وكالات الأنباء عن مصدر مقرّب من شارون قوله إنّ "هناك تحالفاً طبيعياً بين روسيا والدولة العبرية في مواجهة الجهاد الإسلامي الذي تتعدّد منظماته في العالم". كما وأنه " ليس ثمة مبالغة في النظرية البسيطة التي تقول:" إنّ الغرب ارتبك بعض الوقت في أعقاب انهيار المعسكر الإشتراكي"، حين لاح أنّ الغرب ظفر وانتصر وتربّع على عرش الجبروت الكوني، وحيداً بلا منازل أو منازع. ولم تكف هذيانات نظرية مثل نهاية التاريخ وصراع الحضارات، راجت سريعاً واعتمدت على الميلودراما الفلسفية، لإشباع حاجة الغرب إلى حسّ الظفر في المعركة النهائية، أو يقين الطمأنينة والسكينة والأمان. ".
ــــــــــــــــــــــــــ
[٢.] " الولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت ترىٰ أنها صاحبة الفضل علىٰ أوروبا، والتي لولا مشروع مارشال الأمريكي لظلت أوروبا في خانة الدول المتخلفة. إذ أن خلفية تشكيل حلف الناتو كانت سياسية في بداية المطاف، إذ بعد الحرب الكونية الثانية وبداية امتداد الاتحاد السوفياتي باتجاه أوروبا الشرقية شعرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبا الغربية بدنو الخطر الأحمر إلىٰ عقر الدار الأوروبية ولمواجهة الخطر الأحمر تّم تشكيل حلف الناتو لمواجهة الإيديولوجيا الحمراء والترسانة العسكرية الحمراء أيضاً. وإذا كان الخطر الأحمر قد زال إلىٰ الأبد؛ فـ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 برزت مطالبات لبعض الكتاب والسياسيين الغربيين بحل حلف شمال الأطلسي، باعتبار أن حلف وارسو المنافس له انتهىٰ بانهيار المعسكر الشرقي، فردت «مارجريت ثاتشر» التي رحلت عن عالمنا، قائلة :« الخطر الأحمر زال، ولكن الخطر الأخضر ما زال قائمًا »... وعند مطالبتها بتوضيح ما تقصده قالت : الخطر الأخضر هو الإسلام... ، الجدير بالإهتمام هنا أن نشير إلىٰ :" دورها المباشر في انهيار الاتحاد السوفيتي، من خلال توثيق علاقاتها بالولايات المتحدة، وتحالفها مع الرئيس الأمريكي الأسبق «رونالد ريجان» لتحقيق هذا الهدف، ودورها المهم في ضم أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وإنشاء السوق الأوروبية الموحدة، ومعارضتها لإعادة توحيد ألمانيا، خوفًا من المشاكل التي قد تشكلها ألمانيا الأكثر قوة على المصالح البريطانية، " (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)« ثاتشر» التي عرفتها :١٧ أبريل ٢٠١٣ بقلم: د.عمر الحسن..
ـــــــــــــــــــــــــــ.
[٣.] "هناك بعض الدراسات التي قام بها الناتو وبعض مؤسسات الدراسات التي تتعاون مع منتدىٰ الناتو تفيد بأن الخطر الأحمر أصبح اليوم خطراً أخضر، وأن الخطر الأخضر أخطر بكثير من الخطر الأحمر، وتفترض بعض هذه الدراسات أن تعم «الأصولية الإسلامية» -بين قوسين- العالم العربي والإسلامي واحتمال أن تندلع مواجهات بين الكتلة العربية الإسلامية مع الكتلة الغربية. هناك محاولات حثيثة لتوجيه الناتو في منحنيات بيانيّة مضادة للعالم العربي والإسلامي، وكانت بعض قمم الناتو وضعت مخططات عسكرية عن كيفية التدخل السريع في هذا الإقليم أو ذاك في حال انهارت الأوضاع الأمنية أو نشبت مشاكل من أي قبيل كانت. واللافت للنظر أن أحد الباحثين من تل أبيب ذكر في بحث له أن أمنيته أن يدخل الناتو في حرب مع كتلة العالم العربي والإسلامي لتضمن الدولة العبرية بذلك ضعف الكتلتين الغربية والإسلامية، ثم تستفرد هي بعدها بالسيادة علىٰ البحر الأبيض المتوسط، والذي يعد قاسماً جغرافياً مشتركاً بين الكتلة الغربية وعديد من الدول العربية. "
[٤.] " ينبغي توجيه أنظار صناع السياسة في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً للحفاظ علىٰ مصالحهم في العالم الذي تسكنه غالبية مسلمة -خاصةً القارتين الأفريقية والأسيوية- أقول ينبغي تنبيههم من خلال التمييز بين "المتطرفين" /"الإرهابيين" من ناحية، وبين "المنظمات الإسلامية" التي تسعىٰ من خلال النظام السياسي الحالي وأدواته لتحقيق وجودها في الوسط السياسي من ناحية أخرىٰ؛ فهم ليسوا جميعاً سواء؛ إلا مَن يستتر تحت ثوب حركة إسلامية لها ذراع إرهابي؛ وليس جماعة إسلامية لديها وعي عميق وفكر مستنير -لتعسر أو تعذر العمل في الساحة السياسية- لها ذراع سياسي ".
[٥.] " الحقيقة التي لا مراء فيها أن العالم العربي بدوله الـ ٢٢ إضافة إلىٰ ثلاثة دول مراقبين(غير عرب) ، أو العالم الإسلامي تحت مظلة :" منظمة التعاون الإسلامي وهي منظمة دولية تجمع سبعاً وخمسين دولة، وتصف المنظمة نفسها بـ أنها "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"؛ وأنها تهدف لـ "حماية المصالح الحيوية للمسلمين" البالغ عددهم ما بين 1,3 مليار إلىٰ 1,5 مليار نسمة؛ أقول الأن أن الدول العربية منفردة أو مجتمعة أو دول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي لا تعمل علىٰ إيجاد كيان إسلامي، ولا تعمل بمقولة :"الإسلام هو الحل"، فلا يوجد ما يبرر قلق الغرب بوجود كتلة إسلامية "شرقية" ضد كتلة مسيحية/ يهودية غربية / أمريكية؛ فهذا غير وارد بالمرة لا في الزمن المنظور أو المستقبل البعيد؛ وتجربة جماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس؛ ومن قبلهما سودان النميري خير شاهد علىٰ ما أقول؛ فالدول العربية أو الإسلامية(!) تنقسم ما بين نظام جمهوري؛ أو ملكي؛ أو إمارة، وما بينهم من معاكسات أو مطاحنات ومشاجرات ظاهر علىٰ الكف، يضاف حال ووضع كل من العراق وسورية واليمن وليبيا " .
[٦.] " كل الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة لا تملك -إيديولوجياً وإستراتيجياً؛ وإن تملكت أعداداً وأفراداً-- القدرة علىٰ إقامة كيان إسلامي تخشىٰ منه الدول الغربية؛ بل تخلت عن كثير من الثوابت مرضاة للغرب؛ كما حدث في تركيا أردوجان؛ وتونس الغنوشي؛ وحدث عن ما اطلق عليه التنظيم العالمي لجماعة إخوان ولا حرج ، فالقلق عند الغرب لا يوجد يبرره" .
[٧.] " تتبقى جماعات متناثرة علىٰ اليابسة كـ تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وهي جميعها مخلقة بأيدي غربية، تحميها دول عربية؛ وتمولها دول إقليمية "
[٨.] " لا يختلف إثنان علىٰ أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من "حرب على الإرهاب" شكلت الفرصة السانحة لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي افتقدت منذ نهاية الحرب الباردة لخطر عدو ما. فـ كانت فرصة لخلق عدو وبعبع جديد متمثلاً بالإسلام الراديكالي، أو ما يعرف بـ”الخطر الأخضر” . ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) "”الخطر الأخضر” . مصطلح استخدمه "ليون هَدار" في مقال له في مجلة الشؤون الخارجية في ربيع العام 1993. "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[٨. ١.] " يكرس العديد من المعلقين الغربيين مقولة إن الإسلام والغرب يسيران علىٰ طريق الصدام، حيث يحمل الإسلام تهديدا ثلاثيا: سياسيا؛ وحضاريا، وسكانيا، ومن أبرز الكتابات في هذا الصدد "جذور الهياج المسلم" لـ برنارد لويس، و"صدام الحضارات" لـ صمويل هنتنجتون، حيث قدم الأول صورة صادمة للإسلام والمسلمين باعتبارهم أصولين مقاتلين، يعشقون الحرب، في حين يرىٰ الثاني أن الخطر الإسلامي "الأخضر" هو العدو البديل للخطر الشيوعي "الأحمر"، ويصف الإسلام بأنه يعادي الغرب إيديولوجيا، فالأفكار الغربية عن الفردية، والتحرر والدستورية وحقوق الإنسان والمساواة والحرية وحكم القانون والديمقراطية والسوق الحرة، والفصل بين الكنيسة والدولة غالبا ما يكون لها صدي ضئيل في الثقافة الإسلامية. ومن ناحية أخرىٰ، حينما يحاول المسلمون مواءمة المفاهيم: ويمكن للإسلام أن يكون تحديا أو تهديدا لإعجاب المجتمعات الغربية بنفسها روحيا واجتماعيا وسياسيا، فهو في بعض إشكاله تساؤل مباشر عن التقاليد، التي يعتنقها الغرب مثل العلمانية، والاستهلاكية والفردية المطلقة.".
[٨. ٢.] :" يصر العديد من النقاد الليبراليين وخبراء السياسة الدولية، من أمثال توم فريدمان؛ أحد أبرز كتاب الأعمدة الصحفية في صحيفة نيويورك تايمز، والمنتقد لكثير من جوانب أجندة المحافظين الجدد-الأمريكية-، أصرّوا على أن الولايات المتحدة بحاجة لإطلاق حملة ضخمة للمساعدة علىٰ تحديث/ دمقرطة / تحرير / علمنة الشرق الأوسط وبالتالي العالم الإسلامي برمته، ويفضل أن يتم ذلك من خلال الدبلوماسية والسياسات التعليمية، أو بالقوة العسكرية كآخر الحلول. " .
[۹.] " وثيقة أمريكية كَشفت عنها صَحفية فرنسية ونشرتها في شبكة المعلومات، مستفيدة من القانون الأمريكي (سرية نشر المعلومات والذي يَنص أنه يُمكن نشر الوثائق السرية بعد انقضاء 20 عاماً علىٰ كتابتها)؛ حيث وجدتها هذه الصحفيّة بمكتبة الكونجرس الأمريكي. وتم كتابة هذه الوثيقة في عهد الرئيس الأمريكي السابق كارتر وفي حضور لجنة الأربعين - لها أهمية كبيرة في صناعة القرار الأمريكي وتحديدًا الخارجي-. تنص هذه الوثيقة علىٰ أنه بعد القضاء تماماً علىٰ الخطر الأحمر (الشيوعية العالمية)؛ تم التأكيد علىٰ أن الخطر القادم وهو الأقوىٰ من نوعه هو الخطر الأخضر (التيارات الإسلامية) حيث تم تقسيمها بالأقسام الآتية طبقاً للوثيقة :
[۹. ١.] " القسم الأول:
وهو الإسلام الإرهابي (ويطلق عليه خطأ: الجهادي)؛ وهو طبقاً للكود الأمريكي أخطر الأقسام علىٰ الإطلاق، وهو في المفهوم الأمريكي يعني أي فكر إسلامي يُحاول الاشتباك مع الواقع السياسي بقواعده الإسلامية الأصيلة وليس بقواعد أمريكا السياسية سواء حاول فرض نفسه بالقوة، أو حتىٰ بأساليب العصر وما يُسمىٰ بالديمقراطية؛ وهذا القسم يجب استئصاله من جُذوره وعدم التعاطي معه، واستخدام سياسة العزل والإقصاء وطرق أُخرىٰ غاية في الخُبثِ والدهاء. في كلِ الأحوال عدم السَّماح له بالاشتباك مع الواقع، والتشويه المستمر.
[۹. ٢.] " القسم الثاني:
وهو الإسلام الوسطيّ (ويسميه الغرب بـ المعتدل)؛ وهو طبقاً للكودِ الأمريكي يَظلُ خطراً ولكن بدرجة أقل من القسم الأول؛ حيث تَكمُن خطورته بأنه يُعد مصدرٍ لتفريخ القسم الأول. ولكن يُمكن التعامل معه بحذرٍ شديد، ويُمكن استخدام سياسة العصا والجزرة مع هذا القسم (صِدامٌ مباشر تارةً، احتواءٌ تارة أُخرى)، ومن الممكن عَقد تبادل المصالحِ المرحلية السياسية مع هذا القسم.
[۹. ٣.] " القسم الثالث:
وهو الإسلام الصديق (الإسلام الليبرالي: وهو مايتردد علىٰ الألسنة؛ خاصة من رجال الدين الإسلامي في الغرب؛ وبعضهم في الشرق)؛ وهذا القسم طبقاً للكودِ الأمريكي لمواصفات التيارات الإسلامية ليس منه أي خطورة بل هو الامتداد الطبيعي للنظام العالمي الجديد؛ ما دامَ الناس لن تَتخلىٰ عن معتقداتهم وهو الرهان الأمريكي في ثورات الربيع العربي كبديلٍ للأنظمة الديكتاتورية والتي باتت لا تُلبي مُتطلبات هذا النظام الجديد. ويجب دعم هذا القسم دعماً كبيراً ودَفعه لتولي مراكز القيادة في البلدان الإسلامية ولا سيما مصر؛ وفي المراكز البحثية والأكاديمية في الغرب. وبتطبيق الكود الأمريكي للمواصفات القياسية للتيارات الإسلامية طبقاً للوثيقة سَالفة الذكر؛ علىٰ ثورات الربيع العربي وتحديداً ثورة 25 يناير، وكذلك تفسيراً لعدم اكتراث أمريكا إلىٰ فزَّاعة الأنظمة الديكتاتورية البائدة (الإسلاميين) نستنتج الآتي:
[١.] " أن أمريكا اطمأنت إلىٰ نسبة الخطورة المُحتملة من التيارات الإسلامية. لأن جماعة الإخوان المسلمين (بذراعها السياسي: حزب الحرية والعدالة)؛ لها خبرة عريضة مع التعاطي السياسي: بالتوافق مع الملكية المصرية حيناً، أو التصادم معه نظام الحكم الثوري في عهد ناصر حيناً آخر؛ أو إعادة التوافق في عهد السادات أو التواطؤ مع نظام الحكم في عهد مبارك أحياناً؛ وعلىٰ ضوء تجاربها العديدة سواءً مع أمريكا أو مع النظام العالمي وهي في الأساس مُصنّفٌ طبقاً للكود الأمريكي في القسم الثاني.
[٢.] " وأنه تم ترقية تيار الدعوة السلفية والتي تمثل التيار السلفي (القوة الكامنة) في المشهد السياسي في المرحلة الانتقالية من القسم الأول المحظور إلىٰ القسم الثاني طبقاً للكود سابق الذكر.
والسؤال الهام هنا: هل مازال هناك تيارات إسلامية يُمكن إدراجها في القسم الأول للتصنيف الأمريكي؟
وإذا كانت موجودة ما مَدى قوتها وتأثيرها؟
وهل هناك ضمانات كافية للسيطرة علىٰ هذه التيارات في حال وجودها؟ وما هي هذه الضمانات؟
[۹. ٤.] " استراتيجية أمريكا الأمْنية الجديدة للجنرال بيترايوس للتعاطي مع زخم الإسلام السياسي واستبدال طرق المواجهة.
قامت الحكومة الأمريكية بعدة تغييرات علىٰ صعيد الوزارات الأمنية، وهذا يُستدل منه عزم الإدارة الأمريكية باعتماد استراتيجيات بيترايوس التي شكلها من واقع خبرته في مواجهة التيارات الإسلامية المختلفة، ووضعها كعنوان رئيسي للولايات المتحدة في التعامل مع التيارات الإسلامية فيما بعد ثورات الربيع العربي التي ستفرزُ بلا شك ظهور إسلام سياسي كبديلٍ للأنظمة السابقة .
بدايةً: إن هذه التغييرات تتمحور حول الاستراتيجية الجديدة في مكافحة التمرد (Counter Insurgency) أو (COIN) اختصاراً، وهي الاستراتيجية التي وضعها الأمريكان لمقاومة المد الإسلامي في العالم بدلاً من المواجهات العسكرية المباشرة وضرورة الخروج من عَقلية القوة المفرطة والحرب التقليدية التي كانوا يحلّون بها جميع المشاكل التي يواجهونها إلىٰ عقلية جديدة تضع استراتيجية متعددة المحاور والجوانب، وتطبيقاتها هي ما يُسمى حرب العقول والقلوب.
[۹. ٤. ١.] " تضمنت هذه الاستراتيجية اعتراف الأمريكان عدم قدرتهم علىٰ هزيمة التيار الإسلامي الحقيقي هزيمة نهائية وأن هذه الحرب تحتاج إلىٰ أجيالٍ وأنها قد تستمر خمسين سنة أخرىٰ.
[۹. ٤. ٢.] " لضمان نجاح ما سَبق يجب أولاً انتزاع زِمام المُبادرة من أتباع المشروع الإسلامي وإشغالهم بأنفسهم، وتحويلهم من موضع الهجوم إلىٰ موضع الدفاع وهي ما اصطلحوا عليه بـ "تغيير اتجاه المد" (turning the tide). أي أن زمام المبادرة تنتزع من الإسلاميين وتدفعهم إلىٰ حالة الدفاع المستمر؛ لتحقيق نجاح هذه الاستراتيجية يجب العمل علىٰ مُختلف الجوانب والصعد الإعلامية والمعلوماتية.
[۹. ٤.٣.] " بدء الأمريكان بتطبيق هذه الاستراتيجية في العراق منذ نهاية عام 2005م، ولكن مَعالمها النهائية لم تتوضح إلاّ في منتصف سنة 2007م، حيث أنهم استغرقوا أكثر من سنتين في الإعداد والترتيب والعمل الدؤوب الذي أثمر في النهاية العديد من النجاحات لهذه الاستراتيجية الأمريكية. فقد قام الأمريكان بتنفيذ العديد من الخطط الخبيثة علىٰ مُختلف الصُعد والتي تبدو في الوهلة الأولىٰ خططاً منفصلة، ولكن تبيّن أنها جميعها مدروسة وموضوعة بحيث تخدم هّذه الاستراتيجية الواحدة.
ولعلي ألخص تفاصيلها في النقاط الآتية:
أولاً:
أدرك الأمريكان أن قوة المشروع الإسلامي الرئيسية تكمُن في الدعم الشعبي الهائل له، واصطفاف الناس الكبير خلفه، ولذا تَوجب عليهم معالجة هذا الأمر وسحب الدعم الشعبي منه وشنُّوا حرباً ضروساً لتحقيق هذا الأمر واصطلحوا علىٰ تسميتها بحرب القلوب والعقول، ولعلَّ أبرز معالم هذه الحرب تتلخص في الآتي:
- شن الأمريكان حرباً إعلامية قذرة هدفت لتشوية صورة التيار الإسلامي وحذف صورة الطهورية والنقاء من عقول الناس؛ والتي تركزت في عقولهم بعد أن شاهدوها بأم أعينهم. ولتحقيق ذلك جنّدوا عشرات الفضائيات وآلاف الإعلاميين ( cbc < on tv Dream <والنهار ... الخ) وبدئوا ببث الإشاعات وخلق الأكاذيب، وبدأنا نسمع عن حُرمة وضع الخيار والطماطم مع بعضها، وأن علىٰ الرعاة أن يلبسوا الأغنام ملابس لتغطية عوراتها، وعن قطع أصابع المدخنين، وقتل الناس بعد اختطافهم من أجل الفدية وغيرها من الأباطيل التي كرروها ليلَ نهار، لعل التكرار يُضفي الصدقية علىٰ تلك الأكاذيب. وقد ساعدهم في هذا شدة أعداء الإسلام من اليساريين والليبراليين وبعض أصحاب الأديان الأُخرى وحتىٰ أصحاب المناهج الهدامة والسذاجة من أبناء التيار نفسه، والإعلام الموالي للغرب ولأمريكا في بلادنا.
كل ما سَبق؛ لم يُحدث الأثر المطلوب، ولم يتخل الناس ولم يَبتعد الناس عن فكرة المشروع الإسلامي، وكانت القشة التي قَصمَت ظهر البعير وجعلت الناس يُصابون ببعض من الإحباط هو الاختلاف الشديد داخل التيار نفسه، فهذا الاختلاف، الذي من المُؤكد أنه مخططٌ له، وأنه بَين بعض أتباع التيار السلفي من جِهة والقاعدة السلفية العريضة من جهة أُخرىٰ؛ حيث أن هذا الاختلاف هو الذي ترتكز عليه الإدارة الأمريكية في هذا المخطط الجديد وهو أيضاً الذى دفع الناس للتخلي عن المُنادِين بتطبيق الشريعة الإسلامية والمُدافعين عنها بأنفسهم في مناطق كثيرة مثل العراق وافغانستان وأخيراً يتم تنفيذه في الصومال، وهو الذي تَوّج الجهود السابقة كلها للأمريكان وحقق نجاحات أكبر من المواجهة العسكرية العنيفة والتي لم ولن تجدي نفعاً مع أصحاب عقيدة المشروع الإسلامي والتي لخصتُها في النقاط السابقة.
ومما تقدم نستطيع ان نضع خلاصة هذه الدراسة للمشهد السياسي الحالي كالتالي وهذا علىٰ حسب الرؤية الأمريكية:
[١.] " أن حركة الإخوان المسلمين مازالت هي الأقوىٰ تنظيمياً -اللقاء الآخير الذي تم بين وزارة الخارجية الأمريكية مع وفد يضم قادة من جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تعد جماعة إرهابية (مصر وبعض الدول العربية). وقالت جين بساكي؛ المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، خلال مؤتمرها الصحافي التقليدي، الخميس 29 يناير الحالي ، إن الخارجية الأمريكية تعقد مئات اللقاءات مع الأطياف السياسية المختلفة من كل الدول، ولا تعلن عن كل تلك اللقاءات. وشددت على أن الوفد كان يضم أعضاء من حزبي "العدالة والحرية"، و"الوسط"، وبعض البرلمانيين السابقين، وأن الزيارة كانت ضمن برنامج تنظمه وتموله جامعة جورج تاون. وأكدت " بساكي " أن إعادة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى السلطة لم تكن ضمن النقاشات التي طرحت بين مسؤولي الخارجية والوفد المصري. وقال مسؤول أمريكي بالخارجية في تصريحات صحفية إن " مسؤولي وزارة الخارجية، منهم نائب مساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ومسؤولين آخرين، التقوا مع برلمانيين مصريين سابقين ومنهم أعضاء في حزب العدالة والحرية". وحول تصنيف الحكومة المصرية لتنظيم "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية، قال المسؤول الأمريكي: "الولايات المتحدة لا تصنف جماعة "الإخوان المسلمين" مجموعة إرهابية أجنبية". وكانت اللقاءات التي جرت، يوم الأربعاء الماضي 28 يناير، تمت في سرية ؛ حيث لم ينشر الجدول اليومي لمسؤولي الخارجية عن تنظيم تلك اللقاءات، لكن أعضاء من جماعة "الإخوان" نشروا صورهم من داخل الخارجية الأمريكية وهم يرفعون "شعار رابعة"، ونشر بعضهم تغريدات علىٰ "تويتر" تتحدث عن مفاوضات أجراها الوفد وصفوها بـ"المثمرة" مع الخارجية الأمريكية. وكان وفد يضم مها عزام، ومحمد حشمت، وصفوت نفعي، وعبد الموجود الدرديري، ووليد شرابي، قد بدأ زيارة للولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي، وقام بعقد عدة ندوات في واشنطن تحت رعاية "مركز دراسات الإسلام والديمقراطية (CSID ) "، ويمكن التعامل معها - حركة الإخوان- والمشاركة معها ولكن بحذرٍ شديد ويكون الأسلوب هو سياسة الاحتواء وليس الصدام طبقاً لمتطلبات المرحلة.
[٢.] " تم النجاح في استدراج تيار الدعوة السلفية (المتصدرة المشهد) سياسياً ممثلة للتيار السلفي العريض من القسم الأول إلى القسم الثاني (طبقاً للتصنيف الأمريكي ولذلك يمكن التعامل معه بنفس الطريقة السابقة ولكن بصورة غير مباشرة).
[٣.] " دعم الإسلام الليبرالي (والليبراليين الجُدد) دعماً مطلقاً، ومُحاولة عقد الصفقات بينَه وباقي الفصائل الأُخرىٰ والتي تُمثّل الأيدولوجيات المصنوعة أمريكياُ والمَدعومة بشدة من النظام العالمي الجديد.
[۹. ٦.] " إن حقيقة عدم وجود نموذج غربي وحيد وفريد يمكنه تمثيل الغربيين تساعد علىٰ إدراك عدم وجود نموذج وحيد للعالم العربي أو للمسلم. حقيقة يستعصي إدراكها من قبل المسلمين الراديكاليين المتطرفين الذين يبشرون بفكر القاعدة، وأقصى اليمين المسيحي الغربي المتطرف الذي يبشر بعقيدة محافظة جديدة. الرغم من دعاية واشنطن للفكرة القائلة بأن الفاشية الإسلامية تشكل تهديدا شاملا، فليس هناك أسس إيديولوجية عامة توحد البلدان العربية و الإسلامية بكافة أنوعها. وتتضمن هذه البلدان، المختلفة على نحو كبير، الحركات القومية العربية العلمانية كالبعثية والناصرية، اللتان جمعتا بين الإيديولوجيات الاشتراكية والفاشية المستوردتان من أوربا، فضلا عن المذهب الوهابي السعودي المتشدد، والمبادئ الثورية الذي تحرك الشيعة الحاكمين في إيران و أتباعهم في الشرق الأوسط. كما نجد جمهورية كمال أتاتورك التركية و تقاليدها العلمانية التي تواجه الآن تحديات من قبل الأحزاب الإسلامية الحداثوية الديمقراطية المؤيدة لحرية السوق والتي تريد لتركيا الالتحاق بركب الاتحاد الأوربي. كما تتضمن هذه البلدان مجتمعات رأسمالية متسامحة ومتعددة الثقافات كاندونيسيا وماليزيا، وجماعات إسلامية متطرفة في جنوب ووسط آسيا، كما نجد النموذج اللبناني المتغرِّب المتعدد الطوائف والأديان، وأخيرا نموذج معمر القذافي الغريب و المتشدد.
من هذا المنظار، نجد أن العالم الإسلامي، أو الشرق الأوسط هو عبارة عن فسيفساء من الدول والأمم، الجماعات العرقية و القبلية، مجموعة من الطوائف الدينية، و خليط غير متجانس من الإيديولوجيات السياسية والأنظمة الاقتصادية و التوجهات الثقافية. فقد التحق بعضهم بركب العصر الحديث، وهم يلعبون دورا فاعلا في الاقتصاد العالمي كماليزيا، واندونيسيا وتركيا والأمارات العربية المتحدة. بينما بقي الآخرون علىٰ هامش الثورات الاقتصادية والتكنولوجية كالسودان، وموريتانيا، وقطاع غزة، واليمن. بينما تجد معظم الدول الأخرى ذات الغالبية المسلمة نفسها في الوسط بين هاتين الفئتين مثل مصر والأردن والسعودية وليبيا.".
[۹.٧.] " مفكرو الأمة خاصة في الغرب ورجال الفهم الصحيح لدين الإسلام؛ ويعلمون كيف يخاطبون الغرب عليهم :" تصحيح النظرة الغربية التي ترى أن كل ما يخالف الغرب في رؤاه وأساليبه ونظامه القيمي والأخلاقي متخلف وخطير، ويطرح عددا من الأسئلة منها: هل ينبغي أن تكون الحضارة الغربية هي الحضارة المرجعية للعالم؟؛ وهل يجب أن تكون الأفكار السياسية التي أفرزها تاريخ طويل من الصراع بين الكنيسة والدولة في أوروبا الكاثوليكية، ثم صراع آخر مرير بين ملوك الحق الإلهي المقدس والقوىٰ البرجوازية ثم الشعبية، فرضاً واجباً علىٰ كل مجتمع يريد لنفسه نظاماً يدير به شئونه وينظم العلاقات بين القوىٰ السياسية الفاعلة فيه؟؛ وهل يصح أن تكون المصالح الغربية، وهي أطماع خصما من حساب شعوب العالم العربي والإسلامي؟؛ وهل يكون انحياز الغرب ضد المسلمين ولصالح القوىٰ الأخرىٰ -خاصة إسرائيل- نوعا من القدر الذي يجب أن نرضي به؟ ".
٣١ من شهر يناير عام ٢٠١٥ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

[3] مصريان من اوروبا
سلسلة مقالات

سيتم إنتخاب مجلس نواب جديد؛ وهو الإستحقاق الآخير للسير على أول خطى بناء مؤسسة تشريعية قوية قادرة على الوفاء بمتطلباتهم التشريعية.
نكمل حديثنا عن مصريي الغرب: أمريكا؛ كندا؛ القارة الأوروبية؛ واستراليا.
اللافت للنظر أن القنصليات المصرية لم تعمل أو تتعاون مع المنتديات أو الإتحادات على رصد عدد المصريين الحقيقي؛ هذه واحدة، أما الثانية فالكثير يحمل جنسية البلد التي يسكنها؛ وحدد قانون مباشرة الحقوق السياسية عددا من الشروط التى يجب توافرها فيمن يترشح لعضوية مجلس النواب، منها أن يكون مصرياً متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة؛ والثالثة: الجيل الأول في الغرب لديه حنين؛ لكن أبناء المصريين من الجيل الثاني والثالث؛ والرابع على الأبواب قد يكون مغلق باب الترشح أمامهم لورود هذه المادة؛ يلاحظ: تحركات خجولة على الساحة السياسية فـ في أول برلمان يمثل المصريين بالخارج..نسمع همس سياسيين :'' مخاطرة وسقطة كبرى''، فقد تباينت آراء السياسيين حول جدوى تخصيص 8 مقاعد لتمثيل المصريين بالخارج في مرة هي الأولى في تاريخ البرلمان المصري، حيث لا يوجد إحصاء رسمي دقيق وشامل لعدد المصريين في الخارج. حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى وجود ما بين 8 إلى 11 ملايين مصري مقيمين في الخارج، أغلبهم في البلدان العربية.
بالعودة إلى قانون مجلس النواب، الذي لأول مرة في تاريخ البرلمان المصري خصص 8 مقاعد لتمثيل المصريين بالخارج نجد أن اشترط على من يرغب بالترشح للانتخابات البرلمانية من المصريين بالخارج؛ أن يكون عمل لمدة لا تقل عن 10 سنوات بالخارج، بالإضافة إلى إقامته هناك، لكن هناك عراقيل أمام حضورهم الجلسات، وهم 8 مقاعد وتخلفهم عن الحضور قد يؤثر على نتيجة التصويت على قرارات المجلس.
ألغاز وحلول
ويرى د. عادل عامر، خبير بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية، أن مسألة تمثيل المصريين بالخارج في البرلمان تشكل ''لغزا'' حول تواجدهم وتمثيلهم للمرة الأولى في تاريخ البرلمان المصري، لعل أبرزها عقبة ''ازدواج الجنسية'' التي تمنع ترشح أي شخص لمجلس النواب، كذلك تنظيم حضورهم، فضلا عن كيفية تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات البرلمانية وآلية انتخابهم لمن يمثلهم؟''.
ومن العراقيل التي تواجه ترشح المصريين بالخارج للبرلمان إلى قانون مجلس النواب الصادر في يونيو الماضي، أي طريقة التمثيل بحسب منطقة تواجدهم في الخارج، بأن تكون هناك دائرة للمصريين في أوروبا وأخرى للمصريين في أمريكا وآسيا ودول الخليج وأستراليا، ليجد المصريون المتواجدون في كل منطقة من هذه المناطق من يمثلهم داخل البرلمان. فـ الطريقة التي نص عليها قانون انتخابات مجلس النواب لا تؤدى إلى تمثيل المصريين بالخارج بشكل صحيح وملموس، ولا تؤدى إلى وجود ممثلين لهم يعبرون عن مشاكلهم الخاصة بهم الاجتماعية والإنسانية، خاصة المقيمين بدول الخليج الذين يعانون من مشكلة ''الكفيل'' وما يتعرضون له من عقوبات وعراقيل بسببها، لان النهج المتبع في تمثيلهم إذا طبق وفقا لقانون ''النواب'' لن يكون معبرا عنهم عمليا.
فينبغي تعديل قانون مجلس النواب لينص -اقتراح- على أن يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيين 5 من المصريين بالخارج في مجلس النواب لمدة سنة، ويتم تغيير الخمسة المعينين كل سنة واختيار 5 غيرهم من المصريين بالخارج، وذلك يكون على مدار الخمس سنوات مدة عمل البرلمان تم تعيين 25 ممثلا للمصريين بالخارج، وبالتالي يتم التغلب على عقبة حضورهم جلسات البرلمان بانتظام، بحيث ينتظم المعينون في الحضور لمدة سنة فقط، أفضل من تعطيل عملهم بالخارج لمدة 5 سنوات''.
تحايل انتخابي
أكد د. عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن تخصيص 8 مقاعد تمثل المصريين بالخارج اجراء معيب ونوع من التحايل الانتخابي لكسب نسبة أصوات عالية لإرضاء أقليات لا تصلح في استحقاق البرلمان هو الأهم في تاريخ مصر. وأشار هاشم إلى غموض كيفية تمثيل المصريين بالخارج في البرلمان ومدى مشاركة أعضائها في جلسات البرلمان، مؤكدا أن الأعضاء في الغالب سيكونوا غائبين بشكل شبه دائم إلا إذا كان للسلطة حسابات أخرى. وكثيرا من رجال الأعمال يحوزون على صفة مصري بالخارج رغم كونه يعيش في مصر فترات بعيدة، فبالتالي تلعب المصالح والسياسة دورا لن يكون في صالح الشعب في النهاية.
ولجنة الخمسين عمدت على تخصيص الكوتة والتي من بينها 8 مقاعد للمصريين بالخارج لزيادة عدد المصوتين في الانتخابات وهذا أضر بالنظام الانتخابي في مصر وسيؤثر بالسلب مستقبلا.
''سقطة كبرى''
فيما اعتبر د. رفعت السعيد، أن تخصيص مقاعد للمصريين بالخارج ''سقطة كبرى من سقطات لجنة الخمسين'' أثناء اعدادها للدستور المعدل في 2013 رغم المجهود التي بذلته لإفراز دستور يمثل جميع المصريين بمختلف طوائفهم. وأكد السعيد أن تمثيل المصريين بالخارج في البرلمان المقبل بالغ التعقيد، واختيار نواب من بينهم مسألة بحاجة لدراسة متأنية، مشيرا إلى أن مشاركة المصريين بالخارج في الاستحقاقات الانتخابية أصبحت موروثا بعد تجربة الدستور وانتخابات رئاسة الجمهورية. وأشار السعيد، أن شرط الترشح في حالة المصريين بالخارج الحصول على إقامة عشر سنوات كاملة في الخارج على الأقل ولا يحمل جنسية أخرى إلى جانب الجنسية المصرية، أظهر صعوبة كبيرة في وجود مرشحين ذات قيمة عملية أو سياسية تدعم البرلمان وهم المنتشرون في دول الأميركتين واستراليا وأوروبا، خاصة وأن هذه الدول لا يحصل الشخص فيها على الإقامة لـ10 سنوات إلا أن يحصل على جنسية الدولة الأجنبية، وهو ما يعارضه الشرط الثاني في الترشح. ولفت السعيد، أن الشروط التي حددها القانون لترشح المصري بالخارج، متوفرة في مغتربي دول الخليج (السعودية؛ الإمارات؛ الكويت؛ قطر؛ البحرين) وهي التي تتعامل بنظام الكفيل الذي يتيح التواجد بها لأكثر من 10 سنوات دون منح الجنسية للمصريين بها، وبالتالي يصبح التمثيل مقتصرا من الناحية النظرية على دول الخليج. وتابع بأن التمثيل الانتخابي للمصريين بالخارج بهذا الشكل يصبح بنسبة 2 على عشرة من عدد المصريين بالخارج وغالبيته من دول الخليج وثقافتهم وعقليتهم تختلف بشكل كبير عن الفكر الديمقراطي والتقدم العلمي الذي يمثله المصريين في أوروبا وأمريكا. وبالتالي نجد أن تمثيل المصريين بالخارج في البرلمان وتخصيص مقاعد لهم سقطة خلفتها لجنة الخمسين.
غموض
فيما أبدى د. شادي الغزالي حرب، عضو المكتب التنفيذي لتيار الشراكة الوطنية، ترحيبه بمساعي الحكومة في تمثيل المصريين بالخارج، مطالبا بإزالة الغموض حول شروط وكيفية تمثيل جميع المصريين بالخارج في 8 مقاعد. وأكد أن لجنة اعداد القانون كانت في حيرة من أمرها، وألزمها الدستور في تخصيص 8 مقاعد للمصريين بالخارج لكنها دون ملامح واضحة لكيفية تمثيل المصريين بالخارج. مشيرا إلى أن قانون تقسيم الدوائر تسبب في مشاكل ولن يفلت من عدم الدستورية إذا تم إقراره بهذا الشكل. وحذر الغزالي حرب، من تعرض البرلمان المقبل لعدم الدستورية والحل وهو أمر ينذر بالخطر على الجميع وعلى مستقبل مصر، مشددا على ضرورة إعادة صياغة القانون من جديد بتأن.
هذا والقوى السياسية تتلقى طلبات "المصريين بالخارج" الراغبين فى الترشح للانتخابات البرلمانية.فـ "المصريين الأحرار": تقول جارٍ دراسة طلبات الترشح. و"الجبهة المصرية": أعلنت : الأولوية لاختيار مرشحينا على المقاعد الفردية.
من جانب آخر : دخلت الأحزاب والقوى السياسية فى مصر فى صراع كبير لضم عدد من المصريين فى الخارج للترشح للانتخابات البرلمانية، وتتواصل حاليا مع عدد كبير من اتحادات وجاليات مصرية بدول أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية ودول آسيا من أجل الاستقرار على أسماء بعينها للترشح للبرلمان، ومن أهم الأحزاب التى لها تواصل مع المصريين فى الخارج هى أحزاب التيار المدنى، فيما يعرض حزب النور السلفى ممثل تيار الإسلام السياسى عن ترشيح مصريين فى الخارج، ولم يعلن حتى الآن عن أى ترشيحات أو اتصالات مع ممثليهم فى الخارج.
قال د. محمد الجمل، رئيس الاتحاد الدولى لأبناء مصر بالخارج، المتواجد حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية، "إن الاتحاد يتابع بشكل مستمر الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق، ويتواصل مع بعض الأحزاب ورموزها ليتعرف على آرائهم وتوجهاتهم وخططهم المستقبلية. وأشار إلى أن " الاتحاد فى المرحلة المقبلة قام بعمل مقارنة وسيدرس استطلاعات الرأى وبناء التحاليل الدقيقة والموضوعية، ثم قدمناها للأحزاب السياسية، وعندئذ سنقف بجانب من نرى فيهم الوطنية والإخلاص والمقدرة على العمل البناء من أجل مصر والمصريين ". وقال " الاتحاد لديه تحفظات كثيرة ونعترض على عدم استطاعة المصريين فى الخارج ذى الجنسيات المزدوجة أن يترشحوا للبرلمان لأنهم وبحق يحبون مصر ويريدون إثراء الحياة النيابية فى بلدهم الأم بناء على خبراتهم وقدراتهم فى البلاد التى يعيشون فيها الآن، وهم أيضا ليس أقل ولاء ولا انتماء لمصر عن إخوانهم وأخواتهم فى داخل مصر ومعظمهم اضطر إلى مغادرة مصر لظروف مختلفة وأغلبها اقتصادية وعلمية، وإذا كان القانون يسمح لهم بالانتخاب فيجب أيضا أن يسمح لهم بالترشح، وفى هذا الوقت الذى تمر فيه مصرنا، فإن مصلحة مصر وحرصنا على المضى قدما لإكمال خارطة الطريق فإننا نعلى المصلحة العليا للبلاد ونأمل ونصر على تغيير قانون الانتخابات فى البرلمان القادم بحيث يسمح القانون بالترشيح والانتخاب للمصريين بالخارج مع بعض الضوابط التى تضمن الديموقراطية والمصلحة الوطنية". وأضاف أن الاتحاد له تحفظات على تقسيم الدوائر حيث يطالب الاتحاد بأن تكون هناك دائرة أو دوائر للمصريين فى الخارج وأن ينتخبوا من بعضهم البعض وهذا لأن معرفة المصريين فى الدوائر الداخلية بالمصرى فى الخارج تكون قليلة والعكس صحيح وهذا غير مرغوب فيه للمصرى فى الداخل أو المصرى فى الخارج لأن إعطاء الصوت للمجهول يضر بالعملية الديمقراطية.
د. محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، يقول " إن قانون الانتخابات وضع عراقيل أمام ترشح المصريين بالخارج خاصة وأنه منع ترشح مزدوجى الجنسية ومن الطبيعى أن معظم المصريين الذين يعيشون خارج البلاد لديهم جنسيات أخرى لذلك فإن هذه القضية معقدة للغاية. أضاف رئيس الحزب المصرى الديمقراطى أن الحزب استقر رسميا على ترشيح اثنين من المصريين فى الخارج، ولكن لن يتم الإعلان عنهما فى الوقت الحالى، ولفت أبو الغار إلى أن الأحزاب فى مصر بالفعل لديها مشكلة حقيقية فى مسألة ترشيح المصريين بالخارج وجزء كبير منها يرجع إلى قانون الانتخابات إلا أن الحزب المصرى الديمقراطى تواصل رسميا مع عدد كبير من المصريين بالخارج من خلال مسئولة الحزب للمصريين فى الخارج الدكتورة نهلة بكرى. وأكد رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد مفاوضات كبيرة ومشاورات لترشيح عدد كبير من المصريين فى الخارج للانتخابات إذ أن القانون يحتم علينا ذلك. الاتحاد الدولى لأبناء مصر بالخارج: نرفض قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر لكننا سنعلى المصلحة الوطنية العليا.
فيما قال د. أحمد البرعى، وزير التضامن الاجتماعى الأسبق ومؤسس الكتلة الوطنية، إن أحزاب التيار الديمقراطى ستتقدم إلى اللجنة المحايدة التى شكلها د. عبدالجليل مصطفى بـ12 مرشحا على مقاعد المصريين بالخارج، مشيرا إلى أن التيار استقبل عددا كبيرا من طلبات الترشح من جانب المصريين بالخارج وجار فحصها. وأضاف البرعى :" أن من أبرز الأسماء صبرى الباجة رئيس اتحاد المصريين بأمريكا، أما شهاب وجيه، المتحدث الرسمى لحزب المصريين الأحرار، فأكد أن الحزب سيعتمد على قائمة د. كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء السابق، لضم مصريين فى الخارج على القائمة الانتخابية التى يسعى رئيس الوزراء الأسبق لتشكيلها لخوض الانتخابات البرلمانية.
وأكد المتحدث الرسمى لحزب المصريين الأحرار، أن الحزب يفتح اتصالات واسعة بينه وبين المصريين فى الخارج ولديه لجنة متعلقة بشئون المصريين فى الخارج على تواصل معهم باستمرار، لافتا إلى أن قانون الانتخابات البرلمانية اشترط وجود عدد معين ضمن الفئات الخاصة فى القائمة الانتخابية من بينهم المصريون فى الخارج وهو ما يتطلب وجودهم داخل أى قائمة انتخابية.
بدوره أكد شريف حمودة، الأمين العام لحزب المحافظين، أحد أحزاب تحالف الوفد المصرى، أن التحالف تواصل خلال الفترة الماضية مع عدد من المصريين فى الخارج، واختار عددا منهم لضمهم إلى القائمة الانتخابية للتحالف رسميا. وقال الأمين العام لحزب المحافظين " تواصلنا خلال الفترة الماضية مع المصريين فى الخارج، واخترنا عدد من الأسماء ضمن قوائمنا الانتخابية، ولكن لسنا فى مجال للإعلان عنهم الآن، موضحا أن قانون الانتخابات يلزم أى قائمة انتخابية بوجود مرشحين للمصريين فى الخارج داخلها".
ومازالت التغطية مستمرة!

سلسلة مقالات : خاص آستروعرب نيوز
[٢] „ مصر ‟ ــــيان « من أوروبا»

[١.] „ الديموقراطية ‟: هي «حكم الشعب بـ الشعب»، فـ هي كلمة يونانية الأصل بـ معنىٰ «حكومة الشعب»، أو سلطة الشعب، فـ الشعب بـ المفهوم الديمقراطي يحكم نفسه بـ نفسه، وهو مصدر السلطات في الدولة، فـ هو الذي يختار الحكومة، وشكل الحكم، والنظم السائدة في الدولة؛ السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية؛ بـ معنىٰ أن الشعب هو أساس الحكم، وأساس السلطات في الدولة، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة .
ولتعسر وتعذر تطبيق النظرية - حكم الشعب بـ الشعب؛ بـ معنىٰ أن يحكم 86.777 مليون مصريا الـ 86.777 مليون مصريا - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: يوليه 2014- ؛ وتعذرها عملياً ينتخب الشعب نوابه؛ وبقية أجهزة الدولة - الرئاسة؛ البرلمان؛ ثم الحكومة - ليقوموا نيابة عنه بـ الحكم.
[١. ٢.] مع تعدد نُظم الحكم في العالم؛ إلا أن هذا النظام هو الذي ترغب في إيجاده الدول الكبرىٰ المهيمنة علىٰ مقدرات الشعوب؛ والمسيطرة علىٰ مصائر الأمم، بتوفير مناخ عام ديموقراطي صالح لتقوم أحزاب متعارضة بممارسة الحكم والتناوب على السلطة بشكل حضاري.
[١. ٣.] إشكالية بعض مناطق العالم – الشعوب الإسلامية – مع الساسة وأصحاب النفوذ في الغرب :
أن قلة من أصحاب الرأي في المجتمع "الإسلامي"(!!!)؛ ورجال بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه والمرجعية الدينية الإسلامية والجماعات الدعوية لا ترىٰ ضرورة الأخذ بـ هذا النظام الديموقراطي؛ فـ هي تقول بـ وجود نظام آخر يصلح للــ تطبيق في الحياة؛ فــ ينظم الدولة؛ ويسير المجتمع، وهذا النظام مستمد من القرآن الكريم وسنة نبي الإسلام محمد بن عبدالله عليه السلام.
ومَن يخشىٰ المواجهة أو المصادمة نحتَ مصطلحاً مشوهاً فـ سماه :"شوراقراطية"؛ فــ صاحبه مازج - لـ وجود ضغوط سياسية وأمنية؛ وتحقيق مصالح أنية - بين ديموقراطية غربية حديثة؛ وبين نظام الشورىٰ الإسلامي، والخلطة الجديدة - في نظر الكاتب – لا تصلح لـ إختلاف المشارب وتباعد المبادئ. ولـ دغدغة مشاعر العامة تصدر شعار :"الإسلام هو الحل" الدعاية الإنتخابية؛ والحملات الإعلامية لبــعض الجماعات الإسلامية؛ دون وجود طرح جدي صالح للتطبيق في :"دولة فساد" كــ مصر "مبارك"، ولضغوط خارجية نشأت أحزاب سياسية كـ أذرع للجماعة الدعوية الأم؛ فهو -الحزب : خروج قيصري للتواجد علىٰ الساحة السياسية والتواجد بين الوسط السياسي المتحجر - فـ ولد ذراع سياسي يرضىٰ بـ المفهوم الديموقراطي كـ نظام حكم في الدولة؛ مع أن الجماعة الإسلامية الأم ترفض الديموقراطية شكلاً وموضوعاً؛ من حيث النظرية والتطبيق، فــ وجدت الإزدواجية المبدئية؛ بـ معنىٰ : "اعتقاد قلبي بـ مبدأ بـ عينه " (الإسلام)؛ أما حين "الممارسة علىٰ أرض الواقع يُفعل مبدأ آخر" (الديموقراطية) مغاير في الأفكار؛ ومعارض لـ مجموعة القيم؛ ومخالف لـ كتلة المفاهيم؛ ويتمايز بـ حزمة القناعات لـ مبدأ الإسلام كـ طراز خاص من العيش وطريقة معينة في الحياة. ومن هنا جاء التخبط في الأقوال؛ والتعطيل في تنفيذ استراتيجيات بُنيت على عدة إيديولوجيات فـ توقف العمل الحزبي لـ إستخدامه عرج فكري في النظرية لحظة الخلط ، وإعوجاج في تطبيق المبدأين -الإسلامي الشرقي والديموقراطي الغربي- معاً لحظة التنفيذ لتعذر الجمع بينهما. بمقارنة يوجد في ألمانيا :" الحزب المسيحي الديمقراطي CDU،« Christlich Demokratische Union Deutschlands »، الإيديولوجيا: ديمقراطي؛ مسيحي؛ قومي؛ يميني؛ محافظ، ترأسه المستشارة الألمانية ميركل
« Die Union bezeichnet sich als christlich-soziale, liberale sowie wertkonservative Volkspartei »
ويعد التجمع الشعبي الأقوى في ألمانيا ويشكل كتلة مع شقيقه الاتحاد الاجتماعي المسيحي CSU في بافاريا
»Religiöse Wurzeln : Die christliche Prägung der CDU ist in ihrer Gründungsgeschichte verwurzelt. 1945 traten Katholiken der Deutschen Zentrumspartei und evangelische Christen in einer konfessionsübergreifenden politische Bewegung zusammen, aus der die CDU hervorging. Im Gegensatz zur katholisch geprägten Deutschen Zentrumspartei ist die CDU für jeden „offen, der Würde, Freiheit und Gleichheit aller Menschen anerkennt“. „Nach christlichem Verständnis sind Mensch, Natur und Umwelt Schöpfung Gottes“, heißt es im Grundsatzprogramm der CDU. Gott hat demnach den Menschen nach seinem Bilde geschaffen, woraus sich die Würde des Menschen als schützenswertes Gut herleitet. Der Mensch wird zugleich als Teil der kosmischen Schöpfung angesehen, über die er daher nicht frei verfügen darf, sondern die ihm von Gott zur Bewahrung anvertraut wurde. Die CDU setzt sich für eine Verankerung des Gottesbezuges in der Charta der Europäischen Union, für die Bewahrung christlicher Symbole im öffentlichen Raum und die Erhaltung christlicher Feiertage ein.. «
Am 16.01.2015: „Der Islam gehört zu Deutschland.“ Diesen Satz – 2010 vom damaligen Bundespräsidenten Christian Wulff zum 20. Jahrestag der Wiedervereinigung ausgesprochen – hat die Bundeskanzlerin Angela Merkel in der Reaktion auf die Anschläge in Paris in den vergangenen Tagen immer wieder gesagt. Im Interview mit der Frankfurter Allgemeinen Zeitung (FAZ) erklärt sie am Freitag, was dieser Satz für sie bedeutet: „Dass sehr viele Muslime hier in Deutschland leben, insgesamt rund vier Millionen Menschen, die entweder die deutsche Staatsangehörigkeit oder jedenfalls dauerhaft hier ihren Lebensmittelpunkt haben und in ihrer übergroßen Mehrheit rechtschaffene, verfassungstreue Bürger sind.“
الساسة المسلمون الراغبون في إيجاد الشريعة الإسلامية داخل كيان الدولة ينبغي أن يراجعوا السيرة المصطفوية بشكل دقيق من خلال المرحلتين المكية والمدنية؛ ثم إنزالها علىٰ أرض الواقع اليوم.
[١. ٤.] التجربة المصرية في الخلط بين المبدأين فشلت في غضون عام من البقاء في سدة الحكم؛ خسارة كبيرة حقاً إذ تحطمت أمال الكثير، وينبغي دراسة علمية أكاديمية لهذه الفترة الزمنية مع قصرها النسبي في حياة الشعوب، إذ مازالت الساحة مضطربة: على البر المصري «ردود أفعال المنهزم أمام الشعب»، والمحزن والمخزي: أن الوسيلة التي استخدمت للوصول إلىٰ الحكم هي نفس وسيلة السقوط المدوي فبما :"أن الشعب هو أساس الحكم، وأساس السلطات في الدولة، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة" ووفقاً لهذا المفهوم فالشعب كسر الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بعد وجود الجماعة علىٰ الساحة 87 عاماً. والتجربة التونسية لمعارضتها الخلطة المصرية؛ ومخالفتها للتركيبة الإخوانية نجحت في البقاء دون جراح للدولة أو تكسير لأعضاء جسم حزب النهضة.
[١. ٥.] الدعوة السلفية: بدأت في سبعينات القرن المنصرم: 1972بـ الإسكندرية؛ وبعد ثورة 25 يناير 2011 أنشأ حزب النور كـ ذراع سياسي للسلفية و "يهدف للدفاع عن تطبيق الشريعة الإسلامية" من خلال قنوات الدولة المدنية أو الديموقراطية؛ وهو ليس له خبرة في مجال العمل السياسي؛ ولا يملك وسطاً سياسياً وفق مبدأ الإسلام أو يُنَظر لفكر تجديدي من خلال منظور عصري لمعالجات ناجعة لمشاكل اليوم، وليس كما بحثها ابن تيمية أو تلميذه؛ أو قراءات في كتابات محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله. برز الحزب كـ ثاني أكبر القوى الحزبية في مصر بعد الفوز بنحو 22% من مقاعد مجلس الشعب 2011-2012، وهي أول انتخابات تشريعية يخوضها. ثم مر الحزب بأزمة حادة انتهت بـ انشقاق رئيس الحزب عماد عبدالغفور وعدد من القيادات في ديسمبر 2012 وأسسوا حزباً جديداً بـ اسم حزب الوطن؛ وقف حزب النور بـ جوار المشير السيسي مؤيداً لخارطة الطريق؛ ومن الطرافة الحزبية؛ وفي نفس الوقت سذاجة سلفية(!) قول د. يونس مخيون لـ د. الغزالي حرب الإسبوع الماضي :"سيب دأنك وأدخل معانا حزب النور"؛ في حضور رئيس الدولة المصرية المدنية عبدالفتاح السيسي، رداً علىٰ معارضة الغزالي حرب وجود أحزاب "سياسية" علىٰ أساس ديني يمنع وجودها الدستور الحالي.
[١. ٦.] هذا الواقع الجديد؛ وجود تيار إسلامي سياسي يعمل علىٰ الوصول إلىٰ الحكم؛ بغض النظر عن وعيه السياسي؛ وإغفال مدى استيعابه للسياسات العالمية للدول الفاعلة في المجتمع الدولي أو خطابة الدعوي أو الديني ودرجة فهمه الإسلامية وقدرته علىٰ معالجات عصرية لمشاكل العالم اليوم؛ والموضوعات والمسائل التي يشغلالرأي العام الداخلي بها ونحن علىٰ إعتاب عام 2015م ... أقول : هذا الواقع الجديد ألزم البراجماتية الغربية؛ الأمريكية ثم الأوروبية علىٰ قبول تيار سياسي جديد علىٰ الساحة التي تعمل فيها لخرابها... وهي المنطقة التي أطلق عليها خطئاً لتعيش في إسرائيل :"منطقة الشرق الأوسط"، وجعلها تبدء التفاوض والتعاون مع ما أطلق عليه الإسلام "المعتدل"، فـ قبلت بـ وجود الإخوان في الحكم ورحبت؛ وأخيراً وليس آخراً، الإتحاد الأوروربي أصدر تقريره (يناير 2015): مما جعل مصر تستهجن قرار البرلمان الأوروبي حول أوضاعها الداخلية.. والخارجية المصرية تدعو أعضاء البرلمان بـ توخي الدقة واستقاء المعلومات من مصادر موثوقة.. واحترام إرادة الشعب المصري فى الوقت الذي يحارب فيه الإرهاب، فقد :"أعربت وزارة الخارجية المصرية عن دهشتها واستهجانها إزاء القرار الصادر عن البرلمان الأوروبى ظهر يوم 15 يناير الحالي، بـ شأن الأوضاع الداخلية فى مصر، حيث تضمن القرار مجموعة من الادعاءات والمغالطات والاستنتاجات الخاطئة التي تعكس عدم إدراك أو دراية بـ طبيعة وحقيقة الأوضاع في مصر، وعدم الارتكان إلىٰ إرادة الشعب المصري بـ اعتباره المصدر الوحيد للسلطة(!!!) [أقول :"هذا من أبجديات الديموقراطية وأهم ركائزها؛ أو أن هناك الكيل بمكيالين والقياس بمقياسين مختلفين" ] والقاضي بما يُتخذ من إجراءات تحقيقًا لمصلحته، وإصرار علي تبنى منهج أحادي لا يخدم مصلحة دعم العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي، فضلًا عما يمثله مضمون القرار من انتهاك لأبسط مبادئ الديمقراطية والمتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات وتناول الأمور فى إطار غير موضوعي. [أقول :" هل يعقل أن يغيب عن الإتحاد الأوروبي وساساته هذا المبدأ(!!)؛ أم أنها اليقظة لما يجب أن يكون في بلاد الغرب، وأنها الغفلة لما ينبغي في بلاد العالم الثالث؛ اقصد العالم النامي".]
وقال بيان صادر عن الوزارة :" إنه لا شك أن ما تضمنه القرار المشار إليه من فقرات تتناول قضايا لا تراعي الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للمجتمع المصري، إنما تثير حفيظة وغضب الرأي العام المصري بسبب الإصرار علىٰ فرض إملاءات وقيم بعيدة كل البعد عن طبيعة المجتمع المصري، بما فى ذلك تناول أمور تتعلق بحقوق "المثليين" والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام والسماح بالإساءة للأديان تحت دعاوى حرية التعبير.
كما أعربت وزارة الخارجية عن دهشتها مما تضمنه القرار من ادعاءات تجافي الواقع كالحديث عن انتشار ظاهرة الاتجار فى البشر بـ سيناء، رغم أن شمال سيناء تعتبر منطقة أمنية [ " وليس منطقة عازلة؛ كما يروج لها في الصحف الغربية وبعض القنوات العربية والإقليمية " ] تشهد عمليات واسعة لقوات الجيش والشرطة لمحاربة التنظيمات الإرهابية والإجرامية هناك، والادعاء افتراضًا أن مشروع قانون المنظمات غير الحكومية الجديد سيفرض قيودًا شديدة علىٰ عمل هذه المنظمات رغم أن مجلس النواب الذى سيتم انتخابه هو المنوط به وضع وإقرار هذا القانون فى إطار الولاية التي يحظى بها من قبل تمثيله للناخب المصري.
وفى ضوء ما تضمنه القرار من أرقام وإحصاءات غير دقيقة، فإن وزارة الخارجية تدعو البرلمان الأوروبى وأعضاءه بتوخي الدقة واستقاء المعلومات من مصادر موثقة وليس من مصادر إعلامية مجهولة.
كما تشدد الوزارة علىٰ أنه فى الوقت الذي تخوض فيه مصر حربًا ضد الإرهاب دفاعًا عن العالم المتحضر وتسعىٰ خلاله لبناء دولة ديمقراطية عصرية بعد ثورتين شعبيتين، فإنه بدلا من توجيه البرلمان الأوروبى لرسائل خاطئة فى هذا التوقيت الهام، كان من الأولىٰ به أن يدعم هذه الجهود ويحترم إرادة الشعب المصري.
وكان البرلمان الأوروبى قد دعا فى قراره، إلىٰ "الإفراج عن 167 نائبًا انتخبوا فى 2011، يقعون حاليًا قيد الاعتقال"، متناسيًا انتماءهم إلىٰ جماعة إرهابية بحكم القانون، وما هو صادر بحقهم من أحكام قضائية فى جرائم إرهاب وعنف، إما بالمشاركة المباشرة أو التمويل أو التحريض."
ومن جانبه فقد قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر، السفير جيمس موران، إن «الاتحاد الأوروبي يقف بجوار مصر ويدعمها في تحقيق الأمن والرفاهية، رافضًا اعتبار القرار الذى مرره البرلمان الأوروبي بشأن مصر، هجوما ضدها»، موضحاً أن «القرار رحب بالدستور الجديد كونه يرسخ لعدد من الحريات والحقوق؛ لكنه أبدىٰ في نفس الوقت قلقا إزاء بعض الأوضاع« .
وقال موران، خلال مؤتمر صحفي لإعلان إطلاق برنامج البحوث التعاونية "Horizon 2020"، إنه «من المقرر أن يعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لقاء اليوم بشأن دول الجوار ومن بينها مصر وسيخرج بتوصيات، وستقوم بعدها الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والأمن، كاترين آشتون، بزيارة لمصر للتأكيد علىٰ نتائج هذا اللقاء« . وتابع موران: «الاتحاد الأوروبي يقف بجوار مصر ويدعمها بكل قوة، ولا تتخيلوا أنه يهاجم مصر، لكن الأصدقاء لا يتفقون دائما، وعملنا مع مصر يزداد عمقًا مع مرور الوقت« . وعن موقف الاتحاد الأوروبي من الإخوان المسلمين وما يجرىٰ في مصر، قال: «قلنا من قبل إنه في النهاية فالحل الذى ستجدونه بأنفسكم يجب أن يتضمن الجميع أيا كان المشاركون في الوصول إليه، فمصر تشهد حاليًا حالة من الاستقطاب، ونحن ندرك أن الأمر معقد لكن رسالتنا لكل الأطراف هي أهمية المشاركة في العملية الديمقراطية والسياسية وضرورة إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة« . وقال سفير الاتحاد الأوروبي، إنهم لا يدعمون طرفًا ضد الآخر في مصر، قائلا: «سنعمل مع من يريد العمل معنا»، مشيراً إلىٰ أن الاتحاد الأوروبي سيكون سعيدًا بأي مبادرة يتم الاتفاق عليها لإنهاء الاستقطاب المتواجد في مصر حاليا. وأوضح موران، أن «مصر بحاجة لحل أمنى مستدام، وهو ما يعنى أن يكون هناك موقف يكون فيه كل الأطراف ملتزمين بالمصالحة»، مشيرا إلىٰ أنه «إذا كان هناك استبعاد لأطراف بعينها، كالإخوان أو النشطاء أو الشباب، فلن يكون حلاً مجديًا«. و لفت إلىٰ أن التقرير الذى وضعه فريق الاتحاد الأوروبي، الذى زار مصر خلال فترة الاستفتاء علىٰ الدستور لا يزال في مرحلة المراجعة، مؤكدا أن «هذا التقرير ساعدهم في فهم النظام الانتخابي في مصر، وسيتم إعلان مؤشراته قريبا« .
ومن طرفها " أعلنت الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، فيديريكا موجيرينى، عزم الاتحاد إرسال بعثة خبراء إلىٰ مصر بهدف تقديم تقرير بشأن انتخابات مجلس النواب المقبلة، وليس بعثة كاملة لمراقبة الانتخابات، منتقدة سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان. وقالت موجيرينى لمشرعين من الاتحاد الأوروبى فى مدينة ستراسبورج الفرنسية، أمس الأول: «قررت عدم إرسال بعثة مراقبة كاملة هذه المرة، ولكن سننشر بعثة خبراء أصغر بهدف تقديم تقرير بشأن الانتخابات، بما فى ذلك البيئة السياسية والحملة الانتخابية«. و رحبت المسؤولة الأوروبية بالتقدم الذى تم إحرازه فيما يتعلق بإقرار الدستور الجديد وانتخاب رئيس جديد لمصر، غير أنها قالت «لاتزال هناك صعوبات وتحديات مثل الوضع الاقتصادى للبلاد، وانتقالها السياسى المستمر لا يسمح بأى تفاهم بشأن حقوق الإنسان»، بحسب قولها. وتابعت » مصر تحتاج إلى معالجة وضع حقوق الإنسان، بما فى ذلك نقص المساحة السياسية للرأى المعارض والمساحة المتقلصة لحريتى التجمع والتعبير، وهناك مصدر قلق عميق آخر يتمثل فى نقص المحاسبة»، مضيفة أن «الحملة المستمرة ليس فقط ضد الإخوان وأتباعهم، ولكن أيضا ضد المعارضين السياسيين والنشطاء الليبراليين»، وفق تعبيرها.
فى سياق متصل، قالت المتحدثة باسم موجيرينى، كاثرين راى « إن الاتحاد الأوروبى وافق علىٰ طلب السلطات المصرية بإرسال بعثة استكشافية من الخبراء المتخصصين فى مراقبة الانتخابات، وسيتم تحديد موعد وصول البعثة والعدد المشارك بها فى وقت لاحق«، مشيرة إلىٰ أن «تواجد البعثة يسمح للجانب الأوروبى بالانخراط بشكل بناء مع السلطات المصرية من أجل تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها، وذلك تماشيا مع توصيات صدرت فى وقت سابق لبعثة مراقبة الانتخابات السابقة». وأكدت المتحدثة أن الانتخابات البرلمانية فى مصر ستكون خطوة حاسمة فى ختام خارطة الطريق الدستورى، بعد تحقيق خطوتين مهمتين، فأصبح لمصر دستور جديد، ورئيس جديد، وسبق أن نشر الاتحاد الأوروبى بعثات لمراقبة كلتا العمليتين، مشيرة إلىٰ أن «بروكسل» أحيطت علما بمواعيد انتخابات مجلس النواب، وتلقت دعوة رسمية من القاهرة لإرسال بعثة من الخبراء المتخصصين فى مراقبة الانتخابات، والغرض منها تقييم الأمور عن كثب وتقديم تقرير عن مجمل العملية الانتخابية بما فى ذلك البيئة السياسية المحيطة، والحملة الانتخابية."
[١. ٧.] ونتساءل :" هل حقاً الإدارة الأمريكية؛ ومراكز البحوث ووكالات الإستخبارات؛ والبنتاجون، والإتحاد الأوروبي بـ برلمانه وكافة أجهزته .. لا يدركا - أمريكا والإتحاد الأوروبي - تماماً الوضع في المنطقة العربية؛ وخاصة مصر؛ أم أن الحسابات والمراهنات مازالت لم تغادر مكانها. والسياسات القديمة تجدد أثوابها بألسنة آخرى...فهذا سؤال لا يهمنا كثيراً البحث عن إجابة له وتكفل عناء الرد عليه، إذا وضحت الرؤية عند أحزاب مصر في العمل للصالح كيان الدولة.. والتواجد الحي المؤثر في واقع السياسية الداخلية والخارجبة .. فهذا متعلق بالخارج وإن كان ينبغي الإهتمام به وإحسان المخاطبة وتجميل الكلام معه.
أما في الداخل : فـ نتساءل مع وجود ما يزيد عن 90 حزباً :" أين الفواصل بين ما هو حزبي حين يتعامل مع الواقع؛ وما بين هو مبدئي؛ والحفاظ على الثوابت!
وأين تقع الحدود بين ما هو لصالح الكيان الحزبي؛ ووجوده، وبين ما هو لصالح كيان الدولة ؛ ووجودها ورفاهية أفراد شعبها!؟
يعتقد الكاتب أن مَن سيمثلنا - القارة الأوروبية – في البرلمان المصري القادم لديه من التجربة الديموقراطية علىٰ النمط الأوروبي -ألمانيا الإتحادية؛ جمهورية النمسا- القدر الكافي من ترسيخ مفاهيم صالحة للإنسان العربي، يمكنه ترجمتها من خلال مخاطبته أجهزة الدولة –عضو الإتحاد الأوروبي- أو مراجعة تصريحات الساسة في أجهزة الإتحاد، هذا أولاً؛ وثانياً من خلال مخاطبة المواطن الغربي وفق قنوات التعبير عن الرأي المقرؤة أو المسموعة، محصلة ذلك كله قدرته علىٰ التواجد بين نواب مصريين تحت قبة البرلمان من خلال الدورة الأولى؛ التواجد بشكل فاعل مؤثر مثمر. كما أنه يملك –من خلال المشاهدة أو الممارسة في مجال عمله- من معالجات في شتى مفاصل الدولة: الإجتماعية؛ الإقتصادية؛ التعليمية... وهذا يعود بالطبع إن أستطاع أن يفهم ويهضم الحياة البرلمانية الغربية وأن يتعايش معها؛ فكراً وممارسة وليس لديه فقط في غرفة معيشته جهاز إستقبال للقنوات الفضائية المصرية....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السبت : 26 ربيع أول ١٤٣٦~١٧ يناير ٢٠١٥
سلسلة مقالات [٣] „ مصر ‟ ـــيان « من أوروبا »..تتابع مع حضراتكم آستروعرب نيوز تهئية لــ تغطية إنتخاب

سلسلة مقالات : استروعرب نيوز [1]
Je suis Ahmed (*)

[١.] فارقٌ بين تقديم مادة للفكاهة؛ يترتب عليها ضحكات تغسل هموم الحياة وتزيل متاعب النهار؛ وتريح أعصاب مَن ليله طويل، مع قضاء وقت ممتعٍ بهيج؛ وبين تقديم مادة للإستهزاء والسخرية يترتب عليها كراهية وإزدراء مع أحتقار الآخر؛ والتقليل من شأنه، الولايات المتحدة الأمريكية؛ وجمهورية النمسا الإتحادية - على سبيل المثال لا الحصر - تحذر نشر أي مادة يترتب عليها استهزاء أو سخرية(**) أو أي مادة يترتب عليها ازدراء الآخر وكراهيته.
ــــــــــــــــــــــــــ
(*) يرمز إلىٰ كل مَن يؤدي واجبه في مجاله؛ فــ "أحمد" هو الفرنسي - المسلم – رجل الأمن الذي يسهر على حفظ أموال وأعراض الناس؛ فـ قُتل بـ أيدي الإرهاب الضال.
ونحن لا نفرق بين مَن يعمل في جهات أمنية لحفظ النظام؛ أو سيادية؛ أو جهات خدمية للسهر على رعاية شؤون الرعية بغض النظر عن لون وشكل ودين والأنتماء السياسي للمواطن؛ كما يرمز إلى الطبيب المداوي، والصانع في مصنعه أو شركته، والمهندس الذي يخطط؛ والعامل الذي يبني، والصحفي الذي ينقل لنا الخبر بحيادية ومهنية عالية، أو المزارع في حقله، وسائق السيارة العامة أو الخاصة، قائد الطائرة أو قبطان الباخرة، وعامل النظافة في الشوارع وفوق ارصفة تحت شدة وهج الشمس أو تحت وابل المطر، وأستاذ الجامعة أمام طلاب يريدون تلقي العلم على مدرجات وفي معامل الكلية النظرية أو العملية؛ سواء أكان هذا رجلا او امرأة. وليس المقصود البتة أننا نوافق أو نرضى بقتل مَن يخالفنا الرأي أو تصفيته معنوياً أو جسدياً عند مخالفته وجهة نظرنا. وأعجبُ لمن ليس له علاقة بـ الإرهاب أو الإرهابيين؛ ولا ينتمي لجماعة أو يندرج ليعمل تحت صفوف حزب ويبدء في وصلة ساذجة تشبة التراجيديا اليونانية في أنه يدين الإرهاب والإرهابيين وأنه مسلم مسالم؛ يحب الله ورسوله، ويكره القاعدة ويكره داعش... كأنه يشعر في قراره نفسه أنه مدان أو توجه إليه أصابع الإتهام؛ إنه تسطيح للمسألة. الواجب أن نقوم بإعداد إحصائيات دقيقة يرافقها وضع خطة عمل وبلورة إستراتيجية يتولاها رجالات علم؛ كل في تخصصه .. وهذا ما يريده ويقصده الكاتب.
(**) "السخرية" التي ظلت موضع اهتمام الأوربيين والأمريكيين وغيرهم منذ أمد طويل، معالجةً وممارسةً وتأليفاً، حتى بلغت كتبهم في ذلك المئات، وظلت أيضاً تعالج بحثاً في دوائر معارفهم تحت ألفاظ متعددة منها :comedy ؛laughter ؛srcasm ؛satire ،Irony ؛ Humour ؛ caticature .؛ .etc، وغيرها ، بينما لا نكاد نعثر على مؤلف عربي يضارع أو يقارب ما هو موجود لدى هؤلاء القوم. وهناك فارق بين:" الهجاء إذ هو طريقة مباشرة في الهجوم على العدو، وبين السخرية كـ طريقة غير مباشرة في الهجوم. ".
ـــــــــــــــ
[١. ١.] الحقيقة: أن وسائل الإعلام مجتمعةأو متفرقة تعمل على بلورة وجهة نظر في موضوع ما، أو وضوح رأي عند الحديث عن قضية ما عند المتابع للشأن الداخلي أو المراقب للشئون الخارجية/العالمية .. أقول وسيلة الإعلام تعمل ضد قضية بعينها، فتعترض عليها؛ وترفضها؛ بل تهاجمها لفظاً أو فعلاً – الصورة المرئية -، أو .. وسيلة الإعلام تعمل مع مسألة بعينها؛ فتقبلها وتدعو لها وتحسنها ... فيترتب على ما سبق حالة إقتناع – إما بالرفض أو القبول - ومِن ثمَّ يتم تبني رأي المصدر الإعلامي الذي يروق للمتابع الدوام على مراجعته وتحصيل المعلومة عن طريقه ..
[١. ٢.] الإنسان الضعيف؛ والشعب المقهور؛ والشخصية الهزيلة؛ وبعض المواقف والحالات: مواد تصلح للتندر والتهكم .. وبمرور الزمن – وبمجرد ذكرها أو التلميح عنها – تصبح مادة صالحة للإستهزاء بها، مع :" تكريس صورة نمطية عنها في أذهان شرائح كبيرة من المجتمع " ففي التراث العربي شخصية جحا؛ أو "قراقوش"، وفي المجتمع الفييناوي "صورة شخصية البورجلندي" أو عند التحدث باللغة الأم – الألمانية – يقول أنه يتحدث كـ :" فورالبرجي"
**
[٢.] تخليق العدو الضال ؛ أو مايسمى بــ (الإرهاب) ؛ يلازمه : " محنة الأقليات المسلمة "
[٢. ١.] :" بإنتهاء مرحلة الحرب الباردة بين أمريكا وبين الإتحاد السوفيتي ثُم سقوط الآخير المزري؛ فـ خلت الساحة العالمية من قطبي الصراع؛ وانفردت الدولة الأقوى -أو هكذا ظنت أو ادعى البعض – بالهيمنة والسيطرة على العالم؛ والدولة المبدئية تعمل على تقوية مركزها وإنتشار نفوذها؛ وإحكام سيطرتها على مقدرات العالم وخيراته - وهذا تم عبر التاريخ – مع إتخاذ كيفيات ثابتة؛ وآخرى متغيرة لثبيت أركانها؛ وإتمام قبضتها على بقاع عدة تتمكن من الوصول إليها بشتى الطرق والعديد من الوسائل".
[٢. ٢. ] العالم الإسلامي - بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية "دَوْلَتِ عَلِيّهٔ عُثمَانِیّه؛ بدأت حوالي 27 يوليو سنة 1299م حتى 29 أكتوبر سنة 1923م" „Osmanisches Reich“ ؛ على يد مصطفى كامل „Gazi Mustafa Kemal Atatürk“)،
[ Am 13. Oktober 1923 wurde Ankara zur Hauptstadt erklärt und am 29. Oktober die Republik ausgerufen.] وبتخطيط غربي – هذا العالم ومنه العربي عانى كثيراً من الإستعمار؛ وتوجد محطات رئيسية اختلقت واقعاً جديداً.
**
[ ۳. ] اطوار تخليق العدو الضال ( الجهاد~الإرهاب)
[ ۳. ١ ] العامل الذاتي الداخلي للأمة:
" بمجرد سقوط دولة الخلافة العثمانية؛ سعى البعض لإعادة الدولة الإسلامية وباءت جميع المحاولات بالفشل الذريع منذ عام 1923 وحتى السقوط الكبير المدوي عام 2013م؛ فأنشاءت في مارس 1928 جماعة الإخوان المسلمون؛ وأسس حزب التحرير مطلع 1953، ولتوالي الضربات الأمنية استشكل العمل الدعوي والفكري والإصلاحي أمام الشباب؛ وودأت فكرة تجديد الخطاب الديني.
[ ۳. ٢. ] وجدت تنظيمات مسلحة في المناطق العربية والتي يقطنها مسلمون؛ فلجأ مَن لم يحصل العلم الشرعي بطريق صحيح وكاف إلى إستخدام العنف؛ وأوضح مثال ما سمي بـ المراجعات :" مراجعات تنظيم الجهاد : وابتداءً من 1999 بدأ العديد من قادة جماعة الجهاد المصرية في السجون المصرية ما سمي بمراجعات الجهاد ".
[ ۳. ۳ ] عامل خارجي : قُسمت تركة الرجل المريض التركي وفق مخطط .
[ ۳. ٤ ] قام :" Arthur James Balfour"و " كان وزيراً لخارجية :" حكومة صاحب الجلالة " من 1916 إلى 1919 في حكومة ديفيد لويد جورج. فـ أعطى وعده (تصريحه) بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد؛ الذي نص على دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ".
[۳. ٥]:" قام الغرب بـ جر المسلمين لـ مناطق صراع وحروب لا ناقة لهم فيها ولا بعير؛ وقيام تحالفات مع الدول العربية لـ إنشاء قواعد عسكرية ومنصات على أراضيها.
[ ۳. ٥. ١.] توافد على أرض الأفغان من كل حدب وصوب رجال برعاية عربية؛ وبمباركة رجال الدين، وتأييد غربي؛ وبإنتهاء الحرب وطرد الروسي الشيوعي من أفغانستان؛ وجد تنظيم مسلح لا ساحة له؛ ولا عمل وهو ماسميَّ :"جهاد" "إسلامي"؛ ثم تناثر هذا التنظيم فذهب مَن ذهب إلى أرض البوسنة والهرسك عبر مطار فيينا وأماكن آخرى؛ ونتيجة لحروب أهلية كما حدث في اليمن ثم سورية فـ ليبيا؛ فر الكثير إلى شواطئ أوروبا الجنوبية فتزايدت أعداد الأقليات المسلمة في الغرب.
[ ۳. ٥. ٢.] :" صار القتال (الجهاد) عند البعض مهنة يرتزق منها؛ دون تحديد هدف واضح من قتاله؛ ومن هنا أطلقنا عليهم: "الإرهاب الضال".
لعوامل عدة وجدت على الساحة العالمية؛ نشأت :
[٤.] محنة الأقليات المسلمة في الغرب. أم نسميها تعسفاً :" قضية "
[٤.١.] :" منذ بداية النصف الثاني من القرن المنصرم: أستقبل الغرب عموماً مَن اضطهد في بلاد المسلمين؛ وحصل على حق اللجوء السياسي ".
[٤.٢.] :" بإنتهاء الحرب العالمية الثانية فتحت أوروبا ذراعيها للعمالة الأجنبية لإعادة بناء الدولة" .
[٤.۳.] توالت الهجرات من البلاد الغنية بمواردها الطبيعية وخيراتها نتيجة الفقر والبطالة؛ فوجد العمال الأتراك؛ يجاورهم في مكان العمل مسلمي دول البلقان؛ يرافقهم رعايا دول المغرب العربي، ونتيجة للحروب إنتقل قسراً الكثير من بلادهم؛ كأهل فلسطين ؛ العراق وسورية؛ الأفغان؛ الأكراد الخ... ".
فهل ينبغي أن :
[٥.]:" نوجه اللوم المتكرر منا على الإستعمار الغربي كسبب رئيسي في هذه المحنة،أم نسأل أنفسنا: وماذا فعلت :
[٥.١.]:" الأمة الإسلامية بعد رحيل الاستعمار منذ ما يزيد عن نصف قرن ؟؟
وإذا كانت :
[٥.٢]:" الأنظمة لا تهتم قليلا ولا كثيرا بمحنة الأقليات، فماذا عن تقصير :
[٥.۳.]:" الشعوب الإسلامية؛ و
[٥.٤.]:" قادة الرأي فيها التي لا تكاد المحنة تخطر لهم على بال؛ وإن وجدت بعض :
[٥.٥.]:" البحوث الإكاديمية النظرية للمسألة .".
كما ينبغي النظر بعين بصيرة إلى :
[٥.٦.] :" العلاقة بين هذه الأقليات والعالم الإسلامي – سواء الرسمي منه أو الشعبي؛ الحقوقي أو الإنساني؛ المؤسسات الدينية أو المعاهد العلمية -، كما يجب بحث :
[٥.٧.] :" الدور المنوط بالعالم الإسلامي تجاه هذه الأقليات ".
[٥.٨.] :" كما لا ينبغي إغفال حصول غالبية أفراد الأقليات المسلمة على جنسية الدولة التي تقيم على اراضيها ". وهنا يطرح السؤال نفسه
[٥.۹.] :" ما هي العلاقة بين المواطنة وبين الهوية والإنتماء "؛ بـ تعبير آخر :" المسلم الذي يعيش على أرض أوروبا المسيحية - الكاثوليكية (النمسا) أو البروستانتية (ألمانيا) - يعتبر نفسه مواطن أوروبي يحمل جواز سفر الإتحاد الأوروبي؛ له من الحقوق وعليه من الواجبات ما هو مساو بالضبط للمواطن ذي الأصول الأوروبية المسيحية، أم يشعر في قرارة نفسة بالغربة والإغتراب؛ وأنه مواطن من الدرجة الثانية؛ في بلاد تتكلم عن دين جديد عقيدته حقوق الإنسان؛ ومنهاجه حرية الرأي والتعبير"
[٥.١٠.] :" الساحة الثقافية والفكرية والدعوية مكتظة بأبحاث حول "الإرهاب" و"حوار الحضارات" و"لقاء الأديان"، كعرض نظري لـ جلب فرص النجاح وتجنب عوامل الفشل، ويوجد بحث جيد تحت عنوان:(الولاء بين الدين وبين المواطنة ( نموذج المسلمين في بلاد الأقليات)؛ ومحاولات الإندماج ببرامج تحتاج لمراجعة من الطرفين؛ كما لا يجب أن نراهن على المستقبل؛ دون الإعداد له بدراسة متأنية موضوعية، فالمستجدات والأحداث أسرع من طريقة تفكير مَن جاء مِن بلاد أطلق عليها الغرب :"دول العالم الثالث"؛ ثم لطفت فـ سميت :"الدول النامية". و نتساءل:
[٦.]" هل الأقليات المسلمة في الغرب في محنة!؟؛ أم تنعم بما توفر للدولة الرأسمالية الديموقراطية الحديثة المتقدمة في الغرب من وسائل المعيشة الجيدة والمستوى الراقي من الحياة".
هناك حالة يعيشها الفرد المسلم في الغرب منذ سنوات؛ فينبغي أن نسلط :" الضوء علىٰ واقع الدولة – الغربية - الإسلامي أولاً(*)، ومعاناة المسلمين فيها، ومواجهة واحدا أو أكثر من المخاطر التي تحوط بمستقبلها وتهدد وجودها أو كيانها "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) : لعله مصطلح جديد أو واقع جديد يمكننا اعتماده بحثياً في الحديث عن الأقليات المسلمة في الغرب وتزايد أعدادها؛ فـ أوروبا التقليدية هي مسيحية من الدرجة الأولى، لذا : " توجد حركات أو تنظيمات تعادي الوجود الإسلامي على اراضيها، فقد افاد :" استطلاعٌ للرأي نشرته صحيفة "بيلد" الألمانية أن أكثر من نصف الألمان يخشون من "تنامي تأثير الإسلام" في البلاد. في حين دعا الأمين العام الأسبق للحزب المسيحي الديمقراطي للتعامل بحزم أكبر مع الإسلاميين وداعميهم في ألمانيا. إذ أظهر استطلاعٌ للرأي أن الكثير من الألمان يخشون "تنامي تأثير الإسلام في بلادهم". وتبين من خلال الاستطلاع الذي أجراه معهد "إينزا" بتكليف من صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار أن "ثلاثة" من كل "خمسة" أشخاص تقريباً (58%) يوافقون على عبارة :" أخاف من التأثير المتزايد للإسلام في ألمانيا " .
وقالت صحيفة "بيلد" يوم الخميس : 18 ديسمبر 2014م إن نسبة 45.7% من 243 ألمانياً ذا أصل أجنبي شملهم الاستطلاع يشاطرون مواطنيهم الألمان هذا القلق، في حين أكد 28% من إجمالي 2017 شخصاً هم كل من شملهم الاستطلاع لا يخافون من هذا التأثير. ورفض 56% من الذين شملهم الاستطلاع مقولة "الإسلام لا يمثل خطرا على ألمانيا" في حين أيدها 26% من المستطلعة آراؤهم. غير أن 54% من المشاركين في الاستطلاع أجابوا بالنفي على السؤال الذي جاء في الاستطلاع: هل أنت مستعد للمشاركة في مظاهرات حركة "بيجيدا" „Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes (“Pegida„) „و "بيجيدا" هو اختصار لاسم :"وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب"؛ وهي حركة جديدة في ألمانيا تناهض التواجد الإسلامي في أوروبا.
فهل “Pegida„ محقة في خوفها!؟.
من جانبه قال "هاينر غايسلر"، الأمين العام الأسبق للحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، إن المظاهرات التي تنظمها حركة “Pegida„ ضد الإسلاميين محقة على الأقل جزئيا، مؤكداً على أن “Pegida„ ليست خطراً على مجتمعنا . ورأى السياسي الألماني المخضرم (74 عاما) أن متظاهريها لا يتظاهرون ضد الإسلام بل ضد إساءة استخدامه لتبرير جرائم غير إنسانية وأنها محقة في خوفها تماماً. وقال "غايسلر": لقد حان الوقت للتعامل بشكل أكثر حزما ضد الإسلاميين وداعميهم في ألمانيا . كلمة كاتب هذه السطور :" نسبة مسلمي ألمانيا لا تتجاوز 5% من ممخوع السكان "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[٧.] :" تشخيص للحالة "واقع الدولة – الغربية – الإسلامي" التي تحتاج إلى علاج ودواء، وبداية الطريق لذلك هو الإحساس الصادق بمعاناة الأقليات المسلمة في العالم؛ مما يقتضي وجود وسائل إعلام إسلامية قوية مستقلة، تصور المعاناة كما هي كماً وكيفاً، ولن تستطيع ذلك إلا من خلال :
[٧.١.] :" إحصائيات دقيقة عن :
[٧.١.١.] :" عدد الأقليات؛ و
[٧.١.٢.] :" ظروفهم؛ و
[٧.١.۳.]:" أحوالهم ...
كي نتمكن من حل المشكلة – إذا وجدت بالفعل مشكلة - ومعالجتها – إن كان لها وجود على أرض الواقع - بعد ذلك .".
فمن :" المؤلم حقا أن لا توجد إحصائيات دقيقة للأقليات المسلمة في كل بلد، رغم كثرة المؤسسات الإسلامية، والتجمعات والهيئات والإتحادات ؛ بل مواقع التواصل الإجتماعي ؛ وصفحات خاصة لكل "جالية/أقلية(*)" على عكس الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين ".
ـــــــــــــــــــــــــــ
(*) :" لا يستسيغ الكاتب إستخدام هذه اللفظة في وصف أو في المخاطبة أو المحادثة؛ أو البحوث؛ وينبغي المصير إلى بحث عن تعبير دقيق مناسب؛ وهذا ما سيظهر في الجزء الثاني من هذا المقال".
ــــــــــــــــــــــــــ
أهم المسائل في نظرنا هو :" واقع الدولة – الغربية – بوجود مسلمين علىٰ اراضيها " سؤال هام بل هو مفتاح الحديث عن تواجد المسلمين في الغرب؛ وليس تواجد "الإسلام" في الغرب؛ إذ أنه فارق كبير بين وجود مسلمين لا يفقهون ديناً - بشكل كامل - ولا يطبقونه؛ وبين وجود الدين الإسلامي – كـ طريقة معينة في الحياة ومنهاج - كما بينه خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ، وأقصد أن المسلمـ(ـة) يصلي؛ أو يصوم أو يقرأ قرآنه، وتغطي المرأة عورتها، وهذا يتم في أي مكان، ويـ(تـ)ـنطلق للحج من أي مكان)؛ فمسلمو الشرق حالهم معلوم على ظاهر اليد؛ يراه مَن بعينيه عشى؛ أو رمد: فنظام حاكم يقضي على رعيته بـ براميل المتفجرات (سورية)؛ وغياب نظام حكم بأكمله (ليبيا)، وأدوات نظام حكم يتأرجح بين قبائل (اليمن)؛ ونظام حكم تسلطي؛ فأدى هذا إلى الخروج من الوطن والبحث عن مكان أمن؛ وإن أدى إلى غرق في بحر أو هلاك في طريق. وهنا تأتي المسؤولية الإنسانية؛ والحديث عن الكرامة الآدمية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
استروعرب نيوز [٢]
[٨.] :" المسلمون في الغرب!!!
هذا ما سنبحثه في المقال القادم.

خاص لـ استروعرب نيوز

"مصر"يان من أوروبا!

بدء العد التنازلي؛ ومنذ حين يحاول البعض تسخين الساحة الداخلية الخاوية من أحزاب سياسية لها وجود في الشارع المصري؛ وتعمل بجدية علىٰ أرض الواقع لإنتخابات مجلس النواب المصري ٢٠١٥؛ يصاحب التسخين المزعوم هذا - علىٰ نار باردة - وجود "فراغ سياسي" ؛ ويلازمه غياب مايسمى بـ "الوسط السياسي" المصري. " وتبعاً للقانون، فإن مجلس النواب سيتم تشكيله من [٦٠٠] عضواً، يحق لرئيس الجمهورية تعيين [٥]% منهم تبعاً لنصوصِ للضوابِطِ القانونية.

لنقرأ سريعاً المواد:

مادة (١) : يُشكل أول مجلس نواب بعد العمل بالدستور المعدل الصادر في ١٨ من يناير ٢٠۱٤ من 600 [٦٠٠] عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر.

ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد علىٰ ([٥]%) من أعضائه، وفق الضوابط المنصوص عليها في هذا القانون.

جاء في مقدمة مادة (٢) :

" في تطبيق أحكام هذا القانون، يُقصد بالألفاظ والعبارات التالية المعاني المبينة قرين كل منها":

ما يهمنا هنا " التعريف التالي :

" المصري المقيم في الخارج: كل مَنْ جعل إقامته العادية خارج جمهورية مصر العربية بصفة دائمة، بأن حصل علىٰ إذن بالإقامة الدائمة في دولة أجنبية أو أقام بالخارج مدة لا تقل عن عشر سنوات سابقة علىٰ تاريخ فتح باب الترشح. ولا يعتبر مقيما في الخارج في تطبيق أحكام هذا القانون:

(١.) الدارس، و

(٢.) المعار أو المنتدب، في الخارج." .

وهنا نتساءل :" مَن يحمل جنسية دولة بعد إسترداد جنسيته الأصلية [إزدواج الجنسية] ما موقفه من هذا التعريف!!!؟؛ فمادة القانون لم تتحدث عنه لا تلميحاً ولا تصريحاً ".

عدد المقاعد

مادة (۳)

يكون انتخاب مجلس النواب بواقع 480 [٤٨٠] مقعداً بالنظام الفردي، و 120 [۱٢٠] مقعداً بنظام القوائم المغلقة المطلقة ، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما .

وتم تقسيم المقاعد بواقع 480 [٤٨٠] مقعداً للنظامِ الفردي، و120 [۱٢٠] لنظامِ القوائم المغلقة، بنسبة ٨٠% إلىٰ ٢٠%، علىٰ أن يحق للأحزابِ والمستقلين الترشح في كل منهم.

واشترط القانون وجود تمثيل مناسب للمصريين في كل قائمة انتخابية، بواقع :

 ۳ مترشحات من النساء،

۳ من المسيحيين،

مرشحين [٢] على الأقل من الشباب،

ومثلهم [٢] من العمال والفلاحين،

بالإضافة لمرشحٍ من الأشخاص ذوي [١] الإعاقة ؛

والمقيمين بــ [١] الخارج.

ما يهمنا أيضاً ما جاء في المادة [٥]

التمثيل المناسب والملائم لبعض المصريين

مادة ٥:"

مادة (٥) يجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية عددا من المترشحين مساوياً للعدد المطلوب انتخابه في الدائرة و عدداً من الاحتياطيين مساوياً له.

وفي أول انتخابات لمجلس النواب تُجرى بعد العمل بالدستور المعدل الصادر في ۱٨ من يناير٢٠١٤ يجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية:

- ثلاث مترشحات على الأقل من النساء.

- ثلاثة مترشحين علي الأقل من المسيحيين.

- مترشحين اثنين على الأقل من كل من:

- العمال والفلاحين.

- الشباب.

- مترشح علي الأقل [هنا جاءت إضافة غير ما سبق وقرأناه في القانون؛ مادة ۳] من كل من:

- الأشخاص ذوي الإعاقة .

- المصريين المقيمين في الخارج.

علىٰ أن يتوفر في المترشحين الاحتياطين ذات العدد من أصحاب هذه الصفات. ولا تقبل القائمة غير المستوفية أي من الشروط والأحكام المشار إليها في هذه المادة."

مادة (٨)

مع عدم الإخلال بالأحكام المقررة في قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، يُشترط فيمن يترشح لعضوية مجلس النواب :

۱. أن يكون مصريًا متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية .

[يفهم هنا عدم إزدواجية الجنسية]

٢. أن يكون مدرجاً بقاعدة بيانات الناخبين بأي من محافظات الجمهورية ، وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب إلغاء قيده طبقا للقانون المُنظم لذلك.

عدم جواز الترشح إلا في الموطن الانتخابي

مادة (١٢)

لا يجوز لأحد أن يُرشح نفسه إلا في الدائرة التي بها موطنه الانتخابي .

الاحتفاظ للنائب بوظيفته

مادة ( ۳۲ )

إذا كان عضو مجلس النواب عند انتخابه أو تعيينه من العاملين في الدولة [المصرية] أو في القطاع العام [المصري] أو قطاع الأعمال العام، يتفـرغ لعضوية المجلس ويحتفظ لـه بوظيفته أو عملـه ، وتحتسب مدة عضويته في المعاش أو المكافأة .

ويكـون لعضو مجلس النواب في هـذه الحالة أن يتقاضى راتبه الذي كان يتقاضاه من عمله ، وكل ما كان يحصل عليه يوم اكتسابه العضوية من بدلات أو غيرها طوال مدة عضويته .

ولا يجوز مع ذلك ، أثناء مدة عضويته بمجلس النواب أن تقرر له أية معاملة أو ميزة خاصة في وظيفته أو عمله الأصلي .

[ما سيحدث لمن يعمل بالخارج !؟]

مادة (٣٤ )

يعود عضو مجلس النواب بمجرد انتهاء مدة عضويته إلىٰ الوظيفة التي كان يشغلها قبل اكتسابه العضوية أو التي يكون قد رُقى إليها ، أو إلى أيه وظيفة مماثلة لها .

مكافأة العضوية

مادة ( ٣٥ )

يتقاضى عضو مجلس النواب مكافأة شهرية مقدارها خمسة [٥٠٠٠] آلاف جنية ، تستحق من تاريخ أداء العضو اليمين ، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه العضو من المجلس تحت أي مسمىٰ عن أربعة أمثال المبلغ المذكور، ولا يجوز الحجز علىٰ هذه المبالغ، وتُعفىٰ من كافة أنواع الضرائب .

تسهيلات العضوية

مادة (۳٧)

يستخرج لكل عضو من أعضاء مجلس النواب اشتراك للسفر بالدرجة الأولىٰ الممتازة بسكك حديد جمهورية مصر العربية أو إحدى وسائل المواصلات العامة الأخرى أو الطائرات من الجهة التي يختارها في دائرته الانتخابية إلى القاهرة .

[أين المصريون في الخارج !؛ أم يفهم من الفقرة القادمة]

وتبين لائحة المجلس التسهيلات الأخرى التي يقدمها المجلس لأعضائه لتمكينهم من مباشرة مسؤولياتهم .

وتسري علىٰ أي مبالغ قد تدفع إلى الأعضاء علىٰ هذا الوجه، الأحكام المبينة بالمادة ۳٥ فيما يتعلق بعدم الحجز عليها وإعفائها من كافة الضرائب.

انتهىٰ النقل والتعليق علىٰ مواد القانون وضع بين معقوفتين.!!!

 

نقول : ماتناقلته وسائل الإعلام المصرية في مداخلة مع الأستاذ محمد صلاح قال :" المصريون في خارج سيترشح منهم ثمانية ؛ والمصريون في الخارج يصلون إلىٰ أكثر من عشرة ملايين – تقدير غير رسمي – .

مصريو دول الخليج سيمثل المصريون عدد : [٤] ؛

مصريو أوربا العدد [٢] ؛

مصريو أمريكا وكندا العدد [١] ؛

مصريو أستراليا العدد [١].

نقول هذا لأن :" لغز تمثيل المصريين بالخارج بانتخابات البرلمان مازال يبحث عن إجابة.. 5 تساؤلات حول حضورهم الجلسات.. وآلية تصويتهم وطريقة ترشحهم.. وعقبة حظر ازدواج الجنسية.. قانونيون: لائحة المجلس ستنظم أسلوب العمل "

استروعرب نيوز لها متابعة قادمة لـ انتخابات مجلس النواب ٢٠١٥


شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا