السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 2018

 《..مِحْرابُ الْعَهد..》
《.. أرضُ الموسيقىٰ Land der Musik ..》

قبيل بداية عطلة هذا الإسبوع؛ وبمجرد أن أدىٰ صلاة الجمعة.. حزم أمتعته وغير هندامه الخارجي إذ كان يجب عليَّه أن يمر رغماً عنه بمدينة العهد.. متجاه إلىٰ الشمال في القطار السريع المغادر المحطة الرئيسة في منتصف الرابعة بعد الظهر بتوقيت 《.. أرضِ الثقافة والحضارة Land der Kultur ..》..
رفيقي ومنذ سنوات خلت كان في نفس التوقيت يغادر مدينة „الإرهاق‟ في العمل لإحسانه ومن ثم الإشادة بقدرته.. مدينة „الإختفاء‟ بين زحام شبكة المواصلات العامة صاحبة أطول مسافات لمترو الأنفاق.. فمنذ سنوات كان يغادر 《.. مدينة الثقافة والحضارة ..》بمفرده.. دون أن يلاحظ أحد غيابه طالما أنه ليس لديه ما يجب أن يقوم به.. يغادر مدينة عمله ليتقابل معها في نفس لحظة زمن وصول قطار مدينة «فيينا» المزدحم وقطار مدينة «جراتس» الهادئة نسبياً ليصلا معاً في نفس الوقت إلى 《.. مدينة الموسيقىٰ.. مدينة „ Wolfgang Amadeus Mozart ‟..》.. فهو وهي لا يريدا إضاعة الوقت.. يكفي زمن الانتظار الطويل؛ يقصد:„ ما بين يوم الإثنين إلى منتصف يوم الجمعة‟.. ثم تقترب عطلة نهاية الإسبوع.. ويكفي وقت انتظار قدوم مترو الأنفاق رقم (1) أو أوتوبيس رقم (13 A) وزمن الرحلة من محطته إلى نهاية الخط.. ثم يكفي الإنتظار لمغادرة محطة القطار الرئيسة.. حين يدخل القطار الذي سيقله متبخترا متأنياً متمرجحاً متنقلا من سكة بقضبان إلى قضبان سكة آخرى.. كي يصل إلى الرصيف الذي هو واقف عليه ليركبه.. ويكفي طول المسافة بين مدينته ومدينة اللقاء..
فكما يقول -دائماً- :„ كانت تشرق الشمس في محطة القطار المغطاة بسقف من الزجاج بين صفائح من صلب وإن كان اليوم ممتلأ غيوما والسماء معبأة سحبا تنذر بقرب هطول الأمطار.. أو هبوب ريح خفيفة قادمة من فوق الجبال القريبة والمحيطة بمدينة اللقاء ‟..
يقول رفيقي:" تشرق الشمس وإن كان اليوم ممطرا حين تطأ قدمها على رصيف رقم (6) وهو في المقابل على رصيف رقم (01).. كان يقول لي أنه يراها بقلبه المشتاق الولهان قبل أن تراها عينه الباحثة عن نقاط جمالها ومحطات أنوثتها وأماكن حسنها.. وهذه كلها لا نهاية لها.. فمن مفرق رأسها الذي يعلو قليلاً عن موضع أذنيه إلى موضع المانكير فوق اظافر قدمها والتي تريد دائماً أن تلصقها بساقه أو تضع قدمها فوق قدمه إذا جلسا على طاولة كل في مقابل الآخر.. يبحث عن نقاط جمالها ومحطات أنوثتها وأماكن حسنها في مجموعات متناسقة من لوحات جمال ابدعها خالقها وتصاوير الحسن التي انشأها فيها.. وتناغم أحسن تقويم في أحسن إبداع في أحسن تصوير.. وكما نبهني أكثر من مرة أن لفظة „ أحسن‟ تعني هنا أصدق وأدق..
ويقول لي أنه يسمع وقع خطاها بحذائها المناسب مع لون شنطة يدها وحزام فستانها قبل ان يرى وجهها الصبوح المبتسم له دائما ماعدا يوم الفراق الأسود..
رفيقي يعلو بجسده قبل روحه في سماء زرقاء صافية حين يشم عطرها واسمه «ELLE»(*) وكان يقول لي أنه يمتلك الدنيا منذ أن عرفها.. فاسمها كبداية أول حرفين من لقبه..
وغالبا يحمل باقة ورد تتغير ألوان زهورها وفق المناسبة.. فهو من نوع الرجال الذين يحسنون الكلام في كل مناسبة.. بل لِنقُل أنه يخلق مناسبة.. بل يستحدث مناسبة.. بل يبدع مناسبة.. وكل مناسبة -عنده- تحتاج إلى إعمال عقل وتفتح ذهن وتشغيل فكر.. فماذا سيقول في هذه المناسبة أو تلك.. يقول لي أنها كانت ترهقه في اختيار الكلمات وترهقه في رص الحروف في جمل تعبر عن مكنون قلبه وتفصح عن صدق مشاعره..
في مدينة العهد كانا يختلسا من الزمان سويعات في نهاية الإسبوع.. فيرقد قلبه المتعب من وعثاء السفر وإرهاق العمل على صدرها الحنون؛ فتنام يده فوق خصرها حين يراقصها طوال الليل؛ وتهدأ رئته بعد أن لهثت اسبوعا كاملا في عمل دؤوب.. و -هو- يريد دائما أن يكون الرجل رقم واحد في المصلحة التي يعمل بها.. تهدأ رئته حين يشتم عطرها الخاص بها.. فهي تحسن الإختيار واشترط عليها منذ زمن أن جميع ما يلامس جسدها من عطر أو كريم أو ملابس -خاصةً الداخلية منها- ينبغي أن يختاره هو أو على الأقل يباشر معها عملية الإختيار.. وينظر بعين عاشق كيف سيكون فوق جسدها أو يلامس بشرتها.. تهدأ رئته حين تكون أنفه قريبة من كتفها.. وشعرها الذهبي الحريري مسندل على كتفيها.. وقد كان يقول لها هناك.. بين أضواء الشموع التي تحضرها معها في حقيبة سفرها لتضئ غرفة يمكثا فيها ساعات.. فقد كان يحكي بالقرب من قرطها المعلق فوق جانب أذنها الأيسر :"أن جنرال الحرب والسلام".. و "رجل العلم والإيمان" اشترى فيلا رائعة الأثاث جميلة البنيان على تل جبل كي تمكث بمفردها بجواره.. ويزيد -مفتخراً- أن رئيس البعثة الدبلوماسية الرسمية لدولته والمعتمدة من الحكومة النمساوية يعطيه مفتاح الفيلا ليقضي وقتاً ممتعاً هناك في فيلا الرئيس الذي اراد أن يكفر عن خطيئته وقت أن حبسه –دون جريرة يحاسب عليها أو يحاكم- زمن دراسته الجامعية في قلعة القاهرة ضمن زمرة من الطلاب الأشقياء لنزوة سياسية قام بها وقت نشاطه في اتحاد الطلاب..
رفيقي يحسن جذب المرأة إلى جوار قلبه -قبل أن يشدها إلى جوار هندامه- لتسمع بدقة دقاته فشعر بما ينبغي أن تحس به.. قبل أن يسير بجوارها في شارع خطوات قد تطول احياناً.. أو يجلس أمامها في مقهى أو مطعم يستغرق فنجان قهوة ساعات من الأرتشاف أو نصف نهار حين يريدا مضغ طعام العشاء..
كان يقول لي„ أنه يرسم العالم بريشته كما يحلو له ويهوى.. وهي بجواره تمسك له علبة الألوان.. وتنظر إليه بإعجاب‟.. وكان يقول لي „ أنه يحسن تلوين الحارات الضيقة في كافة المدن العتيقة التي ينوي أن يزورها أو زارها بالفعل وهي ترافقه.. فيسمع غناء فئران المجاري فرحاً بقدومهما.. وتعلو أصوات الطيور بإنشادها وتغريدها وهي واقفة فوق أعمدة الكهرباء.. استبشارا بقدومهما.. وتتمحك القطط الجياع بساقه فهو وهي يحولا بعض كسرات الخبز بعد تناول طعام الإفطار.. إلى وجبة إفطار شهية لبقية المخلوقات.. وكان يقول رفيقي أنه اراد ذات مرة أن يسافر بها إلى مدينة على البحر الأدرياتيكي كي يحكي لها مدىٰ شوقه لمدينته العالمية الإسكندرية.. فهي تقع على الضفة الآخرى من امتداد الإدرياتيكي عند فتحته السفلية.. إنه بحق مجنون المدن العتيقة.. ولكنه لم يتمكن من السفر.. ولم يذكر لي السبب.
فهو -رفيقي- يحسن تسمية كل مدينة باسم له علاقة مع آحداهن.. وهنَّ كثيرات كعدد مدن القارات.. إنه ذٰلك الرجل المشرقي الذي يريد أن يثبت للعالم أجمع أن المشرقي الأصيل يحسن كل ما يجب أن يحسنه الرجل؛ لذا كان يكره لفظ «ذكر» في أوراقه الثبوتية.. ويستحسن كثيراً القول في أوراقها الثبوتية أنها «أنثى» ..
رفيقي بحكم تاريخ مدينته العريق يفتخر أن الذي بناها له هو ذٰلك المقدوني الـ «إكسندر الأكبر» وكان يقول لي.. الفارق بين مَن وُلد في الإسكندرية وعاش طفولته وصباه فشبابه فيها وبين مَن فقط سكنها.. أو مهاجراً لها من الأرياف أو جاءها من الصعيد.. هما -الأصيل والدخيل- كفارق بين مَن يعمل طبيباً جراحاً عالمياً وبين مَن هو في نفس المستشفىٰ لكنه المريض العليل اليائس من الحياة والذي سينقل له قلب ميت للتو وتجري له عملية جراحية بعد لحظات لإعادة الحياة إليه.. الأول جاهداً متمرساً يعطي للمريض أمل للحياة دقائق.. والثاني ينتظر تلك الدقائق وقد لا يحصلها..
رفيقي يحسن اختيار الأماكن.. المدن.. المطاعم.. المقاهي.. والنُزل والفنادق كما يحسن اختيار هندامه.. كبدلته التي يحيكها له خياط مكث بجنيف أكثر من عشرين عاماً في كبرى صالونات الأزياء العالمية ثم عاد لمدينة زغرب.. وعلى أطرافها بنىٰ بيتاً للسكن في الدور العلوي وورشة خياطة في السفلي.. وكان خياطا حاذقاً وكما يقولون „يده تتلف في حرير‟..
فكان رفيقي يغادر فيينا مسافراً له لتفصيل ما يريد هو ويرسمه على ورقة صغيرة.. أما قميصه المطرز من جوانب ياقته الواقفة وأيضاً على صدره واساور أكمام يديه فغالبا ما يكون في مكة المكرمة أو المدينة المنورة.. وكان يبلل القميص بقطرات من ماء زمزم.. أو دشداشته.
واثناء مؤتمر له في تونس الخضراء العاصمة تعرف على خياط آخر.. فهو كان يريد أن يتفس الهواء العليل الذي يرد الروح والقادم من مدينته.. فكان يمكث اياما معدودات في الحمامات الشمالية..
كذا حذاءه.. تفصيل.. فهو يختار ما يريد أن يرتديه كما يختار مَن تصلح لتسير بجواره في الطريق العام أو تمكث معه أمام منضدة كي يحتسي فنجانا من القهوة.. إنه رجل من طراز قد انقرض أو كاد..
مدن حياته والتي عاش أحلى لحظات حياته فيها.. « الإسكندرية » «سالزبورج» «فينيسيا» «باريس» ..
رفيقي عنده قائمة طويلة من المدن لها ذكريات مؤلمة لذا فهو فقط يحب ويهدأ حين يعود إلى مدينة «فيينا».. مدينة بلا آلام على الأقل عنده.. بلا ذكريات معه.. أو لنقُل كأنه لا يرى فيها نساء أو لا تعجبه تلك النساء أو هذا الخليط غير المتجانس من نساء الأناضول يجاورهن نساء الألبان فنساء يوغوسلافيا السابقة أو نساء المجر أو التشيك.. أو نساء حضرن مِن المسقط إلى الملقط.. وهو لا يؤمن بأنهن في الظلال يتساوون
‟ Nachts sind alle Katzen grau „
„„ لا تعجبه هذه المقولة ويراها افتراء على القطط.. وظلم للنساء.. ولا يصح التشبيه! ‟‟ أو لنخفف معيار الكلام وميزانه فنقل مدينة زحام.. لكنه يتذكر ذٰلك الموقف المؤلم من مديرته إثناء وقت العمل الرسمي.. وهي صاحبة العقل الراجح؛ والتصرف الحكيم والتي تكلمت مع صاحبة „العهد‟ قائلة لها:" أتركيه!!.. إنه رجل مزواج مطلاق.. لا يُحسن أن يرسو علىٰ مرفأ.. فشراع سفينته دائماً مفتوح تشده فتجره رياح دافئة لحسناء جديدة..".
ثم تكمل -هكذا أخبرته بعد حين- معها:" وهنا مكان عمله لا أريد فضائح نسائية أو نزوات شبابية.. تحمل طابع أوراق الورد الملقى على الطريق..".
لكن تحت وطئة جريان دموعها على خدها اذعنت مديرته لطلبها أن تقابله لثوان معدودات..
قالت لها:" أمامك دقائق وسوف احضره لكِ في مرفأ السيارات بين البناية هذه والتي يعمل بها والكنيسة العتيقة..".
وهو يتذكر هذه اللحظات الأمومية من مديرته كالحاضنة المشفقة عليه.. وجرته من يده كطفل مدلل نسىٰ لعبته في حديقة الدار خلف البناية ليحضرها بيده هو فلا تريد أن ترتيب اغراضه بنفسها بل تريد أن تعلمه دراساً لعله ينفعه..
لم يعلم لماذا عاملته مديرته هكذا أمام بقية الزملاء.. لكنه سار خلفها منجذبا مطيعاً..
يومها بكت كثيراً أمامه راغبة أن يعود إليها فوعدها في راحة الغذاء سيقابلها في مطعم يتردد عليه الجميع.. وكانت فضيحة آخرىٰ فقد كان المطعم ممتلؤ بالزميلات والزملاء كأننا في إخراج مشهد من فيلم هندي درامي فوق سفوح جبال النمسا..
يومها قبل يدها واعتذر قائلا :"نعم.. سأعود..".
محطة القطارات الرئيسة والتي يمر عليها ذهاباً واياباً.. حين يريد أن يذهب للشقيقة الكبرى للنمسا ألمانيا الإتحادية.. إنها مدينة „ العهد ‟ والتي تذكره بميثاق العهد بينها وبينه..
ففي محراب ملحق بكنيسة الفرنسيسكان..
‟ Die römisch-katholische Franziskanerkirche in Salzburg „
كتبتْ وثيقة عهد بخط يدها ومع كل حرف ترسمه تنزف قطرة دم من قلبها لا تكتب بحبر قلمها وهي تنظر برهبة معباة أمل ويكسوها خوف إلىٰ صاحبة الرداء الأزرق.. كأنها تقول :" أن ما بيننا حب يجب أن يكون للأبد".
ووقع رفيقي بيده اليمنى بإرادته أمام أم الإله في محراب أطلق عليه اسمها وأقر أمامها :" نعم.. حب للأبد.."
ثم وقّع على ظهر يدها اليمنى قُبلة الإعتراف.. وصك العهد حفر في ناظره فتسلل بسكينة إلى قلبه وايضاً قلبها.. وانحنى أمام «المادونا» ليؤكد حب للإبد.. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. تركها.. فليس عند الإنسان زمن للأبد.. بل زمن تعده أنفاس تدخل هواء وتخرج هواء.
حين يغادر القطار السريع محطة «Sankt Pölten» تبدء دقات قلبه تزداد بشكل مضطرب.. تتبعثر أمام عينيه الذكريات.. إنها امرأة بالفعل من طراز خاص لكنه لم يكن يستطع أن يكمل معها..
نعم تزداد ألامه الدفينة فوق ألام الذكريات وتعتصره ألام العهد الذي غدر به.. وتذبحه حروف وثيقة العهد الذي وقع عليه.. كما تذبحه ألام الغربة التي يعاني منها دون أن يخبر أحد بما يدور بداخله.. وتقتله ألام البعد والنوى عن مدينته.. ويتعلق في الهواء وكأنه يريد أن يرى بأم عينيه مشاهد ألام السيد المسيح كما رأها رفيقي على الشاشة الفضية في صباه.. أو المحطات الأربع عشر المعلقة على كل جدران الكنائس والمعابد..
..تليفونياً وبعد منتصف ليل الجمعة وبعد سفره لحضور مؤتمر يجب أن يشارك فيه.. دق المحمول من المدينة الجارة لمدينة العهد وبين المدينتين أقل من نصف ساعة.. تكلم بصوت خفيض أخبرني:" أنه يتألم!؟.. "
سألته ظناً مني أنه مريض بالرغم أنني كنت معه في صلاة الجمعة.. فأخبرني وكأن صوته يعلوه نبرات مَن يبكي.. قال :" لقد اقتربت أعياد الميلاد.. وقد فارقتها إلى الأبد.. وودت أن اذهب إلى كنيسة الفرنسيسكان.. وأدخل المحراب لأخرج دفتر الزيارات وامحو مداد وثيقة العهد.. ولكنه يستدرك بالقول ما مضى ثبت ووقع..
ثم يتـألم أكثر إذ يقول :" لكن زوجتي –يقصد الحالية- رفضت وكأنها علمت أن هناك ميثاق عهد يجب عليه أن يمزقه.."..
ولكنني لا أستطيع .. لعلي امزق قلبي ولا أمزقه وإن كان الأمر انتهى منذ سنوات...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا العطر ولسبب لا يعرفه .. غير موجود في سوق العطور الأن!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة من رواية الرجل المشرقي
محفوظة في
دفتر إسكندريات..
صاحب الدفتر:
محمد الرمادي من الإسكندرية
11/12/2018م

« نصر »ا« مي »

ما أن يقترب موسم أعياد الميلاد إلا وتنتابه حالة من الفرح الشديد أو تغمره حالة من الألم الأشد؛ ويتعايش بكل أحاسيسه حياة السيد المسيح عليه السلام؛ مع قصرها؛ أو يتعايش بكل مشاعره آلامه؛ مع كثرتها.. وتتمثل أمامه المحطات الأربع عشر التي تجدها فوق جدران كل الكنائس.. فيحمل على عاتقه ما حمله سيدنا.. في رحلته الأخيرة ليتعلق على الخشب حسب الرواية الأولى.. أو يتوفاه ربه فيصعد إليه وفق الرواية الثانية؛ ولا إشكال عند أحد إذ أن طائفة كبيرة تعتمد الرواية الأولى وطائفة في حجم الأولى تعتمد الرواية الثانية؛ والاصل أن لا توجد مشاكسة إيمانية عند كل فريق منهم وإن وجدت مشاكلة عقدية..
ولعل هذا ما يفسره رفيقي لي بتعمده حين وصل إلى سن الأربعين -النضج الرجولي في مقولة دون سند- التواجد بالأرض المقدسة.. ليس مسقط رأس ابن العذراء البتول -لأسباب لم يرد أن يفصح عنها؛ وفهمتُ أنها سياسية- ولكنه يرحل إلى أرض الحجاز.. وفي بقعة بعينها.. هي مسقط رأس اليتيم ابن الأرملة الشابة.. القرشي المكي..
ثم تجد رفيقي يفلسف نظرية أو قل يخترع اطروحة بأن كل مِن نبي النصارى ليس له أب حقيقي فهو معجزة خلق؛ وإعجاز مالك الكون والحياة والإنسان؛ في رواية.. أوجده من عدم ليدل على وحدانيته أولاً؛ ثم يدل على قدرته المطلقة ثانياً.. وأن نبي الإسلام مات أبوه وهو ما زال في رحم أمه جنيناً بين فؤادها وقلبها..
كأنه يريد أن يربط بخيط رفيع من الحرير الأسود التفت حوله سبيكة من الفضة الخالصة والذهب العسجدي لينسج قصة معانقة نبي بَشرَ بنبي بُشر به قبل ميلاد البشير بما يزيد عن نصف قرن من زمان البَشر..
ألمُ رفيقي.. ومنذ سنوات عدة بقرب الاحتفال بمولد السيد المسيح ابن العذراء البتول يزداد وأراه يتوجع.. لذا كان يرحل منذ أن بلغ الأربعين من عمره إلى ديار مقدسة له بها حبيب يسكن قاع المدينة.. كي تهدأ نفسه..
لكن تم إضافة ألم جديد موجع مؤرق منذ سنوات قليلة.. حين يسترجع ذكريات حلوة عذبة من منطقة أُطلق عليها زمن حكم عائلة هابسبورج 《 تحت ظلال المنتجع الطبي التأهيلي.》
فقد تركَ المرأةَ التي أشعرته.. بأن ابن الإله ومنذ أن صعد بجوار أبيه في السماء.. يحكم العالم.. وأنه -رفيقي- وكانت تناديه بـ 《 يا رجلي!!! 》 وهو بجوارها .. يحكمها..
إنها امرأة من طراز خاص.. ورفيقي يعشق أمثال هؤلاء النساء.. امرأة التميز.. امرأة فريدة النوع حين تحادثه.. فريدة في مفردات قاموسها اللُغوي.. فريدة في تحركاتها ومشيتها.. فريدة في هندامها وملبسها.. فريدة في اكسسواراتها المكملة لزينتها.. فريدة في عطرها وطيب رائحة فمها.. فريدة في لمسات زينة وجهها.. وكان يروق له أن يغرق في شعرها الذهبي الذي انسدل على ظهرها كخيوط الذهب على مسامات جلد تفتح بعد أن غُسل بحليب طازج من مراعي النمسا العليا خلط بالتو بعسل أبيض كما كانت تستحم جدته الأولى كليوباترا.. ملكة مِصر زمن الفراعنة.. رفيقي يجمع الزمان مع تفرقه بالمكان مع تباعده بنساء حكمن دولته الأم وبنساء دول الغرب.. التي استقر بها أخيرا..
اشعرته بأنه رجلها الوحيد والأوحد في هذا الكون الواسع العامر الممتلؤ بكثير من الرجال.. ولكنهم ليسوا جميعا مثله.. وهذا ما يدعوه أن يستحوذ على عقلها حين يحاكبها فيتدفق قلبها بضخات من دمها في جميع أطراف جسدها يحمل اسمه هو فقط.. وعالم ممتلؤ بالكثير الكثير من الذكور.. ولكن فارق بين الثرى والثريا حين نتحدث عن ذكر أو نتكلم عن رجل.. والرجال قليل.. ولكنهم جميعاً ليسوا -بالقطع- مثل رفيقي..
لكن تعبير رفيقي أن المرأة « النصرانية » أشعرته أنها حين تزور المخلص وابن الإله في كنيستها معلق على الخشب فداء للبشرية.. ثم تعود إلي غرفتها فتعلق صورته -هو- بجوار سرير مخدعها لتنظر إليه مليا تتفحص مقاطع وجه المشرقي.. وتأخذها نوبة من البكاء..
مرةً : بكاء فرح أنها قد عرفته بعد ردهة من عمرها.. أنجبت ابنتها الوحيدة من رجل كان يعاملها على أنها قطعة فريدة نادرة من أثاث البيت.. فمهنته كانت بيع التحف واقتناء اللوحات الأثرية..
وآخرى حزناً لأنه يعيش في مقاطعة تبعد أكثر من ثلاث ساعات بالقطار السريع..
رفيقي كان يتحمل في الإسبوع الواحد إرهاق ساعات من السفر والتعب ليلقي تحت قدم منها تعب العمل وتحت الآخرى وعثاء السفر لتنفض ذهنه المشوش.. لتعيد له من جديد آدميته بل إنسانيته بل تجدد خلايا مخه وقطرات دمه..
رفيقي من هؤلاء الرجال الذين يريدون أن تفكر المرأة فيه ليل نهار.. لأنه يحسن أن يشغلها به طوال زمن النهار وإثناء أحلام نومها..
لذا فهو قد مارس ما اباحه دينه بالتعدد.. ففي نظره لا تكفي واحدة كي تهتم به.. فأولع بالتعدد؛ ووجد أن الأصل في الذكر تعدد النساء.. وليس وحدانية المرأة.. ثم تحدث معي كثيراً عن محاسن ومميزات التعدد على الرجل الذي يملك قدرات أن يعدد من حيث الناحية النفسية والروحية والعقلية والذهنية والإدراكية والبدنية الجسدية.. بل تعدى ذلك إلى قدرته في إحسان العمل وأتقانه ليتفوق على اقرانه..
واقتنعتُ من خلال محادثات رفيقي.. بأن هناك بشر في حالة جنون مطبق وإن كانوا في مظهرهم الخارجي يراهم الناظر عقلاء..
وقد تغيرت هذه النظرة الجنونية بعد أن تعرف على تلك المرأة الأخيرة.. فقد روضته وهذبته وعدلته.. الطريف أنه روى لي أنها منذ نعومة أظافرها كانت تربي قطط وتقتني كلاب.. ووالدها آهداها في بداية عامها السادس مهرة فقد كانت تمتطيها وأحضر لها مدرباً خاصة لتتعلم كيف تسوس الخيل وترعاها.. وظلت هكذا سنوات دون ان تجد رجلا يناسبها حتى جاء رفيقي لها في نفس مكان عملهما فكان هو رجلها الأول والأوحد منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر عاما.. فصار لا يرى للتعدد مزية أو له مع إباحته رغبة
فهل يا ترى هي التي روضته!!؟..
فساسته وراعته فأحسنت تدريبه أن لا ينظر إلا آخرى أكثر من النظرة الأولى التي قد تكون له.. !!؟..
فجعلته لا يرى في الدنيا غيرها.. ولا يسمع من خلال اذنيه غير صوتها.. ولا يتمكن من شم طيب غير عطرها؛ والعطر الذي كان يعجبه في النساء حين أحضره لها.. مع عرقها صار له سُك جديد وطيب آخر ومسك فريد يخصها.. ونسى أو خلع من ذهنه فكرة التعدد وإن كان مازال يحسن الحديث مع النساء الآخريات كأنه فن تعلمه لا يصح أن يتركه .. أو يتخلى عنه..
***
رفيقي ولدَ في عائلة مسلمة وفق العادات في كيفية تنشئة شخصيته ومنسجمة تربيته النفسية مع تقاليد بلاده.. فأسرته مسلمة بحكم شهادة الميلاد.. كباقي افراد شعبه إلا النزر اليسير منهم وهم يعدون على اصابع اليد الواحدة.. أعمامه وهو وعماته.. وأخواله وخالاته يحملون اسماء العائلة المحمّدية زمن قريش.. ولكنه شذ عنهم كثيراً فأخذ إسلام رسوله كما نزل من فوق سبع سموات طباق.. كما يقول -رفيقي- ليس دين العجائز.. وليس دينا موروثا من خلال الأجداد تحصل عليه من خلال صندوق جدته الخشبي ذي الرائحة الزكية من عطر الحجاز.. أو من خلال عبق طيب عمته صاحبة البرقع المنسوج من حرير الكعبة الأسود وفوق أرنبة أنفها ثلاث عقل من عسجد خالص.. ليس دين الزوايا وليس تربية التكايا وليس بقايا دين الحنايا الذي يعلوه أبخرة مبخرة الدرويش صاحب الهندام المبرقش.. وليس دين طرق ضاعت بوصلتها بين الطرق فدخلت في حارة سد نهايتها ضريح سيدهم الذي جاء من بلاد الهند والسند وبلاد تركب الأفيال.. والفيل يخشى من الإبل والجمال بل ومن الفئران الجرذان..
ينبهني رفيقي أن إسلام نبيه اسلوب حياة خاص.. وطراز خاص من العيش لا يشبه آخر.. وكيفية معينة من التواجد بين الناس؛ وفي معاملتهم.. وعلاقة خاصة مع الإله الخالق الرازق.. لا يكتفي ممارستها في المعبد وتنتهي بمجرد الخروج منه.. فقام بدراسته دراسة علمية منهجية تشريعية وليس كما يسمعه من وعاظ المصليات الذين يكررون ما حفظوه عن ظهر قلب دون فهم أو إدراك أو وعي.. ومن مرشدي المساجد الذين يتحدثون عن النار وعذابها والحجيم وأهوالها ولا يجيدون غيرها.. ويحسنون إنزال الشيطان من حقيقة الوسوسة والخناسة إلى ما يشبه صورة التلبس والملابسة.. ومن أصحاب الطرق.. الذي يوقدون الشموع بعد صلاة العشاء تحت سقف آيل للسقوط من زخات المطر.. ويتراقصون تحت أضواء خافتة ظناً منهم أنه -عليه السلام- تواجد ذات ليلة.. فسقطت برديته من فوق كتفيه الشريفتين.. فتمايل يسرة ويمنة فهم يتمايلون مثله.. ويتراقصون ظناً منهم أنه فعل.. وهذه أوهام الشيطان وخزعبلات المريدين.. ولحظة إيقاد الشموع.. يجاور هذا سكون الليل المظلم كغيب مبهم ويعلو الجميع نغمات التلفظ باسمه الأعظم فيخيم على المكان إحساس غامض لا يفسر وينتاب الجميع مشاعر مبهمة.. ومن كثرة التمايل والإهتزاز يرهقون العمود الفقري القائم عليه جسد الإنسان ويتعبون النفس المحملة بذنوب النهار فيذهبون إلى مراقدهم كأنهم الفاتحين للديار بغير سيف قطز أو جهاد صلاح الدين الأيوبي.. يحدث هذا كله في زمن الإنغلاق الفكري والإقفال الفهمي لدين في عهد النبوة وزمن الخلفاء الراشدين رفع الحفاة العراة الجائعين من مرتبة الجاهلية الأولى إلى درجة العلمية بقراءة كتاب رب العالمين المحفوظ في الصدور يجاوره قراءة كتاب الكون والحياة والإنسان الذي في أرجاء ملكة منشور.. وهم جميعاً بعدوا عن إسلام محمد النبي الخاتم..
رفيقي بحكم ولادته وتنشأته الأولى المبكرة تربى في مجتمع بسيط ساذج.. وبيئة تؤمن بالخزعبلات والأساطير.. وتجعل أحلام الليل مصدر التفاعل في نهار؛ ورؤيا الرجل منهم إلهام ووحي بل تصل إلى درجة القرآن.. فاكتفوا بوضع المصحف الشريف في دولاب الجد الكبير تبركاً به.. وسيروا المراكب والسفن في عرض البحار بقراءة البخاري عليها وإن كانت في زمن دولة الخلافة العثمانية تسير بالبخار وكما قال الرصافي الشاعر العراقي ولا تسير بالبخاري.. وسطٌ ثقافي متدني للغاية؛ وجهل بحرف القرآن قراءةً وجهل بتأويل القرآن تفسيراً..
يضحك -رفيقي- كثيراً لحكاية لم يتعايشها ولم يحضر أحداثها.. ولكن حكتها له أمه.. صاحبة النظرة المدنية الحديثة في نهاية عهد الملكية لآل محمد علي.. وهي حكاية الشيخ يوسف؛ وهو ابن عم جدته لأمه.. وكان له بيت صغير بحوش واسع خلف مسجد الراوي بالقرب من بيت والده ومنزل جدته لأمه.. وكان كما يقولون صاحب كرامات؛ وكانت تأتيه الزيارات محملة بكل ما لذ وطاب من كافة أقاليم القطر المِصري.. زمن الإحتلال الإنجليزي.. وكان من كبار رجال الصوفية في مدينة الإسكندرية بحي شعبي جداً.. وهذه الأحياء مناخ صالح وبيئة مواتية ومرتع خصب لنشوء مثل هذه الطرق.. الغائب عنها الناحية العقدية والفهمية الإدراكية للأحكام الشرعية العملية المتعلقة بالحياة اليومية.. هم وغيرهم كثير خربوا البيئة المِصرية النظيفة الزكية دون عمد وإن كان منهم بعض الصالحين..
الشيخ يوسف كان له كرامات.. هكذا حكت والدته؛ وكانت تأتيه من انحاء الملكية المصرية زمن فاروق الأول زيارات ونفحات.. وتجتمع في بيته لقاءات وكان عنده من المريدين المئات. فلما اقتربت نهاية أجله أوصى أن يدفن في وسط حوش منزله؛ وهذه الخصوصية تحتاج إلى تصريح خاص من حكومة جلالته.. فلما حان وقت مغادرته الدنيا الزائلة إلى دار البقاء الخالدة.. أخبر ابنه الأكبر؛ وكان اسمه إبراهيم الذي ورث عن أبيه المشيخة بوصيته.. فأراد أن ينفذ وصية أبيه فعلمت الحكومة متمثلة بمأمور قسم كرموز فما كان منه إلا أنه أرسل قوة من عسكر الدرك لمنع ذلك بالقوة فلما أرادت تلك القوة البوليسية رفع نعش الشيخ يوسف فما استطاع أحد أن يحمله.. بل -تقول الرواية- شلت يد أحد رجال العسكر وقتها.. وحدث هرج ومرج فما كان إلا أنه تم الموافقة على دفن الشيخ يوسف -استثناءاً- في موضع وصيته وتحول البيت بالحوش إلى مزار في يوم مولده المبارك.. تأتيه الأحباب من كل مكان.. حتى أهل المغرب العربي واليمن السعيد وأهل السودان..
في هذه البيئة البسيطة الساذجة تربى رفيقي.. واللافت للنظر أن والده اراد أن يتخرج ابنه من مدرسة الحقوق ليبتعثه إلى باريس لإكمال دراسته.. ولكن رغبة الوالد لم تتحقق لمسألة حكيتُ عنها في سابق الصفحات بأن رفيقي كان يعاقب في صغره لقيامه بـ « لعبة الدكتور » مع صغار فتيات بيت جدته لأمه.. فكره المهنة التي كان يعاقب بسبب لعب الأطفال.. وعشق المهنة التي أحبها من صغره..
رفيقي عاش سنوات عمره الأولى في بيئة لا تفرق بين مسيحي مِصري أو مِصري مسلم.. فكما يعتز بمعلمه الأول الأستاذ فؤاد.. الذي كان مسيحياً متنوراً.. كان يعتز باستاذ الرياضة أميل في الإعدادي وفق النظام القديم في مدرسة الأمريكان بالعاطرين .. ثم ثانويته كانت في المدرسة المرقسية التي تخرج منها دودي.. صاحب الليدي « دي» أميرة ويلز والذي لقى حتفه معها بسبب إشاعة أنه الرجل الوحيد الذي أحبته الأميرة البريطانية وأرادت أن تنجب منه فاشتعل سقف القصر الملكي احترقا فصعد الدخان فمنع الرؤية .. واهتز بلاط الإمبراطورية التي كان لا يغيب عنها الشمس بسبب هذا الغرام.. إسكندراني.. أحد رعايا منطقة من دول الإحتلال يقترب بل يتجرأ على المبيت في فراش أميرة منطقة ويلز.. هذه رواية ولعلها غير صادقة..
ولعل روايات عدة من هنا وهناك لعبت دوراً جوهريا في بناء شخصيته وكونت تلك النفسية التي أحكي عنها وشكلت تلك العقلية التي أتكلم عنها..
أعود إلى أعياد الميلاد!
رفيقي منذ نعومة أظافره كان يحضر العرض السينمائي -بمفرده- في صالة فؤاد الأول بشارعه الذي تحول بعد ذلك ليحمل اسم طريق الحرية ثم سمي بشارع الزعيم جمال عبدالناصر.. وذلك وقت احتفال مسيحي مِصر بعيد القيامة.. وبالتأكيد تلك المشاهد الذي رأها في صغره اثرت في نفسيته في كبره وتعمقت في كيانه.. ولعل هذا ما دعاه أن يدرس بوعي كلا من رَجليّ الديانتين..
وقد انتبهتُ من محاورات رفيقي معي : أن رجال الكهنوت من الديانتين فشلوا فشلاً ذريعاً في تبيان حقيقة كل منهما -اقصد السيد المسيح والسيد المصطفى؛ عليهما السلام-.. وأجزم أنه-رفيقي- ليس من دعاة وحدة الأديان.. وإن كان من رجال حوار الأديان..
أعود لما بدأت به.. المرأة التي عشقته وبكت كثيرا حين غادر حياتها إلى الأبد كما يقول رفيقي.. أرى أنها اثرت في نفسيته وتركت بصمتها.. فهي تربطه في كل عام بمولده هو ومن ثم بالإحتفالات التي تبدأ مبكرة نوعا ما.. فبلدية مدينته بدأت الإحتفال في السادس عشر من شهر نوفمبر من هذا العام؛ ونصبت شجرة عيد الميلاد بالساحة الأمامية لمقر عمدة مدينته وهي مقاطعة بأكملها في الدولة التي يحمل منذ سنوات طوال جنسيتها.. وهذا تذكير مبكر للغاية لإعادة الأشجان لقلب مازال اثار عشق قديم لم تندمل بعد.. وإثارة الأوجاع في فؤاد يتألم.. والتي ظن رفيقي أنه دفنها في مقبرة النسيان.. فإذا بها تتجدد في كل عام في مناسبة أحتفالات أعياد الميلاد ومناسبة مرور عام في عمره وفي نفس اليوم.. وكيف ينسى لحظات سمت به في عليائها امرأة أحبته فعشقته فعلقت صورته في قلبها.. قبل أن تعلقها على جدران غرفتها في مخدعها.. ونسختها بالألوان في فؤادها كما زينت بها جدران شقتها.. تلك الشقة ذات الطراز الروماني النادر في آحدى أحياء عاصمة مقاطعة آخرى في دولته..
وهو لم يتمكن بعد من الأحتفاظ بهدوء نفسي حين تقترب أعياد الميلاد لذا تجده ومن سنوات اربعينات عمره يغادر إلى الأرض المقدسة ليجاور!.. فكنا نمزح معه ونقول:« شئ لله .. يا سيدنا ».. فيرد قائلاً: « لن تصلوا إلى ما وصلتُ إليه..»
لا أبالغ أن رفيقي يربط قضايا كبرى وأمهات مسائل بنفسه ويظن في داخله أنه جاء خاصة لهذا العالم ليحمل رسالة ما..
صفحة من رواية الرجل المشرقي
22 نوفمبر2018م

 امرأة 《التعريف》

قال لي رفيقي في قاعة التجمع المصري ذات الأثاث العتيق الملكي.. كأنه أحضر -خصيصاً- محمولا على المصرية للطيران ذات العلامة الفرعوني.. أثاث من بقايا مقتنيات أسرة "محمد علي" باشا.. كرمز لعلاقة الملكية المصرية بإمبراطورية فرانس يوسف القيصر النمساوي.. تلك القاعة التي زينت حيطانها بلوحات فرعونية.. كرمز آخر لحضارة مازال علماء الغرب قبل الشرق يسعون لحل رموزها.. القاعة ذات إضاءة شاعرية بأصابع فنان أستلهم عبيق الأجداد الذين سكنوا الإسكندرية ومزجه بمدنية غربية وحضارة أوروبية بنيت علىى أسس الحضارة الإسلامية ذات الجذور العميقة في تاريخ الإغريق واليونان.. إضاءةٌ يستمتع بها الأوروبي مرتدي الجينس وبيده طبق من الفول وبعض قطع الفلافل.. ويذوب في اشعتها المشرقي وهو يحتسي كوبا من الشاي الثقيل.. تلك القاعة المطلة على أرقى شوارع فيينا.. يقول رفيقي : « حين أريد أن أخطَّ حرفاً عنها.. لاترجم سيرتها معي.. وارسم صورة ساطعة مخبرا عن وجودها فترة في حياتي.. تتزاحم الحروف أمام ناظري ويخبو ضوء لمعانها في ذهني ليعطني لوحة شعرية ذات ابعاد زمنية وبشرية أو تزداد-الحروف- اشتعالا كمصباح دري كأنها تريد أن تعبث برؤية عيني لها.. كي تظل اللوحة عالقة في ناظري.. وكأنها عرائس تتراقص في ليل بهيم تحت ضوء مشاعل العشاق.. وشموع المحبين.. إذ يطول عليهم الليل في انتظار شمس حقيقة المشاعر وشموس صدق المحبة.. كل حركة من عرائس الحروف تخبر عن معنى مكنون.. وكل حركة تتكلم عن إحساس مكتوم.. وهي.. ».. -حبيبته- -يكمل رفيقي- « .. في كل أمسية من عمري معها.. هي تلك الراقصة الوحيدة والعازفة المنفردة ومغنية غربية تحت خيمة شرقية وهي الملحنة الأندلسية وكاتبة الحوار كمؤلف ألف ليلة وليلة.. وأيضاً المخرجة التي درست فنه في هيوليوود.. ومارسته في بوليوود.. وهي التي ترسم ديكور الحفلة.. حسب متطلبات المشاهد.. وأنا بمفردي كل الجمهور.. يصير الحرف؛ حين أريد أن أكتب عنها كآلوف الحروف.. يطير الحرف بجناحيه ليجلب لي طيور منذ قرون غادرت الكهوف ليحلقون فوق رأسي في سماء زرقاء.. صافية.. خالية من الغيوم.. مئات بل قل إن شئت ألوف.. يلحقها ألوف.. صار الحرف قصيدة لم أكتبها بعد لها بقلم ذي مداد سري.. لا تحسن قراءتها إلا عينها وتحت ضوء شمعتها.. وفي مخدعها.. فتلقي شعرها فوق وسادتها الحريرية.. هكذا حكت لي عند ما كنت أراسلها بخطابات من بلدان العرب التي كنت دائماً ازورها.. بل رسمتُ -قصيدتها- في عقلي.. في داخل نفسي تصاحبها روحي.. يضخها قلبي مع دفعات دمي في كل أنحاء جسدي.. فتجدد خلايا مخي وتقوي أعصابي.. رُسمت بالوان الطيف السماوي كقوس قزح بعد أن بلل المطر أعشاب صحراء حياتي بدونها القاحلة.. فتشابكت الأطياف ليخبرني كل طيف وكل لون عن عدة معان.. أعيد صياغتها لأحولها إلى حروف.. في قصيدة خالدة تخلد عشق رجل مشرقي لامرأة غربية شقراء.. خاصةً أنها في آحدى زياراتها معي إلى سالزبورج دخلت غرفة القديسة أم الإله.. في الكاتدرائية العتيقة -καθέδρα (كاثيذرا)- وأمام -كرسي أرشيدوق- كتبت في كراسة الزوار.. :" أيتها "Αγνή Παρθένε" ("العذراء النقية")..( يا أم الإله). الأم العظيمة.. كما حفظت ولدك مدة من الزمان فحفظي لي مَن أحبه.. وإنني اقسم لكِ إنني سأسعده في حياته.. فهو رجلي الوحيد كما كان السيدالمسيح وحيدك!!!".. وابتسمت في هدوء معلنة أنه صك كنائسي مختوم وموثق..»..
.. وكأني لمحت دمعة سالت من عينه.. خبأها سريعا في حركة عفوية للناظر إليه؛ فقد توقف رفيقي باحثاً عن فنجان قهوته الخاص به ليرتشف رشفة طويلة يمتصها مصاً كأنه يريد أن يشرب عصارة قهوة العرب.. ثم يكمل الحديث: «.. فتضع لي سلما اصعد إليها في عشها الذهبي المألوف.. صار الحرف يشبهني كأنه لساني ليعبر عن عشق بين حنايا قلبي مسكون وعليها ملهوف.. صرت أنا الحرف.. وصار الحرف أنا.. تمازجنا.. فمداده دمي.. ودمي صار حبر الخطاب.. فصار هو يتألم لبعدك عني.. وصرت أنا اسيل مدادا لأكتب لك ما خبأتُه بين فؤاد عاشق وقلب مكلوم.. وروح تتألم للبعاد ونفس عطشى للقاء.. وكأن لسان حاله يقول :" لا تبتعدني عني.. فعذاب النوى عذابان.. الأول لغياب حرف يعبر عن شوقي لكِ.. والثاني لغيابك وأنتِ الحبيب المطلوب..»
ثم يتساءل.. كأنه يستفسر من نفسه : « لماذا كل هذا حين أود أن أكتب عنها !؟ ».
رفيقي يسعى لإقناع نفسه بجواب منطقي فيقول : « .. لأنها بحق تساوي كل النساء.. لأنها بمفردها عرفتني على كل النساء.. فهي التي جمعت كل النساء في بوتقتها الصغيرة الياسمينية.. فصهرتهن وشكلت منهن أنثى جديدة لا مثيل لها.. لا تشبههن ولا يشبهنها.. امتازت دون بقية بنات جنسها بمقومات الأنثى الأسطورة.. بمميزات الأنثى الخالدة.. التي يريدها الرجل والتي لا يستغني عنها الذكر.. وهي تحسن كل شئ وكأنها تعلمت ودرست فن الحديث ولغة الخطاب وفن الكلام.. تعرف كيف تتكلم معي.. وتعرف كيف تتحدث عن افكاري.. وتخبرني عن أحلامي.. وتقص عليَّ خواطري.. وتكشف عن أوهامي.. » ..
.. نعم تحققتُ أن دمعة ذرفتها عينه يخشى أن يراها أحد.. حتى أقرب الناس إليه ... إنه بحق تربية ناصرية!!
ثم يتوقف متأولاً فيقول : « ..وهي احسنت الطهو وكيفية تقديم الطعام بصوت شجي كأنها قيثارة السماء.. طعامها موسيقى عجنت بصوتها.. فلا أدري ما يفتح شهيتي أحرفها في النطق.. أم طبقها على مائدة العشاء.. »
ويتوقف مرة ثانية متحسساً فنجان قهوته وينظر إليَّ قائلاً : « ليلها طويل.. كما أن نهارها طويل.. ومع ذلك تقول لي :" الوقت معك يمضي سريعاً".. فطعامها لذيذ.. فأنا لا أترك فتات الطعام لعصفور جائع أو ابدره لحمام يقف فوق شباك مصبخها.. فقد علمتني الأيام من خلال جدتي أن لا استهين بصغائر الأمور وكانت تقول لي (جدتي) لا تستهين يا حفيدي بشئ صغير فإن الجبال الشوامخ الراوسي .. إنما تركبن من الحصا".»..
تعرف كيف تتأبط ذراعي في شوارع المدينة العتيقة.. إنها تعرف جيدا قهاوي العاصمة ذات النكهة القيصرية والطابع الإمبراطوري... وتعرف كيف تلف شالي حول عنقي وقبله تحسن ضبط رابطة عنقي.. وتقوم بإزالة الغبار عن حذائي.. هي تهتم بي تماماً..
« خلال زمن معرفتي بها لم الاحظ أنها لا تحسن القيام بأي شئ.. إنها امرأة التعريف فهي تعرفني ببقية النساء.. فهي تكفيني !! ».
**
رفيقي لم يقترب من ذيل فستان امرأة إلا ولها خصوصية.. ولعل تميّر رفيقي برجولة جذابة وفحولة طاغية وشخصية متميزة ولباقة في الحديث فهو بحق يحسن التعبير ويتقن فن الكلام عامة من النساء.. وخصوصاً مع امرأة تعجبه.. وهذا ما جعله يحسن التعرف على نساء من نوع خاص وطراز بعينه.. إنهنَّ نساء البلاط الملكي.. نساء قصور السلاطين.. نساء الأمبراطوريات التي حكى عنهن التاريخ وتجدهنَّ فقط في روايات تراها فوق الشاشة الفضية.. سينما الكلاسيك..
**
خَشيتْ أن تفتقده.. فإذا فقدته فقد فقدت أغلى ما تفتخر به النساء.. وفقدت أعز ما يمكن أن تتحدث عنه النساء.. "عاشق" "محب" "ولهان".. يحسن معاملة المرأة.. أولاً كــ إنسان.. لا تحمل فوق كتفيها رأس معطر أو مصبوغ بالحنا الهندي.. أو خلطت على شفاهٍ وردية أحمر قان أو أحمر غامق.. بل تحمل بين كتفيها عقل وفكر.. وثانياً كـ أنثى.. ذات مشاعر وأحاسيس تحمل قلب خفاق يريد أن يلمس لفظة حنان.. وثالثاً كـ غزالة شردت في الصحراء.. يلهث خلفها بإعجاب.. يسعى جاهدا للقرب منها.. فيلقي تحت قدمها زهور في كل صباح فتغادر المكان مسرعة وينتظرها حتى يأتي المساء فيلقي زهرة في طريق ممشاها.. ويحسن اختيار الهدايا.. وهذ ما يعجب كل النساء.. دون استثناء.. فهي ليست كبقية النساء بل إنها تفوق كل النساء.. فمجيؤها نسيم هب من جنة الرضوان.. خطواتها إيقاع يتلوه عزف منفرد.. تستحل الأذن السماع.. خطواتها مع طول فرعها كنخلة إذا هززتها تعطيك ثمر حلو المذاق.. إذا اقبلت عليك اقبلت الدنيا بزهرتها وطيبها.. هي إذا أقبلت كانت كأرض حرث فتأتي حرثكَ آنى شئت.. ثابتة على حبك لا تريد ولا ترغب في سواك.. فأنت الرجل الوحيد في حياتها.. بل في العالم أجمع.. تلحفك بشعرها الذهبي.. فرفيقي يعشق الشقراء.. تغطيك بهدب أسود كـ ليل بهيم.. توقظك في فجرها الندي بهمسة في أذنك.. صدرت على التو من قلبها فمرت فوق روحها العاشقة ونفسها الولهانة.. في يدها فنجان القهوة العربي وفي يدها الآخرى حبات تمر عربي سقاه عرق رسول.. تريدك أن تدور دائماً في فلكها وهي ترسمه لك.. هي تجذبك إليها بنبض قلب.. هي تشدك إليها بنظرة عطف.. إذا اعتمت الدنيا وغاب قمر السماء بين السحاب فتحت ثغرها فتتلألأ نجوم سمائها وتغني كواكب مجراتها وبريق عجيب يأتي من بين رمش وجفن... هي تضئُ لك الطريق بل قل إن شئت هي الطريق المضئ.. ما من ثمر حلو مذاقه إلا أنه -رفيقي- ارتشفه من بين شفة غمست في فاكهة الجنة وبين نهر عسل من الشفة الآخرى.. مزيج من ثمار جنة آدم وبين رحيق مهبطه في بلاد الهند.. فالتقيا فوق عرفات فتعارفا.. ثم ازدلفت إليه.. هي افتخرت على بنات جنسها بهذا الرحيق أو المزيج أو الخليط.. فهي المرأة الوحيدة في هذا العالم الذي يعيش فيه رفيقي..
**
ورغم ما حكاه رفيقي لي عنها.. تركها.. غادر عشها الذهبي.. ووقف على باب غيرها.. فقط لأنها أعجبته أكثر من الأولى.. وحداثة سنها.. وأنها لم يسبقه أحد لقطف ثمرتها قبله.. فهي فتاة بكر.. لم تعرف رجلا سوى إلا والدها ولم تراقص إلا عمها ولم تمازح إلا خالها ولم يحملها فوق كتفه إلا جدها.. ثم نظر إلى سقف الحجرة.. كأنه يريد أن يوجد العذر المقبول.. وقال لي هامساً.. « جدي لأبي كان يقول لي :" اقترب من العذراء صاحبة الخدور.. تعش عمرا سعيدا بل تعش بجوارها دهور..! فريقها العذب خير له من شهد وعسل الدنيا كأنه موجات بحور"..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة من رواية:
«الرجل المشرقي»...
محمد الرمادي
10.11.2018

قمة الصحة النفسية !

.. الصحة العقلية والصحة النفسية يكونا معاً شخصية الإنسان السوي؛ بيد أن وجود خلل ما في آحداهما أو كليهما يطلق على صاحب هذا الخلل بأنه مريض عقلي أو لديه اضطراب نفسي.. وقد يؤثر هذا على الصحة الجسدية أو البناء البدني..

وفهم الإنسان للاشياء؛ اي ادراكه لها وبالتالي ان يعقلها حسب كيفية بعينها تتشكل في خلايا المخ تكون له عقلية خاصة معينة.. إذ الإنسان يتميز بعقله عن بقية المخلوقات وبادراكه وبفهمه.. وليس فقط مجرد وجود جهاز عضوي يسمى المخ؛ فالحيوان لديه مخ وليس لديه عقل أو فهم أو ادراك.. فالحيوان يعيش في نفس البيئة التي عاش فيها منذ بدأت خلقته ووجوده.. بخلاف الإنسان صاحب المدنية ومالك الحضارة.. فالحيوان لديه أحساس وغرائز وحاجات.. ويمكنه -الحيوان- ربط الواقع بما لديه من غرائز لإشباعها.. وهذا بخلاف الإنسان..

والإشكالية التي تواجهنا جميعاً مع أن العقل والفهم والإدراك مفطور في التركيبة الأصلية في الإنسان وينمو فوجوده حتمي لدى كل إنسان.. إلا أن تكوين العقلية أو تكوين تلك الفهمية أو تكوين هذا الإدراك الإنساني يتم ويجري بفعل الإنسان أو بيئته أو المناخ الذي يعيش فيه أو أسرته التي تربيه وتعلمه أو معلمه الذي يأدبه ويثقفه.. وهذا ما يجب أن نهتم به

وهنا يمكنني القول بأنه توجد عقلية يصلح أن نسميها أو نصفها.. بأنها: نفعية أو انتهازية او رأسمالية.. أو اشتراكية وتوجد في المقابل عقلية آخرى نسميها إسلامية.. بمعنى أن العقلية التي تفكر على اساس الأحكام الشرعية العملية؛ والمستنبطة من أدلتها التفصيلية : الكتاب الكريم والسنة المحمدية.. اي ما تسمى بـ : آيات الأحكام .. وأحاديث الأحكام.. تلكما المرتبطة بلحظة التفاعل مع أحداث ومواقف وتصرفات الحياة المعاشة مع كيفية الإشباع للاشياء وكيفية القيام بالأعمال والتصرفات..

وعليه فالعقلية الإسلامية هي التي تفكر على أساس الإسلام.. كطريقة معينة في الحياة ونمط خاص من العيش وكيفية معينة في التعامل مع الذات أو الآخرين ..

وهذا يتطلب دراسته - اي الإسلام: كـ منهاج وطريقة وشريعة وكيفية- يعني : كـ مسائل تحتاج لعلاج.. وفهمه كأحكام عملية قبل القيام بالفعل..

وهذا يبعدنا -قليلاً- عن تلك العقلية العارفة العالمة بأحكام الإسلام.. دون الرغبة الحقيقية أو الإرادة القوية في تطبيقه أو تفعيل هذه الأحكام اثناء الممارسة الفعلية.. بغض النظر عن نوع المسألة أو القضية او الإشكالية .. فالكثير منا يعلم.. والقليل منا يطبق.. وينفذ..

قلتُ : أن الإنسان يتميز بعقله اثناء إدراكه الاشياء ومزاولته للفعل.. وسلوكه هو الذي يدل على سموه وعلوه أو انخفاضه ووضاعته وسفالته اثناء الممارسة للفعل المرتبط بالشئ.. فالسلوك الإنساني الفردي في الحياة المعاشة ينطلق بحسب ما فهمه عن هذه الحياة وكيفية إدراكه لها وعقله آياها..

فالسلوك هو عمل مرتبط ارتباطا وثيقاً حتميا بغرائزه وحاجاته العضوية.. أو بتعبير آخر السلوك مرتبط بتلك الميول الكامنة بداخله عند اشباعه لما يتطلبه ويحتاجه.. وتحركه أو تدفعه لعملية الإشباع..

فشخصية الإنسان تتكون من عقليته.. ادراكه.. فهمه للحياة ونظرته للفعل أو الشئ اثناء الاقدام عليه بأخذه أو الإمتناع عنه.. أو قيامه بهذا الفعل أو عدم رغبته في فعله وإن تيسر له الفعل وعدمه في نفس اللحظة.. كشارب كأس الخمر أو شارب فنجان من القهوة..

فالعقلية هي المكون الأول من شخصية الإنسان..

أما الجزء الثاني فهو : النفسية.. وما يقال عن العقلية يمكننا أن نقول به وننزله على النفسية.. فالإنسان هو الذي يكون نفسيته.. وإن كانت الميول لحظة الإشباع مفطورة عنده ووجودها حتمي لديه إلا أنه هو -الإنسان- الذي يقوم بتكوين وتفعيل هذه النفسية.. فدوافع الإشباع عند الإنسان حين يجري ربطها بواسطة امتزاجها الحتمي بما عنده من ادراك أو فهم عن الحياة وكيفية العيش بين الناس تتكون النفسية..

وكل هذا لا يمنع من و جود ثغرات في السلوك الفردي الإنساني..

وهنا يأتي الحديث عن الصحة العقلية أو مرضها.. والحديث عن الصحة النفسية وسقمها...

فما نطلق عليه:" قدرة الفرد على التعامل مع البيئة المحيطة به، وتغليب حُكم العقل على الانفعالات التي تنتج نتيجة لتأثّره بالعوامل التي تدفعه للغضب، أو القلق، أو غيرها. "... يمكننا أن نسميه بالصحة النفسية..

وتُعرف أيضاً بأنها:" مجموعة من الإجراءات والطرق التي يتّبعها الأفراد في المحافظة على صحتهم النفسية، حتى يتمكّنوا من إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تواجههم.. أمّا التعريف الأشمل فكان لمنظمة الصحة العالمية؛ حيثُ عرّفت الصحة النفسية على أنّها :" حالة من التعايش الصحي السليم في جميع النواحي الجسمية والنفسية والاجتماعية والخلو من العجز المرض النفسي والجسمي"، ومن الممكن تعريفها أيضا بأنّها :" التفاعل الإيجابي السليم مع الذات الداخلية ومع البيئة الخارجية"..

إذاً فهي الحالة السائدة والمستمرّة نسبياً عند أغلب الأفراد في أغلب الأحيان، فيسود شعور السعادة الداخلية والخارجية، ويرتفع معدل الإنجاز والطموح، فيكون فرداً سويّاً حسن الخلق.

العوامل المؤثرة في الصحة النفسية

تتأثّر الصحة النفسية عند الأفراد منذُ بداية نموّهم الجسمي والنفسي والاجتماعي بالعديد من العوامل البيئيّة الخارجية أو النفسية الداخلية، فللصحة النفسية عوامل عدة مهمة تؤثر على حسن سير الحياة أو تعثرها، كما وتؤثر على سلوك الأفراد داخل المجتمع أو مع الغير..

ومنها:

١ . ] الأسرة:

فهي العامل الأول الذي يعدّ من العوامل الرئيسة والهامة والتي تؤثر على الصحة النفسية.. إذ تُعتبر الأسرة أوّل وسطٍ طبيعي للفرد، يعيش فيه بشكلٍ جماعي.. فهي البيئة الحاضنة الأوليَّة للطفل وأكثرها تأثيراً عليه في المستقبل؛ حيثُ اتّفق العلماء على أنّ السنوات الخمسة الأولى من حياة الطفل هي الأساس المُكوّن لشخصيته بشقيها -العقلي والنفسي- واتجاهاته وميوله وأنماطه السلوكية والعاطفية والمشاعرية والتي ستستمرّ معه في مراحله العمرية المتقدمة، فالتنشئة الأسريّة السويّة تُخرج أطفالاً وأفراداً أسوياء وسليمين متوافقين مع أنفسهم ومع من حولهم، أمّا التنشئة الأسريّة غير السليمة قد ينتج عنها أفراد غير أسوياء، ويعانون من بعض السلوكيات غير التوافقيّة؛ نتيجة لاكتساب بعض القواعد والأنماط غير المرغوب فيها من الأسرة؛ كالأنانية المفرطة، وعدم تحمل المسؤولية، وغيرهما..

فعندما يعيش الإنسان في أسرة مترابطة متماسكة يسودها الحب والأحترام والسكينة والهدوء والطمأنينة يتمكّن -الفرد الناشئ- من تكوين شخصية سوية، وذات نفسية معتدلة، وخالية من الأمراض النفسية، بعكس الأفراد الذين يعيشون حياةً مضطربة في طفولتهم نتيجةً لوجود خلافات عائلية، أو عدم وجود أسرة متكاملة، فعندها تُصبح نسبة التعرّض للإصابة بمرض نفسي مرتفعة..

كما لا ينبغي إغفال الحالة النفسية والمزاجية للحامل والمرضع وما زال الإنسان جنيناً في رحم أمه.. ثم المربية الأولى..

٢ .] البيئة الحاضنة بعد الأسرة .. والمناخ العام الذي يعيش فيه هذا الناشئ:

٢ . ١ . ] زملاء اللعب في الشارع .. والحدائق العامة أو رياض الأطفال..إلخ..

٢ . ٢ . ] الحالة المزاجية والنفسية والعقلية لمربيات الأطفال في الروضة

٢ . ٣ . ] التلقي غير مباشر من سماع الفاظ واقوال ورؤية تصرفات الغير -خاصة الكبار- بغض النظر عن الوسيلة: تليفزيون .. سينما .. أو الكيفية.. الخ..

٢ . ٤ . ] التلقي غير مباشر من خلال منصات التواصل الإجتماعي..

٢ . ٥ . ] التلقي المباشر من معلم الإبتدائي أو الإعدادي.. فـ المدرسة هي المؤسسة التعليمية الرسمية التي ينتقل إليها الطفل في عمر محدد، ويذهب إليها وهو مزوّد بالقيم والمعايير والاتجاهات النفسية والاجتماعية الأساسية؛ حيثُ تعمل المدرسة على توسيع دائرة ما اكتسبه الطفل في محيط اسرته بطريقة مُنظّمة ومدروسة، وفي المدرسة يتفاعل الطفل مع أصدقائه ومعلميه في البيئة الصفّيّة التي تؤثّر بدورها سلباً وإيجاباً على الصحة النفسية له؛ فالبيئة المدرسية التي تتّسم بالانضباط والنظام مع الحرية والديمقراطية تُنشئ فرداً مدعّماً بالصحة النفسية السليمة أكثر من الفرد الذي ينشأ في بيئة مدرسية تتّسم بالفوضى وعدم الانضباط والاحترام.

٢ . ٦ . ] الوعظ الديني التقليدي.. والإرشاد الفقهي الخالي من المضمون.. والتركيز على عذاب النار وما يحدث في الجحيم.. بمعنى الاهتمام بجانب الترهيب وإعلاء شأنه.. وإهمال جانب الترغيب وخفض مدى جدواه

ثم يأتي أخيرا وليس آخراً ..

٢ . ٧ . ] المستوى التعليمي والثقافي أو ما يسمى بالجانب المدني وايضا الحضاري..

٢ . ٨ . ] : النجاح المستمر في التعليم.. والتفوق المتواصل في دراسة بغض النظر عن نوعها والدرجة العلمية الحاصل عليها الإنسان.. ينبغي أن لا نغفل ما يحدث في الغرب من تربية وتنشأة الإنسان وفق معالجات أربع.. هي :

. 1Bildung…

. 2Ausbildung…

. 3Weiterbildung…

. 4Fortbildung…

٣ . ] : العمل

طبيعة العمل الذي يعمل فيه الإنسان تُعدّ من المؤثرات التي تؤثر على نفسيته، فعندما يعمل بأجواء مناسبة عندها يكون مرتاحاً نفسياً للقيام بعمله بشكل أفضل، بعكس وجوده في ظروف عمل غير مناسبة، فمثلاً: عمل الأفراد تحت أشعة الشمس المباشرة في أيام الصيف، مع عدم توفير أيّ وسائل لحمايتهم من الإصابة بضربة شمس من المحتمل أن يؤثّر ذلك على صحتهم النفسية، ويشعرهم بالقلق من طبيعة عملهم.

أو بتعبير آخر:

٣ . ١ . ] : النجاح في العمل

يكون النجاح في التفوق في في المجالات المهنية والعملية والنجاح في أداء المهام بشكل كامل، كما أنّ تقدير الفرد للمستوى العامّ له في القدرات والكفاءات الشخصية يُساعده في توظيف مهاراته في مكانها المناسب لتكون أكثر كفاءة وفاعليَّة، بالإضافة إلى السّعي الدائم للارتقاء بالمستوى الوظيفي واختيار الفرد لنفسه المكان والمهنة المناسبة. كما يُضاف إلى ذلك عدم مقابلة حالات الفشل في جميع المجالات العملية والحياتية بالإحباط والانسحاب، واختيار الأنماط السلوكية والاستجابة المناسبة في مواقف العمل والتعايش مع المجتمع العملي.

التوافق الذاتي

هو حالة من الاستقرار النفسي التي يكون فيها الفرد متوافقاً مع ذاته ومتكيّفاً مع مستواه وإمكاناته وقدراته وكفاءاته الذاتية، وإدراكه لمواطن القوة ومواطن الضعف التي يتمتع بها، وإمكانيّة استثمارها والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، وبالتالي تحقيق مبدأ الأمان الداخلي والرضى عن الذات ومحبّتها، بالإضافة إلى توجيه وضبط الانفعالات والاستجابات في المواقف المختلفة، والتقدير الذاتي المتوازن من دون مبالغة ولا تحقير.

التوافق الاجتماعي

وهو قدرة الفرد على التكيُّف الجيّد مع البيئة الخارجية في جميع المواقف الاجتماعية المبنيّة على طرق التفاعل مع الآخرين لإقامة العلاقات المختلفة في كافة البيئات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والعمل والجامعة وغيرها، فتكون استجابة الفرد الاجتماعية متكيّفة وذات مستوى عالٍ من التآلُف والإيجابية، وبذلك يكون راضياً عن أدائه الاجتماعي، ويكون الآخرون من حوله راضين عن التعامل معه من خلال التعاون وتبادل الاحترام والثقة والتسامح والمرونة.

الاتّزان والنضج في الانفعالات

يتميّز الأفراد المتمتّعين بالصحة النفسية بالاتزان الانفعالي، والثبوت العاطفي والوجداني، والاستقرار في الميول والاتجاهات الذاتية والاجتماعية، والنضج في آلية الاستجابة للمثيرات المختلفة؛ فيكون هناك حالة من التوازن بين شدّة المثير وشدة الاستجابة المترتّبة عليه، بالإضافة إلى القدرة على مواجهة الظروف الحياتية والضغوط المختلفة، وحل المشكلات ومعالجتها بشكل إيجابي وبَنَّاء، ومواجهة الإحباط والأزَمات الحادة بأقلّ قدر من الآثار النفسية السلبية، والقدرة على تحمل المسؤوليات الاجتماعية وتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عن السلوكيات الذاتية المختلفة.

الإقبال على الحياة وحسن الخلق

يكون الفرد مُقبلاً على الحياة مُحبّاً لها مستمتعاً بوسائل الراحة والسعادة المتاحة لديه، ويكون إيجابياً في أغلب أحيانه متوقعاً للخير ومتفائلاً به، كما يكون راضياً بكلّ ما هو متاح من قدرات مادية وذاتية واجتماعية، والقدرة على التّأقلم والتكيف في مختلف الظروف والمواقف التي من الممكن أن يتعرّض لها الفرد، والترحيب بالخبرات والتجارب الجديدة وحبّ الإقدام عليها، بالإضافة إلى تميُّزه بالقدر العالي من حُسن الخلق، والتحلّي بالصفات الحميدة، والبعد عن الآثام والفواحش، ومحبّة كلّ من حوله.".

ويتبقى لنا ما جدَّ فقد

:" احتفلت منظمة الصحة العالمية باليوم العالمي لمنع الانتحار الذي يصادف العاشر من سبتمبر من كل عام، بالتعاون مع الجهة المنظمة الرئيسة لليوم وهي "الرابطة الدولية لمنع الانتحار" بهدف زيادة الوعي حول العالم بأنه من الممكن منع الانتحار.

واليوم العالمي لمنع الانتحار، يتيح فرصة أمام الناس في جميع أرجاء العالم لتوحيد الجهود في الالتزام والعمل بغية ضمان منع عمليات الانتحار وتوفير العلاج المناسب لأولئك الذين يعانون من أمراض نفسية وإتاحة خدمات الرعاية المجتمعية وخدمات المتابعة الوثيقة لأولئك الذين يحاولون الانتحار وتقييد إمكانية الحصول على وسائل الانتحار الشائعة وزيادة تقدير التقارير الإعلامية الخاصة بعمليات الانتحار.

وحسب منظمة الصحة العالمية، فان الانتحار هو أمر يمكن الوقاية منه، وبرغم ذلك، يموت شخص كل 40 ثانية جراء الانتحار في مكان ما حول العالم، وهناك كثيرون آخرون يحاول الانتحار، مشيرة الى ان الانتحار يحدث في كل مناطق العالم وفي مختلف مراحل العمر.

ويحتل الانتحار المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب في الفئة العمرية 29-15 سنة على مستوى العالم. ".

" وزيرة لمكافحة الانتحار في بريطانيا.. لندن استضافت قمة للصحة النفسية شارك فيها 50 بلداً يوم الأربعاء الماضي

فـ :" في حين تستضيف الحكومة البريطانية أول قمة عالمية للصحة النفسية، عيّنت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وزيرة لمكافحة الانتحار لأول مرة. وقالت ماي إن تعيين جاكي دويل برايس لهذا الدور الجديد سيساعد في التعامل «مع قضية الانتحار».

ورغم الانخفاض في معدل الانتحار في بريطانيا، تفيد الإحصاءات بأن 4500 شخص يضعون حداً لحياتهم سنويا. وقال الأستاذ بجامعة مانشستر، لويس أبيلبي، الذي يعد واحداً من أبرز الخبراء في قضايا الانتحار، إن تعيين وزير لمساعدة الآخرين على مواجهة الانتحار خطوة «مهمة»، مضيفاً أن الانتحار ليس مشكلة صحية تخص وزارة الصحة فحسب، إنما هي قضية تشترك فيها جميع أجهزة الحكومة. وتابع أن وجود وزير (للصحة النفسية) سيساعد في «فتح الأبواب» أمام الناس، وإتاحة الفرصة للحديث عن الانتحار وآثاره.

وتعهدت الحكومة البريطانية تقديم مزيد من الدعم في المدارس، وتوفير فرق دعم خاصة للصحة النفسية، والمساعدة في قياس مستويات صحة الطلاب. ".

مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

تابع .. أم شريك

العلاقات الخاصة أو العامة تعني جلب مصالح ودرء مفاسد.. سواء علاقة الأفراد فيما بينهم أو بين الشركات المصنعة والمنتجة وبين المستهلك.. أو بين الدول فيما بينها من علاقات تجارية.. ثقافية..
والسياسة مصالح تحصل ومنافع تجلب ومفاسد تبعد.. وأحيانا كثيرة يغيب المعيار الأخلاقي وليس فقط المبدئي.. حتى في مجال الطب والهندسة المعمارية.. ويسقط الإنسان من علوه إلى مستنقع الخطيئة.. والمقصود هنا الإنسان بكينونته الخُلقية واصل تكوينه البشري لحظة ممارسة علاقة ما.. والأمثلة عديد في جميع المجالات وكل العلاقات سواء التجارية.. اي النفعية الخالصة أو الروحية..
ثم هناك فارق بين التابع والشريك.. بين المفعول به وبين من يتعامل مع الآخر كالند للند..
ثم تأتي عوامل لتنظيم هذه العلاقات.. وهذه العوامل إما وضعية بشرية متغيرة متقلبة وفق المزاج العام للبشر فتتعدل من زمن لآخر.. وإما مستقرة ثابتة.. بمعنى أنها منهجية..
وهنا يجب التفريق بين الطريقة وبين الإسلوب.. فالطريقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.. أما الاسلوب فمتغير دائماً وفقاً لتغيّر الزمان وتغيير المكان وتغير حال الشخص الواحد..
إشكالية الأمة الإسلامية ومنها العربية أنها لا تملك اليوم طريقة واضحة في تنظيم علاقاتها مع الآخر سواء الآخر العربي.. أو الإسلامي.. أو غيرهما.. أو على المستوى الفردي أو الجماعي أو الإقليمي أو الدولي.. والأسوأ أنها لا تملك اسلوبا في كيفية تسير العلاقات.. فهي -الأمة- تعيش على هامش العلاقات وعلى اقصى طرف المعادلة الإنسانية في التعامل مع الآخر.. بل متواجدة على هامش المعاملة النفعية المصلحية.. وهي غائبة تماما عن تفعيل سياسة داخلية تنفع المواطن العادي أو مع الدولة العربية المجاورة لها في المنطقة الجغرافية فينتفع الجميع وبالتالي غائبة عن تفعيل دور لها على المستوى الإقليمي أو الدولي.. بل لا يسمع لها صوت في المحافل الدولية أو خلال أنشطة المنظمات العالمية..
طبلت وسائل الإعلام المرئية وزغردت المكتوبة حين تحدثت وزيرة خارجية لبلد أوربي حين بدأت خطابها بالحديث باللغة العربية.. في قاعة الأمم المتحدة .. والتي تعلمتها أولا في عاصمة بلادها ثم مارستها إثناء تواجدها في بلد عربي..
.. النادل في المقهى يقدم لك خدمة مدفوعة الآخر..
الساقطة في قاع الرذيلة في البيئة القذرة تقدم خدمة مدفوعة الآخر..
غير أن الطبيب أو الممرضة يقدما خدمة إنسانية مدفوعة الآخر ايضاً وكذلك المعلم.. بيد أن كثير من اهل العلم رفضوا العطايا من الأمراء والحكام وكان لهم صنعة لأن العلم لا يقدر -كما انتشرت التفاهة المصرية- بالباذِنجان.
.. طلب الغرب إقامة معسكرات لـ اللاجئ العربي عند سلطان تركيا فقبل للحصول على مقابل.. بينما مِصر رفضت نفس الطلب فاعتبر الأول تابع.. والثاني مشارك في رسم السياسة في منطقة حوض المتوسط بل وفي القارة الغربية ..
الإنسان-منذ نشأته الأولى بين أحشاء أمه؛ ويتمركز في منتصفها في منطقة سميت بالرحم مشتقة من الرحمة- يحصل منفعة حياتية فيتغذى كي يتكاثر من خلية واحدة كي يتكون بعد حين من الزمان إنساناً فيعيش فيحصل كل ما يحتاجه من أمه من مواد ضرورية للتكوين البشري.. بل وللتكوين المزاجي والهدوء العاطفي أو الاضطراب النفسي.. وهو -الجنين مازال في صومعته "الرحم"- ثم تكمل دورها الرائع الفذ حبا وحنانا ورضاعة وتنظيفا وتربية لسنوات عدة.. دون ملل أو كسل.. ونسميها غريزة الأمومة ودورها البيولوجي الهام في حياة البشرية السوية دون قلق.. إذ أن الفارق بين الحاجة العضوية عند الإنسان وبين اشباع غريزة ما لديه.. أن الأولى تتطلب إشباعا حتميا وإلا هلك الإنسان كالنوم والإخراج.. أما الثانية فتتطلب إشباعا فقط.. ولا يهلك الإنسان أن لم يشبع هذه الغريزة.. واستغل صناع البضائع(!!) سذاجة البشر في الغرب والشرق وركزوا الإهتمام على مسألة الإشباع الغريزي.. فقامت الثورة الجنسية في بداية الستينات من القرن الماضي وصارت فوضى على منصات التواصل الإجتماعي.. ثم اضطر برلمان في دولة من دول العالم الأول وعضو الإتحاد الأوربي لسن قانون يعاقب من يتحرش ضد الأنثى في مكان العمل أو الشارع العام..
.. ثم يحتاج الإنسان لمعلم وخباز وحكيم يطبب ومنظف للشارع.. ثم يحتاج لصاحبة له ليكمل دور النماء الإجتماعي.. وايضا النماء الإقتصادي والتقدم العلمي ووسيلة الترفيه.. لذا لا يصح أن ينخفض الإنسان بما كُرم مِن صانعه أو مبدعه وبما يتحصل من خدمات تقدم من الغير مدفوعة الأخر أو متحصلة الثواب الجزيل .. لا يصح أن ينخفض إلى آدنى مستويات إشباع الغرائز وتحصيل ما تتطلبه الحاجات العضوية..
عقلية السياسي تختلف بالقطع عن عقلية التاجر.. لذا نسمع أمس ما قاله العاهل الأشقر الأمريكي إثناء مكالمة تليفونية مع العاهل العربي مِن آل سعود..
وفارق بين السماء والأرض حين نقارب بين عقلية ونفسية الأم الحامل المرضع المربية وبين عقلية الخادمة المدفوع لها الآجر لخدمة الوليد.. ولعل الجيل الحالي من ابناء الخليج يعانون الإزدواجية في النفسية والعقلية بين أم عربية وبين خادمة هندية.. وبين جيل مصري ربته خادمة فلبينية.. فقط إذا وضعنا عامل اللغة والثقافة.. ونضيف دون حرج عامل العقيدة والتدين..
السياسي الأصل فيه أنه يقوم برعاية شؤون قومه وفق مبدأٍ تقبلوه.. أما التاجر فهو يقوم برعاية شؤون مصنعه ليحصل أكبر قدر من النفع المادي على حساب العاملين عنده وعلى حساب القوة الشرائية.. صحيح وضعت قوانين ولوائح لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل.. لكن يوجد بالقطع تحايل أصيل في العقلية النفعية.. وهنا يتدخل أهل الخبرة ورجال العرف ومن ثم توجد معاهدات دولية وأعراف إقليمية لتسيير العلاقات التجارية أو النفعية كي تجلب منافع كثيرة وتقلل من خسائر..
تكاد تكون العلاقات جميعاً عقود تبرم بين طرفين أو أطراف عدة وهم يتفقون في المبدأ العام لكنهم يتفاضلون في التفاصيل.. ثم يتم تعديل من حين لآخر في أشكال العلاقات وبالتالي في البنود.. وهذه سُنة الحياة .. وطبيعة التقدم البشري والحضاري..
تراجع المسلمون في دورهم البشري والقيادي وتخاذلوا عن دورهم المعرفي والحضاري منذ عدة سنوات لعدم قدرتهم على إعطاء خطاب يتناسب مع العصر الحديث في كافة المجالات مع الاحتفاظ بالثوابت والتمسك بالقيم العليا الراسخة.. والقدرة في تغيير الاسلوب ليناسب العصر..
الكثير منهم ما زال يعيش مع أهل الكهوف في طريقة تفكيره -ولا اقصد طريقة ارتداءه الهندام- وحصر ذهنه بمراجعة ما كُتب في عصور الائمة الكبار في زمنهم.. الشافعي مثلا ولد في العام [١٥٠ هــ ] وعاش [٥٤] ومات عام [٢٠٤ هــ ].. ويجب إنزال الثابت الصحيح الموافق لبشرية الإنسان والمتناسب مع تكوينه وآدميته.. إنزاله على قضايا زمن معاصر ومعالجة مسائل العصر المعاش..
ولعل تجديد الخطاب الديني الذي يطالب به البعض منذ عدة سنوات مضت يمثل البطة العرجاء المطلوب منها التسابق في حلبة للـ "فورمولا واحد" : "موناكو جراند بريكس".. أو "ناسكار": "دايتونا 500"..
الإشكال الذي يواجهنا كعرب في الغرب.. أننا لا نشارك في صناعة المستقبل معهم في القارة الأوربية.. وهم يطلبون منا الإندماج.. ولا يحسن أحد -منا أو منهم- تعريفه.. ولا أقصد أن فلان طبيب ماهر فقط في مستشفاه أو عيادته.. أو علان مهندس مبان.. اقصد المشاركة في بناء أوروبا مع التغيرات التي تقترب من أن تكون جذرية في نمط الحياة.. وكيفية العيش وشكل المجتمع.. والسياسة التي ترعى شؤون المواطن الغربي.. ومِنا مَن يحمل جنسية القارة الأوربية وصار جزءا منها.. واصبح هو مواطنا في الاتحاد الأوربي..

الرمادي
١ أكتوبر 2018م

الخطر الأزرق .. همٌ أخضر

قُبيل القضاء على العدو الأحمر -الشيوعية- والإجهاز عليه كان ينبغي أن يُعد لوجود عدو أكثر شراسة وأشد فتكا؛ خلفا له؛ ولكي يكون الإيجاد طبيعي شارك افراد مغمورون في هذا الإجهاز.. برعاية دولية ومساندة حكومية وبأموال، وأسند لهم مهام وأدوار في مخطط بعيد المدى؛ ثم جاء الإعلام وأخترع لجماعة مسمى «التكفير» و «الهجرة».. وهذا ليس اسمها الحقيقي؛ وقامت بعمليات سطو على تجار الذهب المسيحيين وقتل لسياح أجانب.. وفي الظل كانت هناك جماعة تتحين الفرصة للظهور لتمتطي ظهر الأرنب الحبيس.. وفئة لبست مسوح رهبان التاريخ تسعى للتمقعد اسفل سلم المنابر للوعظ والإرشاد.. لتمتلك الخطاب الديني الداخلي والخارجي من خلال قنوات فضائية ليسهل الدخول إلى كل بيت دون إعمال عقل أو إدراك فحوى نص.. وبما أن الساحة الإسلامية خالية من العلماء الربانيين وفارغة من القادة الحقيقيين فكل من سمع شريطَ كاسيت صار إماماً.. ومن تصفح كتابا صار داعية.. فتأتي أخيراً الإدارة المِصرية لتمنع استخدام لفظ "داعية"..
بدءَ يُنظر إلى الوهم الأخضر باعتباره الخطر القادم.. وهيئ له مناخ عام للإخافة والإرعاب سواء للداخل المتأسلم أو الخارج المسمى وفق ادبياتهم "الكافر".. وجاء الخطاب الوعظي لأغراض تسطيح عقول الناس فتكلم عن جهنم والنار والجحيم والعذاب وتلبيس إبليس للإنسي ولأغراض سياسية يهاجم الغرب.. والخطاب الإرشادي للقيام بعمليات إرهابية وسمح له في حدود.. وعاد فضيق عليه الخناق؛ بل صار يناوشه في عقر داره بجهاد القديس الذي فقد معبده ونتيجة لحالة الضعف الشديد الاقتصادي والفقر المدقع في غالبية دول عربية أو مَن يسكن في آخرى كُتب في بطاقته التعريفية «مسلم» أتجهت الأنظار للدول الغنية.. إما دول النفط الخليجية يجاورها العراق أو الدول الرأسمالية الغربية فشُد الرحال لهذه أو تلك..
فصارت غالبية سكان المنطقة العربية تريد الهجرة سراً لدول الشمال الغنية.. وصارت الهجرة اليوم علنية.. يكفي أن تبحث من خلال منصات التواصل الإجتماعي لتتفق مع مَن سيهربك.. ومهاجرة الحالة السيئة التي تعيشها.. وإرسال الفتات لأم عجوز أو زوجة غائب..
المواطن العربي أو مَن يسكن بقعة رسمت جغرافيا أنها أرض «إسلام» لا يحمل وجهة نظر في الحياة؛ وإن علمَ أن بعد الموت حياة.. ولا يملك مبدأ اساسي تنبثق منه كافة معالجات مسائل الحياة وقضايا المجتمع.. وليس لديه مجموعة أفكار يتمكن من خلالها الإجابة بتبيان عن دوره في الحياة وكيف يكون إنسانا ويحل لغز الكون.. ولم يناقش حزمة القيم الإنسانية والتي يشاركه فيها غيره ولا لديه كتلة من المفاهيم ليتمكن من تحويلها إلى سلوك سلبي بالإمتناع عن فعل أو إيجابي بالقيام بفعل.. فقط يريد تغيير الواقع السئ الذي يعيشه.. فليس أمامه سوى ترك قريته أو مدينته والذهاب إلى هناك(!).. بغض النظر عن الكيفية.. أو الوسيلة وبغض النظر عن طبيعة العمل أو كيفية الحياة هناك.. والغالبية لا تدري لغة بلاد المهجر.. ولا ثقافتها ولا البنية الفكرية الأساسية التي بُنيت عليها تلك المجتمعات ولا القانون الذي ينظم حياة الأفراد والعلاقات بينهم.. المهم الترك والمغادرة والذهاب إلى هناك.. والذي يواجه الغربي أن هذا القادم العربي أو غيره يأتي بجلبابه؛ ويحمل معه نكهة طعامه؛ والقناة الفضائية حين يريد السمر.. ليس لديه ثقافة يستند إليها في سلوكه أو مجموعة من القيم يعتمد عليها في ممارسة حياته أو مبادئ وأفكار وقناعات يترجمها إلى سلوك عملي.. يكفي أن يقول -دون علم- "ما افعله موجود في كتابي المقدس «القرآن» ".. وفي نفس اللحظة فهو مستعد أن يقوم بأي شئ حرام مقابل تحصيل نفع مادي.. أو حتى متعة حرمت وفق التقاليد في بلاده وحرم منها حسب الموروث الإجتماعي في عائلته.. أكثر من خمسين في المائة من حالات التعدي الجنسي على فتيات غربيات.. الفاعل من أصول عربية أو منطقة وفق التقسيم الجغرافي والسرد التاريخي كانت «إسلامية»..
إذاً فلا توجد ثقافة عند هؤلاء قائمة على اساس مبدئي أو قيمي أو عقائدي أو قناعة أو مفهوم.. بل موروث إجتماعي وعادات وتقاليد..
فلا يوجد ما يطلق عليه صراع أو صدام أو لقاء حضارات.. وفوكوياما حين وضع نطريته جاءت خالية من الأدلة المقنعة.. إلا إذا كان الحديث عن عهد الخلافة -زمن وجودها ووقت مجدها وعزها- وما رافقها أو لحقها من حروب صليبية أو حروب للإستيلاء على مناطق أو ايجاد نفوذ في منطقة ما لموقعها الجغرافي والإستراتجي كـ «مِصر» مثلا..
فالقادم من الأناضول أو من مناطق أهملت في تلك البلدان ليس لديه ثقافة بمفومها الصحيح تؤثر في سلوكه العام أو في مسألة بعينها من مسائل الحياة.. وليس لديه وجهة نظر في الحياة.. ولا يملك مجموعة من القيم أو الأفكار .. بل على أحسن الأحوال عنده عادات متوارثة من جيل العجائز وتقاليد بالية تعاقبت عليها أجيال تتلوها أجيال لا يملك القدرة على طرحها وليس لديه الاستطاعة في مناقشتها أو الحوار حولها أو الجدال في صحتها أو خطئها.. أو تقديم الدليل المقنع عليها؛ لا نغفل أهل العلم الأكاديمي.. وأصحاب الياقات البيضاء؛ ومَن لديه إطلاع على تاريخ أوروبا المتوسط والحديث أو العرب.. فيتمكن من الحوار ويفند ما عند الآخر.. بيد أن بعض مَن يتقدم في الساحة الإعلامية لا يملك دليل الخطاب؛ بل عنده كغيره موروث يرفضه وأجندة ينفذها.. ومن الخطأ أن ننظر إلى سلوك فردي لنوسمه بأنه ثقافة جماعية منبثقة من دين.. أو سلوك مبني على نص مقدس.. ما يحدث في الشارع أو أماكن العمل أدنى من ذلك بكثير.. تصرفات لا تعتمد الخطاب الصحيح.. و«إسلام» هؤلاء جميعاً إما هو «إسلام» المواسم.. كموسم الصيام في رمضان أو موسم الحج والعمرة.. وعليك أن تتابعه وتراقب سلوكه بعد إنتهاء الموسم.. أو «إسلام» المناسبات كالعيدين أو الهجرة إلى المدينة فعاشوراء فالمولد.. أو «إسلام» الذكريات..كان.. وكنا.. أو بعض الشعائر والمناسك.. أي بقايا البقايا مما تحدثت عنه الأنبياء.. أو ما تبقى من أساطير الأولين أو ما علق في الذهن من حكاية الجد الكبير أو العم الهرم.. وهذا لا يسمى «إسلام»ــــ(ـاً..
فمسألة صراع أو صدام الحضارات مقولة ساقطة في الإعتبار أو الأخذ بها.. وذاك الفلسطيني المطرود تكلم عن لقاء الحضارات.. فأين هذه اللقاءات أو اللقاء منذ أن أوجد مقولته تلك.. أو لقنه بها مَن أحضره.. والتغني بحضارة «الرافدين» أو «الفرعونية» أو الحديث عن اليمن «السعيد» أو بلاد «الشام» يخجل المرء -اليوم- أن يتحدث عن حال مَن يسكن هناك.. غالبيتهم جاءوا إلى هنا! وانظر لحال مَن جاءوا إلى القارة الأوروبية..ومن تبقى -هناك- يريد أن يأتي!..
الحضارة مجموعة من الأفكار؛ وكتلة من المفاهيم؛ وحزمة من القيم؛ وسلسلة متشابكة من القناعات بنيت على اساس مبدئي تتحول جميعها لحظة التطبيق إلى سلوك إجتماعي يومي في الحياة المعاشة..
فهل هذه الفتاة التي ترتدي لباسا ما لا يقبله الآخر يندرج تحت أنه فكرة أو قناعة أو قيمة أو مفهوم.. أم أنه موروث.. أم أنه لباس مغاير عن الآخرين.. او وفق الموضة التي يقدمها الغرب.. أو إنتماءا إلى فكر جماعة.. والهام هنا ليس فقط مسألة اللباس.. إذ أن هذه الفتاة تترك بقية القضايا والمسائل.. المتعلقة بحياتها وعيشها.. فلما التركيز على قطعة من قماش -مثلاً- وإهمال بقية السلسلة المتشابكة من القناعات التي تغيب تماماً وإهمال بقية المجموعة من القيم الإنسانية وإهمال بقية الكتل من المفاهيم ولا وجود لها في حياتها اليومية.. كذلك الشاب في مظهره الخارجي العام.. أفقط مظهر أم يجاوره ويرافقه جوهر.. ولما يكثر الحديث عن المرأة.. وهندامها.. وخفاضها.. والسلام عليها باليد.. وتحريرها.. (!)
لم تستطع آحدى مدرسات التعليم المتوسط أن تدرك الفارق بين سلوك فردي مبني على عادات بيئية موروثة وتقاليد عائلية متحكمة في قول أو فعل أو سلوك أو تصرف مراهق .. وبين الفارق بين قناعة عقلية بإستنارة وقيمة ذهنية بوعي ومفهوم مبني على اساس عقائدي متين.. إشكال المتابع في الغرب خاصةً أنه توجد العديد من الشرائح الإجتماعية غالبيتها متدني التعليم [وهذا غير الثقافة] والتي لا تمثل إلا المنطقة التي جاءت منها ولا تمثل «الإسلام».. وهنا مكمن الخطر!؟؟
وضع الجميع في سلة واحدة خطأ علمي في القياس!!
الحكم على الجماعة من خلال فرد ينتمي إليها خطأ منهجي !!
وجود تصور سلبي -نمطي- سابق في الذهن عن الآخر لحظة الحكم ليس حيادية!!
الحديث في وسائل الإعلام على ألسنة الساسة بدء عن الخطر الأخضر الذي ارادوه أن يتحول إلى العدو الأخضر.. فصار اليوم الهم الأخضر!!.. أما في أوربا كلها فاصبح يهم الحزب الأزرق!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الرمادي
18 سبتمبر 2018م

?... وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ?

[آية رقم (196) ؛ من سورة الشعراء: ورقمها (26) ]
? [ 3 ] ? الباب "الثالث". ? بشارة الكتب السابقة ?
? [ 3 . 1. ] ? مدخل المسألة:
منذ بداية الخليقة على الأرض.. وتحت سماء مبدعها ورافعها بغير عمد نراها اختلف خامس البشرية -آنذاك- مع سادسها.. فلم يجد وسيلةً لإنهاء الخلاف إلا اقصاؤه من الوجود المنظور.. وبتصفيته الجسدية من الجوار المحدود.. وأما داخل الفسطاط الواحد فانقسم البشر فانعزل فريق وانفصل بخيمة عن الآخر.. ثم داخل الخيمة الواحدة تفرقوا فاستدارت طائفة بظهرها عن آخرى فوجدت جماعة تسير وفق الفطرة وطائفة تعاند وتكابر؛ فأراد واجدهم والحكمة عند رازقهم أن يهذبهم فارسل طوفانا كعقوبة لمن طغى وإنذار لمن سيأتي.. ثم توالت الأنبياء وتواترت المرسلون لتبين كلمة الحق المبين وتظهر الدين الصحيح القويم.. ثم أرسل -تعالى ذكره- آيات تسع بينات.. معجزات باهرات فنسي بعضهم نصيبا مما ذكروا به.. فمنذ التاريخ المسطور المدون المنشور وجد مَن اتبع فيلسوف اجتهد بعقله المحدود.. ظنا منه أنه يحسن الصنيع.. أو مَن تجذر تحت عباءة كبرى فتهوّد بعضهم وتنصّر فريق وكانوا جميعاً تحت عباءة الإسلام العام.. وقالوا جميعا أنهم يسيرون خلف دين.. بل بقايا دين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل الحنيف -عليه السلام- ثم لحكمة علوية أرادها -عز وجل- -يصلح لنا أن نتحسسها- وجد مسلمون.. ثم اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ فوجد اليوم تحت نفس الخيمة شيعة وسنة.. وكبر الراتق فوجدت جماعات دينية وأحزاب سياسية وفرق دعوية وكتل هلامية.. فصار السامع يُخبر عن إسلام سياسي وآخر إرهابي.. وتحت مسمى كل منهما تشيع فريق وتفرق آخر.. فازدادت السلوكيات تنافرا وتعارضت عقائد البعض كل بما يؤمن ويعتقد واختلف الإيمان كيفما رأى البعض وتسعت رقعة الخلاف بتواجد أفكار تبعتها مبادئ تخالف الفطرة التي خلق الناس عليها.. ومفاهيم تعارض التركيبة الأصلية للإنسان فتعارضت القيم فتعددت المسائل وكيفية النظر إليها منها الإجتماعية في سبل التزاوج وكيفية الإستمتاع.. ومنها السياسية في كيفية رعاية سؤون الناس.. فتناثرت الأمور الإعتيادية وتكاثرت النظريات الفلسفية.. فلكل قوم عادة وعادات وتقاليد.. صرنا اليوم نتحدث عن قضايا شتى متنافرة ومسائل عدة متعارضة.. والإشكال يأتي حين تريد إثبات خطأ ما مِن واقع حال مَن يقوم به.. فيصعب عليك اقناعه.. فقط.. كمثال: المدخن يرفض التوقف عن نرجيله.. ويسعى لرص فوق شيشته جمرا يحرق رئتيه قبل أن يحترق طباق التدخين.. ولا يكتفي بإذاء نفسه بل يتعدى الأذى مَن يجلس بجواره وإن كانت طفلته الرضيع أو نجله الوحيد؛ وكمثال آخر: شارب الخمر يدمنه مع مضاره وإن علمها ولكنه لم يدركها.. فصارت مسائل بحكم العادة والإعتياد والتقاليد لا تبحث بل تمارس.. بغض النظر عن صحتها أو مضارها.. فلا يسعى المرء لإدراك كنهها.. بل بحكم ميراث الأجداد لا تناقش.. وفي بعض المجتمعات صار هناك قانون ينظم وعقوبة تردع..
ومن مسائل التشرذم والتفرق ولعلها من المسائل الإستفزازية تحت الخيمة الإسلامية الواسعة: مسألة التشيع وكيف يتكلم عنها السلفي؛ أو مسألة التصوف وكيف يهاجمها السني؛ وإن كان الجميع يستدلون بقرآن واحد ويدعون أنهم يسيرون خلف نبي واحد.. وكمثال حي منظور فقد حدث في هذا الشهر (ذي الحجة) مولد سيدهم أبي الحسن الشاذلي في خميثرة تبعد 150 كيلومترا من مرسى علم.. وصعود -يوم عرفة- بسطاء عامتهم جبلا بالقرب من ضريحه بوسط مسجده الذي تكلف إعادة إعماره 12 مليون جنية.. يصعد عامتهم جبلا اسوة بجبل الرحمة الذي هو بالقرب من بيت الله العتيق.. وتزداد المسألة تعقيدا حين يكتب د. عبدالحليم محمود شيخ الأزهر -الأسبق- كتابا عن الشاذلي يذكر فيه أنه كلم ربه؛ وغفل الشيخ عن قوله تعالى : ? تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ?[(64)]. والحديث في الآية الكريمة عن الرسل؛ الذين اختارهم الله واصطفاهم واجتباهم، وليس الحديث عن بعض الصالحين.. أو مَن يرفع مقدار البعض ويسميهم أولياء الله المقربين.. وحين زار -عليٌ الشاذلي- المدينة المنورة التي طيّب الله ثراها بمقدم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.. ثم طيبت بمرقده الطاهر.. يقف الشاذلي على باب ضريح سيد الجميع(!)نصف نهار عار القدمين والرأس منتظرا الإذن من الرسول الأعظم فيُسمع من الروضة الشريفة مَن يقوله له :" يا علي (الاسم الأول للشاذلي) أدخل!!".. فهذه الروايات وما يشبهها تزيد الفجوة بين سكان يقطنون نفس الخيمة الواحدة..
ومسألةٌ آخرى مغايرة للسابقة -تعتبر من مسائل مقارنـ(ـبـ)ـة الأديان؛ وهو علمٌ استحدث فاستنبط من عموم آيات القَصص القرآني-.. أعني: مسألة “إثبات نبوة آخِر المرسلين” و“إثبات رسالة خاتم النبيين” وأنه “بُشر به متمما للمبتعثين مِن كتب السادة أهل الكتاب السابقين.. وأهل العلم الأولين”..
فهذه المسألة -بشارة الكتب السابقة بنبوته وإثبات مجيئه- من المسائل الشائكة؛ وفي نفس الوقت من المسائل المستفزة.. ولكن في حقيقتها أنها مِن أمتع البحوث وأرقى المباحث.. وأعمق المطالب؛ إذ أنك تخوص في تاريخ البشرية؛ وتتجول بين لآلِئِّ أديان وتتمحور بين أصداف كيانات.. خاصةً وإنها مسألة تتعلق بـ عقيدة ومرتبطة بـ إيمان.. قد ترسخ في الأذهان منذ آلاف السنين.. وبُني فوق هذه العقيدة أو الإيمان بنيان.. مَن يدخله بعلم يعلم خبر الأولين وحال المتقدمين.. انظر إلى آثار فراعنة النيل الفضي.. فقط كمثال..
وإثبات نبوة محمد؛ خاتم الأنبياء- من المسائل الحساسة.. والتي تثير غضب أتباع الديانات.. والصراع القائم منذ بداية عصر النبوات المكتوب مبني على هذه الجزئية.. يلحق ذلك كله محاولات بشرية بالقضاء على مَن يقول بنبوته إما بتصفيته المعنوية أو بتصفية جسدية.. وقصة نبي الله زكريا وابنه يحيى -عليهما السلام- مازالت تبصرها العيون، تليها قصة صلب ومِن ثم قتل السيد المسيح ابن مريم العذراء البتول -وفق رواية الكتاب المقدس- مازالت شاخصة أمام أعين الصغار والكبار وخاصةً طريق الآلام أو صور المحطات الأربع عشر المعلقة في كل كنيسة.. وقد قمتُ -عمداً زمن دراستي ومازلت- بزيارة العديد من كنائس.. وأجدها -المحطات الأربع عشر- بألوان مختلفة وتصوير أو رسم متغير.. وفي طفولتي المبكرة وصباي رأيتُ تلك الصور والمحطات على الشاشة الفضية وما جدَّ من تشخيص وإخراج لها..
إذاً هناك مسائل ملتهبة -تحرق ثوبه- حين يقترب المرء منها؛ خاصةً مَن لا يؤمن بصدقها كما هي عند المؤمن بها وعند المعتقد في صحتها.. أو حين يريد آخر التباحث والنقاش.. أو التناظر والتناصر.. والمكتبة الإسلامية الحوارية والتناظرية ممتلئة بمراجع ومصادر.. ومن طرائف ما حدث لي زمن كنت طالبا؛ أني سمعت مرارا عن كتاب ".الإعلام ".تأليف الإمام ".القرطبي".؛ وقدرا في عمرة 1429 هـ وجدته في مكتبة بمكة الكرمة اسمها "دار الزمان" وكان الكتاب في حالة سيئة للغاية.. وما يهمني المادة العلمية التي به خاصة أنه من تحقيق د. أحمد حجازي السَّقَّا وكان على غلافه الخارجي الثمن: 25 ريالا سعوديا وساومتُ البائع في السعر –خجلا- إذ أنني حُملت بعدة كُتب ومراجع وقمت بـ"هز" السعر؛ وهي عادة قبيحة.. فما كان منه إلا أنه وافق؛ وفهمت أنه لا يعرف قيمة المادة العلمية لكتاب الإعلام للقرطبي.
أعودُ لتلك المسائل الملتهبة أو القضايا الشائكة والتي لا يصلح فيها الحوار أو النقاش.. وتلك المناظرات -وما أكثرها- والردود ودحض ما يقوله علماء المسلمين من أهل الكهنوت تبين مدى رفضهم لفكرة وجود ما ثبت في الكتاب المقدس بخصوص الإخبار بنبوة مَن سُمي واتصف بصفة «أحمد».. وليس اسم محمد.. ونلاحظ مدى الحرج ودرجته مع مَن عاشرهم في ديارهم أو ساكنهم -وقت الدراسة- في دورهم أو مَن تزوج من بناتهم؛ وبالتالي تواجد بين عائلتهم.. أقصد هؤلاء الذين يحسنون لغة القوم.. يتبقى لي مَن يرى في نفسه القدرة على بحثها بحياد تام دون وجود صورة ذهنية سابقة ترفض ما يقال أو كُتب..
ما يخصني في هذه الجزئية من بحوث السيرة النبوية:
بيدَ أنه من إتمام بحوث السيرة النبوية العطرة لخاتم الأنبياء - وإني تشرفتُ في قراءتها ومراجعتها وكتابة بحوث حولها- يستلزم مني التعرض لما نملكه من فهم جيد قد يرتقي إلى دليل في هذه المسألة وفق ما أجده من مصادر أو في مراجع صالحة وفق ما يصلح/يصح الإستدلال به حسب ما تحمله اللغة من معنى أو وفق ما تصلح الرواية أو النص الإستدلال به.. ولن أحمل النص أكثر مما يتحمل.. هذا عند بحثي في كتب الأولين ومراجع ومصادر أتباع الأديان.. ثم إنني أجد في محكم التنزيل آية من الذكر الحكيم تشير إلى هذه المسألة وتتكلم؛ فنطق القرآن الكريم يقول : ? وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ?[(65)] . والآية تحمل تأويلين.. فاقول بهما وأميل لآحدهما.. والأمانة العلمية في البحث وضرورة السير وفق الخطة المبدئية التي وضعتها لـ بحوث السيرة النبوية العطرة.. تلزمني أن أفتح بابا قد يأتي من خلاله ريح.. بل رياح تعود لضيق صدر مَن يقرأ مثل هذ المباحث ذات وجهات النظر المتعددة.. وأحيانا تكون مرفوضة! أو مَن لديه قلة إدراك .
? [ 3 . 2. ] ? الإشارة إلى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الأولين. [(66)]
"ومن سُنَّة الله تعالى أن كل نبي يُسَلِّم جذوة دعوته إلى الذي يليه، وهكذا فقد بَشَّرَتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم الكتب السالفة، وأَخْبَرَتْ به الرسل السابقة، من عهد آدم -أبي الأنبياء والبشر- إلى عهد المسيح عيسى بن مريم، كُلَّمَا جاء رسولٌ أُخذ عليه الميثاق بالإيمان برسول الله والبشارة بنُبُوَّتِه ورسالته. وهذه البشارات هي بمنزلة الإعلان والبلاغ المسبق من الله -تعالى- ومن الرسل -عليهم السلام- إلى الأمم والشعوب بمَقْدَم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحكمة منها أن لا يحدث انقطاع في الهدي الإلهي؛ فإذا جاء نبيٌّ جديد فلا يُقَابله أتباع النبي السابق بشيء من العداوة والبغضاء والتعصُّبِ المذموم، بل يشعرون أنه امتداد لما كان عليه النبي السابق؛ فتتواصل بذلك الهداية الإلهية، وتتعاضد وتتكامل الرسالات السماوية."
بشارة رسول الله [?] في كتب الهندوس:
أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل لكل أُمَّة رسولاً يدعوهم إلى التوحيد، فينذرهم ويُبَشِّرهم؛ ليُقيم عليهم الحُجَّة يوم القيامة، وأن كل هذه الأمم والشعوب قد عَرَفت وتَيَقَّنَتْ -عن طريق أنبيائهم ورسُلهم- بمجيء خاتم الأنبياء والرُّسل محمد، وهو ما أخبر به القرآن الكريم في قوله تعالى: ? وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ ? [(67)]، أي: “إِنَّ ذِكْرَ محمدٍ في كتب الأولين”[( 68)].
1. ] في كتب البراهمة «كتاب السامافيدا»:
ورغم أنه لم يَعُدْ من كتب السابقين إلاَّ بقايا قليلة جدًّا، لكنها لم تَخْلُ من ذِكْرِ لمحمد ورسالته؛ ففي كتاب «السامافيدا»، أحد الكُتب المقدَّسَة لدى البراهمة، نجد النصَّ التالي:
« أحمد تلقَّى الشريعة من ربِّه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قُبست من النور كما يقبس من الشمس » [(69)]
كتاب «أدهروهيدم»:
2. ] وفي كتاب «اوروافيدم»:
وجاء في كتاب مُقَدَّسٍ آخر عند الهندوس وهو «أدهروهيدم» ما نصُّه:
« أيها الناس، اسمعوا وَعُوا؛ يُبْعَثُ المحمَّدُ بين أظهر الناس، وعَظَمَتُه تُحْمَدُ حتى في الجنة، ويجعلها خاضعة له وهو المحامد » [(70)]. يعني محمد.
كتاب «بفوشيا برانم»:
3.] وفي كتاب بنوشيا برانم (بهوش برانم):.«
وفي كتاب هندوسي ثالث هو «بفوشيا برانم» ما يلي:
« في ذلك الحين يُبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [(71)]، والمَلِك يطهِّره بالخمس المطهرة » [(72)]. ولا شكَّ في أنها الصلوات الخمس التي يمحو الله بهنَّ الخطايا.
وقد جاء وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب (بنوشيا برانم)، فقد ورد فيه: وفي نفس الكتاب وصف لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«هم الذين يختتنون، ولا يربون القَزَع [(73)]، ويربون اللِّحَى، ويُنادون الناس للدُّعاء بصوت عالٍ [(74)]، ويأكلون أكثر الحيوانات إلاَّ الخنزير، ولا يستعملون الدرباء [(75)] للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويُسمون بمسليّ [(76)]؛ بسبب أنهم يُقاتلون من يُلبس الحقَّ بالباطل، ودينهم هذا يخرج منِّي وأنا الخالق » [(77)].
بشارة رسول الله في الترتيلات الهندوسية:
كتب الويدات:
ولقد قامت مجموعة من الباحثين الهندوس بتحليل العديد من الترتيلات الهندوسية المختلفة، والتي جاءت في كتب الويدات وغيرها من الكتب الهندوسية، فوجدوا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد ذُكِرَ صراحة، كما ذُكِرَتْ بعضُ محاور رسالته ودعوته؛ لذلك كَتَبَ عددٌ من علماء الهندوس وغيرهم بحوثًا حول هذه الشخصية الفذَّة التي وجدوها في كتبهم، وهي شخصية «نراشنس»، فدرسوها في ضوء ما ذُكِرَ لها من الخصائص والأوصاف.
وكلمة «نراشنس» كلمة سنسكريتية [(78)] مكوَّنة من مقطعين:
أوَّلهما: «نر»، ومعناه الإنسان، وهذا غريب بالنسبة للويدات التي قلَّمَا تختار من البشر أحدًا لمدحه والثناء عليه. و
المقطع الثاني: «أشنس»، ومعناه اللغوي: مَنْ يُحْمَدُ ويُثْنَى عليه بكثرة، فهو مرادف لمحمد مرادفة تامَّة، ومع ذلك فلم تَكْتَفِ الويدات بذكر اسم هذا النبي العظيم فقط، بل « وفَّرَتْ لنا تفاصيل أخرى تقطع سبل النقاش والجدال، وتَبُتَّ البشارة بتَّة لا مجال فيها لأدنى احتمال، وأكبر مجموعة لهذه التفاصيل هي ما ورد في «أتهرو ويد» في بابه العشرين، والفصل السابع والعشرين بعد المائة، بينما يوجد بعض البيانات في «مناتر» [(79)] أخرى جاءت متفرِّقَة في بقية الويدات والكتب المقدسة عند الهندوس » [(80)].
وقد تُرجمت هذه «المناتر » على الصورة التالية:
1- « اسمعوا أيها الناس باحترام، إن نراشنس يُحمد ويثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر -أو حامل لواء الأمن- بين ستين ألف عدوٍّ وتسعين عدوًّا ».
ويُلاحَظُ في هذه الترتيلة عدَّة أشياء:
أوَّلها: أن هذه الشخصية تتمتَّع بحمد الناس وثنائهم عليها، وتمتاز على الآخرين بذلك، ولا يُعرف في تاريخ البشر إنسانٌ حمده الناس وأثْنَوْا عليه بمعشار ما أثْنَوْا على محمدٍ وحمدوه، فهو الذي امتاز بهذه الخصيصة بين الأنبياء.
وثانيها: أن هذه الترتيلة ذَكَرَتْ كلمة المهاجر، ومن المعلوم أن محمدًا قد هاجر من مكة إلى المدينة، وموضوع الهجرة من أبرز الأحداث التي مرَّ بها الأنبياء عليهم السلام.
وثالثها: وهو الغريب في هذه الترتيلة أنها أحصت أعداء النبي ؛ فهم ستين ألفًا وتسعين عدوًّا، وقد تتبع بعض الباحثين عدد من عادى النبي في حياته فوجدهم يقربون من هذا العدد، والله أعلم [(81)].
2- «يكون مركبه الإبل، وأزواجه اثنتي عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة، وسرعة المركب أنه يمسُّ السماء ثم ينزل».
وهذه الترتيلة واضحة جدًّا في دلالتها على نُبُوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به؛ إذ ما من وصف ذُكِرَ فيها إلاَّ وقد تَحَقَّقَ في رسول الله، فـ «نراشنس» -«محمد» – كان دائم الركوب للإبل في أسفاره وغزواته، وهذا مشهور متواتر في كتب السيرة، وهو دليل على أن ميلاد هذا النبي لا يكون إلاَّ في منطقة صحراوية؛ لأن الإبل لا توجد إلاَّ في مثل هذه المناطق، وقد وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل في مكة، وهي أرض صحراوية قاحلة تُحِيطُ بها صحاري شاسعة. ثم إن النبي لا يكون عزبًا بل يتزَوَّج من اثنتي عشرة امرأة، ولم يَثْبُتْ ذلك لأحد غيره من الأنبياء والمرسلين؛ فقد تَزَوَّج رسول الله من اثنتي عشرة امرأة على رأي مَن قالوا بأن السيدة « ريحانة بنت زيد » -رضي عنها - كانت زوجة من زوجاته [(82)]
وقد تحدَّث „ويد بركاش أبادهياي? -وهو أحد كبار علماء اللغة السنسكرتية في شبة القارة الهندية- عن ترجمة الفقرة الثانية من هذه البشارة في كتابة: “نراشنس أور أنتم رشي” ص14، وهي أن أزواجه تكون اثنتي عشرة امرأة، وهو لم يُشِرْ إلى احتمال أيِّ معنًى آخر سواه . [(83)].
وهناك إشارة أيضًا إلى رحلة الإسراء والمعراج التي ركب فيه النبي صلى الله عليه وسلم البراق [(84)] الذي كان من سرعته أنه يضع قدمه عند منتهى طرفه، وأنه علا به إلى السماء، ثم نزل إلى الأرض. [(85)]
ويتَّضِحُ من هاتين الترتيلتين -وغيرها من بقيَّة التراتيل المتعلِّقَة بـ«نراشنس»- مدى تطابقهما مع أوصاف «محمد» صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فهو دليل صريح من كتب الهندوس على التبشير بنُبُوَّة «محمد» صلى الله عليه وسلم، ولا يَتَوَانَى بعض علماء الهندوس في ذكر ذلك صراحة، ولا يَستغرب أحد أن كُتب الهندوس قد جاءت بأوصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاعتقادُنا(*) بأنها مجموعة من الكتب الموضوعة بأيدٍ بشريَّة قد يكون صحيحًا إن كان المقصود بذلك التحريف والتبديل؛ لأنه لا يُعقل أن تتنزل الرسالات في منطقة الشرق الأوسط، وتُنسى بقية المعمورة بساكنيها من الوحي والرسالات -وحاشا لله سبحانه ذلك- لأنه يتعارض مع رحمته وعدله، وقد أخبرنا القرآن الكريم أن كل أُمَّةٍ من الناس لم تَخْلُ من نذير أو بشير، قال الله تعالى: ? وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ? [(86)]. ومن ثَمَّ يمكن التعويل على هذه الترتيلات الهندوسية -استنادًا لما ذكره علماؤها- في التصديق والبشارة بنُبُوَّة «محمد» صلى الله عليه وسلم.
________________________________________
4 .] في كتاب (زندا افستا):
بشارة عن رسول :
«يوصف بأنه «رحمة للعالمين» «سوشيانت».. ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة بأبي لهب، ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفواً أحد «هيج جيزبار ونمار» وليس له أول ولا آخر، ولا ضريع ولا فريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا ولد، ولا مسكن ولا جسد، ولا شكل ولا لون ولا رائحة «حزاخاز وانجام وابنا زود شمس والمنز ويار ويدر ومادر وزن وفرزند وماي سوى ومن آسيا وتنافي ورنك وبواست».
5.] وفي الكتب الزرادشتية:
«إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم، يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، يومئذ يصبحون – وهم أتباع للنبي - رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم، وأن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات».
ــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الرمادي
24 ذو الحجة 1439 هـ~ 4 سبتمبر 2018م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى):"
 

 الساجد قبل المساجد!

نعمتان.. مغبون فيهما كثير من الناس.. „ الصحة ? و „ الفراغ ? ] ?
حديث شريف
وعظنا إمام وخطيب آحدى التجمعات المصرية في فيينا؛ عاصمة النمسا؛ في خطبتين متتاليتين؛ آحداهما خطبة عيد الأضحى لهذا العام ثم خطبة صلاة جمعة أمس.. ونبه إلى أنها سلسلة خطب عنوانها الرئيسي « التعلم الرباني؛ والتعليم الآلهي؛ ومدرسة النبوة المحمدية وجامعة العلوم المصطفوية.. الخاصة بالأمة الإسلامية » وأوصل إلى مسامعنا مجموعة متناسقة من آيات الرحمن التي تصف الإنسان في أمة سيد الأنام.. وأعلمنا بأحاديث تروى عن الصادق المصدوق خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين عليه الصلاة والسلام.. واستخدم كلمات ذات مدلولات رائعة علوية تقترب من سماء الرحمن.. تحفها ملآئكة الجنان.. مجموعة من المصطلحات الشرعية وحزمة من المفاهيم القرآنية وكتلة من القيم النبوية لرفع شأن هذه الأمة الإسلامية.. وصفاتها في الذكر الحكيم ووصفها في أحاديث سيد بني آدم -ولا فخر- خاصة مَن يعيش في الغرب.. وتجنس بجنسية دول الإتحاد الأوروبي.. لكي تصير نعتا للمسلم.. إذ ينبغي أن يغلب عليهم ما جاء في وحي السماء في سلوك يومي وأن يأخذوا افضل ما تتميز به القارة الأوربية من القيام بالعمل وإحسانه-وهو سلوك إسلامي.. ثم بشري إنساني- ودقة سير الحياة العامة كما يرى في الشارع العام وكافة مناحي الحياة..
لكن ما اثار اهتمامي أن الواقع الحالي المعاش المنظور والحال المرافق له للمسلم المسموع والأخبار التي تصل لأذان مَن يهتم بهم والأحداث التي يراها الكفيف دون البصير سواء في بلاد الإسلام أو بلاد العرب أو بلاد العم سام أو في القارة الأوربية.. وألفاظ القرآن ونصوص الأحاديث -مقارنة بينهما؛ أي الواقع الحالي والنصوص- تختلفان.. تتعارضان.. لا تقتربان ولو قيد أنملة.. فقد أخبرنا مَن اعتلى منبراً -يطلق عليه أحيانا منبر رسول الإسلام.. وأظنه فقط من باب المسؤولية؛ أو مَن يُشَرِف آحدهم نفسه؛ أو مَن يُشَرِفه سامع خطبته؛ ومن طريف القول الجهات المعنية بجمهورية مصر العربية ألغت استخدام لفظ «داعية» فـ افتخر ذلك الخطيب أنه مرارا وتكرارا نبه أنه لا يوجد ولا يصح استخدام هذه اللفظة وهو يعتلي منبره؛ وقال مفتخرا :"ألم اقل لكم مِن قبل لا يوجد ولا يصح أستخدام هذه اللفظة لأحد".- .. اعتلى ذلك الخطيب منبرَ مصلى من المصليات المنتشرة في العواصم والمدن والقرى في القارة الأوربية؛ منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وغالبيتها فُتحت مَن باب رزق لعاطل أو عدم اتفاق مع آخر.. وليس باب دعوة غير المسلمين أو تصحيح مفاهيم فاسدة غير صحيحة عن الإسلام.. اللهم ما أطلق عليه «اليوم المفتوح» تقليدا لنمط كنائسي.. وهذا مقتل العرب واضف إليهم المسليمن؛ فهم يتسمون بالتقليد وويحسنون المحاكاة لغيرهم دون إبداع أو إنشاء جديد.. وفتحت تلك المصليات-وهذه مصيبة آخرى- ليس من باب الوعظ والإرشاد.. إذ أن الواقع المنظور أن غالبيتهم لا يحسنون لغة دولة الدانوب ولا يحسنون قراءة الخطاب السياسي العام بعد علو الخطاب اليميني الشعبوي، بل يخاطبون عجائز القارة الأوربية.. الذي يحملون على عواتقهم أكفانهم، وهم متمسكون بما جاءوا به وحملوه فق ظهورهم من بلد المنشأ لبلد المقام والخدمات الإجتماعية الجيدة: أقصد الجيل الأول الذين جاءوا منذ سنوات تعمير القارة وفق مشروع مارشال الأمريكي أو مَن جاءوا بعدهم بسنوات لتحسين مستواهم المالي كي يتمكن من الزواج وشراء شقة؛ فوجد أن العيش أطيبه هنا فلحقه هارب من الفقر والحروب الأهلية في حواضر أمهات العواصم العربية.. القليل النادر مَن يفهم خطاب الشباب فيتكلمون بلغتهم ويفهمون كيف يخاطبونهم..
أعود لمصلانا؛ وهو يقع في أهم شوارع المدينة؛ عاصمة الدانوب الأزرق بالقرب من محطة قطارات الغرب وبأسفلها يسير مترو أنفاق يحمل رقم (3) وآخر يحمل رقم (6).. ثم خطوات معدودات لتركب أتوبيس يحمل رقم: (14 A)..ويجاوره أتوبيس (13 A) يوصلك إلى محطة القطارات العامة الرئيسة بعد إعادة بنائها وتحسينها وتجميلها وبأسفلها متر أنفاق رقم (1)..
خطيب هذا المصلى استخدم مصطلحات شرعية شرحها إثناء حطبتي العيدوالجمعة.. مثل.„ يباهي الله ? „ يدنو الله ? „ ينزل الله ? „ قرب الله ? -سبحانه في علاه وتقدست اسماه وتمجد في سماه?.. قربه من عباده يوم عرفة؛ والمباهاة جاءت بصورة ذهنية لتقترب من أدراك البشر.. والنص القرآني يقول „ ليس كمثله شئ ?
ثم يكمل خطيب المصلى الصوّر الذهنية المتلاحقة في دنوه من عباده.. ومن قربه ومن سماع صوت مَن يناجيه أو يدعوه أو يستغيث به ويرجوه.. بل يكمل الصوّر المتتالية ليبين أنه سبحانه ينزل في الثلث الآخير من الليل إلى السماء الدنيا „ دون تشبيه أو تمثيل أو مقارنة أو تعطيل ?
ثم فجر خطيب المصلى مفاجأة ظهر على وجوه حاضريه أن غالبيتهم لا يعرفونها وهي أن هناك [17(!!!)] حالة.. أو وضع تكون ملائكة الرحمن قريبة من الإنسان بل ترافقه؛ تقابلها حالة وحيدة ضعيفة يائسة يكون فيها الشيطان الرجيم له إمكانية الوسوسة ولكنه خناس.. فتُركت هذه الحالات-عمدا.. دون توضيح- وركز على الحالة الوحيدة للجن وتلبسه „راجع ما قاله شيخنا محمد متولي الشعراوي في هذه المسألة؛ ومن قبله الإمام الغزالي؛ ومِن بعدهما الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب?.. وعلى المجمل دون تفصيل :" الملائكة الكرام يصحبون بني آدم من :
*.].«.يوم تكوينهم في بطون أمهاتهم »
حتى
*.] « نزع أرواحهم من أجسادهم » يوم موتهم ، وهم أيضاً يصحبونهم في
*.] « قبورهم »
وفي
*.] « الآخرة» .
خطيب المصلى اراد -خاصة في هذه المناسبة: آداء مناسك الحج والعمرة وزيارة مسجد رسول الإسلام - نقل مسلمي الغرب إلى وضع يتناسب فيه حالهم مع ما جاء من النصوص الشرعية.. خاصة ونحن سنُقْبِل على عام دراسي جديد [ 2018/19 ] وهذه مناسبة ذات أهمية قصوى.. تجارية نفعية استرزاقية.. إذ ستنشط المصليات -جميعها- لتقديم دروس مدفوعة الآجر للجيل الثاني والثالث من أبناء التجمعات العربية والبلدان الإسلامية لتعليم لغة القرآن وحفظ آياته؛ والمعضلة التي تواجهنا منذ سنوات أن القائمين على إدارة المصليات ليسوا من أهل العلم ولا طلابه(!)؛ والمصيبة تعظم إذ أن مَن يتولى تدريس لغة القرآن وحفظه ليسوا من أهل العلم الشرعي أو التدريس أو مِن خريجي كليات التربية إلا ما ندر.. وتتعاظم المصيبة أكبر فأكبر لما يسمى بـ رياض الأطفال الإ(سلامية).. والجميع يدري مَن هم هؤلاء القائمون عليها.. والفضائح تتوالى.. سجنا لبعضهم وغلقا لهؤلاء السادة[(1)] (!!!)..
والمناسبة الأهم والأكبر.. أنه دقائق من عمر الزمان وتسقط الورقة الآخيرة من العام ? 1439 ? لنستقبل العام الهجري ?1440 ? الجديد.
وجرى عرف في الغرب يصلح أن نتبعه.. فاتساءل: هل قمنا بإعادة النظر فيما نقوم به من أعمال وتصرفات واقوال!!؟..
وكيف سنستقبل هذا العام الجديد والأوضاع والأحوال كما نرى ونسمع ونتعايش معها !!؟؟؟.
توجد بين الدول الكبار.. أو بتعبير أدق بين الساسة الكبار أصحاب وجهات نظر في الحياة يوجد ما يسمى بـ الدبلوماسية الـ«ذكية».. وأقصد تلك الدبلوماسية غير معلنة القصد في وقتها.. وغير واضحة الهدف في حينها للعامة من الناس؛ دبلوماسية لكسب ود دولة آخرى.. وبل وشعبها.. بمعنى تحقيق مصالح بعيدة المدى وجلب منافع غير منظورة في ساعتها.. وهي بالطبع مدفوعة الثمن.. كما فعل المستشار الأسبق: د. ? Bruno-Kreisky ?[(2)] بإعطاء قطعة أرض تطل على الدانوب الأزرق لإقامة مسجد بإيجار رمزي ? شلن[(3)] ? مقابل ما قامت به دول النفط من مساعدة دولة النمسا في بناء مدينة الأمم المتحدة كمقر دائم لها[(3)].
ومن تلك الدبلوماسية الذكية ما جاء تحت عنوان صحفي عريض (تَبَرّعَ لضحايا الحريق الشهير.. فأهداه "عاهل بلجيكا" أرضاً لإنشائه!! [(4)].).. تبدء قصة إنشاء أول مسجد -وليس مصلى- في أوربا؛ منذ ما يزيد عن 51 عاما على يد ملك العربية السعودية "فيصل بن عبدالعزيز" زمن "بودوان الأول".
فهل قام السادة والسيدات-سواء مَن يتولى إدارة مؤسسة أو هيئة أو ما يطلق عليهم النخبة(!) أو العامة بعد قضاء راحة [ولعلها عند البعض: عطلة] صيفية بمراجعة الملفات الشائكة والساخنة ووضع حلول لها تتمشى مع الواقع الحالي الجديد!!.ــ أم عندهم الغد مثل الأمس!؟.
محمد الرمادي
30 أغسطس 2018م ~ 19 ذو الحجة [1439 ]م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(1)] تقرير صدر مؤخراً يخبر أن عدد الأطفال الذين لا يتواجدون على أرض النمسا وذويهم يحصلون من الدولة النمساوية على مساعدات خاصة بأطفالهم (Kinderbeihlfe) وصلوا إلى ما يقرب من ( 000 ,125) من بينهم ما يقترب (459, 28) طفلا من اللاجئين..
أما في دولة ألمانيا فالرقم يتعدي (000, 270) طفلاً.
وهذا ما يزيد احتقان الشارع العام في الغرب بتداول مثل هذه المعلومات المتيسر حصولها للعامة من الناس..
[ (2) ] Bruno Kreisky ولد في يوم 22 يناير 1911 ـ ووفاته كانت يوم 29 يوليو 1990.. سياسي نمساوي، شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1959 و 1966، ثم منصب مستشار النمسا بين عامي 1970 (21 أبريل) و 1983 (24 مايو)، ويعد أنجح قادة النمسا الاشتراكيين وأكثرهم تأثيرًا، إذ تحولت النمسا من دولة صغيرة محايدة إلى دولة ذات ثقل مؤثر في السياسة العالمية آنذاك.
[(3)] معلومتان تحتاجان لتوثيق من كاتب هذه السطور؛ ولا أملك الأن تحت يدي وثائق تثبت هذه المقولة!!
[(4)] وصل الملك فيصل بن عبدالعزيز العاصمة الأوروبية بروكسل في زيارة رسمية في يوليو 1967م وتَصَادَفت مع نشوب حريق ضخم في المركز التجاري الأكبر في بلجيكا، وتسبب في كارثة إنسانية راح ضحيتها ما يقارب الـ 300 شخص، وتأثر جراء ذلك الحدث الملك فيصل وقرر التبرع لأسر الضحايا بمبلغ مليوني ريال سعودي، وهو ما يمثل ثروة كبيرة في ذلك الوقت.. التبرع السعودي للعائلات الحزينة كان سبباً في إثارة إعجاب الملك البلجيكي "بودوان الأول"؛ حيث لم يتفاعل مع المأساة الإنسانية أي رئيس دولة أوروبية، وفي اللقاء الرسمي اقترب الملك "بودوان الأول" من ضيفه السعودي، وشكره بشدة على هذا الكرم، وأثنى على الموقف النبيل، وأخبره بأنه على استعداد لتلبية أي طلب خاص يريده رداً للجميل الذي أسداه الملك فيصل للشعب البلجيكي. كان واضحاً أن عرض الملك "بودوان الأول" أشبه بالهدية الخاصة للملك فيصل.. فاجأهم "فيصل" بأن فَضّل مصلحة الإسلام على مصلحته الشخصية، فـ طلب مبنى لائقاً ليكون مركزاً إسلامياً لأبناء المسلمين، ومسجداً تقام فيه الصلاة بدلاً من اضطرارهم لأداء الصلاة في منازلهم، بعد أن لاحظ خلال زيارته عدم وجود مساجد للمسلمين في بلجيكا. ولم يتردد الملك "بودوان الأول"، وأهدى الملك فيصل -كما وعده- المبنى الشرقي لمتحف الآثار الدائم لمدينة بروكسل، الذي يقع في موقع من أجمل مواقع المدينة، وعلى بعد أمتار قليلة من مقر السوق الأوربية المشتركة؛ ليكون مسجداً ومقراً للمركز الإسلامي والثقافي، وتم تأجيره بمبلغ زهيد للغاية لمدة 99 عاماً. وبدأت حينها المملكة في تنفيذ المشروع الضخم، الذي افتتحه الملك خالد عام 1978م، واستمر يؤدي رسالته الدينية على أكمل وجه؛ خصوصاً أنه يمثل البذرة الأولى للمساجد داخل أوروبا خلال العصر الحديث؛ حيث انطلقت بعده الاعترافات الرسمية بالديانة الإسلامية، وقبلها بسنوات كانت الإمبراطورية النمساوية قد اعترفت بالمذهب الحنفي ( 1905م)، ثم انطلق إنشاء المساجد بشكل رسمي في مختلف الدول الأوروبية. ويتسع المسجد لـ3500 مُصَلّ، ويصل العدد إلى ضِعفه؛ خصوصاً في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك؛ حيث يزيد الضغط مع رغبة المسلمين في أداء صلاة التراويح في المسجد القديم. يُشرف على المركز الإسلامي وتديره رابطة العالم الإسلامي. وأكد إمام المسجد أن مِن أبرز الأنشطة التي يقدمها المركز -إضافة لأداء الصلوات وخطب الجمعة للناطقين باللغة الفرنسية؛ حيث يتم تعليمهم تعاليم الإسلام، ونقدم أيضاً دروساً لتعليم اللغة العربية للأطفال من سن السادسة، ودروساً لمعتنقي الإسلام، بالإضافة لحلقات التحفيظ المفتوحة لمختلف الأعمار والفئات". وأنشطة اجتماعية مختلفةكـاستقبال حالات المشكلات الأسرية، وعقد النكاح بين أبناء المسلمين؛ حيث تبلغ الإحصائية السنوية ما يقارب الـ 450 حالة زواج تقريباً (غير معتمد أمام السلطات الرسمية الحكومية؛ كما في النمسا)، إضافة للمسابقات العلمية والثقافية المتنوعة".. هذا حال عام 2014 ثم تراجعت الحكومة البلجيكية عن أمور.
ويرغب كاتب هذه السطور في إنشاء مرصد دائم لمتابعة ما يحدث على الساحة الغربية للمسلمين.. مع تأريخ معتمد على وثائق وليس مجرد نقل روايات أشخاص لا أدري مَن هم ويكون عامل النسيان أو الإنتماء والهوية متصدر مشهد الرواية.

مسألة “ عرائس الجهاد ” وقضية هجرة الإرهاب[ (1) ]

بقرب حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر [ (2) ] وما يصاحبها من استرجاع حالات القلق والتوتر في القارة الأمريكية خاصة والغرب عامة.. وقبيل انتهاء الراحة الصيفية وعودة الجميع لبداية العام الدراسي القادم.. قبيل هذا وذاك ينبغي على التجمعات ذات الصبغة القومية العربية أو الهيئات التي ترتدي الوشاح الإسلامي أو تلك المؤسسات ذات التوجه الأيديولوجي وكذا مَن يملك منصة إعلامية، وأذهبُ إلى قاع المجتمع الموازي في الغرب؛ وأقصد مَن يتولى إدارة مقهى شعبي لتقديم مشروبات ومأكولات محببة وشيشة بنكة التفاح لأهل الشرق والفرجةالمجانية لبرامج متلفزة ومسلسلات لمن يرتاد هذه الأمكنة؛ وقد تكاثرت بشكل ملفت للنظر مما استدعى حكومات الغرب وساساته إلى وضع قوانين ذات علاقة بالسلوك الفردي الشخصي؛ تصاحبها غرامة مالية مثل كيفية ارتداء الملابس في الشارع العام أو ما يسمى بـ "النقاب" في الغرب؛ حتى السيدات السائحات من دول الخليج؛ مناطق النفط، أو تضييق الخناق على المساعدات المالية الأجنبية للمصليات، بل وصل الحال لمنع تناول أطعمة مِن المطبخ التركي على خط مترو الأنفاق رقم 6 بعاصمة الدانوب فيينا.. أكمل واقول اضف لتلك التجمعات القومية والهيئات والمؤسسات ذات الطابع العرقي أو الديني.. اضف البعثات الدبلوماسية الرسمية التي تمثل حكومات ينتمي افراد لدولها؛ الأصل فيها أن تقوم برعاية شؤون مواطنيها.
وقبل أن أبدء.. يجب الإعتراف:
أولاً: بوجود حالة من الغياب التام لتلك المؤسسات والهيئات والتجمعات عن الحياة العامة في الغرب؛ وعن القيام برعاية شؤون لمن ينتمي لتلك المؤسسات، ولعل هذه يعود في المقام لضعف شديد في قدرات القائمين عليها من حيث درجة الوعي العام..
وثانياً: كأنهم ما زالوا يعيشون في جلبابهم وفق أماكن سكنهم الأصلية؛ فالذي تغير فقط هو المكان وكأنه انتقل من حارة „حلابو” بالإسكندرية إلى „الراوي”.والحارة أمتداد لهذا الشارع.. إذ أنه أحضر معه على متن الخطوط الجوية النمساوية كل ما كان يحتاجه هناك.. حتى الإنتماء والهوية والولاء؛ ولم ينقطع الحبل السري.. فمَن كان ينتمي إلى جماعة بعينها أو طريقة ظل على ولاءه وإنتماءه ووفاءه لقديمه.
تطالعنا الإحصائيات في النمسا أن أكثر مِن نصف مَن يقومون بإغتصاب الفتيات والتحرش بالنساء هم من بلاد أردوغستان(التركية) أو الأفغان الطالبانية أو من الرومانيين.. والسجون الغربية ممتلئة من تلك الجنسيات.. وينتاب لما يقرب مِن 20,000 من أصول تركية حالة توتر شديد لأنهم يحملون جنسية مزدوجة؛ واقل من هذا العدد بكثير من أهل النيل الفضي.. وعدة آلاف منهم يقدمون أوراق غير صحيحة لجهات حكومية فيتحصلون مِن ورائها على مساعدات مالية أو تزوير في أجراءات متعلقة بالشغل أو الإقامة يزاد فوق رُزمة هذه الملفات مسألة اللاجئين من دول الحروب الأهلية كبلاد الأفغان وسورية واليمن وليبيا.. وفلسطين سابقا(!).. أو هؤلاء الهاربين من فقر بلادهم.. والسفينة التي تقلهم-اليوم ومنذ عدة ايام في البحيرة المتوسطية- لا يفتح لها مرفأ أو باب لترسي..
أما في ألمانيا-آحدى دول الإتحاد الأوروبي- فيقترب الرقم من 270,000 طفلا يعيشون خارج حدودها وأسرهم تتلقى دعماً مالياً إجتماعياً اسرياً؛ وتشير بعض الاحصائيات- بيانات وزارة الداخلية الاتحادية في أبريل الماضي- إلى وجود ما يقرب من 11 ألف متطرف- أي ضعف ما كان عليه في عام 2013- معظمهم في ولاية سكسونيا السفلى (تقرير: 22 يوليو 2018)؛ فقد كشف مسؤول استخباراتي ألماني أن هيئة حماية الدستور بألمانيا-الاستخبارات الداخلية- تتلقى إشارات متزايدة على وجود متشددين بألمانيا. وأوضح خبير الإسلام السياسي بالمكتب المحلي لحماية الدستور بولاية بادن-فورتمبرغ جنوبي غرب ألمانيا؛ هربرت لاندولين مولر، أن في هذه الولاية وحدها يُنسب 950 شخصاً لهذا التيار المتشدد حالياً، يذكر أن عدد هؤلاء الأشخاص في الولاية بلغ 750 شخصاً في عام 2017. وقال مولر في مدينة شتوتغارت: “الأعداد تزيد في الأساس لأننا نحصل على مزيد من الإشارات الصادرة من المواطنين، وبذلك تتكشف المنطقة المظلمة”، يشار إلى أن التيار المتشدد تنامى بشكل كبير في ألمانيا خلال الـ 5 أعوام الماضية. ويعيش نحو 3 آلاف متشدد في ولاية شمال الراين-فيستفاليا غربي ألمانيا، من بينهم 832 يعتبر أن لديهم استعداد لاستخدام العنف، وهناك أكثر من 250 شخصاً منهم مصَنَفين على أنهم خطِرون أمنياً-بحسب الاستخبارات الداخلية بألمانيا-، وارتفع عدد المصَنفين على أنهم خطِرون أمنياً في ولاية بادن-فورتمبرغ من 60 شخصاً تقريباً في العام الماضي إلى نحو 100 شخص، يشار إلى أن الخطِرين أمنياً هم الأشخاص الذين تتوقع السلطات الأمنية أن يقوموا بشن هجمات. وكأمثلة لولايات ألمانية أخرى، تعتبر الاستخبارات الألمانية أن هناك 880 شخصاً حالياً في ولاية سكسونيا السفلى ينتمون للتيار المتشدد، وفي ولاية بريمن- معقل الإسلاميين- ارتفع عدد المتشددين في عام 2017 إلى نحو 500 شخص.. وجمهورية النمسا ليست بعيدة عن أختها الكبرى.. ووصول الحزب اليميني المتطرف وعداءه الظاهر لوجود مَن ليسوا من اصول أوروبية أو مظاهر لحياتهم اليومية يثير حفيظة الطرفين لشن هجوم كلا منهما على الآخر.
إذاً الجميع يسبحون في نفس البحيرة.. والجميع يركبون في نفس القارب. مما يستدعي عملا منظماً جماعياً.
لا يغيب عن الذهن: قضية إرهاب „القاعدة” التي بدأت تستعيد عافيتها و„داعش” الذي بدء يتراجع ويخسر مواقع ترابية (مكانية وزمانية) له وبدء في تغيير خطابه الرسمي لأتباعه وما يسمى أحياناً بـ „الذئاب المنفردة” واثناء كتابة هذا المقال تأتيني أخبار عبر المانش من لندن عن هجوم امام البرلمان البريطاني.. وسأتغافل -في هذه المقال- عمدا عن الحديث عن مَن انشأهم وقام برعايتهم وتقويتهم..
**
أقول: قبيل انتهاء الراحة الصيفية ينبغي على تلك التجمعات والهيئات في الغرب-أو العقلاء فيها؛ إن وجد- أن تقوم بدورها الإيجابي الفاعل فوق أراضي القارة الأوربية وأمريكا.. هذا الدور ينقسم إلى:
ما ينبغي أن تكون عليه التجمعات العربية والإسلامية في الغرب.. و
ثانياً: ردم الفجوة بين الغربيين مِن أصول أوروبية وبين مَن هم من أصول أفريقية (كمصر) أو اسيوية(سورية).. كما ينبغي أن تعد خطة عمل مستقبلية إذ أن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية وكيفية إدارة السياسة العامة تغيرت تماما عما كانت عليه من قبل عشرة سنوات.. فرد فعل البعض لأحداث تتم يجب أن يولى إلى زمن مضى لا رجعة فيه ويجب القيام بمبادرات فاعلة خاصة أنه يوجد ملايين من الشرقيين يحملون الجنسيات الغربية وصارت معهم عائلاتهم والجيل الرابع-إن لم يكن الخامس على أبواب غرف الولادة ورياض الأطفال.
**
حذّرت دراسة صدرت عن “المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي” في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن، نشرت في 24 يوليو 2018، من ازدياد التهديد المتمثل في وجود نساء وفتيات قاصرات يرتبطن بتنظيم “داعش” الإرهابي، لافتة إلى أنه تم التقليل من شأن عدد العائدات منهن من العراق وسورية إلى بريطانيا. وأوضحت الدراسة، أن غياب البيانات الحكومية، وتغير موقف التنظيم بشأن الحالات التي يسمح فيها للمرأة بحمل السلاح، جعلا الخطر الداهم المحتمل الذي تشكله نساء التنظيم أكبر مما كانت تتوقعه الأجهزة الأمنية. وأشارت الدراسة أن النساء شاركن مؤخرًا بنشاط في عمليات التنظيم في جميع أنحاء العالم، لافتة إلى أن نسبتهن تبلغ 13 في المائة من إجمالي الأجانب الملتحقين بـ“داعش” في العراق وسورية والبالغ عددهم 41,490 شخصًا، في الفترة من أبريل 2013 إلى يونيو 2018.
وقالت الدراسة إن النساء في “داعش” اضطلعن بأدوار تتجاوز أنهن زوجات المقاتلين، أو أمهات ابنائهم، بل تسلمن وظائف في التجنيد والدعاية وجمع الأموال.
وشغلت النساء في “داعش” بعض المناصب الرقابية بعيدًا عن أنهن زوجات، أبرزها ما كان يعرف بـ“كتائب الخنساء”؛ إذ اقتصرت مهمتهن على مراقبة النساء في الأحكام التي أصدرها التنظيم في “دولته”. وشكلت هذه “الكتائب” فيما بعد الشرطة الدينية “الحسبة”، التي كانت تعنى بمراقبة النساء المخالفات اللاتي لم يلتزمن بقواعد التنظيم، وتسلمت النساء أدوارًا أكبر؛ حيث أصبح يعتمد عليهن بشكل كبير، بخاصة في العمل على حماية الحدود، وتمركزهن على نقاط التفتيش بالإضافة إلى مشاركتهن في المعارك.
وأوضحت الدراسة أن غياب المعطيات وتغير موقف التنظيم بشأن الحالات التي يسمح فيها للمرأة بحمل السلاح، جعلا خطر النساء أكبر مما كانت تتوقعه الأجهزة الأمنية.
ويعتقد القائمون على الدراسة أن بعض النساء يشكلّن خطرًا داهمًا على الأمن، بسبب نشاطهن المباشر، أو بسبب التدريب الذي تلقوه في المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، وإمكانية نقل المهارات التي حصلن عليها إلى أشخاص آخرين أو إلى أطفالهن.
وتذكر الدراسة أن تنفيذ العمليات من قبل نساء التنظيم يأخذ 3 أنماط هي:
*.) خلايا نسائية، أو
*.) نساء يشاركن في العمليات مع أفراد من العائلة، أو
*.) نساء ينفذن عمليات فردية.
وينصح الباحثون الحكومات بالعمل مع الهيئات المحلية لتحديد هوية ومكان النساء العائدات من صفوف تنظيم “داعش” في سورية والعراق، والتعامل معهن وفق مقتضيات القانون الدولي.
ويؤكدون ضرورة الاهتمام بوضع القاصرات وحاجتهن إلى إعادة التأهيل وليس الإجراءات العقابية، فهن يشكلن أيضًا خطرًا، حسب الدراسة، بسبب الأفكار التي لقنت لهن والمهارات التي اكتسبنها في مناطق سيطرة تنظيم “داعش”.
ونقلت الـ“غارديان” عن وكالة تطبيق القانون “يوروبول” قولها إنه تم توقيف 96 امرأة بتهم تتعلق بالإرهاب في عام 2014، و171 في عام 2015، و180 في عام 2016، فيما انخفض الرقم عام 2017 إلى 123. ومع مطلع عام 2018، بدأت الأذرع الإعلامية لتنظيم “داعش” في تهيئة عناصر وأنصار التنظيم لوضع أدوار جديدة للنساء، بعدما كان يرى أفضلية عدم مشاركتهن في “أعمال الرجال”.
وخلص التقرير، الصادر عن “المركز الدولي للدراسات الراديكالية” إلى أن النساء قد شاركن مؤخرًا في مختلف المؤامرات الإرهابية حول العالم.
وقال التقرير إن نحو 4,761 (13 في المائة) من 41 ألفاً و490 مواطناً أجنبياً ممن صاروا على صلة واضحة بالتنظيم الإرهابي في العراق وسوريا بين أبريل لعام 2013 ويونيو لعام 2018 ، كانوا من النساء. وهناك نسبة أخرى تقدر بنحو 4,640 (أي 12 في المائة) من القاصرات.
وقال الباحثان جوانا كوك وجينا فالي من “المركز الدولي للدراسات الراديكالية” في لندن إن 850 مواطنًا بريطانيًا صاروا على صلة وثيقة بالتنظيم الإرهابي في العراق وسورية، بما في ذلك 145 من النساء و50 من القاصرات.
وكان من بين 425 مواطنا الذين عادوا إلى المملكة المتحدة، تم إثبات هوية اثنتين من النساء و4 من القاصرات منهن فحسب. ومن المعتقد على نطاق واسع أنه قد حدثت استهانة إلى حد كبير بالأرقام بسبب غياب البيانات الحكومية الرسمية التي تؤيدها.
وقالت الباحثة جوانا كوك: “لم يتم إثبات هوية المواطنين البريطانيين العائدين إلى المملكة المتحدة، ولم يتم التمييز بينهم على أساس النوع، أو تحديد أعمارهم، على الرغم من أن النساء والقاصرات يمثلن 23 في المائة من فروع تنظيم داعش في سورية والعراق”.
ولعبت النساء أدوارًا مختلفة تجاوزت دور “عرائس الجهاد” المعتادة. وكن ناشطات في تجنيد نساء أخريات، ونشر الدعاية المتطرفة، وجمع الأموال لصالح التنظيم. وفي كندا، تمكنت إحدى عناصر التجنيد النسائية في إدمونتون، التي كانت تنظم دورات لتحفيظ القرآن عبر الإنترنت، من استمالة شابة واحدة على الأقل وضمها للتنظيم. وفي مدينة سبتة الإسبانية، أشرفت صديقتان على شبكة تعمل على تجنيد نساء أخريات لصالح “داعش” في العراق وسورية قبل أن يسافرن إلى هناك بأنفسهن.
**
منذ أكتوبر ٢٠١٤.. ومعلوم أن أكثر من ثلاثمائة فتاة أوروبية توجهن إلى سورية والعراق من أجل القتال مع جماعة "داعش" وتحقيق حلمهن بـ"جهاد النكاح".. وأغلب الفتيات يغادرن بلادهن إلى مصير مجهول دون موافقة الأهل.
أغلب قصص الفتيات المتوجهات إلى سورية والعراق "للجهاد" تبدأ هكذا: لا يعرف الأهل ولأسابيع طويلة مصير ابنتهم الهاربة من المنزل.. ومن ثم يأتيهم اتصال هاتفي، يفيد بأنها التحقت بصفوف "داعش" في سورية لمساندة الرجال في الحرب.
في مدينة الرقة السورية، والتي تسيطر عليها "داعش" منذ سنة 2013، والتي أعلنتها الجماعة مقراً لدولة الخلافة، قبل أن تنهدم على رؤوسهم.. تدخل طالبة جامعية مقهى إنترنت مرتدية نقاباً أسود يغطي جسمها بالكامل.
تحت النقاب تخفي كاميرا تصور بها فتيات يتكلمن مع أهاليهن بالفرنسية عبر برامج المحادثة في مقهى الانترنت، تقول إحداهن مخاطبة والدتها عبر برنامج سكايب:"لا.. ماما، لن أعود. عليك نسيان ذلك"، حسب مقطع فيديو بثته عدة قنوات بينها "فرانس 24" والقناة الفرنسية الثانية.
وتضيف هذه الفتاة الفرنسية في حديثها مع أمها "لم أقم بهذه الخطوة والقدوم إلى سورية وتحمل الكثير من المخاطر، لأعود إلى فرنسا بعدها. أريد أن أبقى هنا، وأنا بوضع جيد، والإعلام يبالغ في عرض الحقائق حول ما يجري هنا".
حسب تقرير صدر عن المركز الدولي لدراسات التطرف التابع للكلية الملكية في لندن، تتراوح أعمار معظم النساء اللواتي انضممن لـ"داعش" بين 16 و24 عاما، والكثير منهن يحملن شهادة جامعية. ويقدر عدد الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية في سورية، من دول أوروبية بثلاثة آلاف شخص، معظمهم التحقوا بجماعة "داعش"، ويعتقد أن ما يقارب 10 بالمائة منهم من النساء.
أحلام رومانسية:
الفتاة الفرنسية التي تحدثت مع والدتها في مقهى الانترنت بمدينة الرقة كانت واحدة من اللواتي التحقن بجماعة "داعش". وحسب مصادر فرنسية هناك 60 فتاة فرنسية في سورية ضمن صفوف المجموعات الإرهابية، وهنالك 60 فتاة أخرى وضعن تحت المراقبة في فرنسا لوجود معلومات تشير إلى تخطيطهن للسفر إلى سورية والانضمام لصفوف "داعش".
ومن بريطانيا انضمت 50 فتاة لـ"داعش"، معظمهن يتواجدن في مدينة الرقة، ومنهن من شاركت بالفعل في بعض المعارك.
أما من ألمانيا فيعتقد أن هناك 40 فتاة توجهن إلى العراق وسورية للانضمام إلى "داعش"، وغادر أغلبهن دون موافقة الأهل.
هانز غيورغ ماسن رئيس هيئة حماية الدستور (جهاز المخابرات الداخلية في ألمانيا) أشار مؤخراً في مقابلة مع صحيفة "راينيشه بوست" الألمانية، إلى أن أربع قاصرات ألمانيات توجهن إلى العراق وسورية من أجل الجهاد، بعد أن تعرفن على أزواجهن عبر شبكة الإنترنت، وأضاف أن هؤلاء الفتيات لا يعرفن حقيقة الأمر ولا يعرفن ماذا ينتظرهن هناك.
معظم هؤلاء النساء غادرن منازلهن سعياً وراء حبهن الكبير أو تكوين أسرة والزواج بمن أحببن. بعضهن مرتبطات برجال في أوروبا، ذهبوا إلى العراق وسورية للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.
ونقلت صحيفة غارديان البريطانية عن لويس كابريولي، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في الأمن الداخلي الفرنسي، قوله إن "مشاركة النساء كانت لمساندة إخوتهن في الإيمان، وذلك من خلال المشاركة في الحرب وإنجاب الأطفال من أجل نشر إسلام يتوافق مع فهمهن للدين".
تجنيد النساء عبر الإنترنت:
ويقول منتصر الدعمة، الباحث في شؤون التطرف بجامعة أنتويربين البلجيكية، في مقال نشره بموقع "المونيتور" الإلكتروني، إن تزايد حدة «الإسلاموفوبيا» وصعود الأحزاب «اليمينية» في أوروبا من الأسباب التي تدفع الفتيات إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية؛ بالإضافة إلى أن طفولة تلك الفتيات أيضاً تلعب دوراً مهماً في ذلك. ويضيف بأن أغلبية الفتيات تعتقد بأنه "ليس لهن مكاناً في المجتمع الذي يعيشن فيه. يشعرن بالإقصاء من جهات كثيرة، حتى من بعض المسلمين" لذلك عندما "يتواصلن مع فتيات مسلمات يشاركهن نفس الشعور، يعتقدن بأنهن أصبحن مقبولات ومحبوبات".
لذا يلعب الإنترنت دوراً مهماً في تجنيد الفتيات، حيث يمكنهن التحدث بحرية ومعرفة أفضل الطرق للتوجه إلى سورية عبر تركيا.
أما اللواتي يتواجدن في سورية فيقدمن من جانبهن النصائح ويشجعن على القدوم إلى سورية والانضمام للجهاد، ويرسمن لهن حياة مثالية تتطابق مع فهمهن للإسلام في "دولة الخلافة الإسلامية(!)"، بالإضافة إلى تحمل نفقات سفرهن وتقديم بعض المغريات المالية لهن.
لكن الحقيقة على أرض الواقع في سورية تختلف عما في ذهن "المجاهدات" وتصوراتهن قبل السفر إلى هناك. فبحسب تقرير صدر عن الأمم المتحدة، حوّل تنظيم "داعش" 1500 إمرأة وبنت قاصرة وأيضاً بعض الشبان إلى "عبيد للجنس"، حتى أن بعض النساء تم بيعهن كسبايا. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الفتيات "المجاهدات" قد عدن من سورية إلى ألمانيا"
**
شبح الفرنسيين العائدين من حضن "داعش" يقض مضجع باريس
في وقت تواجه رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة في فرنسا مارين لوبان تهمة "نشر صور عنيفة تشكل دعاية لتنظيم الدولة "داعش" أمام النيابة العامة الفرنسية، ما زال شبح عودة الجهاديين الفرنسيين المنضمين لتنظيم الدولة الإرهابي يخيم على فرنسا التي عاد إليها فعلا 66 امرأة و178 رجلاً منذ عام 2015 وحتى 7 نوفمبر 2017، بعد إقامتهم لفترات متفاوتة في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وفقا لبيانات الاستخبارات الفرنسية من بينهم 174 شخصا يتابعون قضائيا، إذ إن بعضهم تم توجيه اتهام لهم وينتظر المحاكمة، بينما أدين البعض الآخر بتهمة المشاركة في أعمال منظمة إرهابية.
وتكشف إحصاءات موثقة عن احتجاز 141 من العائدين والعائدات من مناطق التنظيم الإرهابي، وفق نظام الحبس الاحتياطي، أو لقضاء عقوبتهم بعد إدانتهم، بينما يتابع 33 شخصا قضائيا في وسط مفتوح، "مراقبة قضائية، أو تعديل للحكم"، والذي قد تتراجع عنه السلطة القضائية في حال حدث إخلال، أو صدرت مذكرة توقيف بحقهم، بالإضافة إلى 6 أفراد كانوا قاصرين زمن الانضمام إلى داعش، يعرضون على محاكم جنائية للقاصرين.
وتشير بيانات الاستخبارات الفرنسية إلى أن 500 جهادي متطرف، ونحو 1500 شخص كانوا في الطريق إلى التطرف يقبعون في السجون الفرنسية.
وتعود ظاهرة الالتحاق بأراضِ ما أطلق عليه بـ „ الجهاد ” المزعوم إلى زمن الحرب الأفغانية ضد الغزو السوفييتي، ثم الحرب في العراق ضد الاحتلال الأمريكي، ولكن الظاهرة زادت في عام 2014، و2015، إذ قاتل 600 فرنسي في صفوف "داعش" من بين 30 ألف مقاتل أجنبي يحاربون تحت راية التنظيم.
وبرز حضور النساء الفرنسيات بشكل ملفت في التنظيم، خلافا للتنظيمات الجهادية الأخرى، ففي 2013 شكلن 10% من مسلمي فرنسا لدى التنظيم، ثم ارتفع الرقم إلى 35% نهاية عام 2015، بحسب الباحث والمحلل النفسي الفرنسي فتحي بن سلامة، الذي ألف عدة كتب عن ظاهرة الانضمام إلى "داعش"، وكان آخرها، "جهادية النساء، لماذا اخترن داعش".
وتطبق النيابة العامة في باريس ذات السياسة الجنائية على الفرنسيات الملتحقات بالتنظيم مثل الرجال، إلا إذا ثبتَ أن إكراهاً مورس عليهن، وبالتالي فإن من سافرن إلى سورية والعراق للالتحاق بالتنظيم، يقدمن للقضاء بشكل منظم وفقا لتقرير مجلس الشيوخ الفرنسي "نزع التأطير العقائدي وفك التعبئة وإعادة إدماج جهاديي فرنسا وأوروبا" الصادر في 12 يوليو 2017.
باريس لن تترك جهادييها
في سياق النقاش الذي يدور في فرنسا حول مصير المواطنين الفرنسيين الذين التحقوا بالمنظمات الجهادية في سورية والعراق، صرحت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي أن باريس "ستتدخل" إذا صدرت أحكام بالإعدام بحق فرنسيين جهاديين. وكان الحكم الذي أصدره القضاء العراقي، للمرة الأولى، بالإعدام شنقا على جهادية ألمانية من أصل مغربي، قد أثار المخاوف من عدم توافر محاكمات عادلة للجهاديين الفرنسيين.
يبقى مصير الجهاديين الفرنسيين المعتقلين في سورية والعراق الذين ينتظرون محاكماتهم أمام سلطات هذين البلدين مجهولا، خاصة بعد الحكم الذي أصدرته محكمة عراقية في 22 يناير على جهادية ألمانية بالإعدام. وأثير جدل في فرنسا في سياق نقاش بشأن مصير المواطنين الفرنسيين الذين انضموا إلى تنظيمات جهادية في العراق وسورية وتم اعتقالهم من سلطات هذين البلدين.
وزيرة العدل الفرنسية بيلوبي صرحت مؤخرا أن باريس "ستتدخل" إذا صدرت أحكام إعدام بحق فرنسيين جهاديين يحاكمون في العراق وسورية. وأوضحت الوزيرة أثناء برنامج سياسي فرنسي "بالطبع إذا تعلق الأمر بعقوبة الإعدام فإن الدولة الفرنسية ستتدخل.
وردا على سؤال عما يمكن القيام به في هذه الحالة، اكتفت الوزيرة بالقول إنه يمكن خصوصا "التفاوض مع الدولة المعنية (!) على أن يتم وفق كل حالة على حدة". وكانت الحكومة الفرنسية تقول حتى الآن إنها تؤيد محاكمة هؤلاء الفرنسيين في البلدان التي يعتقلون فيها شرط توافر محاكمة عادلة. وكررت الوزيرة "بوصفي وزيرة للعدل أنا بالطبع متمسكة إلى أقصى حد بمحاكمة عادلة".
لكن كثيرا من الأصوات نددت بهذه المقاربة، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى الحكم على مواطنين فرنسيين بالإعدام خصوصا في العراق الذي ينفذ هذه العقوبة. كما طلب محامو جهاديتين فرنسيتين معتقلتين في العراق من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تعبئة كاملة "للدفاع عنهما"" في حال حكم عليهما بالإعدام. وبحسب مصدر قريب من الملف تضم معسكرات أو سجون في العراق وسورية بضع عشرات من الفرنسيين مع عشرات القصر.
ويبلغ عدد الجهاديين الفرنسيين الموجودين في سورية والعراق حوالي 500 شخص. ومع اندحار قوات تنظيم الدولة "داعش"، وفقدانها السيطرة على المساحات الشاسعة التي كانت تحتلها في هذين البلدين فإن عودتهم إلى فرنسا "بوسائلهم الخاصة أمر بالغ الصعوبة" كما صرح بذلك وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان في ديسمبر الماضي، وإن كانت فلورنس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية ترى "أنه من الأفضل.. إذا قضوا في المعارك"، إلا أن احتمال وقوعهم في الأسر أو الاعتقال وتعرضهم للمحاكمة هو الأرجح.
ورفع مجموعة من المحامين دعوة قضائية ضد الحكومة الفرنسية يطالبن فيها بإعادة جهاديات فرنسيات معتقلات في مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية في الشمال السوري.
وكانت وحدات حماية الشعب الكردية اعتقلت قبل شهرين 40 جهادياً فرنسياً، بينهم نساء ومجموعة من 20 طفلاً في مناطق تخضع لسيطرتها بين سورية والعراق، وطالبت إحدى المعتقلات وتبلغ من العمر 22 عاماً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادتها وطفليها "الأول يبلغ سنتين والثاني شهرين من العمر" إلى فرنسا.
يصر من جهتهم محامو الجهاديات الفرنسيات المعتقلات بأن غياب القضاء في مناطق الحكم الكردي يحرم هؤلاء النساء والأطفال من الخضوع لقوانين عادلة بحقهم، وأن الحكومة الفرنسية بتصرفها هذا تعرضهم لمخاطر متعددة بإبقائهم في مناطق الصراع.
"هؤلاء النسوة خاضعات للأحكام والقوانين الفرنسية" ويجب عليهن "مواجهة عواقب التهم الجنائية الموجهة لهن في الأراضي الفرنسية" كما ورد في تصريح كل من المحامين ماري دوزيه وويليام بوردون ومارتن براديل ومارك بايلي وهم الذين يمثلون أولئك النسوة قضائياً.
لكن من جهتها تصر الحكومة الفرنسية على إبقاء النساء الجهاديات معتقلات لدى القوات الكردية لتتم محاكمتهن في سورية وفي محاكم تابعة للقوات الكردية أيضاً.
دعاية لوبان لـ "داعش"
وأعلنت نيابة نانتير "ضاحية باريس الغربية" مؤخرا أنها وجهت تهمة "نشر صور عنيفة" إلى رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسية مارين لوبان، في قضية تعود إلى 16 ديسمبر 2015، عندما نشرت زعيمة اليمين المتطرف على موقع تويتر ثلاث صور من إعدامات نفذها تنظيم الدولة "داعش"، تظهر فظاعاته.. ومن بين هذه الصور، والتي أثارت يومها جدلا كبيرا واستنكارا واسعا فرنسيا ودوليا، قطع رأس الصحافي الأمريكي جيمس فولي "40 عاما" في أغسطس 2014 وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو حي في مطلع 2015 بعد أن تم احتجازه في ديسمبر 2014. وتواجه مارين لوبان جراء هذه التهمة عقوبة السجن ثلاث سنوات وغرامة مالية بـ75 ألف يورو. وفور كشف نيابة نانتير عن توجيه التهمة إليها، قالت لوبان في تعليق نقلته عنها وكالة الأنباء الفرنسية: "وجهت إلي التهمة بمجرد أني نددت بفظائع داعش "أي تنظيم "الدولة""، لو كنت في بلد آخر لحظيت بتكريم"، مشيرة إلى تعرضها إلى ما أسمته "اضطهادا سياسيا". وفتحت النيابة تحقيقا أوليا بحقهاإثر إبلاغ وزير الداخلية آنذاك برنار كازنوف إدارة الشرطة العدلية بنشر الصور، والتي وصفها "كازنوف" أمام النواب بأنها صور "دعاية "داعش" وهي لذلك دنيئة وحقيرة وإهانة حقيقية لجميع ضحايا الإرهاب". وشمل التحقيق أيضا النائب في "الجبهة الوطنية" جيلبير كولار والذي نشر في تغريدة صورة لرجل ضحية تنظيم "الدولة". ونشرت زعيمة اليمين المتطرف هذه الصور على موقع تويتر كرد على تصريحات للصحافي في مجموعة "إر إم سي – بي إف إم" جان جاك بوردان، قالت إنه شبه حزبها بالتنظيم الإرهابي. وكان والدا جيمس فولي قد طالبا بسحب جثة ابنهما سريعا عن الموقع الاجتماعي، وقالا في بيان: "نحن مصدومون جدا لاستعمال جيم لأغراض سياسية من قبل لوبان ونأمل أن تسحب صورة ابننا فورا".
مسألة “ عرائس الجهاد ” :
امرأةٌ تتكحل بعبوديتها.. امرأةٌ تعتبر قيودها أساور ذهب تخشخش في معصميها.. امرأةٌ تنتظر خلف طابور أمام غرفة شهريار حتى يحين دورها.. هي المرأة التي تساءل الشاعر السوري نزار قباني عن السبيل إلى تحريرها.. وهي المرأة التي تجسد صورتها أكثر من غيرها اليوم تلك المرأة المنتسبة إلى داعش، وفق امتيازات معينة. عند ذكر النساء تحت حكم داعش تحضر تلك الصورة عن فتيات مسبيات، مُعنَفات، مُغتَصبات ومذبوحات. لكن في داعش، حيث حضور المرأة يعد أكثر قوة مقارنة بغيره من التنظيمات المتطرفة سابقاً وحالياً، ولعل الزمن يريد استحضار نساء رابعة والبعض يسعى لإحياء الذكرى (14 أغسطس).. ويعلو في سماء كلها غيوم على لسان شيوخهم :" النساء شقائق الرجال" لحثهن على التواجد في معمعة وسكوت الذكور على بقائهن.. ثم ندخل على ثمة امرأة أخرى هي تلك المُعنِفة القاهِرة الذابِحة.
تتدجج هذه المرأة بالسواد التام، تمتشق الرشاش الحربي، تمتطي مع زميلاتها من "نساء الحسبة" في "كتيبة الخنساء"(الهيئة النسائية لضمان تطبيق الشريعة) لتقود أحدث أنواع السيارات، ويتجولن بحثاً عن "فريسة" قد خالفت أصول اللباس أو التصرف فينقضضن عليها، وينكلن بها بـ"أسلوب نسائي خلاق" فيه الكثير من العضّ حتى اقتلاع العظم.
في ما سبق، ثمة نقطتين أساستين تبرزهما "نساء الحسبة"، الأولى تتعلق بمحاولة النساء تحقيق مكاسب قوة في بيئة عنيفة ذكورية ودموية، فيعمدن إلى التماهي مع المعنِّف الأساسي (الذكر) وتأكيد التفوق عبر قمع غيرهن من النساء.
أما النقطة الثانية فترتبط عضوياً بالأولى وفيها عودة إلى تلك المعضلة القديمة التي تُطرح دورياً وتتناول مسألة عداء المرأة للمرأة، ومحركات هذا العداء وإلى أي حد قد يفوق أذاه بطش القمع الذكوري.
بالقرب من نهاية عام 2016 تزايد الضغط على تنظيم داعش الارهابي في أنحاء كثيرة من دول العالم، لا سيما أوروبا، فبدأ التنظيم يدفع بالنساء إلى خطوط القتال الأمامية لتنفيذ هجمات انتحارية، مما يشكل منعطفا جديدا في تحركات الإرهابيين. وبينما اقتصرت أدوار النساء في داعش في وقت سابق على المهام الفرعية بعيدا عن ساحات المعارك، فإن هذه السياسة قد تغيرت مع فقدان داعش المزيد من الأراضي في العراق وسورية وليبيا في الآونة الأخيرة.
ويصف خبراء أمنيون هذا التغيير بأنه "منعطف جذري" في طريقة تفكير قادة التنظيم، وسط مخاوف أوروبية متصاعدة من أن تشكل "نسوة داعش" قنابل موقوتة في أكثر من بلد، وفق ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية. ومنذ أغسطس 2016، كشفت السلطات الأمنية في أكثر من بلد في أوروبا وشمال إفريقيا عن سلسلة من العمليات الإرهابية المحتملة، كان عمادها نساء منخرطات في صفوف التنظيم الارهابي. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني غربي قوله: إن "التكتيك الجديد يشكل تحديا للمؤسسات الأمنية التي لديها بالفعل صعوبة في اختراق الشبكات المتطرفة وتحديد المهاجمين المحتملين. هذا مصدر قلق لنا".
وفي سبتمبر 2016، كشفت السلطات الفرنسية عن خلية إرهابية كانت تخطط لتنفيذ هجمات في البلاد، تشمل 4 نساء تتراوح أعمارهم بين 19 و39 عاما، وقد حظيت القضية آنذاك بتغطية إعلامية واسعة. وكانت اثنتان من نساء الخلية على قائمة أمنية للسلطات، باعتبارهن يشكلن تهديدا محتملا، لا سيما بعد محاولتهما في السابق السفر إلى سورية للقتال في صفوف تنظيم داعش الارهابي. كما كانت إحدى المنخرطات في هذه الخلية زوجة رجل ارهابي، قتلَ طعناً بالسكين في يونيو من نفس العام اثنين من رجال الشرطة في شقتهما في أحد ضواحي العاصمة باريس. وقال المدعي العام الفرنسي فرانسوا مولاينس، عقب إلقاء القبض على هذه الخلية: "إن الاعتقاد بأن أدوار النساء في صفوف داعش مقتصرة على الأعمال المنزلية بات شيئا من الماضي". وفي أغسطس 16، فجرت انتحارية نفسها في ليبيا، في حين اعتقل السلطات المغربية شهر اكتوبر2016م.. 10 إناث على صلة بتنظيم داعش. وقال مسؤولون إنهن جميعا في سن المراهقة، وقد عثر بحوزتهن على مواد للتفجير.
متلازمة «استوكهولم»
في العام 1973م، دخل عدد من الأشخاص إلى مصرف في استوكهولم السويدية للسطو عليه، وقد أخذوا عدداً من الرهائن لضمان سلامتهم بعدما طوقت الشرطة المكان.. بعد 6 أيام، وأثناء اقتحام المكان، وقف المختطفون للدفاع عن الخاطفين، وحتى بعد تحريرهم قامت المحتجزات.. الإناث تحديداً.. وكن ثلاثة بجمع التبرعات للدفاع عن الخاطفين أمام القضاء.
هنا بدأ الكلام عن «عقدة» «استوكهولم» باعتبارها اضطراباً نفسياً يولد لدى المخطوف مشاعر تعاطف وود مع الخاطف. يفسر علم النفس أن الخوف الشديد الذي يصيب الإنسان خلال فترات القمع توحي له بأنه مشرف على الموت، فتتولد داخله مشاعر عجز وهمية تعيده إلى مرحلة الطفولة. يصبح المخطوف عاجزاً عن القيام بأي فعل دون إذن الخاطف، ويسعى إلى تملقه حفاظاً على حياته، وتزيد الأمور سوءاً حين يقدم الخاطف نفسه كمن يساعد المخطوف، فتبدأ مشاعر الامتنان واعتبار الخاطف أنه مخلص سيمنحه فرصة للعيش.
**
فظائع النساء.. "كتيبة الخنساء[ (3) ] عمدت منذ تأسيسها إلى بث الرعب في صفوف النساء والرجال على السواء"
في العام 2014، أبصرت "كتيبة الخنساء" النور بعد حدوث عمليات اغتيال عدة نفذها عناصر من الجيش السوري الحر متنكرين بأزياء نسائية من نقاب ودرع (قطعة سوداء تمتد من أعلى الرأس إلى منتصف القدمين)، ومتسلحين بمنع داعش سابقاً عناصره من التكلم مع النساء. هكذا تولت نساء مهمة مراقبة النساء، وضمان التزامهن الرداء الشرعي المفروض، وجرى تزويدهن بالسلاح والكلبشات والقبضات اللاسلكية. في البداية، كان معظمهن من المهاجرات اللواتي لا يتقن العربية، ثم فتح المجال لاحقاً أمام العربيات بعد الخضوع لتدريب لياقة بدنية ومهارات قتالية. وقد جاوز عددهن الألف، وهن في تزايد مستمر. بحسب تقرير لصفحة "الرقة تذبح بصمت"، تحظى نساء الحسبة بالكثير من الامتيازات ومنها قيادة السيارة المحظورة على غيرهن من النساء، والتجول بحرية دون محرم، وتقاضي راتب شهري يتراوح بين 700 و1500 دولار. تتولى النساء مراقبة النساء في الشارع، والحرص على خروجهن برفقة محرم، والتزامهن الغطاء الكامل، ثم تتوسع مهامهن لتطال تأمين زوجات لمقاتلي التنظيم واستقطاب فتيات أجنبيات وإغراءهن للانضمام إلى صفوف داعش، فضلاً عن إدارة سجون النساء والسبايا، والعمل كمخبرات في المجتمع المحلي ورفع تقارير سرية ". يظهر في ما يخرج من أخبار كتيبة النساء تلك الكثير من المفاصل المشتركة مع هذه المتلازمة، ما يقودنا إلى أن هؤلاء ضحايا أيضاً. وفي حالات الضعف، ثمة ميل كبير للتخلص من كل المنظومة الأخلاقية السائدة في الأيام العادية، وبالتالي يصبح الضعيف أكثر عنفاً، لكن على الأضعف منه حصراً.
**
التآخي مع الجلاد
في الشهادة المهمة التي وثقتها قبل عامين صحيفة نيويورك تايمز عن لسان ثلاث نساء كن منتسبات إلى "كتيبة الخنساء" وقررن الهرب لاحقاً، تقول إحداهن "بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بالسلطة والمال، وخاصة السلطة. وبما أن أقاربي انضموا مسبقاً، فإن انضمامي لم يكن ليغير الكثير. أصبح لدي المزيد من السلطة فقط". هؤلاء نساء تحدثن عن تحول حياتهن الطبيعية سابقاً إلى محاولة تماهي مع الوضع الحالي، وصولاً إلى إمعانهن في تعذيب رفيقات وصديقات طفولة كنا يسمعن وإياهن الموسيقى ويشاهدن الأفلام ويمارسن السباحة بالبيكيني وغيرها من نشاطات بتن يعاقبن الأخريات بشدة عليها.
كان تنظيم الدولة الإسلامية من أولى التنظيمات التي خصصت مساحة واسعة لتلعب المرأة دورها فيه، فهو قدم نفسه على شكل دولة كاملة لا يمكن إنكار مجهود المرأة فيها، وإن كان وفق مزاج الرجل.
بحسب الباحثة السويسرية في علوم النساء Geraldine casutt، تلعب المرأة دورها الأولي في خلق أجيال جهادية مقاتلة. ثم تأتي نزعة المرأة لحماية نفسها عبر التآخي مع من يقمعها، ثم التماهي معه والانتقام لهذا القمع ممن هو أضعف منها حصراً (النساء الأخريات)، وبالتالي اكتساب مكانة أخلاقية/ سلطوية بالتفوق عليهن.
وكان تشكيل "كتيبة الخنساء" نقطة مفصلية في هذا الاتجاه. ففي "دولة" تقمع المرأة كان ذلك متنفساً شبه وحيد أمام نساء يبحث عن نوع من السلطة على نساء أخريات، وتقديم الطاعة للرجل سواء كان زوجاً أو شقيقاً أو أباً، بينما عززت بروباغندا داعش الجانب الحميمي للنساء داخل التنظيم في ما يشبه أجواء ألف ليلة وليلة.
**
مستقبل نساء داعش... أدوار إرهابيّة أكبر.. سيتغيّر دور النساء في العصر الذي سيلي الانهيار الميدانيّ والتنظيميّ لداعش
ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة في 2018 أنّ التنظيم الإرهابيّ دعا "لأوّل مرّة" النساء إلى شنّ هجمات إرهابيّة بعدما كان يحضّهنّ فقط على الزواج من مقاتليه وزرع أفكاره في أولادهم. وإن شكّلت دعوة داعش "أمراً غير مسبوق" في هذا الإطار كما قال للصحيفة نفسها الباحث البارز في المركز الدوليّ لدراسة التطرّف والعنف السياسيّ شارلي وينتر، إلّا أنّ تنفيذ النساء للعمليّات الإرهابيّة بدأ قبل ذلك. نذكر جيدا أنه قامت امرأة تحمل طفلاً بتفجير نفسها على أحد الحواجز، ممّا أدّى إلى مقتلها وطفلها على الفور وجرح جنديّين عراقيّين. وكانت المرأة تخرج من الموصل كواحدة من الهاربين من المعارك قبل تفجير نفسها.
ليست الخسارة هي وحدها ما فرض التغيير على أساليب عمل داعش ودراسته لكيفيّة تحويل المرأة إلى الأداة الفضلى لتحقيق أهدافه. في دراسة أطلقها "المركز الهولّنديّ الدوليّ لمكافحة الإرهاب"، خلص عدد من الباحثين المتخصّصين في شؤون الإرهاب سنة 2016 إلى أنّ نسبة 17% من مقاتلي 11 دولة أوروبّيّة ممّن انضمّوا إلى داعش هي من النساء. هذه الدول الإحدى عشرة تشكّل 80% من مصدّري المقاتلين الأجانب إلى التنظيم الإرهابيّ في العراق وسورية. وبالتالي، من بين خمس مقاتلين أوروبّيّين انضمّوا في فترات سابقة إلى داعش كانت هنالك امرأة من بينهم كمعدّل عام تقريبيّ. بناء على ذلك، كان على التنظيم أن يستفيد بشتّى الطرق من وجود 20% من النساء المنضويات في صفوفه، بحسب الظروف المفروضة عليه: بداية عبر تشكيل فرق نسائيّة كاملة في الشرطة الدينيّة ولاحقاً عبر حثّهنّ على القتال في أراضيه ثمّ في الغرب. لكنّ الاستراتيجيّة الجديدة لداعش لم تقتصر على الطلب أو الحضّ فقط.
تدريب
مع اقتراب التنظيم من نهايته المحتومة، راح مقاتلوه يدرّبون النساء على إطلاق العمليّات الإرهابيّة في الدول الغربيّة. فنقل موقع "أن أل تايمس" الهولندي عن صحيفة "هيت لاتست نيوز" البلجيكيّة إشارتها إلى حصولها على نسخة من محضر تحقيق أجراه جنود أميركيّون مع إرهابيّ بلجيكيّ ألقت قوّات سورية الديموقراطيّة القبض عليه في أغسطس واعترف الإرهابيّ بأنّ التنظيم درّب النساء على أن يصبحن إرهابيّات مضيفاً: "لقد تعلّمن كيفيّة التعامل مع المتفجّرات، وبعدها تمّ تحضيرهنّ للسفر إلى أوروبّا من خلال تركيا". كما ذكر استخدام داعش لثلاث نساء في هذا المجال، واحدة هولّنديّة واثنتان بلجيكيّتان. وهذا يعني أنّ العبء الملقى على الأجهزة المخابراتيّة سيتضاعف مع عدم حصر التركيز على العائدين من ساحات القتال وفقاً لتقسيم جندريّ واحد. هواجس أمنيّة كهذه ستزيد أيضاً من تعقيدات عمليّات جمع المعلومات والتعقّب والاعتراض وربّما عمليّات التصفية.
خطورة الانحياز المسبق
يرى ثلاثة باحثين متخصّصين في شؤون الأمن والتطرّف ضمن دراسة أصدرها موقع "وور أون ذا روكس" الأميركي أنّ دور نساء داعش المستقبليّ يفرض أيضاً على الأجهزة المخابراتيّة ألّا تقع ضحيّة انحياز تحليليّ مسبق مفاده أنّ هؤلاء قد وقعن في شباك داعش عن بساطة قلب. فلو تمكّنت داعشيّات من الوصول بسلام إلى أوروبّا التي يفيد الباحثون بأنّ بعضاً من دولها لا يجرّم مجرّد السفر إلى سورية والعراق، فسيكون بإمكانهنّ تشكيل خطر كبير داخل القارّة العجوز. وقد يعمد التنظيم إلى تشغيلهنّ ضمن شبكاته العنكبوتيّة أو كمجنّدات أو كمخطّطات أو حتى كعميلات ميدانيّات. وفقاً لصحيفة "هيت لاتست نيوز" البلجيكيّة، كان هنالك امتعاض لدى إرهابيّي داعش من صور نساء حملن علناً بنادقهنّ الحربيّة لكي يطلقن التهديدات ضدّ الغربيّين. فهذا هو دور تقليديّ للمقاتلين داخل التنظيم. لكن ليس لدى قيادة داعش ما يظهر احتفاظها بتوزيع مبدئيّ صارم للأدوار الحربيّة داخل صفوف التنظيم بمقدار ما هو توزيع وفقاً لمقتضيات الظروف المتغيّرة. ولهذا ليس مستبعداً أن يولي التنظيم النساء أدواراً أكبر ضمن العمليّات الإرهابيّة في المستقبل القريب".
ويتبقى تساءل :" ماذا سنفعل حيال هذا الملف الملتهب!!؟؟.
ملف من اعداد:
محمد الرمادي
14 أغسطس 2018م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) افتتحت قمة مشتركة بين المجموعة الاقتصادية لدول افريقيا الغربية والمجموعة الاقتصادية لدول افريقيا الوسطى في لومي عاصمة توغو يوم 30 يوليو 2018م بحضور قادة 20 دولة أفريقية لمناقشة سبل مكافحة الارهاب. قال وزير خارجية توغو روبرت داسي: «النقاش سيركز على السلام والامن والاستقرار ومكافحة الارهاب والتطرف العنيف». من جهته قال رئيس توغو فوري غناسينغبي في تغريدة على «تويتر» «ان هذا اللقاء لمجموعتينا يعتبر بمواجهة التحديات المشتركة، حدثاً كبيراً ستكون لنتائجه تأثيرات دائمة على مستقبل شعوبنا». وتأتي هذه القمة المشتركة بين مجموعتي دول افريقيا الغربية وافريقيا الوسطى بعد قمة مماثلة عقدت في 25 يونيو عام 2013 في ياوندي في الكاميرون، خرجت باعلان حول الامن البحري في خليج غينيا. والملاحظ ضعف الأداء وعد تأثير مثل هذه المؤتمرات على الساحة الدولية.
( ) في بداية أغسطس الحالي طالبت أسر ضحايا 11 سبتمبر بالحجز ومصادرة أصول إيرانية؛ إذ قد فتحت محكمة إنجليزية الباب للنظر في إمكانية السماح لأقارب بعض القتلى في أحداث 11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة بالمطالبة بأصول إيرانية في بريطانيا. ويرغب أقارب الضحايا من المحكمة الانجليزية العليا تنفيذ قرار أصدرته محكمة أمريكية في نيويورك قد أمرت بتعويضات لأصحاب دعوى قضائية تتجاوز قيمتها 7 مليارات دولار، بعد أن توصلت إلى وجود أدلة تبين أن إيران قدمت “دعماً مادياً وموارد لـ "تنظيم القاعدة” لتنفيذ أعمال إرهابية”. وهناك نظريات لا تظهر أن تنظيم القاعدة هو الذي نفذ هجمات 11 سبتمبر. وإذا وافقت المحكمة الإنجليزية على تنفيذ الحكم الأمريكي فقد يفتح ذلك السبيل أمام تجميد أصول إيرانية في إنجلترا وويلز أو مصادرتها. ومن الأصول الإيرانية في إنجلترا مبنى في وسط لندن وأرصدة مالية محفوظة لدى وحدتين تابعتين لبنوك مملوكة للدولة. وقد يزيد ذلك من مشاكل طهران في وقت تحاول فيه تحاشي السقوط في براثن أزمة مالية. وأزاح القرار الذي أصدره قاض بالمحكمة العليا في الثامن من يونيو الماضي عقبة كانت تحول دون تنفيذ ذلك. ويشترط القانون أن تتولى وزارة الخارجية البريطانية رسمياً تقديم الأوراق القانونية لوزارة الشؤون الخارجية في إيران قبل إمكان السير في إجراءات التنفيذ. ونسبت مراسلات رسمية لوزارة الخارجية إلى مسؤول بريطاني قوله:" إنه من الصعب في العادة تسليم وثائق للوزارة الإيرانية". وامتنع مسؤول بوزارة الخارجية البريطانية عن التعقيب. وقرر القاضي أن من الممكن الاكتفاء بمحاولة إخطار الجانب الإيراني بوسائل أخرى مثل البريد الإلكتروني أو البريد العادي. وقالت المحامية ناتاشا هاريسون؛ الشريكة بمكتب “بويز شيلر فلكسنر” في لندن، إن أصحاب الدعوى سيطلبون الآن من قاض بالمحكمة العليا في الشهور القليلة المقبلة النظر في إمكانية إدراج الحكم الصادر في نيويورك كحكم قابل للتطبيق في القانون الإنجليزي. وأضافت أن من الممكن حينها تطبيق الحكم؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تجميد أصول أو مصادرتها. وقال مسؤول إيراني: “إيران ستأخذ كل التدابير اللازمة لمنع حدوث ذلك”. وكان أصحاب الدعوى بدأوا حملتهم لمحاولة تطبيق الحكم الصادر في نيويورك في إنجلترا في العام 2015م. وسبق لهم أن حصلوا على حكم قضائي في لوكسمبورغ قضى بتجميد أرصدة إيرانية قدرها 1.6 مليار دولار. وطعنت إيران في تلك المطالب أيضاً. وقال لي وولوسكي وهو شريك آخر في شركة المحاماة “بويز شيلر فلكسنر”، إن أصحاب الدعوى ينوون مطاردة الأصول الإيرانية “في أي مكان في العالم توجد فيه من أجل تنفيذ تلك الأحكام”. وتابع: “ونتوقع أن تسمح محاكم أجنبية بتنفيذ الأحكام الأمريكية النهائية السارية إذا ما كانت ترغب في معاملتها بالمثل في المحاكم الأمريكية”.
( ) الخنساء: لقب شاعرة الرثاء الأشهر "تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية"، والتي عاشت في أيام الجاهلية ثم دخلت الإسلام؛ وقيل إن ما من امرأة قبلها أو بعدها أشعر منها، بعدما غلبت رجال عصرها في ذلك

«نسوة» داعش (*)

لعله من أهم وأخطر ملف يشغل بال الغربيين.. وتنشغل القارة الأوربية ذات الأصول المسيحية به.. هو ملف مسألة العائدين مِن بقايا تنظيم ما يسمى بـ "داعش".. بجوار ملف الهجرة غير الشرعية وتدفق أعداد كبيرة من الاجئين على أراضيها.. ويلاحظ في نفس اللحظة ان المهاجر المسلم سواء الذي حصل على جنسية دولة أوربية أو تمكن من الحصول على أقامة مؤقتة أو دائمة أو لأجي يهتم وينشغل بمسائل آخرى ليست ذات أهمية.. هذا ما يلاحظه البعض.. يكفي متابعة خطب منبرية على الساحة الإسلامية(!) على مدار السنوات القليلة الماضية الساخنة.. تجدها تبحث مسائل لا فائدة منها للمسلم في بلاد الغرب؛ أو بتعبير آخر لا تؤثر في سلوكه اليومي الحياتي.. فهي إما خطب مكررة معادة لنفس المناسبة أو خطب عن حزمة من الأخلاق لا تمارس.. اضف أن الخطب بأكملها تكتفي بإرسال رسائل إلى الجيل الأول فقط.. وتهمل الجيل الثاني والثاني في الخطاب.. فيكاد يكون جميع الخطباء لا يحسنون إلا لغة وحيدة وقد تكون مهللة إلى حد ما وهي اللغة التي تربى عليها في بلده الأم؛ والبعض يتحدث بلهجته العامية.. مما دعى المستشار النمساوي-وقت أن كان وزير لخارجية بلادة إلى إنشاء معهد ديتي لتخريج أئمة ووعاظ يحسنون لغة الجمهورية النمساوية ويخطبون بها.. حالياً ينشغل الساسة بقضية عودة المقاتلين من تنظيم ما يسمى بـ "الدولة(؟)" والمختصر إعلاميا بـ "داعش" إلى أراضي القارة الأوربية؛ واليمين المتطرف يشغل نفسه بمسائل لباس المسلمة وصيام الأطفال.
وفق احصائيات فقد قُتل نصف من ذهب من القارة إلى ساحات القتال؛ ولعلها تبدء منذ حرب الأفغان في عهد الشيوعية وقت وجود دولة الإتحاد السوفيتي.. ومَن تبقى قد تراجع البعض منهم عن فكرة الجهاد؛ ويحسن أن نقارن بين طريقة التعليم في منطقتين مختلفتين ثقافيا وايديولوجيا:" إذ يختلف الموالون للتنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد عنها في القارة العجوز؛ إذ ينخرط الأفراد من المنطقة العربية نتيجة المغالاة في الدين، وتحميل الدين أعباء كارثية من التراث الإسلامي متمثلة في كتب سيد قطب وأبوالأعلى المودودي ورشيد رضا، على اعتبار أن أفكار الجهاد الموجودة بكتبهم هي جزء من أصل الدين، ولذا ينضم الكثير من المتعاطفين ظنًا منهم بأنه لا كمال لدين الفرد إلا بالجهاد.. أما المجتمعات الأوروبية فهي تحاول منذ العصور الوسطى أن يكون الدين جزءًا هامشيًا من حياة الفرد، يكتفى بشعائر تمارس داخل دور العبادة؛ وهذا يخالف ما عند المسلمين؛ فتحول جزء من الشباب إلى التطرف والوقوع ضحية للتنظيمات المتطرفة التي أتقنت استخدام مواقع التواصل الاجتماعي -أكثر أماكن تواجد الشباب- كنوع من التجربة الجديدة، وقد حدث ذلك نتيجة فقدان الفرد عددًا من المبادئ الراسخة في حياته والتي يمثل الدين بها الجزء الأكبر.. اضف طريقة الحياة الحديثة المادية والفرجة المجانية لمجموعة كبيرة من افلام العنف ".
المشكلة الأمنية التي تواجه الدولة في الشرق والغرب-اليوم- أن العمليات الإرهابية لا تحتاج لأعداد كبيرة، كما حدث في الجهاد المزعوم في أفغانستان؛ وحين انتهى تحول مصلى الصحابة في فيينا-مثال؛ وليس على سبيل الحصر- إلى بؤرة تجمع لمن تبقى منهم ليسافر إلى أرض البوسنة ليكمل جهاده.. أو كما يحدث الأن في سوريا والعراق وليبيا أو مصر؛ فوفق تقارير فإنه يوجد 40,000 من ذلك التنظيم المشؤوم تجمعوا من أكثر من 40 دولة خلال الفترة الزمنية من 2013-2018؛ ويأتي من أوربا ما يزيد عن 5000؛ بيد أن العدد يقترب منه من الذين جاءوا من روسيا بمفردها؛ إذ يقدر بما يزيد عن 4000.. ما يواجه الغرب أنه لا يملك قاعدة بيانات قريبة من الصحة أو الدقة كي يحسن التعامل معها.. إذ يتنوع العائد بين ثلاث مجموعات إما أنه يشتبه فيه؛ وهذا يصعب التعامل معه.. أو أنه بالفعل ينتمي للتنظيم؛ لكن لا توجد أدلة كافية.. أو أنه ما زال يحمل فكره..
ويزداد الأمر صعوبة إذا اردنا الحديث عن «نسوة» داعش.. فلا تتوفر عنهن معلومات كافية أو واضحة.. وتزداد الصعوبة حين تريد الأجهزة الحكومية التوفيق بين المتطلبات الأمنية وبين الحرية الفردية في جمهوريات الديموقراطية الفعلية.. فتلك الفئة.. «المجاهدات» هنَّ نساء.. بعضهن أمهات يرضعن أولادهن «حليب الإرهاب»؛ أو بتعبير مناسب «كره الآخر» سواء من حيث العقيدة أو الإنتماء العرقي؛ وهذا يلاحظ من الطرفيين كما حدث في فرنسا حين تم القبض على متطرفين من أصول فرنسية يخططون لضرب منشأت إسلامية.. كما يوجد أمثالهم الأن في كل من إيطاليا وألمانيا هولندا والنمسا.. وبعض «نسوة» داعش يصلحن أن يكن زوجات يحملن فكر التنظيم.. ويترتب على هذه الفئة الأخيرة القدرة على الدعاية والتسويق لما يراد من قِبل الدواعش..
تتحدث دراسة عن أن نسبتهن تقترب من 13% من مجموع أفراد التنظيم.
يتكلم البعض أن الإرهاب أصوله فرنسية؛ فمِن أحد أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي في الأعوام القليلة الماضية ينسحب على أوروبا بنوع خاص، بأكثر من أي موقع أو موضع في الغرب: والسؤال هو : هل مِن علاقة ما بين القدرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي ومحاصرة ظاهرة العنف ومجابهة حركات التطرف الفكري التي تقود حكماً في نهاية المطاف إلى الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه؟
وإذا كان ذلك كذلك فما هي العقبات التي تقف في طريق أصحاب الأصول العرقية، ومعتنقي الأديان المغايرة للمسيحية في أوروبا، والحديث هنا ولا شك يكاد يكون محصوراً في مسلمي أوروبا الذين باتوا مطالبين بتحقيق ثنائية غير يسيرة، فمن جهة الاحتفاظ بهويتهم الدينية والمذهبية دون انتقاص أو تماهٍ مع الآخر المغاير، ومن جانب آخر يطلب منهم الاندماج المدني بأقصى حدّ ومد، وتقديم خطاب ديني معتدل في مواجهة العنف والعنصرية.
قد يتحتم عليَّ أن أقدم -بدايةً- تعريفاً لفكرة الاندماج، التي تعني ضمَّ عناصر جديدة إنسانية في سياقات جماعية موجودة بالفعل، بهدف الحصول على مجتمع واحد متجانس ومتناسق وسبيكة اجتماعية منصهرة في بوتقة وإطار واحد وواضح، وبمعنى آخر يعني الاندماج -الإيجابي- الخلاق بناء الجسور وهدم الجدران بين البشر في رقعة جغرافية، وحيز زماني واحد، لخير وصالح كل الأطراف سواء الأصيلة في المجتمعات أو الوافدة.
والشاهدُ أن القيم وإن كانت واحدة في كل زمان ومكان، إلا أن عملية التعبير عنها تختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، وكيفية إنزالها على الواقع المعاش؛ بل وكيفية التعامل معها.. ومن هنا تظهر الحاجة إلى المواءمات بين القديم والجديد، كما بين الشرق والغرب، وبين العالم المتقدم ومعاييره، والعالم النامي وأزماته.
وأعود لاسأل:
هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة ما في الاندماج؛ ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين الأوروبيين؟
يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي.
إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجلّ هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، اجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب وجوعة الفقر ولهيب الصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن أفريقيا عامة. هذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء «صدمة العولمة» أو «فجأة الانفتاح»، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح. وفى وسط الاضطراب النفسي القاتل يحدث ما أطلق عليه الكاتب الآيرلندي الشهير"George Bernard Shaw" «البحث عن المرفأ القريب»، وليس أقرب من الطروحات والشروحات الدينية، من هنا تتخلق أجواء «الجيتو» النفسي أولاً، والمادي ثانياً، وتظهر تالياً أعراض الإحساس بالدونية، وينتشر الشعور بالأقلية، ومن ثم عدم الاختلاط بأصحاب المجتمعات الأصلية. ولعل الناظر للتجربة الأوروبية يدرك أن هناك بالفعل معضلة كبيرة في سيادة نموذج رائد وراقٍ من الاندماج، إذ توجد أحياء بكاملها مغلقة على المسلمين، وهناك أحياء في فرنسا ووسط باريس مثل "بلفيل" أو "إيل دو فرانس" تحديداً يكاد اللسان العربي فيها يتجاوز اللغة الفرنسية، وفي برلين يوجد حي "إستانبولط وغالبية سكانه من الذين يتحدثون التركية فيما بينهم، وإن أجادوا الألمانية. وفي عاصمة الدانوب فيينا.. حين رافقتني زميلة عمل ودراسة نمساوية قالت بالحرف بعد غذاء عمل في مطعم تركي بالحي الخامس عشر ونحن نسير في حديقة أمام -ما كانت تسمى- مستشفى الملكة إليزابث؛ قالت:" أعتقد لن تترك أم نمساوية طفلها يلعب هنا في هذه الحديقة مع هؤلاء الأطفال !!؟." .. وكانوا جميعا من أطفال الأتراك والبوسنة وابناء افريقيا.. والسيدات اجالسات تعلم دون سماع أحاديثهن اي لغة يتكلمن!!.. أو الحي السادس عشر أو الثاني عشر أو العاشر.. أو المستعمرات السكانية القديمة منها؛ مثل "Am Schöpfwerk" أو الحديثة
هل هناك علاقة مباشرة بصورة معينة بين الإرهاب وعدم المقدرة على الاندماج؟
ربما ينبغي الإضافة إلى ما تقدم أن القصور يشوب كثيراً من التجمعات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وإن وجد في النمسا-مثلاً- برنامج:" Mama lernt Deutsch " تموله الدولة؛ أو „Station Wien: Verein f. Bildung, künstierischen u. kulturellen Austausch” كذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي.. أحدهم قال لي :" زوجتي ترتدي غطاءاً للرأس.. وأعلم أنه لن يسمح لها أحد بالعمل سوى أن تكون ماسحة بلاط في مبنى ما!!؟".. أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها.. والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.
قبل نحو عام أجرى معهد «بيرتلسمان ستيفتانغ» الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه «المسلمون في أوروبا… اندماج ولكن دون قبول مجتمعي». وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.
في تقريرها المعنون «بداية جديدة» تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي:
- البعد القانوني أو الحقوقي، و
- البعد الاقتصادي، و
- البعد الثقافي أو المجتمعي.
الأبعاد المتقدمة تحتاج إلى بعض التفكيك والتحليل، إن جاز التعبير؛ فالمسألة الأولى ربما نجدها طرف الدولة المضيفة وهل توفر للقادم إليها سواء كان لاجئاً أو مهاجراً الحزمة القانونية لاعتباره مواطناً كاملَ المواطنة له الحق كله في حرية التنقل والحركة، قادراً على متابعة عملية التعلم، يتلقى علاجه في المؤسسات العلاجية الرسمية للدولة، حاصلاً على رخصة للعمل… كل هذه الجزئيات حال وجودها تدفع المندمجين دفعاً إلى التماهي رويداً رويداً مع المجتمعات الأوروبية، وغنى عن القول إنه حال تراجع دولة المستقر عن تقديم تلك الخدمات، فإن فرص الاندماج تتقلص وتتعاظم إمكانات الاستقطاب من قبل الجماعات الأصولية، ما يعني ازدياد معدلات العنف والإرهاب في الأوساط الأوروبية.
البعد الثاني يتصل بالأوضاع الاقتصادية ويعد طريقاً من اتجاهين بمعنى أن الدولة المضيفة يقع عليها عبء توفير فرص العمل، وعلى المندمج أن يسعى لتنمية قدراته العلمية والإنتاجية والثقافية بما يلائم أسواق العمل هناك، وعدم الاكتفاء براتب الإعانة، وكلما أضحى المندمجون أكثر إفادة من الناحية الاقتصادية لمجتمعاتهم الجديدة، بات تقبل المواطنين الأصليين لهم أكثر يسراً وسهولاً وأكثر أريحية.
والثابت أن عدم الاندماج اقتصادياً لا يعنى سوى فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية التي تتوافر لها الأموال لاصطياد عناصر من غير المندمجين والزج بهم في أتون الإرهاب الأعمى، مغررة بهم بفعل حفنة دولارات، عطفاً على فشل مجتمعي في احتواء الجديد القادم من الخارج. فيما يظل البعد المجتمعي والثقافي أهم الأبعاد، والجهد لا بد أن يكون وبالضرورة متبادل بالإقناع العقلي لا بالقسر الفكري، بمعنى أن المندمج يجب أن يدرك أن هناك معطيات حياتية مغايرة طرأت عليه، وأنه يعيش في وسط غير الذي أتى منه، وبيئة لها كينونتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية والمختلفة غالباً عن أوضاعه التي عاش فيها طويلاً من قبل في بلاده الأصلية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على دولة الاستضافة تفهم تلك الإشكاليات النفسية التي يعاني منها المندمجون في سنواتهم الأولى، وأن تقدم لهم الدروس والدورات التثقيفية، خصوصاً مساعدتهم في تعلم لغة الدولة المضيفة، فـ «اللسان حياة»، وكلما سهل التعامل مع الآخرين، بات من اليسير الاندماج.
والعكس هنا، أي الفشل في بسط مظلة مجتمعية تجاه المندمجين الجدد، وهو أمر سيعيد سيرة الأنظمة أو الجماعات التكفيرية التي عرفتها بعض المجتمعات الشرق أوسطية مثل «جماعة المسلمين أو جماعة الدعوة والهجرة والتي سماها الإعلام جماعة التكفير والهجرة» في مصر في سبعينات القرن الماضي، والتي كان أعضاؤها ينظرون إلى المجتمع على أنه كافر، كما قال شكري مصطفى من واقع أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا [القضية رقم 6 لسنة 1977] والتي نشرت في الصحف يوم 21/10/1979:" إن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعاً. وبيان ذلك أنهم تركوا التحاكم لشرع الله واستبدلوه بقوانين وضعية ولقد قال الله " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " بيد أن الأفراد أنفسهم لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر لعدم التبين من ذلك لذا فهم فقط جاهليون ينتمون لمجتمع جاهلي يجب التوقف في الحكم عليهم حتى يتبين إسلامهم من كفرهم. ولهذا عمدوا إلى السكن والإقامة في أماكن خاصة بهم، وتالياً تدبير عمليات إرهابية ردعت المصريين لعقود طوال.
ولعل أكثر دولة أوروبية تحديداً يمكن للمرء أن يقيس عليها نجاعة أو إخفاق عملية الاندماج هي فرنسا، لأكثر من سبب، فهي من جهة الدولة الليبرالية العلمانية بامتياز، فيما الجانب الآخر من المشهد يعود إلى وجود أكبر عدد من المسلمين الأوروبيين والمهاجرين إليها، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن فرنسا قد شهدت عددا واضحا من العمليات الإرهابية والتي قام بعملها من يمكن أن نطلق عليهم «غير المندمجين»، لا سيما أن بعضهم من الجيل الثاني الذي نشأ وتربى في فرنسا عينها، ما يعنى أن هناك معضلة جوهرية في المشهد الفرنسي.
إشكالية مسلمي فرنسا باتت تطرح تساؤلات لدى النخبة عن علاقة التهميش مع الإرهاب، وقد بلغ الجدل حد صدور تصريحات الرئيس ماكرون نهار الاثنين 9 يوليو الحالي أمام البرلمانيين المجتمعين في فرساي، التي قال فيها إنه «لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والإسلام صعبة، مؤكداً أنه سيتم وضع (إطار قواعد) لتسيير شؤون المسلمين في فرنسا».
الرئيس الفرنسي بتصريحه هذا اقترب بشكل إيجابي من مرحلة اندماج فاعل، مفوِّتاً الفرصة على اليمين المتشدد الذي يعمق الهوة بين الأوروبيين ومسلمي القارة العجوز، وقد أضاف في تصريحاته أنه «اعتباراً من خريف 2018، سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطاراً وقواعد ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم».
قطع ماكرون ولا شك شوطاً كبيراً على قوانين ومسارب الإرهاب من جماعات التعصب والتشدد الديني حين أشار وسط تصفيق البرلمانيين إلى أن «النظام العام والحس العادي بالكياسة واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطاراً متجدداً وتناغماً مجدداً».
وعلى أن عملية اندماج مسلمي أوروبا وإن كانت تواجه عقبات من بعض التيارات الأصولية الإسلامية التي لا يصب في صالحها هذا التناغم المجتمعي، فإن هناك أيضاً عقبة كؤود أخرى تواجه الحكومات الأوروبية من الأوروبيين أنفسهم… ماذا عن العقبتين المتقدمتين؟
أولاً: ينبغي الإشارة إلى بعض الأخطاء والتي تصل حد الخطايا التي قامت عليها دول أوروبية كرست النهج الانعزالي، عوضاً عن زخم منظومة الاندماج.
خذ إليك بريطانيا على سبيل المثال، التي قدَّمت ملاذاً لجماعات أصولية مثل «الإخوان المسلمين» و«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، ملاذاً وشرعية مكنا للإخوان في أوروبا من السيطرة بدرجة أو بأخرى على الكثير من الأماكن المجتمعية ناهيك بدور العبادة، والمدارس..
وعلينا أن نبقى في فرنسا فقد أحبط الأمن 25 مخططا إرهابيا منذ بداية 2017؛ فتقرأ هذا في يوليو 2018 حين أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب خلال مشاركته في نيس في إحياء ذكرى الضحايا الـ86 الذين سقطوا في المدينة الساحلية قبل عامين دهسا بشاحنة يقودها إرهابي تونسي أن “العمل السري لقوات الأمن” أتاح إحباط 25 مخططَ اعتداء منذ مطلع شهر يناير العام الماضي في فرنسا.
وحرص رئيس الوزراء على استذكار كل ضحايا الاعتداءات التي شهدتها فرنسا منذ عامين، لافتا إلى المشروع الذي قد تم الإعلان عنه وينص على استحداث مركز “قاض مكلف التعويض لضحايا الأعمال الإرهابية يكون نطاق صلاحيته على المستوى الوطني”. وتابع القول أن “الأيام القليلة المقبلة” ستشهد إطلاق مشروع لاستحداث مركز وطني للموارد والصمود تكون مهمته وضع “سياسة متعددة التخصصات وعابرة للقطاعات لمعالجة الصدمات النفسية” الناجمة عن الاعتداءات الإرهابية. وتخللت حفل تكريم الضحايا كلمات ألقاها ممثلون لمنظمات تدافع عن حقوق ضحايا الاعتداءات ودعوا خلالها إلى إقامة نصب تذكاري دائم ومركز أبحاث في نيس. وكان يوم نيس الطويل بدأ بحفل تأبين ديني في متحف "فيلا ماسينا؛ في جادة الإنكليز" حيث وقع الاعتداء في 14 يوليو 2016، تبعه وضع أقارب الضحايا ورودا بيضاء أسفل النصب التذكاري المؤقت الذي أقيم في حدائق هذا المتحف. وكان رئيس الوزراء شارك صباحا في العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي كما التقى في دار البلدية في نيس نحو أربعين من عائلات الضحايا. وتقرر أن يختتم إحياء ذكرى الضحايا مساء بحفل موسيقي تحييه أوركسترا نيس الفيلهارمونية يليه إطلاق 86 بالونا في الهواء وإنارة 86 شعلة في جادة الإنلكيز. ووفقا لآخر حصيلة نشرها “صندوق الضمان” المكلف تعويض ضحايا الاعتداء فقد أوقع الهجوم الإرهابي في نيس إضافة إلى القتلى الـ86 ما مجموعه 206 جرحى و1360 إصابة بصدمة نفسية. ومساء 14 يوليو 2016 كانت جادة الإنكليز المطلة على البحر المتوسط مكتظة بمحتفلين بالعيد الوطني أتوا ليشاهدوا عرض الألعاب النارية الذي أقيم في المناسبة حين اقتحمت شاحنة يقودها التونسي محمد لحويج بوهلال المكان ودهست الحشود في اعتداء تبناه تنظيم “الدولة الإسلامية” وقتل منفذه على الإثر.".
ملف من إعداد :
محمد الرمادي
الثلاثاء : 24 يوليو 2018م
يتبع بإذنه تعالى
—————————–
(*) (1).الورقة الأولى من ملف «نسوة» داعش القادمات من ساحات القتال إلى أوروبا.
الورقة الثانية :" شبح الفرنسيين العائدين من حضن "داعش" يقض مضجع باريس ".

إنشغال صيفي !!

..على الشاشة الفضية أبدع صُناع السينما في “مصر” صاحبة أعلى مقياس تدين في العالم.. وتتشرف بوجود « الكنيسة المسيحية القبطية الأرثوذكسية على أرضها[ ( ) ]» منذ آلاف السنين.. وقبل مجئ الإسلام بأكثر من نصف قرن من الزمان.. يجاورها ومنذ أكثر من ١٠٠٠ عام فتزهو ربوعها بمنارة الأزهر الشريف.. يرافقهما الأوقاف بما عنده وبما يملك.. إذ ينبغي؛ بل يجب أن يكون لكل منهم دوره الإيجابي في رعاية الأتباع وأصلاح الرعية.. أبدعت السينما المصرية في تحويل المرأة الساقطة والفاسدة والعاهرة إلى ضحية مجتمع يتعاطف مع قضيتها جمهور المشاهدين كي يصح لها بعد عدة مشاهد إغرائية مفبركة غير مقنعة أن تقترن بآحد ابناء العائلة الثرية الإرستقراطية ذات العراقة والنسب والحسب.. والتي تملك عزبة بمَن فيها ومَن عليها.. الشاب المرموق إجتماعياً.. ويحمل مؤهل جامعي عال.. إما طبيب أو مهندس ويعمل في آحدى الدوائر الحكومية.. فيقع في غرامها بعد مشاهد مفتعلة.. ولكي تكتمل الحبكة الدرامية على الطريقة المصرية التقليدية.. ينجب منها طفلة بريئة لا ذنب لها سوى أن أمها في لحظة ضعف بشري حملت بها سفاحاً.. وفي لحظة لعبت أم الكبائر: يضعها البعض تحت مسمى مشروبات رُّوحِيَّةُ.. تفادياً للشعور بالمعصية أو الإحساس بالذنب.. فلعبت الخمر برأسه.. وجسَّدت السينما المصرية مشاهد آخرى كمنتجات سينمائية كـ «جعلوني مجرماً»؛ أو «الثلاثية» التي تظهر شريحة من المجتمع.. خاصة المهمشون أو من معهم مال كالتجار.. أو مَن يطلق عليهم قليلي العلم.. عديمي الثقافة.. أصحاب التدين الموروث والمزيف؛ إذ أنهم في أول اختبار يسقطعون.. وهم يتمركزون في اسفل قاع المدينة.. أو ما يسمونه «خيانة مشروعة» وهذا محلياً.. أما عالمياً فصُناع سينما هوليود يحولون اللص وقاطع الطريق إلى بطل في عين المشاهد فيعجب به ويتعاطف معه.. ويحزن المشاهد حين يموت البطل في النهاية.. تذكر معي أفلام «Alain Delon» مع «Jean Gabin»؛ وهما فرنسيان.. وأذكر ما وصل إلينا عن طريق منطقة الخليج من أفلام بوليود.. السينما الهندية بافلام تصور ما فوق الخيال.. ولا تمس للواقع بشئ.. فكان أول فيلم هندي يعرض في مصر «Sangam».. وأذكر أن ابنتا عمي- الأولى أستاذة مادة اللغة الإنجليزية في جامعة حلوان؛ كلية الأداب؛ والثانية الصغرى طبيبة- الإثنتان انتابهما موجة من البكاء طوال الفيلم؛ أما الصغرى فلم اسمع بكاءا لها.. وندمتُ على هذه العزومة من طرفي.. فقد كلفتني ثمن تذاكر بالإضافة إلى المناديل الورق.. وقتها كانت غالية شوية لعدم توفرها.. أو يأتي فرد ليهزم جيش كـ «John James Rambo» فيعيش الإنسان بين وهم البطولة وبين حصوله على المال بأي كيفية.. وتنافست كل من هوليود وبوليود على الأستحواذ على جيب المشاهد العربي..
ولن نذهب بعيداً فالمثل الشعبي يقول :«إن عشقت أعشق قمر.. » لكن المهم بقية المثل المصري؛ إذ الكمالة تقول وإن «سرقت تسرق جمل».. ولعل الكثير من ابناء الشعب لم يتمكن من تطبيق الشطر الأول من المثل لكنه تمكن من أحسان تطبيق الشطر الثاني.. ففي قراءة لحالات الفساد في الداخل والخارج يتبين أنه تطبيق مباشر لواقع ذهني نتيجة تربية فاسدة بأمثال شعبية هابطة.. الإنتاج السينمائي غيَّر كثيراً في كيفية سرقة «الجمل» فصار إما قطار محمل بزكائب المال أو السطو على بنك.. أو تقديم وثائق مزيفة وشهادات مزورة.
نترك صالات العرض السينمائي.. كما نترك غرفة المعيشة بتلفزيونها الملون.. وكما قال فارس المنابر في سبعينات القرن الماضي إذ سماه: «المفسديون» نذهب عمداً لنجلس فوق.كراسي القهوة الشعبية خلف محطة القطار الرئيسة في المدينة المطلة على الدانوب الأزرق ويعلو سقف القاعة دخان كثيف نتيجة حرق كميات هائلة مِن طباق السجائر أو شيشة بمعسل التفاح الأصلي[ ( ) ] فنتسمع دون قصد ماذا يقول رواد المقهى الشعبي..
آحدهم أَزبد كما يزْبَد فَمُ الخَطِيبِ حين تخَرَج رَغْوَةٌ مِنْ فَمِهِ.. ويرعد ويسقط جام غضبه على الحظ النحس ويعلو صوته بقوله «جتنا نيلة في حظنا الهباب»..
ثم يبدء الآخر بتهدئته بقوله :"بص شوف.. ده فيه مبعوث للدكتره في جامعة فيينا على قفا الحكومة بيشتغل على تاكسي.. ليل ونهار.. وفيوقت راحته يترجم كلمتين من النسخة العربية إللي جابها معاه من جامعة الزقازيق.. يعني بيقبض مِن تحت بالجنية المضروب بالدولار وبيقبض مِن فوق بالإيرو"..
فأكمل آخر الحديث ولضمه بقوله :"طيب إنتَ شوفت الواد بِلية إللي كان جاي بلباس «عبك» من سنتين.. تلاته.. النهاردة عنده شقة تمليك هنا وشقة هناك على البحر.. ترد روح الروح"..
فتغنى آحدهم بقوله :"آه يا روحي !!"
فأكمل الحديث آخر متضايقا:"كل إللي تخرجوا من الجامعة ومعاهم شهادات عاليا ولا واحد منهم أشتغل في تخصصه".
فاصلح الحديث آخر فقال :"لأ .. لأ.. فيه .. منهم اتجوز حته خواجيه.. يحتمي بيها من تقلبات الزمان وغدره.."
:" بس إللي اشتغل في تخصصه واحد ولا إثنين ".
فنعدل الأول على كرسيه ساحباً من نرجيلته هواءا أصفراً قائلاً:"طيب إنت شوفت بتاع الجبنة والزيتون إللي بقى إمام مسجد التحرير خلال شهرين من وجوده؛ ثم بعدها اصدر مجلة شهرية.. واصبح رئيس التحرير لها.. " ..
ثم يكمل الحديث كمعلق رياضي:" طيب يا باشا .. إنت عارف فين كانت بتطبع المجلة الشهرية دي.. وترسل بالبريد المستعجل للنمسا !!؟. أو إنتَ عارف كانت منين بتيجي مصاريف الطبع والإرسال!!؟.."..
فرد آحدهم وهو جالساً في ركن بعيد ولكنه متابع الحديث قائلا :" لأ .. موش عارف !!؟"..
فجاءه الرد :" كانت بتطبع في أفغانستان يا خفيف.. كانت بتيجي من كابول"..
شد أحدهم نفساً عميقاً من شيشته المعمرة وقال :" إن شاء الله .. الكابول منا ومنكم ..هاأوو"...
:" ولا التاني إللي كان حارس لملهي ليلي في بريطانيا.. لوندون.. يعني.. أصبح.. عقبال عندك.. أمير جماعة الجهاد ".
:" وإللي كان يعمل في صالة للقمار.. صار مولانا الشيخ كتكوت.. إمام مصلى .. وشيخ معمم.".
ويضيف رابع :" تحول فاشل دراسة في الإعدادي إلى مجاهد في سوريا.. دخلها عن طريق تركيا بفيزا مضروبة وبعدين حرق باسبوره "..
يكمل خامس :" العاطل عن العمل إياه .. صار خليفة المسلمين في بلاد الرافدين؛ العراق وبر الشام".
فهدأ الحوار آحدهم بقوله :" على كلٍ دُول كالوها والعه.. طيب ده فيه واحد بياع فاصوليا صار مدير لأقدم تجمع .."
فتساءل مَن يجلس في الزاوية ولا يكاد يراه آحد أو يعرف على وجه الدقة ملامح وجهه :" إنتَ تعرف بائع السردين إللي صار برضه مديرا لآحدى الجمعيات الخيرية ".
ثم فجر آحدهم قنبلة مسيلة للدموع في القهوة الشعبية قائلاً:" طيب ده كله كوم والنصب والإحتيال على مؤسسات الدولة أو الأفراد الغلابة كوم آخر ..
فأجابه آخر ".. هل تعلم أن بائع السميط والبيض صار يوما ما محافظ للمدينة العريقة إللي كان يسكن فيها ثم اصبح رئيساً لجمهورية وحوَّلها لحسابه الخاص ولعائلته.. يعني إقطاعية ".
....
فاعتدل رفيقي في جلسته وقال لي :" الظاهر جينا في مكان غلط.. أو في وقت غير مناسب.. هو صاحبك واعدك هنا ".
فقلت:" لأ .. آيوه .. دي أول السهرة .. دي عملية تسخين لبداية الليلة دي ".
ثم قال:" نصبر شويه.. نشرب كباية شاي وبعدين نمشي.. لو هو اتأخر ".
فرد رفيقي بعصبية :" شاي آيه.. ده مغلي لغاية لما انقطع قلبه.. دي ريحة الجاز طالعه من الكباية .. "
فقلت له "طيب.. خلاص.. اشرب حاجة مقفولة من الفبريكة... أصل معدتك زي إنت ما بتقول حساسة.. ابن خواجات حضرتك.. وإنت متربي لغاية الثانوي في حارة « حلابو ».. الحارة كلها من أولها لآخرها أربع بيوت وبس.. منهم بيت الغجر على الأِمة ؟.. زي ستك -الله يرحمها- ما كانت بتسميه !!."
:" يا جاهل .. الحارة دي ربتني وربت الدكتورة أمونه ...".
:" أمونه مين ياعم .. أمونه بعتلها جواب ..خلاص .. هو كشف حساب ولا آيه ...".
:" الدكتورة أمينة الـ...."..:" وبعدين بتنا كان مِلك .. موش ايجار .. وبالقرب من ..."..
:". يا سيدنا خلاص فهمنا .. أنكم .. عيلتك .. يعني صاحبة أملاك وأطيان وطين وأرض وفدادين وزرايب وبهايم وبقر وحمير وجمال وقطط وكلاب! "..
:" دمك خفيف أوي.. باين عليك زعلان..!!.. آه بس أحنا كنا تجار .. من كبار تجار الإسكندرية.. موش أجورجيه في أرض الغير.. طيب الحاج إبراهيم المرسي.. راسه كانت براس جدي في السوق بتاع.. ".
غير اتجاه وججه ونظر في ساعته..و ثوان وجاء الصديق.. وبدأنا في الحديث الجاد ..
فقال موجهاً الخطاب لي :" كما أردت.. بعد المكالمة التليفونية بيننا أدي أحنا بنتقابل !! "
فبادرت بالقول :" الحال والوضع والواقع المعاش اليوم لا يرضي أحد.. وفيه مَن يستثمر هذه الظروف والأحوال.. لذا يجب إعادة النظر في كل شئ سواء في منطقة الآيورو..وهي بالفعل جمر تحت الرماد.. أو المنطقة العربية .. وهي جمر بالفعل بتسير عليه اقدام الناس الحافية !!؟.. أو بتعبير ألطف.. كأن الكل يقف على سطح صفيح ساخن.. بل الأدق في التعبير .. الكل يشتم رائحة اللحم البشري المحترق والتي تزكم الأنوف !!..".
فقال الصديق :" لعلها فرصة طيبة ونتكلم ونحن الأن في العطلة الصيفية !!..
قاطعته بالقول :"اسمها : راحة صيفية أو سميها اجازة سنوية !!"..
فقال مقاطعاً :"الأصل أن لا نختلف على بعض المسميات ونضيع الجلسة كلها في تصحيح الألفاظ لبعضنا.. سواء من طرفك أو من طرفي !!".
فقلت معلقاً " إذا كنا سنختلف في المسميات وتوصيف الحالة الراهنة والتعبير عنها.. فنحن من البداية على أختلاف كامل.. تسمية الشئ باسمه المطابق له والذي يوصفه وصفا صحيحا دقيقا جزء من الحل أو جزء من أكمال الحديث ..!!.".
" طيب .. جميل.."
اردف :" تحب نبدء من فين!؟."
:" أتصور يجب علينا تشخيص الوضع الراهن أولاً: أريد أن اقول : أنه يوجد حالة عدم رضا وسخط عام وغضب يعيشها الكثير من الناس.. وتفكك أسري .. وضع إجتامعي سئ.. وعدم تحمل للمسؤولية.. وهؤلاء لا يحسنون صنعاً.. ماشين مع التيار.. وقدرتهم على التغيير محدودة.. أو هم يستفيدون من هذا الوضع.. أو لهم مصالح لبقاء الحال كما هو عليه.. ومنافع من هذا الوضع.. وثانياً يوجد مَن هم من أهل الحل والعقد.. أو نسميهم رموز التجمعات في الغرب.. أو النخبة أو الصفوة وهؤلاء نسبتهم قليلة جداً.. والمشكلة مع هؤلاء أنهم متفرقون ومختلفون وينتمون إلى فرق وجماعات وأحزاب.. ولهم حساباتهم الخاصة.. بعضهم شايل راسه من الموضوع.. له حياته ونمط عيشه لا يريد مزاحمته في مكتسبات تحصل عليها بعد سنين .. ينتج في مجاله وبعضهم يحب إن حد يبروزه في احتفال سفارة .. عزومة كبيرة وفد رسمي حكومي ... حاجة زي كده!".
:" إذا لن يتبقى لنا إلا أن نسعى أن نوفق بين مَن يصلح أن يجلس مع الآخر دون عراك أو شجار.. من بين هؤلاء".
:" جيد.. وإن كانت مسألة عسيرة.. لكنها البداية.. ".
:" حسناً.. اتفقنا.. كل منا يحهز قائمة أسماء.. وهؤلاء الأشخاص يتفقون مبدئياً مع بعضهم البعض.."
:" تمام.. فلنتقابل الإسبوع القادم !؟..
:" لأ .. اسبوع كثير .. ".
:" لا تنسَ أننا الأن في عطلة صيفية والبعض سافر لقضاء أجازته.. "..
:"خليها كمان يوم أو إثنين بالكثير.. مَن يريد أن يأتي وموجود ولم يسافر فسيحضر بالفعل..".
:" نعم .. ده صحيح .. ".
:" إذاً بعد غد ".
:" لكن لا يصح.. ولا يجوز أن نجتمع هنا مرة ثانية.. في قهوة كلها دخان وعفارة.. وشد شيشة وضرب بالزهر وزنأه في خانة إليَّك!!".
:" اختار إنتَ المكان المناسب لك ونجلس فيه ".
:" انتظر منك تليفون بكرة".
:" اتفقنا..".
:" على بركة الله "..
افترقنا على أن نلتقى.. فكل منا لم يتمكن من أخذ راحة صيفية لما يقوم به من أعمال في مؤسسته الحكومية.. وقد تم الإتفاق على إنهاء تلك المشاريع على الورق قبل قدوم شهر سبتمبر؛ وبالبدء في التنفيذ مباشرةً...
**

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقرة من رواية « الرجل المشرقي »
تأليف: محمد الرمادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتمية «الإستعداد للتغيير»!!.

التغييرُ قادمٌ لا محالة.. لا يشك في هذا أحد!!.. ولعل الناعس لا يدري.. وهذا من سنن الحياة.. والتبديل سينال الأشخاص فلا أحد منهم دائم في الوجود!!.. والتعديل سيحدثه الزمان.. أو القادر على التغيير والمتمكن من التبديل.. لكن يتبقى فارق كبير وجوهري أن يتم التغيير وفق المعايير التي يضعها القادر؛ والمقاييس التي يراها الغالب أو -وهنا الأزمة- تفرض على الضعيف المقهور وغير قادر.. دون أن يُبدي وجهة نظره أو يُسمع رأيه.. فلا يتبقى له إلا الصياح والهويل وينتهي به الأمر إلى النحيب والعويل.. ويجب مراعاة الأحوال كافة قُبيل اتخاذ القرار؛ ولعل من حُسن الطالع أن الذي أوجد فكرة «الإستراتيجية الوقائية» -والتي عممت في كافة مناحي الحياة- مِصريٌّ مَلَكَ في نطقه سبع لغات حيّة متداولة في أروقة الأمم المتحدة؛ فوصل إلى علمه الكثير مِن وعن ثقافاتهم.. فحق أن يكون أميناً لأممهم في المحفل الدولي.. والأن نحن أحوج الخلق لأمثال هؤلاء الكبار.. بيد أنه يظهر للمتابع أن هناك عملية فرز واختيار لشخصيات معينة -قد لا نتفق معها- لتقوم بدور ما؛ فإذا انتهى دورها يبدل بآخر..
في عام 2014م صدر قانون جديد ينظم الحراك الإسلامي على أرض دولة جمهورية النمسا الإتحادية؛ عضو الإتحاد الأوروبي :" هذا القانون الجديد فيه ثغرة تسمح لرئاسة الوزراء بحل الجمعيات وبحل الهيئة الإسلامية -الممثل (ليس الوحيد ) الشرعي أمام الحكومة-ذاتها..".
وهذا التبديل كان مرتقباً منذ أكثر من اربع سنوات.. وكان هذا التغيير المتوقع يتوقف فقط على تشكيل الحكومة الجديدة؛ وإي تيار سياسي تمثله؛ فالحكومة الإتلافية الحالية؛ الشريك -حزب يميني- فيها ينفذ ما وعد به في حملته الإنتخابية كسباً لمزيد من الأصوات؛ والتمكن من حشد شعبوي خلفه.. فغاب التركي/العربي الذي يحمل جنسية غربية عن المشهد السياسي.. وغاب عن التأثير في نتيجة الإنتخابات؛ إذ يبدو أنه غير مدرك لما يدور حوله؛ أو يكتفي بفتات خبز جاف تلقى من موائد بعض الساسة.. كحفل إفطار عمدة مدينة فيينا (مثلا).. وغياب الوعي السياسي الناضج.. اذكر في بداية الثمانينات فكر آحدهم في أنشاء لوبي[(١)] عربي.. ولكنه فشل.. إذ أن مقتل الإنسان في أن يقلد غيره دون أن يضيف من عنده جديد نافع ودون أن يُبدع.. ثم طفت منذ سنوات قليلة على سطح صفيح ساخن مسألة اللاجئين.. والهجرة غير الشرعية؛ والتواجد الإسلامي.. بمعنى تواجد افراد ينتمون لجماعات إسلامية على تراب القارة ذات الأصول المسيحية.. ويُحَصِل البعض منهم مساعدات مالية من الحكومة-وهذا تصرف نبيل إنساني- مقتطعة من ضرائب افراد الشعب دون أن يقدموا شيئا ما للدولة -التي استضفتهم- من قًبل؛ يجاور هذا قضية «الإسلاموفوبيا».. واكبها أحداث دامية وتحرش بنساء جرت بايدي من يطلق عليه «مسلما» فيتحرك القلم الإداري إلى إغلاق مساجد واستبعاد أئمة.. بمباركة شعبية وضجة إعلامية وحشد سياسي..
وبعودة لشريط الأحداث لأيام خلت.. فقد نشرت وسائل الإعلام بتاريخ يوم الإثنين 21 يوليو 2014م بأن :" الحكومة التونسية قالت إنها ستغلق مساجد ووسائل إعلام "تدعو للجهاد" في الحال، حسب بيان صدر يوم الأحد 20يوليو2014م عن مكتب رئيس الوزراء "مهدي جمعة". وأعلن البيان إغلاق مساجد تعمل خارج سيطرة وزارة الشؤون الدينية، وأماكن عبادة "احتفلت بمقتل 15 جنديا" [قبل نشر هذا الخبر باسبوع] قرب الحدود الجزائرية، على يد مسلحين متشددين في جبال "الشعانبي".. كما أعلنت الحكومة إغلاق محطات تلفزيون وإذاعة "تكفيرية(!!)" غير مرخصة تدعو إلى الجهاد، وذلك بعد يوم من اعتقال نحو 50 إسلاميا مشتبها بهم في حملات على عدة مناطق. وتؤكد هذه الخطوة الصعوبة التي تواجهها تونس في معالجة صعود الحركات المحافظة والمتشددين منذ ثورة 2011م، التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وتشن القوات المسلحة التونسية حملة لإخراج المسلحين من معقلهم في جبال "الشعانبي" على الحدود مع الجزائر، علما بأن بعضهم مرتبط بالقاعدة".
ونترك الوطن العربي بمشاكله وحروبه الأهلية وقلائله.. ونعود سريعاً إلى القارة الأوروبية؛ فبتاريخ يوم الأربعاء 3 أغسطس 2016م نُشر خبر مفاده :" إغلاق مساجد محرضة على الكراهية".. فقد شيعت فرنسا جثمان القس، الذي قتل على يد فرنسييّن هاجما كنيسة في منطقة "النورماندي" وأعلنا ولاءهما لـ:"داعش". وتدرس الحكومة الفرنسية إجراءات لمحاربة الفكر المتشدد، منها وقف التمويل الخارجي للمساجد على الأراضي الفرنسية".. ثم نفذت السلطات الفرنسية بتاريخ : 20/04/2018 قرارَ ترحيل إمام جزائري سلفي إلى بلاده، تطبيقا لقرار وزارة الداخلية الذي أيدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويأتي ذلك على خلفية خطبه المتطرفة. فقد أفادت مصادر في وزارة الداخلية أن السلطات الفرنسية رحّلت إماما سلفيا من مرسيليا (جنوب شرق) معروفا بخطبة المتطرفة إلى الجزائر.. وكان الإمام "الهادي دودي؛ 63 عاما" تَبَلغ باربع ايام سبقت بقرار الترحيل الصادر عن وزارة الداخلية بسبب خطبه؛ إلا أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان علّقت التنفيذ قبل أن تعود لإعطاء الضوء الأخضر.
والإشكال عند الغرب -وأحيانا تغمض العين عنه- ما قام به "نبيل بودي" محام الإمام السلفي إذ تقدم بشكوى أمام المحكمة الأوروبية مشيرا إلى خطر تعرض موكله للتعذيب أو "معاملة غير إنسانية أو مهينة" إذا طردته السلطات الفرنسية إلى الجزائر.. وهذا الإشكال من دولة -هنا الجزائر- ذات سيادة على أرضها وتقوم برعاية شؤون مواطنيها.. فيخشى الحقوقي أن تعامل موكله بلدَ المنشأ معاملة غير إنسانية!!. وهذا ما يثير تساؤلا عن حقوق الإنسان في العالم العربي وحقوق المسلم في العالم الإسلامي.. إن وجد ما نطلق عليه عالم عربي أو إسلامي.!!. وما هو المطلوب في مثل هذه الحالة من دول العالم الأول.. أتتركه يقول ما يشاء وإن خالف ما تراه من عرف سائد.. أو ترسله لبلده فينال فيها ما تراه دولته الأم.
منحت المحكمة الأوروبية الحكومة الفرنسية مهلة 72 ساعة "لجمع المعلومات الإضافية الضرورية لاتخاذ قرار على بيّنة". وأودع إمام مسجد "السُنة" في وسط مرسيليا قيد الاحتجاز الإداري؛ وكان متهما بإلقاء خطب شديدة التطرف. وقالت وزارة الداخلية في طلب الترحيل إن الأمر يتعلق خصوصا "بأعمال تحريض صريحة ومتعمدة على التمييز والكراهية والعنف ضد شخص محدد أو مجموعة من الأشخاص" وخصوصا النساء؛ والشيعة؛ واليهود؛ ومرتكبي الزنى. وفي رأيها المؤيد لطلب الطرد بتاريخ 8 مارس 2018م رأت لجنة مكونة من قضاة إداريين وقضائيين بمرسيليا إن "تحليل الإيديولوجيا التي يروج لها "دودي" يظهر أنه ينفي الآخر في فرديّته وإنسانيته". وتابعت اللجنة أن تعريف الإمام للآخر "يقتصر على جنسه وانتمائه لعرق أو ديانته أو فئة من الناس وهو ما يمس المبادئ الأساسية للجمهورية". واتخذت مديرية شرطة منطقة "بوش دو رون-جنوب شرق" في 11 ديسمبر 2017م قرارا بغلق مسجد السُنة ستة أشهر. وأوضح وزير الداخلية "جيرار كولومب" في مقابلة مع صحيفة "وستفرانس" في 31 مارس الماضي أن السلطات رحلت 20 أجنبيا متطرفين يقيمون في وضع قانوني من البلاد في 2017م وأنه رقم "غير مسبوق".[(2)]
وقبل ما حدث في فرنسا فقد :" أعلن وزير الهجرة البلجيكي "ثيو فرانكن" بتاريخ 3/10/2017 أنه تقرر طرد إمام مسجد بروكسل الكبير المِصري "عبدالهادي سويف" لاعتباره "محافظا متشددا وشديد الخطورة على الأمن القومي"، وذلك بعد طعن الإمام على قرار طرده في مارس2017م. وقال "فرانكن" وهو ينتمي إلى حزب القوميين الفلمنكيين -في تصريحات إذاعية- إن هناك "مشكلة مع مسجد بروكسل الكبير، الجميع يعلم ذلك، واتخذت قرار سحب تصريح الإقامة من إمام هذا المسجد". وأضاف الوزير أنه تم رصد إشارات شديدة الوضوح على أن الإمام "رجل متشدد جدا وسلفي ومحافظ جدا ويشكل خطرا على مجتمعنا وأمننا القومي"، معتبرا أن سياسة "مكافحة السلفية" أولوية للحكومة.. ولم يذكر "فرانكن" اسم الإمام، لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن مكتب الوزير لاحقا أنه يقصد الشيخ "سويف"، الذي طعن في قرار عدم تجديد إقامته المتخذ في مارس من العام نفسه، وكان ينتظر الحكم النهائي في قضيته في 24 أكتوبر2017م. ويقيم "سويف" في بلجيكا منذ 13 عاما، وتجددت الاتهامات لمسجده في مارس 2016م بعد هجمات بروكسل التي نفذها ثلاثة مهاجمين في مطار ومحطة قطارات بالعاصمة، وأسفرت عن مقتل 32 شخصا، لكن مسؤولي المسجد ينفون اتهامات التشدد على الدوام. يجدر بالذكر أن مسجد بروكسل الكبير يقع في حديقة اليوبيل قرب مقرات المؤسسات الأوروبية، وهو يتلقى تمويلا من السعودية منذ أن استأجرته لمدة 99 عاما في الستينيات". ثم صدر قرار بوقف هذا التمويل بعد ذلك..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
إذا فالمسألة لا تخص جمهورية النمسا وحدها.. وما تعانيه دول الترانزيت[(٣)] يشمل الغرب بأكمله وكما يرى مسألة منتشرة في أنحاء القارة العجوز ذات الأصول المسيحية ..
إشكالية التجمعات الإسلامية في الغرب؛ خاصةً في القارة الأوروبية تكمن في عدة نقاط جوهرية بل قُل أصولية[(٤.)] وفق تقسيم الغرب نفسه..
[١.] غياب العقلية القيادية الذاتية:
بادئ ذي بدء أقول : أن الإنتماء إلى جماعة إسلامية نشأت وترعرعت جذورها وقويت أصولها في الشرق؛ والتكتل الحزبي وفق ايديولوجية تصلح لمناطق ذات تاريخ إسلامي قديم انتهى وليس له وجود منذ ما يقرب من تسعين عاماً.. ووسط نسبة عالية من تجمع سكان يدينون بهذا الدين في تلك المناطق.. هذه العقلية -إثناء وجودها في الغرب- تتصادم وتصطدم مع العقلية والنفسية الأوروبية -سواء الساسة أو افراد الشعب- للفارق الكبير بين إستراتيجية الأول في تطبيق أيديولوجيته وبين نفسية الثاني وطريقة فهمه للدين باعتبار تبنيه مبدأ فصل الدين عن الحياة المعاشة وفصل المعبد عن تسيير أمور الدنيا.. ومطبخ السياسة هو البرلمان.. والحياة النيابية يشرعون ما يرونه مناسبا لهم.. أما دور العبادة فهي لأوقات الصلاة للرب الإله.. لذا يطلق عند الناس في الغرب مصطلح : "رجال دين" .. أي خدم وواعظ المعابد يقابله :"رجال زمنيون".. أي رجال الحكم بطوائفهم المتعددة.. مما يوقع المسلم المتحزب أو المنتمي لكتلة أو جماعة دينية في أزدواجية لا يتمكن من إدراك كنهها للغربة الجغرافية.. واختلاف البيئة الحاضنة.. فيظن أنه سيقيم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القارة ذات الأصول المسيحية بحكم النظر التاريخية لها بعد أن فشل-حتى كتابة هذه السطور- فشلا ذريعاً في تحقيقها على أرض العرب أو بلاد يسكنها مسلمون.. واللافت للإنتباه أن شباب حزب التحرير في بداية الثمانينات اقاموا مؤتمرَ الخلافة في قلب عاصمة بريطانيا "لندن".. والمدهش حقاً أن يصرح ولي العهد السعودي -مؤخراً- بأنه يخشى من أن تتحول أوروبا إلى معقل لجماعة اعتبرت في مملكته أنها جماعة إرهابية.. مع الفارق الإيديولوجي بين ذاك الحزب وتلك الجماعة.
وبتاريخ 06 يونيو2018 م وتحت رعاية جامعة لشبونة-اسبانيا- المستقلة والأكاديمية العليا لعلوم الشرطة والأمن الوطني، عُقد بمعرض لشبونة الدولي للكتاب مؤتمر تحت مسمى "خطورة جماعة الإخوان المسلمين على أوروبا" أوصى الباحث المِصري المقيم في روما رامي عزيز- طالب دكتوراه في جامعة روما، وزميل باحث في المعهد العالمي لدراسات سياسات معاداة السامية- " بضرورة تغيير الدول والحكومات الأوروبية لسياساتها فيما يخص التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين ومراقبة سلوك تلك الجماعة بشكل دقيق وعدم السماح لها باستخدام الأراضي الأوروبية للترويج للإرهاب والأفكار المتطرفة والهجوم على دول أخرى، كما حذر عزيز من خطورة تلقى هذه الجماعة لدعم خارجي كبير من دول مثل قطر وتركيا"..
والأكثر دهشة أن تتنبأ عرافة بلغارية بأنه في عام 2016م: "المسلمون" سيغزون أوروبا التي "ستتلاشى" بالشكل الذي نعرفها به [حسب نبؤاتها] وتكمل و:"حملة الدمار هذه ستستمر لسنوات، مما يدفع سكان القارة إلى الرحيل لتصبح القارة كلها شبه فارغة".
وفي عام 2025م: سيصبح عدد سكان أوروبا صفر تقريباً.. وبظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ والمختصر إعلامياً بـ داعش، وقيام الخلافة الإسلامية في العاصمة الإيطالية روما؛ والاقتصاد العالمي يزدهر تحت الحكم الإسلامي. وتتنبأ البلغارية : " وفي عام 2043م: يكتمل تحول أوروبا إلى خلافة إسلامية".[(٥)]
وبحسب ما نقلته "ميرور" البريطانية.. تحت عنوان :"ستحدث حرب المسلمين الكبرى".. كتبت الصحيفة تقول:" ولعل تنبؤات "بابا فانغا" بشأن "حرب المسلمين الكبرى" هي ما دفعت المؤمنين بها وبنظريات المؤامرة، فضلاً عن مهووسي الإسلاموفوبيا، إلى حالة من الجنون والذعر -معاً- خلال الفترة الأخيرة الماضية، إذ يكافح العالم لاحتواء التهديد المتنامي الذي يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية ~ داعش" وأنصاره.
وتحذر التنبؤات المخيفة من غزو جهاديين إسلاميين لأوروبا في عام 2016م(!!) في صراعٍ تنبأت العرافة البلغارية أنه سيبدأ مع "الربيع العربي" في عام 2010م ويتفاقم في سوريا حيث "سيستخدم المسلمون أسلحة كيميائية ضد الأوروبيين"، ثم يصل إلى ذروته بتأسيس الخلافة الإسلامية في عام 2043م وتكون عاصمتها مدينة روما.
وحسب "بابا فانغا"، فإن أوروبا التي نعرفها "ستتلاشى" بنهاية العام التالي للتصفية المنهجية لكامل سكانها، وهو ما سيترك القارة "فارغة تقريباً"، "أرضاً خالية تقريباً من كل أشكال الحياة".
وأضيفُ عاملا جوهريا وهو: عدم الإحساس الإدراكي الكامل؛ والوعي العقلي المستنير الصحيح بموضع أقدام المتحدث اسفل منابر مدن أوروبا؛ فيظن غالبيتهم أنه يعيش في مناخ ديموقراطي حر -حسب ما يسمع- ويغيب عن ذهنه أن الدولة -بغض النظر عن نظام حكمها- تعمل بجدية على الحفاظ على هويتها وتقوم بحزم على ترسيخ اركان حكمها والمبادئ التي بنيت عليه مؤسساتها.. والملاحظ أن أجهزة الدولة -الترانزيت أو الموطن البديل؛ وأيضا دول المنشأ- ترسل عيوناً لها وأذانا لتتبع ما يقال..
[ ٢. ] عناصر المجتمع ومما يتكون:
غاب عن العاملين في الحقل الإسلامي أن المجتمع لا يتكون فقط من افراد -كما يظن أو يفهم البعض؛ وهي نظرية قديمة اثبت العلم التجريبي خطئها-.. بل المجتمع يتكون -بجانب افراده- ما يحمل هؤلاء الأفراد من كتلة من الأفكار المتناسقة والمتقاربة؛ ومجموعة من المفاهيم التي اعتقدوا صحتها ويؤمنون بها؛ وحزمة من المبادئ التي تعمل تلك الأفراد على تحقيقها وتنفيذها في واقع الحياة وتفعيلها؛ وأيضا قيم أخلاقية وسلوكية وشعائر دينية وإجتماعية وسياسية ارتضوا بها.. اتفق هؤلاء الأفراد على صحة هذه الأفكار والمبادئ والعقائد والمفاهيم والقيم.. ويجتمعون حول عادات تمارس وتقاليد يقبلونها.. وهنا تكمن مشكلة الوافد للقارة الأوروبية أنه يرفضها مجتمعة؛ أو يتقبل منها ما يحلو له ويروق.. وبالطبع تخالف ما عنده.. اضف -وهو الهام- قانون عام ينفذ عليهم جميعاً.. وهو الغطاء الدستوري لتلك المجموعة من الناس والتي تسكن على أرض واحدة.. وهنا تتكون الدولة.. وعندهم مرونة برلمانية في تغيير الأحكام وتبديل القوانين.. أما المسلم المهاجر بما يحمل من أفكار مغايرة لهذا المجتمع الجديد أو معاكسة لتلك الدولة الجديدة أو قل -بتعبير أدق- لهذا الوطن الجديد البديل.. فافكاره ومبادئه وقيمه وعقائده تخالف ما عليه افراد المجتمع الجديد الذي جاء إليه.. سواء أجاء إليه هرباً من واقع مر أو سعياً لحياة طيبة.. هذا المسلم يصطدم بتلك المجموعات والحزم من القناعات والكتل من المفاهيم ويسعى إلى إيجاد موضع قدم له تحت سماء هذه الدولة.. لا ننسى أن القانون العام في أوروبا والمناخ الديموقراطي في الغرب عموماً يسمح بحرية إبداء الرأي؛ كما يسمح بحرية التعبير؛ وحرية المعتقد وعليها تبنى حرية التدين؛ كما يؤمن حرية التنقل وحرية الملكية.. ولكنه في نفس اللحظة يحافظ بقوة القانون على مبادئ بعينها وعنده قضايا خاصة لا تناقش ولا تبحث كمسألة المحرقة النازية لليهود(مثلا).. فيصطدم المهاجر بجدران سميكة خرسانية أمامه.. خاصة أهل القرى والنجوع.. أو ما يطلق عليه «المحافظ» وفق التقسيم الشرقي.. وحكاية الاندماج فشلت بكافة الوسائل.. ومَن هو له صلة بالتجمعات السكانية في المساكن الحكومية أو مَن هو قريب منهم في مجال التدريس أو الخدمات الاجتماعية يعلم إلى أي مدى فشل ساكن الأناضول سابقاً أو ساكن القرى سلفاً أن يندمج مع أفراد مجتمع غربي مدني مغاير لما يحمل بين جنبيه من افكار ومعتقدات وقيم وعادات وتقاليد..
إذاً لابد من تفعيل القانون في وجه ثلة مارقة(!!) وفق ما عند الغربيين من مبادئ وقيم.. وينبغي أن تضع في حسبانك أن الوضع الإقتصادي والمزاج العام تغير مائة في المائة عما كان عليها (مثلا) زمن الدكتور «Bruno Kreisky» المستشار الأسبق.
[٣.] لا يزيد عن 3% من مجموع سكان منطقة ما.. هم القادرون على التغيير وتفعيل افكار التغيير:
ولعل الرهان كان عليهم.. لكن لفظتهم الأكثرية الساحقة.. وقبلوا بـ تجار الدين.. ومَن يدغدغ مشاعرهم ويخاطب عواطفهم..
[٤. ] 97% -وهم البقية الباقية- هم أتباع يسيرون خلف كل ناعق.. ومنهم أصحاب المصالح والمنافع.. ولا يفرقون بين صحيح أو فاسد؛ فالمنفعة هي المقياس للقيام بالأعمال.. والمصلحة هي المعيار لما يقولون أو يفعلون.. وهؤلاء يسهل جذبهم مرة آخرى بوسائل شتى!!.
[ ٥.] اعتماد سياسة «الطاعة» كاسلوب تربيه عند غالبية الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية؛ دون وضع حدود شرعية أو تنظيمية إدارية لها.. فلا إبداع أو تغيير.. وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. فهم مِن الـ 97%.
زد على ما سبق:
[ ٦.] وجود أجندات خارجية تتطلب التنفيذ دون مراجعة للحال الجديد؛ وأيضاً الإرتباط بأصحاب هذه الأجندات كالحبل السُري.. أقصد:
[ ٧. ] التمويل الخارجي:
وهذا هو الركيزة أو المقتل التي اعتمد عليها الغرب لإعادة النظر في ملف المساجد والأئمة؛ والحراك الإسلامي على تراب القارة الأوروبية ذات الجذور المسيحية..
وهي مسألة تتعلق بالولاء سيكون لمَن!!.
والإنتماء لمَن!؟..
ولعل حكاية القسم عند الحصول على الجنسية الغربية لا يحسب له حساب ما عند الكثيرين
«Verleihung der österreichischen Staatsbürgerschaft «
بمعنى منح أو أُهديَّ.. وكذلك مسألة التجنيد.. والحقيقة توجد العديد من الملفات تحتاج إلى إعادة نظر من الطرفيين..
وإنتخابات دولة المنشأ تظهر بوضوح ولاء البعض لها دون الولاء للوطن البديل وحمل جنسيته؛ وهذا ظهر بوضوح في الحالة التركية وأيضا المصرية.. فقانون هنا يمنع الأزدواج في حمل الجنسية وقانون هناك يبيح ...
[ ٨. ] أخفق العرب/الترك في الإستفادة من فرص استثمار ما يملكون من مكاسب جديدة من الناحية السياسية وفرض رأيهم في الإنتخابات المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية.. قد يصح القول أنهم استفادوا كثيرا من المساعدات المالية والخدمات الإجتماعية وإنشاء شركات أو شراء محلات بقالة.. وفتح مطاعم(البيتسا على الماشي) أو أجهزة المحمول ولوازمه وشراء عقار؛ لكن.. الوجود الحقيقي على أرض أوروبا هو التأثير الإيجابي في سير العملية الإنتخابية في جعل صوت الناخب كارت رابح/ضاغط في يد هؤلاء الأغراب الذين يحملون جنسية غربية.. وفي المقابل أو على الطرف الآخر من مجرى النهر فـ
[ ٩. ] الغرب يحمل إشكالية -هو الآخر- ومنذ زمن.. وهي إشكالية الحفاظ على الهوية؛ سواء ضد الأمركة أو العولمة أو ما جدَّ على أراضيه من وجود لاجئ عربي/افريقي/أسيوي.. وكل منهم له مقومات حياته وثقافته وعاداته وتقاليده وناموس حياته الخاص به..
فهل هنا اصطدام حضارات!!؟..
لا أجدُ أن هذه المقولة صحيحة.. فالمهاجر أو اللاجئ -للأسف- لايحمل حضارة في حقيبة سفره للغرب أو يملك مدنية يستفيد منها أهل الغرب !!؟.. فيكفي أن ساعة يده لضبط وقت الصلاة اليومي صناعة الصين.. والجلباب الذي يصلي فيه ويلامس بشرته من تايوان.!!؟ وسجادته من تركيا الأتاتوركية العلمانية.. القلة من اصحاب العقول استفاد منهم الغرب كعلماء وعقول مهاجرة..
[ ١٠. ] احسن العرب/الترك سياسة بناء الجدران "جيتو"!! وما يلازمها من اضرار وسلبيات.. تغلب عليها ولو قليلاً الجيل الثاني أو الثالث.. والرهان على الرابع!!
[ ١١. ] وأظهر الغربي حالة نفسية وهمية وهي الخوف من الآخر (الإسلاموفوبيا) ولم يحسن التعامل معه..
[ ١٢. ] استفاد الوافد بجوار تجارة البضائع فأوجد «تجارة دين»..
[ ١٣. ] التركي « Gastarbeiter » في الغرب هو الذي استحدث فكرة:" التكامل داخل المصلى" كمشروع ربحي.. فأوجد مطبخ يجاوره قهوة وشرب شاي؛ يجلس أمام قناة تلفزيونية تركية (وصارت عند الآخر عربية) وعلى الطاولة جريدة تركية (وعند الآخر عربية)؛ وعند الإنصراف تجد بضائع تركية يحتاجها المنزل.. وقلده العربي.. ثم وجدت محلات البقالة واللحوم على النمط التركي أو العربي.. تبقى في كثير من اذهان أهل الغرب بعد إنتهاء عملية بناء اوروبا وفق مشروع مارشال الأمريكي هذا المصطلح أو المفهوم « Gastarbeiter » فيتم التعامل أحياناً مع صاحب البشرة الداكنة على أنه عامل ترانزيت مفارق راجع لبلده وليس مقيم أو يحمل جنسية الإتحاد الأوروبي الذي تحت سقفه 28 دولة.
[ ١٤. ] استفاد البعض كثيرا من الزيجات المختلطة.. واستخدمتُ في حالة زواج علمتُ به بأنني قلتُ لها :" أحذري أن تكوني بقرة حلوب".. ولعلي أتذكر ما قاله الشيخ الوالد/ محمد متولي الشعراوي حين زار النمسا في الثمانينات قوله :"عجبت من شباب لا يفكر إلا في اللحم الأبيض فقط.. لحم الخنزير.. ولحم النساء.. فاللحم الأول حرم عليه فطبخه للغير.. واللحم الثاني تذوقه -حراماً- فلما حملت حملا خفيفاً بحث عن كيفية تحله".
[ ١٥. ] الحكم المسبق عن الآخر.. أفسد العلاقة بينهما ..
[ ١٦. ] الرؤية السلبية عن الآخر.. جعلته يبيح دمه وماله وعرضه.. تذكر الجماعة الإسلامية في مصر وسط الثمانينات..
[ ١٧. ] توالت النظرة السلبية عن الآخر فلم يتمكن آحدهم ولم يقدر على تقديم الصورة الحقيقية للإسلام الذي يحمله بين ضلوعه.. وبقيت كتابات بعض المستشرقين هي الغالبة على الذهنية الغربية.. ولم يتمكن أحد -إلا نادراً في تصحيحها
[ ١٨. ] نتيجة عدم الوفاق بين الدولة «الناصرية[(٧)]» في حكم مِصر وبين تنظيم جماعة «الإخوان المسلمين» ونتيجة وجود فرق شاسع بينهما في الأيديولوجية ووجهة النظر للحكم؛ جلىٰ[(٨)] بعض كبار عناصر التنظيم إما إلى دول الجوار العربي وخاصة دول مصدرة للبترول؛ والآخر الأكثر ذكاءً وفهماً لواقع الشعوب وعقلية الحكام -وقتذاك- جلىٰ إلى دول الغرب؛ خاصة بريطانيا العظمى وألمانيا ومَن ليس على مستوى القادة أو الصف الأول جلىٰ إلى النمسا.
[١٩.] وجود الحبل السُري بين مَن أُجلي من بلاده وذهب إلىٰ الغرب أفقده حرية الحركة.. وقبلها افقده حرية التفكير وافقده حرية الإبداع؛ وصار أسير مَن يمول أو تابع لتحقيق أهداف مَن يدفع أكثر إذ ظل على إرتباط وثيق بمن يموله..
والذي يدعو إلى التأمل ومعرفة حقيقة ما يحدث على أرض القارة المسيحية نقرأ ما نشرته جريدة نمساوية[(٩)] بتلقي السيد «Mahdi Mekic» دعما ماليا وصل إلى 270.000 € مِن ما سمته الجريدة «الوهابية» إشارة واضحة إلى دولة المملكة السعودية العربية؛ واللافت هنا أن السيد المذكور «بوسنوي»؛ وليس من أرض العرب.. وهذا يدعوني إلى القول بأن اصابع الدعم المالي لا تقتصر فقط على عرب دول جامعة العرب.. بل تتعداه إلى كل مَن يصلح للتعاون مع النظام الحاكم في دولة تريد بسط نفوذها خارج حدودها الجغرافية.. والدولة المصرية تخرج قليلاً من نطاق عمل التحرك الخليجي على أرض القارة المسيحية العجوز؛ إذ أن الدعم المالي الحكومي لتجمع مِصري هَرِم بمرور الزمان عليه.. وفقد دوره المنوط به ..
[٢٠.] تأتي أحياناً كثيرة "الرياح وليس كما تشتهي السفن"؛ فصعود حزب اليمين المتطرف في عدة دول في القارة الغربية؛ خاصة بعد ارتفاع نسبة اللجوء من دول العالم الثالث؛ وخاصة الدول الفقيرة أو التي تشهد حروبا أهلية.. جعل المواطن الغربي يعيد حساباته مرة آخرى ويعيد النظر فيما يطلق عليه حقوق الإنسان والفرد.. ما ساعد ذلك الحزب على حصوله لأصوات عدة بل وصوله إلى منصب نائب مستشار دولة من دول الإتحاد الأوروبي..
فالمساجد المستهدفة حتى الآن فقط تشمل مسجد لجماعة نظام عالم التركية اليمينية والمتهمة بكونها فاشية ومسجد في الحي الـ ١٥ الفييناوي وإمامه من الإتجاه السلفي وقد شن على هذا المسجد هجوماً إعلامياً في الفترة الأخيرة بسبب بعض الأقوال المحسوبة على إمامه ومسجد في كارنتين.. وكلاجنفورت وهو لفريق بوسنوي صغير واتجاه سلفي أيضاً ولكنه أصلاً غير معترف به كمسجد".
قال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، الذي تؤل إليه دائرة الثقافة، إن 6 من المساجد المشمولة في القرار، تتبع إلى «الجمعية الثقافية العربية» التي تتبنى «الرؤية السلفية». وأضاف أن المسجد السابع تابع للأتراك، وأُغلق بدعوى نشره «القومية التركية» وممارسة أنشطة غير مصرح بها من قبل الجماعة الإسلامية النمساوية التي تمثل رسميا مسلمي البلاد.
لفظةٌ ليست في موضعها.. وسقطةٌ مربكة.. في العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة -والتي كانت تطمع أن تكون عضوا في الإتحاد الأوروبي- وبين فيينا -بحكومتها الإتلافية الجديدة والتي تسعى لنيل التأييد مِن العالم- بعد قرار الأخيرة؛ فأردوغان يحذر ويتوعد ويهدد دولة؛ عضو الإتحاد الأوروبي(!)؛ فقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت الماضي قرارَ المستشار النمساوي إغلاق مساجد في إطار حملة ضد ما اسماه بـ "الإسلام السياسي"، محذرا من "حرب بين الصليب والهلال" بحسب تعبيره.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها في إسطنبول يوم السبت: 09 يونيو: "هذه الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء النمساوي، أخشى أنها تقود العالم(!) نحو حرب بين الصليب والهلال".
وتأتي تصريحات أردوغان غداة إعلان المستشار النمساوي المحافظ « Sebastian Kurz » عن إجراءات لمكافحة التطرف؛ وصدر إعلان المستشار «كورتس» خلال مؤتمر صحفي عقده في 08 يونيو، مع نائبه اليميني المتطرف «هاينس-كريستيان شتراخه»، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي «جيرنوت بلوميل»، ووزير الداخلية «هِربرت كيكل»؛ تكلم السياسي المنتمي لحزب الشعب النمساوي المحافظ يوم الجمعة في فيينا فجاء على لسانه استياء وغضب أثارته إعادة تمثيل معركة رمزية في التاريخ العثماني من قِبل أطفال ارتدوا زياً عسكريا في أحد أبرز المساجد في فيينا التي تحصل على تمويل تركي.. قال: »ليس هناك مكان للمجتمعات الموازية.. والإسلام السياسي.. والاتجاهات المتطرفة في بلدنا «
وكانت صحيفة "فالتر" من اليسار الوسط نشرت في مطلع يونيو 2018م صورَ إعادة تمثيل معركة "غاليبولي" من قِبل أطفال، مما أثار رد فعل قوي في أوساط الطبقة السياسية في النمسا على مختلف انتماءاتها. ويظهر في الصور صبيان في زي عسكري يؤدون التحية العسكرية، وهم يقفون في طابور ويلوحون بأعلام تركية أمام حضور من الأطفال، وفي صورة ثانية يتمدد بعض الأطفال أرضا حيث يمثلون دور ضحايا المعركة، وقد لفوا أجسامهم بالعلم التركي. ويدير المسجد المعني الاتحاد الإسلامي التركي في النمسا، المرتبط بشكل مباشر بالهيئة التركية للشؤون الدينية.
بيد أنه من الطرف التركي؛ اعتبر الاتحاد الإسلامي التركي إعادة تمثيل المعركة "أمرا مؤسفا للغاية".
وهذا آثار حفيظة المستشار بعد :"إن أغلق الأمن النمساوي معسكرًا لأطفال يرتدون الزي العسكري ويتدربون على الأعمال المسلحة داخل إحدى المساجد قبل غلقها." فقد كانوا يمثلون دور القتلى في أحد أبرز المساجد التي تحصل على تمويل تركي، في استعادة لمشاهد من معركة "غاليبولي" أو "حملة الدردنيل" أثناء الحرب العالمية الأولى.
وأشار «كورتس» إلى استكمال دائرة الثقافة ووزارة الداخلية تحقيقاتها بشأن بعض المساجد والجمعيات الموجودة في النمسا، ضمن إجراءات «مكافحة الإسلام السياسي». وقال إنهم قرروا بناء على نتائج تلك التحقيقات، حظر أنشطة 7 مساجد وترحيل عدد كبير من الأئمة بدعوى أنهم ممولين من دول أخرى. كما ذكر وزير الداخلية النمساوي "هِربرت كيكل" إنه يجرى حالياً مراجعة وضع 40 إماماً بدقة، لمعرفة ما إذا كان هناك حالات انتهاك لحظر التمويل الأجنبي بينهم. وأوضح الوزير، المنتمي لحزب الحرية النمساوي اليميني الشريك في الائتلاف الحاكم، أنه تبين في حالتين حتى الآن وقوع انتهاك للحظر يستوجب الطرد. وزعم كيكل : « أن تحقيقاً خلصَ إلى عملية طرد أئمة تابعين لمنظمة “الهيئات التركية الإسلامية الثقافية” بدأت بالفعل«؛ وقال وزير الداخلية :" إن قانون الإسلام الذي صدر في النمسا عام 2015م، يحظر تمويل الأئمة من الدول الأخرى، وأنه سيتم إلغاء تصاريح إقامة الأئمة الذين يحصلون على رواتبهم من الخارج، ورفض طلبات الذين تقدموا لتمديد تصاريحهم. كما أوضح أنهم بدأوا بإلغاء تصاريح إقامة حوالي 60 إماما يعملون ضمن الاتحاد التركي النمساوي للثقافة الإسلامية والتضامن الاجتماعي، بدعوى حصولهم على تمويل من الخارج. ولفت إلى وجود 11 إمامًا تقدموا بطلب لتمديد تصاريح الإقامة، مبينا أنه تم إلغاء تأشيرة اثنين منهم.
وذكر نائب المستشار النمساوي »هاينس-كريستيان شتراخه «المنتمي لحزب الحرية أن السلطات تراقب حالياً 60 إماماً من إجمالي 260 إماماً في النمسا، وقال: «نحن لا نزال في البداية».
وتضمنت خطة »كورتس «أيضا تحذيرا من أن ما يقرب من ربع رجال الدين(!) المسلمين في النمسا البالغ عددهم 260 قد يواجهون إجراءات الترحيل لأنهم يخضعون للتدقيق الأمني في احتمالية تلقيهم تمويلاً غير قانوني من تركيا.
وتستند السلطات النمساوية في هذا القرار إلى قانون الإسلام الصادر عام 2015م، والذي يطالب بتبني موقف أساسي إيجابي تجاه الدولة النمساوية والمجتمع".
وتابع أردوغان كلامه: "يقولون إنهم سوف يطردون أئمتنا خارج النمسا. هل تعتقدون أننا سنقف مكتوفين حيال ذلك؟.. وكأنه يتوعد.. «هذا يعني أنه سيتوجب علينا القيام بشيء ما»، من دون أن يُعطي مزيدا من التفاصيل.
والجمعة الماضية، قال ابراهيم قالين المتحدث باسم الرئيس التركي على تويتر إن "إغلاق النمسا سبعة مساجد وطرد أئمة هو نتيجة الموجة الشعبوية والمعادية للإسلام والعنصرية والتمييزية في هذا البلد".
الجدير بالذكر أنه يعيش حوالي 360 ألف شخص من أصول تركية في النمسا، بينهم 117 ألفا يحملون الجنسية التركية.
وتوترت العلاقات بين فيينا وأنقرة بعد حملة القمع التي تلت محاولة الانقلاب ضد أردوغان في يوليو 2016."[(١٠)]
والجدير بالذكر أيضاً أنه في أكتوبر 2017م وتحت عنوان:" النمسا.. إغلاق المساجد التي لا تلتزم بـ" الإسلام الجديد" طالب -وقتها: وزير الخارجية النمساوي- سباستيان كورتس، بإغلاق المساجد، التي لا تلتزم بأحكام قانون "الإسلام الجديد"، الذي وافق عليه البرلمان النمساوي عام 2015م. ودعا -وقتذاك- كورتس إلى تزويد مكتب الأديان التابع للمستشارية النمساوية بمزيد من الموظفين حتى يتمكن من مراقبة المساجد والمراكز الإسلامية ومعرفة فيما إذا كانت تطبق هذا القانون بشكل دقيق، مضيفا أنه "في حال عدم تقيدها يجب الإسراع بإغلاقها". جاء ذلك خلال عرض الوزير النمساوي لدراسة جديدة بشأن "دور المسجد في عملية الاندماج"، حيث تم التدقيق في وضع 16 مسجدا ومركزا ثقافيا للجاليات المسلمة في مختلف أحياء العاصمة فيينا. ووفقا للدراسة، فإن اثنين فقط من المساجد، التي شملتها الدراسة "تدعم بنشاط الاندماج داخل المجتمع النمساوي، بينما هناك أكثر من الثلث عملت ضد هذا الاندماج". وأظهرت الدراسة أن المساجد التركية تميل نحو الأصولية والتمسك بأصولها القومية ولا تطبق بعضها البنود الواردة في قانون "الإسلام الجديد"، الذي وافق عليه البرلمان النمساوي ليحل محل قانون "الإسلام القديم"، الذي سن في عام 1912 عندما كانت النمسا لا تزال امبراطورية. ويتضمن القانون الجديد نقاط مثيرة للجدل منها : ترجمة ألمانية موحدة للقرآن الكريم؛ وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية العاملة في النمسا، بالإضافة إلى السماح فقط للتنظيمات المسلمة المعترف بها رسميا بتعليم مادة الدين الإسلامي".
يتبقى لي في البحث ما هي «خارطة الطريق» لتفعيل دور النمساوي من أصول أجنبية؛ ومسلم من حيث العقيدة والدين!!؟؟..
ملف من إعداد:
محمد الرمادي
الثلاثاء: 12 يونيو 2018م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[(١)] الذاكرة-للأسف- تخونني.. واذكر أن اسمه الأول: الأستاذ حسين؛ وهو عراقي؛ تولى إدارة فندق في الحي الثامن الفييناوي.
[(٢)] فرانس24.
[(٣)] مصطلح يستخدم في الموانئ الدولية والمطارات العالمية.. ويعني أن المسافر في حالة إنتظار ليكمل رحلته إلى وجهته المقصودة ولعلي استخدمته لما يقارب حال الكثير من ابناء الجيل الأول مِن مَن جاؤوا إلى القارة الأوروبية في بداية الستينات من القرن الماضي أو مَن جاؤوا مِن بعدهم.
[(٤)] مصطلح صحيح؛ وهو يعني الشخص الذي يعتمد على أصل النص الديني في الكتب السماوية: العهد العتيق؛ ويقصد به التوراة، أو العهد الجديد؛ ويقصد به الإنجيل، أو العهد الحديث ويقصد به القرآن.. فمن يعتمد في قوله أو بحثه على نص سماوي فهو أصولي المذهب والإتجاه.
[(٥ )] أبرزت صحف غربية نبوءات قديمة لعرّافة بلغارية؛ نشرت في 09/12/2015. وأعيد تحديثها في : 06/04/2018 بواسطة i24NEWS. عرفها الجميع باسم "بابا فانغا" (الجدة فانغا) التي ماتت في عام 1996م عن عمر ناهز 85 عاماً وقد حظيت بلقب "نوستراداموس البلقان" بفضل تحقق 85% من نبوءاتها. [عن مصادر بلغارية] .
[(٦)]Der Begriff Gastarbeiter bezeichnet Mitglieder einer Personengruppe, denen aufgrund von Anwerbeabkommen zur Erzielung von Erwerbseinkommen ein zeitlich befristeter Aufenthalt gewährt wurde.
[(٧)] خلاف الدولة «الساداتية» في حكم مِصر؛ ولعله من الذكاء السياسي؛ والحنكة في معالجة الأمور أن يحسن السياسي أو الحاكم كيفية استخدام الخصوم وليس التضيق عليهم أو القضاء عليهم؛ مع وضعهم تحت مجهر المتابعة وزرع جواسيس لصالح هذا السياسي أو الحاكم، مع تحديد نطاق ومجال تحركهم؛ وإشغالهم في مسائل رعاية شؤون الناس.. كالخدمات الإجتماعية والمدرسية والتطبيب؛ مع قياس درجة شعبيهم بمقياس لا يخطأ في فترات زمنية لا تتعدى ثلاثة أشهر.. دون تقديم دعم معنوي أو مالي من قِبل الدولة الحاكمة.. ومراقبة تحويل المال من الخارج.. ثم فضح بالأدلة الدامغة مَن يخرج عن نطاق هذه الخطة.. وإظهار جانب الموافقة-دون الدعم المعنوي- أو بتعبير أدق إظهار جانب التحقق من حسن سيرهم وفق المخطط العام للدولة وليس وفق ما يريدون هم -أي الجماعة بغض النظر عن مسماها- إذ أن رعاية الشؤون يجب أن تنحصر في مؤسسات الدولة؛ والجانب الذي لا تتمكن الدولة من رعايته يترك لتلك التجمعات الإسلامية أو الأهلية لتفريغ مخزون النشاط لديهم.. ولعل سياسة إغماض العين في سياسة الدولة «المباركية» أو بتعبير آخر أدق «المقاسمة» مع تلك الحركات ذات الثوب الإسلامي والوشاح الإسلامي السياسي لا تقبل إلا بالمشاركة في الحكم أو الحكم بشكله الكامل من خلال رجالها وأجهزتها.. وهذ خطأ قاتل آدى إلى الإطاحة بمن لا يملك كريزما سياسية أو حضور جماهيري أو حنكة سياسية كمن أطلق عليه-نكاية به من خصومه- تعبير «استبن» في حال أخفق المرشح الأصلي في دخول الإنتخابات؛ اقصد هنا الأول: د. محمد مرسي العياط ؛ والثاني مهندس الشاطر.. هذا بخلاف الحركة الإسلامية التي ترفض أصلاً المشاركة في الحكم مع نظام تعمل على إسقاطه.. كـ حزب التحرير الإسلامي؛ والذي أنشأ في مطلع الخمسينات من القرن الفائت؛ دون تحقيق نتيجة ملموسة على أرض الواقع.. لكن مصيبة تلك الحركات الإسلامية التي في تحليل لوجودها ظهرت على سطح المجتمع نتيجة سقوط دولة الخلافة العثمانية؛ والتي تسمى خطأ بـ «الإمبراطورية» العثمانية.. ولكي تخرج الجماعة من التضيق عليها استحدثت جناح سياسي لحركة جهادية قتالية كـ «(حـ)ـركة (مـ)ـقاومة (إسـ)ـلامية» والتي اختصرت إلى «حماس» وفشلت فشلا ذريعاً حتى في تسيير أمور قطاع غزة ليس حكمه.. ولعل حركة تونس الإسلامية بقيادة السيد «الغنوشي» تقدمت خطوات وتراجعت أميال.. للخطأ التنظيمي والجهل السياسي بأصول اللعبة.. خاصة-والعقبة الكؤود هنا- وأن الغرب يفتح أذنيه دون قلبه؛ ويفتح خزائنه دون عقله كي يسمح لبقاء تلك الحركات الإسلامية على قيد الحياة دون حراك فاعل.. فيكفيه بقائها وليس القضاء عليها..

[(٨)] جلىٰ.. من الجلاء أي الخروج.
](٩)[ «Kleine Zeitung«; Do., 31 Mai 2018, S. 24-25.
[(١٠ )] نشر بتاريخ الأحد 10 يونيو 2018.
[(١١)] وكالة "كونا".

مائدة العمدة الرمضانية !

النسيجُ الإجتماعي لتجمع المصريين في الخارج غير متجانس.. إذ أن منابعهم شتى.. وبيئة تربيتهم مختلفة.. وطريقة عيشهم متعارضة.. ومستوياتهم التعليمية والثقافية متفاوتة.. ودرجة الوعي فيما بينهم تبعد كما بين السماء والأرض ونظرتهم للدنيا والحياة لا تقترب فيما بينهم كما لا تقترب الثرى من الثريا.. وعليه فوظائفهم ومهنهم وتطلعاتهم وأمالهم متباينة.. ويمكن القول أن قيمهم ومفاهيمهم متعارضة.. وهذا بديهي فهو يوجد في كل منطقة في العالم..
ومصريو الخارج بحق وصدق صورة مصغرة للمجتمع المصري برمته ما بين سد النيل العالي -جنوباً- والبحيرة المتوسطية وشبة جزيرة سيناء -شمالاً- وما بين البحر الأحمر -شرقاً- والصحراءالغربية حين ترغب في الإتجاه إلى ليبيا حين تغرب..
ففي بداية الخمسينات من القرن الماضي كان مَن يملك المال يرسل أبنه للتعليم في بلاد »الفرنجة« -كما كان يطلق عليها في الماضي- وهذه سُنَّةٌ سنها والي مصر »محمد علي« .. وإن كانت أصوله غير مصرية وليست عربية.. بل أوروبية -إن صح التعبير- فهو جندي من جنود الخلافة العثمانية؛ وليس كما ينطقها البعض الخلافة التركية أو الإمبراطورية التركية وهو مِن أصول ألبانية.. فعل الوالي هذا ليثبت أركان ملكه.. ويقوي مبادئ حكمه..
ومَن يملك المال يسافر للغرب للعلاج على نفقته الخاصة.. وكان يحدثنا الباشمهندس »حبيب« -ونحن طلبة في بداية مشوار التعليم العالي في نهاية السبعينات من القرن الماضي- بأن العائلات النمساوية سواء في مدينة فيينا أو مدينة جراتس كانت تتسابق فيما بينهم لمن يسكن في بيتها بإفراد غرفة خاصة له.. مع تقديم بعض الوجبات الساخنة.. وكان سيدة البيت ترغب في إقتران أبنتها بأحد الطلبة القادمين لإتمام درجة الدكتوراة في مجالات علمية شتى أو التخصص في الصيادلة.. إذ كان وقتها الغطاء الذهبي هو الذي يحمي الجنية المصري..
ثم حدث تغيير جذري في البنية الإجتماعية للطبقة المتوسطة نتيجة الملاحقة الأمنية.. وهذا عامل ثانوي ضئيل الأهمية للغاية.. وقتئذ.. إلا أنه أثر تأثيرا كبيراً وخطيراً في الغرب من بعد ذلك.. فيكفي -اليوم- أن الدولة الألمانية تراجع 85 ملفاً لمن حصلوا على الجنسية الألمانية وهم من المتطرفيين -حسب المصطلح الإعلامي- »الإسلاميين«.. والنمسا ليست بعيدة عن ما جرى في ألمانيا أو بريطانيا.. أما العامل الذي هز كيان الأمة المصرية فكان حين حدثت الطفرة الخليجية بإنبعاث الذهب الأسود من باطن الأرض الصحراء القاحلة دون إستعداد ثقافي أو إجتماعي مقبول أو وعي سياسي ناضج.. فخرج العامل المصري الذي لا يحسن صنعته يرافقه طبيب متخصص أو معلم.. أو فلاح ترك أرضه لأبيه العجوز أو أولاده في التعليم الإبتدائي وفق منهجية التعليم المجاني الناصري.. خرجوا جميعاً لجمع حفنة من الدولارات.
ثم جاءت موجة منتصف السبعينات.. حركة شباب العالم.. وركبها أول من ركبها الشاب المصري مع غياب تام لأجهزة الدولة ذات العلاقة والمعنية بالشباب سواء التعليمية أو الثقافية أو الدينية.. فكان يغادر شباب الجامعات المصرية في العطلة الصيفية بلادهم في اتجاه عواصم القارة الأوربية لغسل صحون المطاعم ليعود الطالب بملابس غير موجودة أو أجهزة كهربائية حديثة.. أو مَن له قريب في ليبيا أو دول الخليج يسافر إليه..
يتذكر رفيقي أنه قد اجتمع في مقر البعثة الدبلوماسية الرسمية المعتمدة لدى حكومة جمهورية فرنسا في العطلة الصيفية للعام الدراسي 1975م عددٌ كبير من الطلبة المصريين يرغبون في العودة لـ بلدهم الأم »مِصر« وكانوا يرددون مقولة „إللي خرج من داره اتقل مقداره ‟.. طلبة مصر يرغبون في العودة بعد وضع شرط وهو على نفقة شركة مصر للطيران الحكومية.. وكان هذا التجمع الطلابي بمثابة اعتصام سلمي فوق درج السفارة وتحت دهاليزها يشوبه قليل من الفوضى.. وكثير مِن ما تركه الطلبة من بقايا طعام وأوراق زبالة.. فقام سفير جمهورية مِصر المعتمد في باريس بإتصالاته.. وقيل وقتها أن الرئيس السادات اصدر أوامره الرئاسية بعودة أبناءه على نفقه الدولة المصرية إلى أرض الوطن مما يسمح لهؤلاء الطلاب بإسترداد جزء متبقي من ثمن تذكرة الطيران والمتعلق بالقيمة المالية للعودة ..
رحلة فشل ذريعة لشباب جامعات مِصر.. دون تخطيط.. ودون تحدي أهداف أو إتصالات سابقة لجهة السفر.. ولعل الحال اليوم صار أسوأ مما كان عليها في الماضي..
لكن البعض غامر بالبقاء ليكمل البحث عن عمل ما.. فبعد أيام عديدة سيبدء موسم جمع العنب لعصره فيتحول إلى النبيذ الفرنسي المشهور.. صاحب السمعة الطيبة.. لكن لا ينافس نبيذ جانكليس -قرية زراعية بجوار مدينة الثغر: الإسكندرية- ذو المذاق العالي والخاص.. لكن المشكلة عندنا في إحسان التسويق.. ونغمض العين.. بل العينين عن مسألة الحلال والحرام في بلد الأزهر الشريف..
ويتذكر رفيقي مقولة أحد مشايخ »قراء مصاطب« مِصر.. وهم من خريجي الثانوية الأزهرية أو ما دونها أنه قال معلقاً على »شرب« الدخان: „ أهو بنشربه.. فإن كان حراما فنحن نحرقه.. وإن كان حلالا فنحن ندخنه ‟.. ثم أكملت السينما المصرية القضاء التام على شخصية رجل الدين الكهنوتي.. في زيه المعروف وطريقة نطقه للغة الضاد التي هجرها اهلها..
.. يعلو في الغرفة ضحكات متتاليات بشكل هستيري.. مني -أنا- شخصياً ومن رفيقي.. وعلا صوت رفيقي بالقول: „ شوف ولاد الخايبة(!!).. إللي عايزين يرجعوا لـ » مَاسْر « ... ده المبلغ المسترد من شركة الطيران الفرنسية شوية ملاليم (!!) ‟..
ثم يكمل القول: „ وده على جثتي لو عدت خايب الرجاء.. أجر ذيول الخيبة والانكسار ‟..
وتشاورت -وقتها- معه فكان مقصد العودة ولكن إلى »اليونان« يعني تقريبا نصف المسافة ثم اقنعني رفيقي بأننا في موسم صيف والسياحة على شواطي اليونان شغاله حلاوة.. فغادرنا باريس عاصمة النور إلى يونان الجارة المطلة على البحيرة المتوسطية من الشمال.. وسأعود للحديث عن هذه »الرحلة«!!..
رفيقي لديه مخزون هائل من الأحداث المتناقضة والذكريات الحزينة والمؤلمة وايضاً المبهجة والسارة..
رفيقي يحمل من المتناقضات الكم الكثير.. فكما يحمل لون بشرته منذ مجيئه إلى أوروبا.. يحمل أيضا كماً من المخْتَلِفات السلوكية والمخالفات الأخلاقية مثل لون عينيه.. لم يؤثر فيهما مرور الأزمان.. والمهم أن الكثير بل الجميع لا يدرون بحاله القديم.. وقت صباه أو شبابه.. المهم والهام حاله اليوم بعد أن تمكن من حفر اسما ناصعا له على جدران الزمن.. ولعل هذا من ستر الله عليه وعلى أمثاله.. الكثيرين.. وكان يتمثل بأية معناها „ خلق الإنسان ضعيفا ‟..
ثم يكمل: „ طيب..! .. وراح يعمل -يقصد الإنسان- آيه ما هو ربنا خلقه كده.. !!.‟.
يمكنني القول أن جيل رفيقي بحق جيل كل المتناقضات التي يمكن أن تتواجد في شخصية إنسان واحد.. أو تتمركز في عقلية أحد.. فبحكم المولد ولد -رفيقي- قرب نهاية حقبة الملكية المصرية.. وبالتالي لا يعِ عنها إلا روايات الأب.. وقصص الجد ومَن هم على شاكلتهم.. أما فترة طفولته وصباه.. فشبابه المبكر قضاها في الحقبة »„ الناصرية ‟ « ذات الكريزما العالية.. وهو يفتخر بأنه تربية ناصرية بأمتياز وليس على مبدأ.. فناصر العرب.. وجمال العروبة لم يأت بمبدأ يطبق أو نظرية سياسية تنفذ بل هو زعيم عربي يحمل بين جوانبه الشخصية الرجولية ذات الملامح الواضحة.. والتي تحتاجها الجماهير.. يملك قدراً هائلا من حسن الخطاب وملكة الإقناع.. مع حضور ذاتي مقبول.. أما بداية النصف الثاني من مرحلة شباب رفيقي -وهي فترة زمنية قصيرة للغاية- قضاه تحت حكم سادات مصر.. وهو أيضا شخصية متناقضة.. فسمى نفسه رجل الحرب والسلام.. وسمته الصحافة المصرية رجل العلم والإيمان.. ثم انحدرت الأمة المصرية بأكملها في مستنقع الإنفتاح في عهده.. ثم جاء مبارك.. فقعد على قلب المصريين دهراً من الزمان.. ثم لثوان من عمر مِصر جاء المستشار.. وبعده تمقعد على كرسي خلافة الفراعنة مرسى.. لم يشعر به أحد وكما قيل عنه „لابس مزيكا‟.. وصرنا اليوم في حكم المشير.. بعد أن خلع بزته العسكرية وتمدن..
رفيقي عاش في مصر بشكل متقطع طوال فترة تعليمه الجامعي.. وعاش بشكل تام في الخارج خلال فترة تعليمه العالي.. ثم حصوله على وظيفة في مؤسسة حكومية حتى هذه اللحظة.. فهو ينطبق عليه أنه من الطيور المهاجرة.. ويمكنك القول أنه من العقول المهاجرة.. وهو لم يتواجد في وطنه منذ السبعينات.. وهو مازال يرفع قبعته لرجال أثروا في شخصيته أو لعبوا دوراً جوهرياً في حياته وحتى شكل هندامه وطريقة حديثه ومكونات ألفاظ كلامه سواء بالعربية أو اللغة الأجنبية..
ومن هنا -منذ وسط السبعينات- تبدء مرحلة جديدة مغايرة تماماً لحياته السابقة ونمطها التي عاشها في مدينة الإسكندر الأكبر.. ومن المفارقات العجيبة والغريبة معاً والتي لا أجد لها تبريرا -عندي واضحاً- أنه- وحين أكون مجاوراً له في مكان نجتمع فيه من الزملاء الغربيين- يخبرهم بنبرة متشددة واضحة أنه من »الإسكندرية«؛ فيقول له الزميل الغربي الأوروبي :" آه .. يعني من مِصر!!؟.. "... فيرد اسرع من البرق : „ لأ .. لأ .. أنا من الإسكندرية.. ‟ ثم يقوم بدور الشارح: „ هناك فارق كبير بين المِصري والإسكندراني... ‟ فنضحك ضحكة بلهاء.. إذ أننا جميعاً لا نريد أن نعرف الفارق بينهما..
النسيجُ الإجتماعي المصري في الغرب صورة مصغرة للمجتمع المصري يحمل كافة الأطياف والتيارات والإتجاهات والمنتفعين..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عزومة عمدة مقاطعة فيينا؛ عاصمة الدولة النمساوية؛ عضو الإتحاد الأروبي...
قال لها ELLE » « وهو اسم دلع لامرأته؛ وهي من طراز الملكات.. امرأة اسطورة من زمن القياصرة المنقرض.. اعتبرها أميرة البحار السبع الشقراء –وهي المرأة المفضلة لرفيقي سواء في افلام السينما على الشاشة الفضية أو في الحياة المعاشة-.. امرأةٌ إذا رمقتك بنظرة هبطت ملآئكة السماء لتبارك لك سائر النهار حتى تتناوب عليك ملآئكة الليل لتكمل مباركة الرب لك.. فتكمل نزول التبريكات والرحمات والسلامات.. فإذا انفرجت شفتاها هامسة بحديث.. غرد الكروان.. فوق عش ذهبي تناديك لتسكن فيه وحدك.. وإذا اقتربتْ منك في ممشاة لها فعبير ليلة صيف لطيف هب من بحيرات النمسا المتعددة ممزوجة برائحة العطر الحجازي الأصلي الذي اعتادته أنف رفيقي والمجلوب من الهند.. مهبط آدم من جنة الرضوان.. لحظة الرضا قبيل الخطيئة.. فزرعه ليتذكر زمن الجنة على أرض الشقاء..
قال لها: „ ELLE » « .. أنتِ تعلمين -كما أخبرتكِ- بأن محافظ العاصمة يرسل لي دعوة خاصة لتناول طعام الإفطار على شرف مائدته الرمضانية!!.‟ ..
فردت مسرعة: „ نعم .. نعم .. أعلم!! ‟
فعقب بالقول: „ وغالبا ستكوني في مرافقتي.. أليس كذلك !!؟ ‟
فقالت: „ طبعاً .. أريد أن أدخل عالمك.. أريد أن أتعرف عليك بين ناسك وطريقة تعاملهم معك!!.‟
„ وأنت تعلمين وضعي الإجتماعي بين التجمعات العربية.. ومركزي الحساس خاصة مع التحركات الإسلامية..‟
أجابت: „ نعم.. نعم . أعلم ‟
رفيقي يحسن معاملة النساء -خاصةً المرأة التي تروق له.. أو يعجبه منها.. أو فيها شيئاً ما..
وقال: „ وتعلمين إن عندي أعداء كثر.. يتحينون فرصة تسنح لهم للقضاء على سمعتي.. أو تشويه صورتي.. ولعلك أنتِ نقطة مرور -في ظنهم- يحسنون الدخول منها لتلطيخ ياقة قميصي ناصعة البيضاء! ‟
رفيقي لا يحسن مخاطبة الرجال؛ أو الجدال بالتي هي أحسن؛ يظن في نفسه أنه يمكل الحجة والبرهان.. وخاصةً الذين يهبطون إلى الذكورية دون الرجولة.. فهو مباشرة يتعالى عليهم.. يشعرهم بدونيتهم.. وخاصة مَن لا يملك مؤهل علمي أو يلاحظ أنه من خارج نطاق عالمه.. العاصمة الصيفية لمِصر.. مدينة الإسكندرية.. وهذا يتفق مع مزاجه العام..
فقالت: „ افهم..افهم..‟
وقبل أن تفتح فمها لتنطق بقية الجملة؛ بادر بالقول: „ عليكِ أن ترتدي بجواري غطاءً للرأس!!. ‟
تبسمت ابتسامة الأنثى اللعوب.. والتي تفهم بسرعة الريح ما يدور في رأس رجلها.. وبدأت في المراوغة والتحايل؛ ونظرت إليه من طرف حدقتها: كاشفة عن سلاح تتميز به عن العربيات وهي تعلم أنه يعجبة من النساء : البيضاء الزرقاء الشقراء.. فقالت بصوت خافت: „ أتغير عليَّ من العرب أم من المصريين!!؟.. ‟
ثم ضحكت بصوت عال مردفة: „ آه تغير عليَّ مِن المحافظ..!! علشان هو نمساوي!!؟..‟
نظر إليها دون رد..
ففهمت أنها دخلت في منطقة وعرة خطرة ليس فيها معه حديث.. أو نقاش.. أو جدال.. حتى وإن كان مزحاً أو لهوا..
رفيقي تربى على نظرية مفادها „المفاوضات تجري على ما تم الإتفاق عليه سلفاً‟ و„المناقشات تكون على ما يريد هو أن يتناقش فيه‟.. ولديه مسائل وقضايا لا نقاش فيها ولا مفاوضات.. إما مسألة رجولة يسال على جوانبها الدماء.. وإما مسألة كرامة وعزة ترفع فيها رايات الحرب وتدق طبولها..
رفيقي تربى منذ نعومة أظافره على أنه حام النساء.. مدافع عنهن.. وعن عرضهن.. فهو الذي رافق جدته لأبيه حين ذهابها إلى سندرة جامع »مولانا الراوي « لتحضر درس العصر على يد الشيخ »أحمد « وهو يجلس فوق حِجر بقية زميلات جدته العجوز متنقلا من حِجر إلى آخر ينعس حيناً فوق هذا الحجر وينام قليلاً فوق آخر ويستيقظ أحياناً على صراخ الشيخ الخطيب في درس العصر فيمتلؤ أنفه بعطر خاص.. ذاك العطر الحجازي الأصيل.. الذي أحضرته الحاجة »نبيه« حين حجت في بداية خمسينات القرن الماضي.. وأهل ذاك الزمان كانوا يحجون مرة واحدة في العمر ويرجعون كما ولدتهم أمهاتهم.. أما أهل هذا الزمان فيحجون أو يعتمرون كل عام من باب غسل ذنوب العام.. الحاجة »نبيه « اعطت قارورة عطر كبيرة ممتلئة إلى جدته؛ التي هي أبنة عم زوجها.. وحين شبَّ تعلم الفروسية من أفلام عنترة بن شداد.. والقائد صلاح الدين الأيوبي -الكردي- فتربيته النفسية عنده في معاملة النساء هي نفسية الحامي والمدافع والمنتصر.. والعقلية الذكورية لديه أنه المرافق الوديع اللطيف المحب.. وشخصيته الرجولية تُملي عليه أن يكون متحدثاً لبقا لا تمل منه النساء.. يفتح موضوعاً ليلتقط قبل إنتهاءه موضوع آخر لجذب انتباههن.. ولعل حكاوي الشيخ »أحمد « وقصصه عن عشرة النساء.. وأخلاق نبي الإسلام ملأت ذاته بالشيئ الكثير.. وحين غادر مرحلة الصبا كان دائماً مرافق الحسناوات.. حتى في فرنسا؛ باريس طلبت منه آحدى المصريات مرافقتها وهي حكاية آخرى نتحدث عنها في قابل الأيام..
رفيقي أخبرها ELLE» « أن المرأة التي كانت قبلها.. تلك السالزبورجية.. طلقها بالثلاثة طلاقا بائناً لا رجعة لها بمحلل أو بمحرم.. فقط.. لأنها راقصت ولمجرد ثوان في تجمع خيري آحد زملائها.. وهو ما يطلق عليه » Sandkastenfreund « بعد أن استأذن هو منه.. عقلية عربية.. تملك زمام الكلمات في قاموس خاص كبير لا تنتهي مفرداته.. وشخصية رجولية.. تسحر المرأة حين يعاملها على اعتبارها المرأة الوحيدة في العالم والتي لا يرى غيرها وليس في عالم البشر مثلها.. وأظن أن هذا يحلو لنساء العرب والعجم..
بدء الحديث بهدوء مفندا أطروحته فقال: „ حين زار رئيس الدولة النمساوية الدكتور »„ Thomas Klestil ‟« بابا الفاتيكان برفقة زوجته الثانية »„ Margot Klestil-Löffler‟« في زيارة رسمية ارتدت زوجة الرئيس غطاءً اسوداً للرأس ولم يعترض أحد.. هذا وفقاً للأعراف المعمول بها في حاضرة الفاتيكان ‟ .
فردت مسرعة :" الزيارة برفقة زوجته الثانية.. هذه لم تحدث قط !؟".
فقال لنعود إلى الأحداث وترتيبها في العصر الحديث.. ممهداً بالقول: „ الأمر تحول من مانتيلا، وهي طرحة داكنة من الدانتيل ترتدى في إسبانيا، إلى حجاب أسود فقط ‟
.. ثم يلتقط أنفاسه ليشعرها أنه يجمع قواه الفكرية فيكمل فـ: „ عندما زارت ملكة بريطانيا البابا وهي في سن صغيرة -أظن عام 1980م-، وضعت غطاءَ رأسٍ كان يشبه ما ترتديه أميرات أسبانيا.. ‟..
ثم نظر إليها محدقاً قائلا: „ حدث أم لم يحدث .. ‟
فرد بالقول: „ أنا نمساوية.. ولدت في جراتس.. ولست بريطانية !.‟
فقال: „ حسناً!!.. لنترك بريطانيا في جزيرتها المنعزلة عن العالم؛ والتي برغبتها خرجت من الإتحاد الأوروبي.. ولنذهب إلى أمريكا؛ إذ أن آحدى أميرات البلاط الإمبراطوري النمساوي أحضرت شجرةَ عيد الميلاد منذ أكثر من مئتي عام من أمريكا..!! ‟
ومحدقا مرة آخرى في وجهها ليرى علامات رد فعلها: „صحيح هذا الكلام!!؟..‟
فقالت غير مبالية: „لم اسمع بهذا قط‟
فقال : „ أنا ابن العرب حتى النخاع؛ الإسكندراني من مفرق رأسي وحتى قدمي أخبرك عن تاريخ بلادك وأنت تقولين لم أسمع .. لم أدري.. معرفش!!؟.. ‟
تنفس بهدوء وقال: „ حسنا!!.. اسمعي ما فعلت حسناوات الأمريكان‟
واعتدل في جلسته.. فقد أمسك زمام المبادرة. وبيديه مربط فرس الحديث وسلاسة الكلام فقال: „ زوجة الرئيس الأمريكي السابق ميشيل أوباما ارتدت حجابا في لقاء بابا الفاتيكان المتقاعد على المعاش بنديكت السادس عشر، عام 2009م، وقبلها فعلت هذا لورا بوش.. وأيضا هيلاري زوجة بيل كلينتون.. تعلمي حالهن!! ‟.
فردت ببرود منقطع النظير متعالية برأسها بشموخ سكان القصور من سلالة الإمبراطور فرانس يوسف :„ لم أكن معهن..!! فلما تحاسبني على فعل الآخريات .. ‟
واردفت: „ ذهابي معك لمائدة عمدة مدينة فيينا لا تناسبه أو يقابله زيارتي لـ بابا فيينا .. أو روما معك !!؟.‟
أعاد القول : „ جميع زوجات رؤساء أمريكا التزمن ببروتوكول الفاتيكان.. هذا أولاً.. أما ثانياً:وهو المهم عندي: وارتدين ملابس سوداء.. والأهم على الإطلاق أنهن وضعن غطاءَ رأس ‟.
ثم قال في مناورة كلامية : „ أعلم أن هناك من اخترق هذه القاعدة ولم يلتزم بها!!؟.. بالطبع كان هناك من رفضن ذلك البروتوكول الفاتيكاني!!. تعرفي .. أثيرت ضجة كبيرى بسبب شيري بلير.. شييييري -يمد اسمها بنبرة تهكمية- زوجة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، عندما قابلت البابا مرتدية ملابس بيضاء، عام 2006م، وفي أبريل العام 2017 رفضت كاميلا، زوجة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، -انا ما حبش أجيب سيرته بالمرة – كاميلا.. رفضت ارتداء الملابس السوداء وظهرت في لباس أصفر وبدون غطاء رأس ‟..
أراد ان يهدأ الحديث.. ولم يتناول شيئاً يرطب حلقه فهو صائم فيقول : „ لكن لا تنسِ وتذكري ما قاله ناطق باسم الفاتيكان في حديث مع صحيفة الديلي تليغراف قائلا إن »الأمور أصبحت أقل حدة خلال الأعوام القليلة الماضية، ولا توجد قواعد صارمة وسريعة «... ويوضح الموقع الرسمي للفاتيكان بعض القواعد المعمول بها ومنها: ضرورة ارتداء من يلتقي البابا فستانا بسيطاً يغطي الأكتاف، خاصة إذا كان اللقاء داخل أروقة الفاتيكان.
ثم عاد معتدلا في جلسته وقال : „ ورغم هذا التخفيف للقيود، إلا أن » ميلانيا ترامب« التزمت بشكل كامل بهذا التقليد. وربما يعود هذا لأنها من الروم الكاثوليك، وهو ما يتضح من طلبها أن يبارك البابا فرانسيس مسبحتها الوردية أثناء الزيارة. ومن اللافت أيضا أن »إيفانكا«، ابنة الرئيس ترامب، ليست كاثوليكية وقد تحولت إلى الديانة اليهودية ورفضت أيضا ارتداء الحجاب في السعودية، ومع هذا وضعت غطاءً على رأسها في الفاتيكان. مما جعل مراسلو الصحافة في الغرب؛ خاصة في روما يبدوا إعجابهم بالملابس التي ظهرت بها زوجة الرئيس.. وأيضاً إيفانكا ترامب والتي التزمت بالملابس السوداء وغطاء الرأس رغم أنها تعتنق الديانة اليهودية‟.
قالت متحدية ولكنني أتذكر : „ أن حجاب »ميلانيا« ترامب أثار اهتمام المراقبين لزيارة الرئيس الأمريكي للفاتيكان خاصة أنها لم ترتديه أثناء زيارتها للسعودية وكانت مرتدية فستانا طويلا أسود اللون يغطي ذراعيها وما تحت الركبة، أمام البابا كما ارتدت غطاء رأس »»„حجاب‟« أسود اللون أيضا ‟
قال: „ إنني متابع الأمر بصورة أو آخرى.. وقلت هذا لكِ سابقاً ‟
وقالت منبة أياه :„اتذكر صحفي اسمه جون سوبيل، محرر شؤون أمريكا الشمالية في بي بي سي، على موقعه في تويتر قال: "نقطة صغيرة مثيرة للاهتمام، »ميلانيا« ترامب ترتدي حجابا أثناء لقاء بابا الفاتيكان فرانسيس، لكنها لم تفعل هذا عندما كانت في الملكية العربية السعودية‟.
وقال وكأنه يلقي آخر ورقة لعب ليكسب الجولة : „ المملكة السعودية العربية.. معلش ما فيش مشكلة لكنكِ ينبغي أن لا تنسين أن ما فعلته السيدة الأولى في أمريكا يتفق مع مبادئ زيارة الفاتيكان.. إذ أنه ينتهج بروتوكولا ومراسم صارمة أثناء لقاء البابا، والبيت الأبيض كان على علم بهذا البروتوكول واتبع هذه المراسم. ورسميا لا يُطلب من الشخصيات النسائية الرفيعة اللاتي تزرن السعودية ارتداء الحجاب، لكنه أمر ملزم فقط للنساء السعوديات ‟..
ثم وقف وعاد ليجلس منتصراً ليقول: „ هذا هو الفارق بين سماحة الإسلام مع الآخر وإلتزام رجاله مع مَن يتبعونه.. وكيف يرى الفاتيكان المرأة..!!.. وأنت قرينة مسلم يعيش في الغرب!!؟ ‟
ثم عدّل قامته ليقول: „ أكثر من ذلك، لم يتحدث السعوديون مع البيت الأبيض حول ملابس زوجة الرئيس وما يجب أن ترتديه، بينما طلب الفاتيكان أن تضع غطاءَ الرأس وتلتزم ببروتوكول الملابس، هذا بحسب ما قالته مديرة الاتصال الخاصة بها ستيفاني جريشام لشبكة سي إن إن ‟..
وأخيرا وليس آخراً في هذا الموضوع الذي لا يستحق كل هذا العناء والنقاش والجدال ووجع الرأس.. ولعله يريحنا كثيراً ما قاله الرئيس الحالي للنمسا وإن تسببت تصريحات التي عبّر فيها الرئيس » «Alexander Van der Bellen خلال مشاركته في فعالية نقاشية جرت في 24 مارس 2017م بممثلية المفوضية الأوروبية في فيينا، ودارت حول العداء للإسلام والهجمات على المحجبات في النمسا.. عبر عن تضامنه مع المحجبات اللائي يتعرضن لحملة متزايدة من العداء في بلاده، فأثارت موجة واسعة من الجدل والانتقادات تجاوز صداها النمسا إلى ألمانيا المجاورة؛ الشقيقة الكبرى.. وثارت الضجة على تصريحاته والتي قال فيها »„ إن استمرار هجمة الإسلاموفوبيا -الخوف المرضي من الإسلام- بنفس مستواها الراهن سيقرب اليوم الذي ندعو فيه النساء -كل النساء- لارتداء الحجاب، تضامنا مع المسلمات اللائي يرتدين هذا الزي عن قناعة دينية ‟«.
وبذكاء السياسي المخضرم شبّه الرئيس النمساوي هذه الدعوة بارتداء الدانماركيين خلال حقبة النازية الألمانية نجمة داود تضامنا مع مواطنيهم اليهود في مواجهة ملاحقة الديكتاتورية النازية، ووصف زعيم حزب الحرية اليميني النمساوي هاينز كريستيان شتراخه ما قاله رئيسه المنتخب بأنه مثير للقلق.. ولعل المهم في قول الرئيس المنتخب النمساوي أنه عبر في كلمته -أثناء الفعالية- عن قناعته بحق المرأة في ارتداء ما تشاء، وأشار إلى أن هذا يخص كل النساء وليس المسلمات وحدهن، ولفت إلى أن بلاده -التي يعيش فيها حاليا نحو ستمئة ألف مسلم- تعترف رسميا بالدين الإسلامي منذ أكثر من مئة عام. وجاء تعبير الرئيس النمساوي عن تضامنه مع المحجبات بموازاة تنامي الجدل داخل بلاده حول فرض حظر على ارتداء الحجاب بوظائف معينة، بعد تأييد المحكمة الأوروبية في مارس2017م حق أصحاب العمل في فصل العاملات المرتديات الحجاب.
فقالت : „ صدر قانون بغرامة مالية لكل محجبة !!.‟
ورد بصوت مرتفع : „ خطأ ضخم ما تقولينه... غرامة مالية لكل منقبة مغطية وجهها بالكامل فلا تدرين أتحت النقاب رجل أم امرأة !!. وهناك فارق بين ملابس المرأة البالغة في الإسلام وبين عُرف سائد في الباكستان أو الخليج كملابس نساء قطر مثلاً أو إيران أو مصر.!! ‟
وقال بهودء وبحذر :„ ورغم أن كلمات فان دير بيلين كانت عفوية ولم تأت في خطاب رسمي، وإنما أثناء فعالية نقاشية مع تلاميذ مدارس، فإن ما قاله أثار حالة من الانتقادات الواسعة تراوحت بين الغضب النسائي والاستنكار الرجالي، ومطالبة آخرين باستقالته بعد مئة يوم من توليه منصبه، عقب فوزه على السياسي اليميني نوربرت هوفر في ديسمبر 2016م ‟
ويكفي أنه في بيان أصدره مكتبه الصحفي، وذكر فيه أن فان دير بيلين يرى أن ما قاله يرتبط بحرية التعبير عن الرأي وحرية ارتداء الملابس، وأشار المكتب الصحفي إلى أن محور ما قاله الرئيس النمساوي يتعلق بالتصدي للتمييز ضد النساء المحجبات اللائي يتعرضن في المرافق العامة لحملة عدائية متزايدة ومرفوضة.
توقف حديث لبرهة زمنية كأنها دهر ..
ثم قالت له: „ أنتَ تعلم كم أنا أحبكَ.. وأنت رجل حلمي منذ طفولتي.. أهذا غصب عني أم أنه رجاء مشفوع بقبلة عاشق ولهان للمرأة الوحيدة في حياته وإلى الأبد!!. ‟..
فهدأ من روعه وقال مبتسماً ابتسامة عريضة ملئت السموات والأرض: „ لم أمارس عليكِ أي ضغط بخصوص أي أمر في حياتك قبلي.. لتغيرينه معي الأن .. ولن افعل ذلك في المستقبل.. أنتِ لك مطلق الإختيار.. كما تشائين!!. ‟
ابتسمت وقالت له: „ اريد ذلك الشال الذي أحضرته لي من »جايبور«.. إنه يناسب فستاني.. ‟..
فقال لها : „ منذ أن أحضرته لكِ هو مازال في علبته ‟...
هدأت العواصف الثلجية التي كانت هبطت على غرفة المعيشة التي تم الحديث فيها وإن كنا في وسط شهر مايو..
مرت عدة أيام ثم أخبرها على التليفون المحمول قبيل التواجد على مائدة شرف العمدة بساعات قائلاً : „لقد أرسلت برقية أعتذار لفخامة العمدة عن عدم قدرتي الحضور وبينت له سبب عدم مجيئي.. ومكتبه أخبرني أنه تم قبول العذر.. ولكن تم سؤالي أترغبين في الذهاب بدوني ممثلة عني وعن التكتل الإسلامي الذي أنتمي إليه !!؟. ‟.
فردت بهدوء : „بدونك لن أذهب.. ولا يمكنني أن اكون ممثلة لجمعيتك التي أنت تترأسها.. أنا زوجتك !!‟.
فقال : „ولكنك تكتبين كل مراسلاتها لأنك تفهمين كيف تخاطبين المجتمع الغربي بمؤسساته!!.‟.
فقالت : „أنا افهم كيف أخاطبك أنتَ.. وأما في غيابك فلن أخاطب غيرك !!.‟.
ارتاح لردها وقال : „فليكن العام القادم تواجدي معك على مائدة العمدة الجديد!!‟.
فقالت : „ذهبَ Häupl» «.. وجاءَ Ludwig» « وبقي » «Michael ‟..
فضحكا معاً
وسألته مستفسرة: „ماذا حدث جعلك تعتذر عن الحضور هذا العام والتواجد على مائدة غفطارعمدة فيينا ‟.
فقال لها „سأخبرك عند عودتي!؟‟
ـــــــــــــــــــ
فقرة من رواية:
»„الرجل المشرقي‟«
بقلم : محمدالرمادي

» شَعْبَنَّه «

" .. أبدعَ „ المِصْريُّ ‟ منذ فجر التاريخ في كافة المجالات.. إذا أعطيت له الفرصة المناسبة وعاش في مناخ عام صالح أن يتنفس فيه بحرية وإن كانت المتاح له من عوامل مساعدة ضعيفة..إذ أن عقلية الإبداع وهبتها له طبيعة المكان وجغرافية الموقع مع احساسه بالمسؤولية.. فعامةً أبدع „ المِصْريُّ ‟ في المجالات العلمية بشتى فروع العلم.. انظر للناحية الإنشائية والمعمارية.. فحين نتكلم عن الإعمار والتشيد نجد „ المِصْريُّ ‟ القديم أبدع.. فخلد حضارته ليومنا هذا على جدران المعابد والقصور.. وأبقى مدنيته على جدرانية التاريخ.. وكذا في كافة نواحِ الثقافة الإنسانية... في زمن ما قبل التاريخ.. " ..
ثم توقف رفيقي كعادته سابحاً في فضاء.. لا أدري أي فضاءٍ..!!..
أفضاء التاريخ الذي يمتد إلى ملايين السنين..!!.
أم أنه فضاء دُول الأسر الفرعونية التي حكمت بلاده حقب متتالية من عمر الزمان.. فخلدت وجودها حتى هذه اللحظة الفارقة في حياة الإنسان المصري المعاصر..!!..
وتركت آثارا.. شاهدة بشموخها على عظمته الإبداعية.. وقدرته الإعجازية فلم يستطع آخر تقليده وإن حاول ولم يأتي بعده بديل ليكمل ما شيده وبناه.. فعجزت العلوم الحديثة المتقدمة وتكنولوجيتها العالية في إكتشاف كيفية البناء أو معرفة طريقة التعمير أو الإلمام بسر التشيد الخالد عبر الدهور ومر العصور وكر الأزمان..!!..
أم قصد -رفيقي- تاريخ الأديان ورسالة السماء مرورا بـ „ إخناتون ‟ „ المِصْريُّ ‟.. مع قراءة متأنية للتراث الديني الفرعوني.. فـ „ الخليل ‟ الذي ولد في بابل .. ومرَّ مع زوجته الحسناء فوق أرض الفراعنة.. !!..
أم ميلاد السيد الكليم فنتحدث عن بني إسرائيل وما جرى لهم..!!..
ولعل النمساوي „ سيجموند فرويد ‟ يفاجئنا جميعاً بقوله في كتابه المشهور " „ موسى ‟ .. والتوحيد".. إذ :" هو أول من قال بأن „ موسى ‟ النبى هو „ إخناتون ‟ وأنه كاهن وليس نبيا ".
أم الحديث عن الصديق أمير امراء وزارات الإقتصاد والمالية والتموين والإسكان والشؤون الإجتماعية „ يوسف ‟ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم.. زمن مَلك مصر في عهد الهكسوس..!!.
أم سبحَ -رفيقي- في فضاء دولة الرومان التي احتلت أرضه!؟.. واعتبرتها المزرعة الخلفية للحبوب والغلال.. !!.. فنهبت خيراتها واستذلت شعبها..
أم فضاء أقباط مِصر..!!.. تحت وطئة الإستعمار الروماني..
ومِصرُ.. المكان الآمن الوحيد.. فأرضها.. بلاد الأنبياء وترابها سار عليه القديسيين والشهداء وتحت سماءها تجول الأبرار والصديقيين.. فأرضُ مِصر احتضنت „ العائلة المقدسة ‟ ثلاثة أعوام متتاليات.. فجاء الفاتيكان -مؤخراً- فاصدر مرسوماً منذ عدة شهور يحمل توقيعه يعترف برحلة „ الطفل ‟ المعجزة تحمله „ أمه ‟ العذراءالبتول يصاحبها „ يوسف ‟ النجار يتناوبون فوق حمار هزيل..!!.. بأنهم ساروا فوق تراب مصر الطاهر المقدس.. فحين شربوا من رافدها الفضي فارتووا.. ولما تغذوا من نباتها شبعوا واختلطوا بأهلها فاطمأنوا..
واللافت للنظر والإنتباه أنه -رفيقي- لم يتحدث ابداً عن نصارى مِصْر أو مسيحية أرض النيل.. وإن أراد الحديث فيتكلم قليلاً جداً عن اشخاص بعينهم كـ معلمه الأول في الإبتدائية الأستاذ « فؤاد » وهو مِصري مسيحي؛ يصفه أنه طراز خاص من المدرسين الذين أعدوا جيل حُقبة « „ الناصرية ‟ ذات الكارزمة المؤثرة.. صاحبة مبدأ ليس فاعل فقط على الشعب العربي بل اتسعت لفضاء العرب.. فالأفارقة فالعالم بأسره وأحرار الدنيا » ..
أو حين يتحدث عن نصارى مصر.. يتذكر شخصيات اثرت في عقليته وتركت بصماتها النبيلة على مكونات شخصيته فحين يتحدث عن أستاذ الرياضيات « أِميل » في إعدادية آحدى المدارس الأجنبية التابعة للإشراف الأمريكي.. لا يتكلم عنه بالتفصيل -وأظن عمدا-
أو حين يريد أن يخبرنا عن مَدْرَسته „ المرقسية ‟ التي قضى بها تعليمه الثانوي وهو -كعادته- يفتخر أنه جلس على مقاعدها.. وتجول بمكتبتها وارتشف الشاي من „ كُشك عم «بولس» ‟ ولكن يتكلم عنها بصورة وجيزة ومختصرة...
بل يكفيه أنه كان مفتخراً بأن « دودي » عاشق فائقة السحر وصاحبة سر القبول « دِيانا » البريطانية.. أميرة مقاطعة ويلز الحسناء، التي هجرها أمير البلاد ووريث التاج البريطاني.. الوريث الأول لملكة بريطانيا „ إليزابيث الثانية ‟ ، خانها في مخدعها مع العجوز الشمطاء .. وللحب في القلوب دروب.. ليس بالمألوف أو بالمقبول معروف .. وحين علمت بالغدر والخداع ارتمت بين ذراعي الشاب الإسكندراني العاشق الولهان.. الذي تعلم كيف يعامل المرأة المجروحة في عمق مشاعرها إثناء تدفق الأمواج على شاطئ الغرام والمطعونة في صميم فؤادها.. فدرس فن الغزل فوق ملايين من حبات رمل بحيرته البيضاء المتوسطية.. وزرقة سماء مدينته صفت نفسه من الأدران والأسخام..
-رفيقي- مولع بمتابعة وقراءة وتفحص مثل هذه الأخبار.. إذ يبني عليها حكاياته الخاصة ورواياته التي يحسن تأليفها في التو واللحظة حين يقترب من ضحيته التالية التي أُعجب بها.. أو ينسج خيوط غزله حول فريسته القادمة.. ولا ابالغ فقد شبهته زميلة عمل بقولها له أنه كـ Schürzenjäger „ ‟.. فقد اهتم كثيراً بما يقوله التقرير السري، الذي نشرته صحيفة الصان البريطانية بإدعاءها :" إن المخابرات قررت قتل الحبيبين بموجب قرار ملكي، وبدأت الخطة بمراقبة ديانا مع رفيقها دودي الفايد، وتتبعهما في جميع الأماكن التي يذهبان إليها، ونظرًا للعلاقة السرية بين المخابرات البريطانية والفرنسية والمصلحة القومية العليا بين البلدين، تم إبلاغ باريس أنه سيتم تصفية الأميرة ديانا ودودي على الأراضي الفرنسية، على أن تقدم بريطانيا أي خدمة لفرنسا، فصمتت الأخيرة وتعاونت مع المخابرات البريطانية"...
.. يلتقط خيط الحديث رفيقي مرة ثانية.. فهو كالصائد في البحيرة العظمى المتوسطية يحسن جمع شِباك الصيد ويفردها في عرض البحر ويُطَعِم شباكه بما يحلو لحورية البحر فهو يريد اصطيادها على الفور.. وعودٌ على بدء.. منبهاً أنه ما شعر بفارق بين مدرس نصراني مِصري في مدراسه المتعددة وبين آخر مسلم..
لعله دائماً يفتخر -رفيقي- بشهادات لم تكتبها أيدي البشر بل بوثائق خلدتها الأزمان وحفرت بأنوار الأنبياء ومداد الوحي على جدارية التاريخ.. وجدرانية الشعوب المحفوظة في وجدانها..
إلا أنه يعود بكَ سريعاً ليتكلم قليلاً عنه.. -يقصد- أستاذه « إبراهيم » مدرس اللغة العربية بهندامه الأزهري الرشيق وعطره الطيب الفواح الرقيق.. وحديثه العذب المنمق بمخارج حروف الأبجدية الفصحى كأنك تتلقى أبيات من الشعر الجزيل من شوقي.. فقد كان يستشهد بأبيات من معلقات أمرئ القيس أو زهير بن أبي سلمى.. طرفة بن العبد.. عمرو بن كلثوم فلَبيد بين ربيعة وأخيراً حارث بن حلزة.. وكان لا ينسى أن يتفوه بما خلده النابغة الذبياني..أو الأعشى.. من أبيات..
وهو -رفيقي- يفتخر أن ترتيبه كان الأول في صفه الدراسي -سواء التعليم الإعدادي أو الثانوي- من حيث مادة الإنشاء والإملاء والقواعد.. وكان يجد تشجيعاً كبيراً من استاذه „ إبراهيم ‟..
.. ولكنه إن أراد الحديث عن المسيحية والأديان لا تجد عنده إلا ساكني الغرب.. القارة الأوربية المسيحية.. أو الحديث عن أديان الهند بحكم زياراته المتعددة خاصة لمدينة جايبور وجامعة الهداية بها.. فعنده المادة العلمية الوفيرة والمعلومات الكافية عنهم جميعاً.. وهذا يعود لأنه اقترن بزيجات متعددة من نساء الغرب المسيحيات.. ولعل هذا يعود لإختلاف مراسيم الكنيستين الشرقية والغربية والطقوس وعادات الرهبان هنا أو هناك..وبالطبع طريقة عيش السكان..!! وزياراته الكثيرة لتلك البقع والبلاد..
**
.. يكمل رفيقي حديثه :" ابداع... حتى اللغة العامية الدارجة -التي اخترعها „ المِصْريُّ ‟ القديم والمعاصر- أبدع المصري في مفراداتها.. وتركيبة جملها. وصياغتها.. واستخدام اي ألفاظ في أي مناسبة.. وكيفية نطق حروفها بسلالة وعمق أدبي وحس شاعر.." .. اذهب لجامعة فيينا ستجد قسم خاص للمصريات يُدرس.. وآخر للغة العامية المصرية.. أخبرتني بذلك آحدى طالبات تلك الأقسام العلمية..
.. إثناء حديثه دخل علينا زميل دراسة قديم لم يكمل تعليمه العالي.. فمارس التجارة.. وأحسن فيها وابدع.. سلَّم علينا مرحباً قائلاً " كونت عارف إني راح أأبلكم هنا.. "
فقال رفيقي لي مسرعاً " شفت... موش قلت لك.. اللغة العامية المصرية الدارجة رافقت المِصري كلون بشرة وجهه وملامح جبينه ونصاعة جبهته في كل مكان يذهب إليه.. ".
فضحكنا جميعاً..!!..
.. سكون ساد فوق رؤوس الجميع.. كأنها لحظة إلتقاط الأنفاس لنبدء مراجعة الأفكار في حديث جديد أو نكمل ما وقفنا عنده من كلام.. وإذ يقطع صمت الجلسة صوتٌ جهوري.. من عند المدخل العمومي.. إنه زميل آخر درس الصيدلة.. وله صيدلية مشهورة في الحي الرابع عشر الفييناوي..
.. ثوان حتى قدم علينا بهيئته الضخمة.. وجسده الممتلئ فسلَّم ومباشرة جلس.. وكأن حمل ثقيل يريد أن يلقيه من فوق كتفيه..
وقبل أن يبدء أحد منا الحديث.. جاء زميل دراسة آخر قائلا :« الله!! .. إنتم كلكم هنا .. طيب كويس .. "..
ثم نظر فينا محدقا مستفسراً :"احنا امتى راح نشَعْبِن.. كل سنة وأنتم طيبين رمضان خلاص الإسبوع إللي جاي! »
فقال أحدنا مازحاً :"« يا شيخ!!.. ده كان هنا لسه من شويه.. بسرعة كده رجع تاني" ..
... لم ينتبه أحد لهذه المزحة السخيفة(!!)..
فقال الصيدلي :« يا أهل الخير... شعبنة رمضان السنة دي.. خلاص.. عندي » ..
فرمقه رفيقي بنظرة حادة مكشرا في وجهه عن أنيابه ومزمجرا :" مستحيل.. كفاية كل مرة بنقعد في الكٌشك بتاع الجنايني.. (!!) إللي فيها أدوات الزراعة وحاجات الفلاحة .. إنت بتستعر مِننا.. إزاي يعني(!!) هو ما فيش غيرك حد اتجوز حته نمساوية ورثت من جدتها ارشين !!.. إنت عارف احنا... "...
- فسمعت صوتا يقول:" جنايني مين ياعم... الست من يوم ما جلست في البيت وهي مهتمه بس بالجنينة والكلب.."
- فقال آخر :" الكلب بتاع الست..!!.. يا بختك يا كلب الست!!..
فقال الصيدلي :" يا جماعه .. عيب كده..!"..
فقال آحدهم :" فاكر زمان كان فيه واحد بياع جرايد .. يؤل:" يارتني كنت كلب.."..من حسن المعاملة !!
.. وقبل أن يكمل رفيقي.. رد الصيدلي :" يا جماعة علشان نقعد برَحتنا.. إنتم بتتكلموا بصوت عالي أأوي كأنكم بتتعاركوا والأولاد.."
فسارع رفيقي بالتعقيب :" ولاد مين(!!).. يا أبو العيال.. روح أحسن لك شوف لك شيال .. دول بنتينك على وش جواز ومصاحبين كمان.. زمان كنا بنبلع الكلام ده .. لكن دلوقت لأ "..
فقال الصيدلي منبها :" يا بني إنت بالزات بتتكلم بصوت يوَصل لغاية الكارلس بلاتس وأحنا أعدين على بداية البُرجينلاند "..
فقال رفيقي:" يعني.. هِر حسين.. إنتَ مره بتؤل مراتي بتنام بدري.. ومره حماتك جَت من لينز؛ ومابتحبش الإزعاج.. ومره الكلب بتاع الست ما بيعرفش ينام كويس لإنه راخر بينام بدري... "..
.. فقلتُ مهدئا الموقف:" الحكاية محرجه!! .. حالنا إلي إحنا فيه جايب لينا مشاكل.. "..
أخذا الحديث لزاوية آخرى للتهدئة فقلت :" ده النهارده تشوف الست المصرية مِن دُول شايله الولد على كتفها اليمين وجرَّ وراها بإيدها الشمال عربية المشتريات من الهوفر أو من سوق العاشر بتاع الفافوريتن أو سوق السادس عشر بتاع البرونن.. ولمه شعرها بشال وتحته رابطة رَسْها بإيشارب وملزقه فيه التليفون على ودنها وهات يا كلام " ..
.. توقف الحديث.. فقال التاجر :" طيب.. (!!)"..
وقبل أن يكمل قال ر فيقي :" إنتَ بالزات برضه إياك تفتح بوأك "..
فرد متأدبا :" ليه بس يا دكتور!! "..
فقال رفيقي :" فاكر «برطمان» الـ „مِش‟ بتاع جدتك.. -الله يرحمها.. بقى .. ويبشبش الطوبه إللي تحت رأسها.. سمعني الفاتحة على روحها الطاهرة-... اِلوليه(!!) -تحرج رفيقي الإسكندراني من لفظه.. فهو مازال إسكندراني اللسان والتفكير والفهم والتعبير ولكنه من العيار الثقيل- .. صحح رفيقي التعبير فقال :" الست الحاجة الغالية ستك حبت تهديك على طريقتها الخاصة.. ومن عمايل آديها.. فألت لك خد لك بلاص الـ „مِش‟ ده معاك(!!) وإنت رايح على النمسا في فيينا..
.. فاكر الحكاية ولا نسيت.. فاكر لما قلت لها :" يا ستى بلاص آيه بس(!!).. أحنا عندنا في النمسا كل حاجة"..
فردت مسرعة:" إلا مِش عمايل ستك يا واد".
وأعقبت بالقول :".. يا بني ما أنت بتقعد سنين ما بتجيش ونفسك راح تهفك على أكله „مِش‟ بالطماطم.. وكمان علشان صحابك بالخصوص الدكتور مصطفى.. ده حبيبي أوي!!".
تُكمل -ست التاجر- ده ابن حلال مصفي.. راجل ضوغري.. دي حتى طلعت مرات خاله الوسطاني.. „ خليل ‟ - إنت بس متعرفهوش [تنبه حفيدها] من القرية إللي جنبنا ما الحاج „ خليل ‟ متجوز من هناك.. !!..
.. تروح تؤول إنتَ:" طيب يا ستي الرحمة حلوه (!!)..
فتدخلت أختك الكبرى الحاجة صفيه ربنا يخليها لينا فقالت :" طيب.. طيب يا ستي.. خلاص .. أنا راح أخذ منه.. "..
فردت جدته في الحال والتو :"تأخدي منه آيه.. لأ لأ البلاص كله يأخده معاه.. لأ .. والنبي.. وإللي خلى النبي نبي .. يأخد البلاص كله معاه . هو أحنا بُخله ولا آيه!!.."..
وعندما جئت لفيينا.. طبعاً إنت عارف آيه إللي حصل !!؟. فضايح يا إللي جاي ويا إللي رايح!!
فقال :" يا دكتور .. بلاش فضايح الله يخليك .. يا جماعه دي قصه أديمه أوي.. مِن ايام غزو الهكسوس.."..
فتوقف الجميع ينظرون إلى الدكتور مصطفى إذ أنه يحكي الرواية بسينمائيته عالية الجودة.. ابطالها من مِصر .. السيناريست مصري حتى النخاع.. الإضاءه والتصوير بإستديوهات مَصر.. والإخراج لـ „ يوسف شاهين ‟.. مخرج إسكندريه ليه!!... أما رواية رحلة الـ «برطمان».الصغير.لفيينا في يوم مطير ... تستاهل أن نسمعها .. أتفضل يا دكتور..
يتميز رفيقي أنه يحسن بل يجيد إصطناع النكتة والأفشة ويا ويله ويا سواد ليله إللي يقع تحت إيده.. السهرة كلها بتكون تنكيت وضحك عليه.. ويكره إن حد ينكت عليه أو يهزر على حسابه الخاص..
يكمل -رفيقي- يا خويا لما رجع صاحبنا إلى فيينا.. ووصل إلي بيته.. ومراته الست الهانم الخواجايه وجدت لفه ملفوفه لفه محكمة أوي.. ورق جرائد.. أهرام على جمهورية على أخبار اليوم.. وكيس بلاستيك فاخر من آحدى بوتيكات القاهرة الفاطمية..
يضحك -رفيقي- بصوت مكتوم:" سألته -مراته- آيه ده يا حبيبي !؟"...
ومط بصوت منخفض الحروف كأنه يقلدها في الكلام!!..
.. فقال :" آه .. طيب بعدين.. بعدين!! ".
ولأنه جاي من سفر وتعبان دخل نام.. فما كان منها -زوجته: الست الخواجايه- كعادة الستات أنها فتحت اللفه في الليل والدنيا هُس هُس لا فيه صوت ولا حس.. بتحسبها.. إيه.. هديه ليها من أخته الحاجة صفية أو صاحبتها أوي أخته الدكتورة فوزية..يعني بتحسبها هدية لها من أرض الأحباب.. وهو عاوز يعملها مفاجأة ليها..
بص لينا جميعاً وعلا صوته :" فوجدت الـ «برطمان» "... على وزن السلطانية .. المسلسل الإذاعي المشهور..
سلطانية آيه!! ... قصدنا.. «برطمان» آيه.. !!
«برطمان» „مِش‟ ..
موسيقى تصويرية من فم الدكتور..
«برطمان» „مِش‟ .. برحته الخاصة أووي والفائقة ..
طبعاً الخواجات عندهم جبنه قريبة من الريحة دي بس من صناعة فلاحين فرنساويين .. وهي هنا المصيبة يا جدعان !!
البلدي يوكل ده كان زمان ... لازم يكون تفاح أمريكاني.. تلاجه أمريكاني ...
.. فظنت المسكينة -يا ولداه- إنه فسد من حرارة مِصر.. فالقته في صندوق زبالة البيت..
يعلو صوته مرة آخرى:" .. وعندما استيقظ مبكرا وجد اللفه إياها مفكوكه.. ورق الجرائد مرمي في صندوق الزبالة..
يعلو صوته مرة آخرى ::" الثقافة المصرية في صندوق الزبالة يا جدعان !!. أقلام كبار الكتاب المصريين في صندوق قمامة يا رجاله..
موسيقى تصويرية من فم الدكتور ثم يقول :" مرسي الزناتي انهزم يا رجاله!!".
إزاعة الـ بي بي سي:" مارشات عسكرية.. وقرآن!!".
بحث عن الـ «برطمان» فوجده.. فحمد الله على نعمائه الكثيرة.. وسجد شاكرا لله.. فما كان منه إلا أنه أخذ الــ«برطمان» ووضعه في دولاب بالمطبخ ورا كام برطمان بتاع بُهُورات.. وبعد يومين.. أُول ثلاثة وجدت اختنا الخواجاية «برطمان» الـ „مِش‟ ..
موسيقى تصويريه من صوت الدكتور ..
فقالت له إزاي وده معفن.. تحطه في مطبخي "...
فقال:" لأ.. بس.. اصل "..
فقالت له :" بأول لك آيه.. يا إما أنا في المطبخ ده.. ويا إما الـ «برطمان» بتاعك ده.."..
فأخذ الـ«برطمان» ووضعه في البدروم.. وكأنه رماه في صندوق زبالة البيت كله.. وبعد عدة اشهر شافته الخواجاية فقالت له:" يا إما أنا في البيت كله ده ويا إما الـ«برطمان» الزفت ده..".
النمساويين عندهم كلمة تانيه غير كلمة زفت.. برضه ريحتها وحشه !!
فأخذه ووضعه في شنطة العربية من الخلف.. وذات مره شافته الخواجاية.. ما إنتم عارفين كل حاجة مرتبه فوق أو تحت".. فقالت له :" سأرميه الأن !!".
فقال لها : لأ .. راح اديه لصاحبي فلان "...
فقالت :" بس ما يقعدش في البيت".
وبعدين أخذه بالأدب واعطاه لفلان.. صاحبه.. ولما يحب ياكل مره „مِش‟ يروح لصاحبة فلان ...
- اسألوني ليه !!؟؟
- كلنا في نفس واحد :" ليه صحيح ليه !!؟."..
- لأن صاحبه فلان مراته مصرية موش خواجايه ..
- بالزمه دول رجاله .. آيوووه يا جدعان!!.. آيوه !!
فقال :" كل مَن تزوج امرأة أوربية غصبن عنه لازم...."
فرد " يا عم اسكت ... انت موش عارف حاجه خالص ".
فرد رفيقي:" .. كلكم عارفين كم مرة تزوجت نمساوية..نساء على النمط القيصري.. سواء أكانت سالزبورجيه .. أو مِن... ".
سكت لم يكمل ..
لكنه أردف :" وكام مره تزوجت بوسنية ملآئكية.. وكم مره تزوجت كرواتية كحورية تسبح في الإدرياتيكي.. ومره كده مجرية .. "..
ثم اعتدل في جلسته وقال رافعا رأسه :" إللي تمشي على مزاجي أنا فردة „ أُبْأَب ‟ في رجلها الشمال .."..
فضحك الجميع..
وأشار آحدهم عليه هاتفاً:" أنا أُلت من الأول الدكتور ده فردة „ أبأب ‟.في رجلين النسوان.. ما حدش صدقني!!.."
فرد غاضبا:" أخرس.. قطع لسانك.. جاهل جهول.. تربيه الأغا".
يكمل رفيقي متمما رفع رأسه: "وإللي تعمل عليَّ دكر أنا „ اأألع ‟ „ القباب ‟ و... "..
ثم ابتسم بخباثة وراح سارحاً يتكلم بصوت غير مسموع إلا لمن يجلس بجواره وملتصق به" .. إلا رُمَانا.. دي بنت أصولها بولندية.. تبقى قريبة لبابا الفاتيكان الكبير (Ioannes Paulus PP. II) صاحب سر مسحة المرضى؛ المتنيح قدس الله روحه.. وعلشان اسجدها.. قلت لها أعتبريني فردة „ قبقاب ‟ في رجلك الشمال...
ثم يقوم بدور شارح المعضلة الرياضية اللوغرتمية :" يا بني دي تعبيرات مستحدثه.. ألفاظ لم تسمع مِن قبل.. غير موجوده في قاموس لغتهم الحية أو الميتة.. ".
يسكت ويكمل :" عارف ليه.. رجالتهم ما بيعرفوش غير حاجتين يشربوا لغاية ما يبقوا طينة.. ويسهروا طول الليل في الديسكو وبعدين يروحوا يصطادوا سمك .. "
يعتدل في جلسته :" دي مصطلحات جديدة على أذن المرأة الغربية.. الراجل المشرقي.. خاصة الإسكندراني بيعرف يعمل البحر طحينة.. !! ها ها ها .. مفتخراً..
صرخ رفيقنا التاجر :" آيوه دي بنت متعلمة تعليم خاص.. وأصولها أنا أعرفها كويس.. ناس كُبّاره أوي ومتريشيين بالجامد... ده إنتَ بتقع واقف !!."..
ثم ضحك بشكل هستيري.. إذ أنها كانت تنطق حروف „ القبقاب ‟ بشكل كوميدي.. -سواء باللغة العامية المصرية أو الفصحى التي يجيدها رفيقي-..
مستغرقا في تأمله يقول :".. وكانت دائما تسألني يعني آيه الكلمة دي... فأخذت اراوغها ايام وسنين وبعدين غلطة ساعة طيش قلت لها المعنى..
فردت مسرعة قائلة لي :" أنا متأكده إنك موش ممكن تكون كده أبداً.. مِن يوم ما عرفتك إنت!!.. لأ .. لأ .. موش ممكن!! ... إنت ليه بتقول على نفسك كده.. وأنا عمري في حياتي معاك لم أُلاحظ هذا الوصف أو هذا النعت عليك !!"..
يقول مفتخراً :" يا بني.. دي عملية غسل دماغ للمَره مِن دول.. اقرب الطرق للوصول لقلب المرأة.. الأذن.. وبالذات ودنها الشمال..
.. إنتم طبعاً موش عارفين ليه بالزات ودنها الشمال.. يا بني علشان ودنها الشمال أقرب إلى قلبها من ودنها اليمين.. ده شئ طبيعي ..
ثم عاد وأكمل :" وبعد مده لازم تربط لها دمغها بحكاية جديدة.. موضوع الجديد.. فيلم من تأليفك.. معلومة تسمعها هنا أو مِن هنا تبني عليها رواية وقصة.. ربط دماغ.. يا بني.. ربط دماغ..يا بني النسوان دول عاوزين واحد دماغه رَيّأه وفَيأه علشان تسجدها.. ربط دماغ أربعة وعشرين ساعة وهي تسجد لك..
بعدين.. -سارحاً مرة آخرى- ولحظة طيش استخدمت تعبير جديد جاني منين.. الله أعلم.. موش عارف..
فقلت لها أو خليني „ برطوشه ‟ ..
هوَّ التعبير عجبها وقالت لي :" „ برطوشه ‟.أجمل من „ أُبأب ‟... بس معناها آيه ... وطبعاً أطلع من ديني لو قلتها معناها.. واصوره قتيل قدامكم إللي يحكي ليها.."
وكناقد سينمائي يوضح للمستمعين :" طبعاً لا ننسى الثقافة المصرية العميقة المتجذره في اذهان المصريين.. إنت فاكرين أغنية: „ يا «شبشب» الهنا.. يارتني كنت أنا ‟.. حاجه تجنن .. بالزمه ده غزل وبيسموه عفيف... يا عم أرحمنا!!..
الكل رد بصوت واحد :" طبعا طبعا يا دكتور..".
تقدم التاجر قائلاً :" يا جماعه!!.. الله يخليكم أبوس إيديكم.. ده أحنا داخلين على رمضان شهر كريم ..وعاوزين نشعبن".
رد رفيقي :" ياعم اسكت .. ما إنت شايف الغم إللي أحنا فيه ".
- احنا عاوزين نشعبن !! خلاص كلنا متفقون!.
- آيوه صح عاوزين نشعبن ..
- ياسيدنا راح نشعبن إزاي!!..
- إنت فاكر الدكتور إللي عروسته في يوم وصولها مطار فيينا كانت جايبه آيه معاها.. وهي بفستان الفرح !!..
- الكل بصوت واحد :" جايبه آيه !!..
- ياعم دي حكايه أديمه أوي
- أديمه إزاي ...
- ده الدكتور.. اسمه.. اسمه آيه!!.. موش فاكر.. حب يضيفهم عنده وعزمهم وكانت فضيحة بجلاجل إيديه الإثنين زفره من ماية الفسيخ وهما رايحين أوتيل خمس نجوم على حفلة عشاء خاص راقص.. يا جدع أرحمنا بقى ..
- طيب إزاي أيديه كان فيها رائحة فسيخ !!؟.
- ياعم بيقول لك أيديه بقت مبلوله من ماية الفسيخ.. الماية رشحت من داخل الشنطة وهو بيشيلها وعاوز يحطها في العربية من ورا.. بيشم ريحة فسيخ.. وأيده مع البدلة إياها كلها فسيخ..
توقف الجميع فقال رفيقي :" آيه .. أكمل ولا يكفي فضايح ...!!".
- يا استاذ أبوس إيدك عاوزين نشعبن .. راح نعمل آيه في شعبنة السنة دي!!؟.
- خلاص.. خلاص.. اشتري لنا : رنجه.. فسيخ.. بصل أخضر.. وعيش تركي.. كنافه.. وعشرين لتر كوكا واللوازم وهات كله على شقة أبو السعود.. هو سايب المفتاح معايا.. وهو كده مسافر وجاي بعد العيد وكمان ده راجل عازب !!...
- قال آحدهم :" آيه .. هو عازب!!؟.."..
- لأ .. اقصد أن مراته وعياله من زمان عايشين في مِصر.. إنت عارف علشان آيه !!..
-حلو.. كده تبقى شعبنة بجد !!... كل سنة وإنتم طيبين رمضان كريم !!
ثم قاموا جميعا يقبلون بعضهم بعضاً..

ـــــــــــــــــــــــــــ
(*) فقرة من رواية:
„» الرجل المشرقي‟ «
للكاتب: محمد الرمادي
(يُتْبَعُ)

ليلة شرقية بـ مذاق مصري(*)

ما أن تطأ قدمك الشارع الرئيسي الهام والذي يربط ما بين حزام عاصمة الإمبراطورية النمساوية والملكية المجرية؛ والذي زار قيصرُها مَلِكَ مصر والسودان حين افتتاح قناة السويس... واليوم جمهورية النمسا الإتحادية عضو الإتحاد الأوروبي... ذلك الشارع الذي يربط بين حزام العاصمة الغربية وبين خاتمها... ما أن تطأ قدمك شارع ماريا هيلفر إلا وتشعر أنك في عاصمة المعز لدين الله الفاطمي... تعانقت العاصمتان كل بمذاقها الخاص بها ... وكأنهما يريدا إحياء أنشودة اسمهان من جبل لبنان ليالي الأنس في فيينا ... الأولى برافدها الأزرق « الدانوب » وثانيها برافدها الفضي « النيل »... ليزيلا تعب النهار عن كاهل العامل ليتطهر العابد من أوجاع الجسد وسَّخِيمة النفس...
والشارع الذي يتقاطع مع حزام المدينة حين تمر ذاهباً بقطار الغرب إلى الشقيقة الكبرى ألمانيا ظُهر يوم الجمعة فيتسلل الأذان إلى قلبك فتنتعش والذي يعلو من وسط الشارع الرئيسي العام وإن كان لديك قليل من الوقت فيمكن أن تتوضئ وتصلي أو يتسرب صوت إمام وخطيب الإتحاد فتسمع خطبة الجمعة وأنت تتسوق إن ضاق الوقت عليك... أو في سيارتك وأنتَ متجها لجمهورية التشيك أو مختصرا الطريق للمجر أو في الإتجاه الآخر لكرواتيا أو إيطاليا لتلقي نظرة على البحيرة المتوسطية -مسقط رأس رفيقي- من مضيق الإدرياتيكي ... فالنمسا تقع في قلب أوروبا النابض... أما صباح السبت ترى براعم التجمع المصري يحملون كراسة العلم وقلم المعرفة يرددون الحرف العربي بمخرج ألماني... وحين تذهب الشمس في راحتها اليومية يرافقها المايسترو « كمال » بقيثارته ومن حين إلى آخر يقود الفرقة بأكملها المايسترو « إبراهيم » تتعالى نغمات موسيقية تفهمها كل إذن وتعانق كل نفس... أو تطرب بصوت غناء شعبي... إذ تختلف الأذواق.
المزاج المصري بـ المذاق الشرقي
رفيقي عاصر الجيل الأول؛ ثم عاصر جيل الزوجات وغالبهن قدموا من جوار دوار العمدة إلى دار الزوج دون المكوث -ولو- قليلاً بعاصمة الأزهر الشريف أو التجول بين أضرحة آل البيت لأخذ البركات أو تلقي العظة المقدسة في الكاتدرائية بالعباسية ... لذا يقول لي رفيقي كلما تقابلنا في ليلة عطلة وهي الليلة المناسبة للسهر... يقول لي:
« يا دكتور.. نسيج المجتمع الغربي...»؛ قالها ثم سكت برهةً ثم رفع حاجبه الأيسر محلقاً في فضاء القاعة؛ وإن كنت أظنه يبحلق في فضاء تاريخه الخاص به منذ أن قدمَ طالباً إلى ما بعد التخرج ثم حصوله على وظيفة مناسبة لتخصصه العالي؛ وهو الوحيد الذي يفتخر علينا جميعاً أنه كل ما ناله بدون مساعدة زوجة غربية كما حدث مع الآخرين... ثم إنه عاصر الجيل الثاني فالثالث ويعقد مقارنة بينه وجيله وبين هؤلاء جميعاً متفرقين أو مجتمعين...
رفيقي كان يتخير المرأة التي ترافقه ويحسن معاملتها؛ فالمسألة بالنسبة إليه ليس مجرد أنثى بل سيدة تحمل بين كتفيها عقل ناضج وفكر مستنير تحسن الحديث وتجيد فن الحوار...
يكمل رفيقي القول: « نسيج المجتمع الغربي بصفة عامة؛ ووسط أوروبا بصفة خاصة تغير بشكل ملحوظ وكبير خلال العشرين عاماً الفائية... »
فأضفتُ مسرعاً قبل أن ينتهي من إلتقاط انفاسه « بل.. قل يا دكتور خلال الخمسين عاما الماضية إلا قليلا... يعني تقريباً منذ بداية سبعينات القرن الماضي »...
رفيقي اعتاد أن لا يقاطعه أحد إثناء تحليقه في فضاء تفكيره العميق أو إثناء آداء عمله فهو يلتقط خيط الحديث ويُشبكه في ستائر افكاره فيقول: « هذا المجتمع الغربي ونسيجه الحالي يحتاج مِن مَن يدرسون تغير المجتمعات وتطورها مراقبته عن قرب... وتقديم دراسات وافيه عنه... »
ينتظر -رفيقي- برهة من الزمن ثم يقول: « إذ أن الدراسات التي اعلن عنها والبحوث الميدانية قدمت من وجهة نظر الغربيين وغالبية أهل الغرب يفتقدون إلى الحيادية؛ إذ أن الثقافة الأصلية للقارة الأوروبية وطريقة التربية في البيت والكنيسة تلعب دوراً ...»
توقف وكأنه يحاول أن يتذكر شيئا ما... فوضع أطراف اصابعه على ركبتي منبهاً وقال: « أتذكر -يا دكتور- „ كرستينا ماريا ‟؛ والتي كنتُ -يكمل حديثه- ارمز في رسائلي لها بـ ﴿ CH. M. ﴾ إنها امرأة من طراز خاص.. أقرب ما تكون إلى نساء الإمبراطورية النمساوية.. وكانت تشعر أنها من زمن الملكية المجرية.. هذه المرأة تشبه النساء اللواتي قرأتُ عنهن في كتب التاريخ.. أتتذكر -يادكتور- ... لقد حكيتُ لكَ عنها من قبل.. إنها ﴿ CH. M. ﴾ قَبَلَتْني كرجل ولم تقبلني كمتدين مسلم وإن كنتُ متديناً على شاكلة المِصري "بتاع" مناسبات المولد وأيام الحج ورمضان والذكريات كالهجرة والإسراء والأعياد كالعيد الصغير والكبير؛ اقصد عيد الكعك وذبح الخروف والألقاب كالحاج والشيخ... التدين الوراثي بحكم الميلاد وليس التدين القائم على العقيدة الصحيحة والإيمان السليم... كانت ﴿ CH. M. ﴾ تتعارك معي إذا تحدثنا عن ما يجري مِن مسلمي موديل القرن الواحد والعشرين بدءاً من افغانستان طالبان مرورا بجزيرة العرب وكانت تسميهم بـ"الوهابية" ثم تنخفض في نبرتها عند الحديث عن مسلمي مِصر ثم ترتفع نبرتها عند الحديث عن مسلمي المغرب العربي... ثم تنفجر إن كان الحديث عن "تنظيم الدولة: ISIS " تقصد مرتزقة داعش.. أتدري لما كان الحديث هكذا؛ لآنها تستقي معلوماتها من الجرائد اليومية الشعبية وكيفية إظهار الخبر بما يجعل المواطن الأوروبي الغربي النمساوي يرسم صورة ذهنية تقليدية عن هؤلاء سكان الجنوب الذين يريدون الهجرة وأخذ خيرات سكان الشمال » ... ثم ينظر لي محدقاً .. و« نساءهم » ...
ولأن هذا الحديث كان دائماً معي خاصة إثناء فترات الراحة في مكان عملي أو مؤتمرات عالمية أو إقليمية وكان يرغب البعض من الأساتذة في معرفة حقيقة ما يجري على أرض الإسلام أو أرض العرب أو أرض الأفغان وكان السؤال دائما لماذا أنتم غيرنا !!؟. لذا -يعتدل في جلسته - كان ينبغي لي أن اقرأ عن الإسلام الذي جعل „ محمد أسد ‟ أو „ رجاء جارودي ‟ أو „ مراد هوفمان ‟ يؤمنون بالإسلام الذي عايشوه فكراً ووحياً من خلال الكتاب الكريم وسيرة نبيه قبل التعرف على أحوال المسلمين وتصرفاتهم »
رفيقي انتظر قليلاً مرتشفاً ما تبقى من فنجان قهوته ثم قال : «... وجلب الشرقي معه -كعادته- كل ما اعتاد عليه من طعام أو ثياب... ولعلها تجارة رابحة على مدار الأزمان... إذ أعلم أنها ﴿ CH. M. ﴾ »... يعود للحديث عنها مرة آخرى : « امرأة سالزبورجية؛ تسكن بالقرب من قصر قالت لي :" أنه اشتراه رئيس مصر... » فقال لي كنت اداعبها بقولي : « إنه رجل العلم والإيمان(!) وبطل الحرب والسلام(!) المغدور به قبل المراجعات والشهيد بعد المراجعات»؛ ويكمل الرواية عنها :« وليس منه ببعيد قصر آخر أطلقت عليه قصر الراحة تملكه الكنيسة يرتاح فيه الكرادلة إثناء سفرهم لروما وقت عقد اجتماعاتهم - هذه السيدة التاجرة كانت تُحضر بضاعات عدة من الهند لتبيعها في النمسا... وكانت تفعل ذلك إثناء أجازتها السنوية.. أي أنها تتفرج على حضارة الهند وتتبضع من أسواقها »
واراه كأنه يقف حائراً عند سؤالي: « لماذا لم تسافر بها إلى مصر الفرعونية أو الإسلامية !!؟.».. إذ لا توجد بالفعل عنده إجابة.
يقول :« التجارة بين بلدان مختلفة كانت منذ قديم الأزل... وما زاد هو ما يسمى الإقامة الدائمة لمشرقي في الغرب... مع إحساس بالغربة والإغتراب وقد يكون هذا الحديث يشمل الجيل الأول والثاني والثالث -عند الأتراك والعرب- ولكنه سرعان ما سيتغير بمقدم الجيل الرابع أو الخامس.
قَدَمَ المشرقي؛ ونخص بالذكر « „ المِصري ‟ » إلى أوروبا بكل ما عنده من موروث حضاري وما تبقى لديه من متفرقات ثقافية -سواء الموروث الفرعوني أو القبطي أو الإسلامي- فكما جاء بلون بشرته أحضر معه ما يملك من عادات وتقاليد والمؤسف جاء بـ قليل من الأفكار والقيم والمفاهيم والقناعات والمبادئ... إذ صار ما اعتاده -بصرف النظر عن صحته أو فساده- هو المتحكم في شكل حياته في الغرب... والمزاج العام الغربي هو مَن له الكلمة العليا في تسير حياته وإن كانت قدماه في الغرب... فتجد في كثير من البيوتات تمثال فرعوني أو لوحة أو ورقة بردي؛ وإن كان لا توجد البتة صله بين صاحب الدار والرمز المعلق على الجدران... أو تجد على الحائط الكعبة المشرفة بجوارها مسجد المدينة المنورة أو رموز مسيحية... كما تصل لأنفك عطور أو بخور... ووصل الحال أن آحدهم احضر شهادة من نقابة الأشراف تثبت أنه من افراد آل بيت رسول الإسلام بغض النظر عن الرابط بين الرمز وحامله في سلوك أو قول أو تصرف أو فعل... ولا نغفل المطبخ بمكوناته الأساسية... فلا عجب أن تجد محلات عامة لبيع ما يحتاجه المشرقي وأيضا ابن البلد « الأصلي » من باب التذوق أو تغير الطعام ... فتجد الأكلات السريعة غزت البيوت وأحتلت المركز الأول على موائد الغربيين ... وكذا المطاعم التركية والعربية والهندية والصينية...
ثم نادى على الطباخ فأتى مسرعاً قائلاً لي وله : « صينية السمك -البلطي- بالبطاطس جاهزة... نغرف دلوقت ولا بعد صلاة العشاء... » فقاطعه رفيقي قائلاً: « الليل طويل... وإذا حضر الطعام أخرت الصلاة ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) فقرة من رواية:
« „ الرجل المشرقي ‟ »
للكاتب: محمد الرمادي
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

احتفالية « الإسراء » وإعجاز « المعراج»

تضافرت عدةُ عوامل متجانسة في انجاح الإحتفالية السنوية بليلة «الإسراء» و «المعراج» لعام « 1439» ؛ فقد أحيت الأسرة المصرية -الجيل الأول والثاني والثالث- في ناديها - المؤسسة العريقة؛ آحدى القوى الناعمة في الخارج لجمهورية مصر العربية حكومة وشعباً - إذ أحيت براعم وشابات وشباب التجمع المصري الليلة العظيمة المباركة بديكور يدوي ملون يزهى بألوان الخضرة الذي يدل على النماء؛ واللون الأزرق الفاتح الذي يدل على الرفعة والسمو؛ واللون الصفر الذي يرمز للنور الساطع لشمس مشرقة لغد أفضل؛ وبرسم ذهني للكعبة المشرفة في زاوية اللوحة؛ وفي الزاوية الآخرى رسم تصوري لمسجد بيت المقدس؛ ويعلو اللوحة اسماء الأنبياء الثمانية والرسل ... رسمت اللوحات من فكر براعم وشباب وشابات التجمع المصري وصُنعها ، وزينت القاعة الرئيسة بمقر النادي المطل على برلمان الدولة النمساوية؛ عضو الإتحاد الأوروبي بمجهود رائع يجب الإشادة به من الأستاذة المُعَلِمة «إيمان» وترافقها الأستاذة المُدَرِسة «صفاء» فكان هذا العنصر البارز والعامل الأبرز الذي يبهر الناظر عند دخوله القاعة الرئيسة والمشاركة في لقاء خالد «روحيا» مع أمين السماء الملك جبرائيل ممسكاً بركاب البراق والملك ميكائيل قابضاً على سراجه قبيل لقاء العظماء مِن الأنبياء يتقدمهم خاتم الرسل وإمام الأنبياء ومتمم المبتعثين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه وتبركاته...

إحتفالية افتتحها المهندس مجدي حنا مسوؤل الشئون الثقافية بالمؤسسة العريقة في فيينا~ النمسا... وقدمها المهندس مصطفى عبدالله المسؤول الأول عن إدارة النادي المصري... مرحباً بالضيوف والأعضاء... وختمتْ الإحتفالية بكلمة من الأستاذ محمد عبدالله  مسوؤل السكرتارية... وزاد الترحيب رونقاً خاصة بكلمة ثناء من مستشار الشؤون الدينية الحاج «جمعة»... فكان هذا العامل الثاني في إنجاح الإحتفالية...

تواجد الأزهر الشريف -صوت الحكمة ومنبر الوعي- برجاله وابنائه بقوة... فبدءَ الشيخ محمد شحاته  كلمته بتأصيل الرؤية التأريخية كمدخل إلى حادثة ليلة الإسراء والمعراج... والأحداث التي قابلت سيد الأنام ورسول السلام -عليه الصلاة والسلام- من اذى مشركي قريش... ورحلة الطائف قبيل الإنعام برحلة الإسراء ترويحاً له وتثبيتاً لقلبه بنبويته بالكمال والتمام ... ثم ألتقط خيط الحديث محمد الرمادي -وهو أيضا خريج الأزهر الشريف- للتأكيد على الرؤية الإعجازية كتمهيد لما جرى إثناء الإسراء من نزوله -عليه السلام- في أربعة مواضع من الأرض للصلاة فيها ... بأمر ربه -تعالى في سماه وتقدست اسماه – وتبليغاً من أمين السماء جبرائيل... وما حدث في العروج... والحكمة في مقابلته بالخصوص لأنبياء ورسل في كل سماء قُبيل وصوله لسدرة المنتهى والموافقة بين ما حدث لهم في حياتهم الدنيا إثناء نبويتهم ورسالتهم وبين ما حدث لخاتم الأنبياء إثناء بعثته ودعوته... ثم ضم إلى الرؤية التأريخية التأصيلية والرؤية الإعجازية التعجيزية ... ضم إليهما الأستاذ عزالدين «طماي» الرؤية العِلمية لإسراء المصطفى بالتكلم عن سرعة الضوء وربطه بما جاء في الذكر الحكيم متأولاً:" قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ" [آية 15: سورة المائدة] بأنه عليه السلام كان وما زال ... سِرَاجًا مُّنِيرًا [آية 46 : سورة الأحزاب] فاكتملت عناصر إحياء الإحتفالية بحادثة الإسراء والمعراج ... والتي عُقدت بالنادي المصري بمدينة فيينا العاصمة...
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
الأحد :29 رجب 1439 هـ ~ 15 . أبريل 2018 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على هامش الإحتفالية المباركة تحدث كاتب هذه السطور عن مبادرة سيعلن عنها في وقتها.

إنفصال الوالدين وأزمة الأبناء !

لا يكاد يمر شهر أو أسبوع دون أن يصدر خبر أو تقرير في وسيلة إعلام أو أخرى تنبئنا أن “الطلاق في العالم العربي في تزايد مخيف” وأن “الأسرة العربية مهددة” وأننا بلغنا معدلات وصلت بِنَا إلى “التوب تان العالمي” لمعدلات الطلاق!
فنقرأ مثلا في تقرير للـ "بي بي سي" العربية في 2016م يتساءل:
“ما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية؟”
ليؤكد أن العالم العربي “يشهد خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في نسب الطلاق حسب ما تشير البيانات التي تصدر عن الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.”
وهناك تقرير صدر في مصر يؤكد “أن مصر احتلت المرتبة الأولى عالميا، بعد أن ارتفعت نسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين.”
وما ينشر كمقال في موقع “لها اونلاين” سنة 2005 أن “الأسرة العربية في خطر مع تزايد حالات الطلاق خلال 2002 و2003م.”
وتدلي "سبوتنيكط بدلوها في تقرير في 2017م يحذر أن “نسب العنوسة والطلاق تزايدت بشكل مخيف في السنوات الاخيرة” ويذكر المقال “نسب مخيفة” عن الطلاق بكل بلد عربي والمرجع هو “وفقاً لما أوردته الإذاعة الهولندية هنا إمستردام“.
موقع “روسيا اليوم” العربي يسهم بعنوان مثير “مصر الأولى عالميا في حالات الطلاق” مستندا الى تقرير صادر عن “مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري“. ويعلق الموقع أن “ذلك التطور الذي يهدد أركان مئات الألوف من الأسر والزيجات في مصر، رصدته الأمم المتحدة في إحصاءات، أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي“.

تناقل للفزاعة دون تمحيص:
دون عرض مفصل للإحصائيات المزعومة، تسعى هذه المقالات الى تحديد أسباب هذا “الارتفاع المفزع” فيرجع البعض في مصر زيادة حالات الطلاق والخلع وتزايدها إلى “قانون الخُلع” الذي دعمته سوزان مبارك زوجة الرئيس الأسبق حسني مبارك، والذي يشكل أحد أهم وأخطر الأسباب في ارتفاع معدلات الطلاق في مصر“.
وتساهم الجزيرة في دوامة التساؤلات عن “طاحونة الطلاق المتسارعة” وتسأل كيف باتت مصر الأولى عالميا في نسب الطلاق؟“
ودون ذكر أي أرقام متعلقة بالطلاق في أي بلد آخر، يخبرنا تقرير الجزيرة عن “240 حالة طلاق يوميا بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالي عدد حالات الخلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014.”
المختصون في الدراسات الديمغرافية يَرَوْن أن الأسرة في العالم العربي مستقرة لارتفاع نسب الزواج، على عكس تطورها في أغلب الدول الغربية، وأن نسب الطلاق، على العكس مما يعتقد الكثير لم تكن ضئيلة في “الماضي الوردي السعيد” وإنما كانت دائماً متوسطة أي بمعدل 20%‏ أي طلاق واحد لكل 5 زيجات.
أسطورة تصدر مصر لمعدلات الطلاق عالميا تجد هي الأخرى بعض التشكيك لكن ليس في اتجاه نفي تلك المكانة وإنما مضيفة دولا عربية اخرى في هذا “الإنجاز“. فنقرأ مثلا في نفس المقال (رام الله نيوز، رصيف22..) في الفقرة الاولى أن “مصر هي الأولى عالميا في معدلات الطلاق” ثم بعد أسطر معدودة ودون أي تفسير، تقرأ: “تشير الأرقام إلى أن تونس احتلت الصدارة في العالم العربي في نسبة الطلاق عام 2016م، والرابعة عالميا، مقارنة بعدد السكان“.
أما موقع "عين اليوم" ففي حين أنه يصيب فلا ينسب للبلدان العربية دخول “التوب تان” العالمي لنسب الطلاق فيخبرنا “عالميا، احتلت المالديف المركز الأول في الطلاق بالنسبة لعدد السكان وذلك بنسبة 10.97 %، تليها روسيا بنسبة 4.5 % لكل 1000 من السكان.” في حين أن أعلى نسبة طلاق مسجلة بالعالم العربي هي الأردن“.
حيث بلغت نسبة الطلاق بين الأردنيين 2.6 % لكل 1000 من السكان“- مسلية القرّاء “المحبطين” لهذا الفشل في سباق الطلاق العالمي أنهم “تفوقوا في هذه الممارسة حتى على كثير من الدول الغربية، بما فيها بريطانيا وفرنسا والسويد، وحلوا في المركز الـ16 عالميا“. ويبين الموقع أن الكويت في المركز الثاني عربيا بنسبة 2.2 % لكل 1000 من السكان، أما مصر فقد جاءت في المركز الثالث بنسبة 1.9 %.
في حين أن هذا الموقع يُشكَر لأنه اصاب في تقريره عن ترتيب الدول العربية ولم ينسب لها تصدر التوب تان العالمي فإنه أخطأ في استعماله “٪‏” في ذكر النسب لأن نسب الطلاق هي عدد حالات الطلاق لكل الف نسمة وليست نسبا مئوية.
غياب للتخصص!!.
وهو ما يحيلنا إلى نقص أو انعدام تخصص أي من كاتبي هذه التقارير المفزعة في الديمغرافيا أو دراسات العائلة أو المرأة. فتعداد الطلاق أمر غير بسيط والمقارنة بين البلدان أمر أصعب. فيسهل لغير المختص “إفزاع” القرّاء بمقالات عن “ارتفاع نسب الطلاق” وإدراج أرقام عن حالات الطلاق “كل دقيقة” و“كل ساعة” و“كل سنة” دون ذكرها في سياق يفيد ويساعد على الفهم– فلا يذكرون مثلا عدد حالات الزواج في نفس الفترة أو ازدياد عدد حالات الزواج (وأيضاً بالطبع ازدياد عدد السكان) بما يعطي انطباعا خاطئا أن الزواج آيل للتلاشي والانقراض في العالم العربي.
والطريف في الأمر أن هذه الصيحات المحذرة من “الارتفاع المفزع” للطلاق و“تهديده” لاستمرار الأسرة والمجتمع ليست جديدة وإنما تطالعنا منذ عقود وحتى منذ أكثر من قرن.
فما صحة هذه المزاعم والمخاوف؟ وما الذي يفسر تواصلها وتكررها؟

سباق الطلاق الزعوم: بين تونس ومصر
سأركز على تونس ومصر لكثرة التقارير التي تزعم تصدرهما معدلات الطلاق في العالم. وينبغي الانتباه الى صعوبة او استحالة المقارنة الدقيقة بين معدلات الطلاق بين البلدان لاختلاف القوانين المنظمة للزواج والطلاق واختلاف طرق تسجيل الزواج والطلاق (مثلا بعض الإحصاءات تشمل الطلاق الرجعي ضمن حالات الطلاق أو العودة للزواج بعده ضمن حالات الزواج).

رصد إحصاءات الزواج والطلاق في تونس ومصر منذ الستينات إلى سنة 2015، استنادا إلى مواقع الأمم المتحدة والمعاهد المتخصصة بالإحصاءات الرسمية في البلدين وحساب معدلات كل عشرية بقسمة معدل الطلاق. على معدل الزواج لكل سنة يعني نسبة الزيجات التي تنتهي بالطلاق، ثم حساب معدل كل عشرية. وكانت النتيجة كالتالي:
تونس:
الستينات: 19.2%
السبعينات: 11.6%
الثمانينات: 12.2%
التسعينات: 16.5%
العشرية الاولى من القرن ٢١: 15.5%
العشرية الثانية: 13.5
مصر:
الستينات: 22.5%
السبعينات: 20.9%
الثمانينات: 12.3%
التسعينات:15.5%
العشرية الاولى من هذا القرن: 13.3%
العشرية الحالية: 18.4٪‏
عرض الأرقام بهذه الطريقة أي نسبة معدل الطلاق إلى معدل الزواج لأنه الرقم الذي يبين بصورة أوضح مدى ارتفاع نسب الزيجات التي تنتهي بالطلاق عِوَض الإكتفاء بعدد حالات الطلاق المسجلة في سنة معينة لأنه لا يصلح للمقارنة بسنة أخرى لأن عدد السكان نفسه يتغير [ وهو الخطأ الأول الذي تقع فيه أغلب التقارير الصحفية المتعلقة بالطلاق التي “تفزعنا” بذكر عدد حالات الطلاق كل يوم أو ساعة أو دقيقة دون أي سياق مفيد].
كما لم أكتف بذكر معدلات الطلاق الخام التي تبين لنا عدد حالات الطلاق لكل ألف نسمة وهي بذلك أفضل من عدد حالات الطلاق لأنها تأخذ بعين الاعتبار التطور الحاصل في عدد السكان. لكنها لا تخبرنا شيئا عن تطور عدد الزيجات في نفس الفترة، وهو الخطأ الثاني الذي تقع فيه هذه المقالات المكتوبة من طرف صحفيين غير مختصين أو التي تلجأ لتعليقات وتحاليل غير المتخصصين.
فبالرغم من أن معدلات الطلاق في ارتفاع، فإن معدلات الزواج (عدد حالات الزواج لكل ألف نسمة) أيضا في ارتفاع في معظم الدول العربية، على عكس أغلب الدول الغربية التي تشهد في الغالب ارتفاعا للطلاق وانخفاضا للزواج.
لذلك حين نقارن بين نسب الطلاق في البلدان العربية نجد أنها متوسطة وأقل كثيرا من اغلب الدول الغربية.
ففي حين تبلغ نسبة الزيجات التي تنتهي بالطلاق ما بين 10-20% في العشريات الخمس الماضية في مصر وتونس، أي ما بين طلاق وطلاقين لكل عشر زيجات، تبلغ هذه النسبة 71% في بلجيكيا و53% في الولايات المتحد الأمريكية و55% في فرنسا وأكثر من 60% في اسبانيا والبرتغال والتشيك والمجر. مما يؤكد بشكل قاطع بطلان ادعاء تصدر مصر أو تونس أو أي بلد عربي لمعدلات الطلاق في العالم.
أما عن الصيحات المحذرة من انهيار الأسرة العربية و“التزايد المفزع” لنسب الطلاق فتبين الأرقام انها هي أيضا مبالغ فيها ولا تساعد على فهم أو تفسير أي خلل حتى وإن وجد لبعدها عن الواقع وتهويلها المخل.
الملاحظة الثانية هي أن معدلات الطلاق قد شهدت ارتفاعا وانخفاضا في العشريات الخمس الماضية وفِي حين أنه يصح القول إن نسبة الطلاق في مصر تشهد ارتفاعا نسبيا في العشرية الأخيرة (وليس ذلك صحيحا بالنسبة لتونس، وإنما العكس) فإن زعم ارتفاعه “في مصر من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي“، كما تدعي بعض المقالات والتقارير، أمر مجانب تماما للصواب.
هذا الزعم يضخم من نسب الطلاق الحالية، كما يجعل نسبته في الماضي ضئيلة الى حد لم تبلغه نسبة الطلاق في تاريخ مصر، بالإضافة إلى أنه لا يُبين أن نسبة الطلاق عرفت ارتفاعا وانخفاضا في الفترة المذكورة. كما يغفل ذكر أن النسبة الحالية – وإن كانت في ارتفاع بالنسبة الى العشرية السابقة– لم تبلغ النسب المرتفعة التي بلغتها في الستينات والسبعينات.
تهويل وتخويف:
المقصود إذا ليس نفي إمكانية ارتفاع نسبة الطلاق في بلد عربي أو آخر، وإنما لفت النظر إلى التهويل والتخويف المبالغ فيه والإيحاء بأن شيئا غير مسبوق يحصل في العالم العربي يهدد كيان الأسرة واستمرارها، حيث يصور لنا أن النسبة الحالية عالية بشكل غير مسبوق (بالنسبة للنسب في العالم وبالنسبة لتطور النسبة في الماضي) وأنه في الماضي كانت توجد أوضاع “مثالية” يندر فيها الطلاق – وكلا الزعمين مغالطة للقارئ ومناف للواقع والتاريخ.
فالمختصون في الدراسات الديمغرافية يَرَوْن أن الأسرة في العالم العربي مستقرة لارتفاع نسب الزواج على عكس تطورها في أغلب الدول الغربية، وأن نسب الطلاق، على العكس مما يعتقد الكثير لم تكن ضئيلة في “الماضي الوردي السعيد” وإنما كانت دائماً متوسطة أي بمعدل 20%‏ أي طلاق واحد لكل 5 زيجات.
والطريف في الأمر أن هذا التهويل والنظرة المغلوطة عن تطور الأسرة في الماضي نفسه يتكرر كل فترة وأخرى، فتلمح نفس التحسر على انهيار الأسرة وارتفاع نسب الطلاق في خطاب عدد من المصلحين قبل قرن من الزمن. ويمكننا في مقال آخر نقاش الأسباب المُحتملة لهذا التناقض المستمر بين نظرة المجتمعات العربية للأسرة والطلاق وبين الواقع والإحصائيات.

ما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية؟

كأن الدول العربية تتسابق اليوم في تسجيل معدلات قياسية في حالات الطلاق. هناك أسباب متشابهة، لكن لكل مجتمع عربي ما يميزه في حالات الانفصال بين الزوجين.
فما هي أبرز أسباب الطلاق في كل مجتمع؟
*. ] السعودية: 8 حالات طلاق كل ساعة:
وفقاً لإحصائيات وزارة العدل في المملكة العربية السعودية لعام 2015م، هناك ما يقارب الثماني حالات طلاق كل ساعة، أي نحو 188 حالة يومياً، هذه النسبة لم تختلف عن إحصائيات 2014م، التي سجلت 4 حالات طلاق كل نصف ساعة، عدا حالات الخُلع، وقضايا الانفصال أمام المحاكم.
فحسب بيانات الوزارة ارتفعت حالات الزواج المسجلة خلال عام 2014 بنسبة 30% مقارنة بالعام الذي سبقه مسجلة 77.512 حالة زواج وارتفعت حالات الطلاق المسجلة في محاكم المملكة بنسبة 22% خلال الفترة نفسها مسجلة 54.471 حالة طلاق لتحقق معدل 7 حالات طلاق مقابل كل 10 حالات زواج جديدة.
السعودية.. 25 حالة طلاق مقابل حالة زواج يوميا!
لم يكن الطلاق بمعناه الشرعي واردا في أذهان مواطني منطقة الباحة في السعودية، عدا ما يدرج على ألسنتهم عند الحلف بأغلظ الأيمان، إذ كان الطلاق من الأمور المعيبة، التي تتحرج منها الأسر قبل الأزواج، لذلك قلما كان القرويون يسمعون عن حالة طلاق واحدة في العام.
أما اليوم، فباتت محاكم منطقة الباحة تسجل تزايدا ملحوظا في نسب الطلاق، لتصل إلى حالة كل 60 ساعة! فقد سجلت خلال الأشهر الأخيرة 460 حالة زواج، انتهى 143 منها بالطلاق.
وكشفت وزارة العدل السعودية مؤخرا، أن مجموع حالات الطلاق الواردة إلى محاكم المملكة العام الماضي بلغت 9233 حالة، مقابل 707 حالات زواج في الفترة نفسها، وذلك بمعدل 25 حالة طلاق مقابل حالة زواج يوميا.
ورغم أن غالبية السعوديين، يعيشون في ظروف اقتصادية جيدة، فإن خبراء علم الاجتماع وجدوا أن هذا أحد أسباب الطلاق هناك. بسبب سهولة الزواج للمرة الثانية إذا أراد الزوج، كما كان الأمر سهلاً في المرة الأولى. فضلاً عن أسباب أخرى أهمها ضرب الزوج لزوجته وإهانتها، والغيرة الزائدة.
*.] مصر: 20 حالة طلاق كل ساعة:
نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة في المجتمع المصري، باتت ظاهرة الطلاق في تزايد مستمر. وأظهرت الأمم المتحدة في إحصائية لها، أن حالات الطلاق في مصر وصلت إلى 20 حالة في الساعة الواحدة، ما يعادل 170 ألف حالة سنوياً.
ووفقاً لجهاز التعبئة والإحصاء، سجلت مصر حالة طلاق كل 6 دقائق خلال عام 2013م، أي 240 حالة طلاق يومياً. ووفقاً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء، وصل عدد المطلقات عام 2014م إلى مليونين ونصف المليون رغم النظرة المجتمعية السيئة للمطلقة في العالم العربي، ومصر خصوصاً.
الباحثة في شؤون المرأة والناشطة النسوية، هدى جاد الحق، قالت إن قانون الخُلع في مصر منح المرأة سهولة الحصول على الطلاق، وهو سبب رئيسي في هذا الرقم الكبير، موضحةً أن المرأة تلجأ إلى طلب الطلاق أو الخُلع في مصر لأسباب عدة أهمها الظروف الاقتصادية، وعدم قدرة الزوج على تحمل مسؤوليات الزواج، بعد تزايد أعداد الزوجات المعيلات، اللواتي يتكفلن بمصاريف الأسرة.
وأشارت إلى أن غالبية حالات الطلاق تحدث في العام الأول، بسبب رفض الزوجة تقبل طباع زوجها وأخلاقياته، ورفضها لطريقة تعامله السيئة معها. لافتةً إلى أن في مصر اليوم نسبة كبيرة من حالات الطلاق التي تحدث بعد أشهر من الزواج.
وأضافت: "ضمن الأسباب التي تؤدي للطلاق، الزواج خلال فترة قصيرة من دون فترة تعارف مناسبة بين الطرفين. ويعود ذلك إلى ضغط الأسرة على الابنة لإتمام الزواج خوفاً من العنوسة التي تطارد الفتيات".
في مصر، كشفت الدراسات والتقارير الصادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وفق ما نقلته مواقع إعلامية مصرية، عن وجود 65 ألف حالة طلاق منذ بداية 2017، أي ما يعادل 260 حالة طلاق يوميا كان معظمها بسبب عجز الزوج عن الوفاء بالاحتياجات المالية للأسرة، ليجعل من "أم الدنيا" الأولى عالميا في حالات الطلاق اليومية!
وأشارت التقارير إلى أن ارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة تسبب في انتشار ظاهرة الطلاق، وفي بعض الحالات كان الزوج مضطرا إلى الهروب وترك الأسرة، أو أن ترجع الزوجة إلى بيت أهلها، وتختار الطلاق كحل للتخلص من الشجار المستمرة لعجز الزوج عن الإنفاق.
في تصريح لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قال إن عام 2014 شهد نحو 950 ألف حالة زواج، بينما وصل عدد حالات الطلاق إلى 160 ألف حالة، مضيفا أن 35% منها تكون في أول خمس سنوات من الزواج، كما تشير احصائيات رسمية إلى ارتفاع نسب الطلاق بشكل ملحوظ بين الشباب في الفئة العمرية من 25 إلى 35 عاما.
وبحسب تقرير حديث لمركز معلومات مجلس الوزراء في مصر، فهناك نحو مليون حالة طلاق سنويا امام محاكم الأسرة بمصر، وتقع 240 حالة طلاق يوميا بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالي عدد حالات الخُلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014.
وأضاف التقرير أن مصر احتلت المرتبة الأولى عالميا، بعد أن ارتفعت نسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين.

*.] تونس: أسباب جنسية:
رغم أن تونس تسجل 1000 حالة طلاق شهرياً، وفقاً لمركز الإحصاء الوطني التونسي، أي نحو 4 حالات كل 3 ساعات، فإن هذا الرقم يعد كبيراً هناك، نظراً لأن المجتمع التونسي لم يتجاوز 12 مليون نسمة.
وبمقارنة بعدد السكان المقدر بحوالي 12 مليون نسمة، تشير الأرقام إلى أن تونس إحتلت الصدارة في العالم العربي في نسبة الطلاق عام 2016، والرابعة على المستوى العالمي.
وتعاني تونس، كغيرها من الدول العربية، من اكتساح ظاهرة الطلاق لمجتمعها، وذلك وفقا للأرقام الرسمية، ويعتبر أمرا مفزعا يحيل إلى الخطورة الجسيمة، التي يمكن أن يخلفها ذلك على المجتمع من تفكك أسري، وتشرد للأبناء وغيرها من الصعوبات النفسية والإجتماعية.
ويظهر في تونس سبب جديد للطلاق، بعد أن تحدث خبير معتمد لدى المحاكم التونسية في الصحة الجنسية والعلاقات الأسرية عن أن 40% من حالات الطلاق تعود لأسباب جنسية.
قال شاب تونسي ثلاثيني، منفصل عن زوجته، إنه لاحظ بالفعل ظاهرة المشاكل الجنسية، التي تؤدي للانفصال بين الزوجين. مؤكداً أن البطالة في تونس والمشاكل الاقتصادية سبب في حالات الطلاق، وحتى المشاكل الجنسية كان يمكن حلها إذا توفر المال.
*.] الإمارات: السوشيال ميديا السبب:
مع أواخر 2015م وبداية 2016م، باتت محاكم دبي تسجل يومياً 4 حالات طلاق، ما يشير إلى ارتفاع ملحوظ في نسب الطلاق التي سجلت من 2012م حتى 2014م، 12 ألف حالة.
وبحسب آخر الإحصائيات الإماراتية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من أسباب الطلاق، نظراً لانشغال الزوجين بهذه المواقع طوال اليوم، وإهمال كل منهما الآخر. وساعدت في ذلك الهواتف الذكية، وتأتي ضمن الأسباب الأخرى الذمة المالية المستقلة للسيدات في الإمارات، وقدرتهن على المعيشة الميسورة بعد الانفصال، فضلاً عن تعدد الزوجات.
*.] الطلاق في العراق بسبب المسلسلات التركية:
أعلنت السلطة القضائية الاتحادية في العراق أن حالات الطلاق ارتفعت بنسبة 70% في السنوات العشر الأخيرة. وأصبحت تسجل حالات الطلاق أكثر من 60 ألف حالة سنوياً.
وكشفت دراسة مجتمعية سبباً جديداً لارتفاع هذه النسب في العراق، هو المسلسلات التركية التي تظهر الصورة الوردية للأزواج، ما يؤدي إلى سخط الأزواج في العراق على حالهم، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها العراقيون، منذ الغزو الأمريكي. وكانت مؤسسة العراق لمنظمات المجتمع المدني، كشفت في دراسة لها أن موقع Facebook والانترنت والهواتف المحمولة، من أسباب الطلاق في العراق. خصوصاً أن تواصل الأزواج مع آخرين عبر الانترنت يثير الغيرة والشكوك التي تؤدي إلى المشاكل الأسرية في نهاية المطاف.
*.] الجزائر: قوانين تحمي المطلقة:
أعلنت وزارة العدل الجزائرية ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق في البلاد وصل إلى 60 ألف حالة سنوياً، أي حالة كل 10 دقائق.
وكشفت الإحصائيات عن 100 ألف طفل جزائري يقعون ضحايا بسبب انفصال الآباء.
يقول مواطن جزائري، إن القوانين الجزائرية الجديدة وفرت للمرأة حقوقاً كثيرة تضمن لها التحرر من زوجها، وتكفل الزوج بتوفير سكن لها ولأطفالها، موضحاً أن الدولة تطارد المطلق بقوة القانون للاستيفاء بحقوق المطلقة وأطفالها مالياً وأدبياً.
*.] الأردن: الطلاق إلكترونياً:
وصلت حالات الطلاق في الأردن إلى نحو 15 ألف حالة، بزيادة سنوية 1000 حالة، وفقاً لتقديرات دائرة الإفتاء.
ويتيح الأردن للزوجة إتمام الطلاق من زوجها إذا أرسل لها رسالة sms، أو إيميل، أو عبر أي وسيلة أخرى من وسائل التواصل، ويعرف هناك بالطلاق الإلكتروني.
*.] أما في الكويت، فترتفع معدلات الطلاق بنسبة 6 بالمئة سنويا. وقد بلغت وفق أحدث إحصاء نشرته وزارة العدل، 48% من إجمالي الزيجات، وزادت الطاقة الاستيعابية في سكن المطلقات، وهو ما يدل على أن حجم المشكلة يرجع بالأساس إلى عدة أسباب، أهمها تلك الدخيلة على المجتمع، كتأثير مواقع التواصل الاجتماعي في العلاقات الزوجية وانعدام الثقة.
وقد رفض مجلس الأمة مقترحا يلزم المقبلين على الزواج بالخضوع لدورات تثقيفية في مفاهيم الأسرة والارتباط، بسبب ما رآه تعارضا مع الدستور وخروجا على العادات والتقاليد.
*.] سوريا.. بين الداخل والخارج "لا معلقة ولا مطلقة"
لم يعد العقم وموانع الإنجاب السبب الوحيد الذي قد يدفع الرجل أو المرأة إلى الطلاق في المجتمع السوري، بل التدهور المعيشي وأزمة السكن، اللتان تفاقمتا جراء الأزمة التي تتعرض لها البلد، دافعا لحالات الطلاق والانفصال لتسجل سنوات الحرب أكبر عدد لحالات الطلاق بين الأزواج، ولتجعل من مئات النساء "لا معلقة ولا مطلقة".
وبلغت نسبة الطلاق 100 حالة يوميا عام 2013م، وانخفضت عام 2014، إلى 40 حالة يوميا، أي ما يقارب 9 آلاف حالة خلال عام 2014م، منها ما يقارب الألفي حالة طلاق بسبب العقم، علما أن حالات الطلاق تنوعت، فمنها الغيابي ومنها الموجود، فكثير من حالات الطلاق لم يتم تسجيلها في المحاكم، بسبب سوء الأوضاع، وصعوبة الوصول إلى المحاكم لتثبيت الطلاق.
ويبقى أبغض الحلال عند الله هو الطلاق.. فإلى أين نحن متجهون؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الأزمة التي تهدد استقرار الأسر، وبالتالي تهدد مجتمعاتنا العربية.
وأبرز أسباب الانفصال -كما رصدتها محاكم الأسرة من أقوال الأزواج والزوجات- إلى :
1.] الاختلافات الدينية والسياسية بين الزوجين، و
2.] عدم الإنجاب، و
3.] عدم إنفاق الزوج على الأسرة، بالإضافة إلى
4.] عدم التوافق في العلاقات الجنسية، و
5.] الاعتداءات الجسدية أو
6.] الخيانة الزوجية، و
7.] صغر سن الزوجين، و
8.] تدخلات الحموات، فضلا عن
9.] نقص الوعى، و
10.] إدمان المخدرات، و
11.] انتشار المواقع الإباحية على الإنترنت، و
12.] قانون الخُلع.

فهل هذه اسباب ارتفاع نسب الطلاق في بلداننا؟
وكيف يمكن الحد من حالات الطلاق؟
هل تتفقون مع مَن يرى أن الأسباب الاقتصادية مسؤولة بالدرجة الأولى عن الطلاق؟
وماهي اسباب ارتفاع نسب الطلاق في بلدان الغرب؟..
وهل الزيجات العربية في الدول الغربية مستقرة أما الحال مقارب لما هو موجود في بلد المنشأ!!؟.

»يومــ« ـــها !!!...

تستقبل المرأة العربية وزميلتها الغربية يومها العالمي: الثامن من مارس 2018م ليس بمزيد فرحة وعظيم سرور.. رغم أن الوزيرة النمساوية(مثال؛ فقط) أعطت للمرأة التي تعمل في مبنى الوزارة أو تمثل خارجية بلادها يوماً خاليا من العمل مدفوع الأخر (08. 03. 2018).. لكن النمساوية الآخرى ستذهب للعمل في صباحها الباكر أو ترقد قليلا في مخدعها استعداداً لنوبة عمل ليلية.. إما في بقية الوزارات أو في المصانع والشركات وبقية مرافق الدولة الرسمية أو الخاصة.. وقد تذهب آحداهن إلى بيت الغاضبات.. أو تخبر الشرطة بإعتداء عليها أو تحرش في شارع عام أو مكان عمل من ذكر.. وتذهب ثالثة إلى محكمة مدنية لتطلب الإنفصال عنه فإن تعذر فتذهب المسلمة إلى قضاء شرعي في دولة عربية كمصر لـ خلعه.. فقد صارت الحياة معه لا تطاق فالحل إذاً طلب الطلاق..
**
قد يقول آحدهم -وهو يحمل بشرة ناصعة البياض ويرى الآخر بعين زرقاء ويسرح شعرا اشقرا- يقول لي: "أنتَ كمواطن؛ أصلي من العالم الثالث (دولة نامية؛ لفظة أممية لطيفة) لا يحق لك الحديث عن الغرب!!..
فيكون الرد: "حين نتحدث عن حقوقِ الإنسان (رجل أو امرأة)؛ ومساواةٍ بين الجميع في الحقوق وعليهم نفس الواجبات؛ وحرية الحركة والسفر والعمل والدراسة؛ وحرية قول الرأي والتعبير بكافة الوسائل المتاحة والمشروعة؛ ومقارنة الأوضاع السياسية والإجتماعية والثقافية بين البلدان؛ أو مقارنة/مقاربة بين الأديان.. إذاً يحق لي الحديث طالماً أحمل بيدي البرهان وأتكلم بالدليل واعتمد على الحجة"...
فسكت المعترض المتطرف اليميني على مضضٍ..
وكأننا مازلنا -ونحن في بداية عام 2018م- نعيش في العصور الوسطى؛ أو قبيل الثورة الفرنسية؛ أو إثناء حركة تحرير العبيد في أمريكا.. وكأنه يريد -ذلك الأشقر- أن ينسى التاريخ أو يغالط فيه..
**
محاولة لقراءة تاريخ الإنسان القديم وتأثر إنسان اليوم بموروثات سلفه المنقرض..
1.] ظهر التناقض في الغرب، فإذا بالمرأة تصبح نهباً مشاعاً بين الرجال -سواء في الوسط السياسي بتياراته أو المجتمع بفئاته- وإذا بها تمثل مشكلة مفتعلة شغلتها وجلبت لها الشقاء وجعلتها تواجه الرجل وتقف في طريقه، بل وتشتبك معه في جوانب كانت في غنى عنها، وخدعها القائمون على إلقائها في معترك الحياة أيما خديعة، ولم يتركوا لها الفرصة للتفكير والتروي، بل صاحوا بها على عجل لترمي بنفسها في هذا الخضم، وليكن ما يكون، واستعجلت ونفذت ما خططوه لها وبدأت حياة الشقاء والكر والفر مع الرجل في دوامة لا نهاية لها، فلا هي تستطيع أن تخرج منها، ولا هي قادرة على إكمال ما رُسم لها، ولا زالت تكابد الهموم والغموم في ظلام دامس وليل أسود بهيم، وكثر الحديث عن المرأة وتضاربت فيها الآراء بين جاد وهازل ومخادع ومراوغ، ليحصل منفعة ما، حتى كادت حقوق المرأة أن تضيع بين هؤلاء المتعاركين، وكثرت فيها المؤلفات وأصبحت مادة دسمة لكل متحذلق ومتزلف، واحتارت المرأة كثيرا أمام هذا الضجيج من حولها -ولابد لها أن تحتار- فهي لا تدري إلى أي ناعق تسمع، ولا إلى أي جانب تميل، كل يصيح بها :« هلمِ إليَّ.. إليَّ.. النجاة عندي».
وتفنن الكُتاب والممثلون والمغنون والرسامون والصحفيون والمذيعون، تفنن هؤلاء وغيرهم في وسائل إغرائها وجذبها، وصار تعريتها مدنية.. واعتبارها سلعة متداولة بين أيدي مَن يريد الشراء أو التسلي مسألة ينظر إليها على أنها حضارية تقدمية، ولقد ارتابت كثيرات من العاقلات في أمر هؤلاء!!..
هل هذا كله ناتج عن تقدير وعطف عليها!؟.
أم أنه :
ناشئ عن مؤامرات لا يعلم مداها إلا الله!؟.
أو مصالح ومنافع على حسابها.. مكاسب تجنيها شركات !؟.
وعلى أي حال فلا نجاة للمرأة ولا مفر من أن تسقط في أي فخ عاجلا أم آجلا إن لم تتداركها رحمة خالقها -الله تعالى- فتعود إلى رشدها.
**
2.]: « المرأة في النظم الجاهلية مظلومة ظلماً فاحشاً » :
2. 1.] جاء في أقدم النظم الجاهلية(*) وهي شريعة حمورابي(**) ... جاء فيها:
(أ) «أن من حق رب الأسرة بيع أفراد الأسرة أو هبتهم إلى الغير مدة من الزمن» . وفيه
(ب) «أن الزوج إذا طلق زوجته فإنها تلقى في النهر، وإذا أراد عدم قتلها نزع ثوبها عن جسمها.. وطردها من منزله نصف عارية إعلانا منه بأنها أصبحت شيئا مباحا لكل إنسان»... فلتسمع الجاهلات المعاصرات!!.
وفي شريعة حمورابي:
(ج) «أن المرأة إذا أهملت زوجها أو تسببت في خراب بيتها تلقى في الماء». ونص قانونه على أن:
(د) «الزوجة التي تُرمى بالزنا(***) بدون دليل عليها وتناولتها ألسنة الناس تلقى في النهر وتغطس في الماء، فإن طافت على وجه الماء كانت بريئة، وإن غطست اعتبرت آثمة»، أي أن المتهم مدان إلى أن تثبت براءته حسب هذه المفاهيم الجاهلية، وهذا الحكم في المقذوفة -بدون دليل- أنها ترمى في النهر أمر عجيب، وأعجب منه الحكم لها بالبراءة إذا طفت على الماء ميتةّ!!.. هكذا حكم الجاهلية، وما الذي ستستفيد منه إذا طفت ميتة بريئة.
2. 2.] « القانون الصيني »
كانت المرأة لا قيمة لها في القانون الصيني الذي قرر أنه:
(أ) «ليس في العالم شيء أقل قيمة من المرأة».
2. 3.] « القانون الهندي »
وفي القانون الهندي عدة قوانين منها:
(أ) «لا يجوز للمرأة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها ورغبتها حتى ولو كان ذلك الأمر من الأمور الداخلية لمنزلها».
(ب) «المرأة في مراحل طفولتها تتبع والدها»، وفي
(ج) «مراحل شبابها تتبع زوجها»، فإذا
(د) «مات زوجها تنتقل الولاية إلى أبنائه أو رجال عشيرته الأقربين، فإن لم يكن له أقرباء تنتقل الولاية إلى عمومتها، فإذا لم يوجد لها أعمام تنتقل إلى الحاكم». وكانت شرائعهم تقضي أيضا بأن:
(هـ) تحرق الزوجة نفسها مع زوجها إذا مات، وقيل إنهنَّ في الهند كنَّ يفعلنَّ هذا حتى إن الزوجة تتحايل وتتظاهر بالموت لتحرق مع زوجها، إلى أن منعتهنَّ بريطانيا(!!) من ذلك زمن احتلالها للهند.
وسبب هذه الإهانة للمرأة في القوانين الهندية بيَّنها قانون "مانو" بقوله: «إن مانو عندما خلق النساء فرض عليهن حب الفراش والشهوات الدنسة والتجرد من الشرف وسوء السلوك، فالنساء دنسات، وهذه قاعدة ثابتة عندهم».
2. 4.] « القانون اليوناني »
وفي القانون اليوناني كانت القاعدة أن:
(أ) «المرأة تدخل ضمن ممتلكات ولي أمرها قبل الزواج»، و
(ب) «تدخل ضمن ممتلكات زوجها بعد الزواج».
وكانت قيمة المرأة عندهم كما سجلها "ديموستين" هي قوله:
(ج) «إننا نتخذ العاهرات للذة، ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية، ونتخذ الزوجات ليكون لنا أبناء شرعيون».
2. 5.] « القانون في بعض بلدان إيطاليا »
وفي بلدان إيطاليا كانت:
(أ) الزوجة تعد «خادمة في المنزل»، وعليها أن:
(ب) «تجلس على الأرض بينما يجلس الرجل على المقاعد»، و
(ج) «خارج البيت إذا ركب زوجها الحصان، فلابد أن تسير على قدميها خلفه مهما كان بعد المسافة».
2. 6.] « القانون الروماني »
وفي القانون الروماني كما في «الألواح الإثني عشر »أن
(أ) «المرأة لا أهلية لها»، لأن أسباب انعدام الأهلية عندهم هي:
(1.) صغر السن؛
(2.) الجنون؛
(3.) الأنوثة.
وفي القانون الروماني أن
(ب) رب الأسرة يحق له أن يبيع زوجته وابنه وابنته كما يحق له أيضا النفي والتعذيب، بل والقتل إذا شاء، أي كما يذبح واحدة من غنمه أو تبيعها.
2. 7.] « تطور القانون في الغرب »
لا يزال حق المرأة مهضوما في الدول الغربية رغم مناداتهم الكاذبة بإنصاف المرأة فهي مظلومة في احترامها، ومهضومة في تكليفها بالعمل والاكتساب، وكانت المادة (213) من القانون الفرنسي تقضي بإلزام المرأة طاعة زوجها وأن تسكن معه حيث يسكن، كما يقضي هذا القانون بإلزام الزوجة بعدم التصرف في أموالها إلا بإذن كتابي من زوجها.
وآخر تعديل للقانون سنة 1942م هو الإذن الضمني بأن تثبت أن الأموال التي تتصرف فيها ليست ملك لزوجها، ولا هي من الأموال المقدمة منها للمساهمة في نفقات الأسرة، ولا هي من الأموال المختلطة بين الزوجين.
قال "هربرت سبنسر" في كتابه (علم الاجتماع) : «إن أوروبا حتى القرن الحادي عشر الميلادي كانت تعطي الزوج الحق في أن يبيع زوجته، فجعلت حق الزوج قاصرا على الإعارة والإجارة وما دونها».
وفي إنجلترا سمحَ القانون ببيع الزوجة حتى سنة 1805م، وكان الثمن محددا بـ"ست" بنسات آنذاك، وقد حدث أن باع رجل إنجليزي زوجته سنة 1931م بخمسمائة جنيه، وفي مرافعات المحكمة قالوا له إن قانون بيع الزوجات قد ألغي سنة 1805م، وأخيرا حكمت عليه المحكمة بالحبس عشرة أشهر.
كما أنه في الدول الغربية تفقد المرأة اسمها وحريتها ونسبتها إلى أبيها بمجرد الزواج إذ تنتسب إلى زوجها(****). وتم تعديل هذا القانون بإضافة اسم عائلتها بجوار اسم عائلة الزوج.
وفي عصور أوروبا المتأخرة أصبحت مشكلة كبرى تتطلب حلولا وقام الخادعون لها بالدعوة إلى حرية المرأة، ومساواتها بالرجل.. فهل نالت الحرية فعلا؟!!
وهل حصلت على المساواة؟ !!
أما الحرية التي يمنون بها على المرأة فهي حرية زائفة عبر عنها المتظاهرون في الصين حينما كانوا يصيحون «لا حرية عندنا إلا في الجنس»، فقد فتحوا لها باب الحرية الجنسية على مصراعيه تعاشر مَن تريد وتترك مَن تريد، وأعطوها حرية التبرج والرقص لتكون في متناول أيديهم، وأعمالاَ أخرى دون طموح كثير من النساء الشريفات، كما أعطوها حرية العمل لكي تكدح وتتعب مثل ما يكدح الرجل، وحملوها بأعمال هي مِن طبيعة الرجال، ولم يرحموا نعومتها وتكوينها الجسدي، ولهذا كثرت شكاوى النساء في مجتمعاتهم مِن قساوة الرجال وغلظ طباعهم، كما شكينَّ مِن إرهاقهنَّ بالعمل المضني، وشكينَّ مِن اختفاء العاطفة الأسرية ومجابهة الشدائد كل واحدة بمفردها وجها لوجه، وما أكثر المنتحرات احتجاجا على سوء أوضاعهنَّ، وتبين لهنَّ أن المناداة برفع مستوى المرأة والعناية بها والتملق لها إنما هو موجه إلى من كان عليها مسحة من ملاحة، وأما اللواتي لم يحظين بالجمال والرشاقة والحيوية فالويل لهن، وعليهن أن يندبن حظهن.
تقول إحدى الموظفات في أحد مطارات أوروبا:" إني لأعجب من الإسلام كيف جعل أتباعه يهتمون بالمرأة إلى حد أن الأخ يؤثر أخته ويدافع عنها ولو أدى إلى موته، ثم قالت وأنا لي أخ لا يراني أحيانا إلا في السنة مرة، وقد يسلم بيده من بعيد ويمضي".
3. ] « أكذوبة المساواة في الغرب »
أما زعمهم «المساواة» بين الرجل والمرأة، فلها قصة قديمة، وذلك أن المرأة كانت تعمل إلى جانب الرجل، ولكنها كانت تأخذ أجراً أقل منه لضعفها عن الجهد الذي يبذله الرجل، واستمر الحال إلى أن نُبهت -أو تَنَبهت- المرأة إلى هذا الغبن فطالبت بمساواتها بالرجل في الأجرة واستمر الطلب وقوي مع مرور الوقت، ومن هنا نشأ طلب المساواة بين الرجل والمرأة...
فالمسألة تتعلق بالمساواة في الأجور!!!
ثم تُنُوسي أساس الطلب وتطلعت المرأة إلى أبعد من ذلك، فإذا بها تدفع إلى ما لا يتفق وفطرتها وطبيعتها وتكوينها البيولوجي وشمخت بأنفها وأخذ الغرور منها كل مأخذ وظنت أنها مثل الرجل تماما فقلدته ومسخت أنوثتها، حلقت رأسها وأبعدت عنها الحلي - الذي أخبرنا الله تعالى أن المرأة تنشأ فيه- وتركت لبس الذهب وإرتداء الحرير.. لتشترى بلاستيك للزينة وقلدته في الصوت والمشية والحركات فكانت هي الخاسرة من حيث لا تشعر إذ نظر إليها الرجل على أنها :«لحم على ظهر وضم»(*****)، فأعرض عنها واستهان بها فأخذت هي التي تبادله بالمغازلة ومراودته عن نفسه، ولم يبق لها عرق واحد ينبض بالحياء، وذلك عند الكثيرات في ظل هذا التيار الجارف.
وقولي هذا لا يمنع المرأة من التعليم والتثقيف.. إذ أن المسألة لها عدة جوانب ينبغي أن تبحث مجتمعة تحت سقف واحد!
إلى أن اكتشفت بعض العاقلات الحالة على حقيقتها، فهالها الغبن الفاحش الذي وصلت إليه المرأة على أيدي ثعالبة الشر، وأن الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء إن هي إلا مهزلة ونفاق وخدع لا حد لها، وأنه يستحيل أن تتساوى المرأة والرجل الذي لا يحس بما تحس وتشعر به المرأة زمن الحمل وإثناء الولادة، وضعف القُوى في المرأة وما تتعرض له من تقلبات نفسية ومواقف وشدائد فوق ما تتحمله من أعمال كلفها بها الرجل تنوء بكاهلها وتعجل لها الهرم والشيخوخة أبعدتها عن الزوج المؤنس والأولاد الذين يجلبون لها السرور والهدوء والراحة في بيتها وأخرجتها إلى عالم الصخب والضجيج وهدير الآلات والمشاكسات التي تحصل عادة بين أرباب العمل.
ولعل مسألة التحرش الجنسي في الغرب في أماكن العمل قضية مثارة مما جعل المشرع الأوروبي (النمسا: مثال) يسن قانون عام 2015م بمعاقبة المتحرش جنسياً بها سواء في الطريق العام أو إثناء تأدية عملها؛ وهذا في الغرب؛ أما عند العرب فسأبحثه في حديث قادم.
4. ] « المجتمع العربي »
وإذا كان ما قدمته عن حال المرأة في أوروبا والدول التي تدعي التقدمية والحضارات غير العربية السابقة، فماذا عن المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده؟
حديثي القادم بإذنه تعالى..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
راجع كتاب :" أخطاء يجب أن تصحح في التاريج: تاريخ الامه المسلمه الواحده منذ اقدم عصورها وحتى القرن السابع قبل الهجره فى مصر والعراق" بدء من ص: 227.؛ سلسلة :"نحو تأصيل إسلامي للتاريخ؛ الأمة المسلمة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم". د. جمال عبدالهادي محمد مسعود وزوجه: د. وفاء محمد رفعت جمعة. دار الوفاء للطباعة والتشر والتوزيع؛ المنصورة . ش. م. م.
(*) يعتقد الكثيرون أنّ قوانين حمورابي هي أقدم القوانين المكتوبة على الإطلاق، إلّا أنّ هناك قانونان قديمان قد سبقاها على الأقلّ من الشرق الأوسط، إحداهما قانون ملك مدينة أور السومري أورنمو والذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، وإنّ هذا القانون وغيره من القوانين القديمة يعدّ قريب الشكل والمضمون من قوانين حمورابي؛ مما يعطي احتمالاً أنّها اشتقّت من ذات المصدر.
(**) هو ملك بابلي؛ فـقوانين حمورابي هي من أقدم القوانين المسجّلة في التاريخ، وقد سنّها الملك البابليّ حمورابي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وتشكّل 282 قانوناً، وقد ضبط فيها حمورابي معايير السلوك في إمبراطوريته في بلاد الرافدين، وجديرٌ بالذكر أنّ هذه القوانين حُفرت على عمود بطول سبعة أقدام ونصف من الديوريت، وهي تشمل حقوق الملكية، والسلوك الإجرامي، والعبودية والطلاق، كما اشتملت على عقوبات قاسية لكلّ من يخالفها، وساهمت هذه القوانين في تحديد شكل الحياة البابلية عهد حمورابي، إلّا أنّها أثرت في كافّة أنحاء العالم القديم لما يزيد عن ألف سنة.
(***) وتقرأ في موضع آخر :" فيما يتعلّق بالخيانة الزوجية، فمن المسموح للرجل إقامة علاقات خارج نطاق الزواج مع الخدم أو العبيد، أمّا النساء فمُنعن من ذلك، وكانت العقوبة هي تقييدهن ورميهنّ في نهر الفرات مع عشاقهنّ.
(****) البهنساوي؛ سالم : مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية.
(*****) الْوَضَمُ : كُلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ عَلَيْهِ اللَّحْمُ مِنْ خَشَبٍ يُوقَى بِهِ مِنَ الْأَرْضِ . وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : "إِنَّمَا النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ إِلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْوَضَمُ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُوضَعُ عَلَيْهَا اللَّحْمُ، يَقُولُ : فَهُنَّ فِي الضَّعْفِ مِثْلُ ذَلِكَ اللَّحْمِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يُذَبَّ عَنْهُ وَيُدْفَعَ؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: إِنَّمَا خَصَّ اللَّحْمَ الَّذِي عَلَى الْوَضَمِ وَشَبَّهَ النِّسَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي بَادِيَتِهَا إِذَا نُحِرَ بَعِيرٌ لِجَمَاعَةِ الْحَيِّ يَقْتَسِمُونَهُ أَنْ يَقْلَعُوا شَجَرًا كَثِيرًا وَيُوضَمَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَيُعَضَّى اللَّحْمُ وَيُوضَعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُلْقَى لَحْمُهُ عَنْ عُرَاقِهِ وَيُقَطَّعُ عَلَى الْوَضَمِ هَبْرًا لِلْقَسْمِ، وَتُؤَجَّجُ نَارٌ، فَإِذَا سَقَطَ جَمْرُهَا اشْتَوَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْحَيِّ شِوَاءَةً بَعْدَ أُخْرَى عَلَى جَمْرِ النَّارِ، لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ وَحَازَ كُلُّ شَرِيكٍ فِي الْجَزُورِ مَقْسِمَهُ حَوَّلَهُ عَنِ الْوَضَمِ إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، فَشَبَّهَ النِّسَاءَ وَقِلَّةَ امْتِنَاعِهِنَّ عَلَى طُلَّابِهِنَّ بِاللَّحْمِ مَا دَامَ عَلَى الْوَضَمِ .
ــــــــــــــــــــــ
ملف من إعداد : محمد الرمادي
الفاتح من مارس 2018م

«إلى حافة „الهاوية‟ و „العودة‟؟ »

لعل من المؤتمرات السنوية الهامة حول الأمن العالمي والضرورية للسياسات الدفاعية؛ والتي يجب على التجمعات الإسلامية خاصةً، والتكتلات العربيةِ -في الغرب- ومنها المصرية عامة؛ الإهتمام بها.. وأهم تلك التجمعات مَن يقوم -رسمياً- برعاية شؤون أفراد تلك التجمعات؛ وجلب مصالح مَن يتواجد بمصليات الأقلية المسلمة بغض الطرف عن دولة المنشأ سواء عربية كانت أو تركية أو افغانية أو إيرانية أو بوسنية ألبانية؛ وعلى رأس تلك التجمعات الهيئة الإسلامية الرسمية المعتمدة لدى الحكومة النمساوية -مثلاً- هذه الهيئة التي تقوم بالتنسيق مع وزارات معنية برعاية الطفل المسلم تعليماً وتثقيفاً وتربوياً في الغرب.. ورعاية شأن المرأة المسلمة السعيدة في زيجتها أو التعيسة في زواجها كالغاضبة أو المطلقة والأرملة أو الشاب/الطالب أو المواطن العامل المسلم؛ ومَن تم إحالته للمعاش؛ فهذه فئات في الغرب تحتاج لمؤسسة رسمية بجوار الحكومية تتولى رعايتهم؛ وليس مجرد منتديات أهلية لقتل الوقت؛ أو منصات التواصل الإجتماعي لتفريغ شحنات سلبية ضد نظام ما أو شخص.. ولغرض التجزئة والإضعاف فقد تم تقسيم المقسم فوجدت هيئة ثانية موازية لهذه الأولى وهي طائفية؛ ثم لأطماع شخصية ومنافع وجدت ثالثة وهي خليط تجمع قومي ~إسلامي..
أقول: كما ينبغي أن يهتم بمثل هذا المؤتمر مَن يمارس نشاطا علمياً كأكاديمية إعداد مدرسي مادة الدين الإسلامي -مرحلة التعليم الإلزامي (الإبتدائي والإعدادي)- وشهادة التخرج تصلح للعمل بها في كافة دول الإتحاد الأوروبي.. يضاف لذلك المعهد التربوي بجامعة فيينا؛ أو الملحقيات الثقافية لدول إسلامية(!) كملحقية كل مِن المملكة السعودية؛ وجمهورية مصر؛ وهذا من صميم عملها؛ وكذا مكتب المخابرات(*) التابع لقنصلية هذه الدول.. وآخيراً وليس آخراً وما زاد الفجوة بين تلك المؤسسات والهيئات الإسلامية(!!؟) وبين أفراد الأقلية (النمسا مثالاً) المسلمة في الغرب: التجمع القائم على اساس طائفي أو مذهبي أو حزبي جمعي أو صوفي طُرقي والذي يملك كل منهم "مصليات" منتشرة الأن في أمهات العواصم الغربية.. أو التجمع المدني القومي/الوطني سواء أكان مصريا أو عراقيا أو سوريا..
اقول: مِن أهم هذه المؤتمرات؛ المؤتمر الذي عُقد في مدينة ميونخ الألمانية والتي أنتهت جلساته يوم الأحد 18 فبراير الحالي: وهو مؤتمر الأمن العالمي.. ويجب متابعة جلساته ومداخلات ضيوفه وأوراق عمله وورش النقاش فمنها ما يتعلق مباشرة بالنزاعات؛ والتغيرات في المنطقة العربية؛ ودول الجوار الأوروبي؛ ودور القوى الناشئة؛ وتغير ميزان القوى العسكري في العالم مع الإلمام التام بقراراته ومخرجاته.. ثم تضع تلك التجمعات السابق ذكرها آنفاً والمفترض أنها تقوم برعاية شؤون افرادها -بدءً من الجيل الأول؛ الذي أوشك على الإنقراض إلى الجيل الرابع الذي يحبو في رياض الأطفال- عليها أن تضع استراتيجية وقائية مستقبلية لتلك الأجيال.
احتضنت ميونخ؛ بولاية بافاريا-Bayern- الألمانية الدورة الـ54(**) لمؤتمر الأمن، والسياسات الدفاعية وسط أجواء تشاؤمية، إثر نشر تقرير في وقت مبكر تمهيداً للنقاش حمل عنوان:
«إلى حافة الهاوية.. والعودة؟»
حيث جنرالات العالم وحكامه ناقشوا منذ يوم الجمعة 16 فبراير 2018م كما باشر أكثر من 500 مدعو، بينهم 16 رئيس دولة؛ و 15 رئيس حكومة؛ و 47 وزير خارجية؛ و 30 وزير دفاع؛ مداخلات.. وعرض 59 ممثلاً عن منظمات دولية افكارهم.. ومشاركة المئات من خبراء الشؤون العسكرية والأمنية.. ناقشوا جميعاً مآلات التحديات الأمنية حول العالم، وسبل كبح جموحها..
اتحدث عن المؤتمر الذي عقد في ميونخ؛ العاصمة البافارية فقد انتهت اليوم الأحد جلسته الأخيرة.. واعتبر رئيس «مؤتمر ميونخ للأمن»، فولفغانغ إيشنجر، في تقرير الأمن الجديد، أنه "بات واضحاً أن العالم قد أصبح خلال العام الماضي أكثر قرباً من حافة الصراعات المسلحة الثقيلة"، مشيراً إلى ما سماه "التهديد الخطير والمتنامي الذي يثيره الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وكذلك إلى التنافس المتزايد بين السعودية وإيران، فضلاً عن التوترات المتصاعدة باستمرار بين حلف الأطلسي - الناتو- وروسيا في أوروبا"
يعتبر المؤتمر نقطة التقاء رؤساء أجهزة الاستخبارات في العالم. وشكّل "ظهور وتيرة متصاعدة من انعدام الأمن" الموضوع المركزي للتقرير، وذلك بعدما اتضح عدم استعداد الولايات المتحدة لأداء الدور القيادي والضامن للنظام الدولي، في ظلّ طرح السؤال حول قدرة أوروبا على تكثيف العمل من أجل ضمان أمنها الخاص، في بيئة لا تزال تتسم بالتوترات مع روسيا وتنامي القومية. ومن ضمن المواضيع أيضاً، هناك القلق بشأن التسليح النووي الجديد، خصوصاً بعد كشف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عن خططها لتحديث جديد للأسلحة النووية الأميركية مطلع شهر فبراير الحالي. إلى جانب ذلك، فإن مواضيع الأمن الإلكتروني، والعلاقة بين تغير المناخ والصراعات، هي من المواضيع الأخرى المدرجة ضمن جدول أعمال المؤتمر، وخصوصاً الوضع السوري والصراع الإيراني/السعودي."
السلم والأمن: فبراير 2018م:
تحدث الأمين العام أنطونيو غوتيريس يوم الجمعة الماضي في افتتاح مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، وحذر مِن عدد من التحديات التي تحيط بعالم اليوم وتهدد السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك التهديد النووي؛ والأمن الإلكتروني؛ وتغير المناخ، وقال إنه خلال العام الماضي حدث تغيران نوعيان جعلا الوضع الأمني العالمي اسوأ.
فقال الأمين العام معلنا عن التغير الأول، ومشددا على ضرورة مواصلة الضغط على كوريا الشمالية لإيجاد فرصة للحلول الدبلوماسية من أجل إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وأن تجري الولايات المتحدة وكوريا الشمالية مناقشات هادفة. فـ لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، نواجه تهديدا نوويا.
الجدير بالذكر أن :" كوريا الشماليّة لا تُشكّل خَطرًا حقيقيًّا على الولايات المتحدة التي تَبعُد عنها أكثر من خمسة آلاف ميل، وإنّما على حُلفائها مِثل اليابان، وكوريا الجنوبيّة، والأهم منهما دولة الاحتلال الإسرائيلي". التّصعيد الأمريكي ضد بيونج يانج سببه الأبرز هو تعاونهما مع بَعض الدول العربيّة، وسورية على وَجه التحديد، وإيران أيضًا، في مَجالاتٍ عَسكريّةٍ، مثل الصناعة الصاروخيٍة، وتَبادُل الخُبرات العلميّة والتقنية النوويّة، وهُناك أنباء شِبه مُؤكّدة أن الطَّائرة الإسرائيليّة “إف 16” أُسقطت بصاروخ روسي قديم جَرى تحديثه بِخُبرات كوريّة شماليّة.
وفيما يتعلق بالتغيير الثاني، قال السيد غوتيريس إن الشرق الأوسط بشكل عام قد تحول إلى معضلة بحق، مع ترابط وتداخل النزاعات المختلفة مما خلق وضعا معقدا وخطرا. كانت هناك دائما صراعات في الشرق الأوسط منذ بداية الحضارة. وفي العقود القليلة الماضية، اعتدنا على توالي الصراعات والأزمات، ولكن دائما مع هذه الفكرة، التي ربما تتسم بالسذاجة، وهي أن المجتمع الدولي سيكون قادرا على التعامل مع كل واحدة على حدة أو تباعا... ما أُعتقدَ أنه تغيّر هو أن الشرق الأوسط أصبح اليوم كله فوضى. وأصبحت فوضى مع عدد من خطوط النزاعات المختلفة التي تتقاطع وتترابط: خط النزاع الذي لا يزال بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وذلك الذي يمثل ذاكرة الحرب الباردة لا يزال هناك؛ والخط الفاصل بين السنة والشيعة.
وفيما يتعلق بالتهديدات الأمنية على شبكة الإنترنت، دعا الأمين العام إلى إجراء مناقشة جدية بشأن الإطار القانوني الدولي الذي تجري فيها حروب الإنترنت. وقال بالنظر إلى الفضاء الإلكتروني اليوم، فمن الواضح أننا نشهد، بطريقة مقنعة نوعا ما، حروبا بين الدول على الإنترنت. وبينما حذر الأمين العام في كلمته من إثارة عدم الثقة والشكوك حول العولمة والتعددية، أكد على أن المشاكل العالمية لا يمكن معالجتها إلا من خلال الحلول العالمية.
*.) »الهاوية «.. » العودة « ... عنوان صادم ومثير.
خطر تنظيم (د)ولة (ا)لخلافة في الـ(عـ)ـراق والـ(ـشـ)ـام والمختصر بـ«داعش» من أهم الملفات التي ناقشها مؤتمر الأمن بميونخ؛ وهذا الخطر كان ومازال:
*. ) » العودة « قُصد بالمصطلح الثاني عودة مَن انتمى لتنظيم الدولة(!) المنهار عسكرياً في كل مِن سورية والعراق والصفقات التي تمت لـ إخراج عناصره ثم تواجد تلك العناصر في سيناء.. كما أعلن قبلها بزمن الزعيم التركي؛ والمزعج للغرب حقاً مَن يتسرب منهم بين العشرات مِن اللاجئين القادمين إلى الغرب؛ أو مرتزقة الحروب في كل تموضع جديد في كل من سيناء وليبيا، أو الذئاب المنفردة في دول الغرب أو ما تسمى بالخلايا الخاملة ليتم تنشيطها من على بعد من خلال الشبكة العنكبوتية (النت)
اساءت الظن بعض الحكومات إذ اعتبرت أنها كسبت معركة ضد التنظيم ولكنها لم تكسب الحرب بعد؛ ففارق بين خسارة عسكرية أو ميدانية وبين إنحسار الفكر المتطرف بين صفوف الأتباع؛ والقضاء عليه في ثنايا عقل المؤيدين.. فالأولى قد تنجح أما الثانية فتحتاج إلى إستراتيجية طويلة المدى للقضاء على الفكر المتطرف وما يلازمه من إرهاب إما فكري أو دموي.. ويجب أن تكون -تلك الإستراتيجيات والخطط- فاعلة وعلى كافة مفاصل الدولة وحنايا المجتمع وقابلة للتنفيذ وليس فقط مجرد اقتراحات نظرية..
ونتساءل: هل ما تقوم به -الأن- المؤسسة الدينية الرسمية في الدول التي ابتليت بهذه الأفة -الأزهر مثلاً- يكفي!!؟..
ونتساءل: هل يوجد اتصال قوي مؤثر فاعل بين المؤسسة الرسمية في الداخل وبقية رعاياها في الخارج؛ خاصة دول الغرب!؟..
ونتساءل: هل يتم الإتصال المباشر والتنسيق الجيد بين المؤسسة الرسمية في الداخل وبين الهيئة الإسلامية الرسمية في الخارج!؟..
ونتساءل: هل المصليات في أمهات عواصم الدول الغربية لديها الوعي الكافي فيما يجري حولها؛ أم تكتفي بخطب الوعظ والإرشاد على نمط الدين الكهنوتي!؟.
أما المصطلح الأول «الهاوية»
من النادر أن يكون خبراء الأمن متفائلين، كما أنه من النادر أيضاً أن تأتي تقارير الأمن بصورة متفائلة. والأمر ذاته ينطبق على تقرير ميونيخ الجديد للأمن. والذي يحمل عنوان "إلى الهاوية – والعودة؟"، فقد بدا الكشف الذي أعده مؤتمر الأمن للنظام الدولي بمثابة ناقوس الخطر في افتتاح الجلسات في ميونخ. إذ وصف "رئيس مؤتمر ميونخ للأمن" التغيرات التي شهدتها الساحة الدولية بأن "العالم بلغ حافة الهاوية ثم تراجع"، وهو العُنوان الأبرز للتّقرير السنوي لمُؤتمر ميونخ الأمني في هذه الدورة.. كما كتب رئيس المؤتمر، السفير وولفغانغ ايشينجر في تقديمه التقرير أن العالم "قارب هاوية تفجر نزاع كبير"، حيث تصاعدت حدة الصِّراع وتوتره بين كوريا الشمالية وبين الولايات المتحدة، ومراجعات الولايات المتحدة، وتراجع الغرب نسبياً، وقال ايشينجر: «في أوروبا لا يزال التوتر مرتفعاً مع روسيا، فيما تواصلت الحرب في أوكرانيا. كما أظهرت القوى الكبرى نزوعاً إلى انتهاك اتفاقات خفض التسلح. وتصاعد دور الصين والتنافس بينها وبين الولايات المتحدة من أجل السيطرة على أسواق التكنولوجيا الجديدة.. وأكد على قضيةٍ أثارت الشارعَ الغربي وخاصةً الفئات الشعبوية والأحزاب التي تدغدغ مشاعرها بـ أن "الغرب أضعف مما كان عليه، وتهدده أزمات اللاجئين والمشردين". دون أن يحدد شعب أو دولة.. وانسداد آفاق الأزمات المعقدة والمتداخلة في الشرق الأوسط، فشهدت العلاقات بين السعودية وبين إيران ديناميكية التوتر بما ترتب من مخاطر انعدام الاستقرار على الصعيد الإقليمي. والحَرب في سورية .. كُلها عناصِر تَفجير لحُروبٍ عُظمى وَشيكة وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكن. وبرزت من ناحية أخرى، مخاطر الهجومات الإلكترونية».
*.) الأوروبيون بَدأوا يُدرِكون خُطورة هذهِ الأزمات، ويَستعدّون لاحتمال انْعكاساتِها المُباشِرة على أمنهم، من خِلال تحديد المسؤوليّة، والاستعداد لتبنّي استقلاليّة استراتيجيّة دِفاعيّة، وتَشكيل قوّات تدخّل سَريع مُشتركة، دون انتظار الولايات المتحدة الأمريكيّة.
أزمات: كوريا.. أمريكا.. روسيا.. أوروبا أفريقيا.. اسيا.. والدول ذات الزعامة المنفردة.. الجميع يجلس فوق فوهة بركان مشتعل قابل للإنفجار.. وإزاء تراجع النظام الدولي، تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن التأثير على الأزمات الحادة في شبه جزيرة كوريا الشمالية والشرق الأوسط. إذ رسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، صورة قاتمة للأزمات التي تهز استقرار منطقة الشرق الأوسط. ورأى أنها "أزمات معقدة ومتداخلة، وأي تصعيد في أي منها قد يؤدي إلى عواقب كارثية". كذلك أبدى غوتيريس تشاؤمه بالنسبة لأزمة اليمن، حيث اعتبر أن "لا حل في الأفق القريب"، وأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني "في مأزق".
كذلك أشار التقرير، الذي وزع على مئات الوزراء والخبراء، إلى أن عام 2018م "قد يشهد حل بعض النزاعات أو المزيد من التصعيد".
تم استحداث شكل جديد في الصراع بين أطراف ما.. ففي السابق كان هناك إما صراع عسكري تقليدي (جيش نظامي يقابله آخر) أو صراع على مصادر المواد الأولية كالبترول الخام مثلاً أو فتح سوق تجاري/اقتصادي جديد أو إدارة الخلافات بطريقة سياسية دبلوماسية واليوم الخلافات بين الدول تتم بتصعيدٍ نحو إستخدام عسكرةٍ من نوع جديد مثل الشركات الأمنية أو مرتزقة الحروب أو عناصر الإرهاب؛ ويوجد مناخ صالح لتفريخ هؤلاء المرتزقة فـ الجماعة الإسلامية -الأم- فاقدة الوعي الديني الأصولي المنهجي المبني على الفهم الصحيح للنص القرآني أو الوعي الكامل بأحاديث رسول الإسلام أو مواقفه وغزواته وعدم تجزئة المراحل أو تقديم مرحلة دعوية نبوية فتسبق الآخرى.. وهذا ما اسميه: « الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام» رافقه ضعف شديد آخر وهو الوعي السياسي؛ فغاب بدوره الوعي السياسي المستنير للخطط الدولية التي تحاك وفهم عميق لمصالح دول بعينها.. كما هو ظاهر كـ أفة عند غالبية الجماعات التي ترتدي العباءة الإسلامية فتفرخ ولائد مشوهة كـ القاعدة أو حزب الله اللبناني؛ أو الحوثيين ومَن شابههم..
*.) مِن هنا جاءت أهمية الإهتمام بمثل تلك المؤتمرات إذ بقصد أو بسوء نية تلبس أفراداً ثوب الإسلام فيتم الحديث عن الإرهاب الإسلامي.. فيتولد لدى المواطن الغربي حالة من الكراهية نتيجة تركيز الإعلام وخطاب أحزاب شعبوية..
*.) الهدف الأسمى عند الإنسان ومنذ بداية الخليقة هو الإستقرار والأمان.. والأن كي تسهل حركة السياحة واستثمار الأموال القادمة واطمئنان المواطن على عيشه وحياته واسرته؛ خاصةَ كشعب أو أمة تعيش على الفلاحة والمزارعة.. أو -وهو الأصعب والأشد- إفشال دولة في إدارة شؤون رعاياها وهذا يجعل البعض يمسك زمام دولته بأيدي من حديد..
الإدارة الأمريكية تسعى منذ حين من الخروج من لباس الشرطي للعالم وهي حرجة من تواجدها في صلب الصراع لذا وجدت إما دويلة أو مجموعة تقوم بالنيابة عنها في تنفيذ ما تريده.. بتكلفة أمريكية اقل في الأرواح والآلة العسكرية والمال..
*. ) عولمة الإرهاب ساعدت دول على تحقيق مصالحها وتحقيق أهداف سياسية لها عسيرة فأوجدت ظاهرة المرتزق من الحرب أو المقاتل الأجنبي.. بداية العولمة كان يقصد منها عالم بلا حدود وهدفها فتح الحدود للبضائع؛ فوجد بالتوازي سوق سوداء ليس فقط للبضائع المهربة بل سوق سوداء لمقاتلين أو مرتزقة أجانب في مناطق ليسوا هم من أهلها الأصليين كما يحدث الأن في سوريا والعراق وسيناء وليبيا.. وعند إنهزام التنظيم في مكان ما ينبغي أن يوجد لأفرادة ملاذا أمنا.. ولعل هذا ما يقلق الغرب عموماً ومصر في محافظة سيناء خصوصاً..
لعل ما حدث بعد ما سُميَّ بـ الربيع العربي في منطقة أطلق عليها بالشرق الأوسط كي تذوب إسرائيل بين جيرانها، ووجود حراك شعبي يطالب بمبادئ راقية تريد تغييرا داخلياً فركب موجة الحراك تنظيم الإخوان ومن ثم سرقته من شبابه وتواطؤ خارجي من قوى تريد إعادة تقسيم المنطقة بعد مرور 100 عام على أتفاقية سايكس بيكو والتي أوجدت الدولة الإسرائيلية وإيجاد تقسيم جديد -إيجاد الدولة الكردية-.مبني على تقسيم المقسم وتجزئة المجزء فوجدت هذه الفوضى بدلا من حراك شعبي منظم طموح يحقق أهداف يسعى لإيجادها على واقع جديد .
إشكالية عالمية تواجه الجميع خاصة الغرب أقصد إنتشار داعش في الدول الآخرى؛ من خلال إرهاب إلكتروني.. نتعايش اليوم نوعا جديداً من الإرهاب: وهو إرهاب معولم؛ إرهاب متطور ليس جماعة إرهابية محدودة بافراد معدودة كما حدث في تسعينيات القرن الماضي في مصر بل إرهاب يُنشأ دولة.. لإسمها بُعد تاريخي فهي موجودة في الوعي الجمعي لأمة.. أقصد دولة الخلافة.. إرهاب متميز يعلن عن قيام دولة في موصل العراق فالشام؛ يسعى لإيجاد إمبراطورية فتعلن افراد في سيناء عن ولاية سيناء تبايع خليفة العراق والشام وتتكاثر المبايعة كمسبحة فتأتي ليبيا فأفريقيا.
*. ) تحول نوعي في تفكير الإرهاب يملك أو يسعى لإمتلاك جيش نظامي ومجموعات يقوم يتدريبها تتلقى دعماً ماليا ولوجستياً ومخابراتيا وعسكرياً.. فتظهر على الساحة الدولية:
*. ) الدويلة القزمية.. وكأن التفكير عند مَن يتأمرها وصوت ضميره يقول : لما لا!!؟... فسويسرا.. صغيرة.. أو.. بريطانيا كانت جزيرة صغيرة امتلكت إمبراطورية أطلق عليه التي لا تغيب عنها الشمس إذ أن مستعمراتها كانت من أدنى الشرق حين تبزغ الشمس لأقصى الغرب حين تبزغ هناك من جديد أيضاً. الأمير القطري استطاع شراء ضمير الغرب وروسيا لإسكاتهم بصفقات سلاح لا تحتاجه قطر وبمليارات الدولارات.
*. ) لهجة بلوماسية ضعيفة:
أشار شكري، في كلمته، إلى أن هناك دولًا ترعى الإرهاب سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر وهذا يدعو للقلق، موضحًا أنه لا يوجد تفسير واضح بشأن مقاتلين أجانب تركوا مدينة الرقة السورية ومروا عبر الحدود الدولية وانتهى بهم الأمر إلى سيناء أو ليبيا أو الصومال أو اليمن.
*.) أمر مُؤسِف أن لا يكون للعَرب أي دور فاعِل في مُؤتمر ميونخ الأمني، وإذا كان هُناك دور فهو سَلبي على الإطلاق، أي نقل الخلافات العربيّة، والخليجيّة بالذات إلى مِنبره، وتَحويله، أي المُؤتمر، إلى حائِط مَبكى للشَّكوى من بَعضِنا البعض، وعَقد اللقاءات السريّة، وربّما العَلنيّة مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال الذي يَتحرّك مثل الطَّاووس في القاعةِ والممرّات.
الوَضع العَربي مُخجِل بكُل المقاييس، ومُعظم الأنظمة العَربيّة باتت تتصرّف بتبعيّة مُهينة للولايات المتحدة في المِنطقة والعالم، في وَقت بات حُلفاؤها التقليديون يبتعدون عنها، المُشاركون في مُؤتمر ميونخ الأمني، ومُعظَم المُؤتمرات المُماثلة، من العَرب باتوا بلا قضيّة مُوحّدة تَجمعهم مِثلما كان عليه الحال قبل عشر سنوات مَثلاً، والقاسم المُشترك بينهم، أو مُعظَمهم، هو الكَيد لبَعضهم البعض، وإنفاق عشرات بل مِئات المِليارات في هذا المِضمار.
كان مُؤلِمًا بالنَّسبة إلينا أن يُؤكّد التقرير السنوي لمُؤتمر ميونخ أن الحرب في سورية ستَستمر لسنوات، وربّما لعُقود، وأن احتمالات تَطوّرها إلى حَربٍ عالميّة بين القوّتين العُظميين وارِدة في ظِل الحَرب الباردة المُتفاقِمة، ولا نَستبعد أن يكون بعض المُشاركين العَرب قد فَركوا أياديهم فَرحًا، انْطلاقًا من قُصر نَظرِهم، ونزعاتِهم الثأريّة الشخصيّة التي تتناقض مع كُل الاعتبارات العلميّة والمَنطقيّة والمَسؤوليّات والثّوابت الوطنيّة والأخلاقيّة.".
****
محمد الرمادي

18. فبراير 2018م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يعتبر المؤتمر نقطة التقاء رؤساء أجهزة المخابرات في العالم، من بينهم رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية مايك بومبيو، ومدير المخابرات الوطنية الأمريكي دان توكس، ورئيس المخابرات الخارجية البريطاني أليكس يونغر، ورئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني برونو كاهل، والأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية “الأنتربول” يورغين ستوك.
(**) النسخة الأولى من المؤتمر كانت عام 1963، انطلقت فعالياته تحت اسم “التقاء العلوم العسكرية الدولي”، الذي يعقد منذ الحرب الباردة، إذ كان يوصف في البدايات “بلقاء عائلة عبر الأطلسي” لمشاركة ألمانيا والولايات المتحدة ودول الناتو فقط في فعالياته.
واعتبارا من عام 1994، تغير اسم المؤتمر ليصبح “مؤتمر ميونخ من أجل السياسات الأمنية”، وبدءا من عام 2008 أصبح يدعى بـ “مؤتمر ميونح للأمن”.

«Unter der Walzer lebt man weiter» (*)
ضد النظام !

علىٰ إنفرادٍ -عمداً مني- تحدتثُ مع فضيلة الأستاذ الوالد الدكتور صيدلي/حاتم أبو رأس في قاعة الإحتفالات الكبرى بمقر البعثة الدبلوماسية الرسمية المصرية؛ المعتمدة لدىٰ جمهورية النمسا الإتحادية؛ عضو الإتحاد الأوروبي.. حول وضع وحالة التجمع المصري في فيينا ابتداءً.. فالجمهورية النمساوية؛ ومِن ثَمَّ التواجد المصري في القارة الأوروبية..
وكان مختصر اقتراحي لفضيلته أننا -المصريون- متواجدون على أرض النمسا منذ بداية الخمسينات من القرن الفائت؛ والعلاقات بين الدولتين [مملكة مصر والسودان والإمبراطورية النمساوية والملكية] كانت في قمتها زمن فتح قناة السويس أيام حكم الإمبراطور فرانس يوسف.. واقترحت على فضيلته أن يكتب تاريخ التواجد المصري في النمسا خاصة والغرب عموماً بعد ذلك.. إذ يوجد تاريخ مشرف للطلبة المصريين تحت الإشراف العلمي للبعثة التعليمية المصرية (مبتعث) أو مَن هم خارجها (على نفقته الخاصة).. وتوجد من استطاع أن يضع قدمه في ميدان التجارة أو المطاعم وغيرها كثير.. وتوجد شجرة أسماء إدارة للنادي المصري في فيينا منذ نشأته الأولى.
.. تواجد الشاب المصري بدءَ منذ عام 1954م.. وتقريباً بدءً من عام 1976 (**) كان لا يوجد عائلات مصرية.. فقط شاب: إما دارس وآخر يعمل أو زائر.. والتجمع المصري صار كما نرى اليوم -بداية عام 2018م- ونشهد.. وتمنيت من حضرته -د. أبو رأس- أنه ينبغي مراعاة ومدارسة الوضع الجديد.. ومعالجة المسائل التي جدت.. وإيجاد حلول للمشاكل التي نشأت لوجود عائلات وأسر.. وكأنه -كما فهمت- استحسن الحديث؛ إذ أنه لم يمانع أو يعارض وكان بالقرب منا الأستاذ الفاضل عادل زعزوع؛ وقلت في نفسي :".. كم تمنيت مشاركته معنا في الحوار!".
تم هذا اللقاء في نهاية ديسمبر 2016م بمناسبة مبادرة هدية الـ« سكر » للشعب المصري(***).. وحتى كتابة هذه السطور لم يتم الإتصال أو إكمال بحث الفكرة أو تفعيلها.. أو إهمالها لعدم جدواها..
اللافت للنظر أن هناك العديد من المبادرات أو الأفكار لم تر النور بل قتلت في مهدها..وودأت..
وفي المقابل حفلات الغناء والسمر تلقى قبولا من الجمهور!.
اتهمُ نفسي -لا غيري- أن تلك المبادرات رد فعل لحدث تم أو مشكلة وجدت.. وخوفا من الفضيحة أو المساءلة والمحاسبة يتم بحثها ومعالجتها بغض النظر عن مستوى المعالج.. المستوى الرسمي أو الشعبي الأهلي..
والمبادرات مجرد تمنيات [دردشة] في ليلة قمراء من ليالي الأنس في فيينا على أنغام موسيقى Johann Strauss **** ولا أعلم مصرياً يحسن مراقصة سيدة ارستقراطية على أنغام
« Wiener Walzer an der schönen blauen Donau » (****)..
وإن عاشرها أو تزوجها منذ سنوات الدراسة أو بيع الجرائد تحت أضواء إشارات المرور..
بل أريد أن نرتفع قليلاً في سماء الأحلام.. و
أقول إنها أوهام (دردشات) تضيع بين دخان لفائف التبغ ومص (شفط) قطرات كاسة من الشاي المغلي على طرقعة زهر طاولة من الخشب العتيق.. لتنتهي الليلة بحالة من الأرق عند البعض.. وعند الآخرين نوم هادئ إذ أنه ظن في نفسه أنه آخر جنرالات عسكر علب الليل؛ مقاهي الفجر.. أو غلب على ظنه أنه المستشار الثقافي أو الإعلامي وأنه لدى ملحقية هذا التجمع أو ذاك؛ وما أكثرهم؛ بيد أنه ليس لديه مكتب رسمي؛ أو أنه المسيح المنتظر(!) الذي يرتدي دشداشة خليجية.. حياكة تركية.. ويُظهر من حين إلى آخر ساعة حائط (عند قدوم ضيوف) أو يد (عند جلوسه في مصلاه الأهلي؛ مرتدياً عباءة سعودية ابتاعها زمن الحج أو اشتراها إثناء العمرة الرمضانية أو العمرة الرجبية؛ وأفضل العباءات عباءة عمرة عيد(!!) ميلاد نبي الإسلام(!)).. ساعة يد صناعة صينية أو تايوانية ويحيا من خلال تمويل قطري مدفوع مسبقاً.. أو أحدهم يعيش فـيأخذ تمويل سعودي.. كل نصف سنه.. أو توهم أنه الداعية(!) الذي تربى بين أحضان - يطلق مَن يكرههم عليهم "وهابية"- سلفية الملوك.. وامراء السلفية.. أو مَن ظنَّ في نفسه أنه المُخَلص.. فعتلى كرسي من نشارة الأخشاب البالية سماه "منبر الأمير" نصبه تحت أقبية بدروم بيت عتيق تم تجديده بعد الحرب العالمية الثانية بسواعد مَن جاء كـ عامل ضيف [Gastarbeiter] من يوغسلافيا السابقة أو دولة كانت تسمى بالإمبراطورية العثمانية المنهارة والتي سقطت على يد أحد رجال جيشها مصطفى كمال الملقب بـ أتاتورك..
مصريو اليوم -في الداخل والخارج- يظهرون أمام الرائي على شاشات العرض التلفزيوني المكبرة كــ لوحة غير متجانسة الألوان.. وغير متسقة الملامح للأشخاص الذين يظهرون على سطحها.. فريق يحسن الشتم والقذف وتوجيه الإتهام.. وآخر يحسن اللطم والبكاء والعويل.. وآخر "مطبلاتي" يجاوره "لابس مزيكا".. وآخر واعظ يرشد العباد إلى طريق النجاة ويعدهم بالويل والثبور وعذاب القبور وجهنم ونار وحرور.. ولا حديث عن جنة أو نعيم فالكل عاص مذنب حقير ذليل تابع إما لآيورو أو دولار أو عميل.. وفرد واحد (يا ولداه!!) يحاول أن يصلح ما أفسده الزمان أو عوائد البترودولار..
يعلو على سطح الأحداث وفوق رؤوس الأشهاد توليفة من تربية المدرسة الناصرية؛ التي كُتب على ظهر كراسة العربي والحساب والعلوم جملة:
"أنت سيد في ظل الجمهورية"..
مَن صدقها نجا وحاله معروف.. ومَن كذبها خاب وصار من سكان الكهوف.. والتي -المدرسة الناصرية- هدمها على رأس اصحابها الخائن المقتول (قبل مراجعات السجون) الشهيد (بعدها)..
ثم هدم أركان المعابد صاحب لقب عامي مشهور أطلقه المصري ابن البلد صاحب النكتة وحول رقبته "لاسة" حرير ؛ إذ سماه "البقرة الضحوك"..
ثم يأتي دور تربية مؤسسة وجدت منذ ألف سنة أو تزيد لشيخ معمم بطين.. وكما قال ابن البلد العامي:" ده يأكل مال النبي محمد ويتحلى بمال موسى ومع كوب الشاي يمزمز بمال عيسى".. حفظ في الكُتَاب كل الكِتَاب فلم يفقه منه لا فصل ولا باب.. هزأته السينما المصرية -فضحك معهم- في غالب مخراجاتها الفنية؛ تراقصه وتداعبه عالمة(!).. راقصة من شارع محمد علي.. لا تدري أهو -الشيخ- صوفي.. أم درويش.. وظل الراهب في صومعته ينتظر مَن يأتي ليحضر قداس يوم الأحد ويسمع ثم يغادر في سلام.. وتعلو المكان ترانيم تقول: "على الأرض المحبة.. والنور .. والوئام".. وأما الرابي فقد كرهته أجيال.. وطردت أتباعه بعد أن وقفت الخلافة العثمانية مع مَن قتلهم في الغرب صاحب الزي العسكري و"الهاي".. واحرقهم في افران الغاز... و
خلال الثلاثين العام الآخيرة برز نجم فلاح التراحيل وعامل الزُهرات مِن بعد حالة إنعدام إلى تملكه ناطحات السحاب بأموال البترودولار إذ أنه مكث في منطقة الخليج أعواما وأعوامـ(ـاً.. فَتَخَلْجَنَّ المجتمع المصري أو كاد إلا قليلاً منه.. وفتحت الساحة لأشباه سلفية الملوك وغزت الجماعة النقابات واحتلت مراكز الخدمات الإجتماعية..
تم استيراد نماذج غريبة عن مجتمع وأهله.. انظر الأن للشارع المصري وما تراه فوقه ... بل أذهب معي بعيداً.. أنظر إلى شوارع أمهات عواصم الدول الغربية... مما حدا بأحد رجال السياسة والمتنفذين الغربيين إلى طرح مسودة قانون في البرلمان الأوروبي لتغريم مَن ترتدي النقاب في الشارع العام فتدفع لخزانة الدولة الديموقراطية التي تنادي بحرية العقيدة والمعتقد.. وحرية الرأي ووجهة النظر.. وحرية التملك.. والبيع والشراء.. والحرية الشخصية.. أن تدفع صاحبة النقاب مبلغ 150(€)
واكب مصريو اليوم ذاك الخليط من الشئ وضده والفكر وعكسه.. فعتلى حكم مِصر :"الإستبن".. تضاربت المصالح على رقعة واحدة.. وعلى شعب واحد ضاعت بوصلة الربان.. وغرقت سفينة الوطن في وحل الديون ومستنقع الفساد ومزبلة تجارة العري.. يعلو أرض النيل جهل.. أمية.. بطالة.. أمراض.. وأورام خبيثة في كافة مناحي الحياة.. فـ دخل على الخط مَن ارتدى وشاح الإسلام السياسي؛ وصرحت الأجهزة المعنية على أرض الكنانة بـ إنشاء وتكوين: 102 حزباً سياسياً يمارس الديموقراطية في مناخ مفتوح من خلال قنوات وتحت سماء منصات التواصل الإجتماعي ليس أكثر.. .. فجاء دور غسيل السمعة مع غسيل الأموال..
ومَن جاء -منهم- إلى الغرب حمل معه مفردات التعارض.. ومركبات النقص.. ونماذج مشوهة لتربية فاسدة.. بيد أنهم يريدون التغيير ولا يوجد مناخ صالح للحديث أو ابداء الرأي..
حكومات الغرب استقبلتهم جميعاً.. فعُقد في نهاية الثمانينات من القرن الماضي مؤتمر الخلافة في عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؛ بريطانيا العظمى في أكبر استاد رياضي.. تحت رعاية حزب التحرير المغضوب عليه من حكام العرب.. تلك الخلافة التي عملت دول الغرب على إسقاطها في 1924م... ثم عملت على إحيائها من خلال جماعات الإسلام السياسي.. (والمصطلح غربي بأمتياز) سواء الجماعة السلفية [فـ قبل إنتخابات البرلمان المصري جاء وفد من حزب النور المصري السلفي إلى فيينا ومن ثم الغرب لعمل دعاية لنفسه ليقبل كـ حزب سياسي وتنسيق مع إدارة الإتحاد الأوروبي؛ استضافه مصلى ابن تيمية(بالطبع) ومباشرة استضافه بعده في نفس اليوم والليلة النادي المصري (تناقض يحتاج لفهم واقع جديد)] أو تنظيم الجماعة فحين لم توفق الجماعة وتراجعت سلفية الملوك وأمراء السلفية إلى الجحور .. عملا بقول عراب السلفية في العصر الحديث:" محمد ناصرالدين الألباني حين قال :" مِن السياسة عدم العمل بالسياسة".. وحين فشل الجميع أوجد الغرب تنظيم (د)ولة (ا)لخلافة في الـ(ـعـ)ـراق والـ(ـشـ)ـام.. وقال الأسمر ابن الحسين أوباما الأمريكي القلب والقالب:" أمامنا ست سنوات للقضاء على تنظيم داعش..
تعلمتُ -كاتب هذه السطور- في الغرب أنه يجب أن يكون هناك المشروع والبديل!!.
استضاف الغرب طلاب الجامعات الغربية مَن درس في حزب التحرير.. وهو حزب سياسي مبدؤه الإسلام ضد نظام الحكم القائم في بلاد العرب أو دول يسكنها مسلمون..
كما استضاف الغرب مَن هرب من حكم ناصر العروبة صاحب الكريزما.. ومالك -في زمنه وما زال- الحضور المؤثر في الخطاب الجماهيري والشعبي والذي يجذب العيون بطلعته ويشد الأذان بحديثه.. ثم استضاف الغرب مَن هرب مِن مجاهدي أفغانسان.. ليذهب يكمل مشواره الجهادي في البوسنة والهرسك.. هذا المجاهد برعاية خليجية وتأييد عربي ومظلة غربية.. حدث تحت سمع وبصر أجهزة مخابرات عسكرية وأمنية عربية وغربية.. ثم مازال يستضيف الغرب مَن يهرب مِن الألة العسكرية السورية والتي تساندها الترسانة الروسية.. وقبلهم مَن طُرد مِن فلسطين الإسراء ومَن اُجْليَّ مِن أرض المعراج.. مسقط رأس السيد الجليل المسيح -سواء أكان يطلق عليه : ابن الرب أو الرب نفسه ؛ الذي سكن أحشاء العذراء لفترة من الزمان أو ثالث ثلاثة.. ليكون مخلصَ الإنسان من الخطيئة الكبرى التي ولد بها رغماً عنه مِن زمن آدم.. والحقيقة نحن نحتاج إلى مَن يخلصنا(!!)... أو .. هو عبد ورسول وكلمة من ربه وروحه وأحد أولي العزم من الرسل؛ ابن الصديقة مريم العذراء البتول؛ إذ أننا لسنا في محاضرة مقارنة أو مقاربة الأديان- ثم رافقهم العراقي المطرود.. واليمني التعيس .. فالأفارقة.. والحبل على الغارب..
ذاك الخليط مِن مصريي الغرب -بما يحمل من تناقضات في الإدراك وما يحمل من نفسية غير سوية؛ وعقد طفولية بحكم المنشأ والتربية- هو الذي يتولى إدارة التجمعات المدنية سواء أطلق عليها بيت عبادة (مصلى) او تجمع ثقافي أو قهوة لشرب الشيشة؛ وفي تقديري أنهم يقتربون جميعاً -رغماً عنهم أو بإرادتهم – ويصطفون بجوار بعضهم البعض في نقطة التربية؛ وعقلية التفكير في كيفية معالجة الواقع وطريقة ممارسة الحياة اليومية.. فهم أعداد لا تتعدى الآلاف من مائة مليون و يزدادوا خمسة من شعب مصر .. ففشلت حتى كتابة هذه السطور جميع المبادرات وتحطمت على أرض الواقع جميع المحاولات .. وصرنا نحسن نشر أوساخ غسيل الجيران في حديقتنا الأمامية وزبالتهم؛ ونتهمهم.. ونخفي غسيلنا الوسخ في حديقتنا الخلفية ونخفيه عن عيون الجيران(!!).
ما يزعجني بحق وصدق: الجيل الثاني.. أي ابناء ذاك الجيل الذي أوشك على الإنقراض وقارب الإنتهاء.. وأكثرهم يسكن القبور ...
ولا أدري كيف تعاملهم ملآئكة السؤال وناكر ونكير..
وكيف يتعاملون مع ذالك الثعبان القرع ذي الذبيبتين فكلهم تعاملوا بالربا ..
وصدق فضيلة الشيح عبدالحميد كشك في ادعاءه؛ فهو أول من ذكرنا في العصر الحديث بهذا الآثر.. ولا أدري من أين آتى بهذا الخبر وما صحة هذا الدليل (!!).
فــ
هل يحمل هذا الجيل الثاني الذي مسقط رأسه فيينا العاصمة او قرية على الحدود بين دولتين أعضاء الإتحاد الأوروبي.. هل يحمل نفس عقلية أبية (نترك بحث الجينات الوراثية لحديث قادم) و
يحمل نفسية أُمِهِ.. الحامل به تسعة شهور كاملات بمزاجها وسعادتها بزواجها أو شقاءها.. ويتأثر بـ عقلية المرضعة ويحفظ خواطر الحاضنة ..
أم أنه -افراد الجيل الثاني- يحمل مِن دولة المصدر وأرض المنشأ أخلاق وصفات كما يحمل مِن تعامله مع أهل أرض التجنس وبلد الجنسية الجديدة صفات وأخلاق..
أو هو ليس مِن هنا ولا هو مِن هناك!!!.
بل جيل جديد بعيد عن تلك التناقضات!!!!!؟.

*********************************
فصلٌ قبل الآخير :
مِن روايةٍ لم فصولها تكتبْ بَعد!!.
محمد فخر الدين الرمادي
11. 02. 2018م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
حاشية :"
(*) "Unter der Walzer lebt man weiter"
تعبير أو مصطلح عند الغربيين من الموسيقيين الكبار ؛ أطلقه وقال به المايسترو العالمي :" André Rieu ".. حين قدم مع فرقته نوتة موسيقية أحضرها له السير البريطاني:"أنتوني هُبْكَنز".. ترجمته -حسب فهمي-
:" عند التراقص على أنغام الفالس يستطيع الإنسان أن يعيش ويستمر في الحياة ".
(**) لا يوجد مصل واحد لأداء صلاة الجمع أو الأعياد وإن تناثر افراد هنا أو هناك. و
اعتمادا على رواية الحاج الأستاذ / حمدي بدوي افتتح النادي المصري :" في آخر الـ 1973 ".[ نقلا عن مقال نشرته الجزيرة القطرية؛ يغلب على ظني أنه نشر في أغسطس 2008م. شارك في هذه الحلقة كل مِن: أحمد الشرقاوي؛ وعصام حبيب؛ وحمدي بدوي؛ ومصطفى التلبي؛ والشيف/ عبده الطباخ].
وفقاً لرواية "بدوي" يكون أمر وجود تجمع مصري بغض النظر عن نشاطه أو أهدافه أو ميوله أو انتماءه أو الشخص القائم على إدارته؛ أو جهة تمويله وحتى عام 1973 (صفر مقر) أي لا يوجد سقف يجتمعون تحته...
وبدء منذ عام 1974 وجد أول تجمع مصري تحت غطاء تمويل مالي من البعثة التعليمية المصرية (وزارة التعليم العالي) وليس كما أدعى التلبي في تلك الحلقة.
ولي-كاتب هذه السطور- أن اقول مع الضائقة المالية والوضع الإقتصادي السئ الذي تعيشة دولة مصر بشعبها لم يحن الوقت لإعادة النظر في مصروفات الدولة المصرية في الخارج..
وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي أوجد تنظيم الإخوان (فرع مصر) مقراً له بأموال خليجية/مصرية بالحي السابع الفينَّاوي تحت مسمى :"إتحاد الطلبة المسلمين".. و
لأسباب (!!) انتقل إلى الحي الثاني تحت مسمى مسجد(!) الهداية ولكنه برعاية سورية/مصرية؛ ثم
أنتقل مصلى الحي السابع إلى يد مجهولة الهوية أطلق عليه "بائع الجبن والزيتون" وادعى أنه من تنظيم جهادي فار من الحكومة المصرية؛ واطلق عليه مسمى مسجد(!) الصحابة.. وإدارة هذا المكان سهلت وصول مَن هرب من المجاهدين في أفغانستان لدخولهم زغرب.. ويغلب على الظن أن تم هذا تحت سمع وبصر أجهزة المخابرات المصرية والغربية.. إذ لايوجد تحت يدي ما يثبت تورطهم...
والمعروف إعلامياً أن ابن بائع الجبن والزيتون هو مَن أحرق جواز السفر النمساوي بالقرب من أرض تركيا إثناء دخولة مع افراد من داعش الأراضي السورية مجاهداً .. ثم قُتل..
وكان متزوجاً من أبنة من أدار مسجد الهداية لفترة زمنية (!)
اختلف أحدهم مع بائع الجبن والزيتون ففتح مسجد (ابن تيمية) بالحي الخامس عشر؛ تم دعمه من خلال رابطة العالم الإسلامي والتي مقرها مكة المكرمة.
ثم توالت المصليات الأهلية؛ فمنها مَن يتبع الصوفية.. و
منها مَن يتبع السلفية ..
ومنها مَن يتبع الدولة المصرية.. و
منها مَن يتولى إدارته والخطبة مَن تربى أو له مصالح مع تنظم الإخوان.
حزب التحرير كان له مكان في الحي التاسع بآحدى بيوت الطلبة.. وتنقص المعلومات الصحيحة حول فاعلياته.
(**) المبادرة كانت تحت رعاية رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية المعتمدة لدى حكومة الدولة النمساوية.. ووقتها اقترح ممثل الخارجية المصرية؛ أن يطلق عليها :"هدية".. بدلا من كلمة سيئة السمعة "تبرع" ..
ولم تُفعل أي مبادرة -حسب علمي- منذ ديسمبر 2016م إلا مبادرة:" شتاء دافئ .. بطاطين شتاء 2017 /18م".. وأطلقها إمام وخطيب الإتحاد العام للمصريين.
الجدير بالملاحظة:
لم يتعاون أحد-كمبادرة السكر- أو يتفاعل مع مبادرة البطاطين من الشخصيات العامة أو تجمعات المصريين الآخرى.!؟... أو مسؤول رسمي.!!
(***) تَحَرجَّ آحدهم فابتلت -خجلاً- سترته عرقاً لأنه في حفل زفاف أخت زوجته لم يحسن أن يجامل لأنه لم يتعلم فن الرقص الغربي :"تانجو" أو شاتشات شاه " عند إفتتاح العُرس... فقرر الذهاب لمدرسة (..).

النظام !!

*.) لا يذكر التاريخ أن الشارع العربي بمجمله اصطف خلف قائد واحد إلا زمن الأزمات ووقت وجود عدو خارجي؛ وهذه حالة بشرية عادية منبعها آحدى الغرائز الحيوانية الحياتية؛ وهي غريزة حب البقاء.. وفي الحالة العربية استثنائية.. ففي العصر الحديث شارك العرب التحالف الغربي ضد عراق صدام حين استولى على إمارة الكويت؛ وقبلها بقليل شارك العرب صدام العراق ضد نظام آية الله الخوميني..
*.) فشل المشروع الناصري في منتصف القرن الفائت بناءً على اعتبار «أمة واحدة ذات رسالة خالدة ذات تاريخ واحد ولغة واحدة»؛ مع تجاهل اللهجات المحلية؛ أقول فشل المشروع في أول احتكاك مع رموز النظام السوري..
*.) ما يحدث الأن -بداية العام ٢٠١٨- على أرض العرب بدءً بما حدث ويحدث على أرض الرافدين العراق شمالا فـ هبوطاً إلى سوريا في القارة الأسيوية ثم نُغَرِب إلى القارة الأفريقية فنبدءُ بـما يجري على أرض ليبيا فحالة عدم الرضا في مصر وحالة عدم الإستقرار في تونس والوقوف على صفيح ساخن في الجزائر والمغرب والصحراء الغربية.. ثم نعود للقارة الأسيوية فننزل إلى اليمن؛ الذي كان سعيداً.. ثم ما يجري من قلائل في منطقة الخليج؛ برغبة إسرائيلية وبرعاية أمريكية بأيدي إيرانية.. وما نراه يحدث في ما يشبه دولة كـ لبنان أو السودان أو قطر.. والمناوشات العسكرية من مليشيات تنتمي لجماعة "إسلامية" فقدت توازنها في الشارع المصري؛ أو التونسي لدليل آخر على غياب ما أطلق عليه أمة عربية؛ فمن الأفضل تسميتها شعوبا عربية أو قبائل وعشائر أو بطون؛ كما لا ينبغي نسيان وجود عنصر غير عربي الأصول والجذور بين العرب كـ الأكراد والتركمان..
*.) حالة التدين لعبت دوراً جوهرياً في السابق؛ وليس وجود الدين بما يحمل من أفكار ومفاهيم وقيم ومبادئ وقناعات؛ وغياب وجود رجل قوي يملك كريزما؛ ولديه رؤية حالية ومستقبلية؛ ويحمل وعياً؛ ولديه إستراتيجية قابلة للتطبيق.. يستفيد من تجارب الماضي لحاضره؛ ويقرأ التراث بروح معاصرة وعقلية عصرية متفتحة.. وهما -حالة التدين؛ وغياب هذا الرجل بين وسط سياسي جيد أو وسط فكري صالح- أخرا معا إخراج أمة العرب من مستنقع الجهل والتخلف والمرض والبطالة؛ والإستعانة بالأجنبي على العربي وإن حدث الكثير لـ علاج المشكلة الإقتصادية دون فائدة ترتجى..
*.) ما نراه اليوم -ومنذ سنوات- صعود الفرق التي ترتدي وشاحاً دينياً؛ كـ الشيعة منذ ثورة آية الله الخوميني؛ ونظام حكم الملالي.. رافقها وفي نفس الوقت ما يناقض الشيعة فكراً ومنهجاً -ولو بقليل من الزمن- صعود نبرة السلفية؛ خاصةً الجهادية دون الدعوية في بلاد الغرب أو العلمية في بلاد العرب.. واللافت أن الشيعة منقسمة فيما بينها إلى طوائف وجماعات، والسلفية تنقسم بدورها إلى طوائف وجماعات.. ويضيع في الوسط مَن ينتمي أو مناصر/محب لفريق أو فرقة مع أن غالبيتهم لا يدركون الأساس الفكري القائم عليه تلك الفرقة أو العناصر الجوهرية لتلك الجماعة.. كل ما لدى هذا التابع شعور وجداني مبهم غامض تجاه جماعته وحالة نفسية تعاطفية صوب فرقته..
*.) إخفاق المشروع الإصلاحي (الديني) إخفاقا مروعاً.. والذي بدء مباشرة بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية عام 1924م؛ سواء من جماعة تجمع المتناقضات في بنيتها التكتلية وبنيانها الجمعي كـ جماعة الإخوان؛ أو مَن خرج مِن تحت عباءتها؛ في المقابل وعكسها جاء حزب التحرير لتصحيح المسار؛ ولديه رؤية فكرية نظرية لشكل الدولة ودستورها؛ ويملك قدرة على التحليل السياسي؛ ويعرض أفكاره فلم تتقبلها أمة خطابه فظلت النظرية حبيسة بين شباب الحزب.. ثم علا صوت شيوخ ينتمون إلى تيار سلفي -وهم ليسوا منه- تربوا بجوار كرسي الملك واحتضنهم أمير يرغب في إقامة امبراطورية في إمارته.. فانكشف الجميع أمام مطالب الأمة وظهر عوارهم وعدم قدرتهم على تحقيق مبادئ ثورة الجياع أو مَن يريدون الحرية ومَن يحلمون بالعدالة الإجتماعية.. المخجل سكوت صوت شباب الثورة(؟) والأكثر خجلا اختباء هؤلاء الشيوخ في الزوايا وخلف التكايا للقيام بدور الواعظ الكهنوتي والحديث عن قدرة الشيطان؛ وهو لعنه الله تعالى ليس أكثر من وساوس خناس؛ وإخافة التابع من النار دون ذكر لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.. فصار الجميع-لاخفاقات متتالية- من أهل الجحيم.. والجيش الجرار من خريجي الثانوية الأزهرية انضموا غير مأسوف عليهم إلى جوقة السلطان أو مَن يدفع أكثر..
*.) المسلمون وإشكاليتهم يجاورهم العرب أنه لا يوجد لديهم هدفا مرصودا أو طريقا مقصودا.. منذ ما يزيد عن مائة عام لم يستطع المسلمون -يجاورهم العرب- على حل مسألة واحدة تخصهم وحدهم دون الإعتماد على الغير. أو تقديم علم نافع أو إختراع..
*.) ظهر للوجود -ودائماً يأتي الزمن بجديد؛ إما بفعل محرك خارجي للأحداث الراكدة في المنطقة؛ يريد أن يحقق منافعه ويعمل على أن يجلب لنفسه مصالحه.. وإما نتيجة فكر أصلي نابع من المنطقة- برغبات وتمنيات دون أن يصل الأمر إلى إرادة تحقق ما سطر بين دفتي الذكر الحكيم وملتزم بسنة السيد الجليل صاحب الهدي محمد بن عبدالله -عليه السلام- فظهر ما أطلق عليه في الغرب تيار الإسلام السياسي.. ابتلعته.. أو راق لبعض التحركات صاحبة العباءة الدينية والفارغة من مضمون ديني والعارية من استراتيجية عقائدية؛ لكنها تعتمد على اسلوب التجمع وطريقتها تقديم خدمات إجتماعية للأفراد.. كمؤسسة رعوية.. أو وعظ وإرشاد؛ وملؤ فراغ روحي عند العامة.. تلك التحركات وجدت فرصتها تحت هذه المسمى؛ لعله أنه جديد فيلتف حوله الأتباع أو يُغير من النظرة القديمة السائدة عند العامة بوصف هؤلاء إنهم «بتوع الله» أو لما أطلق عليه المذاهب أو الطرق الصوفية؛ وأخشى أن اقول أن المصطلح الجديد صناعة غربية وما يأتي من الغرب فهو صالح.. بناءً على مقولة مغلوطة تحتاج لمراجعة تقول:« الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها»؛ وهذه يعني أخذ ما يناسب الفترة الراهنة بغض النظر عن منشأ المبدأ؛ أو الأعمدة الأساسية الذي بُني عليها؛ لذا سَمع البعض بمصطلح:« شوراقراطية».. وهذا حقيقةً مركب من شورى الإسلام؛ وهو مبدأ سماوي؛ وديموقراطية ليبرلية غربية إنتاج بشري مهجن من الحضارة الإغريقية فالرومانية فأوروبا الحديثة؛ ديموقراطية هجرت الدين والأخلاق وتغافلت عن إنسانية الآخر؛ وجعلت المعابد لمن يرتادها وقت الصلاة وتبنت مقولة:« أعط ما لقيصر لقيصر.. وما لله لله».اي فصل الدين عن الحياة أو بتعبير أدق فصل الدين عن السياسة؛ وقد نادى بها الخائن قبل المراجعات فقتلوه؛ والشهيد بعدها.. رجل الحرب والسلام.. فصار ما يطلبه الناخب ويريده مبدأ عند الساسة..
*.) الشارع السياسي العربي ليس لها اتجاه.. ويصب فيه العديد من الحارات؛ ويغذيه زقاق يتلوه زقاق.. ولا يوجد فيه رجال دولة عندهم قدر من الوعي يحملون على عواتقهم مصير أمة كمسؤولية.. كما لا يوجد وسط سياسي صالح وصحي تعيش في أجواءه نخبة الأمة؛ وغاب رجال الفكر وأصحاب القلم ومَن يملكون رأيا يستحق القراءة والمراجعة.. ثم التنفيذ.. ولا يوجد رجال يحللون الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية والعلمية.. فيوجدون حلولاً ويبدعون طرقاً في المعاملة فتنهض أمة وتتبوأ مقعدها بين سائر الأمم.. يوجد-فقط- موظف عام يقوم بدور مقابل أجر..
*.) الشارع العربي ليس فقط سياسة أو فن.. وليس فقط تعليم ودين.. الشارع العربي خليط غير متجانس من العديد من كتل من المتناقضات ومجموعة من المتعارضات وحزمة من المبهمات.
*.) من حيث الفن أو الثقافة العامة؛ أو ما يروج له.. وأحدد مثالاً واحداً: السينما..
*.) السينما المصرية ومنذ نشأتها وافقت الجمهور في غرائزه وغازلت مشاعره ولم تحقق طموحه إلا في حالات نادرة؛ فتجد على الشاشة الفضية: الخمارة في الحارة؛ أو البار الغربي في قصر الثري المصري العربي.. فالخمر هي المشترك في كافة الأفلام سواء الجيدة أو الهابطة؛ واللافت للنظر وجود ما سمي مقص "الرقيب"؛ الخمر أو الخمارة أو الملهي الليلي يحتاج إلى راقصة..-باللهجة المصرية العامية: «عَالْمَه»-.. بقية مستلزمات «المَزْه».. بيد أن الحبكة الدرامية لأي فيلم لا تستلزم وجودهما -الخمر أو الراقصة؛ أو هما معاً- بالمرة؛ فالراقصة دخيلة على مفردات الفيلم.
وبتعبير آكثر صراحة.. تجد في المناطق الشعبية والقرى «الشَغِيلة» يحتاجون لترفية بعد عناء يوم عمل شاق؛ ومن لوازم الترفية «البوظه» و«الغازية»؛ فـ«ست الدار» مثقلة بأعباء الحمل والولادة والرضاعة والطبخ والعجن؛ ولعل هذا ما ترسخ في الأذهان عن دور المرأة.. وحُصر فيه.. والمخجل حقاً أنهما-«البوظه» و«الغازية»- متلازمتان في الإحتفال بـ موالد أولياء الله الصالحين(!!!) حسب التعريف الصوفي؛ واللافت أنها -الموالد- تأتي غالباً بعد موسم الحصاد.. كما لا تجد حفلة عرس خالية من العَالمة (الأن ومنذ اطلاق ما سمي بـ صحوة إسلامية وإرتداد إسلامي شكلي لبعض التعاليم وجزء من الشعائر.. تجد افراح المحجبات أو المنقبات غابت عنها الراقصة؛ وإن كانت محتشمة؛ أما الصبايا فيما بينهن فيفعلون ما يروق لهن بين أسوار غرفة مغلقة.. وزاد على السابق افلام "المقاولين" بإدخال «البلطجي».. فصارت ثلاثية تقدم للشباب العاطل عن العمل: خمر.. وامرأة تتلوى في حركات إثارة.. وبلطجي..
*.) إفساد الذوق العام في مجتمع ما يعود لإظهار الفاحشة والمجاهرة بها ورؤيتها داخل أروقة وحارات خلفية وغرف الطبقات المتوسطة والفقيرة والمعدومة؛ الكاتبُ لا ينكر وجود مفاسد في كل مجتمع: سواء عربي أو غربي.. لكن إظهار الإفساد والمجاهرة بالفساد ومخاطبة الغريزة فقط وإثارتها بشتى الطرق ورؤيتها بسهولة ويسر وبوسائل عدة كـ السينما والإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي المختلفة.. وغياب دولة القانون.. جعلنا نسمع ونرى طفلة في عمر الزهور تُغتصب فتقتل وردة براءتها لإخفاء أثار الجريمة..
*.) في المقابل غاب تماماً دور مؤسسات.. منها الدينية [بغض الطرف عن اسم الدين] وقام فريق الوعاظ في المعابد بترانيم بعيدة عن الواقع المعاش؛ وقدم مرشدو بيوت الإله عرضا مملا باهتا سُمِع من قبل عدة مرات عن أخلاق السابقين ومحاسن الصالحين.. الخطاب التقليدي لا يؤثر في وجدان سامع او يستجيب له عقل مدرك؛ ففشل الوعظ والإرشاد منذ سنوات طوال بدليل المطالبة الملحة بتجديد الخطاب الديني.. يجاور المؤسسة الدينية مؤسسة القضاء وبطء الإجراءات الرادعة.. والمؤسسة التعليمية والتربوية والثقافية..
*.) البشر في تعاملهم مع بعضهم البعض سواء على المستوى الفردي أو الجمعي يحتاجون إلى نظام ما.. فإما أن يصنعه آحدهم.. فيقدم في مجلس اللوردات أو الشعب أو مجلس الأمة فيتم قبوله فتمريره كقانون أو رفضه.. وإما ينزله عليهم واجدهم ومبدعهم وخالقهم.. وفي كلتا الحالتين يحتاج تطبيق النظام لقدر عال من فهم نصوصه ووعي كامل بالواقع وإدراك كامل لمجريات الأمور والمستحدث منها..
*.) إشكالية البشر منذ بداية تعامل بعضهم مع البعض لحظة التطبيق عدم مراعاة الضعف البشري أو العاجز الإنساني.. بتعبير آخر القصور الظاهر في الإحاطة بكافة جوانب الإشكال المبحوث؛ فيأتي الحكم بالتالي قاصرا..
*.) والظاهر أنه هناك احتياج دائم لنوع معين من الحكام لرعاية شؤون الناس وفق قانون تم الإتفاق عليه؛ ونوع من رجال العلم الديني والمدني يملكون رؤية صحيحة؛ ونوع من رجال القضاء والتعليم ليسير المجتمع وفق رؤية واضحة؛ واحتياج دائم لنوع معين من الناس.. يملكون قدراً عالياً من الوعي والفهم..
*.) الإشكال التالي: هناك المجتمع المغلق.. يقاربه المجتمع الملكي/الأميري أو الإمبراطوري وأوضح مثال لذلك مِن التاريخ ما اثبته الذكر الحكيم -القرآن الكريم- حين نطق على لسان فرعون مصر فـ قَالَ:".. مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ ".. هذا أولاً ؛ وأما ثانياً :"وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" ﴿غافر: ٢٩﴾.. ثم يكمل إقناعهم بالقول :" وَقَالَ فِرْعَوْنُ:" يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ".
وهذا النوع يحتاج لمَن يعاونه مثل :" السَّحَرَةُ [حين] قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ" ﴿الشعراء: ٤١﴾. وهذا جمعٌ من الصف الثاني يقفون خلفه فيسندون الحاكم الفرد المطلق؛ غالبا ما يتحركون وفق الموجه العالية العاتية؛ يقابلهم أمثال :" هَامَانُ " ﴿القصص: ٣٨﴾.
وهناك احتياج لنوع آخر من الحكام يجب أن يضاف إليه نوع من رجال الحكم يجاورهم وسط سياسي وخليط من التجمعات [الأحزاب] الفاعلة في الشارع السياسي والثقافي والإجتماعي.. ونوع معين من الشعوب الواعية وأمم غير النوع الأول.. يعلو في سماءها وسائل إعلامية تبيح تداول المعلومات وتسمح وصول الأخبار.. ورجال فكر وقلم ورأي وقضاة وعلم..
وليس مِن المهم تسمية هذا الآخير بالنظام الديموقراطي سواء الوزاري أو الرئاسي أو تسميته بالخلافة أو الدولة الإسلامية..
وهنا يطل علينا سؤال ملح:
لماذا خسر ما يسمى بـ تيار الإسلام السياسي من الجولة الأولى مقعده؛ ولم يقدر على البقاء في الحكم؛ ففي الحالة المصرية لم تتمكن جماعة الإخوان من إبقاء كوادرها العاملة في الحقل الإجتماعي والمضمار النقابي سنوات طوال أن تبقي هيمنتها على الحكم في دولة المنشأ -مصر- من البقاء سنة؛ ثم يأتي الحديث عن فكر النهضة والمتمثل في عقل الغنوشي على الطرف الشمالي الآخر -تونس الخضراء- من القارة الأفريقية؛ ثم العودة إلى فلسطين المنهوبة والمزايد عليها وفترة ما تسمى حكم قطاع غزة تحت إِمْرة الطفلة الصغيرة للجماعة.. وغياب تام للحراك أو الفكر السلفي -سواء الذي تربى تحت رعاية ملكية أو أميرية [منطقة الخليج] أو جمهورية [مصر]- الفكر المتعلق بنظام الحكم وأحكام رعاية وسياسة الرعية.. أم اصلا لا يوجد للسلفية الملكية فكرا والإكتفاء بإجترار(*) كُتب التراث مع عدم القدرة العقلية والإدراكية أو الفكرية على إنزالها على الواقع الحالي المعاش.. وغياب إدراك بزمن ابن تيمية-مثلاً- والفارق بينه وبين زمن ابن باز-مثلاً-..
هذا على وجه العموم!؟.
ونتساءل:
هل الإنسان في مجمله ما هو إلا غرائز وحاجاته العضوية؛ تحتاج إلى إشباع؛ مع وجود عقل وإدراك -قد يغيب في مراحل ما - ونفسية وميول ورغبات.. ونترك مسألة الروح لخالقها أو مبدعها أو واجدها من عدم!!؟.
هل النسيج الإجتماعي قد تغير من عصر إلى عصر!!؟.
هل تغير الوسائل المتاحة؛ وتعدد الأساليب المستخدمة في الحياة العامة والخاصة منذ زمن حياة مَن يسكن الكهوف والبوادي والصحراء القافلة فتغير من نفسية وعقلية ساكنها.. كما أن الوسائل والأساليب تغير من نفسية وعقلية مَن يسكن المدينة إذ له مدنية متقدمة وحضارة راقية وتقدم علمي هائل!!؟.
ولعل الإجابة التي هي اقرب إلى فهم ما حدث في السابق وإدراك ما يجري الأن:
أن الإختلاف في السابق والحاضر يعود فقط للوسائل المتاحة وفي الأساليب المستخدمة والقدرات في إستخدام كل منهما؛ لكن الإنسان بتركيبته الأصلية ظل كما هو لم يتغير فيه شئ يلحظ.
فحاجاته العضوية كي يبقى على قيد الحياة كما هي طريقة: فيستنشق هواءً ليعيش.. ويأكل طعامه ويحصل عليه ويبتلعه ويهضمه كما كان وسيكون؛ ثم يحتاج إلى إخراج الفضلات بنفس الطريقة الأولى؛ ويأخذ قدراً من الراحة أو النوم أو النعاس ليعاود نشاطه.. فلم تزداد حاجة عضوية جديدة إثناء وجوده منذ آلاف أو ملايين السنين على الأرض.. ولم تنقص آخرى..
وغرائزه كما هي منذ بداية الوجود على الأرض ومنذ عهد آدم الإنسان.. المخلوق الأول.. فلم تزداد غريزة أو تنقص آخرى
الذي جدَّ منذ العصر الحجري أو زمن ما قبل التاريخ إلى العصر الحالي: الوسائل.. والأساليب.. وبقي الإنسان إنساناً كما بدءَ.!!
فمِن راكب قدميه يسير أياما وشهوراً ليصل إلى مبتغاه.. إلى راكب صاروخ عابر للقارات خلال زمن يسير.. بقي الإنسان كما هو..
الذي يتدخل في التغيير :
- أفكار التربية
- وطريقة تلقيها
- مناهج التعليم
- وكيفية تحصيله
- الثقافة العامة والخاصة
- مجموعة الأفكار السائدة داخل المجتمع..
- المفاهيم العامة
- القيم المفعلة
- المبادئ المطبقة على الفرد وداخل المجتمع ومَن يتولى التغيير والتطبيق.
تبقى مسألة :" الانفصام في الوعي الإصلاحي الإسلامي ".
وهذا له حديث قادم..
**
محمد الرمادي
27 ربيع آخر 1439 ~14 يناير 2018م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الحيوان المجتر Ruminant„” اسم يطلق على حيوانات تبتلع الطعام ثم تستعيده من غرف المعدة لتعيد مضغه.

أمنية عام [﴿ ٢٠١٨ ﴾]

حُسْنُكِ أضاع الحديث مِن فمي
حسنك بحر الكلمات دون قطرة منه أصير أبكم
حُسنك ينسج حروفا أكتبها على معصمي
فتخطلتُ بـ عروقي ونخاعي وعقلي ودمي
فاصبحُ كلمةً تخرج من ثغرك
لا شاطئ لها وأغرق في حروف اليم
سيدتي ..
أصرتُ حرفاً من حروف ابجديتك!!؟
وصرتُ كما تنطقين أتكلم!!؟
وصرتُ أينما تنظرين أتوجه !!؟
فـ عينك قبلتي ..
ونحو جبينك اسعى واتيمم!!؟
أتعجنين العربية بالأعجمية
وتخرجين قاموسا.. تثبتِ فيه كلمة بجرة قلم
وحَبَّلتِ لغةَ الضاد لغاتِ الفرنجة
فأنجبتِ لغة العشق والهوى ومفردات غرامي
وبـ سيفِ الحياء غزوت مخدعي
وبـ خجلٍ تعسكرتِ في غرفة نومي
ونهبت ثروة افكاري
وأوقفت نمو أوهامي
وتجرأتِ على اقتحام أحلامي
فقلتُ:" أي خليجيةٍ أنتِ تعبثُ هكذا في أوراقي
وتكسر اقلامي
فإذ بك.. طالبت عوضا عن ما أتلفتِ
أن تحصلِ ذهبا من خزانتي
مقابل السماح أن أعبر بـ كلامي
عما ألمَ بي من أوجاعٍ وأسقام
سيدتي الحسناء!!!
تتعطل كل اللغات عن التعبير إذا اشرتِ بـ أبهام
وتتوقف كل الألسنة إذا بدأتِ تحركين
المعصم
صرتُ معكِ بـ لغة الإشارة
المتعلم والمعلم
واحتار إذ انتظر منكِ حرفا يريح
فـ لا تبوحين بـ سر ولا بـ همس يفهم
حُسنك يجدد ضوء الشمس
فـ تقولين فجراً مع قطرات الندى.. :
"أبشر.. ستتنعم"
لطفاً ...
غابت شمسٌ وأختفت شموس..
وأنتظر ..
ورمشك يوشي بـ قرب الفرج والإنعام
فـ حُسنك يهدي السبيل بـ لا شعاع قمر
وحُسنك أنوار كواكب وضياء نجم
سيدتي الحسناء!!
انصرمتْ سنةٌ وكثرت تمنياتي
ألا يصح لي تحقق أمنية في عام!!؟
وبزغ فجر جديد [﴿ ٢٠١٨ ﴾] وما زلت أنتظر
وإشكالي معكِ أن الدهر -عندكِ-
ثانية أو لحيظة من يوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
تمنيات سنة ﴿ ٢٠١٨ ﴾ لراعيتي العربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقيع:
محمد فجر(*) الدين الرمادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
لـ أجلك غيرت اسمي من فـــــــ ( ـــخـــ ) ـــر إلى فـــ ( ــجـــ ) ــر
الرد : (هذا لا يعجبنى لا يوجد للإسلام إنسان هو الفخر أو الفجر)
لعله يرضيك!!! فتحققين لي أمنية واحدة!!!
بداية العام :
02. 01. 2018م ~ 15 ربيع الآخر 1439 هـ


شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا