السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 2024

.. أَنَا.. عَمُّكَ(*)..

رحلَ رجلٌ مِن جيل عمالقةمِصر الفتية.. هبة النيل العلية ومصبه الأبية.. صانعة الحضارة الباقية علىٰ مر الدهر وڪر الأعوام وفناء العمر.. ومنشأة المدنية الباقية وولَّادة عظماء رجال الأمة ومڪثرة طراز خاص من نساء أفضل من ربيّن الأبناء.. ڪتبوا التاريخ فسجلوه بافڪارهم وحفروه في ذاڪرة الأمم بأعمالهم الظاهرة وحفظته الشعوب بترديد الأباء والأجداد علىٰ مسامع البنين والأحفاد..
رجلٌ أقربُ ما يڪون من جيل شوقي والعقاد وحسين وهيكل.. رجلٌ من أصحاب القامة المستوية العالية يحمل علىٰ عنقه الياقة النظيفة البيضاء الناصعة.. يقف بـ صدر عريض واسع صبراً وهو منڪب القوم الذي يتحمل مسئولية بل مسؤوليات..
وُلدَ في العهد الملڪي. وبدءَ صباه في الفترة الناصرية وشاباً في دولة رجل العلم والإيمان وبدء مشوار حياته العملية في عاصمة الألب المطلة علىٰ الدانوب الأزرق.. حافظ علىٰ الثوابت والتي أحضرها معه من مصدر موثوق به وتمسك بالعادات السليمة دون شطط والتقاليد الصحيحة دون انحراف أو لغط.. نظرَ إلىٰ الدنيا الفانية بـ عين المار فيها دون أن يستظل تحت فئ شجرة فاعتبرها دار ممر لسويعات من العمر وليست دار مقر يڪثر من الجمع ويعلي في البنيان ويبني من الدور..
تجملَ-رحمه الله تعالىٰ- بأدب عالٍ.. راقٍ في الحديث واللقاء.. يقابل الغريب بوجه سمح بشوش فما بالك بـ الأقرباء والأصدقاء.. وتحصل علىٰ علم نافع.. وأذڪرُ أنه -رحمه الله تعالىٰ- حين جاوز الخمسين من عمره بـ ثلاث سنوات درس في الأڪاديمية الإسلامية الأزهرية.. فرع فيينا/النمسا : بقسميها الأول منهما : العقائدي الفقي اللُغوي البلاغي النحوي وثانيهما: طرق التدريس الغربية الحديثة.. باللُغتين : لُغة القرآن الڪريم : العربية ولُغة جوته: الألمانية لإعداد وتخريج مدرسي مادة الدين الإسلامي في الاتحاد الأوربي.. ومِن قبلها أعدت الهيئة الإسلامية فئة من مدرسيها من خلال دروس مڪثفة ومحاضرات معمقة بأڪاديمية التربية النمساوية.. وهذه فقط باللُغة الألمانية.. ومع هذا تجده بسيطاً لم يتڪلف في مظهره ولم يتأنق في هندامه بل تڪفيه بلاغته القوية إذا نطق وحسن حديثه إذا تڪلم.. حَسَنُ السَّمْتِ لمن يراه.. جميلُ المنظر مع محدثه ورقيق الهيئة مع متڪلمه.. لم يرد أن يلعب دور القائد وإن ملك عناصره وتملك مفرداته بل أحسن دور الجندي الشجاع الباسل..
فــ من مواقفه -وما أڪثرها- التي تحسب له عندي : أنه صمم علىٰ أن أُغسل معه الدڪتور / عبدالرحيم زاي دون سوانا؛ والـ : „ زاي “ » عملاقٌ من عمالقة التجمع الإسلامي بالنمسا ودول الإتحاد الأوروبي والذي أنشأ مع رفاقه الهيئة الإسلامية الرسمية المعتمدة من قِبل الحڪومة النمساوية في سبعينات القرن الماضي.. هذه واحدة.. ڪما وهو الذي أراد أن يضع بصمته علىٰ مبنىٰ الهيئة الإسلامية فأعد -وأنا بجواره- الحائط الذي سوف يصبح موضعَ الوضوء للقادمين للهيئة في بداية إنشائها بالدور الأول من مبناها العريق القاطن في الحي الخامس الفييناوي.. فهو يحسن دور الجندي الشجاع الباسل.. رجلٌ علمني الصلابة في المواقف الصحيحة ودربني علىٰ الرجولة الحقة.. رجلٌ يعلمك أن الحياة ڪفاح فلا وقت للعب أو اللهو أو بـ لغو الحديث أو إضاعة الوقت بما لا ينفع.. واظن أنه ڪان يميل إلىٰ الإتجاه المعتدل من جماعة الإخوان.. واظن أنه لم تعجبه افڪار وطروحات حزب التحرير ولعله ڪان متأثراً برأي سائد عند بعض افراد الجماعة عن الحزب.. وهما - الإخوان والتحريرون (كما يطلق عليهما) - ڪانا مسيطران علىٰ الساحة الإسلامية بدءً بـ مصلىٰ معهد الأفرو آسيوي في الدور الثاني من مبناه وتبادل خطبة الجمعة بينهما والنشاط العام (نهاية السبعينات من القرن الماضي).. واظنه ڪان يميل إلىٰ التيار الصوفي.. فأذڪرُ أنه ذات يومٍ ذهبتُ معه إلىٰ بيته العامر وقت طفولة أبنائه الأعزاء فعزمني علىٰ غذاء مڪون من فرخة مسلوقة بجوار اصابع من الموز الطازج.. فلم يڪن لديه وقتا للمحمر أو المشمر(!).. وقالها بصوت دافئ: « „ڪلوا يا ولاد مع عمڪم الرمادي.. افتحوا نفسه.. يظهر أنه مڪسوف يأڪل” »..
ڪان -رحمه الله تعالىٰ- صارماً في تربيته.. إذ أنه يريد أن ينشأ جيلا يتحمل مسئولية التواجد في الغرب.. جاداً في تدريسه يريد إنشاءَ جيلٍ من الرجال والنساء يتحملون عِبء التواجد علىٰ أرض غالب ساڪنيها من أهل دين آخر.. ڪان يريد إنشاء -مثله- جيل من العمالقة.. ڪان معتزاً بهويته المِصرية ومفتخراً بإنتمائه الإسلامي.. ومن مواقفه معي أنه عاتبني عتابًا شديداً مُراً حين علم من دڪتور / زاي -رحمهما الله تعالىٰ- حصولي علىٰ الجنسية الغربية.. ثم بعد حين -لا أعلم الأسباب- قرر حصوله علىٰ تلك الجنسية..
تعلمتُ منه أن أڪون رجلاً مع فارق صبغة الشاب الأسيوطي وصبغة الشاب البحراوي „الْإِسْكَنْدَرَانِيَّ“ مع ملاحظة فارق درجة لون صبغة معينة بحڪم البيئة والمنشأ والمناخوڪيفية التربية والتلقي ومستوىٰ الثقافة وانفتاح المجتمع والتواجد علىٰ الساحة.. فقد ڪان يريد -رحمه الله تعالىٰ- أن يصحح لي ما يراه إعوجاجاً إما في شخصيتي أو آرائي أو أفڪاري ويدفعني أن اقف مع الحق..
وإني أشهدُ الله تعالىٰ بما أعلمه عنه من الصلاح والتقوىٰ وخشية الرحمن.. وهو الأن برفقة ڪبرائنا.. فنرجو من السميع العليم الخبير أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة يطل من حفرته علىٰ مقعده مع ﴿النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقا﴾.. ذلك نتيجة ومحصلة ﴿.. مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
ويتبقىٰ لنا قول الحبيب المصطفىٰ النبي المرتضىٰ الشفيع المجتبىٰ الرفيق بأمته المحتبىٰ: « „أنَّ لِلَّهِ ما أَخَذَ وَلَهُ ما أَعْطَى.. (وكلٌّ إلى أجلٍ) وَكُلُّ شيءٍ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى” »؛ فــ لنا الْتَصْبِرْ وَعلينا أن نَحْتَسِبْ.. ولمن حضر غُسله وجنازته :" أعظم الله أجرڪم وأحسن الله عزاڪم وغفر لميتنا وميتڪم ".. فـ « „ما مِن مُؤمِنٍ يُعَزِّي أخاه بمصيبةٍ؛ إلا ڪساه اللهُ -سبحانه- من حُلَلِ الڪرامةِ يومَ القيامةِ“ » [رواه: محمد بن عمرو بن حزم؛ انظر: الألباني؛ في السلسلة الضعيفة:(610)؛ وقال الحديث: ضعيف.. ومِن دقة علمه فقد تراجع الألباني وصححه، انظر الصحيحة : (1 / 378)]..
.. أبا الهانم.. أبا الشربات.. أبا أسامه.. الصديق.. المهندس.. المعلم.. المدرس.. المربي / هاشم عبدالمجيد هاشم.. لكَ مني سلامُ الله وارجوه غفرانه ورحماته ورضاه.. ولنا ما روته: أمُ المؤمنين عَائِشةُ بنت الصديق أبي بڪر؛ وبُريدةُ الأسلَميُّ -رَضِي اللهُ تعالى عَنهم- „ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- ڪانَ إذا أتىٰ علىٰ المقابِرِ قالَ « „السَّلامُ عليْڪم أَهلَ الدِّيارِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ.. وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِڪم لاحِقونَ.. أنتم لنا فرَطٌ ونحنُ لَڪم تبَعٌ.. أسألُ اللَّهَ العافيةَ لنا ولَڪم “ »
مَن سيلحق بكَ ولو بعد حين:
مُحَمَّدٌبْنُإبراهيم آل الرَّمَادِيُّمِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ (!?)
١ شوال ١٤٤٥ هـ~ 10 ابريل 2024م
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ـــــــــــــــــــــــ
(*) „أنا عَمَّكْ “مقولةٌ.. صارت كـ تحية لازمته مزحاً ومداعبة لمن حوله.. خاصة الزملاء الأعزاء الأفاضل بهيئة التدريس بالهيئة الإسلامية الرسمية المعتمدة من قِبل الحكومة النمساوية.. ولعلها اعتزازاً بنفسه.. ثم اشتهر بها.. رحمه الله تعالىٰ رحمةً واسعةً وغفر له وعفا عنه!


8 التماس ليلة القدر

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ»..
إنها الليلة المباركة ، وأفضل ليالي الدهر ، وخير ساعات العمر ، فلو قُدِّر للعبد أن يجتهد ويواصل عبادة ربه قرابة أربعة وثمانين عامًا ليس فيها ليلة القدر ؛ لكان قيامه ليلة القدر وحدها خيرًا من هذه الأعوام الطوال السنين الكثر ، وهذا من عظيم فضل الله وإنعامه على هذه الأُمَّة ، وفتح السبيل للمنافسة وسلوك الطرق السريعة المحصِّلة للكثير من الخير ، بالقليل من الجهد مع الثقة بالله وحُسْن الظَّنِّ به.
فــقد أكرمت أمة الإسلام التي أمنت بآله واحداً لا ثان له ولا ثالث ولا ولد له ولا معين أو وزير فأمنت بمن أرسله خاتم أنبياءه وآخر رسله وطبقت في حياتها العملية آخر كتبه المنزلة من لدن حكيم عليم من خلال تبيان سُنة متمم المبتعثين.. أكرمت هذه الأمة تفضلاً من خالقها ورازقها فاعتمدها ربها ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ وأظهر سبحانه سبب التكريم وعلة التفخيم ومناط التعظيم بأنكم ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾وَ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾وَ﴿ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾
ثمتتالى الإكرام في جميع أزمنة عمرها وترادف التعظيم في كافة اماكن تطأها بدءً من المسجد الحرام بـ مكة المكرمة مرورا بالحرم الشريف النبوي وصولا إلى بيت المقدس.. ثم جعل الأرض كلها مسجدا وطهوراً
فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي فَضْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ لِلْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وَمِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا ..
فـ لَيلةُ القَدْرِ مِن لَيالي رَمضانَ الكريم ، لَيلةٌ عَظيمةٌ مُباركةٌ ، أخبَرَ اللهُ تعالَى بنُزولِ القُرآنِ فيها ، وفَخَّم شَأنَها ، وعَظَّم قَدْرَها ، فشأنُها جَليلٌ ، وأثَرُها عظيمٌ ، وهي تُعادِلُ في فَضْلِها ألْفَ شَهرٍ عبادة واجتهاد في طاعة ، وهي لَيلةٌ يَكثُرُ نُزولُ الملائكةِ فيها ، كثيرةُ الخيراتِ والبرَكاتِ ، سالِمةٌ مِن الشُّرورِ والآفاتِ.
فما الْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ تلك اللَّيْلَةُ.. فَــ قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا ، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى ".. أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ.. وَقِيلَ : الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا ، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ . وَقِيلَ : الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ -بِفَتْحِ الدَّالِ- الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ السَّنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ فَقَالَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَقْدَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾
واعتماداً على رواية صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « „ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ “ » .... نرجو مغفرته ونطلب رضاه ورضوانه!
الْتِمَاسُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ :
عَنْ عبدِاللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « „ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛.
فقه الحديث :
قَوْلُهُ : " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ نَافِلَةٌ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَلَكِنَّهَا فَضْلٌ.وَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ عَلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ..
تعينها :
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ.. وَتَحَصَّلَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا ، كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي سَاعَةِ الْجُمْعَةِ ، وَقَدِ اشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِيَقَعَ الْجِدُّ فِي طَلَبِهِمَا.. (أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : قال صاحب الباري في شرحه على صحيح البخاري" لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ "... فــ قِيلَ : لَهُمْ فِي الْمَنَامِ : إِنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَاخِرُ الشَّهْرِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ السَّبْعُ الَّتِي أَوَّلُهَا لَيْلَةُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَآخِرُهَا لَيْلَةُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَا ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ، وَعَلَى الثَّانِي تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ ، .. فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: « „ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوافَقَت على أنَّها السَّبْعِ الأَوَاخِرِ “ » ؛ فمَنْ كانَ مُتَحَرِّيَها وطالبًا لها ، وقاصِدًا إيَّاها بـ الصَّلاةِ والقرآنِ ، والدُّعاءِ والاجتِهادِ بالعِبادةِ وحسن الطاعة ؛ فلْيَلتمِسْها في السَّبعِ الأَواخِرِ.. وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ : إِنَّ نَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، وَإِنَّ نَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛ وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ : « „ رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا “ » ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا “ » ؛ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا : « „ إِنْ غُلِبْتُمْ فَلَا تُغْلَبُوا فِي السَّبْعِ الْبَوَاقِي “ » ؛ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ : « „ مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : « „ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي “ » ؛ وَهَذَا السِّيَاقُ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ .
ومِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه أَخْفاها عنِ النَّاسِ ؛ لكي يَجتَهِدوا في الْتِماسِها في اللَّيالي، فيُكثِروا مِن العِبادةِ التي تَعودُ عليهمْ بالنَّفعِ والرضى والمغفرة.. وَمِنْ طَرِيقِ الضِّحَاكِ " يَقْبَلُ اللَّهُ التَّوْبَةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ تَائِبٍ ، وَتُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَهِيَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا ".. قَالَ " إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا ".. الْمُرَادُ أَنَّهُ أُنْسِيَ عِلْمَ تَعْيِينِهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ.. وَأَنَّ النِّسْيَانَ جَائِزٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي تَبْلِيغِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالتَّشْرِيعِ كَمَا فِي السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَوْ عُيِّنَتْ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا حَصَلَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا فَفَاتَتِ الْعِبَادَةُ فِي غَيْرِهَا ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : " عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ".. إِشَارَةٌ إِلَى رُجْحَانِ كَوْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةً فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ لَا فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ بِعَيْنِهَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا . وَقَدْ وَرَدَ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَامَاتٌ أَكْثَرُهَا لَا تَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ..
تبقى:ما روي عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إِلَّا أَقَامَهُ..
وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ إِنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسَ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَمَا بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" .. ثم قال ابن عبدالبر :" لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَلَا أَعْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا ، وَلَا مُسْنَدًا ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ ، وَلَكِنَّهَا رَغَائِبٌ ، وَفَضَائِلٌ ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامًا ، وَلَا بَنَى عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ ، وَلَا فِي مُوَطَّئِهِ حُكْمًا "..
خصائص ليلة القدر
وقد خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص منها:
1. ]أنه نزل فيها القرآن، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ.
2. ]وصْفها بأنها خير من ألف شهر في قوله: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾
3. ]ووصفها بأنها مباركة في قوله: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾
4. ]أنها تنزل فيها الملائكة ، والروح ، أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له ، والروح هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه.
5. ]ووصفها بأنها سلام ، أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى كما قاله مجاهد ، وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم العبد من طاعة الله عز وجل.
6. ]﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ، وما يكون فيها إلى آخرها ، كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وكتابته له ، ولكن يُظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو وظيفتهم .
7. ]أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه، كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « „.. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “ » ؛ وقوله: (إيماناً واحتساباً) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه.
قلت(الرَّمَادِيُّ): وهذه من المسائل التي تركت للبحث فيها وفقا لما بين أيدينا من نصوص شرعية وأدلة معتبرة وأقوال السادة الصحابة وما نقل إلينا من فهم السلف الصالح.. لإعمال العقل وأيقاد الذهن!
[8]الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ
21رمضان 1445 هـ .
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *


7 أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ

قَالَ الْجَاحِظُ : سَمَّىٰ اللَّهُ كِتَابَهُ اسْمًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّىٰ الْعَرَبُ كَلَامَهُمْ عَلَىٰ الْجَمْلِ وَالتَّفْصِيلِ ، سَمَّىٰ جُمْلَتَهُ: قُرْآنًا ، كَمَا سَمَّوْا : دِيوَانًا ، وَبَعْضُهُ سُورَةٌ كَقَصِيدَةٍ ، وَبَعْضُهَا آيَةٌ كَالْبَيْتِ ، وَآخِرُهَا فَاصِلَةٌ كَقَافِيَّةٍ .
فـ وردت للقُرْآنِ الكريمِ: أسماءٌ وصِفاتٌ كثيرةٌ في عَدَدٍ مِن : الآياتِ والأحاديثِ النَّبَويَّةِ ، ولـ كثرةِ هذه الأسماءِ والصِّفاتِ أفرَدَها بعضُ العُلَماءِ بمؤَلَّفاتٍ مُستَقِلَّةٍ. فـ أنَّ كَثرةَ الأسماءِ تدُلُّ علىٰ شَرَفِ المسَمَّىٰ أو كمالِه في أمرٍ مِن الأمورِ ،وكثرةُ أسماءِ اللهِ -تعالىٰ- دَلَّت علىٰ كمالِ جَلالِ عَظَمتِه ، وكثرةُ أسماءِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- دَلَّت علىٰ عُلُوِّ رُتبتِه وسُمُوِّ دَرَجتِه ، وكذلك: كثرةُ أسماءِ القُرْآنِ دَلَّت علىٰ شَرَفِه وفَضيلتِه. فَـ اسْمُ الْقُرْآنِ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَىٰ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَلَمْ يَسْبِقْ أَنْ أُطْلِقَ عَلَىٰ غَيْرِهِ قَبْلَهُ ، وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ وَأَكْثَرُهَا وُرُودًا فِي آيَاتِهِ وَأَشْهَرُهَا دَوَرَانًا عَلَىٰ أَلْسِنَةِ السَّلَفِ .
وَلَهُ أَسْمَاءٌ أُخْرَىٰ هِيَ فِي الْأَصْلِ : أَوْصَافٌ أَوْأَجْنَاسٌ أَنْهَاهَا [جلال الدين السيوطي] فِي الْإِتْقَانِ إِلَىٰ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ . وَالَّذِي اشْتُهِرَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مِنْهَا سِتَّةٌ: التَّنْزِيلُ ، وَالْكِتَابُ ، وَالْفُرْقَانُ ، وَالذِّكْرُ ، وَالْوَحْيُ ، وَكَلَامُ اللَّهِ. فـ اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ..
أَحَدُهَا : الْكِتَابُ ، اتَّفَقُوا عَلَىٰ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ الْقُرْآنُ قَالَ : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾
وَثَانِيهَا: القُرْآن : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ﴾ ، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ﴾ ، ﴿قُلْلَئِنِاجْتَمَعَتِالْإِنْسُوَالْجِنُّعَلَىأَنْيَأْتُوابِمِثْلِهَذَاالْقُرْآنِ﴾ ؛﴿إِنَّهَذَاالْقُرْآنَيَهْدِيلِلَّتِيهِيَأَقْوَمُ﴾
فَـ الْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِقَاقَ لَفْظِ الْقُرْآنِ إِمَّا مِنَ التِّلَاوَةِ أَوْ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ . فـ الله.. إذاً.. هو الذي سمّىٰ كتابه الذي أنزله علىٰ محمد صلى الله عليه وسلم " القرآن " . قال -تعالىٰ- : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ وقال : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ وقال : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾
وَسَمَّاهُ فُرْقَانًا :
ثَالِثُهَا : الْفُرْقَانُ ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ ؛ ﴿ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ . وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَهُ كَانَ مُتَفَرِّقًا أَنْزَلَهُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ -تَعَالَىٰ- : ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ وَنَزَلَتْ سَائِرُ الْكُتُبِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ ، وَالْمُحْكَمِ وَالْمُؤَوَّلِ ، وَقِيلَ : الْفُرْقَانُ هُوَ النَّجَاةُ ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فِي ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ فَبِالْقُرْآنِ وَجَدُوا النَّجَاةَ ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ : ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ .
وَ سَمَّاهُ ذِكْرًا وَمُبَارَكًا :
وَرَابِعُهَا : الذِّكْرُ ، وَالتَّذْكِرَةُ ، وَالذِّكْرَى ، أَمَّا الذِّكْرُ : ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ . ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَّرَ بِهِ عِبَادَهُ فَعَرَّفَهُمْ تَكَالِيفَهُ وَأَوَامِرَهُ . وَ
الثَّانِي : أَنَّهُ ذِكْرٌ وَشَرَفٌ وَفَخْرٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَنَّهُ شَرَفٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمَّتِهِ ،وَ
أَمَّا التَّذْكِرَةُ فَقَوْلُهُ : ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
وَأَمَّا الذِّكْرَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
وَأَمَّا الذِّكْرُ : فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ ، وَالذِّكْرُ أَيْضًا الشَّرَفُ ، قَالَ تَعَالَى : " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ " : شَرَفٌ ؛ لْأَنَّهُ بِلُغَتِهِمْ .
وَخَامِسُهَا : التَّنْزِيلُ ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ ؛ ذكر ابن تيمية من اسماء القرآن :" الْمُنَزَّلُ " .
وَسَمَّاهُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، وَمُتَشَابِهًا، وَمَثَانِيَ:
وَسَادِسُهَا : الْحَدِيثُ ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ﴾ سَمَّاهُ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ إِلَيْكَ حَدِيثٌ ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُ بِمَا يُتَحَدَّثُ بِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ بِهِ الْمُكَلَّفِينَ . وَأَمَّا الْمَثَانِي: فَلْأَنَّ فِيهِ بَيَانُ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهُوَ ثَانٍ لِمَا تَقَدَّمَهُ . وَقِيلَ : لِتَكْرَارِ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ فِيهِ . وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ : فَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالصِّدْقِ .
وَسَمَّاهُ مَوْعِظَةً :
وَسَابِعُهَا : الْمَوْعِظَةُ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْعِظَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْآخِذُ جِبْرِيلُ ، وَالْمُسْتَمْلِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَيْفَ لَا تَقَعُ بِهِ الْمَوْعِظَةُ
وَسَمَّاهُ حِكْمَةً وَحَكِيمًا :
وَثَامِنُهَا : الْحُكْمُ ، وَالْحِكْمَةُ ، وَالْحَكِيمُ ، وَالْمُحْكَمُ ، أَمَّا الْحُكْمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَقَوْلُهُ : ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ ، ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ ، وَأَمَّا الْحَكِيمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ ؛ ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ . وَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحِكْمَةِ ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِلْزَامِ ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِكْمَةِ اللِّجَامِ ؛ لِأَنَّهَا تَضْبِطُ الدَّابَّةِ ، وَالْحِكْمَةُ تَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ.وَأَمَّا الْحِكْمَةُ : فَلْأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى الْقَانُونِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ وَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ ، أَوْ لْأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ . وَأَمَّا الْحَكِيمُ : فَلْأَنَّهُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِعَجِيبِ النَّظْمِ وَبَدِيعِ الْمَعَانِي ، وَأُحْكِمَتْ عَنْ تَطَرُّقِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّبَايُنِ .
وَسَمَّاهُ شِفَاءً :
وَتَاسِعُهَا : الشِّفَاءُ ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وَقَوْلُهُ : ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ وَفِيهِ وَجْهَانِ :أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ .وَالثَّانِي : أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ مَرَضِ الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْكُفْرَ وَالشَّكَّ بِالْمَرَضِ، فَقَالَ : ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ وَبِالْقُرْآنِ يَزُولُ كُلُّ شَكٍّ عَنِ الْقَلْبِ، فَصَحَّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ شِفَاءٌ.وَأَمَّا الشِّفَاءُ : فَلْأَنَّهُ يَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ كَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالْغِلِّ ، وَالْبَدَنِيَّةِ أَيْضًا .
وَسَمَّاهُ هَدْيًا :
وَعَاشِرُهَا : الْهُدَى ، وَالْهَادِي : أَمَّا الْهُدَى فَلِقَوْلِهِ : ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ، ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وَأَمَّا الْهَادِي ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ وَقَالَتِ الْجِنُّ : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ .
وَسَمَّاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا :
الْحَادِيَ عَشَرَ : الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ : إِنَّهُ الْقُرْآنُ ، وَقَالَ : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾ ، وَأَمَّا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : فَلْأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ ، قَوِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ .
وَسَمَّاهُ حَبْلًا والعِصْمَة :
وَالثَّانِيَ عَشَرَ : الْحَبْلُ : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ ، فِي التَّفْسِيرِ : إِنَّهُ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَصِمَ بِهِ فِي أُمُورِ دِينِهِ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَنَكَالِ الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِالْحَبْلِ يَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ وَالْمَهَالِكِ، وَمِنْ ذَلِكَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِصْمَةً فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ عِصْمَةٌ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ" لِأَنَّهُ يَعْصِمُ النَّاسَ مِنَ الْمَعَاصِي. وَالْحَبَلُ : السَّبَبُ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : الرَّحْمَةُ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وَأَيُّ رَحْمَةٍ فَوْقَ التَّخْلِيصِ مِنَ الْجَهَالَاتِ وَالضَّلَالَاتِ .
وَسَمَّاهُ رُوحًا
الرَّابِعَ عَشَرَ : الرُّوحُ ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ ؛ ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ﴾ ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْأَرْوَاحِ، وَسُمِّيَ جِبْرِيلُ بِالرُّوحِ ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ وَعِيسَى بِالرُّوحِ ﴿ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ . وَأَمَّا الرُّوحُ : فَلْأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ وَالْأَنْفُسُ .
وَسَمَّاهُ قَصَصًا:
الْخَامِسَ عَشَرَ : الْقَصَصُ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ أَيِ اتَّبِعِي أَثَرَهُ ؛ أَوْ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَتَتَبَّعُ قَصَصَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ .
وَسَمَّاهُ بَيَانًا :
السَّادِسَ عَشَرَ : الْبَيَانُ ، وَالتِّبْيَانُ ، وَالْمُبِينُ : أَمَّا الْبَيَانُ فَقَوْلُهُ : ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ ، وَالتِّبْيَانُ فَهُوَ قَوْلُهُ : ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، وَأَمَّا الْمُبِينُ فَقَوْلُهُ : ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ . وَ " الْمُبِينَ : لْأَنَّهُ أَبَانَ ، أَيْ : أَظْهَرَ الْحَقَّ مَنِ الْبَاطِلِ .
وَسَمَّاهُ بَصَائِرَ :
السَّابِعَ عَشَرَ : الْبَصَائِرُ ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ أَيْ هِيَ أَدِلَّةٌ يُبْصَرُ بِهَا الْحَقُّ تَشْبِيهًا بِالْبَصَرِ الَّذِي يَرَى طَرِيقَ الْخَلَاصِ .
وَسَمَّاهُ الفَصْلَ:
الثَّامِنَ عَشَرَ : الْفَصْلُ ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ ؛ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ قِيلَ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْدِي قَوْمًا إِلَى الْجَنَّةِ وَيَسُوقُ آخَرِينَ إِلَى النَّارِ ، فَمَنْ جَعَلَهُ إِمَامَهُ فِي الدُّنْيَا قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَنْ جَعَلَهُ وَرَاءَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ .
التَّاسِعَ عَشَرَ : النُّجُومُ ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ لِأَنَّهُ نَزَلَ نَجْمًا نَجْمًا .
الْعِشْرُونَ : الْمَثَانِي: ﴿ مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ قِيلَ لِأَنَّهُ ثَنَّى فِيهِ الْقَصَصَ وَالْأَخْبَارَ .
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : النِّعْمَةُ : ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : الْبُرْهَانُ ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ بُرْهَانًا وَقَدْ عَجَزَتِ الْفُصَحَاءُ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الْبَشِيرُ وَالنَّذِيرُ ، وَبِهَذَا الِاسْمِ وَقَعَتِ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الرُّسُلِ : ( مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ وَقَالَ فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ وَنَذِيرٌ عَلَى قَوْلٍ " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى " ، وَقَالَ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ فِي حم السَّجْدَةِ ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ﴾ يَعْنِي مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ وَبِالنَّارِ مُنْذِرًا لِمَنْ عَصَى .
وَسَمَّاهُ قَيِّمًا :
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْقَيِّمُ ﴿ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا ﴾ وَالدِّينُ أَيْضًا قَيِّمٌ ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْقَيُّومُ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ وَإِنَّمَا سُمِّيَ قَيِّمًا لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ فِي الْبَيَانِ وَالْإِفَادَةِ .
وَسَمَّاهُ مُهَيْمِنًا :
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُهَيْمِنُ ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمِينِ ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْقُرْآنِ أَمِنَ الضَّرَرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالرَّبُّ الْمُهَيْمِنُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الْمُهَيْمِنَ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ لِأَجْلِ قَوْمٍ هُمْ أُمَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ . وَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ : فَلْأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ .
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ : الْهَادِي ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ وَقَالَ : ﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ " النُّورُ الْهَادِي " .
وَسَمَّاهُ نُورًا.. وَأَمَّا النُّورُ : فَلِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ غَوَامِضُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ .
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : النُّورُ ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وَفِي الْقُرْآنِ ﴿ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ﴾ ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ : يَعْنِي الْقُرْآنَ وَسُمِّيَ الرَّسُولُ نُورًا ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا وَسُمِّيَ دِينُهُ نُورًا ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ وَسُمِّيَ بَيَانُهُ نُورًا ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ وَسُمِّيَ التَّوْرَاةُ نُورًا ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾ وَسُمِّيَ الْإِنْجِيلُ نُورًا ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ وَسَمَّى الْإِيمَانَ نُورًا ﴿ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ .
وَسَمَّاهُ حَقًّا :
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ : الْحَقُّ : وَرَدَ فِي الْأَسْمَاءِ " الْبَاعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ " وَالْقُرْآنُ حَقٌّ ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ فَسَمَّاهُ اللَّهُ حَقًّا ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْبَاطِلِ فَيُزِيلُ الْبَاطِلَ كَمَا قَالَ : ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ أَيْ ذَاهِبٌ زَائِلٌ ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ .
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ : الْعَزِيزُ ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ ، وَفِي صِفَةِ الْقُرْآنِ ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ ؛ وَالنَّبِيُّ عَزِيزٌ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ﴾، وَالْأُمَّةُ عَزِيزَةٌ ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؛ فَرُبَّ عَزِيزٍ أَنْزَلَ كِتَابًا عَزِيزًا عَلَى نَبِيٍّ عَزِيزٍ لِأُمَّةٍ عَزِيزَةٍ، وَلِلْعَزِيزِ مَعْنَيَانِ :أَحَدُهُمَا : الْقَاهِرُ ، وَالْقُرْآنُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَهَرَ الْأَعْدَاءَ وَامْتَنَعَ عَلَى مَنْ أَرَادَ مُعَارَضَتَهُ .وَالثَّانِي : أَنْ لَا يُوجَدَ مِثْلُهُ .
وسَمَّاهُ " قُرْآنًا وَكَرِيمًا:
الثَّلَاثُونَ : الْكَرِيمُ: فِي قَوْلِهِ :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ -تَعَالَى- سَمَّى سَبْعَةَ أَشْيَاءَ بِالْكَرِيمِ ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ إِذْ لَا جَوَادَ أَجْوَدُ مِنْهُ، وَالْقُرْآنُ بِالْكَرِيمِ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ كِتَابٍ مِنَ الْحِكَمِ وَالْعُلُومِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ، وَسَمَّى مُوسَى كَرِيمًا ﴿ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ وَسَمَّى ثَوَابَ الْأَعْمَالِ كَرِيمًا ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ وَسَمَّى عَرْشَهُ كَرِيمًا ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ لِأَنَّهُ مَنْزِلُ الرَّحْمَةِ، وَسَمَّى جِبْرِيلَ كَرِيمًا ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَزِيزٌ ، وَسَمَّى كِتَابَ سُلَيْمَانَ كَرِيمًا ﴿ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ فَهُوَ كِتَابٌ كَرِيمٌ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ عَلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ لِأَجْلِ أُمَّةٍ كَرِيمَةٍ، فَإِذَا تَمَسَّكُوا بِهِ نَالُوا ثَوَابًا كَرِيمًا .
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ : الْعَظِيمُ : فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ عَظِيمًا فَقَالَ : ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ َعَرْشَهُ عَظِيمًا ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ وَكِتَابَهُ عَظِيمًا ﴿ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ عَظِيمًا ﴿ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وَالزَّلْزَلَةَ عَظِيمَةً ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ وَخُلُقَ الرَّسُولِ عَظِيمًا ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، وَالْعِلْمَ عَظِيمًا ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ وَكَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمًا ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ وَسِحْرَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ عَظِيمًا ﴿ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ وَسَمَّى نَفْسَ الثَّوَابِ عَظِيمًا ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ وَسَمَّى عِقَابَ الْمُنَافِقِينَ عَظِيمًا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ .
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْمُبَارَكُ : فِي قَوْلِهِ :﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ﴾ وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَشْيَاءَ، فَسَمَّى الْمَوْضِعَ الَّذِي كَلَّمَ فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُبَارَكًا ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ وَسَمَّى شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ مُبَارَكَةً ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا ، وَسَمَّى عِيسَى مُبَارَكًا ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ﴾ وَسَمَّى الْمَطَرَ مُبَارَكًا ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴾ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَسَمَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُبَارَكَةً ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ فَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلَهُ مَلَكٌ مُبَارَكٌ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ عَلَى نَبِيٍّ مُبَارَكٍ لِأُمَّةٍ مُبَارَكَةٍ .
وذكروا له أسماء أُخَر منها :
فـَسَمَّاهُ كَلَامًا :﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ . وَأَمَّا الْكَلَامُ: فَمُشْتَقٌّ مِنَ الْكَلِمِ بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ؛ لْأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ .
وَسَمَّاهُ قَوْلًا وَفَصْلًا :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ .
وَسَمَّاهُ عَلِيًّا : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ .
وَسَمَّاهُ ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾
وسَمَّاهُ ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ،
وَسَمَّاهُ صِدْقًا : ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ .
وَسَمَّاهُ ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ :﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ،
وَسَمَّاهُ نَبَأً عَظِيمًا : ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ .
وَوَحْيًا :﴿ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ .
وَسَمَّاهُ عَرَبِيًّا : ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ :﴿ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ .
وَسَمَّاهُ عِلْمًا : ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ .
وَعَجَبًا : ﴿ قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ .
وَسَمَّاهُ الْعُرْوَةَ الْوُثْقَى : ﴿ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ .
وَسَمَّاهُ عَدْلًا : ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ .
وَسَمَّاهُ أَمْرًا : ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ .
وَسَمَّاهُ مُنَادِيًا : ﴿ سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ﴾ .
وَسَمَّاهُ بُشْرَى : ﴿ هُدًى وَبُشْرَى ﴾ .
سَمَّاهُ مَجِيدًا : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ . وَأَمَّا الْمَجِيدُ : فَلِشَرَفِهِ .
وَسَمَّاهُ زَبُورًا : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ﴾ .
وَسَمَّاهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا : ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ :" وَنَذِيرٌ " عَلَى قَوْلٍ " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى "
وَسَمَّاهُ عَزِيزًا : ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ . وَأَمَّا الْعَزِيزُ : فَلْأَنَّهُ يَعِزُّ عَلَى مَنْ يَرُومُ مُعَارَضَتَهُ .
وَسَمَّاهُ بَلَاغًا : ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ﴾ . وَأَمَّا الْبَلَاغُ : فَلْأَنَّهُ أُبْلِغَ بِهِ النَّاسُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ بَلَاغَةً وَكِفَايَةً عَنْ غَيْرِهِ .
قَالَ الْحَسَنِ الرُّمَّانِيَّ حين سُئِلَ : كُلُّ كِتَابٍ لَهُ تَرْجَمَةٌ، فَمَا تَرْجَمَةُ كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ : هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ .
وَقد سَمَّاهُ أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴾ .
وَأَمَّا وَصْفُهُ بِأَنَّهُ يَقُصُّ وَيَنْطِقُ وَيَحْكُمُ وَيُفْتِي وَيُبَشِّرُ وَيَهْدِي فَقَالَ :﴿ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ﴾، ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ ﴾، ﴿ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ﴾ أَيْ يُفْتِيكُمْ أَيْضًا ﴿ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ ﴾ .
وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ إِنَّهُ الْقُرْآنُ .
فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى شَافِعًا مُشَفَّعًا وَشَاهِدًا مُصَدِّقًا .. وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « „ حُجَّةٌ لَك أَوْ عَلَيْك ” » ؛
العِصْمَة: فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ : « „ عِصْمَةٌ لِمَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ ” » .
آحدىٰ مقدماتيلـ ڪتاب : « التفسير والتأويل لما جاء في محكم التنزيل » ..
[7] الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ
13 رمضان 1445 هـ ..
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *


جاء التكليف بعد التعريف

﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.. ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ويخبرنا بمثال فيقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ثم حين غاب الكيان الإسلامي التنفيذي عن التفعيل في واقع الحياة داخل وخارج المجتمع وضعفت المؤسسات ذات الطابع التديني في إظهار الإسلام وشرح أحكامه تقدم جيش من الملحدين بـ التشكيك في كافة مسائل واحكام الإسلام وقد انبرى ثلة من الأكفاء من السادة العلماء في توضيح معالم الدين ومن هذه المسائل مسألة لماذا نصوم!..
فما الهدف والحكمة من الصيام، وما الذي يعود على الصائمين من الجوع والعطش؟ثم يأتي القيام وصلاة التراويح؟
واساس مسألة العبادات برمتها مبني على صحيح العقيدة وسليم الإيمان؛ فمَن أمن بالله تعالى ربا واحداً خالقا رازقا فأمن بانه أرسل فينا خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين فأنزل آخر كتبه؛ وأن هناك جنة أُعدت للطائعين وأن هناك عذاب للمخالفين.. بُني على هذه الدعامة كافة أحكام الشرع الحنيف.. وسبق أن بينتُ أن كل العبادات توقيفية فـ لا تعلل ولا يبحث لها عن علة ولكن يوجد من تشريعها حكمة يعلمها المعبود الخالق الرازق؛ والراسخون في العلم يصح لهم البحث عن حكمتها!
وبناء على صحيح العقيدة وسليم الإيمان خاطب المعبود سبحانه مَن أمن به فـ أنزل التكاليف الشرعية العملية فقال : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ومِن قبل كان الخطاب بـ: ﴿يا أيها الناس﴾ ولحكمةٍ يعلمها سبحانه شرع نوعَ عبادةٍ بدنية محضة وخالصة؛ فهي ليست مالية وليس مزيج من المالية والبدنية وليس فقط لسانية قولية فـ قال ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ وبين لحكمته أنها : ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾فهي عبادة أصيلة عند من سبق أمة الإسلام. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.فقد أجابنا الله -سبحانه وتعالى- أن الحكمة من الصيام هي "التقوى"؛ والهدف تعليم الإنسان وتدريبه على التقوى التي تحميه من ارتكاب المعاصي والذنوب.
ولكي يحقق الصائم التقوى الحقيقية؛ ليحصل على ثمرة الصيام؛ فيجب عليه إذا صام أن تصوم كل جوارحه وحواسه؛ فـ:
- يصوم سمعه عن التجسس على خلق الله، و
- يصوم بصره عن رؤية ما حرم الله، و
- يصوم لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب وقول الزور، قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أيضًا: :«„؛”»من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه:«„؛”».و
تصوم يداه عن البطش؛ وقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: :«„؛”»المسلم من سلم الناس من لسانه ويده:«„؛”»،
وإذا صام المسلم فيجب أن تصوم قدماه عن المشي في أي طريق يغضب الله، وألا يمشي بهما إلا لقضاء حوائج الناس، أو للسعي على رزقه بالحلال.
والصيام يقي المسلم ويعينه على غض بصره وحفظ فرجه، ولذا قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: :«„؛”»يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ - وفي رواية أخرى - فإنه له وقاء:«„؛”».
والصيام الحقيقي هو الذي يقترن بالآداب والفضائل ومكارم الأخلاق، التي وضح سيدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعثته حينما قال: :«„؛”»إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق:«„؛”».
وإذا صام المسلم فليكن عليه وقارٌ وسكينةُ وراحة واطمئنان، فهو يؤدي أسمى فريضة وهي فريضة الصيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: :«„؛”»قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به:«„؛”».. رواه البخاري ومسلم.
إن تقوى الله هي المخرج الحقيقي للمسلم من كل ما يحيط به من متاعب وصعوبات، ويقول الله تعالى: ﴿‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.
اللهم اجعلنا من المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال
02 رمضان 1445 هـ ~ 12 مارس 2024 م.
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *


 5تهيئة

ما أنزلَ الخالقُ الرازقُ المبدعُالمنشأُالمصورُ فرضاَ كلفَ به الإنسان البالغ العاقل.. إلا وألحق به نافلة من جنسه..فـفرض الصلاة خمس مرات في اليوم ثم جعل لها سُنة قبلية أو بعدية أو صلاة الضحى وقيام الليل..وفرض الزكاة مرةً في العام الهجري في أنواع معينة مما يتمول به المسلم فـ تُصرف على ثمان أصناف خاصة فجعل لها -سُنة- صدقات على مدار العام..وفرضَ الحج مرةً في العمر وجعل له نافلة عمرة تؤدى في أي وقت..
وكذلكالصيام في شهر القرآن جعل له صيامَ تطوع:عاشوراء وثلاث أيام بِيض في وسط الشهر القمري أوإثنين وخميس من كل إسبوع أوغالب شهر بعينه حسب القدرة والاستطاعة..فـ جعل العليم الخبير تلك السُنن والنوافل والمستحبات والتطوع لحكمةٍ يعلمها المُشرع -سما في علاه وتقدست اسماؤه- وقد يصلح للراسخين في العلم البحث عن حكمتها!..إذ أن العبادات كلها توقيفية فـ لا تعلل..
وينبغي قبل الإقدام على الصوم استحضار:التهيئة الروحية والراحة النفسيةووجود الطمأنينة القلبيةومعرفة الاستعداد البدني -وخلوه من عوارض مرض أو حيض أو سفر- مع تمام المعرفة الفِقهية المتعلقة بأحكام الصيام لكل فرد بعينه من المسلمين.. فقد قال -تعالى-: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ أى: على علم، وقال النبي المصطفى-عليه السلام- :« „ مَن سلك طريقاً يلتمِسُ فيه عِلماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ” ».. فلذلك ينبغي قبل رؤية هلال الشهر الفضيل بوقت كاف أنْ نتعلم الأحكام الفِقهيَّة العملية للصيام حتى نعبُدَ اللهَ على بَصِيرة..مع إدراك أحكام الرخص..
وبملاحظة واقع المسلمين اليوم -إلا من رحم ربي- ترى أنه قد انحرف فهم قليل من الناس لحقيقة الصيام، فراحوا يجعلونه موسماً للأطعمة والأشربة والحلويات والسهرات والفضائيات، فاستعد هؤلاء بـ شراء الأطعمة، وتحضير الأشربة، وتخزينها والبحث في دليل القنوات الفضائية لمعرفة ما يشاهدون وما يتركون،فـ الكل يستعد لرمضان:التجار يستعدون.. والقنوات تستعد.. والمقاهي تستعد..وقد جهلوا -بحق- حقيقة الصيام في شهر رمضان، وسلخوا العبادة والتقوى عنه، وجعلوه لبطونهم وعيونهم.. وانتبه آخرون لحقيقة صيام شهر رمضان فراحوا يستعدون له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك..
*. ] الإعداد.. والاستعداد والتهيئة لشهر رمضان
[( 1 .)] دعاء: اللهم سلمني لرمضان وسلم رمضان لي!
ورد عن بعض السلف..فـ قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله -تعالى- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: " اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان وتسلمه مني، متقبلا" .
فيدعو المسلم ربَّه -تعالى- أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه وصحة في بدنه وثبات في عقيدته وطمأنينة في قلبه ثم يدعوه أن يعينه على حسن طاعته فيه، ويدعوه راجيا بخشوع أن يتقبل منه عمله. فـ عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- هذا الدعاء حين يقدم رمضان: « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” ».. حديث ليس له إسناد صحيح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن رُوي عن جمع من السلف أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء..
تحقيق المسألة :
روى الطبراني عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا„« : اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” »وجملة: « „ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ ” » وردت بصيغة:« „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَانَ ” »هذا حديث: غريب، تفرّد به أحد رواته؛ والآخر تكلم العلماء في ضبطه وحفظهوهو أبو جعفر ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير فـ يَهم كثيرا،وليس بالقوي،صدوق ولكنه سيء الحفظ. وهناك إنقطاع في السند وروي عن الحسن البصري مرسلا فـ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ« „: اللَّهُمَّ سَلِّمْهُ لَنَا وَسَلِّمْهُ مِنَّا » ورواه ابن أبي الدنيا في "فضائل رمضان" عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَهَلَّ هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: « „ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ، وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَافِيَةِ الْمُجَلِّلَةِ، وَرَفْعِ الْأَسْقَامِ، وَالْعَوْنِ عَلَى الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا... ” » وفي سنده مقال والإسناد مرسل.فــ الحاصل: أن هذا الحديث ليس له إسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم.لكن رُوي عن جمع من السلف أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاءومن ذلك ما رواه الطبراني بإسناد ظاهره الحسن، عَنْ مَكْحُولٍ: "أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ: « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” » والله أعلم!
[(2 . )]التوبة الصادقة
وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم المسلم/المؤمن على شهرٍ عظيم مبارك يمتنع فيه عن حلالٍ سُمح به في غير وقت الصوم فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر وطمأنينة قلب قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « „ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ” »
توضيح المسألة :
شروط التوبة الصحيحة هي:
1. )الإقلاع عن الذنب فوراً.
2. )الندم على ما فات.
3. )العزم على عدم العودة إليه.
وإذا كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس، فتزيد شرطا رابعا، هو:
4. )التحلل من صاحب الحق، أو إعطاؤه حقه. بمعنى: إرجاع حقوق من ظلمهم، أو طلب البراءة منهم .
وقد أمر الله -تعالى- عباده بالتوبة النصوح فقال:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
وقبل بداية الصوم أنبه إلى أضرار الذنوب والمعاصي.. منها : حرمان العلم؛ - والوحشة في القلب؛ - وتعسير الأمور؛ - ووهن البدن؛ - وحرمان الطاعة؛ - ومحق البركة؛ - وقلة التوفيق؛ - وضيق الصدر؛ - وتولد السيئات؛ - واعتياد الذنوب؛ - وهوان المذنب على الله؛ - وهوانه على الناس؛ - ولعنة البهائم له؛ - ولباس الذل؛ - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة؛ - ومنع إجابة الدعاء؛ - والفساد في البر والبحر؛- وانعدام الغيرة؛ - وذهاب الحياء؛ - وزوال النعم؛ - ونزول النقم؛ - والرعب في قلب العاصي؛ - والوقوع في أسر الشيطان؛ - وسوء الخاتمة؛ - وعذاب ".
وبعض المسائل الفقهية تحتاج لمزيد بيان وصحيح شرح؛ فالرجاء العودة إلى المصادر المعتمدة أو سؤال مَن تطمئن إلى سليم عقيدته ودقة علمه..

الموقع وكاتب هذه السطور يَدْعُوَا الله -تعالى- للصائمين صياما ميسورا وقياما مقبولا ودعاءً مستجابا وذنبا مغفوراً.. ونسأل الله -تعالى- أن يجعلنا ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن الفائزين المقبولين.
ــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
[5]الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ
27شعبان 1445 هـ~09 مارس 2024م


مغزىٰ الصيام

ثبت باكتشافات علمية حديثة وبأجهزة تكنولوجية متقدمة بما لا يدع مجالا للشك أن للإنسان بداية.. سواء من نطفة رجل أو بويضة امرأة.. وبالتلاقح نكاحا صحيحا أو سفاحا فاسدا يبدء في إنشاء وتكوين وايجاد إنسان جديد إما أنثى وآخر ذكر.. ومن المشاهد المحسوس أن للإنسان نهاية حتمية!..
فيتساءل المرء: ما هي نقطة البداية لجنس الإنسان!؟..
وماذا بعد نهايته الحتمية!؟
وبالتسلسل في التراجع لـ إثبات وجود الإنسان الأول نجد إما أنه أوجدَ نفسَه بنفسِه.. وهذا محال!.. وإما أوجدته مكونات الطبيعة وعواملها.. فتفاعلت مع بعضها البعض فانتجت إنساناً.. وهذا محال أيضاً..
فيأتي سؤال ومن أين بدأت هذه الطبيعة.. أهي أوجدت نفسها بنفسها.. وهذا أيضا باطل..
فلابد -إذاً- مِن أن يوجدها واجد يكون خلافها.. وهذا الواجد -الخالق- بالقطع يختلف إختلافا جوهريا عن الطبيعة في خواصها وايضاً يغاير الإنسان جذرياً في صفاته وتكوينه ويخالف الكون في طبيعته..
وبما أن الإنسان سيموت فيجب أن يكون واجده حي لا يفنى ولا يموت.. وبما أن الإنسان محتاج لغيره منذ لحظة تكوينه الأولى في رحم أمه فوجب أن واجده غير محتاج لغيره؛ والخِلقة الأصلية تثبت فطرة الإنسان أي أن يكون متدينا ثم يحدث إنحراف فيكون التدين مشوباً بمخالفات في العقيدة وفساد في الإيمان.. ثم يتبع ذلك في العبادات فيُحدث عبادةً يظن أنها ترضي المعبود ويحبها.. كأن المعبود يحب رائحة لحم ودهن القربان المشوي فتقدم له قرابين مشوية على الفحم.. أو كأن المعبود له بنات من الملآئكة أختارها لنفسه.. أو كأن المعبود تجسد في صورة تمثال أو صنم أو وثن أو حيوان وإنسان..
لذالم يترك المعبود الإنسان هكذا يميل إلى هواه في إيمانه أو يعتقد بما يشاء بظنه.. فأنزل كتبه على من اصطفاهم من رسله وبعث انبياءه ليخبروا الناس بما يحب -هو- ويرضى وما يكره ويغضب منه: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾..
وعليه قرر -هو- نوع العبادة التي يرضاها لخَلقه وشكلها وكيفيتها وطريقتها وزمنها ومقدارها لمَن يريد أن يعبده كما يحب هو..
ولحكمته شرع لعباده عبادته من خلال الإمساك عن أشياء والابتعاد عن افعال والمنع عن تصرفات؛ والغريب الملاحظ أن هذه الأشياء وتلك الأفعال والتصرفات كلها دون استثناء كانت مباحة ومسموحا بها فكانت حلالا..وهذه العبادة هي الصيام في شهر في العام حسب رؤية الهلال..
يفهم المرء أن الآمر يأمر بالإمتناع عن أفعال وتصرفات يختبر بها العباد فتعتبر حراماً كـ شرب الخمر وإن قلَّ أو أكل لحم الخنزير ولو شريحة..أما أن يكون الامتناع والإمساك لساعات تطول في الصيف وتقصر في الشتاء عن حلال ومباح فهذه تحتاج لوقفة..
الوقفة الأولى : أن كل العبادات دون استثناء لا تعلل بعلة.. فقط لها حكمة إلهية في تشريعها.. ولا يتمكن المرء من البحث عن إيجاد علة لها.. ولا يتمكن بعقله أن يصل لتلك الحكمة إن لم يشير -هو- إليها فيدركها الراسخ في العلم.. حيث أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً.. فلا علة للصلاة.. إذ لو وجدت علة للصلاة لبطلت وتوقف المسلم عن آدائها.. وأخطأ مَن قال أن علة الصلاة تقوية عضلات الظهر والركبتين.. أو أن السجود بالجبهة على الأرض يفرغ الطاقات السلبية.. إذ لو كانت كذلك لذهب البعض إلى صالات التمرين البدني عوضاً عن المساجد.. أو أنها علاقة تأملية لذهب البعض إلى ممارسة اليوجا.. ولم تصرح الآية التي تقول عن علة الصلاة إذ نطق القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.. والنهي عن الفحشاء والمنكر محصلة نوع عبادة حيث بدأها المسلم بطهارة بدنية ومكانية وفي ملابسه وحدد لها زمن بعينه أو غُسل من جنابة مع أن المني طاهر ثم وضوء مع أن المسلم نظيف ثم إذان فاقامة فتكبير؛ ولو كان الوضوء أي غسل أعضاء بعينها للتنظيف ثم عُدم الماء فكيف تفسر التيمم بالصعيد الطيب -التراب-؛ ولنسمع لقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين قال :" لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد « رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظَاهر خُفَيْهِ»..يفهم من هذا الحديث أن :" الدِّينَ هو ما جاء به النَّبيُّ المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى وخاتم المرسلين المحتبى -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مِنْ عندِ ربِّ العالَمينَ، وليس ما يَرَى النَّاسُ مِن آراءَ أو ما يَقولونَ بأفهامِهِمْ وعُقولِهِمُ القاصرةِ "..
وكذلك مناسك الحج ولمس الحجر الأسود وتقبيله في قول عمر بن الخطاب فـ : عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- «أنَّه جَاء إِلى الحَجَر الأَسوَدِ، فَقَبَّلَه، وقال:" إِنِّي لَأَعلَم أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ، ولَولاَ أَنِّي رَأَيتُ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُقَبِّلُك مَا قَبَّلتُك»...
إذاً..العبادات كلها توقيفية من الشارع الحكيم.. فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله -عزَّ وجلَّ- وبلغه رسوله -عليه السلام-.. ومعنى هذا أن العبادات لا تكون بالرأي والاستحسان، وإنما تتلقى عن المُشرع، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، تؤخذ من كلام المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-.
وكذلك الصيام فليست علته إحساس الأغنياء بجوع الفقراء.. إذ لو شعروا بجوعتهم لتوقف الغني عن الصيام.. وليس من باب التخسيس للوزن الزائد.. والآية الكريمة التي تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.. كذلك لا تفيد التعليل.. والنص المحمدي الرائع الذي يقول :"أعبد الله كأنك تراه ".. أجاب عن السؤال..
وعليه أقول: إذا صحت العبادة عُمل بها ولو لم تُعلم حكمتها؛ لأنَّ امتثال الناس وطاعتهم في القيام بها من الحِكم المقصودة..
يصلح أن أكمل هذه الجزئية من البحث إذ أن جميع :
- المطعومات على أنواعها و
- المشروبات بأصنافها و
- الملبوسات كذلك لا تعلل..
فلو سكن الخنزير في أرقى البيوت وعالجه أفضل أطباء العالم المتحضر المتقدم لبقى لحم الخنزير عند المسلمين حراماً؛ فليست العلة في طعامه أو شرابه..
كذلك الخمر بأنواعها حرمت ليست للإسكار إذ لو وازن البعض في شرابه قبل وصوله لدرجة الإسكار لكانت حلالا؛ ولكان قليل منها مباح والنص المحمدي يقول:" مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ".. والنص الواضح من :" الْكِتَابِ لَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ﴾ وَالرِّجْسُ : الْحَرَامُ لِعَيْنِهِ.. وَمن السُّنَّة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا ".. مع ما فيها من منافع!..
ولكان اللباس لبعض النساء يختلف عن بعضهن لو كان الأمر متعلق بالجمال والفتنة؛ والكل يعلم أن الجمال نسبي فما تحبه أنت قد يقبحه آخر..
وانظر لملابس الإحرام عند الرجال وعند النساء في عبادة الحج أو العمرة.. فلا تجد علة واضحة بل لا تجدها اصلاً..
وشعر الأم أقرب ما يكون لشعر وليدها الذكر.. وهذا الشعر يغطى وشعرة واحدة من الأنثى البالغة لا يصح أن تظهر بخلاف وليدها الرجل البالغ وإن تشابه الشعران!..
يفهم من ذلك :" أنَّ في الشَّرعِ ما هو تَعبُّدٌ مَحضٌ، وما هو مَعقولُ المَعنىٰ. ".
تتبقى مسألة واجهت البعض منا.. خاصة مَن يعيش في دول الغرب أن بعض الزملاء يقولون:" يصلح أن تمتنع عن الطعام لمدة أكثر من 15 ساعة متواصلة وليس جيداً الإمتناع عن الشراب!"..
والإجابة ستأتي من النص القرآني..
ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
٢٤شعبان 1445 هـ ~ 06 مارس 2024 م.


الاستيراد.. الترقيع
يوم المرأة العالمي..

بناءً على وجهة النظر في الحياة عند الإنسان يعتقد في مجموعة من القيم فتتولد عنده كتلة من المفاهيم عن الحياة الدنيا فيبنى عليهما -القيم والمفاهيم- حزمة من المقاييس في الأفعال والمعايير في التصرفات والأقوال فتستقر عند غالبية افراد مجتمع ما قناعات.. كذلك عادات وتقاليد وسلوكيات.. فيصطبغ هذا المجتمع بلون مبدأ أساسي خاص ينبثق منه مجموعة من القوانين تميزه عن غيره من التجمعات البشرية والمجتمعات الإنسانية والكتل الآدمية وإن اتسعت رقعة هذا المجتمع وشملت العديد من البلدان والمدن والأقاليم.. كـ مبدأ الإسلام أو مبدأ الديموقراطية الرأسمالية.. والإشكال يأتي عند بعض الأفراد من المستورد من مجتمع ما صُبغ بلون مبدأٍ يخصه.. كما يحدث منذ سنوات في المجتمع الخليجي.. والترقيع في ثوب المجتمع الواحد المستقر عنده مبدأ بمفردات مبدأ مغاير له ومعارض يفقده تميزه بل يفقده هويته.. فيتخلى رويدا رويدا عن انتمائه.. والغرب -دول أوروبا والأمريكتان وكندا وأستراليا وأضف إليهم مَن يدور في فلكهم- يصلح أن يكونوا مجتمعا واحدا إذ يسوده مبدأ واحد.. ويحملون نفس القيم ويتجمعون حول نفس المفاهيم ويلتزمون بنفس المقاييس ويتمسكون بنفس القناعات.. ولهم عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم.. ويقابلهم تجمعات بشرية يؤمنون بعقيدة مغايرة ومناقضة لعقيدة الغرب.. وهذا الواقع المشاهد لا يضر فمنذ بدء الخليقة والبشر لم يجتمعوا على مبدأ واحد ولم يتفقوا على عقيدة واحدة طالما لا يوجد صدام مادي عنيف بينهم ولا يصل لحد التنازع العسكري المدمر ويرافق ذلك بعد الهزيمة النفسية أو الاحتلال العسكري أو اضْطَبَع ثقافيا فرض المبدأ بالحديد والنار ومن لا يؤمن تتم تصفيته جسدياً.. والإشكال الحقيقي يكابده من يطلق عليهم أقليات ذات مبدأ مغاير تعيش في مجتمع يطبق مبدأ بعينه ويلتزم بأفكار وقيم ومقاييس وقناعات معارضة لما عند تلك الأقليات.. كـ الأقلية المسلمة في دول الغرب أو الهند.. والتزاوج بين مبدأين يحملان عقيدتان متغايرتان مستحيل.. فيتبقى تسريب فكر يتبعه مفهوم فتتولد قناعة وبمرور الزمن تصير عادة فتصبح قيمة.. وما يلاحظ كثرة احتفالات أيام تبنتها الأمم المتحدة كـ يوم المرأة عالمياً ويوم اللغة العربية دولياً.. وبالتوازي يوم الحب سنوياً ويوم عيد الميلاد ويوم الأم ويوم الأب..
ومن حيث النظر المجرد فكل يوم جديد يولد من رحم الشمس وكل ليلة ينيرها قمر يحتاجا -ذلك اليوم وتلك الليلة- لإحتفال ما؛ فتعلمنا السُنّة المحمدية أنه: كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- يَبْدَأُ يَوْمَه بذِكرِ اللهِ تعالَى، ويُنهِي يَوْمَه بذِكرِ اللهِ تعالَى.. وما بين استيقاظه وبين نومه يسير أعماله وفق مفاهيم وقناعات ومقاييس وقيم الوحي الذي جاء به أمين السماء المَلَك جبريل: أي الإسلام.. فـ «كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ.» .. فيتذكر العبدُ أنَّ الذي أحياه بعد موتته الصُّغرى قد أنعم عليه بنعمةٍ مُتجددةٍ تستحقّ الشُّكر.. فـ يَذكُرُ اللهَ تعالَى على كلِّ أحوالِه.. وبتعدد هيئاته وتصرفاته وليس فقط في حالة المرض أو الشدة والضيق.. أو مناسبة في السنة مرة..
تتبقى مسألة : وهي أنه لا يوجد في الشرع الإسلامي فقه خاص بالمرأة دون الرجل.. فالتكاليف يتساوا -المرأة والرجل- كلاهمافيها دون أدنى تمييز أو اقل تفرقة.. فلا توجد عقيدة نسوية وعقيدة ذكورية.. أو إيمان نسائي وإيمان رجالي.. وكل العبادات والأحكام العملية والمعاملات تخاطب الإنسان بصفته الآدمية وبنعتته بالبشرية وبوصفه إنساناً.. وإذ وجدت حالات خاصة كـ الحيض والنفاس ورطوبة فرج المرأة فهذه مسائل متعلقة بأصل الخِلقة والتركيبة الأصلية للمرأة والوظيفة الحياتية للأنثى.. صحيح يوجد في كتب الفقه على المذاهب الأربعة المعتمدة فقه تحت مسمى: « „ عشرة النساء “ ».. ولا تجد بحث :"عشرة الرجال".. وهذا يعود لعنوان وضعه الفقيه في شرحه وتقسيم المجتهد لسهوله التبويب.. و
المسألة الثانية : أن هذا اليوم قصد به المرأة العاملة دون سواها.. تلك الكادحة دون غيرها.. والمطالبة بـ مساواتها بالرجل في الدرجة الوظيفية والراتب الشهري.. والمطالبة بمزيد من الحقوق في الحياة العامة ومساواتها في كافة مناح الحياة وشؤونها بالرجل.. مما جعل بعضهم يطلب مساواة المرأة في الميراث بالرجل.. بل أفسدت الحياة الإجتماعية في كثير من بلدان العالم والعزوف عن تكوين اسرة والإكتفاء بالإشباع الجنسي دون قيد أو قانون!
المسألة الثالثة: الموقع وكاتب هذه السطور لا يضعا قيدا على حياة الآخرين وكيفية معاشهم وطريقة سلوكهم ولا يقدما حلولا واحدة لكل الناس.. بل كل بعقله وفهمه يختار ما يشاء ولا إكراه في التقييد بمبدأ دون غيره!..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
23شعبان 1445 هـ ~ 05 مارس 2024 م.


الرسل سفراء [ 3]

ثبت بما لا يدع مجالا للشك عن طريق الإدراك المحسوس للأشياء والعقل الناظر فيما حول الإنسان أن مفردات هذه الأشياء في الكون والحياة.. أنها أوجدها واجد.. يملك قدرات مطلقة.. وأنه يجب أن يكون هذا الواجد مختلفا تماما عن الشئ الموجود.. كـ الآله وصانعها.. فهما مختلفان تمام الإختلاف.. وحين تحير عقل الإنسان أسند الأمر إلى الطبيعة.. أو الصدفة.. فجاء السؤال المحير -إذ لم تجد إجابة عند هؤلاء القوم- فمن أوجد الطبيعة.. إذاً.. وقالوا بنظريات تتهاوى واحدة تلو الآخرى في جدال عقيم فتتساقط كأوراق الشجر عند قدوم فصل الخريف عند أقل نسمة وأضعف ريح..
ثم جاء الرد المقنع الموافق للعقل والذي يطمئن القلب فتهدأ الروح وتستريح النفس البشرية من عناء البحث.. جاء الرد بوجود إله قادر خالق رازق مدبر.. منشأ الأشياء من عدم.. مبدع على غير مثال سابق.. ثم أختلف قوم حول طبيعة الإله فدعوا له ولد.. ثم بعد حين جعلوا للإله أماً.. أو جعلوا له بناتٍ: ملآئكة.. أو نحتوا له شبيه من ضعيف تصوراتهم.. أو تقربوا إليه فأوجدوا زلفا له صنما يسجدون له أو تمثالا يتمسحون به أو حيواناً يقدسونه أو قبرا يطوفون حوله.. ومن كان قبلهم حين خاف من قوى الطبيعة عبدها وتقرب إليها بالقرابين.. فـ ..
عجز العقل عن إدراك ألوهية الله وكيفية عبادته:
إن العقل عاجز عن الوصول إلى المعبود الحق ومعرفة أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، بل وكيفية عبادته وما يحب منها ويرضيه.. كما وأنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله -جل وعلا-، ولذا تجد أن العقل يتخبط في هذا الجانب ويحتار، وهنا اختلفت العقول وتباينت معبوداتها، ولك أن تنظر في معبودات الناس قديماً وحديثاً.. ألست تجد اليوم من البشر من توجه إلى عبادة النار واعتقاد أنها الإله وجعل يتقرب إليها ويركع ويسجد أمامها ويعمل على إشعالها وعدم انطفائها. كما أنه لا يزال إلى اليوم من يعبد الأبقار ويعتقد أنها هي الإله. بل تعجب حينما تسمع زعيم الهند (غاندي) الذي قاوم الاستعمار الإنجليزي في الهند يصرح ويقول: "عندما أرى بقرةً لا أعدني أرى حيواناً لأني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع".. بل وصل به الضلال أن فضل البقرة على أمه التي ولدته من رحمها وأرضعته من ثدييها فقال: "وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين، وتطلب منا خدمات طوال العمر، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً ولا تطلب منا شيئاً". بل يصرح ويقول: "إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم وهي إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان.. والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أم للإنسان وهي كذلك.. إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي وهي خير حماية للهند" .. ثم أليست ألمانيا اليوم من كبار الدول الأوروبية وتمتاز بتطورها المادي والعسكري واكتشافاتها الحديثة، فلماذا لم يستطع ذلك العقل أن يعرف من الإله الحق الذي تصرف له العبادة، فتركت كثيراً من أبنائها يعبدون الشيطان ويتقربون له، رغم ما وصلت إليه عقولهم. أم أنها الحرية الدينية وحرية المعتقد التي تقود إلى عبادة الشيطان كما يزعمون.. ألا تنظر اليوم إلى الأرض رغم ما وصلت إليه البشرية من التطور العلمي الهائل والتقدم التكنولوجي العظيم، ومع ذلك فلا يزال كثير من سكان الأرض يعبدون غير الله -عز وجل-، فمنهم من لا يزال ينحث فيعبد التماثيل ويشكل من الأحجار اصناماً ومنهم من يعبد الأبقار والشيطان، بل عَبَدَ بعض الناس فروج النساء وتخبطت البشرية في هذا الجانب تخبطاً سحيقاً..
والخالق المدبر المنشأ المبدع المعيد لم يترك الإنسان في حيرة من أمره بل ارسل للبشر ولكل قوم واسطة منهم يتكلم بلغتهم وعاش معهم قبل نبوته رَدَحا من الزمان تعرفوا على كل أحواله وعرفوا أخلاقه وسلوكه..
وهذا الوسيط -أو ما أتفق على تسميته بـ نبي أو رسول- البشر في حاجة ضرورية ملحة له.. وهذا ما ثبت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة ليتعرفوا عن طريق أقواله وكيفية افعاله ونمط سلوكه وعموم تصرفاته ما يُطلب منهم.. فالنبي ينبأهم بخبر السماء ويخبرهم بأوامر الخالق ويزجرهم عن نواهيه.. والرسول يأتي برسالة صالحة للبشر..
فـ الرسل وسائط بين الإله وبين عباده في تعريفهم بما ينفعهم وإبعادهم عما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعاً بالدعوة إلى توحيد الإله وتعريف الطريق الموصل إليه بطاعته.. وبيان حالهم بعد الوصول إليه.. فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- وسائط بين الله -تعالى- وبين خلقه في التقييد بـ أمره والابتعاد عن نهيه.. وهم السفراء بينه وبين عباده.. لذا تجد الرسل تخبر وتنبأ بـ أصول.. فـ :
- الأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقَدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه، وهي القصص التي قصّها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم.
- والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع وتبيان القوانين والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويبغضه.
- والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنّة والنار والثواب والعقاب..
وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر،. والسعادة والفلاح موقوفة عليها.. ولا سبيل إلى معرفتها إلاّ من جهة الرسل.. فإنَّ العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها.. وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.. كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب والعلاج ومَن يداويه.. ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض أو كيفية التداوي.. وتنزيل الدواء عليه..
وأستطيع أن ألخص احتياج الإنسان إلى الرسالة فيما يلي :
1.]أنه إنسان مخلوق مربوب ولا بد أن يتعرف على خالقه ويعرف ماذا يريد منه ولماذا خلقه ولا يستقل الإنسان بمعرفة ذلك ولا سبيل إليه إلا من خلال معرفة الأنبياء والمرسلين ومعرفة ما جاءوا به من الهدى والنور .
2.]أن الإنسان مكون من جسد وروح.. وغذاء الجسد ما تيسر من مأكل ومشرب وغذاء الروح قرره لها الذي خلقها فأوجدها وهو الدين الصحيح والعمل الصالح والأنبياء والمرسلون جاءوا بالدين الصحيح الرشيد وأرشدوا إلى العمل الصالح النافع.
3.]أن الإنسان متدين بفطرته ولا بد له من دين يدين به -وإن أخطأ الطريق- وهذا الدين لا بد أن يكون صحيحاً ولا سبيل إلى الدين الصحيح إلا من خلال الإيمان بالأنبياء والمرسلين والإيمان بما جاءوا به .
4.]أنه محتاج إلى الطريق الذي يوصله إلى رضى الله في الدنيا وإلى جنته ونعيمه في الدار الآخرة وهذه طرق لا يرشد إليها ويدل عليها إلا الأنبياء والمرسلون .
5.]أن الإنسان ضعيف بنفسه ومتربص به أعداء كثر من شيطان يريد إغواءه ورفقة سوء تزين له القبيح ونفس أمارة بالسوء ولذا فهو محتاج إلى ما يحفظ به نفسه من كيد أعدائه والأنبياء والمرسلون أرشدوا إلى ذلك وبينوه غاية البيان.
6.]أن الإنسان مدني -إجتماعي- بطبعه واجتماعه بالآخرين من الخَلق ومعاشرته لهم لا بد لها من شرع وسن قوانين ليقوم الناس بالقسط والعدل وإلا كانت حياتهم أشبه بحياة الغابة.ـ وهذا الشرع وتلك القوانين لا بد أن يحفظ لكل ذي حق حقه دون تفريط ولا إفراط ولا يأتي بالشرع الكامل إلا الأنبياء والمرسلون .
7.]أنه محتاج إلى ما يحقق به الطمأنينة القلبية والقناعة العقلية والفهم الذهني والأمن النفسي والهدوء الروحي فـ يرشده إلى أسباب السعادة الحقيقية وهذا هو ما يرشد إليه الأنبياء والمرسلون
إذاً : الرسل سفراء الله إلى عباده وهم حملة وحيه .
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــ
الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ [3]
٢١شعبان 1445 هـ ~ 03 مارس 2024 م.


أهم القضايا وأخطرها [2]

من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها الإنسان في حياته الدنيا على الإطلاق وأخطرها بل وأشدها وطأة على نفس الإنسان من حيث التقييد بها: قضية الإيمان بإله واحد.. أي قضية الاعتقاد بـ رب مالك لا شريك له.. له وحده يكون السمع والطاعة وله وحده تكون العبادة ومنه وحده تُطلب الاستعانة والمعونة والاستعاذة.. ودعاؤه لرفع البلاء وجلب الرخاء.. إذ يترتب عليها -قضية العقيدة ومسائل الإيمان- التصديق بوحدانيته وربوبيته والتصديق الجازم بأنه المالك المتفرد في ملكه فيبنى على ذلك أنه الآمر لما يحبه ويرضاه والناهي عما يكرهه ويغضبه.. والأوامر التي وصلت إلينا بطريق قطعي الثبوت: (الوحي) تطلب منا القيام بأعمال على مدار اليوم أو مناسبات العام مع حسن آدائها وفق ما يريد الرب المالك الآمر ووفق ما يحبه الله ويرضيه.. كما ينهى -هو- عن أعمال فيطلب منا الامتناع عن تصرفات إذ أنها تغضبه ويكرهها.. وهنا يحدث تصادم بين آمرٍ -الله- لم نراه ولم نسمعه بل ثبت وجوده عن طريق العقل ثم جاءت أوامره ونواهيه عن طريق النقل وبين مأمورٍ -إنسان- بـ القيام بفعل وحسن آداءه أو الامتناع عن تصرف فـ يترك ولا نقترب من مقدماته..
والإنسان مركب من حاجات عضوية تستلزم الإشباع الحتمي والضروري وإلا هلك ومات.. كـ التنفس والنوم والإطعام والشراب وإخراج الفضلات.. وأيضا في تركيبته الأصلية يحمل بين جنبيه غرائز تتطلب إشباعا ليس حتمياً ولا ضرورياً كـ ميل الذكر إلى الأنثى والتملك وحب البقاء..
ويفهم من هذا أن العقيدة في اللغة تأتي بمعنيين الأول منهما: العقيدة بمعنى الاعتقاد، فهي التصديق والجزم دون شك أو ارتياب، أي الإيمان. والثاني: العقيدة بمعنى ما يجب الاعتقاد به.. وهذا ما يطلق على ما يؤمن به مسلمو أهل السنة والجماعة من أمور التوحيد وأصول الإيمان، وأهمية القضية هذه أنها تستلزم أن تعلم العقيدة.. فهي فرض عين على كل مسلم فقد قال الله -عز وجل- في سورة الزمر: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آية : ٦٥].
أما العقيدة اصطلاحاً: فـ هي التصور الإسلامي الكلي اليقيني عن الله الخالق، وعن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعّما بعدها، وعن العلاقة بين ما قبلها وما بعدها..
فالعقيدة تتناول مباحث الإيمان والشريعة وأصول الدين والاعتقاديات..
وقضية الإيمان ذات شقين : الأول منهما : إخبار من خلال الوحي بأركان الإيمان وتعليم بـ مبادئ الإسلام وتشييد أعمدة بنيان الدين الصحيح: قواعد عقيدة الإسلام.. وهذه تتطلب إيمانا بها جازماً.. لا يتطرق إليه شك أو ارتياب.. وهذا قد يتطرق إلى بعض مفرداته خلل.. وأما الشق الثاني -ولعله الأصعب- الانقياد لأوامره والبعد عن ما نهى عنه..
والخلل في العقيدة وفساد الإيمان يأتي حين يتصور أو يظن المرء أن هذا الشئ يرضي المعبود.. فيصنع له تمثالاً وينحت صنماً ويصور فيجسد من مواد الطبيعة كـ الخشب صورة تقربه إلى الإله الواحد زلفى أو يستغيث بميت لا يملك لنفسه في قبره نفعا أو ضراً.. وتشتد صعوبة التقييد بالأوامر لما يهواه الإنسان ويرغب فيه كـ شرب الخمر أو مجامعة المرأة التي لا تحل له..
فـ العقيدة الإسلامية:هي الإيمان الجازم بــ :
-ربوبية الله تعالى
و
-ألوهيته
و
- أسمائه
و
- صفاته،

و
- ملائكته،
و
- كتبه،
و
- رسله،
و
- اليوم الآخر،
و
- القدر خيره وشره،
و
- سائر ما ثبت من أمور الغيب،
و
- أصول الدين،
وما
- أجمع عليه السلف الصالح،
و

- التسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..
والمعلوم المنظور بأن للإنسان لحظة ما سوف يموت؛ فماذا بعد إنتهاء الحياة في الدنيا!؟ ..
وهذا أخطر ما في قضية الإيمان والتوحيد والعقيدة.. ماذا بعد الموت !..
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ـــــــــــــــــــــ
[2] الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ
19 شعبان 1445 هـ ~ 01 مارس 2024 م.


 حديث الصيام

تَمْهِيدٌ:
الاعداد الفقهي بفهم النصوص.. العلم الصحيح بمسائل التشريع.. الاستعداد البدني.. القدرة الجسدية.. التهيئة النفسية.. الطمأنينة الروحية.. الهدوء القلبي!

بدءَ الإسلامُ الحنيف.. خاتم الرسالة السماوية للبشر أجمعين بعرض الفكرة أولاً.. سواء تعلقت هذه الفكرة بـ الرب.. المالك.. الإله.. الخالق.. المعبود.. الرازق.. أو تعلقت بالفعل من حيث القيام به أو الابتعاد عنه.. أو القول من حيث السماح به أو منعه.. أو التصرف من حيث صحته أو بطلانه.. أو الخُلق من حيث قبحه أو حسنه.. ثم تلي الفكرة في لحظتها كيفية تطبيقتلك الفكرة عملياً والعمل بها سلوكياً.. إذ أن الإسلام نظام حياة وطريقة معينة في العيش ونمط خاص حين يتعامل مع الإنسان..
فـ اثبت إسلام متمم المبتعثين وآخر المرسلين ورسول رب العالمين خاتم الأنبياء -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وجود خالق للأشياء.. والتي أوجدها من عدم.. وأثبت وجود مدبر للكون بكل ما فيه من موجودات ومنظم للحياة لكافة الكائنات.. وتنوعت وسائل إثبات وحدانيةالإله: تارة بالعقل والفهم والنظر واستخدام التفكير.. وتارة بالإدراك الحسي بـ الموجود المحسوس الملموسوالاستدلال بالآثرلما هو موجودومشاهد.. وتلك الموجودات ناقصة عاجزة قاصرة فتحتاج لغيرها لذا احتاجت لمبدعها..
ثم أخذ الإله في الإسلام يتحدث عن ذاته العلية فيذكر لفظ الجلالة: «„الله“ »وهو يخصه هو دون سواه.. ثم يُعدد اسماءَه أو ما أطلق عليه اسماء الله الحسنى.. ويبين صفاته ونعوته..
فهذا الإله.. الله.. هو -وحده-والوحيد الذي يدرك -تماماً- صفاته ويعلم -قطعاً-اسماءه ويدرك -دون غيره-نعوته.. ثم هذا الإله.. الله أخبر بنص قطعي الثبوت.. أخبر بما يكره وما يبغضه.. كما أخبر بما يحبه هو ويريده ويختاره ويرضيه..
وهذا أطلق عليه العبادات؛ إذ أن العبادة اسم جامع لكل ما يقوم به الإنسان من افعال وتصرفات وأقوال وأخلاق..
فالله أخبر بنوع العبادة.. فهي تنظم علاقة الإنسان بخالقه أي بـ ذات الله وتنظم علاقة الإنسان بغيره وتنظم علاقة الإنسان بنفسه.. كما أخبر الإله.. الله بـ كيفية ادائها وكيفية تنفيذها وتحقيقها ومقدارها وزمنها ووقتها ومدى صلاحيتها فتقبل وما يبطلها أو يفسدها فتعاد.. ولعلمه السابق بقدرات المخلوق أوجد بجوار العزيمة الرخصة.. وأفرد لذاته العلية عبادته وحده دون سواه فتنوعت العبادات بين ما هو بدني خالص أو مالي خالص أو مزج بين البدني والمالي..
فجاء الأمر بالصيام -مثلا- أي الآمتناع عن تناول مطعومات كانت حلالا في وقت آخر..والتوقف عن شرابٍ كان حلالاً في زمن ما..ونكاحا كان مسموحا في أي وقت تشاء..
جاء الصيام لعدة سويعات في النهار.. فـ أكرم مَن يؤمنون به بصيامٍ له في شهر أنزل فيه كتبه وصحفه على أنبياءه ورسله!
وقد اعتمد إسلام خاتم الأنبياء ودين آخر المرسلين وتشريع متمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.. أعتمد الاعداد الفقهي والفهمي لكل مسألة من مسائله وجعل العلم بتفاصيلها لحالة كل إنسان اساسا قبل تنفيذ هذه المسألة والقيام بها وليس إثناءها أو بعدها.. كما اعتمد الاستعداد البدني والتناسب الجسدي والقدرة الجسمانية فجعل التكليف بظهور علامات واضحة ظاهرة عند الأنثى والذكر.. ثم خفف التكليف عن صاحب المرض بغض الطرف عن درجته وشدته..ثم حدد حالات آخرى.. وراعى الأنثى البالغة في مسائل تخصها وحدها دون الذكر فرفع عنها -تخفيفاً- بعض مسائل من التكليف العام لخصوصيتها.. وهيأ المناخ بما يسمى بـ التهيئة النفسيةقبل القيام بالتكاليف الشرعية وإثناءها.. فجعل مدخلومقدمات تخص كل عبادة بما يناسبها.. فاكتملت دائرة صالحة لتنفيذ كافة الأحكام الشرعية العملية المنبثقة من عقيدة سليمة وإيمان قوي..
تلك الأحكام المتعلقة بالحياة الدنيا: تبدء بـ :
- فهمٍ وفقه بناء على اجتهاد صحيح من حيث اللغة والنصوص المتعلقة بالمسألة فيحدث :
- علم فــ تتحقق :
- قناعة عقلية ويتم :
- قبول ذهني مع
- وجود بدن سليم واستعداد مع قدرة جسمانية قدر الاستطاعة فـ :
-تهيئة نفسية فـ :
- هدوء قلبي فـ :
- راحة وطمأنينة روحية!
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ
17 شعبان 1445~28 فبراير 2024م


شهر شعبان

تصحيح المفاهيم من خلال فهم سليم لـ أحاديث النبي الڪريم -عليه السلام والتكريم والإنعام-
الْمُقَدِّمَة :" ليلة النصف من شعبان
يستلزم الحديث عن ليلة النصف من شعبان تقديمه بمقدمتين؛
1.]الأولىٰ منهما : تتحدث عن أيام الله -تعالىٰ في سماءه وتقدست اسماؤه-، و
2.]الثانية : تتحدث عن الأخذ بالحديث الضعيف واعتماده في فضائل الأعمال .
المقدمة الأولىٰ :
1.]ورد أثر رواه: محمد بن مسلمة:« إنَّ لِربِّكم عزَّ وجلَّ في أيَّامِ دهرِكم نَفَحاتٍ فتعرَّضوا لها؛ لعَلَّ أحَدَكم أنْ تُصيبَه منها نَفحةٌ لا يشقىٰ بعدَها أبدًا ».
انظر: 1.) الطبراني في المعجم الأوسط: [3/ 180]؛ الحديث: لا يروىٰ هذا الحديث عن محمد بن مسلمة إلا بهذا الإسناد تفرد به أحمد بن عبدة. 2.) وعنده في المعجم الأوسط: [6 /221]؛ 3.) وعند الهيثمي في مجمع الزوائد: [10 /234]؛ وقال الحديث: فيه مَن لم أعرفهم ومن عرفتهم وثقوا.‏‏4.) والألباني في ضعيف الجامع :[1917]؛ حكم علىٰ الحديث بـ الـ ضعيف.
وجاء برواية أبي هريرة :" « إنَّ لربِّكُمْ في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٌ ألا فتعرَّضوا لها ».
انظر: العراقي في : تخريج الإحياء :[1/ 251]؛ الحديث:إسناده مختلف فيه .
بيد أن الحديث جاء بصيغة آخرىٰ مع إضافة؛ والراوي هو مَن نال شرف خدمة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم أنس بن مالك؛ وايضاً أبو هريرة "
1.] « اطلُبُوا الخيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رحمةِ اللهِ، فإِنَّ للهِ نفحاتٍ مِنْ رحمتِهِ، يُصيبُ بِها مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ »... والإضافة « وسلُوا اللهَ تَعَالَىٰ أنْ يستُرَ عوْراتِكُم، و أنْ يُؤَمِّنَ رَوْعاتِكُم ».
انظر : 1.) البغوي في شرح السنة: [3 /155]؛ والحديث: غريب. 2.) ابن عساكر في تاريخ دمشق: [24 /123]؛ والحديث: له متابعة. 3. ) السيوطي في الجامع الصغير: [1103]؛ والحديث: ضعيف. 4.) الألباني في ضعيف الجامع: [902]؛ وعنده في السلسلة الضعيفة:[2798]؛ وفي كليهما الحديث: ضعيف ".
والحديث السابق جاءت بدايته بلفظة :" « افعلوا... » بدلا من « اطلُبُوا... ». ورواه: أنس بن مالك
انظر : 1.) الهيثمي في مجمع الزوائد:[10 /234]؛ والحديث: إسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسىٰ بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة‏‏ . 2.) الألباني في السلسلة الصحيحة:[1890]؛ والحديث: حسن.
كما جاء بلفظة ثالثة :" « تعلَّموا .. »
انظر : أبونعيم في حلية الأولياء :[3 /190]؛ والحديث: غريب من حديث صفوان تفرد به عمرو عن يحيىٰ .
فإذا اعتمدتُ ما حسنه الألباني في سلسلته الصحيحة فـأقول وأفعل بما رواه خادم خاتم الأنبياء -رضوان الله تعالى عليه- عن نبي المرحمة صلى الله عليه وآله وسلم « افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ، يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ، وسَلوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وأنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ ».
نفعل الخير ڪما يرضي ربنا تعالىٰ في سماه وتقدست اسماؤه طوال حياتنا... هذه هي المقدمة الأولىٰ .
فائدة :
يجب أن ننتبه إلىٰ أن الإمام مسلم النيسابوري خرَّج حديثا عن عبدالله بن جابر :" [1224]: وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً ، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ" . [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
والحديث يتكلم عن :" كُلَّ لَيْلَةٍ ".. وليس فقط ليلة النصف.. أي : ثابت في كل ليلة لا يتقيد بليلة مخصوصة، فينبغي تحري تلك الساعة ما أمكن كل ليلة كما قالت الصوفية[تعبير ملا علي القاري] : إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها، فإن جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين، واحتج بهذا الحديث من يفضل الليل على النهار؛ لأن كل ليلة فيها ساعة إجابة موعودة، وليس بذلك في النهار إلا يوم الجمعة، فليجتهد الرجل أن يحيي كل ليلة أو بعضها لعله يجد تلك الساعة، والحكمة في إبهام ساعة الليل كساعة الجمعة، وليلة القدر وصلاة الوسطى للمبالغة في الاجتهاد لتحصيل المراد، وعدم اليأس من الفوت، وعدم الاقتصار على العبادة في وقت دون وقت، وتخليص القلب من العجب والغرور، وكون العبد بين الرجاء والخوف . ".
-**-
أما المقدمة الثانية فاتحدثُ فيها عن :" الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ".
1.)ڪتب ابن تيمية ما قاله: أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ « إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ؛ وَإِذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ؛ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ».
2.)وكتب النووي الشافعي يقول: " وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ :
" ١. " الْمُرْسَلَ وَ
" ٢. " الضَّعِيفَ وَ
" ٣. " الْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ".
3.)وقال السيوطي الشافعي " الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ "
4.)وقال صاحب المرقاة؛ القاري (واظنه حنفي) :" أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لَا يُعْمَلُ بِهِ إِلَّا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ
5.)وقال محمد بن محمد بن عبدالرحمن الرعيني (الحطاب)؛ المالكي :" وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ "
5. 1.)وقال ابن عابدين(الحنفي) :" فَائِدَةٌ: شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ :
[أ. ] عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ ، وَأَنْ
[ب . ] يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ ، وَأَنْ
[ج . ] لَا يُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ .
-*-*-*-
ثم أفصلُ بعض المسائل:
1.) : الآجالُ
1.] :" تُقْطَعُ الآجالُ مِن شعبانَ إلى شعبانَ حتَّى إنَّ الرَّجلَ لِينكِحُ ويُولَدُ لهُ وقد أُخرِجَ اسمُه في المَوْتَى ". :" نسبت روايته إلى :
1.]عثمان بن محمد بن المغيرة..
وإلى:
2.]أبي هريرة؛
التخريج:
1.]ابن كثير في تفسيره : [7 /232]؛ وقال الحديث: مرسل .
2.]ابن رجب في لطائف المعارف : [256]؛ الحديث: مرسل
3.]الشوكاني في فتح القدير : [4 /801]؛ الحديث: غير صحيح
4.]أخرجه الديلمي كما في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني [14 /256]
5.]الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - [6607]؛ الحديث: منكر
وجاء برواية :
2.] :" ينسخُ اللهُ في أربعِ ليالٍ الآجالَ والأرزاقَ : في ليلةِ النصفِ من شعبانَ، والأضحى، والفطرِ، وليلةِ عرفةَ ".. روته: عائشة أم المؤمنين؛ انظر الدارقطني - في لسان الميزان [ 1 /582]؛ الحديث: لا يصح
" خمسُ ليالٍ لا تُرَدُّ فيهن الدعوةُ : أولُ ليلةٍ من رجبٍ، وليلةُ النِّصْفِ من شعبانَ، وليلةُ الجُمُعةِ، وليلةُ الفِطْرِ، وليلةُ النَّحْرِ". رواه: أبو أمامة الباهلي؛ انظر: الألباني؛ في السلسلة الضعيفة؛ [1452]؛ الحديث: موضوع .
" من أحيا اللياليَ الخمسَ؛ وجبت له الجنَّةُ : ليلةَ التَّرويةِ، وليلةَ عرفةَ، وليلةَ النَّحرِ، وليلةَ الفِطرِ، وليلةَ النِّصفِ من شعبانَ". رواه: معاذ بن جبل؛ انظر: الألباني؛ في ضعيف الترغيب؛ [667]؛ الحديث: موضوع .
-*/*-
مدخل ليلة النصف من شعبان
" ليلةُ منتصفِ شعبان، هي ليلة الخامس عشر من الشهر الهجري شعبان، وهي الليلة التي تسبق يوم 15 شعبان، لها أهمية في المنظور الإسلامي إذ ورد فيها عدة أحاديث من نبي الإسلام محمد بن عبدالله- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - يبين فضلها وأهميتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء عند الطرطوشي؛ أنه ڪتب يقول :" اعلموا - رحمڪم الله - أن لأهل العلم في هذه الليلة قولين: فـ :
- قال بعضهم: هي ليلة النصف من شعبان. واستدلوا بما روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ فقوموا ليلتها، وصوموا يومها؛ فإن الله -تعالىٰ- ينزل لغروب الشمس إلىٰ سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له؟ ألا مبتلىٰ فأعافيه؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا كذا؟ ألا كذا؟ ... حتىٰ يطلع الفجر» .
وهذا مذهب عڪرمة مولىٰ ابن عباس؛ قال: " هي ليلة النصف من شعبان، يُبرم فيها أمر السَنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويڪتب الحاج، فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد ".
وروى عثمان بن المغيرة؛ قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تقطع الآجال من شعبان إلىٰ شعبان، حتىٰ إن الرجل لينكح ويولد له، ولقد خرج اسمه في الموتىٰ» .
وقال : قتادة، وابن زيد، ومجاهد، والحسن، وأبو عبدالرحمن السلمي، وأكثر علماء العراق: هي :
- ليلة القدر، أنزل الله -تعالىٰ- القرآن في ليلة القدر من أم الڪتاب إلىٰ السماء الدنيا، ثم أنزله علىٰ نبيه في الليالي والأيام.
قالوا: فيبرم في ليلة القدر من شهر رمضان ڪل أجل وعمل ورزق وما يڪون في تلك السنة.. قال سعيد بن جبير: " يؤذن للحاج في ليلة القدر، فيڪتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يزاد، ولا ينقص ". وقال هلال بن يساف: " انتظروا القضاء في شهر رمضان ".
وعلىٰ هذا القول علماء المسلمين.
وروىٰ ابن وضاح عن زيد بن أسلم؛ قال: " ما أدرڪنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلىٰ النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلىٰ حديث مڪحول، ولا يرون لها فضلا علىٰ ما سواها ".
وقيل لابن أبي مليڪة: إن زيادا النميري يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان ڪأجر ليلة القدر. فقال: " لوسمعته وبيدي عصا.. لضربته ".
وكان زياد قاصا.
والدليل علىٰ صحة هذا القول قوله -تعالىٰ-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾. وهذه الڪناية ڪناية عن غير مذڪور؛ إلا أنه قد جرىٰ في قوله -تعالىٰ-: ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾؛ نزل القرآن ڪله جملة ٰواحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلىٰ السماء الدنيا، فوضع في بيت العزة، وأملاه جبريل علىٰ السفرة،
ثم
ڪان ينزله جبريل -عليه السلام- علىٰ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نجوما. وڪان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون (٢٣) سنة. ألا تراه سماها مُبَارَكَةٍ، وإنما البرڪة من خصائص ليلة القدر؛ من أنها خير من ألف شهر، فهذا هو الخير والبرڪة والمغفرة؟ والاشتقاق يقتضيه أيضا؛ لأنه مأخوذ من التقدير، فتقدر فيها الأشياء؛ أي: يقضي الله -تعالىٰ- فيها قضاء السَنة ڪلها.
وقيل: ليلة العظمة والشرف وعظم الشأن؛ من قولك: رجل له قدر؛ يقال: قدرت فلانا؛ أي: عظمته؛ قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾؛ أي: ما عظموه حق تعظيمه، وهذا تأويل الزُهري.
وقيل: لأن ڪل عمل صالح يوجد فيها من المؤمن يڪون ذا قدر وقيمة عند الله -تعالىٰ-؛ لأنه مقبول.
وقيل: سميت بذلك لأن من لم يڪن ذا قدر وخطر يصير في هذه الليلة ذا قدر وخطر إذا أحياها.
.. وهذه المعاني هي تحقيق البرڪة، فأما مجرد فصل القضاء، وفرق ڪل أمر حڪيم؛ فهو عمل الله -تعالىٰ-. فـ بان بهذا أن قوله -تعالىٰ-: ﴿فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾؛ إنما أراد به ليلة القدر. وقوله -تعالىٰ-: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾؛ أي يفصل ويبرم، هو المعنىٰ الذي ذڪرناه في معنىٰ القدر.
وأخبرني[الحديث للطرطوشي] أبو محمد المقدسي؛ قال: " لم يڪن عندنا بـ بيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلىٰ في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في أول سنة (448) (٤٤٨) ثمان وأربعين وأربع مائة: قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابُلُس يعرف بـ: ابن أبي الحمراء، وڪان حسن التلاوة، فقام، فصلىٰ في المسجد الأقصىٰ ليلة النصف من شعبان، فـ أحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث، ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة ڪثيرة!..
ثم
جاء في العام القابل فصلىٰ معه خلق ڪثير، وشاعت في المسجد.. وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصىٰ، وبيوت الناس ومنازلهم،
ثم
استقرت ڪأنها سُنة إلىٰ يومنا هذا "!.. فقلت له: فأنا رأيتُ تصليها في جماعة؟ قال: " نعم؛ وأستغفر الله منها "! قال: " وأما صلاة رجب؛ فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربع مائة(٤٨٠)، وما ڪنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك ".[ انظر: الطرطوشى محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أبو بكر؛ (المتوفىٰ: 520 هـ) المالكي: "الحوادث والبدع"؛ تحقيق: علي بن حسن الحلبي؛ الناشر: دار ابن الجوزي؛ الطبعة: الثالثة، 1419 هـ - 1998 م].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسأسعىٰ[الرَّمَادِيُ]-بعون من الله تعالىٰ وهداية ورعاية وتوفيق- لتخريج الأحاديث لمعرفة صحيحها من سقيمها.
البحث الأول : الأسماء التي وردت فيها :
ليلة نصف شعبان سُميت :
[1.] ليلة البراءة.
[2.] ليلة الدعاء.
[3.] ليلة القِسمة.
[4.] ليلة الإجابة.
[5.] الليلة المباركة.
[6.] ليلة الشفاعة.
[7.] ليلة الغفران؛ والعتق من النيران
ــــــــ
انظر :" شهاب الدين الفشني: تحفة الأخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان، ص86-88".
ــــــــ
الأحاديث النبوية التي وردت في ليلة النصف من شعبان :
بتتبع ما جاء في العديد من المصادر يمڪنني القول بأن هناك أحاديث صحيحة وآخرىٰ ضعيفة أو موضوعة ـ منڪرة ـ .
*.] "[يا عليُّ] من صلَّىٰ ليلةَ النصفِ من شعبانَ مئةَ [١٠٠] رڪعةً بـ قُلْ هو اللهُ أَحَدٌ قضىٰ اللهُ له ڪلَّ حاجةٍ طلبها تلك الليلةَ وحصل له ڪذا وڪذا وأُعطي سبعين ألفَ [٧٠٠٠٠] حوراءَ وسبعين ألفَ [٧٠٠٠٠] غلامٍ إلىٰ أن قال ويشفعُ والداه ڪلُّ واحد منهما في سبعينَ ألفًا[٧٠٠٠٠]". انظر: القاوقجي؛ في : اللؤلؤ المرصوع؛ [227][187]؛ الحديث: موضوع.
الحديث الأول :
عن معاذ بن جبل قال :« قال رسول الله: " يطلع الله إلىٰ جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" »[1]
الحديث الثاني :
عن أبي بكر قال :« قال رسول الله : "ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله عز وجل"»[2]
ـــــــ
[1] المنذري: الترغيب والترهيب، [2/ 132]، وقال عنه: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما. وانظر السلسلة الصحيحة، لـ: الألباني، [3/135]، وقال: حديث صحيح.
[2] ابن حجر العسقلاني: الأمالي المطلقة، [رقم: 122]، وقال عنه: حسن إن كان من رواية القاسم عن عمه.
الحديث الثالث:
عن عائشة بنت أبي بڪر قالت :« قال رسول الله: " إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلىٰ السماء الدنيا، فيغفر لأڪثر من عدد شعر غنم ڪلب " ».
ــــ
الألباني: تخريج مشكاة المصابيح، [رقم: 1251]، وقال عنه: صحيح لغيره.. قلت: كلب: قبيلة!
ــــ
الحديث الرابع:
عن عائشة بنت أبي بڪر قالت :« قام رسول الله من الليل يصلي، فأطال السجود حتىٰ ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتىٰ حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع إلي رأسه من السجود وفرغ من صلاته، قال: يا عائشة أظننت أن النبي قد خاس بك؟، قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أي ليلة هذه؟؛ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله -عز وجل- يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم ».
ــــــــــــــــ
البيهقي: شعب الإيمان، [3/ 140/ 5]، وقال: مرسل جيد.
ـــــــــــــــــــ
الحديث الخامس:
عن علي بن أبي طالب قال :« قال رسول الله:" إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر"».
ـــــ
الشوكاني، تحفة الذاكرين، [رقم: 241]، وقال عنه: إسناده ضعيف.
ــــــــــــــــ
الحديث السادس:
عن أبي ثعلبة الخشني قال :« قال رسول الله :" يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ».
ــــــ
المنذري: الترغيب والترهيب، [3/ 392]، وقال عنه: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
ـــــــــــــــ
**
النصف من شعبان من منظور الطوائف الإسلامية
[ أ.] السنة:
بحسب رأي بعض علماء السنة مثل:عطية صقر ومحمد صالح المنجد ويوسف القرضاوي، فإنه لم يثبت عن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تخصيصه هذه الليلة بعبادة، ولم يثبت عن الصحابة-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- شيء في هذا.. ولم يأتِ فيها حديث وصل إلىٰ درجة الصحة، والدعاء الذي يقرأه بعض الناس في بعض البلاد، ويوزعونه مطبوعًا، دعاء لا أصل له...
هذا..
فيما يرىٰ علماء آخرون مثل:حسنين محمد مخلوف وعلي جمعة ومحمد علوي المالكي وعبدالله صديق الغماري، وغيرهم بأن الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة صحيحة، وحتىٰ الضعيف منها فيعمل به في هذا الباب لأنه من فضائل الأعمال[(انظر مقدمتي)]؛ ويقولون بأنه قد ورد عن جماعة من السلف(!) اعتناؤهم بهذه الليلة واجتهادهم بالعبادة فيها، ڪما قال ذلك ابن رجب الحنبلي: «وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كـ خالد بن معدان ومڪحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها» .[ابن رجب: لطائف المعارف، [ص: 161].
وڪما قال ابن تيمية:« وأما ليلة النصف فقد رُوي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنهم ڪانوا يصلون فيها، فـ صلاة الرجل فيها [(وحده)] قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينڪر مثل هذا». [ابن تيمية؛ الفتاوى، [23/ 132].]
.. لذا فإنهم يعتنون بهذه الليلة أشد الاعتناء، حتىٰ قال عبدالله صديق الغماري ناصحاً :
فقم ليلة النصف الشريف مصلياً*فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه
فكم من فتىٰ قد بات في النصف آمناً*وقد نسخت فيه صحيفة حتفه
فبادر بفعل الخير قبل انقضاءه*وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه
وصم يومه لله وأحسن رجاءه *لتظفر عند الكرب منه بلطفه
[عبدالله صديق الغماري: حسن البيان، [ص: 16]. ]
[ ب.] الشيعة
ليلة عظيمة القدر عند المسلمين الشيعة، ويسمونها ليلة (القضاء). وللشيعة فيها عبادات خاصة من صلوات وأذكار وأوراد علىٰ أن أهمها زيارة ضريح الحسين والصوم في يوم النصف من شعبان، وفيها أيضاً ولادة الإمام الثاني عشر عند الشيعة المهدي المنتظر حيث يحتفلون ابتهاجاً بها. وفيها أيضاً تحويل القبلة من المسجد الأقصىٰ إلىٰ الڪعبة. جاء في الروايات الشيعية أن مِن برڪتها ألا يعذب الله مولودا ولد فيها، فان ولد في بلاد الڪفر هداه الله إلىٰ الإسلام.
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة‟
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــ ـــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
١١شعبان ١٤٤٥ هـ ~ 22 فبراير 2024 م


عزيز عيني

« „ ولا حياة إلا بكِ يا مِصر “ ».
مصطفى كامل

خفيف الروح.. سيد درويش
لم تكن في نيتي الحديث أو قصدي الكتابة عن القائد الثاني للثورة المِصرية بعد سعد باشا زغلول -فنياً.. موسيقياً والمهئ الفعلي للمظاهرات-.. إذ كنتُ أرغب في الاستماع لآحدى أغانيه العاطفية: خفيف الروح.. من باب تنوع مصادر الاستماع ومنابع التلقي.. وذلك إثناء صباح باكر محمل بتكاليف مثقلة فوق أكتافي.. بعضها روتيني يومي ممل.. والآخر تجديدي إنشائي مستحب.. وأمامي فنجان قهوة على الطريقة المِصرية.. ثم وجدت نفسي أبحث عن سيرته.. فبدأت أكتب عن فنان الشعب..
.. ولد فنان الشعب في 17 مارس 1892 في أسرة فقيرة للغاية بحارة كوم الدكة ~ الإسكندرية.. ويغلب على ظن الكثير أنه قُتل [(فجر 15 سبتمبر 1923)] بواسطة أعوان إحتلال التاج البريطاني لمِصر بطريقة غامضة تخلصاً منه في يوم استقبال الزعيم الأول للثورة: سعد زغلول في ميناء الإسكندرية باب 17.. حين عودته من منفاه بعد سنتين..
.. سمع منذ صغره آحدى خطب مصطفى كامل.. تلك الـ : كلمات التي ألقاها مصطفى كامل في إحدى أشهر خطبه عام 1907م، والتي قال فيها: «بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي.. لكِ حياتي ووجودي، لكِ دمي، لكِ عقلي ولساني، لكِ لُبّي وجناني، فأنتِ.. أنتِ الحياة.. ولا حياة إلا بكِ يا مِصر».
...
تفاعل درويش مع ثورة الشعب المِصري ضد الإنجليز عام 1919، ولحن أغنيته الوطنية الشهيرة "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك.."، والنشيد الوطني المصري "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي"، وأيضا أغنية "أنا المصري كريم العنصرين".
ويصلح للتجمعات المِصرية والعربية والهيئات ذات الصلة أن تحتفل بيوم مولده لتسليط الأضواء على جوانب لشخصيته والاهتمام به ينبغي أن يغلب عليها الجانب الوثائقي!
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
19فبراير 2024م


 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا